آخر تحديث للموقع :

الجمعة 9 ربيع الآخر 1446هـ الموافق:11 أكتوبر 2024م 10:10:01 بتوقيت مكة
   أنظر كيف يحث علماء الشيعة أتباعهم على هجر القرآن ..   عند الشيعة من لا يعتقد بتحريف القرآن لا يعتبر من شيعة أهل البيت ..   مصحف آل الصدر وسورة مقتدى الصدر ..   هل هناك فرق بين الله عزوجل والأئمة عنتد الشيعة؟ ..   يعتقد الشيعة أن القرآن من دون العترة كتاب ضلال ..    مشاهدات من زيارة الأربعين 2024م ..   تم بحمد الله إصلاح خاصية البحث في الموقع ..   ضريح أبو عربانة ..   شكوى نساء الشيعة من فرض ممارسة المتعة عليهن ..   باعتراف الشيعة أقذر خلق الله في شهوة البطن والفرج هم أصحاب العمائم ..   قصة الجاسوسة الإسرائيلية في إيران ..   طقوس جديدة تحت التجربة ..   تحريض مقتدى الصدر على أهل السنة ..   فنادق جديدة في بغداد وكربلاء لممارسة اللواط ..   يا وهابية: أسوار الصادق نلغيها ..   حتى بيت الله نحرقة، المهم نوصل للحكم ..   كيف تتم برمجة عقول الشيعة؟ ..   لماذا تم تغيير إسم صاحب الضريح؟ ..   عاشوريات 2024م ..   اكذوبة محاربة الشيعة لأميركا ..   عند الشيعة: القبلة غرفة فارغة، والقرآن كلام فارغ، وحبر على ورق وكتاب ظلال ..   الأطفال و الشعائر الحسينية .. جذور الإنحراف ..   من يُفتي لسرقات وصفقات القرن في العراق؟ ..   براءة الآل من هذه الأفعال ..   باعترف الشيعة أقذر خلق الله في شهوة البطن والفرج هم أصحاب العمائم ..   الشمر زعلان ..   معمم يبحث عن المهدي في الغابات ..   من كرامات مقتدى الصدر ..   من صور مقاطعة الشيعة للبضائع الأميركية - تكسير البيبسي الأميركي أثناء قيادة سيارة جيب الأميركية ..   من خان العراق ومن قاوم المحتل؟   ركضة طويريج النسخة النصرانية ..   هيهات منا الذلة في دولة العدل الإلهي ..   الشيعة والآيات الجديدة ..   من وسائل الشيعة في ترسيخ الأحقاد بين المسلمين ..   سجود الشيعة لمحمد الصدر ..   عراق ما بعد صدام ..   جهاز الاستخبارات الاسرائيلي يرفع السرية عن مقطع عقد فيه لقاء بين قاسم سليماني والموساد ..   محاكاة مقتل محمد الصدر ..   كرامات سيد ضروط ..   إتصال الشيعة بموتاهم عن طريق الموبايل ..   أهل السنة في العراق لا بواكي لهم ..   شهادات شيعية : المرجع الأفغاني إسحاق الفياض يغتصب أراضي العراقيين ..   محمد صادق الصدر يحيي الموتى ..   إفتتاح مقامات جديدة في العراق ..   كمال الحيدري: روايات لعن الصحابة مكذوبة ..   كثير من الأمور التي مارسها الحسين رضي الله عنه في كربلاء كانت من باب التمثيل المسرحي ..   موقف الخوئي من انتفاضة 1991م ..   ماذا يقول السيستاني في من لا يعتقد بإمامة الأئمة رحمهم الله؟ ..   موقف الشيعة من مقتدى الصدر ..   ماذا بعد حكومة أنفاس الزهراء ودولة العدل الإلهي في العراق - شهادات شيعية؟ ..

" جديد الموقع "

شريعت سنگلجي ..
الكاتب : شريعت سنگلجي ..

توحيد العبادة
شريعت سنگلجي

(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (11/87)
 
(أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) (12/38)
 


تأليف العلامة المُصلح آية الله
شريعت سنگلجي
المتوفى سنة (1363هـ)
 
 
عناية وتحقيق                                           أشرف على الترجمة
خالد بن محمد البديوي                                        عبد الله جمعة البلوشي


ترجمة المؤلف
اسمه: شريعت بن محمد حسن سنگلجي([1]).
ولد عام (1310هـ).
نشأته وتعلمه: والده هوالشيخ حسن كان ابن عم الشيخ فضل الله نوري([2])، تعلم العلوم الابتدائية عند أبيه ثم دخل في مدرسة ميرزا زكي وهي من المدارس المعروفة بكثرة طلابها في طهران العاصمة في حي (سنگلج)، اشتغل بطلب العلم عند العلماء في وقته، فقد أنهى دروسه النهائية في سلم التفقه في الحوزة العلمية(المسمى مرحلة الخارج) عند الحاج الشيخ عبد النبي النوري (ت:1344هـ)، وتعلم الحكمة والفلسفة عند ميرزا حسن الكرمانشاهي (ت:1334) والعرفان عند ميرزا هاشم الاشكوري (1332هـ)، كما تتلمذ عند الشيخ علي النوري والشيخ فضل الله النوري، ثم رحل مع أخيه الشيخ محمد سنگلجي إلى النجف لإكمال دراسته، وحضر دروس علماء معروفين هناك مثل السيد ضياء الدين العراقي(ت:1361هـ)، والسيد أبو الحسن الأصفهاني(ت:1365هـ)، وعند رجوعه من النجف في عام (1340هـ) اشتغل بالوعظ والتبليغ وعمره ثلاثون عاماً.
وقد كان للعلامة شريعت سنگلجي نشاط ثقافي بارز في عهد رضا خان البهلوي، وكانت جهوده منصبة على تجديد الدين في حياة الناس، وأما الجمهور الذي هلل لأفكار العلامة شريعت سنگلجي فهم المثقفين المتدينين الذين لم تعجبهم الخرافات وكانوا يتطلعون إلى صيغة دينية بعيدة عن الاساطير([3]).
وقد تميز العلامة شريعت سنگلجي في وقته بتركيزه على شرح القرآن الكريم وبيان ثوابته، وقد أحدث هذا الاتجاه أثراً حتى في أوساط بعض الرموز العلمية عند الشيعة الإمامية، ومن هؤلاء آية الله الطالقاني الذي حاول الاقتراب من القرآن، وهذا ما أكّده رسول جعفريان بقوله (إن توجه آية الله الطالقاني كان من طريق سنگلجي وخرقاني وليس كما يقول البعض أنه متأثر بجمال الأفغاني ومحمد عبده)([4]).
 

أبرز معالم منهج العلامة شريعت سنگلجي
أولا: محاربة الخرافات، وتنقية التوحيد.
يقول الكاتب الشيعي المعاصر رسول جعفريان عن العلامة شريعت سنگلجي: (وهو بظنه كان يناضل من أجل إزالة الخرافات..) ويذكر جعفريان أن سنگلجي كان يريد إبعاد الخرافات عن الدين لأنها في نظره ليس لها جذور في المذهب الأئمة([5]).
ويقول شريعت سنگلجي رحمه الله: أنا أعتقد أن ما يورده الجهلة ويشغبون به عليّ إنما هو بسبب دعوتي للإصلاح التي قدمتها في هذا الكتاب -أي كتاب توحيد العبادة- وكتب ومحاضرات أخرى، حيث بيّنت الإسلام الصحيح الذي هو إسلام السلف، والذي تكون نتيجته دحض كثير من الخرافات وهدم كثير من المعابد الوثنية.
والذين قرءوا مقالاتي وتدبروا في القرآن وتعلموا التوحيد والإسلام لن يتأثروا بالدعاوى الباطلة وكلام حماة الخرافات، بل سيميّزون الباطل والأوهام، وفي المقابل فسوف يرفع المنتفعين من الخرافات أصواتهم بذمِّنا بكل طريق ممكن، لأنهم يرون أن منافعهم في خطر)([6]).
ويرى المؤلف رسول جعفريان أن سنگلجي ينتمى إلى فئة من العلماء قريبة من الوهابية.
 
ثانياً: نقض فكرة عدم فهم القرآن بدون تفسير الإمام، وبيان أن القرآن سهل ميسر للفهم.
يقول رسول جعفريان (وكان شريعت يقول ليس هناك أي آية أو كلمة في القرآن لا يمكن أن يفهمها البشر، وبطن القرآن هو نفس التفسير والتأويل وهو نفس ظاهر القرآن) اهـ ، وبطبيعة الحال فإن هذا أمر غير مقبول عند أغلب الدوائر العلمية الإمامية، وسترى في طيات هذا الكتاب تحذير المؤلف من الأصوات التي تدعي أن القرآن لا يمكن فهمه، أو أنه محرف وكشف مقاصد أصحاب هذه الأقوال([7]).
ثالثاً: الاعتماد على منهج في الاستدلال يتضمن الاستدلال بروايات وكتب أهل السنة والجماعة مع مصادر الشيعة، وهذا ما يتضح من خلال هذا الكتاب.
رابعاً: التجديد في الدين.
حيث سعى المؤلف رحمه الله إلى تقديم رؤية حضارية للدين، تقوم على التمسك بالإسلام الصحيح وتطوير طرق تعلمه وتعليمه مع الأخذ بكل سبل التطور والرقي الدنيوي، وهذا ما أقر به الكاتب الشيعي المعاصر رسول جعفريان حيث قال عن العلامة سنگلجي: (كانت نظرته إلى الإسلام نظرة يمكن أن نجعلها في إطار الإسلام الحضاري المتقدم)([8]).
خامساً: الاستقلال في المنهج.
حيث لا يمكن للمطلع على هذا الكتاب أن يصنف المؤلف من الإمامية، كما أنه لا يجد أن المؤلف يزعم بأنه من أهل السنة والجماعة، والحقيقة أن المؤلف لا يفصله عن منهج أهل السنة إلا الاسم فقط، وبيان ذلك أن العلامة شريعت سنگلجي انتهى إلى ترك القول بالإمامة مع التدين بالاحترام والولاء لأهل البيت والصحابة رضي الله عنهم ويقدّر للجميع جهدهم وجهادهم في نشر التوحيد وهذا هو مذهب أهل السنة، خلافاً للتيار الغالب على الشيعة الإمامية والذي يتبنى نظرية العداء بين الآل والأصحاب وغيرها من البدع والمحدثات.
 
 
مسيرة المؤلف من خلال كلماته
اجتهاد في التحصيل رجاء توفق الله والنتيجة هي الهداية.
(أقول: إن العبد الفقير الفاني [شريعت سنگلجي] قد اجتهد منذ سنوات في مطالعة فنون عدة بحسب طاقته البشرية فتعلم التفسير، والحديث، والكلام، والفلسفة، والفقه، وأصول الفقه، والتاريخ، مستيقناً بقول الله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلناً) حتى اهتديت بهدى القرآن، وميزت بين الحق والباطل حسب الطاقة وبمعرفتي للإسلام الحنيف عرفت الأوهام والخرافات والبدع ورددت عليها بما عرفت من هدي القرآن).
بداية المواجهة:
بدأ شريعت سنگلجي بيان آرائه ودعوة الناس إلى ترك الخرافات والبدع سنة(1345هـ) وعمره (35عاماً). يقول رحمه الله:
(إن الكلام بما يخالف عقائد الناس وبيان خرافاتهم أمرٌ صعب جداً خطير للغاية، وقد ابتليت بذلك منذ ستة عشر عاماً)([9]).
لحظة مهمة في حياة المؤلف:
(أنا شخصياً كان لي خاتماً من حديدٍ صينيٍ كنت قد رأيتُ له خواصَ (فضائل) في الكتب، كان منها أنه إذا كان في اليد حُفظ صاحبه في المفاوز والبحار من الآفات، ولهذا السبب لما عزمت على السفر لحج البيت الحرام أخذت معي ذلك الخاتم، ولما كنت ذاهباً من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة؛ كان عندي كتاباً في الحديث كنت أطالعه في الباص، وإذ بي أفاجأ بمشاهدة هذه الأخبار التي نقلتُها، فلما دققت النظر فيه؛ قلت يا ويلي، كم كنت في جهل بالتوحيد والإسلام!! أنا محرم وحاج لاأسافر إلى بيت الله وفي يدي صنم! لماذا لا أعتقد أن الله رب العالمين هو الحافظ فقط؟ كيف أعتقد في أن حجراً يحفظني مع أنني أنا الذي أحفظه؟.. عندها حدثت ليَ حالة من الفزع لا أستطيع أن أشرحها, فبدأت أستغفر ونزعت الخاتم من يدي ورميته في الصحراء وقلت: (ليس من طبيعة العاشق أن يكون في قلبه معشوقان. والحمد لله رب العالمين).
شريعت سنگلجي يصدع بالحق خوفا من لعنة الله
(رأيت أن أبيّن ما علمني ربي من المطالب والمقاصد الإسلامية الثابتة، وأن أشرح لطلاب الحقيقة ومحبِّي الفائدة وأيقنت أنني إن لم أفعل ذلك فسأكون داخلاً في قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذا ظهرت البدع في الدين فعلى العالم أن يظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله)([10])).
المواجهة والابتلاء
(تلقيت مصاعب في تأليف هذا الكتاب ونشره، - ومثله كتاب مفاتيح فهم القرآن، ومحاضرات ليلة الخميس - لأن بعض الجهلة والذين لا يعرفون حقيقة التوحيد كانوا يشنُّون عليَّ الغارة تلو الغارة، بل أنهم لم يألوا جهداً في الافتراء عليّ طاعة لأنفسهم وأهوائهم).
سبب حربهم له
(أنا أعتقد أن ما يورده الجهلة ويشغبون به عليّ, إنما هو بسبب دعوتي للإصلاح التي قدمتها في هذا الكتاب وكتب ومحاضرات أخرى، حيث بيّنت الإسلام الصحيح الذي هو إسلام السلف، والذي تكون نتيجته دحض كثير من الخرافات وهدم كثير من المعابد الوثنية).
دوافع خصومه
أولاً: كما يقول العلامة سنگلجي (هو حسد بعض الأقران)
ثانياً: لأن آراءه تهديد مصادر أرزاق خصومه
يقول رحمه الله (وليعلم جميع إخواننا أن حرب هؤلاء علينا ليست حرباً دينية بالأساس بل هي حرب مادية اقتصادية)
ثالثاً: ظهور آراء أثر آراء المؤلف بين الناس
(أنه قد ظهر تأثير كتبنا ومحاضراتنا بحول الله وقوَّته بشكل كبير لدى أصحاب العقول النيِّرة، وساهمت كلماتي في تعريف الناس بالقرآن، ومن المسلَّم به أن الشخص إذا تعرّف على حقائق القرآن فإنه سينفكّ عن أهل الدعاوى الباطلة، ولن يستطيع أي كاهن أو شيطان من الإنس أو الجن أن يغلبه، وهذا ما يملأ قلوب أصحاب الدعاوى الباطلة حسدا وغيظاًً، لأنهم يرون أن منافعهم في خطر عظيم، فسيسعون بكل وسيلة إلى الإبقاء عليها).
تهديده بالقتل:
(أنا شخصياً هددونني بالقتل، وحرِّضون الناس علي بشكل مستمر (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب)، وأحياناً يصوِّرون أقوالي بصورة الباطل ويصورنها بأنها أكاذيب، ولا يعلمون أن ما كان لله فإنه يبقى وينمو مهما كان، يقول تعالى: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء)
شريعت سنگلجي يمضى في دعوته لا يلتفت للتهديد
(ويجب أن يعلم الأعداء أن هذه الحال لن تدوم، وأن محاربتهم لكلام الله بالافتراء والأكاذيب وإخفاء حقائق القرآن سيستمر، وليعلموا أن الله معنا بحوله وقوته..نقول الحق ونكتب ولا نخاف لومة لائم أو ضرر الأرذال والسفلة، نسأل الله أن يبارك في عملنا).(ولن يمنعنا أبداً همّ الخبز أو الخوف على أرواحنا من إظهار حقائق الإيمان).
وفاته:
توفي شريعت سنگلجي رحمه الله سنة (1363هـ) عن عمر يناهز الثالثة والخمسين.
مؤلفاته:
كتاب مفتاح فهم القرآن (كليد فهم القرآن)، وقد أثار هذا الكتاب جدلاً واسعاً وقته في إيران، وذلك لأن المؤلف فسر القرآن بطريقة توافق الطريقة صحيحة حيث اعتماد على الآيات في بيان توحيد الله ونفي الخرافات والغلو، كما أن مما أثار اللغط حول كتابه اعتماد المؤلف لمصادر أهل السنة كمصدر معتبر به في فهم القرآن.
توحيد العبادة -وهو الكتاب الذي نقدم للقارئ ترجمته باللغة العربية-.
كتاب الإسلام.
محاضرات ليلة الخميس.
الموسيقى([11]).
عملنا في الكتاب:
تمت ترجمة النص من الفارسية إلى اللغة العربية (نقل معنى النص الفارسي إلى معنى النص العربي).
كما قمت بتخريج الأحاديث التي ذكرها المؤلف من كتب الشيعة وكتب أهل السنة، وسجلت بعض الإحالات لبعض المواضع المهمة، وبخصوص الأشعار التي وضعها المؤلف في الأصل فقد نقلت معناها مترجمة في نص نثري أدبي يتضمن توضيح المعنى الذي تحدث عنه المؤلف في الأبيات.
وبخصوص الآيات فقد أبقيتها بالطريقة التي جرى عليها المؤلف في الإحالة، بحيث يسجل رقم السورة ثم رقم الآية، فعلى سبيل المثال إلى قال(7/55) أي (سورة الأعراف/ الآية 55)
وما يوجد في المتن ما بين معكوفتين [ ] فهو من وضعي للتوضيح سواء كان عنواناً أو في وسط النص.
ونظراً لأن المؤلف في الأصل لم يكثر من الحواشي فالأصل في النص المترجم أن الحواشي من المحقق وما كان من المؤلف فسوف أضع في نهايته (شريعت).
كما قمنا بتقديم ترجمة للمؤلف وعرض للكتاب
وأسأل الله تعالى التوفيق في الدارين.

 
عرض للكتاب
 
مقدمة الطبعة الثانية:
تحدث فيها المؤلف عن انتشار الطبعة الأولى ونفاد نسخها حتى بيعت النسخة بعشرة أضعافها ما دعاه إلى إصدار الطبعة الثانية، كما ذكر أنه أضاف في هذه الطبعة مسائل وتوضيحات لبعض الفصول كالحديث عن مسائل الاستغاثة بغير الله.
كما تعرض المؤلف لذكر المصاعب التي واجهته في تأليف ونشر آراءه وكتبه ومنها هذا الكتاب، ومن هذه المتاعب تهديده بالقتل، وبيّن أن كل ذلك بسبب طرحه آراء تخالف العقائد الخرافات التي يروج لها أناس تقوم مصالحهم المادية والاقتصادية في بقاء الخرافة.
 
مقدمة الطبعة الأولى:
خصّصّها المؤلف لشرح حديث (بدأ الإسلام غريباًً وسيعود غريباً كما بدأ...) الحديث، حيث بين المؤلف حقيقة الغربة الأولى التي عاشها الإسلام، وأنها نفس الغربة التي ألقت بظلالها على المسلمين في العصور المتأخرة، ولخّص معالم هذه الغربة بإعراض الناس عن توحيد الله تعالى وعدم إفراده بالعبادة، ولم يُخْف المؤلف شدة أسفه على تخلي المسلمين عن حقائق دينهم وقبولهم للخرافات والبدع الباطلة إلى درجة صارت فيها أسواق التوحيد كاسدة ومتاجر الشرك مكتظة، الأمر الذي دفعه لتأليف هذا الكتاب.
الجزء الأول من الكتاب: حقائق حول توحيد العبادة
تحدث المؤلف في هذا الجزء عن مقدمات في توحيد العبادة وهي ضرورة الإيمان بأن القرآن حق لا يأتيه الباطل، وأن الغاية التي بُعث بها الأنبياء -كما في القرآن- دعوة الناس إلى إفراد الله بالعبادة وترك عبادة من سواه، كما بين المؤلف أن التوحيد نوعان هما الربوبية والألوهية أو التوحيد العلمي القولي والتوحيد العملي الإرادي، ثم وضّح المؤلف معنى العبادة وأن أكمل المراتب التي يصل إلى الإنسان هي مرتبة العبودية، وأن عبادة الله واجب لا يسقط إلا بالموت، ثم تحدث المؤلف عن اختلاف العلماء في أفضل مراتب العبادة وبيّن أن أحسن الأقوال هو أن أفضلها ما كان خالصاً لله وكان موافقا لمقتضى حال كل شخص.
الجزء الثاني من الكتاب: الشرك وأنواعه.
تحدث المؤلف عن الشرك فبين أنه قسمان الأكبر وهو عند المؤلف شرك التسوية بين الخالق والمخلوق من كل وجه، والأصغر وهو صرف شيء من خصائص الله لغيره، ثم تحدث عن بعض أنواع الشرك وصُوره ومنها: الاعتقاد بالتأثير الغيبي للأحجار والحِلَقة والخواتم والتبرك بها أوبالأشجار، وكذلك الذبح أو النذر لغير الله، والدعاء والاستغاثة بغير الله تعالى، وكذلك الاعتقاد بتأثير النجوم (التنجيم)- وهنا استطرد المؤلف فبيّن مذاهب الصابئة ومناظرة ابراهيم الخليل لهم.
كما بيّن المؤلف أن من أنواع الشرك الأصغر التطيّر والتشاؤم وفي مقابل هذا وضّح المؤلف منهج الإسلام في الحث على التفاؤل.
كما أن من أهم موضوعات التي تطرق لها المؤلف بيان أن الغلو في الصالحين سبب كفر بني آدم، وتوضيح حقائق مهمة حول التوسل والوسيلة بين العبد وربه.
ثم تحدث المؤلف عن نوع من أنواع الشرك الأصغر وهو الرياء، ثم عاد إلى موضوع الشفاعة فعرفها وذكر أنواعها في القرآن، وشروط حصول العبد على شفاعة الشافعين، وأخطاء الناس في التعامل مع الأسباب.
ثم تحدث المؤلف عن كيفية ظهور عبادة الأوثان وعبادة الأموات مبيناً أهم الأحكام التي وضعها الإسلام لسد الطرق التي قد توصل الناس إلى عبادة القبور، ثم بيّن المؤلف الزيارة المشروعة للقبور وفوائدها، ثم تطرق لسبب ظهور عبادة الأوثان والأحجار والأشجار؛ وأشار إلى تحريم الإسلام لصنع التماثيل والمجسّمات حماية للتوحيد وسدّاً لذرائع عبادة الأوثان.
ثم ختم المؤلف كتابه ببيان أن التوحيد هو أساس الفضائل، ثم الحديث عن كيفية ظهور الشرك والخرافات بين أهل الإسلام.
أخيراًَ: ذكر المؤلف قائمة بالمراجع التي استفاد منها في تأليفه للكتاب وهي57 مرجعاًً.
 
محقق الكتاب
خالد بن محمد البديوي

 

قدمة الطبعة الثانية

(الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أما يشركون)
(إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان)
(إن الله وملائكته يصلّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً)
لما خرجت الطبعة الأولى من هذا الكتاب حَظِيت باهتمام أولي الألباب، واعتنى بها غاية رجالٌ موحِّدون وعلماء أجلاَّء، وقلّت النُّسخ في الأسواق حتى صارت النسخة تباع بعَشْر أضعاف قيمتها، فرأيت أن أقدم طبعة أخرى حتى لا يقع الإجحاف بأموال العقلاء، كما أنني تلقيت طلبات كثيرة لهذا الكتاب من بلدان أخرى، ولهذا صممت بحول الله وقوته أن أقدم هذه الطبعة الجديدة.
[تنبيهات]
أولاً: سيجد القارئ الكريم في هذه الطبعة زيادات مهمة في الحديث عن مسألة الاستغاثة بغير الله، وتقديم الذبائح للبشر، وأسباب وقوع عبادة الأوثان، والحديث عن أهمية التوحيد وأنه أساس الفضائل وغيرها من المسائل.
ثانياً: حرصت في هذه الطبعة على تشكيل الآيات والأحاديث، خلافاً للطبعة الأولى، تسهيلاً للقارئ لا سيما الذي لا يُحسِن العربية.
وقد تلقيت مصاعب في تأليف هذا الكتاب ونشره، - ومثله كتاب مفاتيح فهم القرآن، ومحاضرات ليلة الخميس - لأن بعض الجهلة والذين لا يعرفون حقيقة التوحيد كانوا يشنُّون عليَّ الغارة تلو الغارة، بل إنهم لم يألوا جهداً في الافتراء عليّ طاعة لأنفسهم وأهوائهم.
نعم؛ إن الكلام بما يخالف عقائد الناس وبيان خرافاتهم أمرٌ صعب جداً وخطير للغاية، وقد ابتليت بذلك منذ ستة عشر عاماً، ولا أدَّعي بأنني بِدعاً من الناس، ففي كل عصر وزمان يوجَد أُناس يختصّهم الله بفهم أكثر، فإذا بيّن هؤلاء أخطاء الناس ابتلوا بنُفرة كثير من أهل البدعة وعداوتهم.. والواجب أن نعرف أن الناس ليسوا كلهم علماء. فـ(الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) (16/78)
الحقيقة الثابتة تدل على أن الجّهال في الغالب هم الأكثرية، وأن أهل الاستقامة هم الأقلية، ولو كان الجهلة يعلمون لما عاشوا هذه السنوات في جهل وضلال.
أنا أعتقد أن ما يورده الجهلة ويشغبون به عليّ, إنما هو بسبب دعوتي للإصلاح التي قدمتها في هذا الكتاب وكتب ومحاضرات أخرى، حيث بيّنت الإسلام الصحيح الذي هو إسلام السلف، والذي تكون نتيجته دحض كثير من الخرافات وهدم كثير من المعابد الوثنية.
والذين قرءوا مقالاتي وتدبروا في القرآن وتعلموا التوحيد والإسلام لن يتأثروا بالدعاوى الباطلة وكلام حماة الخرافات، بل سيميّزون الباطل والأوهام، وفي المقابل فسوف يرفع المنتفعين من الخرافات أصواتهم بذمِّنا بكل طريق ممكن، لأنهم يرون أن منافعهم في خطر.
وليعلم جميع إخواننا أن حرب هؤلاء علينا ليست حرباً دينية بالأساس بل هي حرب مادية اقتصادية، وياليت هؤلاء المنتفعين مقتنعين بهذه الخرافات، لأن الدفاع عن العقيدة أمر حسن، فإن كان هؤلاء متمسكين بالدين، فلماذا يتعرضون لي بشكل دائم، وأنا إنما أدعو إلى رب العالمين، ونهج سيد المرسلين، وإلى الاستعداد للآخرة والتزود من العلم والتقوى.
وقد شاع في مجتمعنا آلاف المنكرات والبدع، وقامت فئات متعددة بمحاربة الإسلام والقرآن، فلماذا لا يتصدى الذين ينكرون علي لأمثال هؤلاء!..
العجب أنهم يذمون طريقتي، ولا يقومون بتبصير من يذهبون إلى أماكن الرقص والخمر ويقعون في أكل الربا والاحتكار ونحوها من المنكرات الجسام!! ولماذا لا ينبهون الناس ويدعونهم لترك قراءة الكتب الضالة والمقالات المنحرفة التي ساهمت في إفساد الدين والأعراض! لماذا يصرّ أناس على منع الناس من قراءة هذا الكتاب وكتاب مفتاح فهم القرآن وسماع الكلمات النافعة!
أسباب الهجوم:
الأول: هو حسد بعض الأقران، فالحاسد إذا لم يستطع أن يبلغ مرتبة المحسود فإنه يجتهد في تحقير الآخر وتصغير مقامه بين الناس، ولكن ليُعلم (أن الحسود لا يسود)، وأن الشخص إذا عمل عمله ابتغاء مرضاة الله فلن يؤثر فيه حسد الحسَّاد.
قال أحدهم لشيخه: أنا أنهى عن المنكرات من زمن لكنني أخاف من أهلها أن يصيبوني بضيق في رزقي، فقال له الشيخ: لن يفعل هذا بك إلا الله تعالى ومتى ابتلاك الله فثق بأنه سينجيك من بلايا الدارين.
الثاني: أنه قد ظهر تأثير كتبنا ومحاضراتنا بحول الله وقوَّته بشكل كبير لدى أصحاب العقول النيِّرة، وساهمت كلماتي في تعريف الناس بالقرآن، ومن المسلَّم به أن الشخص إذا تعرّف على حقائق القرآن فإنه سينفكّ عن أهل الدعاوى الباطلة، ولن يستطيع أي كاهن أو شيطان من الإنس أو الجن أن يغلبه، وهذا ما يملأ قلوب أصحاب الدعاوى الباطلة حسدا وغيظاًً، لأنهم يرون أن منافعهم في خطر عظيم، فسيسعون بكل وسيلة إلى الإبقاء عليها.
أنا شخصياً هددونني بالقتل، وحرِّضون الناس علي بشكل مستمر (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب) (40/30)، وأحياناً يصوِّرون أقوالي بصورة الباطل ويصورنها بأنها أكاذيب، ولا يعلمون أن ما كان لله فإنه يبقى وينمو مهما كان، يقول تعالى: (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء) (14/30)
ولا بد أن يعلم الجميع أن كلمة الحق لا تُمحى بأصوات المفسدين، وأن الغلبة والدولة تكون في نهاية المطاف للحق، وأن الباطل يظهر زيفه بعد أيام قلائل.. وإذا تقلبت الأحوال فلا ينبغي أن نظن بأن الفساد سيكون هو المنتصر ولو رأينا المفسدين يحققون بعض مكاسبهم وهم فرحين -ظانين بأن الحال ستدوم على منوال واحد-، بل يجب أن نستيقن بأن باطلهم سيزول.
إننا نشهد فترة تاريخية عصيبة لم يسبق للتاريخ أن مرّ بمثلها، من الدمار وتقلبات الدول.. وبلا شك فإن هذا اختبار إلهي، ولهذا يجب أن ننتبه حتى لا نخسر الامتحان، لاسيما وأننا نرى كثيراً من الناس ظهرت حسراته من خلال سيطرة الجهل عليهم وبُعدهم عن الأخلاق الحسنة، وعن تقوى الله، وظهور النفاق وكثرة القتل وهتك الأعراض والاحتكار وعدم التراحم بين الناس وكثرة الظلم والتشاتم وانتشار كل هذه الأمور الخطيرة بدرجة يجعل العاقل يفر إلى الله تعالى.
ويجب أن يعلم الأعداء أن هذه الحال لن تدوم، وأن محاربتهم لكلام الله بالافتراء والأكاذيب وإخفاء حقائق القرآن سيستمر، وليعلموا أن الله معنا بحوله وقوته..نقول الحق ونكتب ولا نخاف لومة لائم أو ضرر الأرذال والسفلة، نسأل الله أن يبارك في عملنا.
وليعلم القارئ الكريم أن مخافة الناس تكون بسبب أمرين: إما بسبب الطمع في أموالهم، أو مخافة ضررهم وأذيتهم، وقد وجدنا علاج هذين الأمرين في مَشْفَى أمير المؤمنين [علي عليه السلام] حين قال: (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقرِّبان من أجل ولا ينقصان من رزق)([12]).
ولن يمنعنا أبداً همّ الخبز أو الخوف على أرواحنا من إظهار حقائق الإيمان.
يقول سعدي([13]): (نصيحة الملوك مقبولة ممن لا يخاف على رأسه ولا يرجو الذهب).
والمقصود أن يقنِّع الإنسان نفسه بقلّه الطعام، وأن لا يألف مخالطة الفجرة اللئام.

مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان من دانت له السماوات والأرض بالعبودية، والحمد لله الذي شهدت له جميع الخلائق على اختلاف ألسنتهم بالربوبية، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المجتبى وأشرف المخلوقات وأفضل البرية، وأصلي عليه وعلى آله كما صَلَّى اللَّهُ وملائكته عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضلا صلاة وأكمل تحية.
يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسده الناس من السنة]([14]).
[ بدأ الإسلام غريباً ]([15])
لما ظهر الإسلام كان غريباً، لأن الناس في ذلك الزمان لم يكونوا يعرفون من الإسلام شيئاً، فمقاصد الإسلامية وقوانينه المقدسة كانت غير معروفة لدى العرب وغيرهم، فأحكامه الجديدة تخالف عقائدهم وعاداتهم، إذ كانوا منهمكين في عبادة الأوثان والأحجار والقبور والنار، وغيرهم كان يعبد الأنبياء أو الملائكة، قال تعالى:(ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون)(3/8)
كما أنّ النصارى كانوا يعبدون عيسى عليه السلام، والصدوقية([16]) من اليهود كانت تعتقد أن عزيراً ابن الله، والحاصل أن الأشياء كلها كانت تُعبد من دون الله تعالى، وكان الهدف الأساسي من بعثة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعوة الناس إلى عبادة الله وحده، وهو ما كان يخالف عقائدهم وعاداتهم إذا أمر بصرف العبادة لله وحده ونفيها عن الأوثان ونحوها، ولذا كانوا يتعجبون من أقوال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما يحكي القرآن قول المشركين: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب) (38/4).
ولمّا قال الرسول لهم قولوا: (لا إله إلا الله تفلحوا)، تعجب المشركون وقالوا: كيف يمكن أن نعبد إلهاً واحداً؟ ولماذا يريد هذا الشخص أن يمنعنا من عبادة الآلهة ويجعلها لله وحده فقط.
[ وسيعود غريباً كما بدأ ]
معناه أن لا يبقى من التوحيد الحقيقي وفضائل الأخلاق والسنة بين المسلمين إلا اسمها ويحلّ محلها الشرك والرذائل والبدعة، وأن يصبح الداعي إلى التوحيد مَعِيباً مذموماً.
للأسف كأن الإسلام ومقاصد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الأيام صارت نسياً ومنسياً بين المسلمين، ولشدّة غربة الإسلام قد يُظن أنه لا يمكن إعادته بأي وسيلة، فقد أحاطت ظلمة الجهل وعبادة الأوثان بالإسلام، وظهرت البدعة على أهل القرآن حتى لا يمكن غسلها بأي ماء، ولا يمكن بيان زيفها بأي لسان.
وظهر دعاة الباطل والضلال باسم الداعية إلى الحق لإلقاء التفرقة والاختلاف مستغلين جهل المسلمين، وقلة اطلاعهم على القرآن وحقائق الدين جهلهم بمقاصد دعوة سيد المرسلين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأولئك الدعاة الذين يحاولون إضلال الجُهّال، يسعون لإيقاع الناس في التهلكة وخسارة الدنيا والآخرة.
(قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون)(39/46).
واليوم صرنا نبكي دماً؛ لأن الإسلام المحرف والخرافات الباطلة حلّت محلّ الحقائق الدينية التي لا يعرفها كثير من الناس، الذين لم يقرؤوا سطور العلوم الدينية ولم يتعلموا القرآن والسنة والنبوية وأخبار أئمة الدين (ع) بل هم أبعد ما يكون عن المعارف الحقة وتعاليم خاتم المرسلين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومقيدون بأغلال الشرك والخرافات، وبالتحقيق كثير منهم خارجون عن الدين وعن شريعة سيد المرسلين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأولئك والعوام الذين ليس لديهم أي معلومات من الدين يظنّون أن دعاة الضلال هم حملة الدين ودعاته.
وأما الذين نسوا القوانين السماوية ولم يعملوا بما في القرآن وافتروا عليه، ويقولون أن القرآن محرّف، وغير قابل للفهم، ويدَّعون أن للآية سبعون معنى، فهؤلاء كيف يكونون على الهداية؟ ولماذا يخربون دينك يا الله؟
افتحوا عيونكم أيها المسلمون لكي لا تُضلكم مثل هذه الكلمات وتبعدكم عن القرآن، واستعيذوا بالله من شرّ هؤلاء الدجّالين المضلين، ولا تغرنكم مقالات الزنادقة الذين يدّعون بأن القرآن محرّف أوغير قابل للفهم، فهؤلاء يريدون هدم مصادر دينكم وجعل البدعة والخرافات مكانها.
أين تاج التوحيد الفاخر الذي ألبسه الرسول الأمين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمتَهُ؟ قد خلعه كثير من المسلمين واستبدلوا الإسلام بالخرافات وعبادة الأوثان.
اليوم نرى الإسلام الصحيح غريباً إلى أن يشاء الله له الغلبة، وهكذا نرى المسلم الحقيقي اليوم غريباً وحيداً بين الناس، وكيف لا يكون غريباً مع أناس تفرقوا في عقائدهم وعاداتهم إلى اثنين وسبعين فرقة، بل إلى أكثر، كل حزب يتبع شخصاً أحدث مذهباً وبدعة، وكل واحد من مدّعي الباطل يسعى لترويج مذهبه بلباس الإسلام، ويرفعون أصواتهم بشتى النداءات الباطلة.
أحدهم يدّعي أنه هو الله، والثاني يدّعي النبوة، والآخر يدّعي الإمامة والولاية، ولكل هؤلاء أتباع وأنصار، ويضيّعون عمر العوام في إشغالهم بتقبيل يد هذا أو رجل ذاك أو السجود لغير الله.
والحاصل أنهم مصرّون على معصية الله ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنهم يخالفون القرآن حينما يتبعون مقاصدهم وأهواءهم ويتركون حكم القرآن، مع أن القرآن لا يأمر إلا بطاعة الله ولا يدل إلا على إصلاح النفس والتقوى ونحوه من الفضائل.
ولهذا هم مضّطرون لإنكار حجّية القرآن، حتى لا تتعطل أسواق باطلهم وحوانيت الضلالة والبدعة، وحتى يضمون سيطرة الخرافات والأوهام على عقول الناس، وهؤلاء هم الذين يشتكي الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة منهم عند الله سبحانه: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) (25/31).
يقول تعالى: (إن الله يهدي من يشاء)، فلو أنعم الله سبحانه على أحد بالبصيرة في الدين، والسير على سنة سيد المرسلين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وأعطاه فهماً وتدبراً في كتابه الكريم وجنبه البدع والخرافات؛ فيجب عليه أن يشكر الله سبحانه ويتتبع سبيل القرآن، ويجب عليه أن يسعى سعياً حثيثاً في محاربة أهل البدع وبيان ضلالهم وتنفير الناس منهم، وبلا شك فإن هذا الرجل سيكون غريباً بدينه لأنه لم يوافق الناس في عقائدهم الباطلة، حيث تمسك بسنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، لأن البدعة شائعة، وسيكون غريباً في عقيدته لأن الشرك والخرافة لهما الرواج، وسيكون غريباً في المجتمع لأنه لم يوافق الناس في أهوائهم.

