يتأثر شيعة السعودية كغيرهم من الشيعة سلباً وإيجاباً بالأوضاع الإقليمية, وتطورات الأوضاع في بلدهم, لكن الثابت أن علاقة الشيعة بالسعودية ليست إيجابية في معظم أوقاتها, وقد بدأت المعارضة الشيعية للدولة السعودية منذ وقت مبكر, فقد أنشأ محمد الحبشي سنة 1925 جمعية شيعية اعتبرتها السلطات غير قانونية, وفي سنة 1948 وصلت القلاقل الشيعية إلى حد الانفجار في مظاهرات واسعة النطاق وفوضى عمّت "القطيف" بقيادة محمد بن حسين الهراج, حيث كان المتظاهرون يطالبون بالانفصال عن المملكة, وكان من أسباب الدعوة إلى الانفصال ظهور النفظ في شرق المملكة, وتعاظم أهميتها الاقتصادية.
وفي سنة 1949 اكتشفت الحكومة وجود جماعة ثورية([1]) بالقطيف تعمل تحت اسم جمعية تعليمية, فقامت بحل الجمعية ومات أحد زعمائها وهو اليساري عبد الرؤوف الخنيزي في السجن, وامتدت هذه الحركة إلى الجبيل سنة 1950.
وظلت الاضطرابات والمصادمات مستمرة بين شيعة المنطقة الشرقية والسلطات السعودية في أعوام 1953 و 1970 و 1978([2]) .
إيران:
ومع قدوم ثورة الخميني في فبراير سنة 1979, كان شيعة السعودية على موعد مع الأمل, إذ أن هذه الثورة التي انقاد لها معظم الشيعة في العالم أوجدت لديهم الرغبة في الحكم وتأملوا بصعود نفوذهم, ففي أواخر سنة 1979, اندلعت الاضطرابات الواسعة في القطيف وسيهات وجاءت متزامنة مع أيام الحداد الديني لدى الشيعة (عاشوراء) واحتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران, وأحداث جهيمان في مكة المكرمة([3]) , كما أنها جاءت استجابة لنداء الخميني لشيعة السعودية بالثورة على آل سعود, وفي 19 نوفمبر سنة 1979 سحق الحرس الوطني السعودي المظاهرات الشيعية واستمرت الاضرابات حتى نهاية ذلك العام.
وبالرغم من التأثير الكبير للثورة الإيرانية على شيعة السعودية, إلا أن هذا التأثير بدأ بالنزول بسبب تجاوزات نظام الخميني في الداخل وعجزه عن إحراز نصر حاسم على العراق([4]) .
وظلت علاقات السعودية بشيعتها غير ودية, وكانت علاقة المملكة المتوترة مع إيران إحدى أسباب هذا "اللاود", حيث كانت دول الخليج ومن ضمنها السعودية مسرحاً للتخريب الإيراني, والاعتداء على السفارة السعودية في طهران, وبلغ التخريب أوجه في محاولة الاعتداء على بيت الله الحرام, وإفساد موسم الحج عامي 1987 و 1989م.
إلا أنّ سنوات التسعينات وبعد وفاة الخميني وانتهاء الحرب العراقية الإيرانية شهدت تقارباً إيرانياً مع معظم دول العالم([5]) , ومنها السعودية, حيث توقفت الحملات بين البلدين, وتوثقت العلاقات الاقتصادية, وتوالت الزيارات لكبار المسؤولين من كلا البلدين, ووقّع البلدان اتفاقية أمنية سنة 2001م تعتبر علاقة مميزة في العلاقات بين البلدين.
وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا التقارب بين السعودية وإيران على شيعة السعودية, ومن ذلك الاتفاق الذي تم بين الحكومة السعودية والمعارضة الشيعية في الخارج وعلى أثره أغلقت مكاتبها وعادت إلى السعودية دون ملاحقات.
العراق:
وجاءت الأحداث المتسارعة في العراق, وسقوط نظام صدام حسين, والصعود الكبير للشيعة لتنعش آمال شيعة السعودية, حيث قام 450 شخصية شيعية في المملكة فور انتهاء الحرب على العراق, وبدء الظهور الشيعي هناك بتوجيه عريضة إلى ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز يطالبون فيها بتحسين أوضاعهم، وأن تتاح أمامهم الفرص, وباستلامهم لمناصب عليا في مجلس الوزراء، والسلك الدبلوماسي، والأجهزة العسكرية والأمنية، ورفع نسبتهم في مجلس الشورى.
كما طالبوا في العريضة بالتوقف عن وصف مذهبهم بالكفر والشرك والضلال, والسماح بإدخال الكتب والمطبوعات الشيعية إلى البلاد, واستحداث جهة رسمية للأوقاف تابعة إدارياً لوزارة الأوقاف كما هو الحال في البحرين والكويت.
