د. محمد لغنهاوزن([1]) ترجمة: منال عيسى باقر
ينقسم المجتمع الشيعي الأميركي ـ بنظرة أوّلية ـ إلى مجموعتين كبيرتين: المجموعة الأولى: وتمثّل المهاجرين الذين هاجروا من بلاد المسلمين إلى أميركا منذ حوالي مائة وثمانين عاماً.
المجموعة الثانية: وتشكّل الأميركيين الذين أسلموا نتيجة عوامل مختلفة من جملتها الجهود الدعويّة الصوفيّة. إن أغلب مسلمي هذه المجموعة هم من العرق الأفريقي الذين أسلموا أولاً إسلاماً سنياً، ثم تشيّعوا جراء تأثرهم بشخصية الإمام الخميني قدسَ سره وروحيته، ونتيجة انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
المجموعة الأولى: الشيعة المهاجرون
هاجرت هذه المجموعة من الشيعة منذ حوالي مائة وثمانين عاماً إلى أميركا قادمةً من لبنان وسوريا، حيث سكنت مدن ديترويت وميشيغان وراس وداكوتا الشماليّة وقعت هذه الهجرة بين سنة 1824م إلى 1878م.
ففي عام 1924م أصدرت الدولة الأميركية قانون “Asian Exclusion Act” الذي يقضي بمنع الآسيويّين من دخول أميركا، ويعبّر عن نزعة عرقيّة حادة. تمسّكت الدولة الأميركيّة بهذا القانون لتمنع من دخول الآسيويّين الذين تعدهم ملوّني البشرة، لا يقفون في مستوى واحد من الناحية الثقافية والسلوكية مع الأميركي الأبيض ذي الأصول الأوروبية.
وقد عُدّل هذا القانون بعد الحرب العالميّة الثانية، حيث استطاع الآسيويّون ـ من جملتهم المسلمون والشيعة ـ الهجرة مجدداً إلى أميركا.
وتسكن أكثرية شيعة أميركا في مدينة ديترويت وميشيغان، إضافة إلى ثلاثمائة ألف أمريكي عربي الأصل، حيث يوجد واحد من أكبر المساجد الأميركية في جنوب شرق هذه المدينة، وهو المركز الإسلامي في ديترويت الذي بُني عام 1920م. ويقع هذا المركز بالقرب من مصنع سيارات فورد الأميركية، ذلك أن المهاجرين العرب كانوا في البداية عاملين في هذه المصانع.
أما زعيم هذه الفئة فهو الإمام حسن القزويني المولود في مدينة كربلاء العراقية، وقد تلقى علومه في الحوزة العلمية في قم المقدسة لحوالي عشر سنوات، ثم هاجر سنة 1922م إلى أميركا. وتطالعك أعلى الباب الرئيسي للمسجد صورة كبيرة للإمام القزويني إلى جانبها صورة لجورج بوش.
والجدير ذكره أن هذه الفئة من الشيعة ليسوا كلهم من الأصل العربي، بل فيهم الإيرانيون والباكستانيون وشعوب أخرى من غير العرب. واللافت أيضاً أن هؤلاء المهاجرين لا دور سياسي لهم، فهم يطبقون القوانين الأميركية ويميلون إلى ثقافتها، لأنهم يريدون العيش كالأميركيين، فقد اتخذوا أميركا موطناً للعيش بغية تأمين أمورهم المعيشية لا من أجل الدعوة الدينية، وعندما يتعلق الأمر بحاجاتهم الدينية كإقامة مراسم الزواج والطلاق والدفن، يذهبون إلى المراكز الدينية، ويجتمعون فيها أيضاً ـ كلّ في ولايته ـ لدراسة اللغة الأم.
وثمة مراكز إسلامية أخرى يتجمع فيها كافة المسلمين دون نظر إلى قوميتهم وبلادهم، كالمركز الإسلامي للإمام الخوئي في نيويورك، الذي يشارك الإيرانيون والعراقيون واللبنانيون في مراسمه، إضافة إلى مراكز الإمام علي عليه السلام في نيويورك التي يتردّد إليها الإيرانيون أكثر من غيرهم.
أما على صعيد الأنشطة السياسية للمهاجرين الشيعة، فلا بد أن نضيف أمراً، وهو أن بعض الجماعات والفئات السياسية ما زال لها نشاط سياسيّ فعّال حتى في أميركا، كالساعين إلى عودة النظام الملكي في إيران، والمتعاونين مع رضا بهلوي في كاليفورنيا، كذلك أنصار حركة الحرية، وأنصار خط الإمام الخميني قدس سره، وكذلك المنافقين([2]).