 
الموحّد أسواقه كاسدة لأن بضاعته هي التوحيد والأخلاق وليس لها مشتري
ليعلم كل مسلم غريب بدينه أنه لا ناصر له إلا الله، وأنه يجب أن لا يبالي بالناس، فالكافي له الله وحده، فليفر إلى ربه ولينزع خوف الناس من صدره، وليصبر على أذاهم.
نعم قد يكون في الظاهر وحيداً، بلا مساعد من الناس، ولكن ليعلم أنه ليس وحيداً في هذا الطريق، لأنه يمشى في طريق قد سلكه من قبله أكابر البشر وساداتهم، كنوح الذي نجاه الله، وشيخ الأنبياء إبراهيم خليل الله، وموسى، وعيسى، ثم آخرهم وأشرفهم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، كل هؤلاء كانوا في هذا الميدان، وليعلم السالك أن في هذا الطريق قد استشهد فيه علي المرتضى، وأن فيه قتل الحسن المجتبى بالسم، واستشهد الحسين رضي الله عنه، وفي هذا الطريق أيضاً أسر زين العابدين وحُبِس موسى بن جعفر، وهكذا سار في هذا الطريق حكماء ومفكرون أفذاذ، يقول علي رضي الله عنه:(لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله)([17]) فليطمئن داعية التوحيد ما دام يعلم أن جميع الأنبياء ومنهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا في هذا الطريق فيكون هو مع الله ومع رسل الله (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)(65/4)، (كتب الله لأغلبَنَّ أنا ورسلي)(58/22)
(فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسده الناس من السنة)
أي فطوبى للغرباء الذين يفهمون الدين ومقاصده ويقدرون على التمييز بين التوحيد والشرك، والسنة والبدعة، ويصلحون ما أفسده الناس من السنة.
أقول: إن العبد الفقير الفاني [شريعت سنگلجي] قد اجتهد منذ سنوات في مطالعة فنون عدة بحسب طاقته البشرية فتعلم التفسير، والحديث، والكلام، والفلسفة، والفقه، وأصول الفقه، والتاريخ، مستيقناً بقول الله تعالى (29/69) (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلناً) حتى اهتديت بهدى القرآن، وميزت بين الحق والباطل حسب الطاقة وبمعرفتي للإسلام الحنيف عرفت الأوهام والخرافات والبدع ورددت عليها بما عرفت من هدي القرآن، وقد رأيت أن أبيّن ما علمني ربي من المطالب والمقاصد الإسلامية الثابتة، وأن أشرح لطلاب الحقيقة ومحبِّي الفائدة وأيقنت أنني إن لم أفعل ذلك فسأكون داخلاً في قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذا ظهرت البدع في الدين فعلى العالم أن يظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله)([18]).
ولأجل هذا رأيت أن أقدّم شيئاً من المطالب المهمة في التوحيد الذي هو ركن من أركان الإسلام، وسبب لسعادة الدنيا والآخرة. وللأسف فإن كثيراً من المظاهر شاعت بين الناس باسم التوحيد.
وأسأل الله تعالى التوفيق والإعانة في تكميل هذا الأمر المهم، الذي هو حقيقة دعوة الأنبياء ومبنى رسالتهم، وأسأل الله أن يوفقني لبيان ذلك لإخواننا المتكلمين، وأن يجعل ذلك ذخراً لي في الآخرة.
شريعت سنگلجي
شوال المكرم/ (1361هـ).

 
بيان توحيد العبادة
إن توحيد العبادة هو قُطب رحى القرآن الثابت، فالقرآن الكريم يدعو الذين ضلوا عن الطريق وعطشوا في مفاوز الشرك وعبادة الأوثان إلى (كوثر التوحيد) و(مورد إفراد الرب تعالى)، ويحمل الذين سقطوا في بئر الوثنية إلى النجاة بطريقه القويم.
ولفهم معنى توحيد العبادة الذي هو قطب رحى القرآن لا بد من طرح عدة أصول تمهيداً لهذا الغرض.
الأصل الأول:
يجب الإيمان بحقائق القرآن وأن ما فيه ضرورة من ضروريات الإسلام، وأنه حق لا يأتيه الباطل، وأنه صدق كله لا يتطرق إليه الكذب، وأنه يشتمل على الهداية، وأنه العروة الوثقى (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) (41/41)، ولا يتم الإسلام إلاّ بالإيمان بهذا الأصل.
الأصل الثاني:
أن الهدف من بعث الأنبياء والرسل دعوة الناس إلى عبادة الله وحده، فقد جاء الأنبياء ليدعوا الناس إلى عبادة الله سبحانه دون سواه، لأن عامة البشر يعتقدون بفطرتهم أن للعالم خالق يعبدونه ويدعونه ولا يخرجون عن هذه الفطرة إلا بسبب من الأسباب كالتقاليد وتربية الآباء وغيره من الأسباب التي تجعل بعض البشر يميلون إلى كل إلهٍ غير الله تعالى، ففي الحديث(ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهوِّدانه أو يمجسانه أو ينصِّرانه)([19]).
فالأنبياء والرسل إنما أتوا ليعيدوا الفطرة الأُولى وهي توحيد الخالق بجميع أنواع العبادة، وكل نبيّ لما جاء دعا قومه إلى شيء واضح وهو الوارد في قوله: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) (7/64) (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (51/56)
(ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)([20])(16/38) (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) (17/24) (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً) (4/40) (أن لا تعبدوا إلا الله) (11/28) (أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون) (71/3)
ففي هذه الآيات كلها إثبات معنى لا إله إلا الله والدعوة إلى عبادته سبحانه وتعالى، وأن علينا أن نعلم أن معنى لا إله إلا الله إفرادهُ تعالى بالعبودية والألوهية ونفيها عن غيره تعالى والتبرئ من عبادة غيره تعالى.
ولا أظن أن أي مسلم وقف على الكتاب والسنة وعلى آثار الأئمة (ع) سيشك في هذا الأصل إطلاقاً.
الأصل الثالث:
التوحيد نوعان: 1- توحيد الربوبية 2- وتوحيد الألوهية.
وتوحيد الربوبية: هو الإقرار والاعتراف بأن الله خالق لجميع الموجودات قاهر العالم أجمعه. وكان المشركون يقرون بهذا القسم من التوحيد، كما قال الله تعالى في كتابه المجيد عن قول المشركين (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) (31/24) (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (12/107) (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم) (43/8)
وكذلك هم مقرون أيضاً بأن الله تعالى هو الرازق المحيي المميت ومدبر السماوات والأرض، كما قال تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) (10/32) قوله تعالى: (قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون) (23/83/84)
(قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون) (23/85/86) (قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون فسيقولون لله قل فأنى تسحرون) (23/87/88)
فكل مشرك مقر بأنّ الله تعالى هو الخالق له ولجميع الموجودات، وهكذا يُقّر أن الله رازقه ومحييه ومميته.
وبناءً على هذا كان الأنبياء والرسل يأتون بالدلائل على ضد قول المشركين كقوله تعالى (أفمن يخلق كمن لا يخلق) (16/16) وكذلك: (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له) (22/72)
وأما توحيد الألوهية والعبادة فهو إثبات العبادة بأنواعها لله وحده فقط، وهو ما سيأتي بيانه بشكل أوضح إن شاء الله تعالى، وهذا النوع من التوحيد هو الذي وقع فيه شرك غالب البشر, إذ إن المشركين كانوا يعترفون بأنّ الله هو الخالق لجميع الموجودات، ومعلوم أن الأنبياء والرسل جاؤوا بتقرير توحيد الربوبية، ففي القرآن المجيد أدلة قاطعة في إثباته، ولكن إذا تأملت عموم كتب الأنبياء، والقرآن خصوصاً وجدتها قد جعلت إثبات (توحيد العبادة) هو قطب الرحى، فهو أساس دعوة القرآن، وهو خلاصة معنى لا إله إلا الله، يقول تعالى في القرآن الكريم: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) (16/35)، فالغرض من بعث الأنبياء هو الدعوة إلى عبادة الله وحده، وكل رسول بُعِث إلى أمة أمرها بعبادة الله تعالى. كما تدل عليه قوله: (في كل أمة)، وهذا منتهى الصراحة في أن بعث الرسل لجميع الأمم كان لتقرير توحيد العبادة، لا لإثبات أنه تعالى خالق لجميع المخلوقات فقط، إذ المشركون كانوا يقرون بالخالقية لله وحده.
ولهذا وردت آيات من القرآن في تقرير انفراده تعالى بالخلق بصيغة الاستفهام [الإنكاري] لأن المشركون لم ينكروا ذلك بل يعترفون به، قال تعالى: (هل من خالق غير الله) (35/3)، وقال تعالى: (أفمن يخلق كمن لا يخلق) (16/16)، وقال تعالى: (أفي الله شك فاطر السماوات والأرض) (14/11)، وقال تعالى: (قل أغير الله أتّخذ ولياً فاطر السماوات والأرض) (6/13)، وقال تعالى: (أروني ماذا خلقوا من الأرض).
فهذه الآيات تشير إلى أن المشركين لم يجعلوا مع الله شركاء في خلقه للسماوات والأرض، ومثلهم النصارى عندما أشركوا بالمسيح ومريم عليهما السلام، وكذلك الذين أشركوا بالكواكب والملائكة لم يعتقدوا أنها الرازق المحيي المميت، بل جعلوها شريكاً مع الله تعالى في عبادتهم واتخذوها شفعاء، كما حكى الله تعالى قولهم: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) (10/17).
أنواع التوحيد:
والتوحيد ينقسم إلى نوعين:
النوع الأول: التوحيد العلمي القولي.
وهو إثبات أن الله تعالى بسيط الحقيقة، وتنزيهه من أي تركيب خارجي في المادة والصورة، ومن أي تركيب عقلي الذي هو الماهية([21]). والحاصل تنزيهه تعالى عن كل صفات الممكن، كما قال تعالى: (ليس كمثله شيء) (42/10)، وقد جاءت سورة في القرآن الكريم لبيان هذا الشأن من التوحيد والتنزيه، كما قال تعالى: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد) (112)
النوع الثاني: التوحيد العملي الإرادي:
وهو أن لا يعتمد على أحد إلا الله تعالى، ولا يتوكل إلا عليه، كما قال تعالى: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) (84/5)، وقد وردت سورة مباركة في القرآن الكريم لبيان هذا التوحيد، كما قال تعالى: (قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين)([22]) (109)
إن أساس دعوة القرآن تركّز على بيان توحيد الإرادة، لأن خلاف البشر وقع فيه, حيث إن لكل شخص مراداً يتوجه إليه، ويطلب منه الحوائج ويدعو الناس إليه معتقداً أنه الإله الحق، وأن ما سواه باطل، ومع هذا الاختلاف في الجهة التي تتوجه لها إرادة البشرية فإن النزاع والشقاء لا بد أن يحدث بينهم ما لم يوحدوا مرادهم الذي تحصل لهم السعادة بالتوجه له وحده.
وللأسف نرى الناس اليوم قد اختلفت معبوداتهم التي يقصدونها، فكل طرف اتخذ صنماً جعله رباً، فالتاميليون اتخذوا لهم بوذا، وآخرون برهما، وغيرهم اتخذوا موسى، وقوم اتخذوا عيسى، قال تعالى: (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إن أنتم مسلمون) (3/80). كانت دعوة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منصبّة على إنكار عبادة الأصنام والأوثان، وقائمة على توحيد إرادة البشر نحو الله وإفراده بالتوحيد, وجعل العلم والتقوى سبباً لنيل السعادة الكبرى. قال تعالى: (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) (3/57)، هذه الآية تدل على ثلاثة أمور:
أولاً: (ألا نعبد ألا الله)، وذلك تعريض باليهود والنصارى في عبادتهم عزيراً وعيسى.
والثاني: (أن لا نشرك به شيئاً) بأي نوع من أنواع الشرك.
والثالث: (أن لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله) وصورة ذلك عند النصارى أنهم كانوا يسجدون لأحبارهم معتقدين أنهم وصلوا إلى كمال الرياضة بأثر حلول اللاهوت في أبدانهم، كما أن صورة اتخاذ بعضهم بعضا أرباباً عند اليهود أنهم كانوا يطيعون أحبارهم في تحريم الحلال وتحليل الحرام.
وأما الإسلام والقرآن فيحثان على تحصيل العلم وتقوية الإرادة ولا يحصل هذا إلا بأن يكون مراد الإنسان موجوداً حياً لا يموت، ولا يقبل الفناء والزوال، ولا يوجد أحد متصف بهذه الصفات إلا الله، قال تعالى: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض) (2/254)، يمدح الله تعالى الذين يبتغون وجهه ويجعلونه مرامهم، قال تعالى: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه) (6/51)، وجاء في مقام آخر في حق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال تعالى: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) (93/18-19-20)
خلاصة القول: أن الإرادة إذا تعلقت بالمراد الحقيقي الذي هو الله تعالى بحيث لم يُقصد أحد سواه فإن هذه الإرادة تهدّ بقوتها الجبال وينعم صاحبها بالسعادة الدائمة والفرح، ولازم هذه الإرادة الذي به تتحقق هو إخلاص الدين لله رب العالمين (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (98/4)
الأصل الرابع: في بيان حقيقة العبادة ومعنى العبودية.
يقول الزمخشري في الكشاف: (العبادة هي غاية الخضوع والتذلل وإظهار العجز والذل لرب العالمين).
ويقول محققو السلف: (العبادة هي غاية الحب مع شدَّة الخضوع وغاية التذلل والانقياد لله تعالى).
وهذا المعنى أي الذل التعبدي قد يوجد حتى عند بعض العشاق بحيث يظهر فيهم غاية الذل والحب والخضوع.
كما يقول بعض العلماء: التحقيق أن العبادة والعبودية هي أن يجتمع في القلب غاية الحبّ ومنتهى الذل والخضوع للرب، وأن يؤمن الإنسان بأن للمعبود الحقيقي سلطةً غيبية وحكماًً نافذاً فوق الأسباب، وأنه بهذه السلطة والقدرة الكاملة قادر على النفع والضر، وقادر على خلق الأسباب وتغييرها، بل هو مسبب الأسباب، وميسّر الصعاب، وأنه المحيي المميت والرازق، وأنه الشافي الكافي، وأنه مغيث المستغيثين، وأرحم الراحمين.
وعلى هذا فإن كل دعاء وثناء يكون مصحوباً بهذا الاعتقاد السابق فإنه عبادة.
وخلاصة القول: أن الحب والذلّ هو حقيقة العبادة. ومن خلال ما سبق نعرف أن الله هو المسبب وأنه فوق السبب وصاحب القدرة الكاملة (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما تذكَّرون) (27/64)
لا إله إلا الله هي رأس العبادة، وأساس التوحيد، ولما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولوا لا إله إلا الله تفلحوا كان المشركون من أهل اللغة، فلما سمعوا هذه الكلمة وعلموا أنهم إذا قبلوا هذا الكلام فيلزمهم أن يتبرؤوا من كل معبود من دون الله، وأن لا يخضعوا أو يتذللوا لغير الله، وأن لا يسألوا الحاجات من غير الله، وعندها ارتفعت أصواتهم قائلين: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب * وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد * ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق..) (38/4-5)
النتيجة: أنك إذا علِمَت هذه الأصول الأربعة فستدرك أيها القارئ أن الأنبياء والرسل قد بُعِثوا لدعوة العباد إلى عبادة ربّ العباد الواحد الأحد وليس من أجل أن يُثبوا أن الله خالق الموجودات، لأن جميع المشركين كانوا يعرفون أن (للعالم صانع هو الله الذي بقدرته يسكن أمواج)([23]).
ولهذا السبب قال المشركون: (أجئتنا لنعبد الله وحده)(7/69)، فهم لم ينكروا عبادة الله بوجه من الوجوه، بل كانوا يعتقدون أنه جدير بالعبادة، و لكنهم كانوا يعتقدون بالشريك له في ذلك، يقول الله تعالى: (فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون)(2/21).
كان المشركون يقولون في تلبية الحج: (لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك)، لما سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه التلبية من المشركين قال: هؤلاء موحدون إن تركوا كلمة إلا شريكاً هو لك. إذن شركهم كان مصحوباً بالاعتراف بالله.
ويقول الله تعالى أيضاً: (أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون)(6/22) (قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون ولا تُنظرون)(7/194)
فالحاصل: أن المشركين كانوا يعبدون الأصنام بخضوع وخشوع، وينذرون وينحرون ويُضحون لها معتقدين بأنها تقربهم إلى الله زُلفى، وأنها ستشفع لهم, كما كانوا يقولون: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله)(10/19).
يُفهم من هذا كله أن التوحيد الذي جاءت به الأنبياء والرسل هو توحيد العبادة.
وأما المشركون فكانوا على أنواع: منهم من كان يعبد الملائكة، ومنهم من كان يسأل الحوائج من النجوم والشمس، وآخرون يعبدون الأصنام، وآخرون يعتقدون بأحجار مقدسة يلتجئون إليها في الشدائد والمصائب.
وفي هذا الوضع بعث الله تعالى خاتم النبيين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال إذا كنتم تعتقدون أن الله واحد في ربوبيته فلا تعبدوا إلا الله وحده، ولا تسألوا الحاجة من غيره، وأذعنوا لحقيقة (لا إله إلا الله)، واعملوا بمقتضاها. (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء)(13/15) (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)(50/26)
العز والذل والغنى والفقر والرفعة والملك، كلها من عند الله. (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير)(3/25)، وأمر اللهُ العبادَ أن يقولوا: (إياك نعبد وإياك نستعين)(1/4)، وبهذا نعلم أن من يستعين بغير الله فهو مشرك بلا شك.
ولا يتحقق إفراد الله تعالى في العبادة إلا إذا أخلص العباد الدعاء وكل أشكال العبودية لله تعالى وحده، بحيث لا يدعو العباد في الشدة والرخاء إلا الله وحده، ولا يلتجئون إلا إليه، ولا ينحرون ولا ينذرون ولا يُضحّون إلا لله وحده، فينبغي أن تكون جميع أنواع العبادات من الركوع والسجود والقيام تذللاً والطواف وغيره لذات الحق الدائم سبحانه فقط.
وكل من يقدم شيئاً من هذه الأعمال لمخلوقٍ حي أو ميت، صنم أو ملك، أو جن أو حجر أو شجر أو قبر أو غيرها فهو مشرك.
كما أن المشركين لم يخرجهم اعترافهم بالله رب العالمين فقط عن الشرك، كذلك لا يُخرج الاعتراف بالله تعالى ولا الاعتراف بخاتم الأنبياء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبالأئمة الطاهرين عليهم السلام الشخصَ عن الشرك ما دام أعماله مخلوطة بصرف بعض العبادات لغير الله، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قال ربي أنا أغنى الشركاء عن الشرك، لا يقبل الله عملاً شورك فيه غيره، ولا يؤمن به من عبد معه غيره)
وعليه فإن الذي يعبد غير الله لا ينفعه اعترافه بوجود الله، لأنه قد ساوى بين المخلوق والخالق في الحب والعبادة وغيره، كما يقول الله تعالى عن قول المشركين: (قالوا تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسوّيكم برب العالمين)(26/98) يذكر تعالى أن المشركين ما كانوا يسوون الرب بالخلق من جميع الجهات, ولم يعتقدوا أن الأصنام خالقة للعالم، بل عبدوها فقط، وجعلوها شفعاء، وسجدوا ونذروا ونحروا لها، وطلبوا منها الشفاعة والبركة، يقول الله تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (12/107)، والمراد بهم في هذه الآية مشركو مكة، حيث قالوا: ربنا الله، وقالوا: الملائكة بنات الله، ويدخل في الآية اليهود الذين زعموا أن عزيراً ابن الله، والنصارى الذين قالوا آمنا وجعلوا المسيح ابن الله.
ويدل على ما ذكرنا أن الله تعالى جعل الرياء في العبادة من الشرك، وجعل المرائي مشركاً، مع أن المرائي لا يعبد إلا الله، ولكنه يريد بطاعته وعمله المنـزلة والمكانة في قلوب الناس، ليقولوا فلان متديّن.
فاختلاط العبادات مع قصد تحصيل الجاه والمنزلة في قلوب الناس من الشرك, قال تعالى (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون) (17/3-4-5)
إن دلالة القرآن الكريم على أهمية التوحيد وخلو العبادة من الرياء واضح, وللأسف فإن جهّال المسلمين وجهّال أمة التوحيد يروّجون لكل مظاهر الشرك باسم الإسلام، وهم مسلمون موحّدون بالاسم، ولكنهم في الحقيقة أشد من المشركين:
(سبحان ربي.. لهم عيون مفتوحة وآذان تسمع.. وما أحلم الله تعالى على هذا العمى)([24])
سبحان الله!..لماذا يشاقون الله والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويشاقون أئمة الدين عليهم السلام؟ أين ذهبت تعليمات سيد المرسلين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
لقد سُكِبت الدماء في أول الإسلام في سبيل إقامة التوحيد الخالص، فلماذا لا يحفظ المسلمون هذا التوحيد؟
ولماذا لا يقرؤون القرآن كتاب الله وسيرة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويتعلموا منهما؟!
الشرك الذي حاربه (القرآن والسنة المطهرة) قد انتشر بين كثيرٍ من المسلمين بشكل واضح، فعبادة القبور، وعبادة الأحجار، وعبادة الأشجار، وعبادة الشيوخ، والتبرك ببعض الأحجار، وغيرها الكثير من مظاهر الخلل في التوحيد.
أيها الرسول يا من أرسل رحمة للعالمين
يا أهل لا إله إلا الله
أيها البدريون.. يا من دافعتم عن الإسلام في معركة أحد
ويا أيها الشهداء في طريق التوحيد.. ويا أئمة الدين وحملة القرآن ارفعوا رؤوسكم من قبوركم، وانظروا إلى حال المسلمين, انظروا إلى أي حدّ انحطّ وضعهم، وإلى ما وصل إليه أمرهم في التوحيد، قد وقع الجهل والسفه وسوء الأخلاق، وظهرت البدع والخرافات
(ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين)(7/88)
 
العبودية أكمل مراتب الخلق وصفة أقرب الناس إلى الله
قال تعالى في شأن المسيح عليه السلام: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً)(4/170)، وقال في آية أخرى تصريحاً وتعظيماً بكمال عبوديته: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه)(43/59) وقال أيضاً في حق الملائكة: (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبّحونه وله يسجدون)(7/206)، وقال في شأن المؤمنين: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً)(25/64)، وقال أيضاً: (عيناً يشرب بها عباد الله يفجِّرونها تفجيراً)(76/6)، وقال في شأن الأنبياء: (واذكر عبدنا داود) (واذكر عبدنا أيوب) (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق).
في هذه الآيات مدح الله الأنبياء عليهم السلام بأشرف صفة لهم وهي العبودية، وقال في سليمان عليه السلام (نعم العبد إنه أواب)(35/38)، وقال في شأن أفضل عباده خاتم النبيين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أشرف المقامات وأرفع المنازل بأنه عبده: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا..)(2/21) (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده)(20/1)، (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب)(18/1)، ولما ذكر الله تعالى قيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدعوة الناس شرّفه بوصفه بصفة العبودية, فقال: (وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا)(72/19)، كما أنه عز وجل لما ذكر قصة الإسراء الشريفة وصف رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بشرف العبودية, فقال: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) (17/1)، وورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله([25])، وفي حديث آخر أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد([26])، وكذلك خصص الله تعالى أمنه المطلق لعباده المخلصين: (يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون) (43/69)، كما أن الله نزع سلطة الشيطان عن قلوب العباد[الذين يتحقق فيهم وصف العبودية]: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين)(15/42)
[أنواع العبودية]
العبودية على نوعين: عبودية عامة، وعبودية خاصة.
فالعبودية العامة: هي عبودية جميع أهل السماوات والأرض، سواء كان صالحاً أو طالحاً، مؤمناً أو كافراً، ويقال لهذه العبودية عبودية القهر. وهي التي ذكرها الله بقوله: (وقالوا اتخذ الرحمن ولداً * لقد جئتم شيئاً إداً * تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتخرّ الجبال هدّاً * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً * إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً) (19/92)، فهذه العبودية تشمل المؤمن والكافر والصالح والطالح جميعاً. (ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء)(25/19)، في هذه الآية الكريمة جعل(سبب الله تعالى الضلال من عباده، كما أنه تعالى خاطب أهل المعاصي أيضاً في موضع بهذا الاسم، (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله)(39/54)
العبودية الخاصة: هي عبارة عن الطاعة والمحبة الاختيارية، واتباع أوامر الله تعالى، ويقول تعالى في شأن أصحاب هذه العبودية: (يا عباد لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون)(43/69)، ويقول تعالى أيضاً فيهم عن قول إبليس: (لأغوينّهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين)(38/85)، وفي آية أخرى جعل الله تعالى البشارة المطلقة خاصة لعباده المخلصين والعقلاء، (فبشّر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)(39/20).
الخلاصة: أن جميع المخلوقات عِباد لله عبودية القهر والربوبية، ولكن أهل الله وأهل الطاعة عباده عبودية التأله، وسبب تقسيم العبودية إلى الخاص والعام والقهر الإرادي هو أن لفظ العبادة يجيء بمعنى الذل والخضوع. تقول العرب: (طريق معبّد)، إذا كان الطريق مذلّلاً، ومستوي تحت الأقدام. والناس تقول: (فلان عبّده الحب) إذا كان ذليلاً ومنقاداً لحبيبه، وهذا المعنى يعمّ الاختياري وغير الاختياري، غير أن أولياء الله تعالى حالهم تختلف لأنهم خاضعين وذليلين لله باختيارهم وإرادتهم، ويطيعونه في جميع أوامره بخلاف أعداء الله تعالى فإن خضوعهم وذلّهم قهري وليس باختيارهم.
عبودية الله تعالى واجبة ولا تسقط عن أحد حتى الموت
العبادة واجبة حتى الموت ولا يرتفع التكليف بها عن العباد بأي وجه, والنص القرآني شاهد صريح على ذلك الأمر, قال تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)(15/99)، واليقين هنا بمعنى الموت بإجماع المسلمين، ويدل على أن اليقين بمعنى الموت قوله تعالى فيها عن قول أهل النار (وكنا نكذِّب بيوم الدين حتى أتانا اليقين)(74/49)، كما يدل على ذلك أيضا الحديث الشريف المروي عن الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال عند موت عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عنه: (أما عثمان فقد جاءه اليقين من ربه) وحتى بعد الموت هناك عبودية أخرى في البرزخ - حين يسأل الملكان عن العبد عن عقيدته- فالشخص مكلف بالإجابة عنها.
وهناك عبودية أخرى يوم القيامة، حيث يأمر الله تعالى الخلائق بالسجود فيسجد المؤمنون ولا يقدر الكفار أن يسجدوا (يوم يُكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون * خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون)(68/42)، لكن إذا دخل العباد دار الثواب والكفار دار العقاب ينقطع التكليف, وتكون عبودية أهل الثواب هنالك هو التسبيح والتقديس المقرونان بأنفاسهم لا يجدون أذىً ولا تعباً، ومع هذا إذا ظنّ أحد أنه وصل إلى مقام سقط عنه التعبد والعبودية فقط كفر بالاتفاق! نعم يمكن أن يقال أنه وصل إلى مرتبة الكفر بالله، والانسلاخ عن الإنسانية فيسقط عنه التكليف، نعوذ بالله من غضب الله.
 

في بيان أفضل العبادات واختلاف الناس فيها
اختلف الناس في تعيين أفضل الأعمال والعبادات.
فقال بعضهم: أفضل الأعمال والعبادات وأنفعها هي كل عبادة وعمل تكون فيه المشقة أكثر، بدليل أن في الأعمال الشاقة ينقص هوى النفس، ولأن الأجر على قدر المشقة، فلهذا أيّ عمل تكون مشقته أكثر يكون أجره أكبر، وقد استدلوا لرأيهم بحديث لا يوجد له سند صحيح وهو: أفضل الأعمال أحمرها، وهذه الطائفة هم أهل المجاهدة والجور على النفس، وقالوا: إن النفوس بطبيعتها مائلة إلى الخمول والتكاسل، ولا يكمل الإنسان إلا بتحمل الشدائد والمشقات، فلهذا كلما زاد مشقة العمل صار أفضل عندهم.
وقال آخرون: أفضل العبادات التجرد والزهد في الدنيا، ولذا ينبغي أن لا يتوجه العبد إلى الدنيا ولا يغترّ وينخدع بزخرفها.
وأهل هذا الرأي ينقسمون إلى قسمين:
[أولاً] العوام أو جُهال هذه الجماعة وهم الذين ظنوا أن غاية العبادة هو الزهد في الدنيا والإعراض عنها فشمّروا، وعملوا على هذا المنوال ودعوا الناس إلى هذا الطريق، وقالوا إن الزهد والتجرد عن الدنيا أفضل من تحصيل العلم والعبادة وجعلوا الزهد في الدنيا غاية كل عبادة وعلم.
[ثانياً] الخواص وهم عقلاء هذه الجماعة حيث قالوا إن الزهد في الدنيا ليس مقصوداً لذاته، بل المقصود هو التوجه بالقلب إلى الله والإنابة إليه والتوكل عليه، ورأوا أن أفضل العبادة اجتماع القلب على الله، ودوام ذكره بالقلب واللسان، والابتعاد عن كل شيء يمنع السالك ويشتت القلب عن الله.
وهذه الطائفة أيضاً على قسمين:
قسم عارف متبع للرسول، وهم الذين يتنافسون إلى أمر الله حيث ما كان ويجتنبون ويبتعدون عن النواهي والمنكرات.
وقسم آخر يقولون: المقصود هو تعلق العبد بالله، فينبغي أن لا يُعتنى بأي شيء يكون سبباً لتشتت القلب وضعف الهمة، ولو كان واجباً من واجبات الشرع، وهذا الشعر مناسب لحال هذه الطائفة:
يُطالب بالأوراد من كان غافلاً         فكيف بقلب كل أوقاته ورد
وقال آخرون: أفضل العبادات وأنفع الأعمال ما كان يتعدى نفعه إلى الغير، فرأوا أن النفع المتعدي أفضل من النفع القاصر. وقالوا إن الاشتغال بمصالح الناس وقضاء حوائجهم ومساعدتهم بالمال والجاه أفضل العبادات وأشرف القربات، واستدلوا بقول الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (الخلق كلهم عيال الله وأحبّهم إليه أنفعهم لعياله) وكما استدلوا أيضاً بأن عمل العابد نفعه قاصر على نفسه، لكن العمل النافع المتعدي وكتعليم العالم فيستفيد منه هو والآخرون أيضاً، فالإحسان إلى الغير أفضل من الإحسان لنفسه، واستدلوا بأن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمير المؤمنين (ع): لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمر النعم([27])([28])، وقال أيضاً: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن يُنقص من أجورهم شيئاً([29])،وقال: وإن الله وملائكته يصلون على معلّم الناس الخير، وقال الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في البحر والنملة في جحرها، واستدلوا لقولهم بدليل آخر وهو أن صاحب العبادة إذا مات انقطع عمله، ولكن صاحب العلم النافع لا ينقطع أجره ما دام الناس ينتفعون بعلمه. وذكروا أيضاً دليلاً آخر: وهو أن غاية بعث الرسل هو الإحسان إلى الخلق وهداية الناس إلى طريق الخير وإرشادهم إلى ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وليس دعوتهم إلى الاعتزال والخلوة والانقطاع عن الخلق والرهبانية, ومن أجل هذا لاَم الرسول الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوماً اعتزلوا الناس واختاروا الاشتغال بالعبادات البدنية والصلاة والصوم فقط. إلى هنا كان البحث في الطرق المختلفة في أفضل العبادات..والآن نذكر طريق الحق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.
قول المحققين من علماء الإسلام في تعيين أفضل الأعمال والعبادات وقولهم هو الطريقة الإبراهيمية المحمدية
وأفضل الأعمال والعبادات عند المحققين من لعلماء الإسلام هي التي يتوفر فيها ثلاثة شروط:
أن يقصد في ذلك العمل رضى الله.
أن ينظر في مقتضيات ومناسبات كل وقت.
أن يفرّق بين الأشخاص في الأعمال, فيختلف الأمر بحسب كل شخص.
وعليه فإن العامل يكون قد حقق أفضل العبادات إذا راعى هذه الشروط في عمله, فمثلاً: الجهاد يكون أفضل الأعمال والعبادات عند هجوم العدو، ولو أفضى ذلك إلى ترك بعض الواجبات.
وأفضل الأعمال عند قدوم الضيف هو القيام بحقوق الضيف. ومن الأعمال الفاضلة أداء حق الزوج والأولاد وحقوق الزوجية والتربية والإنفاق أفضل من بعض العبادات الأخرى.
وأفضل الأعمال عند السحر الاستغفار وقراءة القرآن. وإذا أتى جاهل إلى أحد العلماء طالباً البيان في مسائل الحلال والحرام فإن أفضل الأعمال في حق العالم في ذلك الوقت هو تعليمه وترك السنن الأخرى.
وفي وقت حضور الصلوات الخمس أفضل الأعمال وأكمل القربات أداء تلك الصلوات.
وإذا لقيت ذا حاجة مادية أو معنوية فأفضل الأعمال إعانته في حاجته, والأفضل عند قراءة القرآن هو توجه القلب والتفكر والتدبر في آياته, والأفضل عند الوقوف في عرفة هو الاجتهاد في التضرع والخشوع في مناجاة مع رب العالمين ولا ينبغي أن يصام ذلك اليوم، والأفضل في العشر الأول من ذي الحجة كثرة التهليل والتكبير والتمجيد، والأفضل في العشر الأخير من رمضان الاعتكاف في المسجد.
وعند مرض الأخ المؤمن تكون مساعدته أفضل العبادات, والأفضل عند موت الأخ المؤمن تشييع جنازته وتسلية ورثته, وأفضل الأعمال عند فتنة الناس وسوء كلامهم عليك وإهانتهم لك الصبر عليهم مع عدم ترك مخالطتهم، لأن مخالطتهم والصبر عليهم أفضل.
فاتضح بما ذكرنا أن أفضل الأعمال في كل وقت هو ما يلاحظ فيه رضاء الله تعالى بمراعاة مقتضى عمل كل ظرف.
والقائلون بهذا التفصيل هم المحققون من علماء الإسلام، والمتّبعون لهده الطريقة هم أهل التعبد المطلق والتوحيد الخالص لأنهم يراقبون الله في جميع الأوقات ويوفقون دائماً لأفضل الأعمال. أما الأصناف التي سبق ذكرها فهم أهل تعبد مقيد، بعضهم عباد وقت الزهد فإذا خرجوا عن الزهد خرجوا من أفضل الأعمال. والذين يرون أن أفضل الأعمال أشقها يخرجون من الأفضلية بمجرد خروجهم من العمل الأشق, والذين رأوا أن خدمة الخلق هي أفضل الأعمال إذا لم يكن لا يوفق للأفضلية إذا كان في غيرها من الأعمال. فكل هؤلاء يعبدون الله من جهة واحدة.
أما صاحب العبادة المطلقة ومتبع الطريقة الإبراهيمية المحمدية فيعبد الله بأفضل الأعمال دائماً وهو باستمرار من عبادة إلى عبادة أخرى فاضلة، فتراه مع العلماء في مجلسهم ومع المجاهدين في صف الجهاد ومع الذاكرين في وقت الذكر، وتراه عند عيادة المريض من العائدين وعند تشييع الجنازة مع المشيعين.
الحاصل أنه في كل مشهد من مشاهد العبادة وفي كل محطة من محطات الطاعة هو حاضر..مشتغل بأفضل الأعمال. فالعبد المطلق لله هو صاحب هذه العبادة وهو المتبع لمحمد شيخ الأنبياء عليه الصلاة والسلام فهو صاحب هذه المنزلة الفضيلة, فهو الموحد الذي لا تقيده القيود ولا تملكه الرسوم. وهذا الشخص هو المتحقق بحقيقة (إياك نعبد وإياك نستعين) (1/4).
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