وقد عبّرت هذه العريضة عن مختلف الأطياف الشيعية, إذ أنها لم تقتصر على رجال الدين, فقد وقّع عليها علمانيون وشيوعيون وشخصيات عادية, كما أنّها شهدت للمرة الأولى مشاركة شيعة المدينة المنورة في العرائض, حيث ولّد الوضع عندهم وعند غيرهم ثقة بالغة بالنفس.
كما طالبوا بأن تحترم الحكومة السعودية جميع المذاهب ومنها المذهب الشيعي, كما طالبوا بأن يكون لهم تمثيل في المؤسسات الإسلامية التي ترعاها المملكة كرابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية والمجلس الأعلى للمساجد.
البحرين:
وفي البحرين التي حقق فيها الشيعة إنجازات هامة مع قدوم الشيخ حمد بن عيسى 1999 كإطلاق سراح المعتقلين، وعودة المبعدين، وإنشاء الجمعيات السياسية، وإصدار الصحف والمنتديات، والدخول إلى المجلس النيابي ومجالس البلديات.
والتغيرات التي حدثت في البحرين والعراق والتي ترتبط ارتباطاً كبيراً بالمنطقة الشرقية تؤثر في شيعة السعودية.
ومن أبرز الذين وقّعوا على هذه العريضة: محمد سليمان الهاجري قاضي محكمة الأوقاف والمواريث بالإحساء, وعلي ناصر السلمان وحسن الصّفّار وهاشم السلمان وهم من رجال الدين, وزكي الميلاد رئيس تحرير مجلة الكلمة, ومن رجال الأعمال جعفر الشايب وحسين النمر وأحمد النخلي ورضا المدلوح…([6]) .
الحرب على الإرهاب
وعملت المتغيرات العالمية والحرب على الإرهاب في الضغط على الحكومة السعودية وتم تحميلها المسؤولية أو جزءاً منها في أحداث نيويورك وواشنطن سنة 2001, وبدأ القادة الأميركيون يوجهون هجومهم نحو السعودية وسياستها ومنهاجها التعليمية, وكانت الورقة الشيعية إحدى الأوراق التي تهدف إلى الضغط على الحكومة السعودية وإظهارها بمظهر المعادي لحقوق الإنسان.
واستغل الشيعة هذا الأمر وبدءوا يعلنون مطالبهم ويكثرون من الشكوى, وأدى هذا إلى قيام الدولة السعودية بعقد الحوار الوطني السعودي لأول مرة بين علماء السنة وممثلين عن الشيعة والإسماعيلية وغيرهم.
وقد كان لهذا الحوار أصداء كبيرة لم تظهر للآن النتائج المترتبة عليه, لكن الشيعة سعياً لتحقيق المزيد من المكاسب يستخدمون سياسة تصعيد المطالب والاستمرار فيها من أجل إرباك الدولة والاستفادة من حاجة السعودية للأمن لتحسين صورتها في الإعلام العالمي بالتصريح لوسائل الإعلام أنهم مظلومون وأنهم مقموعون وهكذا.
المراجع
1- الأصولية في العالم العربي – ريتشارد دكمجيان.
2- هموم الأقليات – التقرير السنوي الأول لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في مصر لسنة 1993.
3- تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدّامة – د. محمد عبد الله عنان.
4- وجاء دور المجوس – د. عبد الله الغريب.
5- أطلس تاريخ الإسلام – د. حسين مؤنس.
6- التاريخ الإسلامي – الجزء السابع – محمود شاكر.
7- ملوك العرب – أمين الريحاني.
دوريات ومواقع
1- القدس العربي.
2- شبكة الدفاع عن السّنة.
3- الوكالة الشيعية للأنباء.
([1] ) لاحظ انتشار الأفكار الثورية دائماً بين الشيعة، وهذا يؤكد الصلة بين التشيع والشيوعيين؛ لأنهم من مصدر يهودي!
([2] ) ريتشارد دكمجيان, الأصولية في العالم العربي ص204.
([3] ) أصدر شيعة السعودية كتاباً في الثناء على جهيمان وتمجيد ثورته بعنوان "دماء في الكعبة!" وذلك لأنهم يرون أن نجاح جهيمان في القضاء على الدولة السعودية يفتح لهم باباً واسعاً للقضاء عليه فيما بعد.
([4] ) المصدر السابق ص206.
([5] ) وذلك بسبب السياسة الشيعية الجديدة (الانفتاح الثقافي) ولاحظ أنها جاءت بعد السياسة الشيوعية البيروسترويكا الإصلاح!! وكيف أن إيران والشيعة في الدول العربية قد حصلوا على مكاسب بالدبلوماسية لم يستطيعوا الحصول عليها بالثورة والعنف, ثم للأسف بعض أهل السنة الآن يتخذ العنف الوسيلة الوحيدة للعمل؟!
([6] ) انظر القدس العربي 1/5/2003.