وتوجد مراكز أخرى لا يديرها رجال الدين، بل أناسٌ لا علاقة لهم بالتشيع ولا حتى بالإسلام، يمكن القول: إنهم ضد علماء الدين وضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الناحية السياسية. ويرأس مثل هذه المراكز أطباء أو مهندسون، يلقون خطبة تسبق خطبة الجمعة من غير أن تكون لديهم معرفة بالإسلام وفقهه، وتنسب هذه المراكز ـ سياسياً ـ إلى التيار الليبرالي.
أما فيما يختص بالحجاب، فتراعي النساء حجابها في محيط المراكز المذكورة بل إنهن يتكفلن أحياناً بالمراسم التي تسبق الصلاة.
إلى جانب الفئات المشار إليها ثمة مئات من الجماعات الشيعية الأخرى في أميركا،من بينهم جماعة (أنصار الله)، وهم فريق مكوّن من أعضاء ذوي بشرة سوداء من المهاجرين السودانيين والأميركيين، لديهم اعتقادات غريبة وعجيبة.
ويعتقد زعيم هذه المجموعة ـ وهو سوداني الأصل ـ أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام كانوا ذوي بشرة سوداء، إضافةً إلى اعتقاده أن العرب ذوي النزعة القوميّة رجحوا أبا بكر على الإمام علي عليه السلام لحمرة لونه.
المجموعة الثانية: الشيعة الأميركيون
تضم المجموعة الثانية ذوي البشرة السوداء والبيضاء الذين تشيعوا عبر طرق مختلفة من جملتها الجهود الدعوية الصوفيّة، ويجري التبليغ للحركة الصوفية على يد جماعة (نعمة اللهية)، وزعيمها الدكتور نور بخش، وجماعة الشيخ فضل الله الحائري العراقي.
أوجد أتباع الدكتور نور بخش ومريدوه خانقات متعددة في مدن أميركا وأوروبا، فهم على العكس من أتباع الشيخ فضل الله كليّاً لا يتقيدون بالأحكام الظاهرية للدين.
ولزعيم الحركة الصوفية الثانية قصة مثيرة، فقد كان والده من علماء الدين في النجف الأشرف، وكان مهندس نفط، بدأ نشاطه الدعوي في كاليفورنيا، وقد حاول أن يقدّم نفسه أمام الآخرين أحد رجالات التصوف، وقد اشترى أرضاً جميلة واسعة في مدينة آستين في تكساس، حيث بنى فيها مجمّعاً يضمّ مسجداً ومدرسةً وغرفاً سمّاها (بيت الدين).
حدثت هذه القصة في السبعينات عندما قرر الشيخ فضل الله ترك التقيّة ووضعها جانباً، فكان في ذلك الوقت في أوج نشاطه حيث يعمل في مركزه حوالي مائة وخمسين شخصاً، وفي يوم من الأيام أمر فضل الله مؤذن المسجد أن يقول: "أشهد أن علياً ولي الله، وأشهد أن علياً حجة الله" بعد قوله: "أشهد أن محمداً رسول الله".
أعلن فضل الله بعد العشاءين أنه شيعي أمام المجتمعين الذين حيّرهم موقفه، وأضاف أنه قد أخفى تشيّعه وكان في حالة تقيّة، أما الآن فلا حاجة للتقية؛ إذ لا يمكن أن يلاحقهم أحد، فهذا المركز لهم.
بعد هذه الحادثة، تركه قسم من أنصاره حيث رفضوا ما أعلنه، أما البقية فقد تشيّعوا وأكملوا نشاطاتهم، فأسّسوا دار "الزهراء" للنشر، ومجلة نور الدين الفكرية.
وإثر الضغوطات والمعاناة التي تعرض لها الشيخ فضل الله من جانب الدولة الأميركية قرّر الذهاب إلى إنجلترا، ولم يتوان عن العمل حتى في جنوب أفريقيا أيضاً. وظل أنصاره في أميركا يحسبون عليه، حيث اشتهروا بترجمتهم لكتب قيّمة مثل ترجمة كلشن راز لشبستري، وبعضاً من مؤلفات حيدر العاملي.