الشرك نوعان: الأكبر، والأصغر
الشرك الأكبر هو أن يعبد مخلوقٌ مخلوقاً, والشرك الأصغر هو وصف غير الله بصفات الله تعالى، مثل أن يعتقد أن غير الله يكون شافياًً أو رازقاًً أو أن يتصور بأنَّ غير الله تعالى قد يدفع البلاء، أو يرفع الضراءء.
وأما الشرك الأكبر فكما مر آنفاً: أن الاعتقاد بوجود شريك في عبادة الله ويُحب ذلك المعبود الباطل مثل المعبود الحق أو أشد وهذا عبارة عن تسوية الخلق برب العالمين. كما يخاطب المشركون يوم القيامة في نار جهنم معبوداتهم الباطلة: (تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين) (26، 96، 97).
مع أن أولئك المشركين كانوا يعترفون بأن خالق العالم هو الله تعالى، ويقرون بأن معبوداتهم لا يرزقون ولا يُحيون ولا يُميتون.
فما المراد بالتسوية في الآية؟
المقصود بتسوية معبوديهم بالله رب العالمين هو التسوية في الحب والتعظيم والعبادة كما أن المشركين يحبون معبوداتهم كحب الله. (يحبونهم كحب الله) (2/190) يصرح الله تعالى في هذه الآية أن المشركين يحبون معبوداتهم الباطلة مثل حب الله ويفرحون بذكر معبوداتهم أكثر من فرحهم بذكر الله بل يشمئزون عند ذكر الله تعالى (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون) (39/47).
كما أنهم إذا صدرت من الموحد إهانة ولو خفيفة لآلهتهم الباطلة، وتنقصٌ لمشايخهم وأوليائهم من دون الله يهجمون عليه كالكلاب يريدون أن يقتلوا ذلك الموحد، لكن إذا أُهينت حرمات الله أو غُيرت الأحكام فلا يتحركون، لاسيما إذا كان المنتهك للدين أو المغيّر لسنة خير المرسلين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممن يرجون منه شيئاً من المال والجاه.
يا للعجب! لو قلت لهم إن الأولياء من دون الله لا يقضون الحاجات، وأنهم ليسوا أبواباً للحوائج وحصول الشفاء، وبيّنت لهم أن الله هو قاضي الحاجات، وقابل التوب، وغافر الذنب، وهو النافع وهو الضار، وهو القادر، وأنه لا ينبغي أن تطلب الحاجات من البشر، في هذه الحالة سيشقون الجيوب، وسيصرخ المخادعون والمتاجرون بالدين، وسيزخرفون للجهال شبهاتهم ومبرراتهم الشركية، تماماً كما كان يخترع الكهان ورؤساء المشركين الشبهات والمبررات، وإذا كانت توجيهات الماكرين مسلّم بها عند جهّال الناس فإن هذا يغلق الباب أمام الفلاح الذي أتى به القرآن، والواقعين في الشرك يزيد عددهم يوماً بعد يوم (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون)(15/2)، وإذا قلت بأن (إمام زاده) لا يشفي الأعمى، و(ست شهر بانو) لا تعمي عيون زائري قبرها، وقدر سمنو (نوع طعام) لا يقضي الحاجات، فالعجب كل العجب أنهم سيقولون: نعم نعلم أنهم لا يستقلون بفعل ذلك ولكنهم شفعاء ووسائط عند الله، وهذا الجواب هو جواب المشركون لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حين قالوا: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله)(10/20)، والله تعالى يرد هذا الجواب يقوله: (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون)(39/2)، ويقول تعالى في مقام آخر: (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)(29/40)، (أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلاً)(18/102).
ونحن بدورنا سنبيّن ونرشد إخواننا المسلمين إلى صور الشرك وحالاته، لعل الله أن يهدي ضالاً أو يبصر جاهلاً.
من أنواع الشرك الأصغر: اتخاذ الحلقة أو الخاتم أو الحبل أو أمثالها لرفع المصيبة ودفعها
يقول الله تعالى: (قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادنيَ الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون) (39/40)، من خلال هذه الآية المباركة نعلم أن أي موجود لا يضرّ ولا ينفع أحداً إلا بإذن الله تعالى، ومن اعتقد أن أحداً غير الله يضرّ أو ينفع فقد وقع في محض الشرك.
يقول عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً في يده حَلَقة من صُفْرٍ - وفي رواية خاتماً من صفر - فقال ما هذه؟ قال: من الواهنة. فقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً، فإنك إن متّ وهي عليك ما أفلحت أبداً!)([30]).
الواهنة: ألم يصيب الكتف والساعد، وكان العرب يعتقدون أن علاجها يكون بجعل بعض الخرز وذلك بوضعها في سلك ثم يعلقونها على موضع الألم، ويقال له خرز الواهنة.
الحَلَقة: كان من عادات المشركين أنهم يعلّقون حلقة من صُفْر([31]) أو غيره على العضد، ويعتقدون أنها تحفظهم من العين والجروح والجن.
وروي في حديث صريح صحيح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: من تعلّق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له([32]).
التميمة([33]): هي خرز ينظم في سلك، يعلق على أعناق الأولاد، ويعتقدون بأنه يحفظ من العين والجرح، وفي الاصطلاح الفارسي العام يقال له: نظر قرباني.
والودعة: شيء أبيض يخرجونه من البحر وله فتحة مثل فتحة نواه التمر، ويقال له في الفارسي (مورجه) (بثلاث نقاط تحت الجيم)([34])، ويعلقونه على أعناق الأطفال لدفع العين والجرح.
وروى ابن أبي حاتم عن حذيفة رضي الله تعالى عنه أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، وروي في حديث صحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله تعالى عنه أنه كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره فأرسل رسولاً أن لا يُبْقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت.
والوتر: إذا بلى سلك الوتر فكانوا يعلقونه على رقبة الخيل والبقر والخروف معتقدين أنه يحفظ من المكاره والعين.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (إن الرقى والتمائم والتِوَلة شرك([35]).
الرقى: جمع رُقية بالضم، بمعنى التعويذ والتزوير.
التِوَلة([36]): بكسر التاء وفتح الواو، نوع من السحر، يحبب النساء لأزواجهن.
وعن عبد الله بن عكيم رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: من تعلق شيئاً وُكِل به، ورُوي عن رُوَيْفع رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يا رويفع لعل الحياة تطول بك، فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلّد وتراً أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بريء منه)، وجاء عن سعيد بن جبير رحمه الله أنه قال: (من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة) يتضح من هذه الأخبار الصحيحة، ونص الآية المباركة أن الاستمداد الغيبي والاستعانة المعنوية من الخاتم أوحلقة الصفر والخيط وأمثاله من قبيل فعل الخير في المحلات [الباصات] والمنازل شرك محض، وخرافة بحتة، ولا ينبغي أن يتبرك بها ويطلب بها رفع الفاقة والفقر ودفع الآفات والبلايا.
وقد يقول قائل: وردت أخبار أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأئمة الدين يلبسون الخاتم وجاءت أخبار أخرى في ذكر خواصّ بعض الفصوص والأحجار ما يفيد في دفع الفقر أو أن الفص الفلاني يتضاعف معه أجر الصلوات، أو أن الفص الفلاني يحفظ من البلاء وغيره.
فنقول في الجواب:
أولاً: بناءً على الرواية الصحيحة التي رُوِيت عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: ما تختم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا يسيراً حتى تركه([37]).
ثانياً: الخاتم الذي تختّم به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخر عمره لم يلبسه طلباً للبركة أو استمداداً للنصر على عدوه، أو لرفع الفقر والفاقة، بل لما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبعث برسائل للملوك يدعوهم إلى الإسلام، قيل له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن من عادة الملوك أن لا تعتدّ بالرسائل التي لا ختم عليها، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصنع له خاتماً من فضة، وجعلوا نقشه في ثلاثة أسطر. السطر الأول الله، والسطر الثاني رسول، والسطر الثالث محمد. فكان يقرأ من تحت إلى الأعلى (محمد رسول الله). وهذا الخاتم لبسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى وفاته، وبعد وفاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبسه أبو بكر رضي الله عنه، ثم عمر رضي الله عنه من بعده، ثم عثمان ذو النورين، وفي العام الذي استشهد فيه عثمان رضي الله عنه سقط في بئر أريس فبحثوا عنه ثلاثة أيام فلم يجدوا.
ومن خلال ما مضى نعلم أن خاتم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان خاتماً لتوثيق اسمه في الرسائل، لا أنّ الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلب التبرك بفصّه، وقد سار الأئمة الطاهرون عليهم السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهجه فكانوا لا يتبركون بالأحجار، بل كانوا يتيمّنون بأسماء الله الحسنى، وكانت فصوص خواتمهم تدل على شدة توسلهم بالحق جلا وعلا وأسماءه الحسنى، فكان نقش خاتم أمير المؤمنين علي (ع) الملك لله الواحد القهار([38])، وكان نقش السيدة الزهراء عليها السلام (الله وليّ عصمتي)، وكان نقش خاتم الحسن المجتبى (ع) (العزة لله)، وكان نقش خاتم الحسين الشهيد(ع) (إن الله بالغ أمره)([39])، وكان نقش فصّ خاتم السيد السجاد (ع) (لكل غمّ حسبي الله)، وكان نقش خاتم باقر العلوم (ع) (أملي بالله)([40])، وكان نقش خاتم الإمام الصادق (ع) (الله ولي عصمتي من خلقه)([41])، وكان نقش خاتم موسى بن جعفر (ع) (حسبي الله)، وكان نقش خاتم الإمام الرضا (ع) (ما شاء الله لا قوة إلا بالله)، وكان نقش خاتم الإمام محمد النقي (ع) (الملك لله الواحد القهار)، وكان نقش خاتم الإمام الحسن العسكري (ع) (الغنى لله).
من خلال هذه المقدمات نعلم أن التّبرك بالأحجار لم يكن من عمل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسَلَّمَ، ولا من هدي الأئمة الأطهار، فلم يكن من طريقتهم دفع البلايا والأمراض بالخاتم، بل الذي يظهر من خلال القرآن الكريم والأخبار الصحيحة أن التبرك بالأحجار شرك.
عجباً.. لماذا أعرض بعض الناس عن كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
لماذا لا يعرف المسلمون عن ذلك شيئاً؟ لماذا لا يتدبرون معنى التبرك بالحجر؟
يا رب لماذا أضحى دينك ألعوبةً بيد الجهال.. ويا رب لماذا نسي المسلمون سنة رسولك عليه الصلاة والسلام؟
سبحان الله! يتختم المتدينون بالخواتم ويقولون إن لفَصّ كذا خاصية كذا، وأنه يقرب الإنسان إلى الله، وأن حجرَ كذا يزيد معه أجر الصلاة أيما زيادة([42])! أليست هذا عبادة للحجارة؟ ما الفرق بين أن يعبد الإنسان الحجر الكبير ويتبرك به أو يعبد الحجر الصغير؟([43]).
إن تقديس الأحجار والتبرك بها من بقايا عقائد الأمم السابقة قبل الإسلام، والمصيبة اليوم أنهم يقولون بأن التبرك بالأحجار جاء في شرعنا، مع أن الأخبار الواردة فيه كلها موضوعة، لا أصل لها.
هذه الأخبار التي تقرر التبرك بالأحجار كما شاهدنا معارضة للقرآن، وسنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسيرة الأئمة عليهم السلام, بل هذه الأخبار مخالفة لأصول التوحيد وطبيعة الإسلام. فينبغي أن تُرمى تلك الأخبار، لأنه قد بلغنا عن الأئمة عليهم السلام أن أي خبر يخالف القرآن فالواجب تركه..
أنا شخصياً كان لي خاتماً من حديدٍ صينيٍ كنت قد رأيتُ له خواصَ (فضائل) في الكتب، كان منها أنه إذا كان في اليد حُفظ صاحبه في المفاوز والبحار من الآفات، ولهذا السبب لما عزمت على السفر لحج البيت الحرام أخذت معي ذلك الخاتم، ولما كنت ذاهباً من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة؛ كان عندي كتاب في الحديث أطالعه في الباص، وإذ بي أفاجأ بمشاهدة هذه الأخبار التي نقلتُها، فلما دققت النظر فيه؛ قلت يا ويلي، كم كنت في جهل بالتوحيد والإسلام!! أنا محرم وحاج إلى بيت الله وفي يدي صنم! لماذا لا أعتقد أن الله رب العالمين هو الحافظ فقط؟ كيف أعتقد في أن حجراً يحفظني مع أنني أنا الذي أحفظه؟.. عندها حدثت ليَ حالة من الفزع لا أستطيع أن أشرحها, فبدأت أستغفر ونزعت الخاتم من يدي ورميته في الصحراء وقلت:
(ليس من طبيعة العاشق أن يكون في قلبه معشوقان). والحمد لله رب العالمين.
هنا مطلب مهم، وهو أننا لا ننكر الخواص الطبيعية للأحجار، نعم يوجد لكل حجر خاصيته مثل العقيق والفيروز وغيرهما. وهذا مما يتعلق بالعلوم الطبيعية, ولكن الإسلام ينفي الخاصية الروحية والغيبية لها. فمثلاً إذا قيل لنا: من كان في يده خاتم من حجر (الفيروز) فإنه لا يغرق في البحر، قلنا لهم تعالوا فلنجرب لنرى هل من خواصه أنه يطفوا على سطح الماء ولنرمي شخصاً لا يعرف السباحة في الحوض الكبير وفي يده خاتم الفيروز فإذا لم يغرق فذلك صحيح وتكن هذه خاصية طبيعية لحجر الفيروز([44]).
والمحصلة التي يجب أن نقررها في تحقيق العبادة أنك إذا طلبت من شيء تأثيراً غيبياً أو سلطة معنوية فيعتبر هذا العمل عبادة لذلك الشيء. فينبغي أن لا تُنسى هذه القاعدة: إذا طلبت من أي موجود غير الحق تأثيراً معنوياً من قبيل الحفظ والحياة والرزق ودفع البلاء ورفع البلاء أو طلب الهداية والمغفرة والنجاة فأنت مشرك لأن (هذه الأمور) انفرد الله بها تعالى وحده.
وإذا قيل لنا إنه قد جاء في الأثر عن الإمام أنه قال: علامات الإيمان خمس [منها] التختم باليمين([45]).
نُجيب بأن المراد بالمؤمن في هذا الحديث هو الشيعي والمقصود أن التختم باليمين كان من شعائر الشيعة دون سائر الناس في ذلك العصر لأن غير الشيعة كانوا يتختّمون باليد اليسرى, وسبب ذلك أن الشيعة كان عددهم قليلاً مقارنة بغيرهم وكانوا في حال تقية, فما كان يعرف بعضهم بعضاً, ولهذا قرروا أن يكون شعارهم التختم باليمين حتى يعرف بعضهم بعضاً, وهذا الحديث لا يدل على مشروعية التبرك بالخاتم بل يقول بأن الخاتم هو من الزينة, ويرشد الشيعة إلى نقله من اليد اليسرى إلى اليمنى, ونظير هذا المعنى ما جاء في مشروعية جعل بعض العمامة تحت الحنك, حيث كانت العمامة من اللباس المشترك بين المسلمين والمشركين, فكان ما يميز الموحدين أنهم يضعون بعض العمامة تحت الحنكه حتى يُميز بعضهم بعضاً, ولهذا يقول المحقق الثاني في (كتاب جامع المقاصد) في باب لباس المصلى، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفرق بين المسلمين والمشركين التلحي.
[ نداء ]
يا ربي أقسمت عليك برحمتك: أن تحفظ عبادك الموحدين من شر المشركين.
إلهي قد ابتعد المسلمون عن منهج القرآن والسنة فاهدهم وباعد بينهم وبين الشرك.. برحمتك يا أرحم الراحمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

من أنواع الشرك: التبرك بالشجر والحجر ونحوهما([46])
يقول تعالى في آية (20/53) (أفرأيتم اللات والعزى ومنوة الثالثة الأخرى).
(اللات)([47]): كما يقوله ابن كثير كان صخرة بيضاء منقوشة، عليها بيت في الطائف، أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المغيرة بن شعبة فكسر ذلك الصنم وأحرق البيت الذي بني للصنم([48]).
(العزى): هي شجرة جعلوا لها بيتاً ووضعوا عليه ستائر وهذا الصنم كان في منطقة يقال لها نخلة([49]) وهي موضع بين مكة والطائف فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالد بن الوليد أن يقطع تلك الشجرة من أصلها وأحرقها. وقال البعض كانت العزى ثلاث نخلات([50]).
(مناة): كان صنماً بين مكة والمدينة فبعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام الفتح علياً فكسره وخرب موقعه([51]).
يقول أبو واقد الليثي رضي الله عنه خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلة قال إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم([52]).
نبّه الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث أمته عن اتباع سَنَن من كان قبلهم, وإن دققت النظر فسترى بوضوح كيف وقع المسلمون في نفس ما نهاهم الرسول صلى الله عليه وسلم عنه, حيث أصبح في كل مدينة وقرية حجر يعبد أو شجرة تقدس أو مزار ينزله الناس ويطلبون منه حاجتهم.
فهل يصح أن يُطلق وصف الإسلام والتوحيد على أناس يعتقدون بهذه الأوهام ويطلبون منها الحاجة؟ أليس هؤلاء واقعين في الشرك؟.
والعجب أنهم يقولون نحن لم نطلب الحاجة من الشجرة والحجر أو المقام, وإنما نفعل هذا لأن أحد الأئمة أو أبنائهم مرّ عليه فنحن نتبرك به..
عجباً..كيف يلبّسون الشرك ويمررونه!.. فالإمام ربما ذهب إلى تلك الشجر ليقضي حاجته؟
أنا رأيت بنفسي شجر ملا جغندر (شمندر) الذي كان يقع خلف مدرسة سيد ناصر الدين، وقد اجتمع النساء حوله وعنده رجل ينشد شعراً، والنساء يطلبن حوائجهم من الشجر، وكانوا قد عَلّقوا عليها من الخرق والأقمشة ما لا يعدّ ولا يحصى، وقد جعلوا للشجر عيوناً من فضة، ووضعوا على الشجر شموعاً كثيرة، وقد تغيرت الشجرة فصار يابسة متعفّنة, وأعجب من ذلك أن هذا الصنم كان خلف مدرسة يدرس فيها حوالى مائة من طلاب العلوم الدينية، ولا يتجرأ أحد منهم على النهي عن هذا المنكر، وأخيراً تم إنشاء شارع في هذا الموقع فزال هذا الصنم بحمد الله، ولكن المؤسف هو ذهاب تلك المدرسة الجملية التي ذهبت أيضاً مع الشارع.
كذلك كانت شجرة طويلة في قصر (سلطنتي) كان يقال له (جنار عباس علي) وكانت مورداً يتوجه إليه سكان ذلك المكان، وكانوا يتبركون بها، وقد انقلعت بحمد الله تعالى.
وقد بلّغ خاتم الأنبياء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرسالةَ، وأبعد المسلمين عن مظاهر الشرك إلى حد أن عمر بن الخطاب مع تعصبه في الجاهلية لعبادة الأصنام إلا أنه لما تشرف في خلافته بزيارة الكعبة وصل عند الحجر الأسود وخاطبه قائلاً: (لست إلا حجراً ولولا أني رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستلمك ويقبلك ما قبّلتك).
ينبغي أن نمعن النظر في هذه الأمر، وهو أن الحجر الأسود لا يجوز أن يُعبد بل يُستحب استلامه فقط، فقد وضع هذا الحجر لتحديد بداية الطواف، وبعبارة أوضح فإن الحاج يبدأ الطواف بمحاذاة الحجر الأسود، لأن الطائفين ينبغي لهم أن يتحركوا باتجاه واحد، فلو ابتدؤوا الطواف من جهات مختلفة فسيواجه بعضهم بعضاً، وسيصعب الطواف في هذه الحال, لهذا شرع لهم أن ينووا ويبدءوا بمحاذاة الحجر.
هذه تربية الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن مع الأسف بعد فترة يسيرة وقع كثير من الأمة في الشرك، وانغمسوا فيه إلى حدّ أن بعض العبادات المحدثة والمشوبة بالشرك صارت من ضروريات الدين، ومسلّمات شريعة سيد المرسلين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
انظروا كيف بدأ أمر الجاهلية من جديد! ماذا أحدثوا من الآراء؟! وكيف علّقوا الخرق على الأشجار؟! وكيف أقاموا عليها المزارات ونحوها ونوّروها بالشموع!.
(انظر كم علقوا من الأوراق والحاجات.. حتى أن القادم يختلف عليه شكله الذي عهده من قبل)([53]).

من أنواع الشرك: الذبح والنحر لغير الله
والمقصود هنا بالذبح الذي يتقرب به الإنسان إلى الله، سواء كان من مأكول اللحم أو غيره، ففي تأريخ نبي إسرائيل أن قربان قابيل كان من البراعم وثمار الأرض، وكان قربان هابيل من الحيوانات.
وفي زمن نوح عليه السلام صنعوا مذبحا يذبحون عنده الحيوانات ويُحرقونها، وفي زمن إبراهيم عليه السلام كانت قرابين الناس من الخبز والخمر، كما أنهم كانوا يتقربون بذبح الآدمي إلى أصنامهم، وقد مُنع إبراهيم عليه السلام من التقرب بذبح البشر, وهو ما تشير إليه قصة ذبح إسماعيل عليه السلام ومجيء الفدية بدلاً عنه.
وفي عصر موسى عليه السلام كانت القرابين على نوعين: الدموي وغير الدموي، كانوا يذبحون الدموي و يتركون غير الدموي في الصحراء، وقد تعلّم العرب في الجاهلية هذه العادة من قوم موسى حيث كانت تُسيّب الحيوانات تقرباً للأصنام، وهي العادات التي يُسميها القرآن باسم البحيرة والسائبة. كما يقول تعالى: (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون) (5/103).
(البحيرة): كان من عادة العرب أنه إذا ولدت النافة خمس مرات، وكان الخامس ذكراً يثقبون أذنها ويتركونها، وكانوا يمنعون ذبحها وركوبها ولا يمعنونها من الماء وحشيش الأرض([54]).
(السائبة): كان العرب تنذر في الجاهلية أنه إذا رجع مسافرهم أو شفي مريضهم أن يخرج ناقة من ملكه كمن يعتق رقبة([55]).
(وصيلة): هي شاة بيضاء تلد سبع بطون، وإن كان بطنها السابع ذكراً ذبحوه قرباناً للأوثان، وإذا ولدت من بطن واحد توأماً ذكراً وأنثى يقولون: وصلت أخاها ثم يذبحون الذكر من أجل أخته.
(الحام): فحل ينتج من صلبه سبعاً كل واحد منه قابل للركوب، وقال بعض آخرون: إذا صار ولد ولده صالحاً للركوب يقولون حمى ظهره فتركوه ولا يمنعونه من الماء والكلأ.
وهذه العادة لدى المشركين قد راجت بين بعض المسلمين بعد ذلك حيث أن البعض يتركون معزاً أو ضأناً في مقام الإمام أو عند قبر أحد الصالحين، ومن الأمثال التي يذكرونها أن عجل الإمام الرضا لا يبلغون به إلى الضحى، وهذا العجل كان في عهد الملك السلطان حسين الصفوى، كانوا قد ألبسوه لباساً مُطرزاً بالذهب، وكان يتنقل بحرية في السوق وأزقة البلد، وكان الناس يتبركون به، كما أنني شاهدت بنفسي سائبةً سيبوها وجعلوا على قرنها ذهباً , وكانوا يتبركون بها.
ومن قبل كانت بنو إسرائيل تقسم الذبائح الدموية على ثلاثة أقسام: ذبيحة محرقة، ذبيحة كفارة الذنوب، ذبيحة السلامة.
الذبيحة الأولى: كانوا يحرقونها ما عدا جلدها. وأما الذبيحة الثانية: فيقسمونها على نوعين: كانت تهدى إحداها للكاهن، وتحرق الأخرى. والذبيحة الثالثة: كانوا يأكلون لحمها.
وأما قرابين المسيحيين فكانت محصورة بالخبز والخمر حيث كانوا يجعلونها ذكرى للحم المسيح ودمه.
وكان بعض الأمم المتقدمين كالمصريين والرومانيين والفينيقيين والكنعانيين يبالغون في أمر القربان، حتى أنهم يتقربون بذبح الإنسان، وهذه العادة المشئومة كانت رائجة في أوروبا إلى القرن السابع الميلادي، قال بعضهم: أصل قرابين الحيوانات أنها ضيافة كان يقدمها بعض تلك الأمم لآلهتهم، فكانوا يجتمعون في معابد الأوثان ويذبحون لها الحيوانات, كما كانوا يذبحون أسرى الحروب تقرباً للأصنام ويأكلون لحومهم.
وقال بعضهم: اتخذت القرابين لسببن:
1. كان هدية وتشريفاً للآلهة[كما سبق].
2. طلبا لتكفير الذنوب وإرضاء الآلهة وتسكين غضبها.
وكان القرابين عند الأمم المتوحشة لثلاثة أسباب:
1. قرباناً يتقربون به لروح الميت، لأنهم كانوا يعتقدون يإن الميت يبقى في القبر جائعاً ويحتاج إلى الغذاء، فكانوا يذبحون فرس الميت وعبيده ليخدموه في قبره.
2. قرباناً يذبحونه للآلهة حتى ترضى عنهم.
3. قرباناً يذبحونه كفارة لذنوبهم وذنوب قبيلتهم، وأصل هذا القربان أنهم كانوا يعتقدون أنه إذا مرض المريض فذبحوا قرباناً أن المرض ينتقل منه إلى الحيوان المذبوح، ثم تطورت عقيدة نقل المرض من المريض إلى الحيوان المذبوح إلى اعتقاد أن ذنوب الأمة تنتقل في الحيوان المذبوح، كما أن بعض القبائل الأفريقية يذبحون في السنة رجلاً وامرأة ويقولون إن ذنوب القبيلة تنتقل إلى هذين الشخصين، وتُطهّر القبيلة من الذنوب.
وكان آخرون يذبحون رجلا وقت البلاء وانتشار الوباء أو القحط؛ اعتقادا منهم أن هذا مما سبباً لرفع البلاء, وهذه العقيدة أصلها من عقيدة النصارى الذين يقولون صلب عيسى عليه السلام حتى يطهّر الناس من الذنوب، كما أن بعض الجهلة وسفهاء الشيعة ينتشر بينهم أن الحسين بن عليّ (ع) استشهد وطهّر الشيعة من الذنوب.

القربان في الإسلام
لقد رفع الإسلام جميع هذه الأوهام والخرافات المتعلقة بالقرابين، وأقرّ بمشروعية التقرب إلى الله بذبح بعض الحيوانات، ونهى عن ذبح الإنسان نهياً مؤكداً، فقد كان المصريون يغرقون في ماء النيل كل عام بنتاً جميلة ويسمونها عروس النيل، فتوقف هذا الأمر الفظيع ببركة الإسلام في إمارة عمرو بن العاص رضي الله عنه.
وشرع في الإسلام التقرب بذبح بعض الحيوانات لكن بيّن أنها ليست للأصنام, وليست لتغذية الأموات ونحوه، بل هي هدية من الأغنياء إلى الفقراء، والمقصود من الذبح هو إطعام الجائعين الفقراء، كما يقول تعالى: (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم من فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعترّ كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون * لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين)(22/38-39)، فينبغي أن يقال عند الذبح: الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، اللهم منك وإليك.
جاء التصريح في هذه الآية المباركة أن الذبح غير مقصود لذاته، وأن الله لا ينتفع منها بشيء، لأن الله غني عن العالمين، ولا يكون ركناً من أركان الدين، ولكن باعتبار الصدقة والتوسعة على الفقراء والمحاويج.
وينبغي أن يكون الذبح والقربان لله تعالى، ولا يذُكر اسم غير الله عند الذبح والنحر، كما يقول سبحانه وتعالى: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)(6/163)، يقول مجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك: إن نسك الذبيحة في الحج والعمرة.
ورد التصريح في هذه الآية المباركة أن الذبيحة لله تعالى فقط، لا ينبغي أن يشاركهُ فيها أحد، يقول تعالى أيضاً: (فصلِّ لربك وانحر)(108/2)، ويقول أيضاً: (إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنـزير وما أهل به لغير الله)(2/169)، والمراد من قوله: (وما أُهِلّ به لغير الله) هو الذي يُذبح للأصنام، ونُذر للآلهة دون الله، حيث كانوا يقولون عند الذبح: يا صنم نذبح هذه الشاة لك، ونتقرب بك إلى الله.
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: حدّثني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأربع كلمات: (لعن الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثاً، لعن الله من غيَّر منار الأرض)([56])، وروى أبو عبيد في كتاب الأموال والبيهقي عن الزهري عن خاتم النبيين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه: نهى عن ذبائح الجن، وقال: وذبائح الجن أن يشتري الرجل الدار، أو يحفر عين الماء، وما أشبه ذلك فيذبح لها ذبيحة تطيرا، وكانوا في الجاهلية يقولون إذا فعل ذلك لن يضر الجنّ أهلها فأبطل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك ونهى عنه.
فاتضح بهذه الآيات المباركة والأحاديث النبوية أن الذبح لغير الله شرك، وأن ذلك اللحم حرام.
يقول الفقهاء رضوان الله عليهم: كل ذبيحة ذُكر عليها غير اسم الله فلحمها حرام ولو ضم مع اسم الله غيره، بل هذا العمل شرك([57]).
ومن هذا القبيل ما يذبحونه اليوم باسم الإمام أو باسم أبي الفضل (ع) أو أئمة الهدى (ع)، كما يقول الشخص العامي يا ولد الإمام ذبحت هذا الخروف في سبيلك أو يقول يا أبا الفضل (ع) أذبح باسمك هذا الخروف، مثلاً يقول: اشف مريضي.
[نداء]
إلهي ومولاي.. قد صار الشرك يقع باسم التوحيد!! ويرتكب أكثر الناس الأعمال الشركية باسم التوحيد!! عكسوا الأسماء, فبدّلوا الموت بالحياة.. فاهدنا وإياهم إلى الصراط المستقيم.
وفي الحقيقة؛ ثمة مشكلة عجيبة، وهي أننا نجزم بأن ذنوب هؤلاء الجهلة سيحاسب عليها أولئك الشيوخ الماكرون الذي ينشرون الشركيات بين العوام، ويسترزقون من وراء ذلك.. ومن جهة أخرى يجب أن نعلم أن هؤلاء الشيوخ يجارون العوام في جهلهم خرافاتهم فهم يتْبَعون العوام من جهة، والعوام يتبعونهم من جهة أخرى، وتوضيح ذلك أنهم يعلمون أن العوام ليس لديهم قدرة على معرفة الفرق بين الغث والسمين، والعوام يتصورون أن هؤلاء الشيوخ المنحرفين على جادة التوحيد والدين، فلهذا يتبعونهم اتباعاً تاماً، ولكن حينما يرد التابع والمتبوع إلى جهنم، يخسر هؤلاء وهؤلاء..(يقوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً)(37/67-68-69)، لو كانوا مؤمنين بالله والرسول في الحقيقة، وكانوا يخافون من يوم القيامة لكفتهم هذه الآية لوحدها! ولكن مع الأسف (إنهم عن السمع لمعزولون)(26/213)
 
 
 
 

من أنواع الشرك: النذر لغير الله
يقول الله تعالى في وصف عباده المُخْلَصين (يوفون بالنذر)(76/8)، هذه الآية المباركة تدل على وجوب وفاء النذر وتمدح الموفين، فالنذر من جملة العبادات، فينبغي أن لا ينذر إلا لله وحده، تماماً كالصلاة والصوم التي أن لا تصح إلا أن يراد بها إلا وجه لله جلا وعلا.
فالنذر أيضاً عبادة تبطل إذا كان لغير الله, ومن أجل هذا يقول الفقهاء رضوان الله عليهم: لا ينعقد نذر الكافر. يقول الله تعالى: (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه) (2/274)، أخبر الله تعالى في هذه الآية المباركة بأنه عالم بأعمال كل عامل في العالم، نفقةً كان أو نذراً، وقد تكفل الله تعالى بأن يجزي المحسنين خيراً.
ورد الكافي عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: (إذا قال الرجل عليَّ المشي إلى بيت الله وهو محرم بحجة أو عليَّ هدى كذا ليس بشيء حتى يقول لله عليّ المشي إلى بيته، أو يقول لله عليّ أن أحرم بحجة، أو يقول لله عليّ كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا)([58]).
الخلاصة: أنه إذا قال شخص عليّ عمل كذا، لا يقع إلا أن يقول عليّ لله كذا. وروي في الكافي عن الكناني قال: سألت أبا عبد الله عن رجل قال عليّ نذر، قال ليس النذر بشيء حتى يُسمّي لله شيئاً صياماً أو صدقة أو هدياً أو حجاً([59]). رُوِي في الكافي عن أبي عبد الله عن الرجل يحلف بالنذر ونيته في يمينه التي حلف عليها درهم أو أقل قال إذا لم يجعل لله فليس بشيء([60]) (يعني باطل).
بناءً على هذه المقدمة نعلم أن دلالة الآيات والأخبار وإجماع العلماء على أن النذر لغير الله لا يجوز، وأنه باطل، مثل النذور التي ينذرونها لقبور الصالحين. يقولون مثلاً: يا ولد الإمام ننذر لك هذا البساط أو النور أو حامل الشمع، أو الخروف كل هذه النذور باطلة، وإذا سأل قضاء الحاجة من صاحب القبر فهو شرك بالاتفاق. يقول الله تعالى: (جعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون) (6/136).
كان لقبيلة بني خولان صنماً يقال له عميانس([61])، وكان من عادة هذه القبيلة أن ما لديهم من الزرع والحقول والدواب أنهم يجعلون نصفها لله ونصفها لأصنامهم، فما كان لله فيعطى منه للفقراء والضيوف، وما كان لأوثانهم فلا يعطى إلا لسدنة الأصنام، وإذا ظهر أن نصيب الله أحسن كانوا يبدلونه بنصيب الأصنام، وإذا سقط شيء من نصيب الله في نصيب الأصنام فلا يأخذونه، وكانوا يقولون إن الله قادر، والله جلّ ذكره يشير في هذه الآية إلى هذا التقسيم([62]).
وبهذا يتضح أن النذر لغير الله محرم وباطل، سواء كان للقبر أو لشخص حيّ، لأسباب عدة، هي:
أولاً: النذر لغير الله كالصلاة لغير الله، فكلاهما عبادة، وينبغي أن تكون العبادة لله.
ثانياً: لا يتصور النذر للميت، لأن الميت لا يملك بإجماع أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وضرورة العقل.
وثالثاً: يعتقد بعضهم أن صاحب القبر مستقلّ في تصيير الأمور من دون الله تعالى، وهذا صريح في الكفر والشرك.
وبعد فهم هذه المطالب متى ما تنبه أحد إلى ما وقع فيه من شرك، وفهم أنه عاش فترة من عمره في هو يقع في هذه الصورة من الشرك فعليه أن يتوب، ثم بعد ذلك إذا أراد أن ينذر فليقل هكذا: نذرت لك يا رب هذه الذبيحة، وأهديت ثواب عملي لسيد الشهداء الحسين(ع)، أو إلى الأئمة أو الأولياء الآخرين، وجعلت مواضع صرفها الفقراء، الذين هم أحباب الأئمة. أو نذرت لله هذا البساط أو النور أو غيره، وجعلت مصرفه الحرم أو المسجد.. فإذا نذر بهذه الكيفية المذكورة فنذره صحيح، وهو مأجور إن شاء الله.
ولا شك بإن كثيراً من الضلالات التي يرتكبها الناس تقع بسبب الجهل بتعاليم الشرع، وبالتنبيه والتعليم سيترك كثير من الناس هذه الأخطاء.
 

من أنواع الشرك: الدعاء والاستغاثة بغير الله
الاستغاثة طلب الغوث والعون لدفع الشدة.
وقال بعضهم الاستغاثة تكون من المكروب، والمصاب بالغم، والدعاء أعم من الاستغاثة لأن الدعاء قد يكون من غير المكروب، فكل استغاثة دعاء دون العكس، فالنسبة بين الدعاء والاستغاثة نسبة عموم وخصوص، فكل استغاثة دعاء، وليس كل دعاء استغاثة.
والدعاء على نوعين: دعاء العبادة، ودعاء المسألة والطلب. فدعاء المسألة هو أن يطلب الداعي ما ينفعه من جلب نفع أو كشف ضرّ والله سبحانه وتعالى قد خطّأ في القرآن الكريم من دعا غير الله في جلب النفع أو كشف الضر، كما أنه تعالى يقول: (قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم) (5/79)، وقال: (قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرّنا ونردّ على أعقابنا بعد إذ هدانا الله) (6/71)، وقال: (ولا تدعُ من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين) (10/106).
وأما دعاء العبادة فإنه وإن لم يكن بصيغة الطلب إلا أنه يستلزم دعاء المسألة، لأن كل عبادة يطلب بها الإنسان ما ينفعه، وكل دعاء مسألة فإنه يتضمن دعاء العبادة كما قال الله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين) (7/55)
(قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون) (6/4, 41) (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً) (72/18) وأمثال هذه الآيات كثيرة في القرآن وكلها تدل على أن دعاء المسألة يستلزمه دعاء العبادة لأن السائل يُخلص دعاءه لله تعالى.
والاستغاثة في الأسباب الطبيعية التي يقدر عليها الإنسان فهي جائزة مثل أن تقول في وقت القتال يا فلان أغثني أو إذا واجهك سبع تقول يا فلان أغثني أو واجهتك مصيبة كاحترق منزلك أو هجوم عدو فتصرخ وتستغيث وتقول يا مسلمون أغيثوني كل هذه الاستغاثات ليست شركاً بإجماع أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أما الاستغاثة وطلب التأثير في الأمور الخفية المعنوية والأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى مثل شفاء المرضى ووفاء الدين من غير جهة معيّنة، أو طلب الرزق أو الهداية وغفران الذنوب وطلب دخول الجنة، والتوفيق للعلم ونحو ذلك فهذه خاصة بالله ولا يغيث فيها إلا هو، فطلبها من غيره شرك، فلا يجوز أن تستغيث بالنبي أو الولي كمن يقول: اشفني واغفر لي، وأستغيث بك يا فلان، أو أغثني يا فلان، بل ينبغي أن تقول أغثني يا غياث المستغيثين.
روي الطبراني أنه كان في زمن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منافق يؤذي المؤمنين، فقال بعضهم قوموا بنا نستغيث برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا المنافق، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنه لا يُستغاث بي وإنما يُستغاث بالله)([63])، لا حظوا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الاستغاثة به، مع أنها في أمر ظاهر وهو أمر جائزة إلا أن سبب النهي هو حماية التوحيد والتحذير من الشرك، وقطع الطريق الموصل إلى التوسل بغير الله تعالى حتى لا يتعوّد الناس الاستغاثة بغير الله، ولا حولا ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

من أنواع الشرك: التنجيم
إن التنجيم واعتقاد التأثير الخفي للنجوم والشمس والقمر في هذا الكون من العقائد القديمة لفرقة الصابئة، ومن خلالهم دخلت هذه العقائد إلى المسلمين، فلهذا لا بد أن نبيّن بعض أحوالهم (الصائبة) قبل الدخول في الموضوع:
(الصابئة):
يقول بعض العلماء كانت هذه الفرقة من أتباع صاب بن شيث، فلهذا قيل لهم (الصابئة)، ويؤيد هذا القول أن الصابئة يقولون أن معلِّمنا في هذا المذهب هو (عاذيمون) يعني شيث، وهرمس يعني إدريس، ويقول صاحب الصحاح: الصابي مشتق من صبأ بمعنى الخروج من دين إلى دين آخر. كانت العرب الجاهلية تسمي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صابئاً، لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من دين قريش (عبادة الأصنام)، وكل من أسلم كانوا يقولون عنه صبأ الرجل، فكانوا يقولون للمسلمين صباة.
ويقابل دين الصائبة دين الحنفاء، والحنف في اللغة بمعنى الإعراض عن الضلال والميل إلى الهداية، وإمام الحنفاء كان سيأتي بالتفصيل هو شيخ الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، وخاتم الحنفاء هو سيد الأنبياء خاتم المرسلين محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما بنى إبراهيم عليه السلام البيت بمكة جعلها مركز الحنيفية، وكان أجداد أهل مكة على الحنيفية التي هي دين إبراهيم عليه السلام، وكانوا يسمَّون حنفاء، وكانوا في الواقع مخالفين للصابئين، ولما خالفهم ذريتهم وعبدوا الأصنام انقلب عرفهم فصار التخلي عن الأصنام خروجاً عن الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام، وأخذوا يسمّون الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمين الصابئ والصابئة.
ثم حدث ذات الشيء في الإسلام فآباؤنا كانوا مسلمين وأصحاب عقائد صحيحة وتوحيد خالص, وثم بسبب بُعد العهد وتأثر المسلمين بعقائد الأمم الأخرى وقع الشرك بأنواعه تحت مسمى التوحيد والإسلام, وحلّت العقائد المنحرفة مكان العقائد الصحيحة, وأصبح المسلمون لغفلتهم وبعدهم عن حقيقة الإسلام يتصورون أن ما لديهم من الأعمال والعقائد الدخيلة على الإسلام هي الإسلام الصحيح, وصاروا يعدّون كل ما يدعو إليه الإسلام والعودة لما كان عليه السلف كافراً.
[ نبذة عن الصابئة ]:
أساس مذهب الصابئة يقوم على عبادة الروحانيين والملائكة بينما يقوم مذهب الحنفاء على أساس عبادة الله وحده، كما سيأتي توضيحه قريباً.
تدعي الصابئة بأن مذهبهم هو الاكتساب، والحنفاء يقولون: مذهبنا مبني على الفطرة، والمراد بالاكتساب هنا: أن يعرف الدين بالدليل، فمثلاً: تقول الصابئة -في مسألة المبدأ والمعاد والفضيلة- إذا قام الدليل على هذه الأمور قبلناها، وإلا فهو فاسد، ويقول الحنفاء الدين يقوم على الفطرة والعقائد الدينية ينبغي أن تصدقها الفطرة، وكل ما هو خارج عنها فلا يُعدّ ديناً، يقول الله تعالى: (فأقم وجهك للدين حنفياً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (30/29)، هذه الآية صريحة في أن الإنسان خلق مفطوراً على التوحيد وعلى إدراك الحقائق وأن الإنسان خلق في نهاية الحسن، والاستقامة (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) (95/5).
والخروج عن الفطرة يكون بسبب تَأثّر الأنسان بمؤثرات كثيرة كأثر المربي والمعلم وتقليد الآباء وتأثير المجتمع وغير لذلك، فهذه العوامل هي التي أخرجت الناس عن الفطرة والشريعة، والقصد الأساسي من بعثة الرسل هو إعادة الناس إلى الفطرة الصحيحة وإزالة الموانع وآثارها التي لوثت فطرة البشر.
يقول بعض الشيوخ: الإنسان يأخذ مذهبه من ثلاثة:
الأول: مذهب والديه ومجتمعه.
والثاني: مذهب السلطان والملك فإن كان الملك عادلاً صار أكثر أهل الولاية عادلين، وإذا كان ظالماً صاروا ظلمة، وإذا كان زاهداً صاروا زهاد، وإذا كان حكيماً صاروا حكماء، وإذا كان سنياً صاروا سنة، وإذا كان شيعياً صاروا شيعة، والسبب الواضح لذلك أن كل واحد يريد التقرب من الملك ويسعى لنيل محبة الملك له، ولهذا قيل: (الناس على دين ملوكهم).
الثالث: مذهب الصديق والصاحب: فكل واحد يصادق شخصاً يتأثر بمذهبه, وهذا معنى قولهم (من لازم الصحبة المشابهة في الخارج والموافقة في الداخل), وهذا أيضاً معنى الحديث الشريف: (المرء على دين خليله).
عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدى
النفس تأخذ عادة جليسها..فكن على حذر من مجالسة الخبيث([64])
إذا مر الهواء بمكان منتن.. فسدت رائح الهواء([65]).
الصابئة تنقسم إلى أربع فرق:
الفرقة الأولى: أصحاب الروحانيين([66]).
تقول هذه الفرقة: إن للعالم صانعاً وخالقاً، وهو قيوم مقدس عن الحدوث والزوال.
[ويقولون] هذه الذات أعلى وأجل من أن نعبدها مباشرة، ويَدَّعون بأن الله تعالى بعيد عن عباده، ويقولون: العباد بسبب نزولهم إلى عالم الطبيعة والشهوات لا يقدرون أن ينالوا القرب من الله والزلفى إليه فلا بد من وجود وسائط بين الله والخلق وهم الروحانيون، وقالوا: هذه الوسائط في زعمهم موجودات في العوالم الفوقية الذي هو عالم الروحانيين البحت، فهم مقدسون من المواد والقوى الجسمانية ومنزهون من الحركات المكانية والتغييرات الزمانية وهم في جوار رب العالمين ومجبولون على التقديس والتمجيد والتعظيم والتسبيح الدائم.
وهذه الوسائط كما سيأتي بيانه غير الوسائط التي يؤمن الحنفاء بأنهم وسائط في الهداية وتبليغ الحق كالأنبياء.
كما كانوا يقولون: إن الروحانيين آلهتنا وأربابنا وهم وسائط بيننا وبين رب العالمين فينبغي أن يتوسل بهم إلى الله ويُطلب الرزق والحياة والصحة وسائر الأشياء الأخرى من هؤلاء. والروحانيون هم المدبرون لهذه الكواكب والمحركون للأفلاك، والروحانيون سبب خلق النباتات والجمادات والحيوانات ويؤمنون بأن هؤلاء الروحانيون هيكل الكواكب ونسبة الروحانيين للكواكب مثل نسبة الروح للبدن.
وتوضيح ذلك أن لكل روحاني هيكل خاص ولكل هيكل فلك, ويدعون أن عاذيمون وهرمس قد وضعا أساس علم الهيئة (الفلك) وأسماء الكواكب السيارة وتقسيم البروج.
الفرقة الثانية: أصحاب الهياكل.
هذه الفرقة قالت وافقت أصحاب الروحانيين في قولهم (إن الإنسان محتاج لواسطة مع الإله) لكنهم قالوا: الملائكة والروحانيون لا يُرون بالعين ونحن نحتاج إلى وسائط نراهم بعيوننا حتى نستطيع أن نتوجه إليهم ونحصّل أسباب التقرب إليهم، ثم قالوا: فلنجعل النجوم المُشاهدة -ويسمونها الهياكل السيارة السبع- وسيلةً وواسطة.
ينبغي أن يُعلم أن لعبادة النجوم أسس هي:
أولاً: أن لكل واحد منها موقع ومنزل.
ثانياً: معرفة مطالعها ومغاربها.
ثالثاً: الاتصال بكل واحد من الهياكل حسب ما يوافق طبيعته.
رابعاً: تقسيم الأيام والليالي والساعات عليها.
خامساً: تقدير الصور والأشخاص والأقاليم والأمصار عليها.
ثم قاموا بعمل الخواتيم وتعلموا العزائم والدعوات الخاصة بكل هيكل(نجم)، فمثلاً خصّصّوا يوم السبت لزُحل وجعلوا له الساعة الأولى من نفس ذلك اليوم، فكانوا يتختمون بخاتم على صورة (زُحل) ويلبسون لباساً خاص به ويتبخرون ببخوراً يناسبه, كما ينشغلون بطلب حاجات خاصة يعتقدون أنها من خصائص زحل, وهكذا سائر الكواكب كان لكل واحد يوم معين وساعة معينة وبخور ولباس وخاتم مخصوص وعمل محدد.
فإذا تأمل المسلم ما مضى علم أن التبرك بالخواتم من بقايا عبدة النجوم وللأسف صار التبرك به مؤخراً شعاراً لأهل التقوى. ولأن هذه الفرقة تصل إلى المطلوب عن طريق الوسائط صاروا يطلقون عليها اسم (إله) و (رب) ويسمون الله تعالى: (رب الأرباب وإله الآلهة) وبعضهم كان يعتقد بأن الشمس (إله الآلهة).
وكانوا يقولون إن التقرب لهذه الهياكل سببٌ للقرب من الروحانيين والتقرب إلي الروحانيين يؤدي إلى القرب من الله. فالهياكل عندهم أبدان للروحانيين ونسبتهم إليها كنسبة الروح بالجسد. فالهياكل حيّة بحياة الروحانيين فتكون (الهياكل) هي صاحبة الحياة ومدركة الكليات والجزئيات والروحانيون يتصرفون في الهياكل كما نتصرف في أبداننا ولا شك بأن القرب من الشخص هو القرب بالروح وبناء على هذه العقائد كانوا يرتبون هذه الآثار.
ومن علوم هؤلاء الطلّسمات([67]) والتنجيم والعزائم والسحر والكهانة, وقد بقي جزء من هذه العقائد والعلوم لدى بعض المسلمين.
ومن خلال ما سبق نعلم بأن العقول العشرة التي ذهب إليها هؤلاء الروحانيون من الصابئة وغيرهم هي نفس ما صار فلاسفة الإسلام يعتقدون بها وهذه العقيدة الشركية وردت في فلسفة الصابئين وللأسف قَبِل فلاسفة الإسلام هذه العقيدة الشركية واعتقدوا أنها التوحيد والعبودية، والآيات الواردة في القرآن الكريم التي تنفي شفاعة الملائكة وتشير إلى بطلان عقيدة عباد النجوم كما يقول تعالى: (وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً) (53/27).
الفرقة الثالثة: أصحاب الأشخاص.
وقالت هذه الفرقة: إن النجوم التي اختارها أصحاب الهياكل الروحانيين لا ترى في كل وقت، فهي أحياناً تكون طالعة وأحياناً آفلة، قالوا: فليُنصب لكل هيكل (نجم) من الهياكل السيارات أشخاصاً (أصنام) حتى تكون ظاهرة لنا في كل الأحوال لمن أراد أن يعكف عندها لطلب الحاجة منهم، وقالوا: إننا نتوسل بهؤلاء الأشخاص لنتقرب إلى الهياكل والذي يقربون إلى الروحانيين، وفي النتيجة يحصل التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه الآية تشير إلى هذا المعنى (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (39/5)، (وهؤلاء شفعاؤنا عند الله) (10/20)، وتطبيقاً لهذه العقائد بنوا معابد للأصنام ووضعوا لكل هيكل صنماً، وكانوا يراعون في استدعاء الحاجات خصائص النجوم من جهة الوقت والساعة والدرجة والدقيقة واليوم، ولكل هياكل ساعة خاصة، وخاتم خاص ولباس وعزائم تناسبه، والهياكل التي بنوها كانت بأسماء الجواهر العقلية الروحانية وأشكال الكواكب السماوية، مثل هيكل العلة الأولى، هيكل العقل، هيكل الضرورة، هيكل النفس، هذه كانت بشكل الدائرة، وكان هيكل زحل ذي ستة أضلاع، وكان هيكل المشتري مثلثاً، وهيكل المريخ مستطيلاً، وهيكل الشمس كان ذا أربعة أضلاع وهيكل عطارد كان مستطيلاً بين أضلاع ثلاث، وهيكل الزهرة كان ذي ثلاثة أضلاع بين أربعة أضلاع، وهيكل القمر كان ذا ثمانية أضلاع.
الفرقة الرابعة: الحلولية.
وسماهم ابن بطوطة وسائر المؤرخين (الحرّانية)، هذه الفرقة كانت تقول:إن الله معبود واحد، وهو خالق الأجرام والأفلاك والنجوم، ويؤمنون بأن النجوم مدبرة للعالم السفلي، وكانوا يعتقدون بأن النجوم السبع حيّة وناطقة وأن النجوم هم آباء المواليد الثلاثة من جماد ونبات وحيوان، وكانوا يفترضون بأن العناصر الأربعة (الماء، والتراب والنار والهواء) هي أمهات المواليد الثلاثة، وكانوا يقولون إن الله تعالى ظهر وتجلّى في الكواكب السبعة، وتشخص بأشخاص الكواكب من غير أن يحصل تعدد في ذاته، كما يؤمنون أنه تعالى يحلّ في أجسام الأشخاص ويصير هذا الشخص إلهً للبشر، ويؤمنون بأن الله تعالى لا يخلق الشرور والقبائح في الموجودات السفلية بل توجدت هذه الأشياء من خلال اتصال نجوم النحس والسعد واجتماع العناصر الطاهرة والكثيفة.
هذه خلاصة عقائد فرق الصابئة الذين كانوا يعبدون النجوم والأصنام، ويرون أن النجوم لها تأثير تام، وكانوا يعتقدون للأيام سعداً ونحساً، ويرون الفصوص والأحجار ذات تأثيرات روحية ومعنوية، وكانوا يعتقدون أنها مؤثرة في المعنويات.
وقد بعث الله تعالى شيخ الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لهداية قومه من الصابئة، فناظر عبدة الهياكل وناظر عبدة الأصنام عدّة مناظرات، ونحن نقدّم مناظرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع الصابئين بشكل مختصر للقرّاء.
مناظرة إمام الحنفاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع الصابئين
يقول تعالى: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم) (6/84)، أقام إبراهيم عليه السلام أولاً الحجة على (الفرقة الثالثة) أصحاب الأشخاص ومنهم آزر، وهو (أباه) ويقال بأنه كان (عمّه), وكان يُعدّ أعلم هذه الفرقة، وكانت كل مراسم عبادة الأصنام وأمور المعبد بيده، ولهذا السبب كان إبراهيم عليه السلام يناظره في أوقات كثيرة، يقول الله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتّخذ أصنام آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين) (6/75)، ويقول تعالى في سورة مريم: (إذ قال لأبية يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يُبصر ولا يغني عنك شيئاً) (19/44)، يخاطب إبراهيم عليه السلام أباه قائلاً له: يا أبي لم لا تنظر ببصيرتك إلى خلقتك، كيف جُعلت أشرف المخلوقات، وكيف صرت متعدلاً في خلقتك، وفطرتك بحيث ظهرت عليك أحسن الآثار السماوية، والأنوار العلوية والأسرار الملكوتية، وكيف جُعلت سميعاً بصيراً، تنفع غيرك وتضره. ألا تسأل نفسك كيف يتصرف فيك مجّسم (صنم) من صنع يدك، وهو بلا سمع ولا بصر ولا ينفعك ولا يضرك، بل لا يغني عنك شيئاً. (أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون) (37/94-95)، أليس فاقد الشيء لا يعطيه؟
ولما وضح له بالدلائل البيّنة والحجج الباهرة أن هذه الأصنام التي يصنعها لا تستطيع أن تكون واسطة وشفيعة له عند رب الأرباب قال: (يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً) (19/45-46)، لم يقبل آزر هذه الكلمات وقال: (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنّك واهجرني ملياً) (19/48)، حينما لم تؤثر الحجة العلمية في آزر وأتباعه أقام إبراهيم عليه السلام البرهان عملياً فقام بكسر الأصنام، يقول تعالى: (قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قل بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون) (21/64-65)، استطاع إبراهيم عليه السلام أن يفحم أتباع آزر عن الإجابة عن دليله وبرهانه, فلجأوا إلى طريقة الجهال حين يبُهتون عن الحجة مع الخصم فيسعون في إذيته، ومنهم آزر حين لم يجد جواباً لحجة ابنه بدأ بالمخاصمة (لئن لم تنته لأرجمنك)(19/48).
إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي أراه الله ملكوت الأكوان وأسرار العالمين كما يقول تعالى: (وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين) (6/76)، ناظر أيضاً أصحاب الهياكل، لكن بطريق الإلزام والمماشاة مع الخصم والمجادلة بأحسن أسلوب حيث أوحى لهم بأنه سيتخذ النجوم معبوداً (فلما جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربّي فلما أفل قال لا أحب الآفلين)(6/77)، فكل ما يزول وهو عرضةً للتغيّر والانتقال فلا يصح أن يكون بمنزلة الإله لأنه يتغيّر وكل متغير يحتاج إلى مُغيّر، كما أنه لا يصح أن يكون وسيطاً أو شفيعاً لأن صفة الأفول والزوال تُخرجه عن حدّ الكمال.
وبناءً على هذا رأى بعض الصابئة اتخاذ المجسمات -الأصنام- كما سبق، لأن الأفول يمتنع معها التوجه إلى النجوم، ولهذا جعلوا أشخاصاً قائمين مقام الهياكل، كما مرّ بالتفصيل.
واستدل عليهم إبراهيم عليه السلام بما كان بعضهم يعترف به في الجملة، وهذا أبلغ في الاحتجاج، بأن يجعل بعض مسلّمات الخصم دليلا عليهً.
ولما أعرض إبراهيم عليه السلام عن الكواكب رأى القمر بازغاً مضيئاً في غاية الضوء، (فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربّي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) (6/78) (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون) (6/79)، آخر الأمر حين أغلق إبراهيم عليه السلام عليهم كل أبواب العذر عليهم قال: (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين) (6/80)
(وكأن الخليل يقول لهم: الله بجلاله وحده هو الباقي بلا حدود.. وكل أحد غيره فهو فان مفقود.. ((كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)). أنتم تعبدون الشمس بكل تذلل وانكسار مع أنها لا تضيء لكم إلا بأمر الواحد القهار, فأي حماقة جعلتكم ترفعونها إلى مقام الإله الجبار..
تأملوا في حالكم إذا كسفت الشمس ماذا تفعلون؟ ولمن تلجئون؟! حينها لا تتضرعون إلا لله وحده بأن يعيد لكم ضوءها.
هذه الشمس التي تدعونها أين هي وقت السحر حين تقع كثير من الحوادث والمصائب فلا تجدونها أمامكم لتلجئون لها)([68]).
وبهذا كان إبراهيم الخليل عليه السلام قد أوضح التوحيد الحقيقي وبيّن أن الدين الحنيف هو الفطرة وأن المؤثرات السماوية والأرضية ليست فاعلة حقيقية بل الله الحق هو خالق الوجود، وليس غيره مؤثراً في الخلق.
ولما كان (حبّ الشيء يُعمي ويُصمّ) فإن قوم إبراهيم عليه السلام عجزوا عن الجواب، واعترفوا بأن أصنامهم لا تنطق لم يقدروا أن يتركوا عاداتهم المذمومة التي اعتادوا عليها منذ سنين (ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) (21/67)، يقولون: فلماذا تأمرنا بالسؤال؟ بعدها أسمعهم إبراهيم عليه السلام توبيخاً فقال: (قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم أُفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون)(21/69)، ولما لم يبق لهم عليه السلام مجالاً للكلام رجعوا إلى شيمة الجاهلية مسجّل علماء القوم تكفير إبراهيم عليه السلام وقرروا بأن جزاءه التحريق حتى لا يتعرف المريدون على هذا السر الذي جاء به الخليل (قالوا حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين) (21/69) فأقر النمرود بأن يطبق حكم القضاة فأوقدوا النار ورموا رسول الله في النار، لكن الله المنان لم يترك رسوله في النار، وجعلها جنة لخليله (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) (2/70-71-72)
(لم تأكل النار إبراهيم عليه السلام لأن الله تعالى اصطفاه..فهيهات أن تأكله النار.. لم تكن النار موصدة على إبراهيم عليه السلام.. بل تحولت إلى قلب النمرود فأكلته هكذا كل نمرودي يخاف من كل إبراهيمي..
احرص أن تكون روحك مثل روح الخليل عليه السلام حتى ترى النعيم في وسط التنكيل ونار القمع والتضيق حينها ستسمو روحك فوق ما يعبدون من شمس وقمر..وستبلغ روحك السماء السابعة لأن شعارك مثل إبراهيم (لا أحب الآفلين).. إذا كنت عارفاً مثل الخليل عليه السلام فهنياً لك بالسلامة من النيران)([69]).
ولنا حول مناظرة إبراهيم عليه السلام بعض الكلمات لا بد منها وهي:
الأول: قال إبراهيم عليه السلام: (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) (21/65)، قد يقال ظاهراً هذا من الكَذَب، لأن التكسير لم يكن من فعل الصنم الكبير، ولا يحسُن لإبراهيم عليه السلام وصف الكذب لأن الله يقول: (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صدِّيقاً نبياً) (19/43)، والجواب أن إبراهيم عليه السلام كان قد قال (وتالله لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين) (21/59)، فيظهر من هذا التهديد أنه كان في مجال الإنكار. كما قال القوم (قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلّهم يشهدون) (21/61-62-63)، وعندما أخذوا الاعتراف من إبراهيم عليه السلام سألوه بطريق الاستفهام الإنكاري (قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم) (21/64)، قال إتماماً للحجة وتنبيها لهم (بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) (21/65)، وأسند تكسير الأصنام الصغيرة إلى الصنم الكبير على شرط النطق، وهذا الكلام أثر قليلاً في نفوس القوم كما يقول تعالى: (فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون) (21/66).
الأمر الثاني: أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال في المواضع الثلاثة (هذا ربّي)، لو قال هذا حقيقة منه فيلزم منه أن يكون من الصابئة، والاحتمال الثاني أنه لا يزال في مجال البحث والاجتهاد في الوصول إلى الحقائق، وهذا لا يناسب مقام الرسالة ودعوة الناس، والاحتمال الثالث أن يكون كذب عليه السلام.
ونجيب عن هذا بما يلي:
ذهب بعض العلماء إلى أن كلام إبراهيم عليه السلام كان على سبيل الاستفهام الإنكاري، حيث أنكر كون النجوم رّباً حقيقياً.
والتحقيق أنه قال ذلك على طريق المماشاة مع القوم مظهراً للدخول في دينهم، وبعد ذلك استدل بالأفول حتى يكون أقرب للاستجابة، كما يقول الله تعالى: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه) (6/84)
(هذه الطريقة لإرشاد من ضل في المفاوز
أما من يعرف الحق فلا يصلح له إلا الاستشهاد الصريح
ألا ترى كيف يعلم الأب المولود الجديد فيقول "تي تي"
هكذا كثير من الناس نتلطف بهم مثل الاطفال في النصيحة والتعليم)([70]).
ومن خلال هذه المقدمات نعلم أن القول بتأثير النجوم، اعتقاد سَعْد أياماً ونَحس أياماً أخرى هو عقائد الصائبة، ولأن خاتم الأنبياء محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو خاتم الحنفاء، فقد مَنَع من هذه العقيدة منعاً أكيداً وجعل الإيمان بأثر التنجيم حراماً وعدّه من الشرك بالله تعالى.
جاء في الحديث الصحيح عن النبي الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من صدّق منجّماً أو كاهناً فقد كفر بما أُنزل على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)([71]).
وروى نضر بن قابوس عن الإمام الصادق عليه السلام: (فإن المنجم ملعون والكاهن ملعون والساحر ملعون)([72]).
وفي نهج البلاغة أنه عليه السلام لما أراد المسير إلى بعض أسفاره فقيل له يا أمير المؤمنين إن سرت في هذا الوقت خشينا أن لا تظفر بمرادك (كما يدل عليه علم النجوم) فقال (ع) أتزعم أنك إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، وتُخَوِّف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضر؟ فمن صدّق بهذا القول فقد كذب القرآن، واستغنى عن الاستعانة بالله تعالى في نيل المحبوب، ودفع المكروه، إلى أن قال: أيها الناس إياكم وتعلّم النجوم إلا ما يُهْتدى به في برّ أو بحر فإنها تدعو إلى الكهانة، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر والكافر في النار([73]).
وقريب من هذا الحديث ما وقع بعينه بين الإمام علي عليه السلام وبين منجم آخر نهاه عن المسير فقال أتدري ما في بطن هذه الدابة ذكر أم أنثى؟ قال: إن حسبت علمت. قال (ع): فمن صدّق بهذا القول فقد كذب بالقرآن (إن الله عنده علم الساعة وينـزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) ما كان محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدّعي ما ادّعيت، أتزعم أنك تُهدى إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، والساعة التي من سار فيها حاق به النصر من صدّقك بهذا استغنى عن الاستعانة بالله في هذا الوجه، وأحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه([74]).
كما روى عبد الملك بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله (ع) إني قد ابتليت بهذا العلم فأريد الحاجة، فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت الطالع الشر جلست ولم أذهب فيها، وإذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة. فقال لي: تقضي؟ قلت: نعم. قال: احرق كتبك([75]).
فعُلِم من هذه الأحاديث الصحيحة أن الاعتقاد بالتنجيم شرك وكفر، ولأن الموضوع دقيق جداً وابتلي كثير من الناس بهذا الشر وهذه العقيدة التي هي سبب للشقاء والخيبة، والخوف من غير الله، ورجاء غير الله تعالى، فينبغي أن نفصّل هذا الأمر الشركي حتى يتضح المطلوب اتضاحاً أكثر.
النجوم على أقسام: طبيعيات، حسابيات، وهميات.
علم النجوم الطبيعي (طبيعيات): وهو البحث في التأثير الطبيعي للشمس والنجوم على وجه الأرض ودورهم الحوادث الطبيعية في هذا العالم، وهذا شيء لا يُنكر ألبته. فكما هو مشاهد أن للشمس تأثير في إنبات النبات، وفي ترتيب الحيوان، وتؤثر أيضاً في المدن، وطبيعة أهاليها. كما أن تعرضها لبعض النواحي قوياً فتكون طبيعة تلك النواحي ضعيفة، وألوانهم سوداء، وصفراء مثل النوبة والحبشة، وشقراء وبيضاء إذا كان تعرضها لناحية أقل، مثل التركستان. فالتأثير الطبيعي للشمس والقمر والنجوم أمر موجود. والقول بالتأثير الطبيعي ليس موضوع بحثنا أي حال، وليس الاعتقاد به من الشرك.
علم الحساب الفلكي (حسابيات): كأن يحسب المنجّم ويخبر عن الكسوف والخسوف، ولا يخطئ في أكثر الأوقات أيضاً ليس الاعتقاد والإيمان بهذه الحسابات موجباً للشرك.
علم الأوهام (وهميات): هو الاعتقاد بالتأثير الوهمي للنجوم، مثل أن يقولوا بحسب النجوم الفلانية فإن عمر فلان كذا، أو ستزيد ثروته، أو يفتقر، أو يصير وزيراً، أو أن الولد الذي في بطن هذه المرأة سعيد أو شقي أو يصير عالماً أو جاهلاً، أو أن اليوم كذا حسن لزيارة الملوك أو الساعة الفلانية طيبة للزواج المبارك أو اليوم الفلاني طيّب لأكل الدواء، يوم كذا طيب للفصد أو اليوم الفلاني مبارك للخضاب أو الذهاب إلى الحمام أو وضع الكرسي وتغيير المنزل مثل السفر في النهار أو البناء وغيرها، وأمثال هذه الأوهام، وكل هذا مما نُهي عنه وحُرّم في شرع خاتم النبيين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعدّ الشرك بالله تعالى باعتباره اعتقاداً وهمياً للنجوم. هذا هو المراد لما ذُكر في الأخبار الصحيحة.
والعقل يخالف هذا التأثير الوهمي ويصدق ما جاء به الشرع تصديقاً كاملاً، لأنه يمتنع أن يتطرق علم البشر لأحوال جميع النجوم، وتأثيراتها لأن عدد النجوم غير محدود، والعلم بغير المحدود ممتنع، واليوم مع وجود التلسكوبات القوية يقول علماء الراصد يوجد فوق (مجرتنا) مجرات أخرى، ومع أدواة الرصد الموجودة لا يمكن الإحاطة بها.
فعجباً كيف يمكن للبشر مع عدم علمهم بجميع أحوال النجوم أن يحكموا من خلالها على مستقبل العالم والأفراد الموجود فيها؟ ما هذا إلا ضلال مبين.
من جهة ثانية يشتمل علم النجوم على أصول يضحك منها العقل، فالعاقل ببديهته يحكم أنه لا يوجد في السماء حمل ولا ثور، ولا حيّة ولا عقرب، ولا دب وكلب وتنّين، والمتقدمون لما قسموا الفلك إلى اثني عشر قسماً وأرادوا أن يعيّنوا لكل واحد علامة شبّهوها بصورة حيوانية، مع أن هذه المشابهة كانت بعيدة جداً، لكن علماء التنجم فرّعوا على هذه الأسماء والرسومات الموهومة تفريعات، وقالوا إن الصور السفلية مطيعة للصور العلوية، فجعلوا العقارب في الأرض تابعة للعقرب الفلكي، والأفاعي مطيعة لصورة التنين الفلكي، والأسد تابعاً للأسد الموهوم الفلكي، والذي يعرف كيف وضعت هذه الأسماء يضحك من هذه الأقوال ويتبيّن له كذب علماء التنجم.
علاوة على هذا فليس لهذا العلم طريق خاص بل هو مبني على التقليد المحض، وهذا التقليد غير متّسق، فلكل فريق قول يخالف قول الفريق الآخر، كما أن البابليّين كان لهم مذهب خاص، وللفرس مذهب خاص، وللهنود طريق ثالث، ولغيرهم مذاهب أخرى.
ولو رجعنا إلى التأريخ لوجدنا أن المنجّمين قد أخبروا عن كثير من الحوادث التي ظهر فيها كذبهم:
تحرك أمير المؤمنين (ع) في سنة 37هـ لمحاربة أهل الشام، وأخبرَ جميع المنجّمين أن علياً (ع) يُقْتَل في هذا الحرب، ويلقى هزيمة شديدة، وقد اتضح كذبهم وتغلب جند علي (ع) على أهالي الشام، ولم يتخلصوا إلا بحيلة عمرو بن العاص، حين حملوا القرآن على رؤوس الرماح.
كذلك قال المنجمون في حرب الخوارج أيها الأمير للمؤمنين القمر في برج العقرب فإذا تحركت ستهزم, فقال (ع) تحركوا متوكلين على الله، فتحرك وانتصر.
وقال المنجمون في سنة 67هـ لعبيد الله بن زياد إن حاربت المختار فستفوز بالفتح عليه، فتحرك عبيد الله بن زياد مع ثمانين ألف ففرّ وتقدم إبراهيم بن مالك أيضاً بألف رجل محارب من قبل المختار، فواجه الجند في أرض نصيبين، وقُتل من أصحاب عبيد الله ثلاثة وسبعون ألف شخص، ولم يتجاوز من قُتِل من جند إبراهيم بن مالك مائة شخص، وقتل ابن مالك عبيد الله في المعركة.
وفي عام 146الهجري لما انتهى بناء بغداد اتفق المنجمون على أن طالع هذا البناء يحكم أولاً بأنه يموت فيه خليفة وشاعت هذه العقيدة إلى حد أن الشعراء قدّموا للمنصور -الذي بنى بغداد- التهنئةَ والتبريكات, والذي وقع هو أن منصور مات في طريق مكة, ثم مات الخليفة المهدي في ماسبذان([76]), ثم مات الهادي في عساباد، ثم الرشيد في طوس! هذه العقيدة صارت مؤثرة كثيراً مع مرور الزمن، وبقي الأمر يخالف المنجمين إلى أن قُتل الخليفة الأمين في بغداد فظهر كذب النجوم بعد ذلك مات جميع الخلفاء مثل الواثق والمتوكل والمعتضد والمكتفي والناصر أيضاً في بغداد، ومثل هذه الدلائل التي تدل على كذب المنجمين كثيرة كذب المنجّمين.
وإن قيل إن أهل التنجيم استدلوا على صحه طريقهم بالآية المباركة (إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر) (54/18)، والآية الشريفة: (فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات) (41/16) فلو قالوا: في هاتين الآيتين أشير إلى يوم نحس فيعلم أن في الأيام سعد ونحس.
نجيب: أولاً: أن يوم النحس بمعنى اليوم شديد البرد، والراغب الأصفهاني صرح في كتاب المفردات: أيام نحسات يعني شديدات البرد.
ثانياً: أن الزمان علّة متحركة وفي ذاته التصرم والانقضاء، وبشكل أوضح هو موجود سيّال غير باق، وهذا الموجود المتصرّم فيه أجزاء منها دقيقة وساعة والليل والنهار والأسبوع والشهر والسنة والقرن والدهر وكل قطعة من الزمان توجد ثم لا ترجع بعد ذهابها وانقطاعها.
ما فات مضى وما سيأتيك فأين                قم فاغتنم الفرصة بين العدمين([77])
ولا يوجد الجزء الثاني من الزمان حتى ينقطع الجزء الأول منه. فمثلاً: لا يوجد الأحد حتى ينعدم يوم السبت، وذات الزمان الذي حقيقته سيالة لا يتصور فيه السعد والنحس لنقول هذا القطعة نحس وهذه القطعة سعد أو هذه مباركة وهذه غير مباركة، لكنّ أجزاء الزمان تصير سعداً أو نحساً بحسب الحوادث التي تقع فيها، فمثلاً شهر رمضان صار سعداً لنزول القرآن فيه.
الحاصل: أن الموجودات والحوادث تكون أحياناً سعداً وأحياناً نحساً، لكن الموجودات الزمانية واقعة في أفق الزمان. بهذا السبب ينسبون سعدها ونحسها إلى الزمان، والزمان ليس علة للسعد والنحس، ولا يمكن أن يقال إن اليوم الفلاني نحس و اليوم الفلاني سعد، أو الأيام لها تأثير في الحوادث. ما هذا إلا ضلال مبين.
ومعنى الآية المباركة: (إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحسن مستمر) (54/18) هذا النحس ملازم لكل مكذّب بالرسل، وصفة النحس مستمرة معه، ومن يظن أن النحوسة صفة ليوم ما كم يظن ذلك في آخر أربعاء من شهر صفر فقد أخطأ في فهم القرآن. فسعد الأيام ونحسها بحسب ما يقع فيها من الأعمال، فأعمال السعادة في موافقة الرسل، ونحس الأعمال في مخالفة الرسل، واليوم الذي يصدر فيه عن الإنسان عمل صالح فذلك يومُ سعدٍ، وإذا صدرت عنه أعمال رذيلة فهو يوم نحسٍ، كما أن يوم بدر كان سعداً للمؤمنين ونحساً للمشركين، وأي يوم صدر فيه عن الإنسان عمل صالح فهو سعد ولو كان اليوم الثالث عشر أو يوم الأربعاء الآخر من شهر صفر. كما أن أي يوم صدر فيه عن الإنسان عمل سوء فذاك يوم نحس، ولو كان يوم عيد النيروز. أعاذنا الله من شرور أنفسنا.