والصوفيون في أميركا فرق وجماعات متعدّدة، وعادة ما لا يشاركون في الحياة السياسية، فهم أصحاب مكاشفات معنوية يهتمون بالسير والسلوك، معظمهم من الفنانين والشعراء والكتّاب، وليسوا تجاراً أو أصحاب مصانع، لم تحب الجماعة الصوفية الثقافة السائدة المهيمنة في أميركا، إنهم جماعة لا تتبع ثقافة العرف ولا تتأثر بها.
يخاف شيعة أميركا ـ ذوو البشرة السوداء ـ سياسة أميركا أكثر من أي فئة أخرى حيث يعتبرونها وثقافتها ظالمة، فيسعون إلى محاربتها بأي وسيلة ممكنة حتى بتلك غير المألوفة أو المتعارفة، كما أنهم على علاقة خاصة بالجانب العرفاني في شخصية الإمام الخميني قُدس سره، على الأخص ذوو الأصل الأفريقي منهم.
والجدير ذكره في هذا الموضوع أن المهاجرين الشيعة يتشبهون بالأميركيين (assimi lation) وثقافتهم على عكس الفئة الثانية ـ أي الأميركيين المتشيعين ـ التي تعارض سياسة أميركا وثقافتها، ممّا يؤدي إلى تضارب وجهات النظر فيما بينهم.
كما تنشط جماعات شيعية أخرى في أميركا، من جملتها جماعة الخوجه (khoja) في كونيز نيويورك، والتي اشتهرت بمؤلفاتها المطبوعة مثل كتاب "Tachrike Tarasile Quran".
ويعتبر عون علي خلفان العضو الفعّال في هذه المجموعة، وقد طبع لأول مرة عام 1988م ترجمة شاكر الإنجليزية للقرآن، وترجمة مير أحمد علي.
وثمة مؤسسة شيعية أخرى ـ إضافة إلى هذه المراكز الإسلامية ـ أسست حوزة علمية صغيرة في محافظة نيويورك بالقرب من كندا، كما ويوجد مؤسسة أخرى تأسست عام 1986م، وهي "المؤسسة الشاملة للمسلمين الإثنا عشريين في أميركا الشمالية"
(North America Shia lthna Asheri Muslim Zomunicathion Nasimco Organization)
وتسعى هذه المؤسسة إلى بث روح الوحدة داخل الشيعة في أميركا الشمالية، وأعضاؤها ليسوا أفراداً بل مؤسسات ومراكز شيعية، فقد هيّأت أرضية التعاون بين المؤسسات في المجال الديني والثقافي والاجتماعي والاقتصادي. وهناك مؤسسة "الاتحاد العالمي للمسلمين الشيعة الخوجة" (The World Fedration Khoja shia Commnities)، وهي مهمة ومشهورة يديرها الحاج حسين الولجي.
إضافة على تلك التي سلف الكلام عنها، هناك الكثير غيرها من المراكز والمؤسسات التي تنشط في المجال الإسلامي، إلا أن ما يتوجب ذكره ـ من وجهة نظرنا ـ هو سير شيعة أميركا السير التاريخي ليهود أميركا الذين انقسموا إلى تيار تقليدي وإصلاحي ومعتدل.
من هنا انقسم المسلمون أيضاً إلى تيارات ثلاثة:
التيار الأول: وهو التيار التقليدي المتقيد بجميع الأحكام الإسلامية، حيث يسعى أصحابه للحفاظ على دينهم في الوقت الذي يعانون فيه من الثقافة الأميركية المهيمنة. وتضمّ هذه الفئة المهاجرين والأميركيين والمسلمين.
التيار الثاني: وهو التيار الذي يريد العيش مثل الأميركيين، فيحاول أصحابه التشبه بثقافتهم. إنهم يعتبرون أن القيم المهيمنة على الثقافة الأميركية هي القيم الحقيقية. ويشمل هذا التيار بعضاً من المهاجرين وبعضاً من مسلمي أميركا الذي تلقّوا هذه الأفكار، لأن الإسلام العملي ـ من وجهة نظرهم ـ أيسر من الثقافة الغربية.
التيار الثالث: وهو التيار المعتدل الذي يرفض تشدد التيار التقليدي وتمادي التيار الآخر. وقد برز هذا التيار بشدة أكبر بعد هجمات الحادي عشر من أيلول.
وثمة فريق من الشيعة أصابه اليأس والإحباط على إثر ضغوطات الدولة الأميركية مما دفعه إلى التخلي عن الإنخراط في المشروع الثقافي والسياسي الأميركيين، حتى أن جماعة من هذا الفريق كانت مستعدة للعودة إلى بلادها نتيجة ذلك، فيما يسعى فريق آخر إلى الالتفاف حول بعضهم أكثر، وليس واضحاً ما ستؤول إليه الأمور والأوضاع من الناحية السيسولوجية.