من أنواع الشرك الأصغر: التطير والتشاؤم
يقول ابن الأثير في النهاية: طِيَرة، بكسر الطاء وفتح الياء، التشاؤم بشيء، وهو مصدر تطيّر، مثل تخيّر خِيَرة.
أصل التطير: أنه كان في الجاهلية إذا أراد أحد سفراً أو تجارةً أو غيرها من الأعمال آخر كان يُخرج من بيته دجاجة أو حيواناً وحشياً فإذا تحرك ذلك الحيوان إلى الجهة اليمنى فيسمونه سانح، وإذا ذهب إلى الجهة اليسرى يقولون له بارح، وإذا توجه إليهم فهو ناطح، وإذا جاء من خلفهم فيقولون له قعيد، فكانوا يتشاءم بالبارح ويتبركون بالسانح، وكان بعضهم على عكس، واليوم وجد بيننا أناس يتفاؤلون أو يتشاءمون بأصوات البومة، ولفظ التطير وضع في استخدامه الأول في التشاؤم بالطير، وكما أن الرسول الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عالج أمراض اجتماعية وخلقية للبشرية فقد عالج أيضاً هذا المرض الخطير الذي ابتلي به كثير من الناس وهو التطير، والذي يزداد انتشاره يوماً بعد يوم، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدّنكم)، وفي حديث آخر أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إذا تشاءمتم فاتركوا واذهبوا لا يمنعكم تطيركم عن عملكم)([78]).
وليُعلم أن التطير لا حقيقة له وإنما يضر من يتوهمه فقط، وأما من لا يلتفت إليه فلا يضره شيئاً، وخاصة إذا دعا بهذا الدعاء:
(اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك، اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله)([79]).
الطيرة والتشاؤم من صور الشرك ومن الأمور التي يلقيها الشيطان ويوسوس بها للإنسان، وكلما اعتقد الإنسان بالتشاؤم أكثر يكون تأثير الشيطان عليه أكبر، وبعكس ذلك من لا يلتفت لهذه الأوهام.
تجد المتشائم قد سيطر عليه الخوف من المكاره، وفتح باب الوساوس على مصراعيه فتح في نفسه، فهو يتشاءم بكل ما يرى ويسمع، أو يتشاءم إذا خرج صباحاً من البيت فرأى أعمى أو مشلولاً أو نحو ذلك، ويتشاءم يسمع بالكلمة السيئة يسمعها فيتطيّر بها, والنتيجة أنه في شقاء دائم، فحاله كحال شخص موسوس لا يستفيد من العالم الناصح، ولا يتوكل أبداً على الحق بل هو بعيد عن التوكل على الخالق، ومتمسكاً بأسباب وهميّة وضعيفة، وكل من تكون هذه حالته فإن حياته ستكون كئيبة، لأنه يواجه النقم ولا يعاجلها بالطريق الصحيح، فيكون كالذي يداوي الرمل بالملح بدل المرهم, مما يسبب له المضاعفات.
إن المتشائم المتطير حزين باستمرار، ومتحير ويعيش في ضيق دائم، يبتعد عن كل أمر يوسوس فيه، ويتوهم الشؤم في أمور كثيرة وهي ليست كذلك, لذا يُحْرَم من منافع كثيرة.
ولتعلم أخي القارئ أن التطير والتشاؤم من عمل أعداء الأنبياء والرسل، يقول الله تعالى في القرآن حاكياً مقالة منكري الرسل: (إنا تطيّرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنّكم وليمسّنكم منا عذاب إليم * قالوا طائركم معكم أئن ذكّرتم بل أنتم قوم مسرفون) (36/18-19)، وقال عن قوم فرعون: (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطّيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عن الله ولكن أكثرهم لا يعلمون) (7/130)، كما يقول عن أعداء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله) (4/81)، ففي هذه الآيات الثلاثة من القرآن ينسب الله تعالى التطير إلى أعداء الرسل، ويقول في جوابه عن تطيرهم بموسى عليه السلام وقومه (إلا إنما طائرهم عند الله)، ويقول في جوابه عن تطيرهم بالرسول الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قل كل من عند الله) (4/81)، ويقول في جواب تطيرهم بالرسل (طائركم معكم) (36/19).
يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في تفسير قوله: (ألا إنما طائرهم عند الله) (7/129) طائرهم يعني ما قُضِي عليهم وقُدِّر لهم عند الله، وفي رواية أخرى (يعني شؤمهم عند الله ومن قِبَلِه). فكفرهم وتكذيبهم بالآيات ورسل الله هي عملهم التي هي عليهم وهي مقدرة عند الله، وهذا الشؤم حصل لهم في الدنيا بسبب الأعمال السيئة، وهذا المعنى هو الوارد في قول الله تعالى: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه([80])) (17/15)
تقول العرب: جرى له الطائر بكذا من الخير والشر. ويقول أبو عبيدة: الطائر عند العرب بمعنى الحظ الذي يقال بالفارسي (بَخْت) تقول العرب هذا يطير لفلان. قال البعض أيضاً: (ألا إنما طائرهم عند الله)(7/129) بمعنى شؤمهم عند الله، وهي أعمال كتبت في سجل عملهم ويجزيهم الله بها.
هذا المعنى لا يناقض كلام الرسل الذين قالوا: (طائركم معكم) (36/19) يعني حظكم وما يصيبكم من خير وشر معكم وتستحقون لها بسبب أعمالكم وكفركم ومخالفتكم للناصحين، فهذه ليست من عند الأنبياء والرسل وهم ليسوا سبباً لها بل سببها إعراضكم وعداوتكم للأنبياء وطائر الظالم معه، وهو أيضاً مكتوب عند الله كما يقول تعالى: (وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كلٌّ من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) (4/81)، أي لو كانوا يفقهون ويفهمون ما جئت به من عند الله لم يتطيروا، لأن ما جاء به رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير محض لا يتصور فيه الشر، فيه صلاح حال الأمة ولا يتطرق إليه الفساد، وهو حقيقة الحكمة والعقل، ولا يوجد فيه عبث بل كله رحمة، ولا يتصور فيه الجور، فإذا كان هؤلاء القوم أهل فهم ودراية فلن يتطيروا بالخير المحض، والرحمة المهداة، لأن التشاؤم من جهة البشر فقط بسبب الكفر والظلم والشرك وأعمال الشرك والأفعال السيئة التي رسخت فيهم وهذه مكتوبة عند الله، مثل جميع الحظوظ الأخرى التي هيئوها بأعمالهم.
روي جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا غول ولا طيرة ولا شؤم)([81])،و عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الطيرة شرك، الطيرة شرك (قالها مرتين)، وما منّا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوك) وفي رواية أخرى أن (من ردّته الطيرة عن حاجته فقد أشرك)([82]) وفي رواية (من أرجعته الطيرة في حاجة فقد أشرك، قالوا: وما كفارة ذلك؟ قال: أن يقول: لا طير إلا طيرك..)([83]) كما سبق.
بناء على الآيات والأخبار التي سبقت نعلم أن التطير والتشاؤم من عمل المشركين وأنه باطل. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
العطسة من الأشياء التي كانوا يتشاءمون بها في الجاهلية
كان أهل الجاهلية إذا سمعوا عطسة امتنعوا عن العمل، وإذا أرادوا الصيد يوماً خرجوا قبل استيقاظ الناس كيلا تصدر عطسة عن أحد فتكون مانعة لهم عن الذهاب إلى الصيد. وإذا صدرت العطسة ممن يحبون كانوا يقولون (عمراً وشباباً)، وإذا كانت العطسة من أحد يبغضونه يقولون وريا وقحاباً([84])، وحين ما طلعت شمس النبوة في سماء جزيرة العرب أبطل الله بواسطة رسوله هذه الأوهام والخرافات الجاهلية، ونهى الناس عن التشاؤم والتطير بالعطسة نهياً صريحاً وشرع لهم بدل التطير بالعاطس أن يطلبوا له الرحمة، ولما كان التشاؤم بالعاطس خرافة شرع لهم بدلاً منه الدعاء بلفظ الرحمة، وأُمر السامع أن يُشمّت، ويطلب المغفرة للعاطس، والمراد بالتشميت قول (يرحمك الله)، وقرأها بعضهم (التسميت) بالسين المهملة بمعنى التكريم والاحترام.
الحاصل أن التشاؤم بالعطسة كان من أمور الجاهلية، وقد أبطله الإسلام. قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن الله يحبّ العطاس، ويكره التثاؤب، فإذا تثاءب أحدكم فليستره ما استطاع فإنه إن فتح فاه فقال آه آه ضحك منه الشيطان)([85])، لأن العطسة سبب للنشاط والتثاؤب علامة للكسل والتكاسل.
التفاؤل مستحسن وممدوح
ينبغي للإنسان أن يكون متفائلاً في حياته ويكون متوكلاً على الله فيما يستقبل، يقول الرسول الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا طيرة وأحب الفأل الصالح)([86])، لا شك بأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحب الفأل الحسن، وقارن بين مدحه للفأل وبين ذمه وإبطال التطير والتشاؤم، كما في الحديث الصحيح الآخر يقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا طيرة ويعجبني الفأل. قالوا: ما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم)([87]) فأبطل أولاً التشاؤم والطيرة حتى لا يتصور أن الرسول الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتطير ثم امتدح الفأل الحسن.
الفأل الحسن والتفاؤل لا دخل له بالشرك بأي وجه، بل هو من طبيعة الإنسان وفطرته، فإن الطبيعة تميل إلى كل ما يلائم الفطرة، كما ورد في بعض الآثار أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت تعجبه وردة الحناء والريحان والعسل والماء البارد، وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب حسن الصوت بالقرآن ويستمع إليه ويحب معالي الأخلاق ومكارم الشيم.
والخلاصة: كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحب كل كمال وخير و يحب كل ما يوصل الإنسان إلى الخير والكمال.
وقد أودع الله تعالى في غرائز البشر الفرح والاستبشار بسماع الاسم الحسن مثل اسم العمل الصالح والفوز والظفر والنجاح والسرور والعون والقدرة وأمثالها، فبمجرد سماع الإنسان لهذه الأسماء ينير قلبه وتشرق روحه وتقوى إرادته, وإذا سمع ضد ذلك تأثر وحزن وحدث فيه شيء من الخوف والانقباض، فإذا انقاد لهذا الفأل السيء وامتنع عن الإقدام والعمل، كان هذا التطير ضرر له في الدنيا وسبباً لنقص الإيمان بالله، وموجباً للوقوع في مخالفة التوحيد.
إن إعجاب الناس بالأسماء الحسنة والكلام الطيب أمر طبيعي، ومثله في إعجابهم بالمناظر الطبيعية والحدائق الجميلة ومناظر المياه والألوان الجميلة والروائح العطرة والأطعمة اللذيذة، وإعجاب النفوس بمثل هذه الأنواع لا يمكن دفعه، بل هذا التفاؤل نافع للإنسان ومفيد له، لأنه يُفرح النفوس ويبعث فيها النشاط والروح وهذا لا يخالف التوحيد.
وإن كان مأخذ الفأل والطيرة واحد، لكن آثارها مختلفة، والفرق بينهما واضح، لأن التفاؤل يكون بما هو محبوب وحسن، وبما هو ممدوح ومستحسن بخلاف التشاؤم فإنه يكون بالشيء المكروه والقبيح والذي تنفر منه النفوس، وكان من عادة العرب أنهم يغيّرون الأسماء بمعنى أنهم يبدلون الأسماء القبيحة بأضدادها من الأسماء الحسنة تفاؤلاً بذلك، فيسمون اللديغ سليماً؛ تفاؤلاً بالسلامة, ويسمون العطشان ناهلاً يتفاءلون أنه سيرتوي، كما يسمون الفلاة مفازة، رجاء الفوز بالسلامة فيها، فيتضح من هذا أن التفاؤل والتيمّن عناصر هام لتكوين شخصية الإنسان فينبغي أن يتفاءل بالأشياء وينظر إلى الدنيا بعين مباركة.
(أنا مطمئن لكل ما يقع لأنه بتدبير الله.. وأحب كل العَالَم لأن الله صنعه بنفسه..
هذه الدنيا مثل المرآة إذا نظرت إليها عابساً رأيتها عابسة أمامك، وإذا نظرت فيها طِلَق الوجه فتبدوا لك جميلة تَسُرّ.
النظيف يظهر في المرآة نظيفاً..كما أن المتسخ يظهر في المرآة متسخاً)([88]).
ينبغي أن نتفاءل في كل ما نستقبل وأن ننظر إلى الأمور دائماًَ بعين الرجاء والرحمة لا بعين اليأس، والشخص المتفائل فرح وراض عن ربه فيما مضى من حياته عموماً في كل ما قدر سواء كان خيراً أو شراً, بل يثق بالله ويرجو منه أن يكون في مستقبله مؤدياً للواجب ومتابعاً لعمله وآخذاً بالأسباب، ويطلب حسن العاقبة من الله تعالى.
التشاؤم ناشيء من ضعف الإرادة وضعف القوة العصبية والعقلية، وفي هذه الحالة فإن الشخص يعيش بين جبال الأوهام ووديان الخرافات, ويمشي في ظلمات الوساوس إلى أن تغطي سماء عقله سحائب الظلمة، ويتراكم عليه دخان التشاؤم وسوء الظن بحيث تضعف روحه وتصاب نفسه بالخمول وتضعف إرادته وتتبدل أفكاره.
بخلاف التفاؤل فإنه يوقظ العقل ويُنشط الإنسان ويُشجعه على الأعمال وينجي النفس من الشقاوة ويحرر الروح من سلاسل الوسواس والظنون السيئة.
في الخاتمة أقول:
اللهم صل وسلم على خاتم المرسلين الذي أنقذ الله به هذه الأمة المرحومة، فأخرجهم من الشقاوة وألبسهم لباس السعادة واستأصل الخرافات وأخرج الأوهام من أدمغة الناس وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

الغلو في الأنبياء والصالحين سبب كفر بني آدم
يقول الله تعالى: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) (4/169) الغلو: بمعنى التجاوز عن الحد، مثل غلا السعر (يغلو غلواً) أي ارتفع سعر البضاعة، وعلا وتجاوز الحد.
نهى الله تبارك وتعالى في هذه الآية المباركة أهل الكتاب عن الغلو، وكان غلو النصارى في هذا الأمر أشد من جميع الملل، حيث رفعوا عيسى عليه السلام من مرتبة العبودية والنبوة وأوصلوه إلى رتبة الألوهية والربوبية وعبدوه، بل وقع غلوهم حتى في بعض أتباع عيسى عليه السلام من العلماء والأحبار، فاعتقدوا عصمتهم وأطاعوهم فيما يقولون من حق وباطل وصدق وكذب. يقول تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) (9/31).
والصدوقية من اليهود أيضاً كانت تغلو في (عُزَير)، وكانوا يعتقدون بألوهيته. يقول الرسول الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله)([89])، وفي عصر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أناس أن يبالغوا في تبجيله بحد يقارب الغلو فقالوا يا رسول الله إذن لنا أن نسجد لك فمنع الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا الأمر أشد المنع وقال حينها (الحديث السابق:لا تطروني)([90])، لأن السجود خاصة بذات الربوبية في شرعنا، قال تعالى: (اسجدوا لله) (41/38)، فالسجود لغير الله شرك، سواء أكان لشخص أو لقبر، ولكن العجب أن الجهال إذا وصلوا إلى قبور الأولياء يسجدون، كما أن بعض جهلة الصوفية يسجدون لشيوخهم أيضاً([91]).
يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إياكم والغلوّ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)([92])، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (هلك المتنطّعون، قالها ثلاثاً)([93]).
وقد جاء في كتاب (عيون أخبار الرضا)، أن المأمون قال للرضا (ع) بلغني أن قوماً يغلون فيكم، ويتجاوزون فيكم الحد! فقال الرضا (ع) حدّثني أبي موسى بن جعفر (ع) عن أبيه جعفر بن محمد(ع) عن أبيه محمد بن علي (ع) عن أبيه علي بن الحسين (ع) عن أبيه الحسين بن علي (ع) عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا ترفعوني فوق حقّي فإن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبيّاً)([94])، قال الله تعالى: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيّين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) (3/78-79)، وقال عليّ بن أبي طالب (ع): (يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي: محبّ غالٍ، ومبغض مفرط، وإنا لنبرأ إلى الله عز وجل ممن يغلو فينا فيرفعنا فوق حدّنا كبراءة عيسى بن مريم عليه السلام قال الله عز وجل: (يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أنِ اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد) (5/115-116)، وقال عز وجل: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون) (4/171)، وقال عز وجل: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدّيقة كانا يأكلان الطعام) (5/75)ومعناه أنهما يتغوطان فمن ادّعى للأنبياء ربوبية أو ادعى للأئمة ربوبية أو نبوة أو لغير الأئمة إمامة فنحن براء منه في الدنيا والآخرة)[انتهى النقل عن الصدوق من كتابه عيون الأخبار]([95]). وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
في بيان حقيقة الواسطة والوسيلة بين الحق والخلق
مِنْ مسلّمات العقل وضروريات الدين أن الأنبياء والرسل سلام الله عليهم وسائط بين الخلق والحقّ، ولا بد للبشر من وجود هذه الوسائط وبدونهم لا تصلح أمور الخلق في الدنيا والآخرة، ولأن هذا المبحث من المسائل الصعبة وأحياناً يشتبه بالشرك، وبسبب قلة الفهم فيه صار كثير من المسلمين يشابهون المشركين، فنحن بحاجة ماسة لبيان هذه المسألة حتى نبيّن لإخواننا ما هو موافق لكتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
إن كان بالمراد بالواسطة أنه ينبغي أن يبعث الله رجلاً لهداية العباد فهذا المعنى عين الصواب، لأن الناس لا يعلمون ما الذي يحبه الله، وما الذي لا يُحبه، أو ما الذي يأمر به وما الذي ينهى عنه، وكذلك لا يعرف الناس ما الأعمال والأقوال التي تنفعهم في الدنيا والآخرة، وما الذي يكون سبباً في شقاوتهم في الدارين، كما أن العقل البشري عاجز عن وصف الله تعالى ولا يدري أي صفة تليق بجلاله وبأي اسم يُدعى وكذلك لا يعرف العقل البشري كيفية المعاد وحشر الأجساد فبالاتفاق يحتاج الإنسان إلى واسطة تهديه مباشرة ويبيّن له ما ذُكِر.
الله بجلاله غيب لا يُشاهد.. ولهذا فإن الرُسل نوّاب عن الحق تعالى في بيان الدين لخلقه([96])
ولأن الحاجة إلى الرسل مسلّم به فينبغي لرب العالمين أن يبعث مجموعة منهم لهداية الناس.
الإيمان بالرسل جوهر الهداية وحقيقة الفوز وعصيانهم ضلالٌ وبعدٌ عن الحق، ولا يمكن لأحد النجاة إلا بطاعتهم واتباع أمرهم, وقد قيل: إن لم تكن نبيّا فكن من أمته، قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) (3/29)، فالأنبياء والرسل واسطة ووسيلة للهداية، والإعراض عن طاعتهم أساس الضلالة والشقاوة. يقول تعالى: (يا بني آدم إما يأتينّكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كذّبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (7/33-34)، يقول الله تعالى: (فإما يأتينّكم مني هدىً فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتي فكذّبت بها وكذلك اليوم تنسى) (20/121-127)، يقول الله تعالى على لسان أهل النار: (كلما أُلقِي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير) (67/-8-9)، ويقول تعالى أيضاً: (وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقّت كلمة العذاب على الكافرين) (39/71)، ويقول الله تعالى: (وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسّهم العذاب بما كانوا يفسقون) (6/48-49)، كما يقول الله تعالى: (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وموسى وهارون وآتينا داود زبوراً * ورسلنا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليماً رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون لله على الناس حجة بعد الرسل) (4/161-162)، وفي القرآن كثير من الآيات التي تبيّن أن مكذبي الأنبياء هلكوا بسبب تكذيبهم الرسل، وفي آيات أخرى أيضاً دليل على أن الله تعالى كان ناصراً ومُعيناً لرسله، كما يقول: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون) (37/171-172)، (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) (40/55)، وفي آية أخرى أمر الله تعالى أمراً صريحاً بطاعة الرسل (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) (4/64)، (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (4/83)، (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) (3/29)، (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) (7/157) (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) (33/21).
وإذا كان المراد بالواسطة أن الأنبياء والرسل وسائط ووسائل لجلب النفع أو دفع الضر مثل أن تقول أن الأنبياء وسائط في الرزق وفي بعث الحياة وفي شفاء المرضى وطلب الحوائج أو اعتقاد أن الرسل أبواب الحوائج فهذا أكبر أقسام الشرك، لأنك قد جعلت غير الله ولياً -تتولاه من دون الله -ومنه طلبت النفع و دفع الضرر. يقول الله تعالى: (الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون) (32/3)، يقول تعالى أيضاً: (قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً) (17/58-59)، يقول أيضاً: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذِن له حتى إذا فزِّع عن قلوبهم) (34/21-22)، كان سبب نزول هذه الآية أن ناساً كانوا يدعون المسيح والملائكة في كشف الكربات ودفع البليّات ويستنصرون بهم، وهنا يقول الله في جواب هؤلاء إن الملائكة والأنبياء ليسوا بقادرين على إزالة الضرر وتغييره. وأيضاً يقول: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربّانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) (3/74-75)، فكل من يجعل الأنبياء وأئمة الهدى واسطة بهذا المعنى بحيث يطلب منهم الرزق والحياة ويتوكل عليهم ويطلب منهم جلب النفع ودفع الضرة ويطلب منهم مغفرة الذنوب ورفع الشقاء وسد الحاجات ودفع الفقر والفاقة، فهذا الشخص كافر بنص القرآن الكريم وإجماع أمة سيد المرسلين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يقول الله تعالى: (وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين) (21/26)، أيضاً يقول: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً) (4/170-171)، وأيضاً يقول تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَدًا* وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَانِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) (19/91-995)، وأيضاً يقول تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، أيضاً يقول تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) (53/26)، ويقول أيضاً: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ) (10/107)، أيضاً يقول: (مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) (35/2)
البعض يقول نحن نجعل الأنبياء والأولياء وسائط كما أن الوزراء وسائط بين الملك والرعية؟ يعني كما أن الوزراء يبلغون طلبات الناس وحوائجهم إلى الملِك ويطلبون من الملك قضاء حوائجهم كذلك أيضاً الأنبياء والأولياء يوصلون حوائج العباد إلى الله تعالى، ويعطي الله تعالى الرزق والحياة والشفاء والضر والمال والجاه للعباد بوسيلة الأنبياء، لأن الأنبياء والأولياء أقرب إلى الله تعالى كالوزراء إلى الملوك والناس بعيد عنه، فينبغي أن يطلب الناس حاجاتهم بأدب وتواضع من الوزراء وحرّاس الملك، وهذا أنفع لهم من السؤال مباشرةً من الملِك.
أقول إن جعل الأنبياء والأولياء واسطةً بين الخلق والرب بهذه الصورة محض كفر وشرك بالله تعالى، ولا يمكن أن للإنسان أن يغسل نفسه من رجسها إلا بماء التوبة!
أيها العاجز الجاهل.. إن الملِك البشري لا يعلم الجزئيات وغير خبير بالخبايا ولا يعرف تفاصيل أحوال الرعية فينبغي أن يخبره أحد عن أحوالهم. والسؤال: أليس رب العالمين يعلم بالجزئيات وقلوب الناس (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) (6/256)، (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) (6/95)
الناس بعيدون عن المَلِك(الدنيوي) وهو بعيد عنهم لكن الله تعالى أقرب إلى العباد من حبل الوريد (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (150/10)، (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) (50/10)، لا تخرج أهمية شفاعة الوزراء في محضر الملك عن ثلاثة:
الأول: أن الملك لا يعرف جزئيات أحوال الرعية، والوزراء يخبرونه عن هذه الجزئيات، فإذا علم الملك الأوضاع أقبل على إصلاح حال الرعية وقضى حاجتهم. لو جَعَلْتَ الأنبياء وساطة من هذا النوع فقد جَعَلْتَ الله تعالى جاهلاً بأحوال العباد -معاذ الله!- وبالاتفاق هذه العقيدة مخالفة لأصول الوحدة والتوحيد، وهي كفر صريح.
الثاني: أن الملك -في الدولة- لا يستطيع الوصول لتنفيذ أمور دولته ورعيته مباشرة, كما لا يستطيع دفع العدو بنفسه , ولهذا هو بحاجة إلى وسائط وأعوان يساعدونه في تقوية أمور الملك. ولا شك أن جعل الأنبياء بهذا النحو مع الله من الكفر والشرك، لأن الله تعالى لا يحتاج إلى مُعِين ولا ظهير: (وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير) (34/21)، يقول الله تعالى: (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له وليّ من الذل وكبره تكبيراً) (17/111)، كل ما يُشاهد من الأسباب في عالم الوجود فالله تعالى خالقه وربّه ومالكه، فالله غنيٌّ صمدٌ وما سوى الله فقير إليه بخلاف الملوك فهم محتاجون إلى الخادم والجيش والحشم وإن دققت فإن الجيش والخدم والوزراء شركاء مع السلاطين في ملكهم وحكمهم، لكن الله تعالى بخلاف ذلك (له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) (64/1)
الثالث: أن يُتصور أن الملك لا يُحسن إلى الرعية ولا يرحمهم، ويحتاج إلى محرك خارجي لينصحه ويعظه حتى يخاف من الظلم وتحصل له الرغبة في العمل الصالح والعناية الخاص بالمشفوع له, واعتقاد أن وساطة الأنبياء بهذا النحو اعتقاد باطل بطلاناً لا يحتاج إلى برهان, وهو بالبديهة من الكفر والشرك الصريح، لأن الله تعالى رب الموجودات وأرحم بعبده من الأم بطفلها.
كل الأشياء تابعة للمشيئة الإلهية: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. كيف يمكن أن يكون إله العالمين غير رحيم، ويحتاج إلى واعظ؟ (سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً) (17/45).
لكن لو أنك تلتمس الدعاء من الرسل والأئمة وقلت عند مقام الرسل والأئمة يا رسول الله يا إمام أسألك أن تدعو بأن يشفي الله تعالى مريضي أو ان يغنيني من الفقر أو يوفقني إلى العلم ونحوه, فليس هذا من طرق الشرك بل طريق صحيح وجائز, لأن الأنبياء والأولياء مستجابو الدعوات، ودعواتهم مقبولة عند الله وستقضى الحاجة التي يطلبونها([97]). أسأل الله تعالى أن يجعل الأمة المرحومة موفّقة بالتوحيد ويستجيب دعاء الرسول والأئمة في حق الجميع.
فالحاصل أن من جعل أحد الأنبياء والأولياء وسائط بين الله والخلق كحال الوسائط بين الملك والرعية فهذا الشخص مشرك وخارج عن الدين الحنيف الإسلام، وقد ذم الله تعالى النصارى بمثل هذا الشرك فقال: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً سبحانه عما يشركون) (31/31)، وقال: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (37/36)، وقال: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (55/29)، القرآن وضع تاج التوحيد على رأس المسلمين واستأصل الشرك واقتلعه لكيلا يخاف الناس من غير الله ولا يتوكلوا إلا عليه. يقول الله تعالى: (فَلَا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) (5/43)، (إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (3/135)، أيضاً يقول تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ) (9/18)، يقول أيضاً: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ) (24/51)، أيضاً يقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) (9/59)، أيضاً يقول تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (3/168).
ولو قلت يجوز التوسل بالأنبياء والأولياء في غير أمور الهداية بل في الأمور التكوينية (التصرف بالكون)، مثل الرزق والحياة والشفاء وغيرها واستدللت بالآية المباركة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (5/40)، وقُلْتَ: إننا نجعل الأنبياء والأولياء وسيلة لحاجتنا نطيع أمر الله لأن هذه الآية المباركة تأمر باتخاذ الأنبياء والأولياء والصالحين وسيلة نستغيث بهم في أمور تدبير الكون وما نحتاجه.
نقول في الجواب على ذلك: إن المراد بالوسيلة التي نتقرب بها إلى الله تعالى هي ما جاء من علم وعمل، لأن الزلفى الحقيقية التي تقرب إلى الله هي التحلي بالعقائد الصحيحة والأعمال الصالحة، فينبغي على المسلم أن يتخذ ذلك وسيلة لربه تعالى، وأما ذوات الرسل والصالحين فما هم إلا واسطة في هداية الناس ودلالتهم إلى الصراط المستقيم، كما أن طاعتهم وسيلة للقرب من الله تعالى، فكلما توجه العبد لطاعة الرسل وازداد تحلياً بالعلم والعمل كلما ازداد قرباً من الله تعالى، كما نقول: كلما أخذ الطالب من علم معلمه وتخلق بأخلاقه كان أقرب إلى قلب معلمه.
والشاهد على أن الوسيلة في الآية هي العلم والعمل الصالح ما يلي:
أولاً: قول المفسرين واللغويين بأن حقيقة الوسيلة إلى الله مراعاة سبيله بالعلم والعبادة، وهذا ما صرح به الراغب الأصفهاني في كتاب المفردات.
ثانياً: نص الكتاب الكريم، حيث قال تعالى: (قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) (17/59-60)، ابتليت قريش بالقحط والغلاء فأنزل الله تعالى هذه الآية على رسوله، يقول له: قل - يا محمد - لهؤلاء المشركين كيف تلجئون إلى المقربين عند الله تعالى مثل المسيح والملائكة وصالحيّ الجن وهم إنما يتوسلون بالله سبحانه ويرجون رحمته ويخافون من عذابه.
فعُلِم أن هؤلاء الرسل كسائر العباد يخافون ويرجون، ولا ينبغي أن يُطلب منهم كشف الضر وقضاء الحاجات، والنتيجة أنه لا يمكن أن يكون المراد بالوسيلة -في الآية- الأنبياء والأولياء، لأن الله تعالى سلب عنهم تلك الصفة في آخر هذه الآية (بدليل ما مرّ)
يقول سيد الساجدين الإمام زين العابدين سلام الله عليه في الصحيفة السجاديّة في دعاء دفع مكر الأعداء (ووسيلتي إليك التوحيد، وذريعتي أني لم أشرك بك شيئاً ولم أتخذ معك إلهاً)([98])، فمن خلال الآية المباركة ودعاء الصحيفة السجّادية وقول أهل التفسير نعلم يقيناً أن هذه الوسيلة ليس ذات الوليّ أو النبيّ، فينبغي أن لا تتخذ أشخاص هم وسيلة بل الوسيلة منحصرة في العلم والعمل الصالح وطاعة الرسول والعقائد الصحيحة، والأعمال الصالحة التي تقرب العبد من ربه.
ومن المصائب التي سببت الشقاء لكثير من الجُهّال هو أن عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعصور الأئمة الهداة سلام الله عليهم أجمعين لم تخلو من جماعة من الكاذبين والزنادقة الذين يحاولون إلصاق أنفسهم بالنبي والأئمة ومع ذلك يكذبون على الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآله ويكذبون الأئمة إلى درجة أنهم نسبوا بعض صفات الله تعالى للنبي والأئمة، ولكن النبي والأئمة كانوا يتبرأون من أولئك ويلعنونهم.
الغلاة في الأصل تسع فرق، كلهم يؤمنون ببطلان الشرائع.
تقول فرقة منهم إن الله تعالى يظهر في صور بعض الخلق وينتقل من صورة إلى صورة، ويدّعون بأن معرفة الأولياء الذين يتجلى فيهم الخالق موجب لسقوط التكاليف.
وقالت فرقة أخرى إن الأئمة خالقون ورازقون ومحيون ومميتون، والمراد بالصلاة والصوم والزكاة الإيمان أشخاص طيبون، والمقصود من الخمر والميسر رجال سيّؤون، وكل من عرف هذه الأشياء سقط عنه التكليف.
أيها المسلمون: لاحظوا كيف راج الغلو بين المسلمين!!
ولا يخفى بأن أكبر ذريعة لغلوِّ العوام والجُهّال هو اتصاف الرسول والأئمة الطاهرين بالصفات الرفيعة، والعلم الوافر، وكان من بشاعة الغلاة أنهم سلسلوا الغلو في أولاد الأئمة، وأشد من ذلك أنهم أقنعوا العوام بالغلو ببعض سفلة الخلق، كبعض شيوخهم المنحرفين.
وقد اشتد جهل العوام بمعاني الربوبية والخالقية وآثارهما, وطرق قضاء الحاجات ودفع الكربات، ووصل أمر الشرك والجهل إلى حد أنهم اتخذوا صورة المرشد (الولي) في مقام ذكر الله والعبادة، فصاروا ينصبونها أمامهم في الصلاة، وقالوا: ينبغي للقارئ أن يجعل (إياك نعبد) هو المرشد، ويسجدوا للمرشد، فعبدوه نعوذ بالله من الضلال.
وتتميماً للكلام وتبصرة للأنام ننتقل إلى ذكر أحاديث رواها الكِشّي وهو من أبرز علماء الإمامية:
عن أبي حمزة الثمالي قال: قال علي بن الحسين سلام الله عليه: لعن الله من كذب علينا، إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي، لقد ادّعى أمراً عظيماً، كان علي عليه السلام والله عبد الله صالحاً أخا رسول الله ما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ورسوله، وما نال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكرامة من الله إلا بطاعته([99]).
عن هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله (ع) يقول: كان المغيرة بن سعيد يتعمّد الكذب على أبي، ويأخذ كتب أصحابه، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة، فكان يدسّ فيها الكفر والزندقة، ثم يدفعها إلى أصحابه، فيأمرهم أن يبثّوها في الشيعة، فكلما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك مما دسّه المغيرة بن سعيد في كتبهم([100]).
عن عبد الله بن كثير قال: قال أبو عبد الله (ع) يوماً لأصحابه: لعن الله المغيرة بن سعيد، ولعن الله يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها السحر والشعبذة والمخاريق، إن المغيرة كذب على أبي عليه السلام فسلبه الله الإيمان، وإن قوماً كذبوا عليّ فو الله ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا، واصطفاناً، ما نقدر على ضرّ ولا نفع، إن رحِمَنا فبرحمته، وإن عذّبنا فبذنوبنا، والله ما لنا على الله من حجّة ولا معنا من الله براءة، وإنا لميّتون ومقبورون ومنتشرون ومبعوثون، وموقوفون ومسئولون. ويلهم ما لهم لعنهم الله لقد آذوا رسوله في قبره، وأمير المؤمنين، وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي إلى آخر الحديث([101]).
عن المغيرة قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام أنا ويحيى بن عبد الله بن الحسن عليه السلام. فقال يحيى جعلت فداك، إنهم يزعمون أنك تعلم الغيب. فقال: سبحان الله! ضع يدك على رأسي، فوالله ما بقيت في جسدي شعرة ولا في رأسي إلا قامت. قال ثم قال: لا والله ما هي إلا رواية عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله([102]).
عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله إنهم يقولون تعلم قطر المطر وعدد النجوم وورق الشجر ووزن ما في البحر وعدد التراب فرفع يديه إلى السماء وقال: سبحان الله، سبحان الله لا والله ما يعلم هذا إلا الله([103]).

من أنواع الشرك الأصغر: الرياء
يقول الله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ) (107/3-4-5)، يقول الله تعالى في ذم أصحاب الرياء (يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) (4/142)، يقول الرسول الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء. يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جاز العباد بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء الرياء مشتق من الرؤية، والمراد من الرياء: طلب المنزلة والاعتبار في قلوب الناس، بإظهار الخصال الحسنة، من قبيل العبادات والعادات الحسنة، أو إظهار الآثار التي تدل على الصفات طيّبة، مثل إظهار الضعف والتكاسل من أجل أن يُفهم أنه متماوت بسبب قلة الطعام أو السهر ومثلها المشي بحيث يظهر من نفسه التماوت والضعف, أو يلبس لباساً كثيفاً وأمثاله ليبيّن للعوام والجهال أنه متصف بالزهد والإعراض عن الدنيا.
إن الرياء في العبادة من كبائر الذنوب، وصاحبها مُغِضب لرب العالمين، وممنوع من الوصول إلى السعادة في الدار الآخرة، فهو موجبة لبطلان العمل عموماً، ولا فرق في بطلان عبادة المرائي سواء كان عمله تمحضت نيته لغير الله تعالى أو اجتمع لديه قصد الرياء مع نية القربه لله، فعمله باطل ولو كانت نية طلب القربة راجحة، فكل عمل شابه الرياء فهو فاسد،، ولم يخرج صاحبه عن عهدة التكليف بل حاله أسوء ممن ترك العبادة.
صلاة المرائي أمام الناس مفتاح لباب النار.. إن كان عملك غير خالص لله فاطرح سجادتك في النار.
كذلك لا فرق في فساد العبادة إذا خالطها الرياء بين أن يكون الرياء صَاحَبَ العمل من أول العبادة أو في أثنائها.
دموع الزهاد التي تنهمر رياءً في المسجد كالطفل الذي يولد من الفاحشة في مسجد([104]).
هناك رياء جائز، وذلك في المعاصي، وبأن يستر ذنوبه عن الناس كراهية اطلاعهم عليها ويحاول قدر المستطاع أن يظهر عندهم عدم وقوعه فيها، هذا النوع من الرياء جائز، بل إظهار المعاصي قبيح وحرام، والذين قالوا مقتضى الإخلاص أن يكون باطن الإنسان على طريق لا يكون في ظهوره قبح([105]) وهذا معنى ما قاله أحد الأكابر (عليك بالعمل العلني) يعني اعمل عملاً إذا ظهر لا تخجل منه، ولا شك بأن هذه من مراتب الفضيلة ومقام عالٍ لا يصل إليها إلا المعصومون، وقليل من المصطفين من رب العالمين، فسائر الناس لا تخلوا من الذنوب الظاهرة والباطنة وخاصة الوساوس الباطلة الشيطانية، والأماني الكاذبة التي يطلع الله تعالى عليها وهي مستورة عن الناس، ولكن يجب على الإنسان سترها وعدم إظهارها.
وقد جاء عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن من ارتكب شيئاً من الأعمال السيئة فليسترها عن الناس ليسترها الله تعالى أيضاً.
اللهم إني أعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وأعوذ بوجهك الكريم وسلطانك العظيم وعزتك التي لا ترام وقدرتك التي لا يمتنع منها شيء من شر الدنيا والآخرة ومن شر الأوجاع كلها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
 
 
 
 
 
 
 
في بيان أنّ الشفاعة تنفع من يرضى الله عنه فقط
قضية الشفاعة إحدى القضايا الدينية الهامة، وهي من مسلّمات دين الإسلام، لكن الاختلاف بين فرق الإسلام في كيفيتها وتفاصيلها.
فأثبت جهور الأشاعرة والإمامية الشفاعة للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إسقاط العقاب عن بعض أهل النار. وقالت المعتزلة إن شفاعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تأثير لها في إسقاط العقاب، بل لها تأثير في إيصال الثواب لأهل الثواب.
وبشكل أوضح قالت المعتزلة: إن شفاعة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُعفى بها عن مرتكب الذنوب، ولكن متمثل العمل الصالح يزاد بها في علوّ مرتبته ورفع درجته. وأدلة الفريقين مسطورة في الكتب الكلامية.
وقد عُلِم من بيان الاختلاف أن قضية الشفاعة متفق عليها في الجملة بين الفرق ولكن الاختلاف في الكيفية والحقيقة.
ونحن نعود قبل كل شيء إلى القرآن حتى نرى ماذا يقول في الشفاعة.
ورد ذكر الشفاعة في القرآن على ثلاث صور:
النفي المطلق للشفاعة: في مثل قوله: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) (1/52)، (تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (26/98-102)، (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ* حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) (74/48-50)، (وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ) (6/51)، (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ) (6/70)، (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ) (30/12-13)، (أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (39/45-46)، (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ) (2/118)، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ) (6/256)، (أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَانُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِي) (36/23)، (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) (53/27).
كما ورد إثبات الشفاعة بشرط رضى الله تعالى عن المشفوع له، وإذنه للشافع، في مثل قوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (2/257)، (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (10/4)، (يَوْمَئِذٍ لَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا) (20/109)، (وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) (34/23)، (لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَانِ عَهْدًا) (19/91)، (وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (43/78). والنتيجة التي نأخذها من هذه الآيات هي إن من تعالم الإسلام العالية أنه دعوة الإنسان إلى أن لا يتوكل على غير الله ولا يعتقد بغيره مؤثراً في مصيره، ومن جهة ثانية تبيّن تعاليم الإسلام للإنسان أن السعادة المادية والمعنوية مرهونة بعمله (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (74/42)، فينبغي له مع التوكل على الله تعالى أن يحصّل الأعمال الصالحة والأفعال المرضية، ويكمل مراتب الرقى والكمال:
(العبد يسير في ظل ربه ومعونته.. وفي نهاية المطاف يعطى كل واحد على قدر اجتهاده)([106]).
(إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) (17/8)، الإنسان يصعد به عمله، والعمل الصالح مع الإخلاص لله أصل السعادة والنجاح؛ (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (2/107)، فالعمل الصالح هو سبيل النجاة من كل شقاء وضدّه العمل الطالح فهو أساس كل شقاء وبلاء، يقول الله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) (4/107)، ذكروا في شأن نزول هذه الآية أن المسلمين جادلوا بعض أهل الكتاب فاستدل بعضهم على بعض فقال أهل الكتاب نحن أفضل وأقرب منكم إلى الله، لأن رسولنا وكتابنا كان قبل رسولكم وكتابكم. فقال المسلمون نحن أفضل منكم، لأن رسولنا أفضل الرسل وخاتم الأنبياء وشرعنا ناسخ للشرائع فنزلت هذه الآية المباركة. يعني أن ما وعد الله تعالى المؤمنين من الثواب والأجر لا يكون بأمانيكم ولا بأماني أهل الكتاب الذين يقولون (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى) (2/105)، الحاصل أن أي عمل لا يصحّ بالأمل، بل السعادة الأخروية إنما تكون بالعلم والعمل الصالح.
الفلاح لا ينال بالأمل والتمني بل يحصل بالتعب والاجتهاد([107]).
(مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا)
إذا جاء الناس في القيامة أخذوا منازلهم في الجنات بحسب أعمالهم الصالحة
بحسب بضاعتك تعطى الثمن.. والمفلس يقف نادما.
من زاد عمله الصالح زاد ثوابه([108]).
وفي الحديث الشريف عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يا بني هاشم يا بني عبد المطلب إني رسول الله إليكم، وإني شفيق عليكم، وإن لي عملي ولكل رجل منكم عمله، ولا تقولوا إن محمد مناً وسندخل مدخله، فلا والله!.. ما أوليائي منكم ولا من غيركم، يا بني عبد المطلب إلا المتقون! ألا فلا أعرفكم يوم القيامة تأتون تحملون الدنيا على ظهوركم ويأتون الناس يحملون الآخرة ألا إني قد أعذرت إليكم في ما بيني وبينكم وفي ما بيني وبين الله عز وجل....)([109]).
نعم.. إن من كان مبعوثاً من الله تعالى لهداية البشر ينبغي أن يكون منهجه هو دعوة الناس إلى العمل وأن يجعل الشقاء والسعادة مرتبطة بأعمال الناس مباشرة.
ما هي الشفاعة؟
الشفاعة هي: سؤال المسامحة عن ذنب المذنب. وفي الاصطلاح الديني هي عبارة عن سؤال بعض الصالحين الله تعالى أن يعفو عن معاقبة المذنبين ويغفر لأهل المعاصي.
إن الانحراف في مفهوم الشفاعة جلب أضراراً كثيرة لأهل الديانات, وقد ساهم الكهان في هذا التحريف لكي يبقوا لهم منزلة عند الناس.
والشفاعة الشركية التي كان يؤمن بها المشركون أصبحت رائجة عند العامة والجهّال حيث صاروا يعتقدون أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأئمة يقولون (يا عصاة الأمة أحبونا ونحن نشفعكم يوم القيامة)([110]).
هذا العمل مخالف لدعوة الأنبياء ومضاد لأصول الإسلام ومناف لقوانينه, ويلزم منه أن يكون بعث الرسل لغواً وسُدىً, فمن غير المقبول أن تقول للغلام: يجب أن تدرس في المدرسة لكن إذا لم تذاكر فلا تخف من المعلم سآتي وأشفع لك.
هل يمكن أن يُتصور أن يأتي الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنواهي وأوامر من عند الله ويقول ينبغي أن تمتثل الأوامر وتجتنب النواهي لكن إذا لم تفعل فسأشفع لك هذا مخالف للتربية ومنافي لبعث الرسل. الإسلام قد قطع كل سبب وجعل العمل الصالح سبباً للفوز والفلاح، والشفاعة بهذا المعنى مع أنها تنشر الغرور في الناس، تتضمن أيضاً الشرك المحض.
لكن الشفاعة التي يثبتها الكتاب والسنة هي شفاعة تكون بإذن الله تعالى بالشفاعة لمن كان موحداً وحصل على رضى الله تعالى, وبعبارة أوضح لابد للمشفوع أن يكون موحداً وأن لا يؤمن بشركاء وشفعاء بالمعنى الشركي الذي ذكرنا، وأن يأذن الله للرسول بالشفاعة لهذا الشخص.
سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يارسول الله من أحق الناس بشفاعتك. قال (أحق الناس بشفاعتي من قال صادقاً من قلبه لا إله إلا الله).
فجعل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر أسباب نيل الشفاعة تجريد التوحيد على عكس ما يقوله المشركون: تنال بشفاعة الأنبياء باللجوء إلى غير الله تعالى.
وببيان أوضح: العقيدة الشركية في الشفاعة هي عقيدة يعتقدها العوام وهي أنهم يعبدون الأنبياء والأولياء ويخشعون ويخضعون لهم ويبكون ويتضرعون في محافل العزاء ويحبونهم من صميم قلوبهم فقط دون أي عمل, بل في مقابل ذلك يفعلون آلاف الأعمال الفاسدة ويعتقدون أنهم سيشفعون لهم يوم القيامة, هذه عقيدة المشركين الذين لا يحرصون على العمل الصالح أبداً.
ومن خرافات العوام التي يقولونها: إذا أحببت النبي والإمام وطلبت شفاعتهم فستكون مستحقاً لعفو الله ورحمته، لأنهم مقربين من الله تعالى ومن كانت له علاقة محبة بهم فسيكون ممن يناله الرحمة واللطف الإلهي!!.
ألا يعلمون أن الشفاعة محالة بدون إذن الله (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (2/257)، فبعد إذن الله يشفع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأئمة (ع) لمن يرضى عنه الله تعالى (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَى) (21/28).
إذا لم يكن الله راضياً عن عبد فلن تنفعه شفاعة أحد من الرسل.
الحاصل: ينبغي أن تلاحظ ثلاثة أصول للحصول على النجاة من العقائد الشركية في الشفاعة.
أولاً: أن الشفاعة مستحيلة بدون إذن الله تعالى.
ثانياً: أن الله تعالى لا يأذن بالشفاعة إلا أن يكون راضياً عن قول وعمل الشخص المشفوع له.
ثالثاً: القول والعمل الذي يُرضى الله عنه هو التوحيد المجرد عن العقائد الشركية ومتابعة الرسول والسنة السنيّة.
ومن لم تجتمع له الشروط السابقة فلن تنفعه شفاعة الشافعين.
قانون أعلنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت تريد الجنة من الله فلا تسأل أحداً إلا الله.. وحينها سأكون شفيعاً لك في جنة المأوى ورؤية الله تعالى([111]).
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

في بيان حقيقة الأسباب وخطأ الناس في تعاطي الأسباب، وبيان ضلال المشركين في تركهم التوجه إلى مسبب الأسباب
لقد خلق الله تعالى الموجودات في أكمل مراتب الإتقان والإحكام، وبمقتضى حكمته فقد جعل لكل موجود سبباً لا يمكن أن يوجد ذلك الشيء إلا بسببه.
والمسلم المتبع للقرآن لا ينكر الأسباب أبداً، لأن القرآن صرّح بوجود الأسباب (وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) (2/160)، فلكل شيء سبب، وبدون الأسباب لا يستقيم نظام العالم، أبى الله أن يُجري الأمور إلا بأسبابها، فعمود الخلق قائم على هذه السنة (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (2/43)
ولكن لابد أن نعرف بعض الضوابط المهمة المتعلقة بالأسباب، وهي:
أولاً: أن جميع الأسباب في العالم ليست عِلّة تامة([112])، بل الفاعلية الحقيقية لمسبّب الأسباب، فكل ما تراه من الأسباب فهو مقتضى ومعد([113]) والفرق بين العلة والمعدّ أن العلة تعطى الكون والوجود مثلاً إذا وجدت العلة يوجد المعلول بالاتفاق، وإذا عُدِمت العلة عدم المعلول. لكن المعدّ هو الذي لا يوجد إلا بوجود المعلول، ولا ينعدم بعدمه، مثل وجود الوالد للولد، وجود الوالد ليس علة تامة لولادة الابن، بل ينبغي أن تجتمع شروط أخرى أيضاً مثل وجود الأم، وسلامة نطفة الأب ورحم الأم وعدم وجود الموانع الأخرى، ووجود شروط مثل الهواء والماء والغذاء للأم، فإذا وجدت هذه الشروط وفُقِدت الموانع وُجد الأولاد. فالأب ليس علّة تامة بل سبب ومعد ولا ينعدم الولد بذهاب الوالد. (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ) (أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ) (56/59)، فالعلة الحقيقية هي الله تعالى، إذا رفع عنايته عن العالم يعود العالم إلى عدمه الأزلي (لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم) (2/257)، على هذا فإن السبب المعيّن غير مستقل في حصول المطلوب بل ينبغي أن يُضمّ معه سبب آخر وترفع الموانع أيضاً حتى يحصل المطلوب.
ينبغي للشخص الموحّد أن يعتقد بأن الأسباب ليست مؤثرة بذاتها، كما ينبغي له أن لا يعطل الأسباب، بل مع تمسكه بالأسباب يعتقد بأن مسبب الأسباب هو الفاعل الحقيقي.
وفرق بين تعطيل الأسباب وخلع الأسباب، والموحد يخلع الأسباب، ويعلم بأن الله مسبب الأسباب، ويهيئ الأسباب بالقدر المقدور، لكن المشرك ينظر إلى الأسباب وينسى المسبب.
(خلق الله تعالى الأسباب بإتقان، إلا أن الناس أعرضوا عن مسبب الأسباب)([114]).
جاء في بعض آيات القرآن الكريم إثبات أثر الأسباب، كما وردت آيات أخرى بنفيها، وفي هذا إشارة أن الأسباب غير مستقلة.
والناس إضافة إلى ما عندهم من الشركيات فقد ابتلوا بشرك الأسباب، فأصبحوا يعتقدون أن كل سبب قاضياً للحاجات.
(أنا في حيرة ممن يقدس الأسباب..كما أنني أتعجب ممن يلغي الأسباب..أريد أعيناً تنظر إلى السبب وإلى من بيده السبب.. عندها سنعرف أن السبب لا شي بدون مسببه.. فكل خير وشر إنما يقع بإرداة الله، وأما الوسائط فهي أسباب ليست مستقلة([115]).
ثانياً: يجب أن توجد مناسبة وعلاقة واضحة بين السبب والمسبب، وليس كل شيء يصح أن يكون سبباً لأي شيء, فينبغي أن تكون ثمة خصوصية وعلاقة بين العلة والمعلول، والسبب والمسبب, وإذا لم نقل بالخصوصية والمناسبة بين السبب والمسبب فيلزم الحرج والخلل في العلل والمعلولات فيصير أي شيء علة لشيء بدون المناسبة، وهذا باطل.
فمثلاً توجد مناسبة بين النار والإحراق فلا يمكن أن تكون النار سبباً للبلل، وبهذه الواسطة والعلاقة الخاصة الظاهرة بين الموجودات يستطيع الإنسان أن يعلم الموجودات ويحقق الحقائق، إذا لم تكن علاقة ومناسبة بين الأشياء يمتنع التعليل والاستدلال، وإذا لم توجد مناسبة وخصوصية فينبغي أن يحكم بنفي السببية.
وللحكم بسببيّة شيء لشيء يوجد طريقان:
الأول: التجربة
مثلاً إذا كررنا تجربة إشعال النار فرأيناها تحرق غالباً، حكمنا بأن النار محرقة، وطريق التجربة طريق صحيح في الإثبات، ورقى البشر وتكاملهم في الماديات بهذا الطريق.
الثاني: الوحي. أحياناً لا تؤدي التجربة إلى كشف بعض الأسباب، ولكن يأتي الوحي بإثبات ذلك،، ومثال ذلك جاء الوحي ببيان أن الأعمال الصالحة سبباً للسعادة الأخروية، وأن الأعمال السيئة سبباً للشقاء الأخروي. وبهذا نعلم أن لكشف السببية طريقان: التجربة والوحي.
الإنسان يقع في الخطأ في تعيين سببية بعض الأشياء بلا برهان من الوحي أو تجربة صحيحة، مثل أن يقول العطسة علامة للصبر، وأن رقم الثالث عشر يلازم النحس.
والحاصل أن في قضية السببية يداخلها خللان:
الأول: أن يتصور الإنسان شيئاً من أسباب العالم علةً تامةً غير متعلقة بمشيئة الله تعالى.
كم من رجل يظن أن رزقه متعلق بشيء من الأسباب.. وينسى أن الرزق من الرزاق.
وللأسف نجد بعض العلمانيين يدخلون على المسلمين من هذا الباب، فيقولون للناس: المعممون الجهال يعلمونكم أن الدعاء الفلاني أو النذر علة تامة لحصول الحاجة الفلانية وهي لا تتحقق أحياناً. والشخص الجاهل قد ينشغل بهذا السبب ولا يصل إلى النتيجة المذكورة وينتكس على الدين ويكذب ما جاء به دينه فيعتقد بأن الدعاء غير مؤثر مطلقاً، وحقيقة الأمر أن هذا لم يعلم أن الدعاء ونحوه ليس علة تامة بل سبب غير مستقل بذاته وبعبارة المنطقيين يسمى (مُعَدّ).
الخطأ الثاني: هو في فهم السببية والمناسبة بين العلة والمعلول، حيث يظن الناس بغفلتهم أن أي شيء يمكن أن يكون علة لشيء. وهذا الخطأ صار سبباً لوجود الخرافات: مثل الاعتقاد بأن نعل الخيل سبب لتوسعة الرزق، وأن خاتم العقيق دافعاً للبلايا واعتقاد أن قدر سمنو (نوع طعام) شافياً، أو اعتقاد أن ذلك علامة السعد، وذاك الشيء علامة للنحس, ومثل هذه العقائد علاوة على أنها شرك بالله تعالى أصبحت سبباً لانحطاط العقل، وحيرة الفكر, والمعتقد لهذه الأمور يخاف من كل شيء ويرجو من كل موهوم، ودائماً يتمسك بالأسباب الوهمية, قد أُغلق عليه باب الاستدلال العقلي فهو تائه متحير، لا يدري ماذا يفعل، وأين يلتجئ، خائف من كل ريح وصاحب كل باطل (صم بكم عميّ فهم لا يرجعون)(2/1)

بداية عبادة الأصنام في البشر
سبب عبادة الأوثان واتخاذ الأصنام أمران:
الأول: عبادة النجوم كما بيّنا في باب تحريم التنجيم.
والثاني: عبادة الأموات.
كان المتقدمون إذا دفنوا ميتاً يظنون أنه يبقى حياً تحت التراب فيدفنون معه أشياء كثيرة, فمثلا كان اليونان إذا دفنوا الميت ينادون روح الميت باسمه ثلاث مرات، ويدعون له بأن يعيش تحت الأرض بسعادة، ويقولون له ثلاث مرات (ترافقك السعادة وتبعد عنك الهموم) وكانوا يعتقدون ببقاء الإنسان تحت التراب إلى حد أنهم يحسبون أن الأموات يحسون كالأحياء تماماً.
وأما تعاليم الإسلام فهي تنص على أن الروح تكون في عالم آخر غير عالم التراب، وهذا العالم يُسمى عالم البرزخ، يكون فيه الميت معذباً أو منعّماً، وكان القدماء اليونان يكتبون على وجه القبر (هذا مرقد فلان) وهذه العبارة وصلت إلينا بعد قرون، فهي الآن متداولة، فهي من بقايا العقائد القديمة لأولئك، مع أن أي مسلم اليوم لا يعتقد بأن القبر مرقداً أبدياً للوجود.
وبعض القدماء كانوا يؤمنون بحياة الإنسان تحت التراب، ولذا كانوا يدفنون مع الميت بعض الأغراض، كالملابس والأغراض وآلات الحرب، معتقدين بأن الأموات محتاجون إلى هذه الأشياء بل كانوا يصبون الخمر على قبر الميت حتى لا يعطش. ويتركون الأكل حتى لا يجوع، وكانوا يقطعون رؤوس خيله وعبيده ويدفنونها مع الميت في التراب حتى يخدموه كأيام حياته.
وبناءً على هذه العقيدة كانوا يرون دفن الميت واجباً لأن الروح منوطةًً بالجسد، وحينما يوضع في قبره يبدأ بحياة أخرى. وكانوا يعتقدون بأن الجسد إذا لم يدفن فإن الروح تبقى حيرانة ليس لها مكان معين, وتكون على صورة الأشباح التي لم تجد الراحة فتصير شرسة تؤذي الأحياء بالأمراض وإهلاك الزروع وإخافة الناس..إلى أن يدفن جسد هذه الروح (الشبح) التي تحولت إلى شيطان مؤذٍ.
وكما قلنا إن كثيراً من البشر في العصور السابقة كانوا يؤمنون بآداب ومراسم خاصة لدفن الميت، ويتعاظمون عدم دفن الميت، بل يرون ذلك أصعب من الموت بمراتب، لأن القبر في عقيدتهم كان محلاً للسعادة الأبدية.
وبعض الحضارات القديمة كانت قوانينها تعاقب كبار المجرمين والذين يخالفون القوانين بحرمانهم من الدفن بعد الموت، وكان هذا من أشد السياسات(العقوبات) عندهم، لأنهم بهذا الطريق كانوا يرون أنهم يجازون روح المقصر لينتهي إلى العذاب الأبدي.
فكان أول التصور القديم لدى بعض الأمم هو أن الإنسان يعيش تحت التراب بجسده وروحه. فعندهم أن حياته تحت التراب لا تختلف عن الحاله الأولى قبل موته، ولهذا كانوا يأتون للميت بالطعام ونحوه.
عبادة الأموات:
لم يمض زمان حتى تطورت تلك العقائد الخرافية، فقالوا: إن الأموات سيكونون محتاجين إلى الأكل والشرب باستمرار، وهذا يسبب حرجاً للأحياء.. فمن هنا لجأوا عبادة الأموات.
ولما كان الأموات من المقدسات لدى بعض القدماء, أخذوا ينسبون إليهم أفضل الصفات وأعلاها. وكانوا يؤمنون بأن الأموات صالحين وسعداء ومطهرين، وكانوا يأمرون باحترامهم كما يحترم الرب سبحانه وتعالى بلا فرق بين الأموات.
وكان اليونانيون يعتقدون في الأموات أنهم آلهة تحت الأرض، وكانت قبور الأموات معابد لهم. وهذا العمل كان رائجاً في الهند مثل ما هو رائج في الروم واليونان، والهنود وكانوا يصنعون طعاماً لأمواتهم باسم (سرادها)، ويأمرون كل صاحب بيت أن يصنع هذا الطعام الذي يتكون يتألف من الرز والحليب وأصول الأشجار وبعض الفواكه, من أجل التّرحم على الأرواح، وكان المتوحشون في أفريقيا والهند واليونان يعتقدون في أمواتهم أنهم آلهة سعداء، ولكن يرون سعادتهم تكمن في أن لا يقصر الأحياء في عمل الخيرات والمبرات ويظنون أنه إذا لم يهيأ السرادها لميت تخرج روحه من مرقده يتيمة حيرانة وتسبب أذىً للأحياء، ولهذا صارت الأرواح عندهم معبودة.
فبان أن عبادة الأصنام من أقدم مذاهب البشر, وأن القبور كانت مكاناً لكثير من العبادات التي يؤديها الناس للأموات كالنذر والنحر والأضحية وطلب الحاجات ورفع الكربات من أصحاب القبور.
الأحكام التي وضعها الإسلام لحفظ التوحيد وسد طريق عبادة القبور
أولا: الأمر بتسطيح القبور:
روى الشهيد الأول في كتاب الذكرى عن أبي الهياج أنه قال: قال علي (ع) أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله (أن لا تدع قبراً مشرفاً إلا سوّيته ولا تمثالاً إلا طمسته)([116])، وأيضاً يقول الشهيد في الذكرى أن الرسول الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سطّح قبر ابنه إبراهيم([117]). ويقول أيضاً قال قاسم بن محمد رأيت قبر النبي الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والشيخين كان مسطّحاً، ويقول أيضاً: كانت قبور المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة مسطّحة([118]).
وعن جابر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله أن يجصص القبر أو أن يبنى عليه أو أن يقعد عليه([119]).
وفي الفقيه عن الكاظم إذا دخلت المقابر فطأ القبور فمن كان مؤمنا استروح إلى ذلك ومن كان منافقاً وجد ألمه([120]).
ورُوى علي بن جعفر عن موسى بن جعفر أنه قال: لا يصلح البناء عليه([121]).
ثانياً: إذا خرب القبر فلا يجدد ولا تجصص.
رَوَى أصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: من جدد قبراً أو مثل مثالاً فقد خرج من الإسلام([122]). عن الصادق (ع) عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (لا تبنوا على القبور ولا تصورا سقوف البيوت)([123]).
ثالثاً: نهى الإسلام عن العبادة والصلاة في القبور.
جاء في الحديث الصحيح والمنقول في كتب الطوائف الإسلامية أن الرسول الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجداً، فإن الله تعالى لعن اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)([124])، وأيضاً يروى الشهيد في الذكرى عن الصادق (ع) أنه قال: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا عليها)([125]).
وعن سماعة أنه سأله عن زيارة القبور وبناء المساجد قال زيارة القبور لا بأس بها ولا يبنى عليها([126]).
وأجمع الفقهاء على أن الصلاة إلى القبر أو على القبر مكروهة، ويرى ابن بابويه أن الصلاة على القبر حرام، ويقول المحقق الثاني في جامع المقاصد إن الشيخ المفيد والشيخ الطوسي يريان مطلق الصلاة في القبور مكروهة، ولو كانت عند قبر الإمام عليه السلام.
زيارة قبور المؤمنين
كل الأخبار التي سبقت جاء بها الشرع لسد طريق عبادة الأصنام لكيلا يعبد الناس القبور، أما مجرد زيارة قبور المؤمنين فلا حرج فيها، بل الزائر مأجور عند الله، فقد وردت في أحاديث كثيرة في فضل زيارة القبور. خاصة قبر الوالد والوالدة.
وفي زيارة القبور فائدتان:
الأولى: فائدة تَعُمّ الميت والزائر وهي أن يسلم الزائر على الميت ويسأل الله تعالى لصاحب القبر المغفرة ورفع الدرجة والمنزلة. وهذا الدعاء يكون بمنـزلة الصلاة على الميت، وهذه الزيارة الشرعية، فقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه إذا زرتم المقابر فقولوا: السلام عليكم أهل ديار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم([127]).
جاء عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (لا يسلم أحد على قبر مؤمن كان يعرفه في الدنيا إلا أذن الله لروح المؤمن أن ترجع إلى بدنه ويرد سلامه)([128]), ويثيب الله تعالى كل مؤمن يدعو للميت كما يثيب من يصلي عليه حين يموت، ولهذا السبب نهى الله تعالى عن زيارة قبور المنافقين (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) (9/..) وفي زيارة القبور لا ينبغي أن تسأل الحاجة من الأموات ولا يتوسل بهم، بل يطلب لهم المغفرة والرحمة من قِبَل الزائر لصاحب القبر.
الثانية: الذكرى والعبرة للزائر التي تحصل عندما يشاهد كم دُفن في هذه المقبرة من أجمل الشباب، والمتكبرين وأهل العز الثراء والظَلَمة، وآخرين من العلماء والفلاسفة والسلاطين، ولكل واحد منهم كانت له أماني وآمال وقد ذهبوا بها في التراب، وقد صيّر التراب الغني والفقير والعالم والجاهل والملك والفقير كلهم في مكان واحد، فمن وقعت عينه على الأموات ومَنْ فكر في وضعهم الحالي أدرك أن الدنيا العجوز التي هو عروس لآلاف البشر لا تفي لأحد، ومن أدرك ذلك قلّ همه وغمه، وارتاح تفكيره، ونسي آماله ورُزِق السكينة وطابت نفسه من الدنيا وما لدى أهلها.
يقول السيد عبد الله: انظر إلى المقبرة ولا تكن من الغافلين مثل أهل الأهواء لترى بعض المقابر والمزارات فيها مئات الألوف من أصحاب النعمة والجاه كلهم اجتهدوا وسعوا وغدوا في نار الحرص والأهواء ولبسوا قلانس مرصعة بالجواهر وجلسوا على موائد النعم وشربوا بأواني الذهب والفضة، وجمعوا المال بشتّى الطرق، ولكنهم في النهاية ماتوا وذهبوا بالحسرات، ملئوا المخازن وغرسوا حُب الدنيا في قلوبهم, وفي النهاية ذهبوا وتركوا كل شيء ليدخلوا من باب الموت ويشربوا من كأسه على يد ساقي الأجل.
أيها العزيز فكّر في الموت وجدّّ بالعمل وإلا ويلك من جهنم، واعلم أن أصحاب التراب يطلبون دعاءك ويقولون بلسان الحال أيها الشباب الغافلون والشيوخ المفرطين إنكم مجانين لا تدركون أننا نائمون في التراب، قد غطت وجوهنا الأكفان، لم يمض زمن يسير إلا ونسينا الناس، كنا نسير على بساط الدنيا الغَرُور بكل سرور، ونِمْنا على أبهى السُرُر، وفي النهاية ذقنا تلك الشربة المرّة (شربة الموت)، فلم نرَ وفاءً من الحياة الدنيا حتى أيقنا الحقيقة لما رأينا أنفسنا ملقون على التراب كأنما نثرتنا الرياح على تراب المحن، فلم يتنفعنا الأهل والعيال، ولا الثروة والمال، فنحن الآن موقنون بهذه الندامة، وليس أمامنا إلا يوم القيامة.
والآن ليس لنا جاه ولا فراش، ولا مال أو قماش، ولا إمكانية لإبداء الندامة أو الاعتذار، كلنا في قبضة الحسرات وحظنا من الدنيا حرمان.. وأما لحمنا وجلدنا فهو من نصيب الديدان.
يا حسرتنا فقد كنا في غالية الإمكانية والاختيار وبين يدينا جوهر المراد وهو العمل والاستعداد، ولكننا لم نميّز ولم ندرك الحقيقة فكانت النتيجة أن وقعنا في أشدِّ ضائقة، أسلمنا أرواحنا فلا فرصة لنا..
إن كنتم عقلاء فانظروا إلى حالنا الآن.. كل واحد منا قد غطته ظلمات، ظلمة الندامة وفوقها ظلمة القبر..نتضرع طلباً للرجوع.. وننوح ونبكي دون فائدة.
أيها الأحبة: توجّهوا إلى الطريق وانظروا حالنا ليس لنا ذكر ولا رسم، قد انقطعنا عنكم, فأشباحنا فاسدة، وبيوتنا خربة، ومنازلنا ومتجرنا كاسدة، قد ناب على فراشنا زوج آخر، وأيتامنا ضاعوا، أكل التراب خدودنا وجفّت وردة وجوهنا، اختلطت شفاهنا بالتراب، وسقطت أجسادنا في اللحد, سكت لساننا وأغلقت أفواهنا واشتبكت أعضاؤنا، وطار طائر الروح من رؤوسنا، ونبت نبات الحسرة من أزهارنا ونحن في ظلمة التراب وأنتم في نوم الغفلة.. ((إن في ذلك لعبرة لأولى الألباب)). انتهى.
خلاصة الكلام أن في زيارة القبور موعظة كبيرةً للإنسان، قال رسول الله: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكّر الآخرة)([129])، كان النهي الأول من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليمنع الناس من عبادة القبور، ويحفظ التوحيد، وحينما رأى أن الناس قد استقاموا على التوحيد وأدركوا أنه لا ينبغي أن تطلب الحاجات من القبور؛ أمر صلى الله عليه وآله وسلم بالزيارة وبيّن الحكمة والغرض من زيارة القبور وهي التذكر بيوم القيامة، ولهذا جاء عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: (زوروا القبور فإنها تذكر الموت)([130]).
وقد وردت أخبار كثيرة تحث على زيارة القبور ومنها قبر الرسول الأكرم وقبور الأئمة المهديين سلام الله عليهم أجمعين، وهذه الأخبار الواردة في كتب السنة والشيعة تذكر أن زيارتهم مملوءة بما ينفع في الدارين، وأن فيها أسراراً كثيرة لا يتسع ذكرها أختصرها بما يلي:
أولاً: إن زيارة الرسول الكريم والأئمة سلام الله عليهم أجمعين فيها أجر جزيل للزائرين في حياتهم، وكذلك زيارتهم بعد وفاتهم تتضمن ثواباً جزيلاً، والدليل ما جاء عن الرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (لا يسلم أحد على قبر مؤمن كان يعرفه في الدنيا إلا أذن الله لروح المؤمن أن ترجع إلى بدنه ويرد سلامه)([131]) فإذا كان المؤمن الميت يرد السلام على من يسلم عليه فإن رسول الله والأئمة ممن يرد السلام على من يسلم عليه, فأشهد يا رسول الله أنك تسمع سلامي وترد عليّ([132]).
الثاني: أن هذه البقاع المباركة محلٌ للتوجه إلى الله تعالى ومكان لنـزول الرحمة ومواضع ٌلاستجابة الدعاء، وخاصة قبر أبي عبد الله الحسين لاسيما تحت قبته([133]).
الثالث: ومن أسرار زيارة قبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأئمة الهداة سلام الله عليهم أجمعين أنه إذا ورد الإنسان على تلك البقاع المباركة تنـزل في قلبه فضائل ومكارم الأخلاق، لأن الشخص الزائر يتذكر في نفسه التضحيات والمنازل الرفيعة لهؤلاء العظماء، فيتعلم الزائر وهو بقرب ذلك القبر من صاحب القبر دوراً تأريخياً هو محل للفخر. نعم هذا التذكر والتدبر لسيرة صاحب القبر يعطي الزائر دافعاً روحياً للتأسي وكأن صاحب القبر يقول لزائره: لقد كُنْتُ شخصاً موحداً.. لا أعتقد غير الله تعالى قاضياً الحاجات رافعاً الكربات، ولم أتوسل بأحد من عباده, وكنت عفيفاً شجاعاً تقياً مضحياً، وكنت أقول الحق لم أخش من لومة لائم فأمرتُ بالمعروف ونهيت عن المنكر، فزيارتك مقبولة إذا تأسيت بي وصرت صاحب صفات طيبة وملكات فاضلة.
إذا حققنا الزيارة بهذه الصورة فإن كل بقعة من البقاع المباركة ستكون مدرسة للتربية والتعليم, وهذا هو لبّ الزيارة ومقصودها الأعظم لا كما يتصوره عامة الناس.
وأنا لمّا وفقني الله تعالى وشرفني بزيارة قبر رسول اله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروضته وتلك القبة المباركة، ولمّا رأيت نفسي محاذياً للضريح المقدس هجمت عليَّ سلسلة من الخواطر وأخذتني عظمة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخذني كبرياء صاحب القبر وقداسته، فكأن قلبي رأى رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتلو كتاب الله بصوت حسن ولحن جميل, ومر على قلبي أحداث حياته مروراً سريع كالبرق، فتذكرتُ سنيناً من تأريخ هذا الشخص الكبير وأيام غربته وظلم أولئك الوحوش وأذيتهم له، ومرّ في خاطري أيام صبره وحلمه وعظمته فتملكتني هيبة للرسول المصطفى صلى الله عليه سلم, وحاولت أن أقول السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا صاحب السكينة فانغلق لساني ولم أستطع أن أقول شيئاً وبدأ قلبي يضطرب وغلبتني حالة لا أقدر أن أشرحها.. وفي تلك اللحظات رأيت الشخص المسؤول عند القبر الشريف وقد تنبّه على حالي فأخذ بيدي وأقعدني في زاوية وقال شيخنا تفضل اجلس هنا.
خلاصة الكلام أن لزيارة قبر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأئمة خواص قلّما يعرفها الناس.
اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام وزيارة قبر نبيّك وقبور الأئمة الطاهرين برحمتك يا أرحم الراحمين.