وقد أعلن فريق آخر التعاون مع أميركا لمواجهة الإرهاب، مما استدعى بعضاً من المجموعات الشيعية إلى نسبة الإرهاب إلى السنة والسلفيين، حيث اعتقدوا أن هؤلاء الإرهابيين ـ بالأخص الأصوليين ـ غير مستعدين للتعاون مع أميركا ومصالحها.
إن الشعب الأميركي لا يدرك الفرق بين السني والشيعي، حتى أنه لا يعرف أن طائفة السيخ ليسوا بمسلمين، لهذا فهم يضربون ويشتمون كثيراً من أصحاب العمائم، مما أجبر جماعة السيخ على وضع علامة خاصة على ملابسهم حتى يقولوا: إنهم ليسوا بمسلمين.
وقد أصدر في هذا الصدد الحاج حسين ولجي ـ الذي سبق الكلام عنه ـ بياناً بعد الحادي عشر من أيلول أدان فيه الإرهاب، حيث أعلن في سياق دعمه للحرب ضد الإرهاب تعاطفه مع جورج بوش، وذكر بكلام كان قاله بوش من قبل: "المسلمون ليسوا سيئين جميعاً"، وتابع ولجي: إننا نحن ـ مثل سبعة ملايين مسلم ـ نعتبر أميركا وطننا، فنحن أكثر المسلمين نشاطاً وفعالية من بين جميع المسلمين، من هنا لا بد أن نساعد المسلمين الآخرين لأجل معرفة القيم الأميركية وإدراكها حتى تنخفض نسبة العداء لأميركا والتنفّر منها.
كما أدان الإمام حسن القزويني ـ إمام الجماعة في أكبر مسجد في ديترويت بعد هجمات أيلول ـ هذه الهجمات في الراديو والتلفزيون والكنائس، ووصف حياة المسلمين في أميركا بالجيدة، وانطلاقاً من هذه لا بدّ للمسلمين من حبّ وطنهم الجديد حبّاً شديداً.
وكأن هدفهم من هذه الأقوال والأفعال طمأنة أميركا بعدم الخوف منهم، يريدون القول: إنهم أناس جيدون يعملون كالشعب الأميركي، إلا أنهم يذهبون إلى المساجد بدلاً من الكنائس، يطلبون بذلك عدم الأذية من الشعب الأميركي.
لقد أدت هجمات الحادي عشر من أيلول إلى فتح علاقة المسلم بغيره، لا لأن غير المسلم قد أسلم أو دخل في الدين الإسلامي، بل لأن المسلمين أرادوا تعريف غيرهم بمعتقداتهم ومراكزهم الإسلامية. وأعتقد أن هذا العمل قد تأخر إلى حد معين، إلا أنه لا زال مهماً ومفيداً. ففي هذا المجال أعدّت جميع المساجد والمراكز الإسلامية ـ تقريباً ـ برامج مختلفة لتعريف المسيحيين وزعماء المذاهب الأخرى بالمعتقدات الإسلامية.
وتختلف وجهات النظر في أميركا حول المجتمع الإسلامي وحول عدد مذاهبه اختلافاً كبيراً، فقد أعلنت مجموعة أن عدد مسلمي أميركا لا يتجاوز المليونين. وإذا أردت أن تراجع المرجع التلفوني تجد أنهم أكثر من ذلك. وقد اعتمدت هذه المجموعة في حسابها على عدد أعضاء المساجد والمراكز الرسميين مضيفةً عليهم عدد أولادهم، متوصلة إلى هذا العدد، فيما اعتبرت فئة أخرى أن مجموع مسلمي أميركا يتراوح بين ثماني وعشرة ملايين، ويتراوح عددهم بين ستة إلى سبعة ملايين شخص حسب تخمين فئات منصفة، وضمن هذا الوضع هناك الكثير من الشيعة لا إحصاءات محددة لهم.
[1]ـ بروفيسور أميركي، وعضو في الهيئة العلمية لمؤسسة التعليم والثقافة للإمام الخميني.
[2] - يقصد الكاتب بالمنافقين جماعة مجاهدي خلق، المعارضة للنظام الإيراني (الراصد).
_____________________________
المصدر: المنهاج العدد 39 – خريف 1426 - 2005