سبب ظهور الأوثان وعبادتها
سبق وأن بينا في طيات صفحات هذا الكتاب أنّ القبور كانت منذ زمن بعيد محلاً للعبادة لدى بعض الأمم, ثم ما لبثوا إلا وعبدوا الأصنام, وكان الصنم ابتداءً نعشاً محنّطاً من (الشمع), والتحنيط هو: أنهم كانوا يخرجون أحشاء وأمعاء الميت ويملؤن بطنه من الأدوية مثل الزرير والمسك والعنبر والكافور والقصب الهندي والصندل لكي يكون مصوناً من البلى والفساد، وكانوا أيضاً يضعون موضع عينيه حجراً لامعاً مثل الياقوت، ولما رأوا أن التحنيط لا يحفظ تماماً قاموا بنحت مجسم للميت من الحجر فعبدوه أو كانوا ينقشون صورته على تابوت أو على قبر الميت فيعبدونه ويُخبر الله تعالى في القرآن الكريم عن هذه المسألة (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) (71/22-23)، هكذا قال روحانيو المعبد وكهّانه لعوامهم وجهلتهم, وقد قال محققو السلف كانت هذه أسماء خمسة أشخاص صالحين قبل نوح عليه السلام، وكان الناس يحبونهم ويجلونهم لما لديهم من الديانة وبعد موتهم صوّروا لهم تماثيل من الأشجار والأحجار فكانوا يعظمونها ثم عبدوها مع مرور الزمان.
فعلم من هذه الآية المباركة أن عبادة الأصنام كان أولها عبادة الأموات.
عبادة الأحجار:
لم تكن عقائد المتقدمين من الوحشيين مبنية على براهين وأسس منطقية، ولذا كانوا يدخلون في عقيدتهم كل ما يخطر في نفوسهم بحيث يصبح بعد ذلك جزءاً من دينهم، وكان لبعد العهد وتطاول الزمان أثر في إعطاء هذه الأوهام صفة القداسة، فالإنسان قديماً كان يعبد الشخص الميت كما سبق بيانه، يقّدم له الطعام وكثيراً ما يدفن الميت في بيته ليعبده وكان يغطي القبر بالحجر ويضع عليه الطعام وهذه العادة هي التي أدخلت تقديس الأحجار تدريجياً فكان ورثة الميت يتصورون أن في الحجر خاصية وأن الحجر لما جاور الميت صار مقدساً فتطور الأمر بعد ذلك إلى عبادة الحجارة ومنها مناة واللات التي كان العرب يعبدونها.
عبادة الأشجار
أصل عبادة الأشجار من عبادة القبور، لأن الإنسان الأول ما كان يعرف الزراعة، وكان عيشه منحصراً بصيد الأسماك والحيوانات ولا يعرفون أنًّ أصل الشجر بذرةً ومن جهة ثانية كانوا يعتقدون أن الميت يجوع في القبر وكانوا يضعون له الغذاء من الفواكه والحبوب وبعد فترة كانت تنبت هذه الحبوب وتنمو وكان يعلل ذلك بأن روح الميت قد رُضي عنها، وجُوِزَيت بتظليل الأشجار والفاكهة للأحياء، ومن هنا وُجد في البشر تقديس الشجر وعبادته.

تحريم التماثيل والمجسّمات حمايةً للتوحيد
من الأمور التي منع منها الإسلام هو صنع التمثايل المجسّمة أو المنقوشة على الأحجار، والأحاديث المذكورة في الفصل السابق شاهدة على ما نذكر من قبيل قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا تمثالاً إلا طمسته)([134])، وقوله: (من مثّل مثالاً فقد خرج من الإسلام)([135])، وقوله: (كل مصوّر في النار).
كان سبب نهي الإسلام عن هذا العمل كما بيّنا أن أصل عبادة الأصنام كان عبادة الأموات، فكانوا يحنّطون الميت الذي يعبدونه فيبقى إلى فترة، ولما رأوا أن التحنيط لا يحفظ الميت إلى الأبد قاموا بنحت صورة الميت على حجر أو نقشوا صورة الميت على حجر فعبدوه وتبركوا به، وكما ذكرنا في عقائد الصابئة أنهم جعلوا صوراً للروحانيين والنجوم وعبدوها.
ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منع من صنع التمثايل المجسّمة أو المنقوشة على الأحجار ونحوه منعاً من الوصول إلى عبادة الأصنام، وحماية للتوحيد، فحرمة هذا العمل ليست ذاتية، بل لحماية عبادة الله.
والعجب أننا أهل التوحيد استوردنا جميع مظاهر الوثنية ولم نعتن بما جاءنا به الإسلام، ونسينا الفطرة التوحيدية، ولم نترك لأنفسنا الاعتزاز بالتوحيد، وذهبنا نتقرب بالأحجار والأخشاب ونتوهم المنازل لها وننذر ونضحّي لـ(نخل) - وهوصنم صنع بشكل الجنازة وله صورة مهيبة-، ولـ(علامة)- بشكل صليب النصارى- وعظّمنا وبجّلنا كل صورة مزورة زعموا أنها لأحد الصالحين.. والنتيجة أننا أعرضنا عن حقائق الدين مع أن تعظيم صورة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتبرك بها أو بالصالحين حرام أيضاً، وقَصْد الشارع في تحريم هذين الأمرين هو ما ذكرنا من قبل([136]), ولكن مع الأسف أصبح كثير من الناس يتبركون بكل صورة مخترعة يعزونها إلى أحد الصالحين حتى أن بعض الناس يعلقون هذه التصاوير في غرفهم ويعظمونها ويخشعون لها، ومع أن هذا الصنيع وثنية واضحة لا تأت بخير، قفي مقابل هذا نحن لو علّقنا بدلاً منها بعض النصائح أو المواعظ القرآنية أو أقوال أئمة الإسلام لكان أنفع بكثير، لأن كل من سيقرأها سيستفيد جانباً من الأخلاق والفضائل، وإلا فما الفرق أولئك وبين الوثنيين والنصرانيين! الوثنيون يتبركون بالخشب والحجر، وهؤلاء أيضاً يتبركون ببعض الأشجار، وأحجار هي في الحقيقة مواضع تطأها الأقدام، والنصارى يتبركون بصورة المسيح ومريم ونحن نتبرك بصور مزورة لصالحي أمتنا، ومن الأمور المخزية أن كل واحد يلفق صورة مختلفة ويدعي أنها للرسول الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو للأئمة فبعضهم يرسمها بصورة الشاب الجميل، وأخر بصورة العربي البدوي، وأحياناً بصور الشيخ الزاهد، ومثله سائر الصالحين يصورون الواحد بصور متناقضة، والأمر الآخر الذي يدل على عِظَم الجهل؛ هو ما يتعلق بسيف عليٍّ رضي الله عنه المسمى (ذو الفقار) حيث يرسمونه في يد علي (ع) بصورة سيف ذي رأسين ولا يعرفون ما حقيقته؟ وما هي فائدة السيف ذي الرأسين في الحرب؟ ثم كيف يُدخل هذا السيف في الغمد. (ذو الفقار) كان سيف عاص بن منبه الذي قُتِل في غزوة بدر فأخذ ذلك السيف رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأعطاه لأمير المؤمنين ومعنى (ذو الفقار) هو السيف الذي عليه حزوز([137]).
[ نداء ]
إلهي إن هؤلاء لا يعرفون سيفَ عليٍّ.. فكيف يعرفوك أو يعرفوا حال الرسول وأئمة الدين؟
يا ربي هل سيأتي يوم يفهم هؤلاء الجهلة معاني القرآن ومعاني سنة الرسول؟
إلهي.. هل ننتظر الأخلاق والآداب من أناس ليس لديهم علم بالتوحيد ولم يعرفوا الرسول وعلياً والأئمة، ولا يفهمون القرآن.
خلاصة الكلام: أن خاتم النبيين نهى عن السُتُر التي تحمل تصاوير تُعظّم وعن صنع أي تمثال يقدس لأن ذلك يزلزل عمود التوحيد ويبعد البشر عن طريق العبودية لله تعالى وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
 

التوحيد مبدأ الفضائل
قال الله تعالى: (كلمة لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمِن مِن عذابي)([138]).
إذا طالعتم بدقة سطور هذا الكتاب ستدركون أن حقيقة توحيد العبادة لله هو التوجه لله وحده والإعراض عما سواه، وتدركون أن لبّ التوحيد هو عدم طلب الحاجة أو عدم التقرب أو النحر أو السجود أو الركوع لغير الله تعالى، وستفهمون أيضاً أن مقصد التوحيد أن لا تعتقدوا أن للأيام سعداً ولا نحساً ولا تتوسلوا بأي وسيلة لله إلا بالعلم والعمل الصالح، وخلاصة الكلام أن التوحيد هو التفطن لحقيقة كلمة لا إله إلا الله.
لا يوجد كبير فرقٍ بين جُهال المسلمين في هذا العصر وبين مشركي الجاهلية، غير أن المشركين في عصر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا أهل لسان عربي ويفهمون معنى لا إله إلا الله، أما مشركي فارس فهم غير عارفين بلغة العرب ولا يفهمون معنى هذه الكلمة، ودليل ذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قال قولوا للمشركين قولوا: (لا إله إلا الله تفحلوا)، علم أهل ذلك العصر بعد ما سمعوا هذه الكلمة أنهم إن أقروا بتلك الكلمة فينبغي لهم أن يلجئوا إلا لله، ولا يطوفوا حول الأوثان ولا يعبدوا الملائكة، وانه يجب عليهم أن لا يعتقدوا في عيسى أنه ابن الله، ولا أنه قاضٍ للحاجات، ولا يعدوا مريم باباً للحوائج، وكما علموا بأنهم إذا نطقوا بكلمة لا إله إلا لله فإنه يجب عليهم أن يتركوا الاعتقادَ بأثر الكواكب في السعد والنحس ويتركوا النحر لغير الله تعالى بل يجب اعتقاد أن كل ذلك عقائد باطلة، والخلاصة أنهم أيقنوا أنه يلزمهم أن يتخلوا عن الأوثان ويكسّروا الأحجار التي كان الناس يذبحون عليها ويقدسونها وأن يرموها بعيداً وعلموا أن عليهم أن يحرقوا الأشجار التي كانوا ينذرون لها وينحرون لها، ويعرضوا عن الأحبار والرهبان الذين كانوا يعتقدون بأنهم يقربونهم إلى الله زلفى ويكفروا بالطاغوت وبالكهان الذين يتولون المعابد.
الحاصل كان يجب عليهم أن يؤمنوا بمؤثر في هذا الكون غير الخالق سبحانه، ومن المعروف أن لكل واحد من هذه الأوثان والأحجار (وليّ) يتولى الإشراف عليها ويستفيد منها فكان يعتاش من النذور والصدقات التي يقدمها الناس وكان عز هؤلاء مرتبط بتلك الأوثان، والسؤال: كيف سيتلقى هؤلاء دعوة النبي صلى الله عليه وسلم التي تهدم عزهم؟ فقد أيقنوا بأن سينقطع رزقهم ويذهب سبب جاههم، ولهذا السبب رفضوا الإقرار بكلمة التوحيد وامتنعوا عن تصديق الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. قال رسول الله: (أمرت أن أقاتلكم حتى تقولوا لا إله إلا الله).
في الواقع كان التصديق بهذه الكلمة سبباً لاستئصال الخرافات وخراب المعابد التي تُعبد من دون الله، وبُطلان الأوهام والعقائد الشركية، فلهذا لم يستطع المشركون أن يتحملوا هذا الأمر، فقالوا:
(أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (38/4)
كان أهل الجاهلية فئتين:
1. الأولى: فئة العوام الذين ليس لهم رأي ولا نظر في الأمور بل هم يقلدون غيرهم، وكانوا يجلون الكهّان ويهابونهم.
2. الفئة الثانية: هم الكهنة والمتولين لمعابد الأوثان والأصنام، وفي مصاف هؤلاء علماء اليهود والنصارى الذين كانوا يستفيدون ويسترزقون في كل عصر من جهل الناس وسيطرة الأوهام عليهم وكانوا يسترزقون بسبب جهل الناس، فكانوا يمصون دماء هؤلاء الضعفاء بأساليب متنوعة.
وقد سمى ابن رشد القرطبي هذه الفرقة (الجناة على العقول) فقال: يتصور الناس أنّ الجناة منحصرين في السرّاق والقاتلين للأنفس والسلاطين الجبابرة، مع أن جناية هذه الفرقة أقل مقارنة بجناية الفرقة الأولى. هذه الفرق تجني على أموال الناس وأبدانهم فجنايتهم منحصرة بزمانهم لكن جناية علماء السوء على عقول الناس وأرواحهم بتعليمهم العقائد والآراء السخيفة التي تحط من إنسانيّتهم، وإذا استحكم الجهل والحمق والحيرة على الناس أثر في من يخلفونهم من الأولاد، فلم تنحصر جناية هؤلاء في زمنهم بل آثارهم باقية في القرون من بعدهم.
وفئة الكهنة القائمين على المعابد الوثنية كانوا مخالفين لرسول الله مع أن مخالفتهم ليس عن قناعة بعقيدتهم ودينهم بل كانوا يعلمون أن هذه الأوثان لا تقضي الحاجات ولا ترفع الكربات، بل بسبب أرزاقهم وأقواتهم المتعلقة بهذه الأوثان والأوهام والخرافات ولهذا السبب كانوا يخالفون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكانت حربهم اقتصادية وليست دينية.
في البداية دعا الرسول الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القائمين على الأوثان إلى التوحيد وأقام عليهم الحجة لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعرف أن هذه الفرقة ما دامت تستفيد من العوام فلن تصدق الرسول أبداً، وقد علموا أنهم إن صدّقوا فسيكون ذلك سبباً لبيان كذبهم وسبباً لإفساد حياتهم المادية والرياسية والروحانية(الرياسة الدينية)، لهذا لجأوا لحملات والافتراء على الرسول الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما رأى الرسول الأكرم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لا يمكن أن يُبعد الكهنة وأولياء الأوثان عن الناس توجه إلى الدعوة الجماعية وحاول فيها أيما محاولة، وخصّ الشباب بعناية خاصة، فكان رئيس الشباب أمير المؤمنين علي (ع) أول مصدق للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فبدأت تؤثر الدعوة الجماعية في الإقبال على التوحيد تدريجياً وبعد مجاهدة كبيرة رفع الرسول الأكرم راية التوحيد على الكعبة ونكّس الأصنام وخرّب الأوثان، ووضع تاج التوحيد على رأس المسلمين، وجعل قدم الموحّد على ثرى الثريا، (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)(17/84).
وفي فترة وجيزة تحوّل الذين كانوا يعبدون الأصنام وكانوا يعتقدون بخرافة النحس والسعد لبعض الأيام ويخافون أشياء غير الله ويتوسلون بكل شيء ويطلبون منها الحاجة وكانوا غير آمنين في حياتهم.. يقتل بعضهم بعضاً.. تحوّل هؤلاء فحازوا فضائل الأخلاق بعد التصديق بكلمة لا إله إلا الله, فكيف لا تكون كلمة لا إله إلا الله مبدأ الفضائل؟!
إن الشخص الذي لا يعتقد بمؤثر غير الله الرحمن الرحيم يكون مسلماً شجاعاًً، لأنه لا يتوكل على أحد موجود غير الله خالق العالم (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (10/65)، لا يخاف الموت لأنه مؤمن بأنه ينال بعد الموت لقاء ربه ويصل إلى السعادة الكبرى وينجو من الهمّ الكبير.
كيف لا يكون التصديق بكلمة التوحيد مبدأ لسخاء النفس؟ والمؤمن يعبد الله القدير ويعتقد بأنه القادر فيُنفق في سبيله ولا يخش الفقر (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً) (3/272).
كيف لا يكون التوحيد سبباً ومبدأ للعفّة والموحد يعتقد أن الله تعالى عالم بكلّ خفي وظاهر وبكل جزئي وكلّي (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها) (6/60) (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) (2/457)، فالموحد عفيف لأنه يعلم أن الله عالم بضمائر القلوب وأعمال الجوارح وأقرب إليه من حبل الوريد ويعرف أنه حاكم عادل ويصدّق أن جزاء الأعمال الحسنة والسيئة بيده سبحانه، وعلى هذا يعيش في منتهى درجة العفة والطهارة ولا يتخطى حدود الأخلاق.
إذا تمكنت العفة والشجاعة والسخاء في نفس الموحد صار عقله مستقيماً وقلبه مخبتاً كما يقول تعالى (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً) (8/30)، أي: فيكون بذلك مميزاً بين الحق الباطل، فعلمنا أن (لا إله إلا الله) كما أنها ترتقي بالعقل وتقتلع منه أشجار الخرافات والأوهام كذلك تثبّت في النفس جميع الفضائل، فكلمة التوحيد أصل الفلاح والفوز ومبدأ العلم والتربية ورقي الإنسان، وبعكس ذلك فإن الشرك مبدأ لكل الرذائل والمفاسد وسبب لضعف العقل والإرادة والانحطاط عن مرتبة الإنسانية، لأن المشرك متقلب باستمرار ومبتلى بالوساوس يلجأ إلى كل شيء ويخاف من كل شيء, والحاصل أنه غير معتمد إلى أصل أصيل، ليس عنده قاعدة راسخة ولم يلبس لباس التقوى، فلهذا عقله معوج لا يستطيع أن يصدق كلمة الحق، فصار ألعوبة للحوادث والكهنة لأنه غير معتصم بالركن الوثيق ركن التوحيد وغير متمسك بالعروة الوثقى التي هي (لا إله إلا الله) يتحرك مع كل ريح ويخاف من كل شيء (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)(22/33)، هذا التشبيه في كلمات هذه الآية يعني أن كل من سقط عن مراتب التوحيد والوحدانية إلى حضيض الشرك وعبادة غير الله تسلط عليه هوى النفس فآذاه, وهَوَت به رياح الضلالة والوساوس الشيطانية في وادي الشقاوة والحيرة.
من كان فكره دائم التشويش فمن المسلّم به أن عمله سيكون غير متقن لأن الفكر أساس العمل، وليس لديه ميزان صحيح للأعمال، لذا إن صدرت عنه الأعمال السيئة وأراد أن يصلح عمله الفاسد يضل الطريق فيتوسل بأسباب لا تصلح عمله أبداً، فمثلاً يرتكب الفحشاء ثم إذا أراد إصلاحها تعلق بأذيال الأموات أو نحر للأصنام أو سجد لغير الله, وإذا أكل أموال الناس ثم أراد التوبة قام بإنفاق بعض المال على الكهنة أو أصحاب الأصنام, أو يأكل الربا ثم إذا أراد إصلاح ذلك أخرج بعض الطعام, هكذا يظن أنه يطهّر نفسه من المعصية.
لو تأملنا بدقة لأدركنا أن سبب فساد الناس هو الشرك، وسبب الانحطاط لمجتمعنا هو توسل أفراد المجتمع بغير الله، وسبب الرذائل التي تحكم المجتمع هو عدم معرفة الله تعالى.
يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (كلمة لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي).
خلاصة الكلام: أن المعتقد بلا إله إلا الله يجد في نفسه آداباً وأخلاقاً فاضلة، لكن مع هذا كله لا أريد أن يُفهم أن كل من قال لا إله إلا الله سيكون مباشرة صاحب أخلاق فاضلة..شجاع وعفيف وحكيم وسخي وعادل.. وهو لا يعرف هذه الصفات([139]).
الحرية التامة التي يتمناها البشر ويتكلم عنها الفلاسفة أخص من يتصف بها الموحد الحقيقي، لأن الموحد حرّ من الشهوة، بل يرى الشهوة والغضب تابعة لنفسه وليس هو تابع لها، وهو حرّ من الأوهام لأنّه قد اقتلع جذور الأوهام من رأسه بالتوحيد، وأسقط عن كاهله ثقل الخرافات والاعتقاد بسعد ونحس الأيام وعبادة الأحجار والأخشاب فهو لا يعبد البشر ولا يدعو أحداً إلى ذلك.
والحاصل أنه حر وليس حماراً يساق، وفي اصطلاح الفلاسفة هو المسمى بصاحب الحكمة والحرية.
والمجتمع الذي يتشكل من أمثال هؤلاء الموحدين أو يكون أكثره موحدين سيشكّل المدينة الفاضلة التي يتمناها الفلاسفة وهي التي بُعث الأنبياء لتشكليها حقيقة.
أيها المسلمون استيقظوا من نوم الغفلة وارموا أثقال الشرك والخرافات عن أعناقكم. كونوا أحراراً حتى تفلحوا. قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

في بيان كيفية ظهور الشرك والخرافات بين المسلمين
لقد ساد الإسلام في أكثر حواضر العالم بالمنطق الصحيح والبرهان المحكم، ودخل كثير من الأمم تحت سلطة الإسلام وانمحت ممالكهم وأمجادهم في ظل هذا الدين، وبلا شك فإن هذا أحدث بغضاً شديداً وعداوة حقيقة في قلوب بعضهم على هذا الدين الحنيف، فكان هؤلاء في انتظار اللحظة التي يصولوا بها على الإسلام ولكن شوكة الإسلام وقوته لم تمكنهم من محاربة الإسلام بالسيف، لهذا لجئوا إلى المكر والحيلة فأظهروا الإسلام بين الناس واشتغلوا في الباطن لتخريبه فتشكل منهم حزب المنافقين، فرأس المنافقين هو عبد الله بن أبيّ الذي كان يعيش في عهد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبطريق الحيلة والمكر أدخلوا في الإسلام تلك المقالات الفاسدة والخرافات والأباطيل التي كانت في المذاهب القديمة وكلما جاءوا بشيء منها نسبوه إلى الشرع المقدس، هذه الفرقة المنافقة عملت على منوال الثقافة الإسلامية، اشتغل البعض باسم رواة الحديث مثل كعب الأحبار (اليهودي)([140]) وصار بعضهم مفسرين، وبعضهم واعظين وبعضهم علماء وبعضهم مؤرخين وكل هؤلاء تكلموا باسم العلوم الشرعية التفسير والحديث والفقه والتأريخ، وحملوا حملة شديدة على الإسلام ونسبوا إليه كلاماً سيئاً غير معقول.
كان أهم أغراض المنافقين أن يُظهروا الإسلام بصورة منكرة وغير معقولة وقد تيسر لهم ذلك إلى حد ما، فتمكنوا بذلك من طمس كثير من الأمور التي امتاز بها الإسلام على سائر الديانات.
الإسلام هو دين العقل والمنطق والفطرة، وهو دين التوحيد والابتعاد عن الأصنام، ودين الفضيلة والأخلاق، و هو دين الشجاعة، و دين العلم والعمل الصالح، الإسلام هو قانون حفظ الإنسانية، الإسلام أعطى البشرية حرّية النفس والعلم والعقل، الإسلام حرر البشر عن ربقة الكهنة، الإسلام لا يقول بالواسطة بين الخلق والخالق، الإسلام ألغى عبادة القبور والأحجار وعبادة غير الله، وحينما كان يُسلم أي شخص ويعتصم بمنهج القرآن لم يكن بحاجة إلى واسطة بينه وبين الله، كما حرّم الإسلام التقليد الأعمى، ونهى الإسلام عن العمل بالظن.
من البديهي أن هذه التعليمات العالية التي جاء بها الإسلام تغلق أبواب متاجر الكهنة المنتفعين من الوثنية، ولذا بدءوا العمل من أجل الحفاظ على منافعهم القديمة، ولذا قاموا بوضع أحاديث تخالف مقاصد الإسلام، واجتهدوا في نشرها في العالم الإسلامي فأدخل بعضهم مقالات اليهود والنصارى والصابئة والمجوس في الإسلام، ولو أردت أن أشرح لك تفاصيل ذلك لاحتاج الأمر إلى كتاب آخر.
وفي في المحصلة اختلطت مقاصد الإسلام وحقائق الدين بالمذاهب الباطلة فاضمحلّت الخصائص التي ميّزت الإسلام الحق، فغدت صورة الدين الطاهر تخالف صورته الأصلية.
الآن لو نظرت بدقّة فلن تجد فرقاً بين بعض المسلمين في الأعمال والعقائد وبين الأمم الباطلة.
الصابئة كان يقدسون النجوم ويعتقدون بسعْد ونحس بعض الأيام، وكذلك ظهرت هذه العقيدة بين المسلمين بشكل أشد، وانتشر التقويم بين المسلمين الذي يحدد سعد بعض الأيام ونحس بعضها، وإذا دققنا فإن هذه أمور عملية لم تعملها حتى الصابئة([141]).
والنصارى يطلبون حوائجهم من المسيح (ع) ومريم (ع) وبعض المسلمون صاروا أيضاً يطلبون الحاجة من الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأئمة سلام الله عليهم ومن الأولياء.
واليهود والنصارى اتخذوا الأحبار والرهبان أرباباً والمسلمون أيضاً اتخذوا الأولياء والشيوخ أرباباً.
وكان المشركون ينحرون لغير الله والمسلمون أيضاً صاروا ينحرون للأئمة وأبنائهم، والمشركون كان يعبدون الشجر والحجر، والمسلمون أيضاً يتبركون بالشجر والحجر.
وشيء آخر يدل على عداوة المنافقين -هو مما يجعل الإنسان يبكي دماً- ألا وهو أنهم أخذوا يضعون الكلام الباطل الذي يخالف العقل وينسبونه إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى الأئمة المهديين، حتى يخرّبوا دين الإسلام، فأظهروا الإسلام بشكل خرافيٍ غالٍ، ومن كان ذا رشد وتمييز فلن يقبل الإسلام إذا رآه بهذه الصورة من أول نظرة.
ومن إفساد هؤلاء أنهم نسبوا إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (أنا سيد الأنبياء والماء سيد المشروبات والباذنجان سيد النباتات), وذكروا في بعض الكتب أن من خصائص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا نظر إلى امرأة فأعجبته أنها تحرم مباشرة على زوجها, كما ذكروا أن من معجزات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه رضع من ثدي أبي طالب مدة أسبوع([142]) ولهذا قالوا بأنه أخ لعلي رضي الله عنه، وذكروا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إن الأرض على قرن بقرة، والبقرة على ظهر سمكة [حوت] والسمكة تتحرك في البحر، وكلما حركت البقرة رأسها حدث زلزال).
كما افتروا على الأئمة الأطهار افتراءات كثيرة، منها أنهم زعموا أن الصادق (ع) قال: (إن اللون القرمزي الذي يظهر للسماء عند شفق أول الليل هو دم عليّ (الأصغر) بن الحسين (ع))، وأبشع من كل هذا كتاب سمّي {ضياء عيون الناظرين} أُلِّف في عهد الصفويين وجعلوه في مقدمة القرآن الذي طبع في طهران، وفيه شيء كثير من الكفر ومخالفة تعاليم القرآن ومضادة أصول الإسلام, كما احتوى الكتاب على صورة لنقش ختم النبوة وصور النعل المباركة (نعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، وصور لبعض مقدسات بني اسرائيل([143])، ويرون خواص عجيبة وغريبة لهذه الأشكال عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن أئمة الهدى في روايات تسبب الخزي للإسلام والمسلمين، مثل قولهم بأن من نظر إلى صورة نقش خاتم النبوة المبارك مرّة واحدة غفر له ذنوب سبعين سنة، وإذا نظر إليه مرتين غفر الله ذنوب والديه ونال عفو الله، ومن نظر إليه ثلاث مرات غفر الله - ببركة ذلك - لكل أمة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا تأملت هذا الحديث تدرك أن من وضع هذا الحديث هو عدو للدين، وعدو لأمير المؤمنين، وكل من لديه أدنى عقل سيضحك من هذا الحديث.
والأمر الآخر: ما مناسبة غفران ذنوب الأمة كلها بنظرة أحد الأشخاص ثلاث مرات.
وفي هذا الكتاب أيضاً طلسم ونقش آخر، ويذكرون في فضله أن أمير المؤمنين قال: من نظر إلى هذا النقش المبارك بعد صلاة الصبح كان كمن أدى خمسين حجة من حج آدم (ع)، ومن نظر إليه بعد الظهر كان كمن حج ثلاثمائة حجة حجها إبراهيم عليه السلام، ومن نظر إليه بعد العصر فهو كمن حج سبعمائة حجة حجها يونس عليه السلام، ومن نظر إليه بعد المغرب كان كمن حج ألف حجة حجها موسى عليه السلام، ومن نظر إليه بعد العشاء كان كمن حج ألف حجة حجها خاتم النبيين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والأوهام التي تذكر في الكتاب من هذا القبيل والكفريات كثيرة، وإلا فما معنى أن شخصاً جاهلاً فاسقاً بمجرد نظرة إلى نقش يعطيه الله أجر ألف حجة حجها سيد الأنبياء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأخبار الموضوعة، والتي تحمل أوهاماً وتدل على كفر الذين وضعوها ومدى عداوتهم للإسلام كثيرة جداً إلى درجة أن الكتابة عنها تحتاج إلى سبعين مَنّاً من الأوراق فضلاً عن أن الكتابة عنها من الأمور التي يخجل المرء عنها.
وأنا أجزم بأن غرض هؤلاء الرواة لم يكن سوى الاستهزاء بالقرآن وشريعة سيد المرسلين (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (2/14).
لاحظوا.. هل سيبقى أي عاقل في الإسلام إذا كان الإسلام هو هذه الأخبار الخرافية والعقائد الفاسدة، والأعمال الرذيلة [ التي جاء بها الرواة ]؟
أيها المسلمون افتحوا عيونكم واستيقظوا من نوم الغفلة! اعرفوا دين الإسلام الصحيح، فرّقوا بين الحق والباطل حتى يبقى الإسلام محفوظاً بينكم بنوره الساطع.
إذا كانت هذه الخزعبلات هي الإسلام فكيف لا يخرج الناس عن دين ملأ بالأوهام والخرافات؟ من أي طريق يدخل الناس إلى الدين الحقيقي؟ أمن طريق هؤلاء الكهنة وقطاع الطريق في الإسلام وهم أكبر حماة وأعظم مروجون للخرافات بأي وسيلة يتعرف الناس على حقائق الدين وشريعة سيد المرسلين؟
طريق النجاة هو الالتجاء إلى كتاب الله والسنة صحيحة عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إذا تمسك المسلمون بهذين المشعلين النيّرين فسيستطيعوا أن يصلوا إلى منازل السعادة بعد طي المراحل في مفاوز مظلمة، وإلا سيُبتلون بهؤلاء الكهنة، وفي النتيجة يقعون في الهلاك.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
ونختم الكتاب بالدعاء المبارك الوارد في الصحيفة الملكوتيه السجادية([144]) وكان من دعائه عليه السلام بخواتيم الخير:
يا من ذكره شرف للذاكرين، ويا من شكره نور للشاكرين، ويا من طاعته نجاة للمطيعين، صَلّ على محمد وآله واشغل قلوبنا بذكرك عن كل ذكر، وألسنتنا بشكرك عن كل شكر، وجوارحنا بطاعتك عن كل طاعة، فإن قدّرت لنا فراغاً من شغل فاجعله فراغ سلامة لا تدركنا فيه تبعة ولا تلحقنا فيه سامة، حتى ينصرف عنا كتاب السيئات بصحيفة خالية من ذكر سيّئاتنا، ويتولى كتاب الحسنات عنا مسرورين ما كتبوا من حسناتنا، وإذا انقضت أيام حياتنا وتصرمت مدد أعمارنا واستحضرتنا دعوتك التي لا بد منها ومن إجابتها فصّل على محمد وآله واجعل ختام ما تحصى علينا كتبة أعمالنا توبةً مقبولة لا توقِفُناَ بعدها على ذنب اجترحناه ولا معصية اقترفناها، ولا تكشف عنا ستراً سترته على رؤوس الأشهاد، يوم تبلو أخبار عبادك إنك رحيم بمن دعاك ومستجيب لم ناداك

 مصادر كتاب توحيد العبادة
1.   تفسير روح البيان
2.   تفسير الكشاف للزمخشري
3.   تفسير الطبري
4.   التفسير الكبير للفخر الرازي
5.   تفسير روح المعاني للآلوسي
6.   تفسير مجمع البيان
7.   تفسير أبي الفتوح الرازي
8.   تفسير الصافي
9.   تفسير ملّا حسين الكاشفي
10.    التفسير البيضاوي
11.    تفسير ابن كثير
12.    تفسير الشيخ محمد عبده
13.    الإتقان للسيوطي
14.    الوافي للفيض
15.    شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد
16.    شرح نهج البلاغة للشيخ ابن ميسم
17.    الوسائل للشيخ حر العاملي
18.    جواهر الكلام للشيخ محمد حسن
19.    صحيح البخاري
20.    موطأ مالك
21.    مفتاح دار السعادة لابن القيم
22.    ذكرى الشهيد الأول
23.    من لا يحضره الفقيه لابن بابويه
24.    القاموس المقدس لمستر ماكس الأمريكي
25.    المثنوى لملا محمد البلخي
26.    كليات السعدي
27.    الصحيفة السجادية لزين العابدين (ع)
28.    أسباب النـزول للواحدي
29.    مقدمة تفسير فريد وجدي
30.    الصابئة قديماً وحديثاً للسيد عبد الرزاق حسني
31.    بلوغ الآداب لابن الآلوسي
32.    الملل والنحل لشهرستاني
33.    طريق الحقايق نائب الصدر
34.    رجال الكشي
35.    شتات مرزا القمي
36.    الفصل لابن حزم
37.    سيرة ابن هشام
38.    سيرة الحلبي
39.    مفردات الراغب الأصفهاني
40.    النهاية لابن الأثير
41.    فهرست ابن النديم
42.    فرق الفرق للبغدادي
43.    إحياء علوم الدين للغزالي
44.    مدارج السالكين لابن القيم
45.    إعلام الموقعين لابن القيم
46.    شرح المواقف لميرسيد شريف
47.    سبل السلام لمحمد بن إسماعيل الصنعاني
48.    سنن ابن ماجة
49.    سنن أبي داود
50.    مكاسب للشيخ المرتضى
51.    عيون أخبار الرضا للصدوق
52.    جنات الخلود لآقا محمد رضا
53.    التمدّن القديم لفونستل دوكولاتز الفرنسي ترجمة نصر الله الفلسفي.
54.    دائرة المعارف لفريد وجدي
55.    نشر فكرة الله لسلامة موسى
56.    فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن
57.    مناجات خواجه عبد الله الأنصارى
 
 
فهارس الموضوعات
ترجمة المؤلف.. 2
أبرز معالم منهج العلامة شريعت سنگلجي. 4
مسيرة المؤلف من خلال كلماته 6
بداية المواجهة 6
لحظة مهمة في حياة المؤلف.. 6
شريعت سنگلجي يصدع بالحق خوفا من لعنة الله. 7
المواجهة والابتلاء 7
سبب حربهم له 7
دوافع خصومه 7
تهديده بالقتل: 8
شريعت سنگلجي يمضى في دعوته لا يلتفت للتهديد 8
وفاته: 8
مؤلفاته: 9
عملنا في الكتاب: 9
عرض للكتاب. 11
مقدمة الطبعة الثانية: 11
مقدمة الطبعة الأولى: 11
صور من أصل الكتاب باللغة الفارسية 14
مقدمة الطبعة الثانية 17
[تنبيهات] 17
أسباب الهجوم: 18
مقدمة الطبعة الأولى. 21
الموحّد أسواقه كاسدة لأن بضاعته هي التوحيد والأخلاق وليس لها مشتري. 25
بيان توحيد العبادة 27
الأصل الأول: 27
الأصل الثاني: 27
الأصل الثالث: 28
أنواع التوحيد: 30
الأصل الرابع: في بيان حقيقة العبادة ومعنى العبودية. 32
العبودية أكمل مراتب الخلق وصفة أقرب الناس إلى الله. 37
[أنواع العبودية] 38
عبودية الله تعالى واجبة ولا تسقط عن أحد حتى الموت. 39
في بيان أفضل العبادات واختلاف الناس فيها 40
قول المحققين من علماء الإسلام في تعيين أفضل الأعمال والعبادات وقولهم هو الطريقة الإبراهيمية المحمدية 42
الشرك نوعان: الأكبر، والأصغر 45
من أنواع الشرك الأصغر: اتخاذ الحلقة أو الخاتم أو الحبل أو أمثالها لرفع المصيبة ودفعها 46
[ نداء ] 52
من أنواع الشرك: التبرك بالشجر والحجر ونحوهما() 53
من أنواع الشرك: الذبح والنحر لغير الله. 56
القربان في الإسلام 59
[نداء] 60
من أنواع الشرك: النذر لغير الله. 62
من أنواع الشرك: الدعاء والاستغاثة بغير الله. 65
من أنواع الشرك: التنجيم 67
(الصابئة): 67
[ نبذة عن الصابئة ]: 68
مناظرة إمام الحنفاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع الصابئين. 73
من أنواع الشرك الأصغر: التطير والتشاؤم 83
العطسة من الأشياء التي كانوا يتشاءمون بها في الجاهلية 86
التفاؤل مستحسن وممدوح. 87
الغلو في الأنبياء والصالحين سبب كفر بني آدم 90
في بيان حقيقة الواسطة والوسيلة بين الحق والخلق. 92
من أنواع الشرك الأصغر: الرياء 103
في بيان أنّ الشفاعة تنفع من يرضى الله عنه فقط. 105
في بيان حقيقة الأسباب وخطأ الناس في تعاطي الأسباب، وبيان ضلال المشركين في تركهم التوجه إلى مسبب الأسباب   111
بداية عبادة الأصنام في البشر 115
عبادة الأموات: 116
الأحكام التي وضعها الإسلام لحفظ التوحيد وسد طريق عبادة القبور 117
زيارة قبور المؤمنين. 119
سبب ظهور الأوثان وعبادتها 124
عبادة الأحجار 124
عبادة الأشجار 125
تحريم التماثيل والمجسّمات حمايةً للتوحيد 126
[ نداء ] 127
التوحيد مبدأ الفضائل. 129
في بيان كيفية ظهور الشرك والخرافات بين المسلمين. 135
مصادر كتاب توحيد العبادة 140
فهارس الموضوعات. 143
 


([1]) حرف (گ) هو الحرف السابع والعشرون من الألفباء الفارسية، ويلفظ كالجيم المصرية، ولا يوجد هذا الحرف في اللغة العربية. (المعجم الذهبي490)

([2]) مناضل سياسي مشهور في تاريخ إيران الحديث، دخل معركة المطالبة بالدستور أو ما يسمى وقتها ب-(الحكومة المشروعة) بدل الحكومة المشروطة التي كان ينادي البعض، وانتهى الأمر بإعدامه. للمزيد: انظر تذكرة الغافل وارشاد الجاهل تأليف فضل اللّه نوري

([3]) انظر كتاب (جريان ها وسازمان هاي مذهبي سياسي إيران/أي: الحركات المذهبية والسياسية في إيران). تأليف: رسول جعفريان. من منشورات (مركز اسنا انقلاب إسلامي) صفحة 625-628

([4])انظر كتاب جريان ها وسازمان هاي مذهبي سياسي إيران 628

([5])انظر كتاب (جريان ها وسازمان هاي مذهبي سياسي إيران/أي: الحركات المذهبية والسياسية في إيران). صفحة 625-628

([6]) انظر: ص 24-25

([7])انظر كتاب (جريان ها وسازمان هاي مذهبي سياسي إيران/أي: الحركات المذهبية والسياسية في إيران). صفحة 625-628

([8])انظر كتاب (جريان ها وسازمان هاي مذهبي سياسي إيران/أي: الحركات المذهبية والسياسية في إيران). صفحة 625-628

([9]) كتب المؤلف هذه السطور في مقدمة الطبعة الأولى أي سنة 1361ه- مما يعني أنه بدأ دعوته عام 1345ه-.

([10]) ورد في الكافي للكليني (1/54)، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل لعنه الله). وانظر الوسائل (16/ 269 , 271).

([11]) مصادر الترجمة:
زندگي نامه، رجال ومشاهير إيران (ج 4 / 69 - 70).
تفسير وتفاسير جديدة (ص 36).
مفسران شيعة (ص 189 - 190).
مؤلفين كتب چاپي (ج 2 - 560).
دانشنامه قرآن وقرآن پژوهي به كوشش بهاء الدين خرمشاهي (چاب 1377 ص 1300 - 1301).
(جريان ها وسازمان هاي مذهبي سياسي إيران 1320ه- ش- 1357ه- ش/أي: الحركات المذهبية والسياسية في إيران). تأليف: رسول جعفريان. من منشورات (مركز اسنا انقلاب إسلامي).)

([12]) نهج البلاغة / الحكمة 374

([13]) هو مشرف بن مصلح المشهور ب-(سعدي) ولد في أوائل القرن السابع الهجري (الثالث عشر ميلادي) في مدينة شيراز، وهو ينتمي لعائلة اشتهرت بالعلم والفضل.
وفي شبابه الباكر سافر إلى بغداد لتلقي العلم حيث التحق بالمدرسة النظامية الشهيرة، التي بناها الوزير السلجوقي المعروف خواجة نظام الملك، وأهم كتابين بقيا لسعدي هما معلمتاه الشهيرتان (كتاب الكلستان)-أي حديقة الورود وهو نصوص نثرية، و(كتاب البوستان)- يعني الحديقة نصوص شعرية-. توفي عام 694ه الموافق (1294م)

([14]) عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال: ((الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) (أنظر: بحار الانوار ج13ص194). ورواه الترمذي عن عمرو بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الدين بدأ غريباً ويرجع غريباً فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي) (جامع الترمذي/كتاب الإيمان ح2630)

([15]) وقيل لكل متباعد غريب، ولكل شيء فيما بين جنسه عديم النظير غريب، وعلى هذا قوله (بدأ الإسلام غريباً) وقيل: العلماء غرباء لقلّتهم فيما بين الجهال. انظر: المفردات للراغب الأصفاني ص361 (شريعت)

([16]) الصدوقيون: فرقة يهودبة قديمة سميت بهذا الاسم نسبة إلى رجل يقال له صدوق وهو كاهن كبير على عهد سليمان عليه السلام وكانت في ذريته رئاسة الكهنوت حتى سنة 160ه- وهذه الفرقة حلوليّة أقرب ما تكون إلى الوثنية انتهى أمرهم إلى إنكار الآخرة وإنكار ووجود الملائكة والشياطين وإنكار القضاء والقدر المسبق.(راجع موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية للمسيري وكتاب دراسات في اليهودية والمسيحية للأعظمي وكتاب الفرق والمذاهب اليهودية منذ البدايات لعبد المجيد همو)

([17]) نهج البلاغة2/181

([18]) ورد في الكافي للكليني (1/54)، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل لعنه الله. وانظر الوسائل (16/ 269 , 271).

([19]) الحديث رواه الصادق عليه السلام. (انظر: بحار الانوار ج 3 ص 22، ج 100 ص 65 , والعاملي في وسائل الشيعة ج 11 ص 96. من لا يحضره الفقيه ج 2 هامش ص 50). ورواه البخاري في صحيحه ج 2 ص 97 ونحوه م-سلم في ج 8 ص 52

([20]) يقول الراغب في مفرداته: الطاغوت عبارة عن كل متعد وكل معبود من دون الله، ولهذا سُمِّي الساحر والكاهن والصارف عن طريق الخير طاغوتاً. ويقول السيوطي في الإتقان: الطاغوت الكاهن بلغة الحبشة.(انظر: المفرادت308)(الاتقان1/294)(شريعت)

([21]) المؤلف رحمه الله جرى على طريقة تنزيه الله بنفي التركيب، ونهاية هذه الطريقة تؤول إلى نفي أي صفة تجعل لله وجودا خارج الذهن وخارج التصور العقلي، والقائلين بهذا تصوروا أن إثبات صفات حقيقية يؤدي إلى وصف الله بالأعراض وهو يخالف البساطة عندهم، ولهذا عمدوا إلى جميع الصفات وأرجعوها إلى معنى العلم والإدراك وجعلوا صفاته هي عين ذاته، ويكفي لبيان مخالفة هذا القول للصواب ما يلي:
أ. اعتبار تعدد الصفات الحقيقية للموصوف تركيباً اصطلاح محدث يخالف الشرع والعرف، لأن الشرع أثبت صفات كثيرة للرب الواحد والنظر إنما هو في المعاني العقلية، والعرف يثبت للموجود صفات متعددة.
ب. أن المركب لا يعقل إلا فيما ركبه مُرَكِّبٌ وهذا ممتنع في حق الموجود بنفسه (الله) الغني عن كل ما سواه بل هو الفاعل لكل ما سواه، فإذا قُدّر انه متصف بصفات متعددة، لم يكن أحد ركبه ولا ركبها فيه.
ج. هذا التركيب أمر اعتباري ذهني، ليس له وجود في الخارج، كما أن ذات النوع من حيث هي عامة، ليس لها ثبوت في الخارج.

([22]) قال أبو مسلم بحر اصفهاني في تفسير (جامع التأويل لمحكم التنزيل) عند هذه الآية: المقصود من الجملتين الأوليتين هو المعبود، وكلمة (ما) في الآية بمعنى (الذي) مثلاً يقول: نحن لا نعبد الأوثان وأنتم لا تعبدون الله، وكلمة (ما) في الجملتين الأخيرتين بمعنى الفعل بتأويل المصدر معناه (عبادتنا) ليست مثل (عبادتكم) على الشرك وعبادتكم ليست مثل عبادتنا. (شريعت)

([23]) ما بين القوسين ترجمة لبيت شعر ذكره المؤلف رحمه الله.

([24]) ما بين القوسين ترجمة لبيت شعر فارسية ذكره المؤلف.

([25]) خلاصة عبقات الأنوار: ج3 ص311.

([26]) مستدرك الوسائل: ج16 ص228 ح19674

([27]) يقول الراغب الأصفهاني: النعم لفظ يختص بالجمل، وجمعه أنعام، وسمِّي الجمل بالنعم، لأن أكبر نعم العرب هو الجمل، ويُطلق النعم على الجمل والبقر والخروف، ولا يطلق عليها الأنعام إلا أن يكون فيها الجمل. (شريعت)

([28]) انظر: بحار الأنوار للمجلسي ج 1 ص184

([29]) انظر: كتاب سليم بن قيس ص430

([30]) بحار الأنوار للمجلسي 59/121، 60/18, مستدرك الوسائل 4/317، 13/106، دعائم الإسلام 2/142

([31]) الصُفْر: النحاس الأصفر. المعجم الوسيط ص516. (م)

([32]) مسند أحمد 4/154

([33]) قال المجلسي: التمائم جمع تميمة، وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطله الإسلام، وإنما جعلها شرك لأنهم أرادوا بها دفع المقادير المكتوبة عليهم، فطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه.(بحار الأنوار65/18)

([34]) وهو أحد حروف اللغة الفارسية وينطق كما ينطق حرف G في كلمة goبالانجليزية.

([35]) نقل النوري الطبرسي في مستدرك الوسائل عن علي بن ابي طالب عليه السلام أنه قال: كثير من الرقى وتعليق التمائم شعبة من الشرك. (مستدرك الوسائل4/318، 13/110)-م-

([36]) قال المجلسي: التولة-بكسر التاء وفتح الواو- ما يجبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره (بحار الأنوار65/18)-م-

([37]) انظر وسائل الشيعة ج76 ص 77 , بحار الأنوار 16/123

([38]) انظر: وسائل الشيعة 5/78

([39]) انظر: بحار الأنوار: 43/242

([40]) وقيل كان الإمام الباقر يتختم بخاتم جده الإمام الحسين الذي كان نقشه (إن الله بالغ أمره) وقيل (العزة لله جميعاً) انظر: أعيان الشيعة ج4 ص169, حلية الأولياء ج3 ص186, التهذيب ج1 ص32 والاستبصار ج1ص48

([41]) انظر: أمالي الصدوق ص 458

([42]) وعنه عليه السلام قال: صلاة ركعتين بفص عقيق تعدل الف ركعة بغيره (عدة الداعي ص 119)
عن الحسين بن علي عليهما السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(يا بني تختم باليواقيت والعقيق فإنه ميمون مبارك وكلما نظر الرجل فيه الى وجهه يزيد نورا ً والصلاة فيه سبعون صلاة) (دعائم الاسلام ج 2 ص 164)

([43]) عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تختموا بالعقيق فإنه لا يصيب احدكم غم ما دام ذلك عليه(عيون اخبار الرضا ج2 ص 47)
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: تختموا بالعقيق فإنه ينفي الفقر واليمنى احق بالزين (جامع الاخبار ص 156)
شكا رجل الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قطع عليه الطريق، فقال هلا تختمت بالعقيق فإنه يحرس من كل سوء (الكافي ج6 ص 471)

([44]) يقصد المؤلف أنه إذا ثبت بالتجربة أن الفيروز يطفو على الماء فهذه خاصية طبيعية ليست شرعية.

([45]) انظر وسائل الشيعة 3/396 , معالي السبطين للحائري 2/ 194

([46]) التبرك يكون مشروعاً فيما ثبت بالدليل الصحيح كونه مباركاً مثل جسد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وماء زمزم ونحوها فيجوز التبرك به مع اعتقاد أن البركة من الله تعالى وليس من ذات المخلوق.
وقد يكون التبرك غير مشروع مثل التبرك بكل ما لم يثبت بركته سواء كان شخصاً من الصالحين أو شجرة أو حجر أو غيره، فالتبرك بها دون عبادتها منهي عنه ويعتبر شركاً أصغر لعدم ثبوت بركتها ولأن ذلك وسيلة إلى الشرك الأكبر، وأما من زاد مع التبرك اعتقاد استقلالها بالنفع أو دعاه من دون الله أو طاف حولها فهذا شرك أكبر. ولمزيد من التفصيل راجع كتاب التبرك أنواعه وأحكامه تأليف د. ناصر الجديع.

([47]) قال ابن عباس هو رجل كان يلت السويق للحجاج فمات فعكفوا على قبره. وقال هشام بن الكلبي: اللات ليست صنما على هيئة إنسان أو حيوان بل صخرة مربعة ذات لون أبيض... بنت ثقيفٌ عليها بيتاً وله كسوة وحَجَبَة ويضاهون به الكعبة.(كتاب الأصنام ص16)
ويوضح سبب تقديسهم لهذه الصخرة الرواية التي نقلت عن ابن عباس: أن اللات (رجل) لما مات قال لهم عمرو بن لحي: إنه لم يمت ولكنه دخل صخرة فعبدوها وبنوا عليها بيتاً. (فتح الباري8/478).

([48]) انظر: تفسير ابن كثير 6/453 (م)

([49]) يقول ابن هشام: يقع إلى شمال مكة, بوادٍ من نخلة الشآمية. انظر: السيرة النبوية 1/83

([50]) اختلف المتقدمون في وصف هذه الصنم, فبعضهم قال هو صنم منحوت على شكل امرأة, وقال آخرون ثلاث شجرات من سمر وقال آخرون هي شيطانه. انظر: معجم الأوثان والأصنام عند العرب 66-67.

([51]) قال ابن جرير: سميت بذلك لأن دم الذبائح يمنى عندها. انظر: جامع البيان27/35.

([52]) انظر التبيان للطوسي 1/402، التبيان للطبرسي1/345، بحار الأنوار9/ 67

([53]) ما بين القوسين في الأصل بيت شعر مترجم من الفارسية.

([54]) قيل البحيرة: هي التي يشقون أذنها ويحمون درها (لبنها) على سائر الناس ما عدا الطواغيت. وقيل: البحيرة هي الناقة إذا ولدت خمسة إناث شقت أذنها.وقيل من غير تقييد بالإناث. وقيل: هي التي تلد خمسة فإن كان الخامس ذكراً ذبح وأكله الرجال والنساء, وإن كان الخامس أنثى حرمت على النساء, وقيل غير ذلك. انظر: فتح القدير للشوكاني 2/103.

([55]) وقيل السائبة هي التي تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر. المرجع السابق2/103

([56]) انظر مكاتيب الرسول للأحمدي الميانيجي2/199

([57]) انظر الانتصار للشريف المرتضى403

([58]) الكافي 7/454

([59]) الكافي 7/455

([60]) الكافي 7/458

([61]) انظر: كتاب الأصنام للكلبي 43. ومعجم الأوثان والأصنام عند العرب لموفق الجبر69. (خ)

([62]) انظر السيرة النبوي لابن هشام 1/53، معجم البلدان للحموي 4/158

([63]) رواه الطبراني في المعجم الكبير كما في مجمع الزوائد 10/159.

([64]) هذا المعنى لبيت شعر فارسي ذكره المؤلف.

([65]) هذا المعنى لبيت شعر فارسي ذكره المؤلف.

([66]) رُوحاني بالضم من الرُوح أو رَوحاني بالفتح من الرَوْح وهما متقاربان فكأن الروح-بالضم- جوهر والرَوح-بالفتح- حالته الخاصة به. (الملل والنحل للشهرستاني2/308)

([67]) الطِّلَسْم والطِّلَّسِم: (في علم السحر) خطوط وأعداد يزعم كاتبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية بالطبائع السفلية لجلب محبوب أو دفع أذى، وهو لفظ يوناني لكل ما هو غامض مبهم كالألغاز زالأحاجي. (المعجم الوسيط ص 562)

([68]) هذا معنى بعض الأبيات التي ذكرها المؤلف بالفارسية.

([69]) هذه ترجمة لمعاني أبيات فارسية ساقها المؤلف في الأصل.

([70]) هذا ترجمة وشرح لما ساقه المؤلف في بعض الأبيات بالفارسية.

([71]) انظر: مسند أحمد 2/429، البيهقي في السنن 8/135، وانظر: المكاسب للانصاري1/205 والمعتبر 2/688

([72]) منهاج الفقهاهة لمحمد صادق الروحاني 1/315

([73]) نهج البلاغة 202 (ط: مؤسسة المعارف)

([74]) وسائل الشيعة 11/373، شرح نهج البلاغة 2/270

([75]) وسائل الشيعة 11/370

([76]) قرية قريبة هيت من توابع الكوفة.

([77]) انظر نهج السعادة للشيخ سعدي 3/17 وقد نسب المظاهري هذا البيت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه (انظر الفضائل والرذائل 71)

([78]) انظر بحار الأنوار 77/153

([79]) قال المجلسي: وكان عليه السلام يأمر من رأى شيئا يكرهه ويتطير منه أن يقول: اللهم لا يؤتي الخير إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك. (انظر:بحار الأنوار ج92ص3)

([80]) قال بعضهم في (وكل إنسان ألزمنا طائره في عنقه) أن الطائر بمعنى العمل، وخُصّ العنق بإطلاق العمل عليه لأن العنق محل الطوق الذي يعلقونه في العنق فيكون ملازماً له، كما يقولون ذنب فلان في عنق فلان.

([81]) جاء عن أبي عبد الله الصادق: (لا طيرة) [روضة الكافي: 196، وسائل الشيعة: 8/262]، وقال: (كفارة الطيرة التوكل) [روضة الكافي: 198، وسائل الشيعة: 8/262]

([82]) كنز العمال رقم 68556

([83]) مسند أحمد 2/220، ميزان الحكمة للريشهري2/1760

([84]) ذكر ابن منظور أنهم كانوا يقولون للشاب إذا سعل عمرا وشباباً، وللشيخ إذا سعل وريا وقحابا، وفي التهذيب يقال للبغيض إذا سعل وريا وقحابا وللحبيب إذا سعل عمراً وشباباً. (لسان العرب1/662)

([85]) انظر سنن أبي داود 2/482, صحيح ابن خزيمة 2/62، وانظر: مستدرك الوسائل للميرزا النوري الطبرسي 8/384

([86]) مسلم 7/33, مسند أحمد 507

([87]) انظر البخاري7/27, مسلم7/33، وانظر: ميزان الحكمة للريشهري 3/2348

([88]) هذه ترجمة لما تضمنته أبيات بالفارسية ساقها المؤلف في الأصل.

([89]) البخاري 4/142، مسند أحمد 1/23، وانظر: موسوعة الإمام علي للريشهري3/76

([90]) جاء عن أبي عبد الله الصادق رحمه الله أنه قال: إن قوماً أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله إنا رأينا أناساً يسجد بعضهم لبعض فقال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم (لو أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها). انظر: الكافي 5/507-508. من لا يحضره الفقيه3/439. وانظر بحار الأنوار 17/377.(م)

([91]) حكى النوويُ والشوكاني الإجماع على كفر من سجد لغير الله بنية العبادة. انظر: (نيل الأوطار 7/168. البحر الزخار5/205. ونقل سعدي حبيب قول النووي في المجموع2/73 (موسوعة الاجماع2/548),
ولهذا لو سجد أحدهم لأب أو عالم ونحوهما وقصد التحية والإكرام فقد وقع في محرّم خطير وإن قلنا بأنه لم يشرك, وأما إن قصد الخضوع والذل والتقرب فهذا من الشرك, لكن لو سجد لشمس أو قمر, فمثل هذا السجود لا يأتي إلا عن عبادة وخضوع وتقرب فهو سجود شركي لعدم تصور وقوع التحية لمثل هذه الأجناس من المسلم.(انظر نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز آل عبد اللطيف278-279)

([92]) مسند أحمد 1/347، سنن ابن ماجة 2/1008 وانظر: تذكرة الفقهاء للحلي 8/210,

([93]) مسلم 8/58، مسند أحمد1/386

([94]) عيون الاخبار للصدوق 1/217، بحار الأنوار 25/135
وقد جاء في المستدرك للحاكم عن يحيى بن سعيد أنه قال كّنا عند علي بن الحسين فجاء قوم من الكوفيين فقال علي: يا أهل العراق أحبونا حب الإسلام سمعت أبي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ترفعوني فوق قدري فإن الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً. وقال الحكم حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك 3/179)

([95]) انظر: عيون الأخبار للصدوق1/217، بحار الأنوار للمجلسي 25/135
وقد روى احمد في مسنده أن علي بن ابي طالب قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إن فيك من عيسى مثلا أبغضته يهود حتى بهتوا أمه وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به، ألا وأنه يهلك فيّ اثنان محب يقرظني بما ليس في ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني, ألا أني لست بنبي ولا يوحى إليّ ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما استطعت فما أمرتكم من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم. (مسند أحمد1/160).

([96]) ترجمة لمعنى بيت شعر ساقه المؤلف.

([97]) طلب الدعاء يجب ان يكون من الحي وليس من الميت، لأن الميت قد انقطع عمله كما فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) فتبيّن من الحديث أن الميت هو المحتاج لمن يدعو له ويستغفره له، وليس الحي هو الذي بحاجة إلى دعاء الميت، وإذا كان الحديث يقرر انقطاع عمل ابن آدم بعد موته، فكيف نعتقد أن الميت حي في قبره حياة تمكنه من الدعاء لغيره.
ويدل أيضا على بدعية هذا النوع من التوسل: أن الصحابة وهم الأكثر علما والأشد اقتداء بسيد الخلق لم يفعلوا ذلك ولو كان خيراً لسبقونا إليه، حتى إن عمر رضي الله عنه عندما حصل قحط بالمدينة قدَّم العباس عمّ النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو الله بالسقيا، ولم يطلب الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم في قبره، لِمَا يعلم من عدم جواز ذلك. وقد أمر تعالى بالتوجه إليه مباشرة فقال: (وإذا سالك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
علماً بأن هذا العمل إي طلب الدعاء من الميت ليس شركاً، وإنما هو بدعة دون ذلك.

([98]) الصحيفة السجادية 288

([99]) رجال الكشي 71، بحار الأنوار25/287

([100]) بحار الأنوار 25/250

([101]) اختيار معرفة الرجال للطوسي 2/419

([102]) بحار الأنوار 25/293

([103]) اختيار معرفة الرجال للطوسي 2/588

([104]) ترجمة بيت شعر فارسي ساقه المؤلف.

([105]) يقصد المؤلف أن المسلم إذا سئل عن الذنوب التي يعمل جنسها لا يقول أنا أعملها، خوفاً من الرياء، بل يسكت ولا يظهرها ولو صار في الشكل الظاهر مرائياً بأنه لا يعمل المعاصي الفلانية

([106]) ترجمة لمعنى بيت شعر ساقه المؤلف

([107]) ترجمة لمعنى بيت شعر ساقه المؤلف

([108]) ترجمة لمعنى أبيات من الشعر الفارسي ذكرها ا المؤلف

([109]) الكافي 8/182

([110]) ومن ذلك ما رووه عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: أنه قال لعلي: يا علي إن شيعتك مغفور لهم على ما كان فيهم من ذنوب وعيوب (الأمالي للصدوق 66،بحار الأنوار65/7)

([111]) ترجمة لمعنى بيتين ساقهما المؤلف

([112]) العلة التامة: ما يجب وجود المعلول عندها، وقيل العلة التامة جملة ما يتوقف عليه الشيء، وقيل هي تمام ما يتوقف عليه وجود الشيء بمعنى أنه لا يكون وراءه شيء يتوقف عليه.(انظر التعريفات للجرجاني ص154) (خلاصة علم الكلام ص36)

([113]) المعد: هو ما يتوقف عليه الشيء ولا يجامعه في الوجود كالخطوات الموصلة إلى المقصود فإنها لا تجامع المقصود.(انظر: التعريفات/الجرجاني ص 219)

([114]) ترجمة لبيت شعر ذكره المؤلف

([115]) ترجمة لبيت شعر ذكره المؤلف

([116]) انظر: مسلم 3/61، وانظر كتاب مستند الشيعة للنراقي 3/273، جواهر الكلام للجواهري 4/316، وسائل الشيعة، كشف اللثام للهندي2/395

([117]) انظر تذكرة الفقهاء للحلي 1/55.

([118]) سنن أبي داود 3/215، وانظر تذكرة الفقهاء للحلي2/97 وقد نقل النراقي في مستند الشيعة عن صاحب المنتهى برواية القاسم: رأيت قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقبرين عنده مسطحة لا مشرفة. مستند الشيعة 3/273 نقلا عن المنتهى1/462.

([119]) مسلم2/667 وانظر: وسائل الشيعة 2/869

([120]) من لا يحضره الفقيه للصدوق 1/115, ذكرى الشيعة2/37، وسائل الشيعة2/885

([121]) ذكرى الشيعة للشهيد الأول2/36, التهذيب 1/461

([122]) من لا يحضره الفقيه للصدوق 1/189، المحاسن 612، المعتبر للحلي 1/304، وسائل الشيعة2/ 868، رياض الجنان للشهيد الثاني 319، مسند الشيعة3/282

([123]) مختلف الشيعة للحلي2/315 تهذيب الأحكام 1/461, وسائل الشيعة 1/870

([124]) منتهى المطلب للحلي1/468، من لا يحضره الفقيه1/178، علل الشرائع 2/358، مسند الشيعة 4/435 مناهج الأحكام لميرزا القمي102

([125]) ذكرى الشيعة2/36, منتهى المطلب 1/468، ذخيرة المعاد للسبزواري 1/343، وانظر مسلم 3/63، أحمد 4/135

([126]) من لا يحضره الفقيه 1/114 الكافي 3/288 ذكرى الشيعة 2/37، بحار الأنوار 79/20

([127]) انظر روايات دعاء زيارة قبور المؤمنين بصيغ متعددة في الكافي 3/229 وسائل الشيعة 3/25 من لا يحضره الفقيه 1/114 كامل الزيارات ابن قولويه 531

([128]) رواه ابن عبد البر عن ابن عباس بسند صححه ابن كثير في التفسير3/447

([129]) مسلم 2/672 , وانظر: علل الشرائع 2/439 , بحار الأنوار 10/442 , المعتبر للحلي1/339 , الحدائق الناضرة للبحراني10/21

([130]) مسلم 2/671، وانظر: ذكرى الشيعة 2/62

([131]) سبق تخريجه

([132]) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من أحد يسلم عليّ، إلا ردّ الله عليآ روحي حتى أرد عليه السلام) رواه أبو داود (1/319) وأحمد (2/227) وقال النووي إسناده صحيح (رياض الصاحين ح 1409)

([133]) الأصل أن لا نثبت خاصية استجابة الدعاء لأي موضع إلا بدليل شرعي صحيح، لأن هذا من الأمور التوقيفية التي لا تثبت بالعقل وقد ثبت الدليل في تعيين بعض الأماكن وبعض الأزمان بأنها مظانّ استجابة، كوقت الثلث الأخير من الليل، والملتزم -بين الحجر الأسود وباب الكعبة- وغيرها، ولم يثبت الدليل على تعيين أي قبر بأنه موضع لاستجابة الدعاء.
ولتوضيح هذا الأمر نقول: الدعاء عند قبور الصالحين قد يحصل اتفاقاً كمن يزور قبر مسلم فيسلم عليه ويدعوا لنفسه وللميت فهذا مشروع، وقد يقع بقصد وتحري بحيث يقصد الإنسان الذهاب إلى قبر معين ليدعوا عنده ويطلب حاجاته اعتقادا ببركة الموضع وأن الدعاء مستجاب هناك فهذا منهي عنه لأنه وسيلة إلى عبادة صاحب القبر، كما أنه نوع من اتخاذ القبور مساجد (المحقق)

([134]) سبق تخريجه

([135]) معاني الأخبار للصدوق 181، وسائل الشيعة 16/430،بحرا الأنوار 69/220

([136]) أي قطع الطريق الموصل إلى الشرك.

([137]) الفقار: هو المُفْتَقَر من السيوف الذي فيه حزوز مطمئنة عن متنه، يقال: سيف مُفَقَّر، وكل شيء حُزَّ أو أُثِّر فيه فقد فُقِّر وفي الحديث كان سيف النبي صلى الله عليه وسلم ذا الفقار.. شبهوا تلك الحزوز بالفقار, قال أبو العباس: سمي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو الفقار لأنه كانت فيه حفر صغار حسان.(لسان العرب5/63).

([138]) الحديث مروي عن علي عليه السلام عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال سمعت جبريل عليه السلام يقول سمعت الله يقول (لا إله إلا الله حصني..)الحديث (انظر: عيون أخبار للصدوق2/134، روضة الواعظين42، بشارة المصطفى 269)

([139]) يقصد المؤلف رخمه الله أن لا إله إلا الله تكون دافعاً له إلى هذه الصفات الحميدة, خلافاً لبعض الاعتقادات التي تحمل صاحبها على مساوئ الأخلاق.

([140]) هو كعب بن ماتع الحميري اليماني، كان يهودياً فأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم-قيل في خلافة أبي بكر وقيل في خلافة عمر-، يرى طائفة من العلماء لاسيما من الشيعة أنه لم يخلو من كذاب، وفي المقابل يزكّيه آخرون من علماء أهل السنة ويرون أن الكذابين من بعده نسبوا إليه أشياء كثيراً لم يقلها أو يرويها. انظر: (منتهى المقال 5/255) (سير أعلام النبلاء 3/489).

([141]) انظر على سبيل المثال: كتاب الجامع في الطب الروحاني/ تأليف: محمود الشامي العاملي.

([142]) انظر الكافي 1/448

([143]) كعصا موسى ونحوها.

([144]) وهو دعاء مروي عن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.


عدد مرات القراءة:
6846
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :