آخر تحديث للموقع :

الأحد 8 ذو القعدة 1444هـ الموافق:28 مايو 2023م 12:05:51 بتوقيت مكة

جديد الموقع

كينيث كاتزمان ..
الكاتب : كينيث كاتزمان ..

الحرس الثوري الإيراني - نشأته وتكوينه ودوره
كينيث كاتزمان

الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث

تم إعداد هذا الكتاب

لدى

موقع البينة

www.albainah.net-

-3-

المقدمة

لا يكاد يخلو مكان في إيران من وجود الحرس الثوري الإسلامي. ولقد

جرى تجميع عناصر هذا الجهاز في الفترة التي تلت الثورة الإيرانية مباشرة –

بطريقة عشوائية – على هيئة مليشيا ضعيفة التدريب والتنظيم، لتساعد آية الله

الخميني وأتباعه في توطيد سلطتهم في طهران. لكن الحرس الثوري تطور

خلال سنوات الحرب ضد العراق ليصبح جهازًا عسكريًا منظمًا، يرصد

الالتزام الشعبي بالشريعة الإسلامية، إضافة إلى آونه وسيلة رئيسية لتصدير

الثورة الإسلامية. وقد قاتل أفراد الحرس الثوري في الحرب العراقية الإيرانية،

جنبًا إلى جنب، مع القوات النظامية الإيرانية التي ظلت قائمة بعد زوال نظام

الشاه. ومنذ نهاية النزاع العراقي - الإيراني عام 1988 م، اختار الحرس

الثوري لنفسه دورًا عسكريًا دفاعيًا، مع قيامه ببعض المهام المدنية في مجال

إعادة الإعمار.

مما يسترعى الانتباه أنه حتى الآن، آانت البحوث القليلة –التي رآزت

على موضوع الحرس الثوري– تميل إلى مقارنته بالجيش النظامي الإيراني.

لكن الواقع يقول: إن الحرس الثوري يختلف بشكل أساسي عن الجيش، برؤيته

العقائدية وآيفية إدارة عملياته ودوره الوظيفي في المجتمع والسياسة

الإيرانيين، فضلاً عن تطور نشأته، مما يجعل تحليل أوضاعه صعبًا في ضوء

الأطروحات التقليدية لعلم التحليل السياسي – العسكري.

ويختلف الحرس الثوري أيضًا عن الجيش النظامي في آونه يشكل قوة

سياسية، لذا يجب تحليله بشكل أوفى. فالقوات النظامية ليس لها توجه سياسي

محدد، الأمر الذي يجعلها تدين بالولاء لأي نظام آان؛ نظرًا لتوجهها القومي

الذي اآتسبته خلال عهد العائلة البهلوية. ولا شك أن هذه الطبيعة غير السياسية

أعطتها إلى حد ما قدرة على البقاء برغم إضعاف نظام الخميني لها ووضعها

تحت الرابة السياسية الشديدة. وبالمقابل فإن الحرس الثوري يرى أن دوره

السياسي ليس فقط أمرًا مسموحًا به، بل هو جزء من رسالته للدفاع عن الثورة

.( الإسلامية، حسبما ينص على ذلك دستور الجمهورية الإسلامية( 1

إن العلاقة بين الحرس الثوري وآبار رجال الدين الذين ساعدوا في تنظيم

الحرس، والممسكين بزمام السلطة في النظام الإسلامي، تعتبر فقط أحد الأوجه

العديدة لهذا الجهاز، والتي تحتاج للمناقشة إذا ما أردنا فهم هذا التنظيم على

-

-4-

حقيقته. ولحسن الحظ فإن بحوثًا آثيرة قد أجريت في مجال العلاقات المدنية –

العسكرية على المستويين النظري والتجريبي، مما سيجعل هذا البحث وسيلة

نافعة لتحليل علاقة الحرس الثوري بالحكومة الإسلامية، إضافة إلى إلقاء

الضوء على دوره في النزاعات السياسية القائمة بين فصائل النظام ومنافسته

للجيش النظامي.

لقد صدر الكثير من الأبحاث في مجالات العلوم السياسية والتاريخ وعلم

الاجتماع، وهي تحلل الأسباب التي أدت إلى قيام الثورة الإيرانية، والمراحل

التي مرت بها. غير أن عملية بناء مؤسسات ما بعد الثورة، والآليات التي

تمكن الثورات الاجتماعية الكبرى من تعزيز قبضتها على السلطة، لم تحظ

باهتمام آبير. وقليل جدًا من الباحثين – مثل آاترين تشورلي( 2) وجوناثان

أدلمان( 3) وجون إليس( 4) – اهتموا بتحليل مسألة ذات علاقة بهذه الأمور، وهي

مسألة تطور القوات المسلحة الثورية. وهذه الدراسات – التي تتناول بناء

المؤسسات والقوات المسلحة الثورية آوسائل لتعزيز السلطة الثورية – لها

صلة أوثق بتحليل الحرس الثوري. وسيتضمن هذا المدخل إجراء مقارنات

مفيدة بين الحرس الثوري والقوات المسلحة الثورية الأخرى، وخاصة الجيش

الأحمر السوفيتي، وجيش التحرير الشعبي الصيني، وجيش الثورة الفرنسية.

وتواجه الباحث عدة مشاآل أساسية في محاولته تحليل الحرس الثوري،

خصوصًا صعوبة الحصول على معلومات عن هذا الجهاز. فمنذ الاستيلاء

على السفارة الأمريكية في طهران عام 1979 م لم تكن هناك علاقات

دبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة. ومنذ ذلك الوقت لم يحصل أي اتصال

رسمي هام بين البلدين، سوى فيما تعلق بمحكمة التعويضات الأمريكية

الإيرانية في لاهاي( 5)، إضافة إلى الاتصالات الثنائية التي جرت ضمن ما

عرف بصفقة مقايضة الأسلحة الأمريكية بالرهائن (إيران جيت) في الفترة

1985 م – 1986 م( 6). ولهذا فإن الدبلوماسيين الأمريكيين افتقروا إلى التواصل

المباشر مع المسئولين الإيرانيين والتعرف على دقائق الحياة السياسية

الإيرانية.

ويجدر القول: إن طبيعة النظام السياسي الإيراني تحدُّ أيضًا من آمية

ونوعية المعلومات التي يمكن أن يحصل عليها الصحفيون. ومن المعروف أن

الحكومة الإيرانية تتحكم في دخول الصحفيين الأجانب إلى إيران، وهذا يتغير

-

-5-

–على ما يبدو– تبعًا للجور السياسي السائد في طهران. فقد آان الاتصال

بالمسئولين الإيرانيين محفوفًا بالصوعبات عندما آان المتطرفون يسيطرون

على مقاليد الأمور، ثم تيسّر بعدما قفزت العناصر البراجماتية إلى قمة الهرم

السياسي( 7)، بعد وفاة آية الله الخميني في حزيران/ يونيو 1989 م، مما فتح

الباب أمام اتّباع سياسات إعلامية أآثر انفتاحًا من ذي قبل. وعندما آان

الصحفيون يزورون إيران في عهد الخميني آان مجال اتصالاتهم محدودًا في

الغالب. فمثلاً، لم يسمح إلا لعدد قليل من المراسلين بزيارة الجبهة خلال

سنوات الحرب العراقية – الإيرانية. ومما يثير الانتباه أن السماح لرجال

الإعلام بزيارة إيران، آان يتم –بشكل عام– في أعقاب تحقيق طهران لنصر

ميداني، مما يعني أن الغاية من ذلك هي تمكين الحكومة الإيرانية من تعزيز

ادعاءاتها والتباهي بمنجزاتها العسكرية. وآان الممثلون الحكوميون يرافقون

الصحفيين المسموح لهم بالزيارة، فلم يكن باستطاعتهم التحقق من الأخبار

.( وتأآيدها من مصادر مستقلة( 8

أما المشكلة الرئيسية الثانية فهي مصداقية المعلومات المتوافرة حول إيران.

فالنظام الإيراني هو نظام منقسم على نفسه ومتعدد الولاءات، ولكل جناح

مصلحة في ترآيز الأضواء –قدر المستطاع– على مثله العليا وسياساته وقادته

وجهوده. لذا من الواجب التدقيق في المعلومات التي بوسع الصحفيين الحصول

عليها من داخل إيران، أو إرجاعها مباشرة للجهة أو الشخص أو الجناح الذي

يدلي بها.

لكن وجود هذه الأجنحة المختلفة في النظام يفيد أيضًا الباحثين المهتمين

بشئون إيران؛ لأن ذلك يؤدي إلى توافر قدر أآبر من المعلومات. فكما أن أي

جناح قد يميل إلى تحريف نظرته للأحداث لكي يفيد موقعه، فإن هناك جناحًا

منافسًا له، من مصلحته تسريب المعلومات بهدف التشكيك بمصداقية منافسيه.

وفي هذا الإطار يجري الاطلاع على معلومات لم يكن مقدرًا لها أن ترى النور

أصلاً. [وأوضح مثال على ذلك، التسريبات الصحفية التي أحاطت بقضية

مهدي هاشمي عامي 1986 م – 1987 م، وهو صهر آية الله حسين علي

منتظري (الذي عُزل من موقعه آخليفة محتمل للخميني في مارس 1989 م)

وآان مهدي هاشمي مساعدًا له، مع آونه رئيس "مكتب حرآات التحرر"، وهو

الذراع الرسمية للحرس الثوري( 9) التي آانت تنسق جهود إيران لتصدير

-

-6-

الثورة الإسلامية. إذ قام هاشمي، وهو متطرف عنيد، بتسريب معلومات عن

صفقة الأسلحة الأمريكية لإيران إلى مجلة الشراع البيروتية( 10 )، لإحراج

وإضعاف علي أآبر هاشمي رفسنجاني – رئيس مجلس الشورى آنذاك – الذي

لعب دورًا رئيسيًا في صفقة السلاح المذآورة. ومن الواضح أن مهدي هاشمي

.[( شعر بأن رفسنجاني قد باع الثورة الإسلامية بتعامله مع الولايات المتحدةٍ( 11

وخارج إطار النظام الإيراني، آان هناك سيل مستمر من المعلومات، وفّره

المنفيون الإيرانيون، الذين خدم بعضهم نظام الشاه السابق أو أيده، فيما آان

البعض الآخر مؤيدًا للنظام الإسلامي –أو خدمه لفترة من الفترات– ثم اختلف

معه بعد ذلك، مثل أبو الحسن بني صدر، أول رئيس للجمهورية الإسلامية،

الذي يعيش في منفاه بفرنسا، ومثل منظمة مجاهدين خلق التي لها قواعد في

العراق. وبشكل عام فإنه من الأفضل عدم الاعتماد على هذه المصادر المقيمة

في المنفى، ما لم يتم تأآيد رواياتها عن أحداث معينة من مصادر مستقلة،

خاصة عندما تشمل معلومات المنفيين تفسيرات للأحداث الجارية مفيدة لهم، أو

لها علاقة بمنظماتهم. ومع ذلك، ليس من الحكمة رفض الأخذ بروايات الجهات

الموجودة في المنفى؛ لأنها تساعد في تفسير التقارير الواردة من داخل إيران

وإلقاء مزيد من الضوء عليها، مما يسهم في تحليل الأحداث والوقائع. ولقد

اعترفت الحكومة الإيرانية –بشكل غير مباشر– بكثير من روايات الجهات

.( المنفية حول المظاهرات أو القلاقل التي حدثت داخل إيران( 12

وهناك صعوبة أخرى في جمع معلومات عن الحرس الثوري، إذ لا يوجد

في المنفى سوى عدد قليل من أعضائه السابقين، المستعدين للإدلاء بأحاديث

تفصيلية. ويعود هذا بالدرجة الأولى إلى آون أغلب أفراد الحرس من مؤيدي

النظام الإيراني، حتى ولو آانوا يعارضون الكثير من سياسات رفسنجاني

البراجماتية. ولا شك أن أسلوب المقابلات الشخصية مع منفيين – ليسوا من

الأعضاء السابقين في الحرس أو الجيش النظامي – سيكون غير مجد؛ لأن هذه

العناصر تعارض الحرس الثوري أساسًا. ولذا فإن المقابلات المنظمة قد توفر

– في أحسن الأحوال – روايات ثانوية عن آيفية تدريب الحرس ومهامه

وخبراته وأدائه في المعرآة، فضلاً عن شخصيات رؤساء وحداته العسكرية.

ولحسن الحظ فإن المصادر المذآورة ليست هي آل وسائل الحصول على

المعلومات من أجل تكوين فكرة شاملة عن الحرس الثوري. إذ تشكل الصحافة

-

-7-

الرسمية الإيرانية المصدر الأولي والأآثر مصداقية في الكثير من المجالات.

فالتصريحات الرسمية التي يدلي بها الزعماء السياسيون الإيرانيون وآبار قادة

الحرس تعطي مؤشرات واضحة بشكل إجمالي عن المسار العام الذي يدعون

له. ومن الواضح أن دعوات التعبئة – التي نشرت في الصحافة الإيرانية –

وفرت قدرًا غزيرًا من المعلومات عن بنية الحرس الثوري والباسيج (أو قوات

التطوع الشعبي) التي تأتمر بأمر الحرس. وغالبًا ما تنشر الصحافة الإيرانية

أيضًا سيرًا ذاتية رسمية لكل وزير جديد من وزراء الحرس، مع استثناء قادته

العسكريين. آما عقد قادة الحرس أحيانًا مقابلات مع الصحفيين الإيرانيين،

وناقشوا أمور التكتيك والعمليات العسكرية والأسلحة المستخدمة. إلا أن

روايات الصحافة الرسمية عن معارك محددة ليست موثوقًا بها، خصوصًا في

مجالات عدد إصابات العدو المضاعفة، ومزاعم الانتصارات الميدانية المبالغ

فيها، حتى ولو تفهمنا مقصدها.

وتمثل الصحافة غير الرسمية – المسموح بها – مصدرًا ثانيًا غنيًا وموثوقًا

بمعلوماته عن الحرس الثوري. فقد نشرت صحيفتا "إيران برس دايجست"

و"ذي إيكو أف إيران" مقالات عن المنظمات الرئيسية التي ساهمت في بروز

الحرس في وقت مبكر، إلى جانب استعراض شئون الحرس وتطوره

ومشارآته في الصناعات العسكرية، فضلاً عن السير الذاتية للمسئولين

الإيرانيين الذين ارتبطوا بالحرس أو خدموا فيه. ومن هنا يمثل الصحفيون –

بلا شك – مصدرًا غنيًا للمعلومات برغم آونه محدودًا بعض الشيء.

فالمراسلون الفرنسيون والبريطانيون –على وجه الخصوص– حصلوا أحيانًا

على الإذن بزيارة إيران. آما أن الصحافة العربية وفرت غالبًا تغطية لأحداث

إيران، ربما بسبب عامل القرب الجغرافي، واهتمام الكثير من الحكومات

العربية بالتطورات الإيرانية. وتشكل التقارير الإخبارية العربية والأوربية

الغربية مصدرًا مهمًا للمعلومات حول دور الحرس الثوري في مجالي تصدير

مقاطع مترجمة FBIS الثورة والإرهاب. وتقدم هيئة الإعلام الإذاعي الخارجي

من البيانات الصحفية الرسمية والمقالات الافتتاحية، ومقتطفات من المجلات

الصادرة باللغة الفارسية، ومن ضمنها تلك التي ينشرها الحرس الثوري أو

تُوجه إليه.

لا بد من القول إن إعطاء وصف مفصّل عن معارك محددة، حصلت خلال

-

-8-

الحرب العراقية – الإيرانية، ليس يساهم آثيرًا في تقييم تطور الحرس الثوري

آمؤسسة سياسية. ولقد قام عدد من الباحثين بعرض تغطية مناسبة للتقارير

المتكاملة، وإجراء تحليل للمراحل الرئيسية في الحرب( 13 )، ولكن في بعض

الحالات تبرز الحاجة لمعرفة الدروس المستفادة، والتكتيك والأسلحة

المستخدمة، وتحليل معارك معينة من أجل تأآيد مزاعم الحرس، مع تحليل

نموه آمؤسسة لها دور مؤثرة في مؤسسات اتخاذ القرار الرئيسية ضمن النظام

الإيراني.

وبشكل عام، فإن الغرض هو محاولة استقاء المعلومات من مجموعة

واسعة من المصادر. ومن ذلك لا بد من الإشارة إلى أن النظام السياسي

الإيراني يتسم بدرجة عالية من التعقيد نظرًا لطبيعته المفككة، آما أن الأحداث

والتيارات غالبًا ما تكون خاضعة لعدة تفسيرات معقولة.

-1-

-2-

الفصل الأول

دور الحرس آمؤسسة ثورية

توفي آية الله الخميني، زعيم الثورة الإسلامية الإيرانية، في 3 حزيران/

يونيو 1898 ، لكن نظام حكمه لم يستمر بعده فحسب، بل أرسل – على ما يبدو

– أساسًا لانتقال السلطة إلى خلفائه بشكل منظم نسبيًا. ويعود هذا – في معظمه

– إلى قدرة الخميني على إقامة حكم المؤسسات لخدمة الثورة الإسلامية في

إيران. ولا شك أن جهاز الحرس الثوري الإسلامي (باسدران انقلاب إسلامي)

يعتبر أحد أهم المؤسسات التي أنتجتها الثورة الإيرانية. وسبب ذلك أن الحرس

يشكل وسيلة أساسية لترويج أهداف الخميني والثورة الإسلامية، آما أن موقعه

الفريد بين القوات الثورية المسلحة – التي ظهرت في الثورات الاجتماعية

الرئيسية الأخرى – يرجع لتحوله إلى منظمة متماسكة ومعقدة الترآيب إلى حد

ما، بدون فقدان حماسه الأيدلوجي.

ولدراسة قدرة الحرس آمؤسسة ثورية لابد من اتباع إطار تحليلي مميز،

يسمح بعرض شامل لما هو معروف وما يعتقد بأنه صحيح عن الحرس

الثوري( 1). ولا شك أن الإطار المذآور سيسهل عملية تحليل الحرس آمؤسسة

ثورية، وقوة مسلحة ثورية فريدة من نوعها. ومن الضروري تدعيم هذا

الإطار ببحوث أجراها باحثون آخرون حول دور القوات المسلحة في السياسة

والتطور السياسي( 2). وتكتسب الأبحاث عن الجيوش الثورية أهمية خاصة؛

لكونها تصلح لمقارنة الحرس بالقوات المسلحة الثورية الأخرى. فعلى سبيل

المثال يقيس جون إليس قوة تلك القوات ونجاحها بالدرجة التي تستطيع معها أن

.( توائم بين الاهتمامات الشخصية لمقاتليها وبين أهداف الثورات التي أنجبتهم( 3

أما جوناثان أدلمان فيقول بأن عامل الحماسة هو الذي يجعل أية قوة مسلحة

.( ثورية تتميز بقدرة عسكرية فعالة أآثر من سابقاتها الموجودة قبل الثورة( 4

ولأغراض هذا البحث يمكن أن نعتبر مع ذلك أن آاترين تشورلي هي أآثر

المراقبين اهتمامًا بالقوات المسلحة الثورية؛ لأنها تحدد المراحل التي يجب على

الجيوش الثورية أن تمر بها، بهدف الدفاع عن مكاسب الثورة ومواصلة

الحرب الثورية( 5). وتعتقد تشورلي أنه من المحتم أن تصبح أية قوة ثورية

مسلحة قوة محترفة، مما يفقدها حماستها الثورية وطابعها الأيديولوجي. وهذا

الطرح هو بالأساس تطوير لمفهوم ويبر حول تحول الكاريزما إلى روتين مما

-3-

يضعف الحماسة الأيديولوجية لمؤسسة ما، في الوقت نفسه الذي تتطور فيه

المؤسسة لتصبح متسمة بالتنظيم والبيروقراطية بشكل متزايد( 6). ويقول

آخرون: إنه في حالة تعارض مصالح المنظمة مع المثل الأيديولوجية، فإنه يتم

تفضيل الأولى على الثانية، برغم أن هذه المصالح آانت توضع في خدمة

الأيديولوجيا أساسًا( 7). وسنبرهن على أن الحرس الثوري يدحض –إلى حدا

ما– الأطروحات المذآورة.

سواء قبل المرء أم لم يقبل حجة هنتجتون القائلة: إن إعطاء التعبئة أولوية

على دولة المؤسسات يقود إلى انهيار سياسي، فإنه من المحتم القول أن

استمرار الثورة الإيرانية يعود جزئيًَا إلى قدرتها على إقامة مؤسسات ثورية،

بهدف احتواء القوى الاجتماعية الكثيرة التي ساهمت في إسقاط الشاه. وبالرغم

من المرجعية الشخصية المطلقة لآية الله الخميني، فإن النظام –بلا شك– لم

يكن باستطاعته مواجهة التحديات الكثيرة التي واجهته لو لم يُقم قاعدة

مؤسساتية. واشتملت التحديات على تمرد عدة جماعات عرقية، وعصيان

مسلح قامت به مجموعة من فدائيي المدن، وحدوث تفجيرات في طهران أدت

إلى مقتل عدد من آبار القادة الإيرانيين عام 1981 ، إضافة إلى غزو واسع

النطاق قام به العراق. ولمعالجة ذلك يجب أيضًا إلقاء الضوء على المؤسسات

العديدة الأخرى التي أقامتها الثورة، ودورها في تعزيز الثورة الإسلامية.

وبحكم قدرة الحرس الثوري على التنظيم والدمج، وتوفير قناة مشارآة أمام

القوى الاجتماعية الجديدة التي عبأتها الثورة، فإنه لعب دورًا شديد الأهمية في

هزيمة الأعداء المذآورين، فضلاً عن تغلبه على عدد آبير آخر من الأخطار

الجسيمة التي هددت الثورة. ووفر الحرس الثوري أسبقية المشارآة في النظام

لفئة من غير رجال الدين، هم الموالون الأشداء للخميني، الذين خاض أآثرهم

المعارك في المدن الرئيسية ضد نظام الشاه( 8). ويجدر القول: إنه لو لم يوجه

الحرس الثوري لامتصاص العناصر من غير الملالي، لبدت الثورة الإسلامية

– إلى درجة آبيرة – وآأنها عملية استيلاء على السلطة من قبل رجال الدين.

ولو تحقق هذا الافتراض لكان رجال الدين قد عجزوا عن مواجهة التحديات

المسلحة الشرسة، ولكان من المحتمل أن يصبح عمر الثورة قصير جدًا. ولذا

فمن الممكن الاستنتاج أن الحرس آان قادرًا على استيعاب القوى الاجتماعية

الإيرانية المعبأة حديثًا، وخصوصًا تلك العناصر التي حرآتها أيديولوجيا

الثورة.

-4-

المرونة السياسية

إن المقياس الأول لقوة مؤسسة ما هو قدرتها على التكيف أو المرونة بدلاً

من الجمود( 9). وتعود مرونة منظمة بعينها إلى قدرتها على تجاوز التحديات أو

التغيرات المناوئة لها في محيطها. ولا تكمن مرونة الحرس في قدرته على

احتواء القوى الاجتماعية الثورية فحسب، بل أيضًا الكتل الاجتماعية التي لا

تتوافق مع الحرس بالضرورة في درجة المزاج الثوري. وقد سبق لنا التعرض

باختصار لدور الحرس في تعبئة المتطرفين المسلحين من غير رجال الدين

للدفاع عن الملالي. غير أن الحرس – مثله في ذلك مثل الجيوش الثورية

الأخرى، التي أُجبرت على مقاتلة القوى الأجنبية المعادية للثورة – اضطر إلى

استيعاب جماعات مثل المتطوعين، لم تكن تتبنى أيديولوجيا الحرس الحماسية

أو استراتيجية معارآه وأساليبه التكتيكية. لكن الحرس احتاج لهذه الجماعات

غير الأيديولوجية؛ لأنها توفر الطاقة البشرية والخبرات اللازمة لخوض

.( الحرب بنجاح( 10

لقد وفر الحرس أيضًا فرصة للتقدم أمام الشباب الطامحين الذين آانوا أقل

تطرفًا من معظم متطوعي الحرس العاديين؛ إذْ اعتبروه وسيلة لرفع مستواهم

المادي والاجتماعي. وأن قدرة الحرس على مقاومة أي ضعف في الالتزام

الأيديولوجي، في الوقت نفسه الذي يضم فيه هذه العناصر تحت لوائه، يعتبر

مؤشرًا آبيرًا على صلابته آمؤسسة. وتقول تشورلي – بعد دراستها لعدة

جيوش ثورية –: إن تطور هيكل ما، بشكل منظم وموحد، وبطريقة تسمح

للقوات المسلحة الثورية بمتابعة النضال الثوري، لابد وأن يتعارض مع

الحماسة الثورية والالتزام الأيديولوجي( 11 ). وهذا يتماثل مع فكرة ويبر القائلة

بأنه في الوقت الذي تتطور عملية التحديث، فإن عنصر الكاريزما يصبح

روتينًا مقيدًا بالأنماط البيروقراطية للمنظمة( 12 ). وتجدر الإشارة إلى أن حالة

الحرس الثوري تدحض هذه الحجج إلى حد ما.

لا شك أن قدرة الحرس على احتواء العناصر – الأقل اندفاعًا في المجال

الأيديولوجي– ترتبط بالسهولة التي استطاع بموجبها أن يوفق بين القادة

والجنود الآتين من خلفيات اجتماعية وشبكات تجنيد متنوعة، ويصهرهم ضمن

مؤسسته. وآان القادة الأوائل للحرس الثوري من أمثال عباس زماني

(المعروف باسمه الحرآي أبو شريف) من المناضلين ضد الشاه في المدن،

وتلقى تدريباته – [مثل معظم القادة الأوائل للحرس – منظمة الحرير

-5-

الفلسطينية في لبنان( 13 )] . واجتذبت النواة الأولى للحرس بعد ذلك عناصر

جديدة من المليشيات الخاصة، التي ألفها آثير من رجال الدين الثوريين من

عداد جماهير المصلين في مساجدهم( 14 ). وبعد زهاء عام من تشكيل الحرس

رسميًا، تولى عباس زماني إدارة ومسئولية تعبئة حرآة المستضعفين (باسيج

مستضعفين) ( 15 )، التي آانت تتألف –بشكل عام– من المتطوعين اليافعين

وآبار السن الآتين من الريف والمدن الصغيرة، وآانوا أقل ثقافة من نواة

الحرس الثوري، التي آانت أآثر سعة وإطلاعًا إلى حدٍ ما( 16 ). وهذه الترآيبة

الاجتماعية المتنوعة للحرس آانت –برغم ذلك– عامل آبح رئيسيًا في إدارة

الحرب، فضلاً عن إثبات مرونة الحرس المؤسساتية.

إن مقارنة تاريخ الجيش النظامي ودوره خلال عهد الشاه ووالده رضا شاه

– مؤسس الجيش الإيراني- مع تشكيل الحرس الثوري ودوره، تظهر آيفية

انبثاق الحرس الثوري آمؤسسة أآثر قوة وأهمية من الجيش النظامي. فالجيش

النظامي آان من المرونة بمكان مما جعله يستمر بعد الثورة ويبرز آمؤسسة

منفصلة برغم آثرة الدعوات لحله آليًا( 17 )، وإن آانت هناك جيوش أخرى

سابقة للثورة قد احتفظت لنفسها بأدوار أهم في بني القوات المسلحة الثورية.

فمثلاً آان الضباط والكثير من وحدات الجيشين الفرنسي والروسي – في فترة

ما قبل الثورة – لا غنى عنهم في تشكيل الجيش الثوري الفعال الموحد في آل

من فرنسا والاتحاد السوفيتي، وهذا بلا شك مغاير لحالة الجيش الإيراني

النظامي( 18 ). وقد خسرت القوات المسلحة الإيرانية أيضًا آثيرًا من نفوذها

السابق على الثورة آمجموعة ذات مصالح في النظام، وتعرضت للتطهير

.( بشكل متكرر( 19

يمكن القول: إن قدرة الحرس على الاضطلاع بمهام جديدة تعتبر مؤشرًا

آخر على قوته. وآان الحرس أولاً مجرد مليشيا أمنية داخلية، لكنه تمكن فيما

بعد من تنظيم نفسه ليصبح قوة عسكرية تخوض الحرب ضد العراق. وبعدما

أصبح الحرس الثوري قوة عسكرية، اآتسب القدرة على إدخال بعض التغيرات

البراجماتية المؤقتة في خططه التكتيكية، بغرض تعزيز أهدافه الأيديولوجية

الشاملة. ولذا آان الحرس قادرًا على تعديل استراتيجيته وتكتيكه لمتابعة

الحرب طبقًا لعوامل أخرى، مثل التغيرات الاستراتيجية والتكتيكية الخصم

-الذي هو العراق- والنزاع بين آبار القادة السياسيين الإيرانيين حول

استراتيجية الحرب، فضلاً عن الحشود العسكرية الأمريكية في الخليج عام

-6-

1987 . وعمومًا، يمكننا القول: إن الحرس قد سعى – خلال الحرب الإيرانية

العراقية، والأحداث التي أعقبت حرب الخليج الثانية عام 1991 – لتحقيق

هدفه الثوري الأول، ألا وهو تلبية دعوة الخميني بهزيمة العراق والإطاحة

بالرئيس صدام حسين.

وبرهن الحرس الثوري على أنه ماهر في التعامل مع التحديات السياسية

العديدة، التي تعرض لها منذ فترة إنشائه وحتى الآن، وبالأخص خلال سنواته

المبكرة. وظهرت مرونة الحرس في صراعه السياسي مع أول رئيس

للجمهورية الإسلامية، أبو الحسن بني صدر، وأول رئيس وزراء لها، مهدي

بازرآان، وآذلك من آبار القادة السياسيين، عقب حدوث الكوارث الميدانية

التي أدت إلى إنهاء الحرب مع العراق (وسيجري تحليلها لاحقًا) ( 20 ). وتوجد

أمثلة عديدة على وقوف الحرس مع حلفائه السياسيين، أو حتى العمل بمفرده

على تقويض سلطة الزعماء السياسيين، الذين رأى قادة الحرس أنهم يساومون

على أهداف الثورة الإسلامية. وربما آان الامتحان الأخطر لمرونة الحرس

المؤسساتية يكمن في تكيفه مع إنهاء الحرب العراقية – الإيرانية مع الاحتفاظ

بموقعه المهم، رغم أن مهمته الأساسية –المتمثلة في هزيمة العراق– قد باءت

بالفشل.

تحول الثورة إلى بيروقراطية

هناك مقياس آخر لإثبات التحول المؤسساتي، يتمثل في التشعب

والتعقيد( 21 ). فكثرة اختلاف وحدات التنظيم الفرعية وتنوع مهام المؤسسة،

تشير إلى تغلغل الروح المؤسساتية بدرجة آبيرة. وامتلاك الحرس لبنية

تنظيمية متطورة أآثر تعقيدًا، يشكل مؤشرًا على قوة الحرس المؤسساتية داخل

إيران. ولا شك أن قدرته على تطوير هيكل تنظيمي مرآب ومعقد –بدون

التضحية بشخصيته الثورية– يميزه عن القوات المسلحة الثورية الأخرى، التي

طورت بني ووظائف عسكرية تنظيمية مشابهة، لكنها خسرت الحماس

والاندفاع الثوريين.

من المفيد مقارنة الحرس بالمؤسسات الثورية الإيرانية الأخرى، وأهمها

اللجان الثورية (آوميته) التي تقوم بدورها في الأمن الداخلي، مثلها في ذلك

مثل الحرس، وبالفعل فقد اختلف الحرس عن اللجان الثورية، ليس فقط في

آونه تولي مهمة عسكرية آبيرة، بل أيضًا في اآتسابه درجة من النفوذ على

-7-

اللجان الثورية حتى في مجالات الأمن الداخلي( 22 ). وانتقل الحرس الثوري إلى

مهمة تصدير الثروة، حيث لعب دورًا أعظم من أية منظمة ثورية أخرى

أوآلت إليها مهمات مشابهة، مثل منظمة الدعوة الإسلامية ووزارة الإرشاد

الإسلامي. آما أنه ساهم بشكل آبير في تنشئة الشباب الإيراني على أيديولوجيا

الثورة أآثر من أية مؤسسة من المؤسسات الثورية الأخرى( 23 ). ولقد ذُآر أن

عوامل التنشئة السياسية للبالغين في أماآن عملهم وجمعياتهم الخاصة، قد

برهنت على أنها أآثر فعالية من التنشئة أثناء فترة الطفولة، سواء أآان ذلك في

إطار العائلة أو المدارس( 24 ). وعمومًا فإن عملية التعارف والترابط الاجتماعي

قد تعززت – إلى حد ما – عندما تمكنت وسائل إعلام النظام الإيراني من

مخاطبة شباب إيران مباشرة، بهدف إآمال عناصر التنشئة المكتسبة منذ

الطفولة. وأمكن للحرس أن يساهم في عملية التنشئة السياسية، من خلال

وضعه الفريد ضمن النظام وسيطرته على شباب الباسيج. والروايات المتناقلة

عن التدريب الذي قدمه الحرس لمتطوعي الباسيج تؤيد وجهة النظر السابقة.

وقام الحرس بدور مماثل في حث الشعب على الالتزام بالأعراف

الإسلامية( 25 )، وإن آانت هذه الوظيفة أقرب إلى مهام الحرس في الأمن

الداخلي، مثل مسئولياته المتعلقة بالتنشئة السياسية. وشرطة الآداب الإسلامية

في الحرس هي الجهاز الذي يميز الحرس عن بقية القوات المسلحة الثورية،

.( التي غالبًا ما تتردد في القيام بهمام أمنية داخلية( 26

إن تنوع مهام الحرس الثوري أعظم منه في القوات المسلحة الثورية

الأخرى. وهناك دلائل آثيرة تفيد بأن الحرس الثوري قام بدور أبرز من الدور

الذي لعبه الجيش الأحمر السوفيتي أو جيش التحرير الشعبي الصيني، في

مجال الأمن الداخلي وتصدير الثورة( 27 ). وآثير من الأدوار التي مارسها

الحرس الثوري في هيكل سلطة الجمهورية الإسلامية، قد مورس في الحالتين

الصينية والسوفيتية من قبل منظمات الشرطة السرية وأجهزة الحزب

الشيوعي. وبالإضافة إلى ذلك، يمارس الحرس دورًا مهمًا في حشد التظاهرات

الشعبية لتأييد السياسيات المتشددة للحكومة( 28 ). وهذه المهمة بالذات قام بها

جهاز الحزب الشيوعي في آل من الصين والاتحاد السوفيتي بشكل عام. ومن

الممكن أيضًا إجراء مقارنات مماثلة بالقوات المسلحة والميليشيات الشعبية

المتطوعة التي أفرزتها الثورة الفرنسية.

من ناحية أخرى، سنسوق البراهين المؤيدة لقضية تنوع مهام الحرس، من

-8-

خلال إلقاء الضوء على دور الحرس في الاقتصاد الإيراني( 29 ). وبالمقابل فإن

تحليل الدور الاقتصادي للحرس يرتكز على درجة النفوذ التي آان بوسع

الحرس أن يمارسها على مؤسسة ثورية أخرى هي جهاد البناء (جهاد

سازنداغي) التي آانت الأداة لتطبيق السياسة الاقتصادية للحكومة في المناطق

.( الريفية على وجه الخصوص( 30

وإلى جانب تنوع المهام يمكن إثبات وجود التنظيم المعقد من خلال انتشار

الوحدات التنظيمية الفرعية للحرس الثوري. ومن المفيد بشكل خاص مقارنة

الحرس بالمؤسسات الثورية الأخرى في إيران؛ لكون هذه المؤسسات تطورت

ضمن الفترة الزمنية نفسها التي مرت على الحرس. وفي بادئ الأمر آان

الحرس الثوري يضم خليطًا غير منظم من مجموعات محلية مستقلة، ومن

فدائيي المدن ومليشيات رجال الدين والفارين من الجيش، والمتشددين الآخرين

الموالين للخميني. حيث ساعدت آل هذه الجماعات في حشد التأييد للخميني في

الشارع عقب انتصار الثورة( 31 ). ولم يكن لهذا الخليط أية هيكلية قيادية رسمية

في البداية، لكن قادة الحرس استطاعوا تحديد أدوارهم الفردية والفصل بينها.

وفي آثير من المسائل آانت القوة السياسية –داخل الهيكل القيادي للحرس–

تعتمد على المكانة وليس على السمات الشخصية. ولقد طور الحرس أيضًا بينة

وحداته، مثل الفيالق والفرق والألوية، على غرار ما يحصل في أية قوة

تقليدية، وإن لم يخل ذلك من التعديلات، آلما اتسع نطاق العمليات العسكرية

بعد حدوث الغزو العراقي( 32 ). والأمر المهم في هذا الصدد هو تشكيل الحرس

33 ). وزيادة على ذلك، طور ) لوحدات جوية وبحرية خاصة به عام 1985

الحرس هيكلية رسمية لتجنيد وتدريب جنود الجبهة الأمامية وعملاء الثورة

الإسلامية، الذين حاولوا نشر الثورة في العالم العربي بجميع الوسائل، ومن

.( ضمنها العنف( 34

اضطر الحرس أيضًا إلى تطوير بنية تحتية لوجستية لإمداد ودعم قواته.

ولذا فقد أنشأ هيئة مشتريات منفصلة عن مثيلتها في الجيش النظامي، وبنى

منشآت للصناعات العسكرية، للالتفات على حظر الأسلحة الدولي المفروض

على إيرانر( 35 ). أما المؤشر المهم في تميز الحرس ونضجه في مجال التنظيم،

فهو التطور المتزايد في الأسلحة التي زُعم أنه يقوم بصنعها محليًا. وقامت

بالإشراف على هذه المهمات المساندة وزارة الحرس الثوري، التي تعتبر من

أفضل الأمثلة على تطور الحرس تنظيميًا، والتي أسست عام 1982 آجهاز

-9-

منفصل عن وزارة الدفاع الخاصة بالجيش النظامي( 36 ). ولقد شكل الحرس

أيضًا وحدات متخصصة لكي تستخدم الأسلحة الأآثر تطورًا، مثل المدرعات

ونظم الدفاع الجوي والصواريخ والأنظمة الأخرى، مما يعد دليلاً على زيادة

التعقيد المؤسساتي( 37 ). ومن الأمور المعروفة على نطاق واسع أن الحرس بدأ

بالقتال في الحرب العراقية – الإيرانية مستخدمًا الأسلحة الخفيفة فقط.

الحرس آقوة موحدة مستقلة

هناك مقياس آخر لتحليل نمو الحرس الثوري آمؤسسة، ألا وهو استقلاله

الذاتي. ومن الممكن قياس درجة الاستقلال الذاتي بالمدى الذي تستطيع به

المؤسسة أن تحافظ على قيمها ومصالحها، التي تميزها عن مصالح وقيم

المؤسسات والقوى الاجتماعية الأخرى( 38 ). وأصبحت قوة الحرس الثوري –

آمنظمة – تعتمد بشكل متزايد على منهجها وبنيتها الفعالة أآثر من اعتمادها

على استمرارية قائد معين للحرس أو مجموعة من القادة في مناصبهم.

وتميزت الثلاثون شهرًا الأولى من عمر الحرس – وحتى تعيين محسن

رضائي في أيلول / سبتمبر 1981 – بحرآة تنقلات سريعة في قيادته، حيث

جرى تعيين أحد القادة مؤقتًا لكنه استقال بعد عدة أيام، ومع ذلك استمر الحرس

في التطور آمؤسسة( 39 ). وبعد عام 1981 تمتع الحرس بقيادة مستقرة – إلى

حد ما – مع استثناء واحد تمثل في عزل وزير الحرس الثوري، محسن رفيق

40 ). وإن لم يؤد ذلك إلى اضمحلال فوري في قوى الحرس ) دوست، عام 1988

أو مقدرته الوظيفية، أو حتى إلغاء الوزارة التي أنشأها وترأسها دوست عام

1982 . إذ حل محله سريعًا نائب قائد الحرس –المخلص منذ وقت طويل–

علي شمخاني. ومع ذلك فإن الوزارة آكل تضررت من مزاعم الفساد في

عمليات شراء الأسلحة خلال الحرب، وهو ما أدى في نهاية الأمر بالمجلس

(البرلمان) المنتخب بعد وفاة الخميني إلى الموافقة على دمج وزارة الحرس مع

وزارة الدفاع ليصبحا وزارة جديدة باسم وزارة الدفاع ودعم القوات

.( المسلحة( 41

تتباين قوة الحرس –آمؤسسة ثورية– مع المنظمات الثورية الإيرانية

الأخرى، التي انهارت أو ضعف بشكل آبير، بسبب القيادي أو الاضطراب أو

التغيير. فنجد مثلاً أن مفهوم "ولاية الفقيه"، الذي آان يهدف إلى التحول إلى

مؤسسة ثورية دائمة، قد أصابه الضعف الشديد منذ وفاة الخميني. وهناك

-10-

مقارنة أخرى يمكن استنتاجها من حل الحزب الجمهوري الإسلامي، الذي

عانى آما يرى البعض – من الضعف السياسي المؤقت لزعيمه، الرئيس

.( السابق علي خامئني، قبل أن يتسلم منصب المرشد الأعلى( 42

الدليل الآخر على استقلالية الحرس تمثل في عدم تسلط أية عائلة أو قبيلة

أو جماعة إقليمية أو عرقية عليه. والتحرر من هذا النوع من الخضوع يسمح

للمؤسسة بتطوير نهجها ومقدرتها على اتخاذ القرارات المؤثرة في مصالح تلك

المؤسسة، بدلاً من مصالح الجماعة التي تسيطر عليها عادة. ومن المفيد في

هذا النطاق إجراء مقارنة بين الحرس الثوري وبين جيوش أخرى في الشرق

الأوسط، آجيشي العراق وسوريا، حيث تخضع لسيطرة المجموعات العشائرية

.( أو المذهبية الموجودة في تلك الدول( 43

لقد ظهرت استقلالية الحرس أيضًا من خلال دوره في عملية صنع

القرارات داخل النظام الإيراني. ولا يعني هذا بالضرورة القول: إنه آلما أقدم

الحرس على التصرف بمفرده، أو حتى الدخول في تحد مع السلطة المدنية،

زاده ذلك صلابة مقارنة بالمؤسسات الثورية الأخرى. ومع ذلك فإن الحرس

تدبر أم شئونه الداخلية، آما أن مصالحه بالتأآيد آانت تؤخذ في الحسبان عند

رسم سياسة النظام. وسعى الحرس غالبًا إلى تحقيق مصالحه المؤسساتية

الذاتية، حتى لو تعارضت تلك المصالح مع المصلحة العامة للنظام أو المجتمع

آكل. ولا شك أنه آان من الصعب ترسيخ مقدرة الحرس – آجماعة لها

مصالحها – نظرًا لأن الخميني حدد مصالح الثورة، ولم يكن بوسع أي سياسي

آبير أن يناقض الخميني بعد إقدامه على تحديد مسار السياسة المتبعة. ولذا فإن

الطريقة الوحيدة لاستكشاف دور الحرس – آجماعة لها مصالحها – تتمثل في

تحليل أمثلة محددة من قرارات النظام، التي اتسمت بوجود خلاف في الرأي

بين الحرس والزعماء السياسيين الكبار، وذلك في مجال القرارات التي لم

يتضح ترجيح الخميني فيها لسياسة معينة. ويتم استخلاص هذه الأمثلة من

الروايات حول المناقشات السياسية التي دارت بين أعضاء القيادة الإيرانية

ومجلس الدفاع الأعلى، الذي آان أعلى سلطة عسكرية، لاتخاذ القرار خلال

.( الحرب مع العراق( 44

إن إجراء مناقشة لدور الحرس –آجماعة لها مصالح ذاتية في النظام

الثوري– يقود بشكل طبيعي إلى مناقشة دور الحرس في الصراعات الداخلية

بين أجنحة النظام. وما يهمنا بشكل خاص هو الحالات المحددة التي يمكن أن

-11-

يكون الحرس قد شكل فيها تحالفات سياسية مع زعماء معينين من النظام،

وتصرف بشكل مناقض لرغبات زعماء النظام الأآثر اعتدالاً، أو حتى بهدف

تحطيم هؤلاء سياسيًا( 45 ). وسيكون هذا التحليل أيضًا فائق الأهمية في إثبات

[أن الحرس هو المؤسسة الرئيسية التي تحمي وترفع راية مبادئ الثورة

الإسلامية ومُثُلها التي حددها الزعيم الكاريزمي الخميني] ومن الممكن أيضًا

مقارنة دور الحرس في صراع أجنحة النظام ودرجة مرونته السياسية، بدور

القوات المسلحة الثورية الأخرى في التاريخ، فضلاً عن الوات النظامية

الإيرانية. فمنظمات الحزب السياسية المدنية المؤسساتية، والبنية العالية

التنظيم، آانت سمة الحزب الشيوعي السوفيتي السابق والحزب الشيوعي

الصيني، وبغيابها عن النظام السياسي الإيراني، أفادت آثيرًا في بروز

استقلالية الحرس الثوري. وبالفعل، يبدو واضحًا أن الجيش السوفيتي وجيش

التحرير الشعبي الصيني لم يسعيا إلى المشارآة السياسية، اعترافًا منهما

بالسلطة المطلقة للحزب الشيوعي في تحديد مسار الثورة والحفاظ على

الأيدلوجيا الثورية( 46 ). وبرغم أن الحرس الثوري مازال فتيًا مقارنة بالجيش

السوفيتي وجيش التحرير الشعبي الصيني، [إلا أن الحرس يعتبر أن المشارآة

في السياسة ليست مسموحًا بها فقط، بل تشكل جزءًا لازمًا من مهمته في الدفاع

عن نقاء الثورة الإسلامية( 47 ). ويمكن القول بأن الحرس الثوري قد لعب دورًا

في ترسيخ وتخليد أفكار زعيم الثورة الإسلامية، أعظم مما قام به الجيش

الأحمر السوفيتي لزعيم ثورته لينين، أو جيش التحرير الشعبي الصيني لزعيمه

ماو تسي تونج].

القاعدة الأخرى للمقارنة هي الدرجة التي اخترقت بها السلطات المدنية

جهاز الحرس الثوري. ولقد جرت –على نطاق واسع– مناقشة دور المفوضين

السياسيين الشيوعيين في الجيش الأحمر السوفيتي وجيش التحرير الشعبي

الصيني( 48 )، وللقيام بمثل هذا الدور للمفوض الشيوعي، فقد آان يُفترض أن

يعين الملالي –من قبلهم– ضباطًا سياسيين في بنية الحرس التنظيمية( 49 )، غير

أن اختراق الملالي للحرس آان أقل تأثيرًا وشمولية بكثير مما قامت به

الأحزاب الشيوعية في الصين والاتحاد السوفيتي. والتحرر النسبي للحرس من

أغلال السيطرة السياسية المنظمة، ليس هو ما يميزه عن الجيش السوفيتي أو

جيش التحرير الشعبي الصيني. لكن مقاومته الناجحة للاختراق المدني تشير

بالفعل إلى قدرته العظيمة على استخدام قواته العسكرية بمعزل عن السلطة

-12-

السياسية المدنية، مما يجعل الحرس يشكل خطرًا لا يستهان به على خلفاء آية

الله الخميني، في حالة خروجهم على مُثُل الخميني وأفكاره بشكل سافر.

والمقياس الآخر للدلالة على القوة المؤسساتية للحرس، هو إجراء تقييم

لمقدرته على زرع أعضائه أو تعيين حلفائه المقربين في المناصب الحكومية

الرئيسية. وبراعة الحرس في معارضة تعيين خصومه في مناصب قيادية

داخل جهاز الحرس تدل على صلابته، وسنرى آيف أن تعيينات المسئولين

القياديين في الحرس بقيت محصورة بإحكام تحت سيطرة الحرس ذاته. وهناك

معلومات لا يستهان بها تفيد بأن أفراد الحرس، وأعضاء المنظمات التي تعمل

معه بشكل وثيق، قد شغلوا بالفعل مناصب حساسة في هيكل الحكومة والمجلس

(البرلمان) ( 50 ). وإضافة إلى ما تقدم، فإن إجراء مقارنة بين الحرس والمؤسسة

الأقرب إليه من ناحية بنيتها القيادية الخاصة، أي الجيش النظامي، تُظهر أن

هناك حالات آان فيها الحرس مسئولاً عن إقالة قادة عسكريين نظاميين من

مناصبهم القيادية( 51 ). في حين أن ضغط القوات المسلحة النظامية لم يشكل

عاملاً ذا بال في أي وقت من الأوقات – للتأثير في التعيينات الحاصلة في

الحرس.

وآان توفير الحرس لسبل الترقي إلى الرتب الصغرى في صفوفه يمثل

مؤشرًا آخر على تحول الحرس إلى منظمة مستقلة ذاتيًا وليست تابعة لأحد. في

حين أن البديل القائم في أية منظمة مشابهة هو وجود حزب سياسي منظم،

يكون مسئولاً عن تحديد الترقيات، أو التدقيق في الترشيحات للمناصب

الحساسة. وخلال أغلب المراحل التاريخية للجيش السوفيتي وجيش التحرير

الشعبي الصيني، فإن الذي قام بهذه المهام هو الحزب الشيوعي والأجهزة

الأمنية( 52 ). لكن في حالة إيران لا يوجد حزب حاآم منظم، آما لا يوجد أي

دليل على أن الحزب الجمهوري الإسلامي، الذي جرى حله عام 1987 ، آان

لديه التنظيم أو المقدرة الكافية للقيام بمثل هذا الدور، إضافة إلى أن الحرس

الثوري هو بحد ذاته الجهاز الأمني الأآثر قوة في الدولة. وزيادة على ما تقدم

فإن الحرس أشرف على التعيينات والتنقلات الحاصلة فيه على صعيد جميع

.( مستويات هيكليته القيادية( 53

عامل الترابط الوثيق

يوجد مقياس آخر للصلابة المؤسسة يتمثل في التماسك التنظيمي. وبرغم

-13-

أن ويبر وهنتجتون يمثلان تيارين مختلفين في علم النظرية السياسية، فإن رأي

هنتجتون بشأن التماسك –آمظهر مؤسساتي– يتفق مع ملاحظة ويبر في أن

بناء السلطة السياسية يتضمن إدخال المرآزية التدريجية على القوى العسكرية،

لتحويلها من جوش خاصة إلى قوة عسكرية قومية( 54 ). ويتفق هذان العالمان

السياسيان على أنه لكي توجد السلطة الرشيدة، لا بد من تطبيق الأنظمة

والأحكام التي تنظم عمل المؤسسة –وهي القوة العسكرية في هذا النطاق–

على آل أقسام هذه المؤسسة. وستكون النتيجة الطبيعية أن الأوامر التي

تصدرها القيادة العليا للمنظمة يجب أن تنفذ بكل إخلاص؛ لأنه يُنظر إلى قيادة

المنظمة على أنها شرعية، حتى ولو آان أحد مستوياتها التنظيمية أو أقسامها

الداخلية لا يوافق على قرار أو أمر ما بمفرده.

لاشك أن مفهوم التماسك يكتسب أهمية خاصة في دراسة الحرس الثوري

بسبب الانقسامات التحزبية المتفشية داخله( 55 ). ومن الممكن أن تتخذ هذه

الانقسامات أشكالاً آثيرة في المجالات السياسية والأيدلوجية والشخصية

والتنظيمية. ومن المعروف أن الحرس ظل متصفًا بالتحزبية الحادة، وآان من

السهل قياس هذا العامل عند بداية تشكيل الحرس. وقد ألقى أحد قادة الحرس

.( الأوائل اللوم على عامل التحزبية، باعتباره أهم أسباب قراره بالاستقالة( 56

آما رفض قائد آخر قبول تعيينه لاعتقاده بأن التحزبية تجعل من غير الممكن

.( السيطرة على الحرس من القمة( 57

لم تكن التحزبية المبكرة في صفوف الحرس الثوري واضحة فحسب، بل

آان من الممكن تفسيرها أيضًا. فقد جرى تشكيل الحرس الثوري من القاعدة

إلى القمة وليس من القمة إلى القاعدة. ويختلف الحرس عن الجيش الأحمر

السوفيتي والجيش الثوري الفرنسي في أنه لم يجر تشكيله من عداد الضباط

والوحدات التي آانت تخدم الجيش الملكي السابق لقيام الثورة، بل جرى تجنيد

أغلب أفراده من بين العناصر الثورية( 58 ). وبرغم أن جيش التحرير الشعبي

الصيني لم يحتو على عناصر خدمت في النظام السابق للثورة، إلا أنه لم يُشكل

بالأساس بطريقة عشوائية آما حصل في حالة الحرس الثوري. فجيش التحرير

الشعبي الذي بدأ يتشكل في الثلاثينيات من هذا القرن – بعد تغيير الحزب

الشيوعي الصيني لاستراتيجيته، ولجوئه إلى شن حرب العصابات بدلاً من

التمرد في المدن – آان يمتلك بنية قيادية وتنظيمية محددة بدقة، عندما استولى

59 ). أما الحرس ) الشيوعيون رسميًا على مقاليد السلطة في الصين عام 1949

-14-

فإنه –خلافًا للقوات المسلحة الثورية الأخرى– لم يكن يمتلك بنية جيش تقليدي

مشكل قبل قيام الثورة، ولذلك لم يتوفر له التماسك والتنظيم منذ البداية.

وسرعات ما أقامت القوات الثورية المذآورة هياآل وتنظيمات احترافية، برغم

أنها رفضت في البداية هذه التنظيمات؛ لكونها تتناقض مع الكاريزما والحماس

.( والاندفاع الثوري الذي آان يغلب عليها في المراحل الأولى( 60

لقد تضاءلت التحزبية بالتدريج في صفوف الحرس وإن لم تختف تمامًا.

فالحرس الآن ليس فقط أقل تحزبية مما آان عليه خلال سنواته الأولى، بل إنه

أيضًا أقل تحزبية من قيادة النظام العليا( 61 ). دليل ذلك أن الحرس يتمتع بتماسك

نسبي في التزامه بالأيدلوجيا والسياسات المتطرفة، ويعمل الآن آوحدة لها

تسلسل قيادي دقيق، في حين تتضارب التصرفات والاتجاهات السياسية

.( عدد من أقطاب القيادة العليا( 62

من الصعوبة بمكان معرفة مدى التحزبية في الحرس على مستوى الأفراد

العاديين؛ لأنه ليس من السهل مراقبة ذلك آما يحصل في المستوى القيادي.

فالأفعال التي تقوم بها وحدات متعددة في الحرس، وتتناقض مع مواقف القادة

السياسية الكبار دون مستوى الخميني، لا يمكن اعتبارها دليلاً حاسمًا على

التحزبية الحرس؛ لأن قيادة الحرس العليا نفسها آانت تتصرف –غالبًا–

بشكل يتعارض مع رغبات آبار الزعماء السياسيين (تحت مستوى الخميني) أو

تنتقدهم بحدة وتختلف معهم( 63 )، بل إنها آانت تحرك بعض الوحدات التي تحت

قيادتها من أجل تقويض السياسات الحكومية التي لا تحظى بقبولها( 64 ). ومع

ذلك، يمكننا أن نشير إلى تصرفات قامت بها وحدات من المستوى الأدنى

للحرس، وآانت تتعارض عن قصد مع سياسات أو بيانات القيادة العليا

للحرس، وذلك آدليل على وجود التحزبية. وبالإضافة إلى ذآر حالات جرى

فيها تجاهل مقصود لأوامر آبار قادة الحرس، فإن هناك وسيلة مجدية لإظهار

التحزبية بين الأفراد العاديين، وذلك بتحليل أفعال الحرس عقب عزل مسئولين

آبار في النظام. وأحد الأمثلة على ذلك هو سقوط خليفة الخميني المعيّن، آية

65 ). ومثل هذا التحليل سيشير إلى ) الله منتظري، في آذار / مارس 1989

استمرار وجود الانقسامات الشخصية داخل الحرس من عدمها.

بما أن التحزبية قد تستند إلى أساس أيدلوجي، فمن الممكن مراقبة رد فعل

عامة أفراد الحرس إزاء التحولات الأيدلوجية المتوقعة في سياسة الحرس

العامة. وأحد المؤشرات على هذا النوع من التحزبية هو حصول اضطرابات

-15-

في الحرس بسبب الانحرافات السياسية فيه. ونجد مثالاً على هذا النوع من

؛1986– الانحراف، في صفقة الأسلحة الإيرانية –الأمريكية عامي 1985

لأن قبول الأسلحة من الولايات المتحدة آان يتناقض بشكل واضح مع العداوة

الظاهرة والمتكررة – المنتشرة على جميع مستويات الحرس – ضد الولايات

المتحدة الأمريكية. ومن الصعب التمييز بين الانقسامات الإقليمية وبين

الانقسامات الشخصية التي يثيرها آبار الملالي، الذين يتمتع الكثير منهم بنفوذ

خاص في محافظاتهم. أما إذا تبين أن وحدات معينة في الحرس تُعبر عن

ولائها للقادة المحليين على حساب قيادة الحرس المرآزية، فإن ذلك سيعتبر

دليلاً على الوجود المستمر للتحزب الإقليمي. وهذا النوع من التحزب شكل

الشكوى البارزة لقادة الحرس الأوائل؛ لأنهم آانوا يحاولون فرض بنية تنظيمية

.( على الحرس الذي آان يعاني من انتشار الفوضى في صفوفه آنذاك( 66

إن التحزبية –رغم آونها أحد العوامل المهمة– لا تنفي وجود مقاييس

محتملة أخرى للتماسك المؤسساتي. وفي منظمة آالحرس الثوري، فإن

الانضباط والاحتراف يعتبران عاملين حاسمين في تحديد قدرة الحرس على

العمل آمجموعة متكاملة. ومع ذلك فهناك مشكلة تحليلية تتمثل في صعوبة

فصل "عدم الانضباط" عن عامل "التحزب". والوسيلة الوحيدة الموثوق بها

نسبيًا لإجراء مثل هذا التمييز تكمن في فحص البيانات الصحفية، التي أدلى بها

قادة الحرس والزعماء السياسيون الكبار. ولقد عبَّر هؤلاء مرارًا عن الحاجة

لتحسين مستوى انضباط الحرس( 67 ). وبحكم أن البيانات العسكرية الصادرة من

طهران قد أشارت إلى الانقسام والتحزب ما هما إلا "مجرد خلاف"( 67 )، فإن

علينا أن نقبل الدلائل العامة على عدم انضباط الحرس آما هي، وأن نستدل –

بدرجة معقولة من اليقين – على أن هذه التصريحات لا تشير بالفعل إلى وجود

تحزب داخل الحرس. ومسألة الانضباط والاحتراف داخل الحرس الثوري، لا

يمكن فصلها في نهاية الأمر عن المفهوم العام لحماسته ومعنوياته والتزامه

الديني والثوري، إضافة إلى دور الحرس في تطبيق مفاهيم الثورة الإسلامية

آما حددها الخميني. وتلك مسألة لا غنى عنها في أية مقارنة تُجرى بين

الحرس والجيوش الثورية الأخرى.

إن آثيرًا من المؤلفات التي تعالج العلاقات المدنية – العسكرية تفيد بوجود

دافع للاختيار ما بين الاحتراف أو المشارآة السياسية( 69 ). لكن جانويتس يطرح

احتمال أن يكون الجيش الأآثر احترافًا يتمتع بقدر أضخم مما قوة يعوزها

-16-

الانضباط، الأمر الذي يعطي الضباط المحترفين الثقة والإمكانات للتدخل في

السياسة بنجاح( 70 ). غير أن هناك دلائل أآثر القائلين بأن القوات المسلحة

المحترفة هي –بشكل عام– قوات محافظة تدين بالولاء للوطن بالدرجة

الأولى، مع استعدادها للتدخل في السياسة عندما يطلب منه الزعماء المدنيون

فقط القيام بذلك. ويذآر العديد من المراقبين أن هذه المقولات تنطبق حتى على

القوات المسلحة الثورية للأنظمة الشيوعية، وبالأخص جيش التحرير الشعبي

الصيني الذي لم يتشكل من عداد بنية الجيش السابق للثورة، مثله في ذلك مثل

الحرس الثوري( 71 ). وتعتبر هذه القوات المحترفة أيضًا غير متحمسة للعمل في

.( مهام الأمن الداخلي، والتي من المرجح أن تجعلها موضع استياء شعبي( 72

ومن الواضح أن الحرس الثوري لم يُظهر أي تقيد أو التزام بالروح

الاحترافية. ولقد اختار الحرس بالفعل المحافظة على دوره السياسي على

حساب الكفاءة والمقدرة العسكرية التي تصاحب الاحتراف، بالرغم من إقدام

الحرس مؤخرًا على اتباع التسلسل القيادي والتعبير عن رغبته في شراء

الأسلحة المتطورة. ولم يكتف الحرس بالتدخل في السياسة بإرادته، بل إنه فعل

ذلك حتى عندما عارض الزعماء المدنيون – ومنهم الخميني أحيانًا – مثل هذا

التدخل( 73 ). ولم يصبح الحرس حتى الآن قوة محافظة؛ لأنه مازال يتبع الخط

المتطرف داخل النظام الإسلامي. ويعتبر نفسه حارسًا للثورة الإسلامية بشكل

أساسي، تلك الثورة التي حث الخميني على وجوب نشرها وراء حدود الوطن

الإيراني. وأخيرًا، رحب الحرس –بدون إبداء معارضة– بدوره في الأمن

الداخلي؛ لأن ذلك يضفي الشرعية على مهمته المتمثلة بالحفاظ على مجتمع

.( إسلامي نقي ومقارعة خصوم النظام في الداخل( 74

وحتى في المجال العسكري البحت، قدم الحرس النقاء الثوري على الكفاءة

التكتيكية العسكرية والتفكير المنطقي. فالتكتيك الذي اتبعه آل من الحرس

والباسيج في الحرب العراقية – الإيرانية، مثل هجمات "الموجات البشرية"،

آان غير فعال عسكريًا بالشكل الذي تم تنفيذه، لكنه وفى بالتزام القوات

الإسلامية بالشهادة في خدمة الإسلام( 75 ). آما أن العناد الذي أبداه الحرس في

الحرب – حتى بعد أن أصبح واضحًا استحالة آسبها– يرجع إلى التزامه بتلبية

نداء الخميني لهزيمة العراق، وهو ما يتناقض بشكل واضح مع الاستراتيجية

السائدة القوات المسلحة النظامية.

تُظهر تجربة الحرس في الحرب أنه لا داعي لإجراء مفاضلة مباشرة بين

-17-

الحماس الثوري والفعالية العسكرية، فالحجة القائلة بأن الحماس الثوري يزيد

من الفعالية لا تنطبق بالضرورة على الحرس( 76 ). وبرغم التزامه الواضح

بالبقاء حارسًا للنقاء الثوري، فإن الحرس طول بالفعل عناصر الوحدة

والتماسك والترآيب والبنية بشكل آافٍ، لخوض حرب طويلة على أوسع نطاق

ضد خصم (أي العراق) امتلك تفوقًا آبيرًا في الأسلحة المتطورة والتدريب.

وإضافة إلى ذلك، لم تنشأ حاجة إلى استبدال الحرس أو دمجه في جيش

محترف موحد يكون بوسعه خوض الحرب الثورية( 77 ). ولقد جعل الحرس

بنيته متماسكة بشكل آاف لتحمل أوزار القتال في الحرب الثورية الشاملة

والطويلة ضد العراق، وضحى بالاحتراف والكفاءة مقابل الحفاظ على دوره

آوصي أمين على أيدلوجيا الثورة الإسلامية. وبسبب قيامه بذلك –وهو الأمر

الذي حد من تعاونه مع الجيش النظامي– يتحمل الحرس في نهاية الأمر آثيرًا

مع المسئولية عن الهزائم الكبيرة عام 1988 ، التي آلفت إيران خسارة الحرب.

-

-1-

-

-2-

الفصل الثاني

خلفيات الحياة السياسية في إيران

إن جزءًا من مهمة إثبات صلابة الحرس الفريدة – آمؤسسة وآقوة مسلحة

ثورية – يتضمن مقارنة ترآيب الحرس ونموه المبكر مع المؤسسات الأخرى

التي أفرزتها الثورة، فضلاً عن منافسه المؤسساتي الأساسي، أي الجيش

النظامي. ومن الواجب الترآيز بشكل خاص على إجراء مقارنة بين تاريخ

الجيش النظامي وتاريخ الحرس الثوري. فبالنسبة للجيش النظامي، يجب تحليل

جذوره التاريخية وأسباب ضعفه، مع تفسير انهياره السريع في وجه الثورة،

بالرغم من تدريبه وتنظيمه وانضباطه وتسليحه. وستجرى مقارنة هذه

العناصر مع مثيلتها في الحرس الثوري، وتحليل بروزه السريع آتجمع قوي له

مصالحه في النظام وترآيبته الاجتماعية ومصادره الأيدلوجية، إضافة إلى

ارتباطاته مع التجمعات والمنظمات الثورية الأخرى. وتساعد مقارنة القوتين

المسلحتين – الثورية وما قبل الثورية – في إبراز المزايا الفريدة للحرس

الثوري آقوة مسلحة.

آما تُظهر مقارنة الحرس مع المؤسسات الثورية الأخرى في إيران، أن

الحرس آان الحصن الأساسي والرافع للواء النقاء الثوري أآثر من أية مؤسسة

أخرى. ويمكن استنباط هذه النتيجة من خلال مقارنة دور الحرس – في تعزيز

الثورة والدفاع عنها – بالدور الذي قامت به المؤسسات الأخرى. فقد فشلت

مؤسسات أخرى وأصبحت عديمة القوة أو غير ذات بال، أو أصبحت خاضعة

للحرس الثوري نفسه أحيانًا. وزيادة على ذلك، فإن وضع الحرس ضمن إطار

مؤسساتي أوسع نطاقًا سيسهل فهم موقعه في البنية السياسية الإجمالية

للجمهورية الإسلامية، إضافة إلى اندماجه في أسلوب حكم رجال الدين في

إيران.

القوات المسلحة النظامية

آانت القوات المسلحة النظامية في إيران، والتي يمكن إرجاع جذورها ولو

بشكل ضعيف، إلى قورش الأآبر في القرن السادس قبل الميلاد( 1)، نموذجًا

للمنظمة التي لم يكن لها آيان مؤسساتي بالمعنى الصحيح وذلك حتى عشية قيام

الثورة الإسلامية. وعيبها الأساسي أنها آانت –خلال عهد الشاه– آيانًا تابعًا

وليس مستقلاً ذاتيًا. ولقد شدد دونالد فوت على هذه النقطة عندما بين أن الجيش

-

-3-

الإيراني آان مجرد مطية لإبقاء الشاه في السلطة، وأن "جوهر ولائه آان

يرآز على الشخص وليس على المؤسسة، الأمر الذي جعل الولاء الشخصي –

بحكم الدستور– يتسبب في تأخير نمو الولاء المؤسساتي والأنماط النابعة منه.

.( وبمعنى أوضح فإن الجيش آان جيش الشاه وليس جيش الوطن"( 2

أشار "فرحاد آاظمي" قبيل قيام الثورة الإسلامية وانهيار الجيش في وجه

التمرد الشعبي الكاسح، إلى أن سيطرة الشاه التامة على الجيش، ومحاولاته

تعزيز الولاء العسكري له عن طريق المكافآت المادية، وسياسته بتوزيع المهام

الأمنية بين عدد من الهيئات المتنافسة، آل ذلك لم يؤد إلى تأمين الالتزام

بحماية نظام الشاه في صفوف الرتب الدنيا( 3). بينما يرى "نادر انتصاري" أن

الجيش الإيراني اعتبر أداة غير شرعية للمصالح الأمريكية في إيران، وأن

تكتيك الشاه بحظر الاتصال الشخصي بين قادة الجيش الكبار، بهدف منع التآمر

لقلب نظام حكمه، قد ساهم –على النقيض– في عجز هؤلاء القادة عن التعاون

.(4) من أجل إنقاذ العرش من الثورة في أوائل عام 1979

وهكذا، فإن فقدان آل من الاستقلال الذاتي والتماسك والتأقلم التنظيمي –

إلى جانب فقد الشرعية– آل هذا آان واضحًا في جيش الشاه، وتفسر عوامل

الضعف هذه لماذا انهار الجيش النظامي، ذلك الانهيار الذي آان يمكن أن

يودي بحياة الكثير من أعضائه، وينهي وجوده آمؤسسة. وآان الجيش النظامي

مؤسسة ضعيفة برغم تقدم عمره الزمني، وهو العامل الذي يوحي عادة بوجود

تنظيم مؤسساتي عريق. ومن الممكن أن تعود نشأة الجيش الإيراني إلى قورش

الأآبر، وإلى فترات حله ثم إعادة تنظيمه على يد الساسانيين والصفويين

(خاصة عباس الكبير) وشاه نادر قولي أفشار (نادر شاه) والقاجار، ثم أخيرًا

.( عائلة البهلوي( 5

ويمكن القول: إن العامل الذي ساهم في نهاية حكم القاجار، في أوائل هذا

القرن، هو الانحلال الكامل لجيش هذه العائلة الضعيف نسبيًا، وتحوله إلى

وحدات قبلية وإقليمية، مما أسفر عن بقاء ثلاث قوى رئيسية منفصلة، تخضع

آل منها لسيطرة إحدى القوى الأوروبية المختلفة( 6). وهذه القوى الثلاث هي

قوات الشرطة التي أُسست عام 1911 والخاضعة للنفوذ السويدي، وآتيبة رماة

جنوس فارس، التي سيطرت على جنوب إيران لحساب بريطانيا منذ عام

1916 ، ولواء القوزاق الفارسي، الذي أنشأته روسيا عام 1879 خلال عهد

-

-4-

ملك القاجار نصر الدين شاه.

بسبب التوترات بين بريطانيا وروسيا في أعقاب الثورة البلشفية عام 1917

سعى البريطانيون لاآتساب نفوذ أعظم في إيران. ثم حلت بريطانيا محل

روسيا آراعية للواء القوزاق، وشجعت سيد ضياء الدين طباطبائي –الموالي

7). غير أن القوة الحقيقية وراء ) لها– على عزل عائلة القاجار عام 1921

الانقلاب، ومن ثم تولى الحكم، آانت متمثلة في أحد الضباط بلواء القوزاق

يُدعى رضا بهلوي، الذي أصبح وزيرًا للحربية أثناء حكم طباطبائي، ثم رئيسًا

للوزراء عام 123 ، وأخيرًا أول ملوك آل بهلوي عام 1925 باسم "رضا شاه".

وبعد بروزه آزعيم لإيران، نجح رضا شاه في ترآيز السلطة السياسية

بيده، وذلك عن طريق حل الوحدات العسكرية المحلية والإقليمية لصالح جيش

قومي جديد، قام باستخدامه لسحق المقاومة المحلية بجميع أشكالها. لقد دمج

جيشه وجعله عصريًا عن طريق توحيد المعدات وتشكيل هيئة أرآان عامة

تصدر أوامر آتابية، وأسس آليات حربية، وأرسل الضباط الشباب الأآفاء إلى

.( فرنسا وألمانيا وروسيا لتلقي التدريب، وجعل الخدمة العسكرية إلزامية( 8

وزيادة على ما تقدم، أنشأ رضا شاه قوة جوية وبحرية في إيران. وأخيرًا فإن

رضا شاه آان قوميًا إيرانيًا، ولم تكن جهوده في مجال تقوية السلطة المرآزية

في إيران وبناء جيش قومي تهدف فقط إلى تعزيز موقعه آملك، بل لجعل

إيران أقل عرضة للاستغلال من قبل القوى الأجنبية. لكنه مع ذلك لم يستطع

أن يقاوم غزو الحلفاء لإيران عام 1941 مما أدى إلى تنازله عن العرش لابنه

.( محمد رضا( 9

إن التطورات الحاصلة بعد الحرب العالمية الثانية جعلت الشاه الجديد يعتمد

على الجيش آثيرًا للحفاظ على سلطته. وبعد وقت قصير من الانسحاب

السوفيتي من مقاطعتي أذربيجان وآردستان الإيرانيتين عام 1946 ، أرسل

الشاه قواته المسلحة لاستعادة هاتين المقاطعتين من نظاميهما الموالين

للسوفييت. وفي أوائل الخمسينيات وجد الشاه نفسه في صراع على السلطة مع

رئيس الوزراء القومي والمتمتع بالتأييد الشعبي، الدآتور محمد صادق، ولم

ينقذ عرش الشاه سوى انقلاب الضباط الموالين له على مصدق بدعم أمريكي.

وآان الشاه قد فر إلى خارج إيران في آب / أغسطس 1953 لفترة وجيزة،

عندما فشلت محاولته الأولى لعزل مصدق( 10 ). وآان على الشاه – بعد عدوته

-

-5-

للسلطة في عام 1954 – أن يجتث تغلغل حزب توده الشيوعي الموالي

لموسكو داخل الجيش، بعد أن آان هذا الحزب قد أفلح في اآتساب مؤيدين من

.( صفوف الضباط الشباب ذوي الرتب الدنيا والمنتمين إلى الطبقة الوسطى( 11

[وفي عام 1963 واجه الشاه أعمال شغب جماهيرية قادها تحالف يضم

القوميين الإيرانيين ورجال الدين، احتجاجًا على برنامج الشاه للإصلاح

الزراعي، ومنحه استثناء لأفراد القوات الأمريكية في إيران من الخضوع

للقانون الإيراني. ولقد شهدت الانتفاضة، التي قضى عليها الجيش، بروز نجم

آية الله روح الله الخميني، الذي آان أستاذًا في أحد أهم المعاهد الدينية

الإسلامية في مدينة قم، قبيل نفيه إلى العراق( 12 ). وهناك احتمال بانضمام

بعض المجموعات الموالية لمصدق إلى التحالف الإسلامي الثوري، بعد

انتفاضة 1963 التي مثلت بداية الثورة الإسلامية، وأدت إلى إسقاط الشاه بعد

15 سنة من ذلك الحينٍ].

وجريًا على عادته في الاعتماد على القوات المسلحة للمحافظة على حكمه،

فإن الشاه آان يوسع حجمها ومصادرها المادية باستمرار. وقد توافقت سياسة

الشاه في تعزيز القوات المسلحة مع جهود الولايات المتحدة لدعم الشارع آراع

للمصالح الأمريكية في الخليج العربي. فمثلاً، ازداد حجم القوات المسلحة بنسبة

1976 (من 191 ألف إلى 300 ألف – %11 سنويًا خلال الفترة 1972

جندي) ( 13 ). وزيادة على ذلك ارتفعت نسبة الإنفاق العسكري في الميزانية

14 ). ومن ) العامة من حوالي 26 % عام 1964 إلى ما يفوق 30 % عام 1972

الناحية النوعية، فإن الولايات المتحدة سمحت للشاه وشجعته خلال السبعينيات

على شراء عدد من أآثر المعدات العسكرية الأمريكية تطورًا، منها طائرات

إف – 4 وإف 14 ونظام استطلاع متطور ومدمرات من طراز سبروانس،

فضلاً عن الدبابات والمروحيات المتطورة( 15 ). ولقد جرى تمويل أغلب هذه

المعدات من خلال منح أمريكية. وأنشأ الشاه أيضًا صناعة سلاح محلية

.( بمساعدة شرآات أوربية( 16

أدى اعتماد الشاه على الجيش لإنقاذ عرشه –في آل أزمة واجهها– إلى

جعله أآثر إدراآًا بأنه عرضة للمؤامرات العسكرية المحتملة. ومع ذلك فإن

الخطوات ذاتها التي اتخذها الشاه لحماية نفسه من تآمر الجيش، لم تضمن له

أن يصمد أمام التحدي الأخطر المتمثل بالثورة الإسلامية. فهذه الرابطة الوثيقة

-

-6-

التي أقامها الشاه بين أسرته المالكة والجيش جعلت الغضب الثوري موجهًا ضد

الجيش (وجهاز السافاك) بالقدر نفسه الموجه ضد الشاه وسياساته، مما أطاح

بالحكومة العسكرية التي شكلها أواخر عام 1978 لانتزاع السيطرة على

الشارع من الثوريين.

وبرغم أن تحكم الشاه في اتصالات ونشاطات آبار الضباط قد نجح في منع

تآمرهم عليه، إلا أنه منع التعاون بينهم وتوحيد جهودهم لإنقاذ عرش الشاه بعد

17 ). وبسبب خوفه من ) مغادرته إيران في آانون الثاني / يناير عام 1979

التآمر العسكري، فإن الشاه آان يكافئ الضباط على ولائهم له فقط، وليس على

أساس استقلاليتهم أو آفاءاتهم أو مبادراتهم الفردية( 18 ). وقدم الشاه آبار

الضباط الطموحين للمحاآمة بتهم الفساد المزعوم. ففي عام 1976 مثلاً، أُدين

.( العميد بحري رمزي عباس عطائي و 10 ضباط آخرين بتهمة الاختلاس( 19

وفوض الشاه عدة أجهزة للقيام بمسئوليات متداخلة مع بعضها البعض. آما

عين أقرباءه في المناصب السياسية، مثل قائد السلاح الجوي، الجنرال محمد

خاتمي، شقيق زوجة الشاه، وذلك حتى وفاته في حادث عام 1975 ، والأمير

شفيق الذي آان ضابطًا رفيعًا في البحرية( 20 ). ولهذا فإن سلك الضباط الذي

ترآه الشاه عند مغاردته إيران آان مؤلفًا من قادة ضعاف بشكل عام، لم

يستطيعوا التعامل بشكل حازم مع الانتفاضة العارمة التي واجهت حكومة

رئيس الوزراء، شهبور بختيار، الذي عينه الشاه عندما اضطر لمغادرة

.( إيران( 21

وبالنسبة للجنود العاديين، فإنهم بلا شك تأثروا بفقدان التنسيق والثقة بين

آبار الضباط، مما شل قدرة أغلب الوحدات العسكرية في مواجهتها مع القوات

الثورية. آما أن مغادرة الشاه – التي تزامنت مع القوة المتنامية للتحالف

الثوري أواخر عام 1978 وأوائل 1979 – أعطت أآثر أتباع الشاه ولاءًَ في

الجيش انطباعًا بقرب تحقق انتصار الثورة. وفي ذلك الوقت لم يكن القرار

المنطقي لأي ضابط أو جندي هو الانسحاب من الصراع فحسب، بل أيضًا

التعهد بالولاء للثورة من أجل تجنب العقاب الشديد الموعود بعد نجاحها. ولقد

واجهت القوات العسكرية النظامية في أغلب الثورات الكبرى ورطة مماثلة لما

حصل في إيران، مما يدفع إلى ترسيخ الاعتقاد بأن الجيوش لديها مبررات

.( مهنية وأخلاقية تمنعها من الدخول في معرآة مع المواطنين المدنيين( 22

-

-7-

ولذلك فإن قوة الشاه اعتمدت على إنشائه جيشًا تابعًا له، وليس لديه أي استقلال

ذاتي. غير أن قوة الشاه السياسية آانت نقطة الضعف الكبرى الجيش، ولذا

فإنه عندما برزت الحاجة الماسة إلى الجيش للتعويض عن تضاؤل سلطة

الشاه، لم يستطع الجيش إنقاذ العرس بسبب المعوقات التنظيمية التي شلت

قدرته على التحرك بفعالية.

آيف استطاع الجيش النظامي البقاء؟ ولماذا؟

إذا ما علمنا أن آثيرًا من الضباط والجنود اختاروا التعاون مع القوى

الثورية – في الوقت الذي وصلت فيه الثورة إلى ذروتها – لسهل علينا حينئذٍ

أن نفهم سبب بقاء الجيش النظامي آمؤسسة. فالذين قاتلوا الثورة حتى النهاية

تعرضوا إما للهزيمة على يد رجال الثورة المسلحين، أو للسجن أو للإعدام بعد

انتصار الثورة( 23 ). أما الذين تعاونوا بالفعل مع الثورة أو رفضوا قمعها، فقد

آسبوا ثقة الحكومة الجديدة بشكل آبير. وقد يكون السبب أن قيادة الثورة

أدرآت تمامًا أن أي مؤامرة سيقوم بها هؤلاء لإسقاط الحكومة الجديدة بعد

نجاح الثورة ستبوء بالفشل الذريع. وهناك مدعاة للاعتقاد بأن القسم الأآبر من

جيش الشاه آان يتظاهر فقط بتأييد الثورة، مع وجود نية للإطاحة بها في وقت

من الأوقات. ومن ثم فإن عزل تلك العناصر المتبقية في جيش الشاه أو جهاز

السافاك، والتي يمكن أن تفكر بالتآمر ضد النظام الجديد –بعد استيلاء الثورة

على السلطة في شباط / فبراير 1979 – أصبحت مسألة ملحة، برغم المخاطر

المترتبة على ذلك. ولم يكن من الضروري عزل آل جندي يُشتبه في استمرار

ولائه للشاه. وآان بوسع النظام الجديد أيضًا أن يستخدم آليات أخرى معروفة

جيدًا لتأمين سيطرته على الجيش النظامي، وبخاصة المراقبة الشديدة، وتعيين

الموالين للثورة للإشراف على الهيكلية العسكرية( 24 ). وبرغم اعتقاد جريجوري

روز بأن عمليات التطهير – التي حصلت في الجيش النظامي بعد الثورة – لم

تكن شاملة آما آان يُعتقد، إلا أنه لا يوجد شك بأن بعض عمليات التطهير قد

.( حصلت بالفعل( 25

وإضافة إلى ما تقدم، فمن الواجب التذآير بأن النظام الجديد آان يحتاج إلى

وسائل منظمة رسمية للدفاع القومي. لكن الحرس الثوري آان آنذاك في حالة

شديدة من الفوضى، آما أن اللجان الثورية التي ساعدت في إسقاط الشاه، ثم

تولت ملء بعض الفراغ الناشئ في السلطة بعد انهيار نظامه، آانت مغرقة في

-

-8-

محليتها وغير منضبطة، وتفتقر إلى القدرة على العمل المنسق على المستوى

.( القومي( 26

ولو لم يكن الخطر الخارجي يحدق بسلطة النظام الجديد، لكان بالإمكان حل

الجيش النظامي آمؤسسة، خاصة مع انعدام الثقة فيه من جانب المتشددين

الأيدلوجيين في النظام الإسلامي. ولكن برزت أخطار تمثلت في تمرد عدة

مجموعات عرقية تتطلع للحصول على مزيد من الحكم الذاتي. وهذه

الانتفاضات التي قام بها الأآراد القاطنون في شمال غرب إيران، والعرب في

مقاطعة خوزستان، والترآمان في الشمال الشرقي، آانت تهدف إلى استغلال

انهيار السلطة المرآزية الذي حدث بسبب سقوط الشاه. فقد بدأت الانتفاضات

بعد أقل من شهر على انتصار الثورة الإيرانية( 27 ). ولم تهدد حالات التمرد

المذآورة بخلق الانطباع بأن الحكومة الجديدة ضعيفة فحسب، بل آان من

المحتمل أن تحرم إيران من الوصول إلى خطوط المواصلات والمصادر

الطبيعية الحيوية وخصوصًا حقول خوزستان النفطية.

فضلاً عن أن عنصر الاضطرابات العرقية المحلية أبرز حاجة الحكومة

الجديدة للإبقاء على الجيش النظامي آمؤسسة عاملة ضمن الثورة، فهو أيضًا

قد وفر فرصة فريدة لقادة الجيش النظامي لكي يبرهنوا على ولائهم للثورة.

وهناك ثلاثة ضباط على الأخص تسلموا فيما بعد مناصب قيادية في الجيش

النظامي، ولعبوا أدوارًا فائقة الأهمية في إدارة الحرب ضد العراق، وذلك بعد

أن أظهروا أولاً ولائهم للنظام الإسلامي بقمع التمرد الكردي، الذي آان أخطر

الانتفاضات العرقية. وآان أبرز هؤلاء الضباط سيد علي شيرازي الذي آان

ضابط مدفعية أثناء حكم الشاه، ثم أصبح عميدًا وتسلم قيادة القوات البرية

النظامية عام 1981 ، ثم تبوأ منصب ممثل آية الله الخميني في مجلس الدفاع

الأعلى عام 1986 . ودوره في قتال الأآراد ومساهمته في بناء الحرس الثوري

قد أآسباه مساندة آبار رجال الدين، ومنهم الخميني، وذلك خلال أغلب فترة

الحرب مع العراق( 28 ). وآان اللواء قاسم علي ظهار نجاد، وهو أرفع الضباط

الإيرانيين رتبة، مشارآًا أيضًا في إخضاع الأآراد، ثم في تنظيم الدفاع

الإيراني ضد الغزو العرافي بحكم آونه قائدًا للقوات البرية. ولقد رًُقي الجنرال

نجاد ليكون رئيسًا لأرآان القيادة المشترآة للجيش النظامي عام 1981 ، ثم

أصبح عام 1984 ممثلاً للخميني في مجلس الدفاع الأعلى. وبرغم تمتع ظاهر

-

-9-

نجاد بثقة الخميني، إلا أنه عُزل من هيكل القيادة عام 1984 بسبب عدم تحمسه

لإدارة الحرب ضد العراق بجرأة أآبر( 29 ). وأخيرًا، برهن العميد إسماعيل

سهرابي أيضًا على آفاءته في آردستان، ورقي سريعًا إثر ذلك. ففي الفترة

1984 قاد فرقة المدرعات الأولى، ثم حل مكان اللواء ظاهر نجاد – 1981

في رئاسة الأرآان المشترآة عام 1984 ، واستمر في منصبه حتى تحول إلى

30 )، بعد أن استولت عليها من ) آبش فداء لفقدان إيران جزيرة الفاو عام 1988

العراق في شباط / فبراير 1986 . ويذآر أن سهرابي قد تخرج من أآاديمية

. الضباط بطهران عام 1964

ومن الشخصيات الأخرى البارزة في سنوات الثورة الأولى مصطفى

شمران، الذي آان أول وزير للدفاع في الجمهورية الإسلامية وقتل في جبهة

الحرب عام 1981 . ولم يكن شمران ضابطًا عسكريًا متمرسًا، بل على الأصح

زعيمًا من زعماء المليشيا الذين تدربوا في لبنان، وهو ما يعني أنه آان أقرب

إلى قادة الحرس الثوري منه إلى ضباط الجيش النظامي. وقام شمران – أثناء

توليه وزارة الدفاع – بدور رئيسي في المساعدة على توطيد سيطرة رجال

الدين على الجيش النظامي، وبالأخص في مجال الإشراف على تطهير الجيش

من العناصر الموالية للشاه. ووصل شمران إلى حد الاعتراف بأن عملية

التطهير آان من الممكن أن تكون أآثر شمولاً، لو لم يواجه النظام الجديد

التمرد الكردي( 31 ). ولم تقتصر مسئوليات شمران على القوات النظامية، بل إنه

قاد مليشيا خاصة من الحرس الثوري تابعة له، تولت السيطرة على مطار

.(32) طهران حتى عام 1981

القوات النظامية والسياسة الثورية

إننا لا نستطيع تجاهل الدور الذي لعبه السياسة الثورية في قرار الخميني

الاحتفاظ بالجيش النظامي ضمن إطار الجمهورية الإسلامية. وهذا القرار –

الذي آان يمكن التراجع عنه في أي وقت يريده الخميني – اتُخذ في نيسان /

أبريل 1979 ، قبيل سنة ونصف من نشوب الحرب العراقية – الإيرانية، أي

أن الإبقاء على الجيش لا يمكن عزوه إلى الغزو العراقي( 33 ). ولشرح هذا

القرار يجب أن نلاحظ أن القوى الثورية التي أسقطت الشاه مثلت ائتلافًا واسعًا

لمجموعات يتوجس بعضها من بعض. والصراع الداخلي المتقطع الذي شهدته

الجمهورية الإسلامية – في سنواتها الأولى – مثّل بالفعل عملية استنزف في

-

-10-

تمكن فيها أقوى تجمع ثوري -أي الخميني وأتباعه من رجال الدين وحلفائهم-

من السيطرة على الوضع.

لقد سقط القوميون الليبراليون، الذين مثلهم في الحكم مهدي بازرآان، أول

رئيس للوزراء في الجمهورية الإسلامية، عندما آشفت عملية الاستيلاء على

السفارة الأمريكية بطهران في تشرين الثاني / نوفمبر 1979 عن عجزهم،

وأدت إلى استقالة بازرآان وحكومته( 34 ). ومثّل أبو الحسن بني صدر، الذي

انتُخب آأول رئيس للجمهورية الإسلامية أوائل عام 1980 ، الجناح

التكنوقراطي المعتدل نسبيًا في النظام من خارج فئة رجال الدين. ولقد دخل

بني صدر ومؤيدوه في نزاع مع رجال الدين، آما حدث لبازرآان قبله، مما

35 ). ولاقت منظمة مجاهدين خلق ) أدى إلى عزله في نهاية الأمر عام 1981

هزيمة مماثلة في تمردها المسلح أواخر عام 1981 . ومثلت هذه المنظمة –

التي سنتحدث عنها لاحقًا في هذا الفصل بتفصيل أآبر – الجناح المارآسي

الإسلامي من خارج إطار رجال الدين في النظام، وقامت بعصيان مسلح فاشل

ضد ما اعتبرته احتكارًا متزايدًا للثورة من قبل رجال الدين( 36 ). والمجموعة

الرئيسية الأخرى التي سحقتها الثورة بعد أن منحتها تأييدها آانت حزب توده

الشيوعي الموالي لموسكو، ولم يثق الخميني وأنصاره بهذا الحزب، وأقدم

الحرس الثوري على تصفيته عام 1983 ، أي بعد مرور عام على تقليص

إيران من حدة الخطر الخارجي الذي واجهته بإخراجها القوات العراقية من

.( أراضيها( 37

والقاسم المشترك بين هذه الصراعات المبكرة على السلطة هو درجة

المواجهة التي خلقتها بين رجال الدين المسيطرين على الحلقة الضيقة المحيطة

بالخميني، وبين العناصر الأخرى من غير رجال الدين الذين شكلوا أغلبية

أنصار بازرآان وبني صدر ومنظمة مجاهدين خلق وحزب توده. ومن

المفارقات أن رجال الدين –الذين اعتمدوا بشكل آبير على الحرس الثوري

للتخلص من تحديات القوى المعارضة المذآورة– لم يكونوا مسيطرين على

الحرس، بل إن أآثر أفراد الحرس آانت لهم علاقات قديمة مع عدد من

جماعات المعارضة، وبالأخص منظمة مجاهدين خلق. فمثلاً، آان عباس

زماني، أول قائد رسمي للحرس، من أنصار بني صدر، خصم رجال الدين

اللدود( 38 ). وهكذا فمن الممكن القول بوجود الشكوك المتبادلة بين آل من رجال

-

-11-

الدين المحيطين بالخميني وبين أنصارهم في الحرس من غير فئة رجال الدين،

برغم دور الحرس في مساعدة رجال الدين في تعزيز الثورة. وستُقدم براهين

أخرى على هذه الشكوك خلال مناقشة تشكيل الحرس الثوري وأسلافه.

وبسبب هذه التوترات بين رجال الدين الحاآمين ورجال الحرس، فإن

السياسة الثورية قضت بأن يتم الاحتفاظ بالجيش النظامي آقوة موازنة

للمسلحين الثوريين من غير رجال الدين، الذين آان وجودهم طاغيًا في

الحرس. وهذا القول لا يتناقض مع ما يعتقده آثير من المراقبين – وهو ما

يتسم بالصحة أيضًا – بأن تشكيل الحرس جاء ليكون موازنًا للجيش النظامي

المشكوك في ولائه السياسي( 39 ). وبطريقة أآثر تحديدًا فإنه جرى الاحتفاظ بكلا

القوتين وجرى تعزيزهما، لتكون آل منهما قوة رادعة لأية محاولة للاستيلاء

على السلطة من قبل القوى الأخرى. وبالفعل فإن هذا التوازن بين الجهازين

آان السمة المميزة لحكم الخميني الذي امتد عشر سنوات( 40 ). وزيادة على ذلك

فإن الحاجة السياسية لوضع الحرس بجانب الجيش تساعد على عهد سبب

الإبقاء عليهما منفصلين. وهذا الانفصال بين الحرس الثوري والجيش النظامي

سيساعد بدوره – آما سنرى في الفصول التالية – في إيضاح قادة الحرس

على مقاومة الوهن الأيدلوجي، برغم حاجته لاتباع بنية تنظيمية رشيدة ومعقدة.

النواة التاريخية للحرس الثوري

بحكم أن دور الجيش النظامي في فترة ما بعد الثورة آان مرتبطًا – إلى حد

ما – بتشكيل الحرس الثوري ونموه، فثمة حاجة لإجراء تحليل مفصل لجذور

الحرس وتشكيله منذ نشأته الأولى. ولا بد من إجراء تقييم لأسلاف الحرس،

بغية تفسير استمرار زخم حماسة الأيدلوجي، بالرغم من تحديات القوى

الاجتماعية والسياسية التي أطفأت شعلة الحماس الجيوش الثورية المماثلة.

ومثل الحرس خلال فترة الثورة خليطًا من عناصر سياسية واجتماعية

متنوعة. وآان فدائيو المدن المنتمون إلى الشريحة الدنيا للطبقة الوسطى –

والذين ظلموا يقالون الشاه لسنوات عديدة – هم أول عنصر محرك لتشكيل

الحرس، وما زالوا مهيمنين عليه( 41 ). أما العنصر الثاني فكان مؤلفًا من شباب

متطرف أآثر انتهازية، ذي خليفيات مدينية وريفية، ويلتف حول رجال الدين

المحليين وجماهيرهم في المساجد التي انضمت إلى الثورة في مراحلها

الأخيرة( 42 ). وآان ائتلاف هذين العنصرين الرئيسيين – من أجل تشكيل

-

-12-

الحرس – مطابقًا تمامًا للإطار الذي حددته تشورلي في دراستها عن تشكيل

الجيش الثوري( 43 ). وبسبب الدور الأساسي الذي لعبه العنصر الأول في إقامة

الحرس، فمن الضروري إجراء تحليل أآثر تفصيلاً لأصول المجموعات التي

شكلت مقاتلي المدن منذ وقت طويل وآانت بمثابة نواة الحرس.

من المستحيل أن نحدد بدقة أصول ما عُرف بعد ذلك باسم الحرس الثوري.

.( فقد بدأ بعض مؤسسي الحرس أنشطتهم ضد الشاه في فترة حكم مصدق( 44

لكن أآثر العوامل أهمية بالنسبة للحرس الثوري هو بداية الكفاح المسلح

المنظم، وليس مجرد المعارضة السياسية بالطرق السلمية. وآان "حزب الأمم

الإسلامية" أول مجموعة فدائية مسلحة تظهر على الساحة في أعقاب انتفاضة

عام 1963 م ضد الشاه( 45 ). وقد لعب أربعة قياديين بارزين من هذا الحزب فيما

بعد أدوارًا رئيسية في الحرس الثوري أثناء فترة تأسيسه، لكنهم خسروا نفوذهم

تدريجيًا لصالح قادة حرس أآثر راديكالية وشبابًا.

وآان جواد منصوري، وهو أول قائد غير رسمي للحرس، وعباس زماني

الملقب بأبو شريف، وهو أول قائد رسمي للعمليات، آانا عضوين في حزب

الأمم الإسلامية( 46 ). فبعد إطلاق سراح عباس زماني من السجن عام 1967 م

– وآان قد اعتُقل بسبب نشاطه الحزبي المعادي للشاه – قام بتشكيل حزب الله

بالتعاون مع عباس دزدزاني، زميله في حزب الأمم الإسلامية. وتذآر نشرة

"إيران برس دايجست" أن دزدزاني انضم فيما بعد إلى منظمة مجاهدي خلق،

وهي من الأسلاف الآخرين للحرس الثوري التي سنتناولها لاحقًا( 47 ). وطبقًا

لسيرته الشخصية، فإن دزدزاني آان قائدًا للحرس الثوري لفترة وجيزة أوائل

عام 1980 م، بينما آان زماني قائدًا للعمليات( 48 ). ومن المعلوم أن بني صدر

طلب من مؤسس حزب الأمم الإسلامية، آاظم بوجنوردي، تسلم قيادة الحرس

بعد عزل عباس زماني عام 1980 م( 49 ). لكن بوجنوردي، الذي تحالف مع

الحزب الجمهوري الإسلامي بعد الثورة، رفض قرار تعيينه بسبب الصراعات

بين الأجنحة المختلفة للسيطرة على الحرس، الأمر الذي جعله يشعر بأنه لا

يمكن الإمساك بزمام الحرس( 50 ). وبرغم أن هؤلاء المناضلين الأربعة الأوائل

قد تسلموا مناصب أخرى في الجمهورية الإسلامية، إلا أنهم فقدوا فعليًا

أدوارهم في الحرس منتصف الثمانينات، ربما لأنهم لم يشكلوا جماعة متماسكة

فيما بينهم. وأقدم هؤلاء الأربعة على الانضمام إلى مجموعات أخرى، أو

-

-13-

شكلوا جماعات منشقة، أو ربطوا أنفسهم بأحد السياسيين الفاشلين، آما حصل

مع عباس زماني.

ومن المفارقات أن منظمة مجاهدين خلق التي آانت من أهم أسلاف

الحرس الثوري، أصبحت من أشد أعدائه بعد الثورة. وهذا الارتباط غير

المعروف – بين منظمة مجاهدي خلق والحرس الثوري – قد ظهر بعد دراسة

متأنية للسّير الذاتية لاثنين من الرجال، قُدِّر لهما أن يلعبا أدوارًا حاسمة في

تشكيل الحرس، وهما بهزاد نبوي، وزير الصناعات الثقيلة خلال أعوام

1981 م – 1989 م، ومحسن رضائي، قائد الحرس الثوري منذ عام 1981 م.

وبعد تفصيل دوره في ثلاث من منظمات الجبهة الوطنية التي لم تستخدم العنف

في معارضتها للشاه، يتحدث بهزاد نبوي في سيرته الذاتية عن قراره بخوض

الكفاح المسلح ضد الشاه( 51 ). وبحسب اعتراف نبوي فقد انضم إلى منظمة

مجاهدي خلق حوالي عام 1970 م –مثلما فعل عباس دزدزاني قبله– لأنه

انجذب لبرنامجها السياسي الإسلامي اليساري المناهض للإمبريالية، فضلاً عن

سير المنظمة في درب الكفاح المسلح( 52 ). ولقد دخل نبوي السجن عام 1972 م

بسبب نشاطاته المعادية للشاه ضمن هذه المنظمة.

ويكشف نبوي عن حدوث نقطة تحول رئيسية في الجناح الراديكالي من

غير فئة رجال الدين في التحالف الثوري الإسلامي. ويشرح آيفية انشقاقه عن

منظمة مجاهدين خلق عام 1975 م، أثناء وجوده في السجن، وذلك عندما

شرعت المنظمة في التشديد على الأيديولوجيا المارآسية بدلاً من العقيدة

الإسلامية( 53 ). ويصف نبوي إثر ذلك آيف اتسع الخلاف بين قيادة منظمة

مجاهدي خلق، وبين أشخاص من أمثال نبوي الذين رفضوا المارآسية ورآزوا

على العقيدة الإسلامية( 54 ). ومن الأهمية بمكان القول إن اثنين من رفاق نبوي

في السجن –ممن انفصلوا عن مجاهدي خلق– آانا عباس دزدزاني، المذآور

آنفًا، ومحمد علي رجائي، رئيس الوزراء عام 1980 م ورئيس الجمهورية

الإسلامية عام 1988 م( 55 ). وهذا الانشقاق –الذي بدأ في سجون الشاه– لم يمنع

حصول تعاون تكتيكي بين منظمة مجاهدي خلق وأعضائها السابقين آما سنبين

لاحقًا. وقد وصف قائد الحرس الثوري، محسن رضائي، هذا الانشقاق ضمن

صفوف المعارضة اليسارية المسلحة التي لا تضم رجال الدين، وقال: إنه

انفصل عن منظمة مجاهدي خلق عندما بدأت بإدخال المارآسية إلى

-

-14-

أيديولوجيتها الإسلامية.

وبعد انشقاقهم عن منظمة مجاهدي خلق، شكل الراديكاليون الإسلاميون

منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، التي تعتبر من أهم أسلاف الحرس. ويؤيد

تقرير خاص حول هذه المنظمة، نشرته "إيران برس دايجست"، ما جاء في

تحليل السير الذاتية للقادة المذآورية، حيث أفاد بأن منظمة مجاهدي الثورة

الإسلامية قد أُسست على يد أعضاء سابقين في منظمة مجاهدي خلق، ممن

يدعمون بشدة الصبغة الإسلامية للثورة( 56 ). وبرغم أن منظمة مجاهدي الثورة

الإسلامية، التي تألفت من سبع مجموعات صغيرة، آانت موجودة بشكل غير

رسمي منذ حوالي 1977 م، إلا أنها أعلنت عن نفسها آمنظمة في شهر نيسان/

أبريل عام 1979 م. أما مقاتلوا منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية –الذين

ناضلوا ضد الشاه لسنوات عديدة، وتدرب معظمهم مع منظمة التحرير

الفلسطينية في لبنان– فإنهم لم يشتبكوا فعليًا مع قوات الشاه قبل الثورة وخلالها

فحسب، بل ساعدوا في السيطرة على الشوارع لحساب الخميني عقب انهيار

.( النظام( 57

ولا شك أن أهمية منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية في مجال تشكيل

الحرس الثوري تعتبر متنوعة وشاملة. وبرغم أن أوبالانس يبالغ عندما يؤآد

أن المنظمة المذآورة قد أصبحت هي بالفعل الحرس الثوري( 58 )، إلا أن نشرة

"إيران برس دايجست" تذآر –بطريقة أآثر دقة– أن منظمة مجاهدي الثورة

الإسلامية آانت مفيدة في تنظيم وحدات الحرس الثوري الإسلامي. آما أن

عددًا آبيرًا من أعضاء الحرس احتفظوا بعضويتهم في منظمة مجاهدي الثورة

الإسلامية أيضًا( 59 )، وشكلت منظمة مجاهدي الثورة النواة الأولى للحرس،

وهي القوة المنظمة للمناضلين المخضرمين الذين التف حولهم بقية أفراد

الحرس. وبدون شك فإن منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية مثلت المجموعة

الأساسية المؤلفة من المقاتلين المخضرمين، التي تعتبرها تشورلي ضرورية

.( لتشكيل جميع القوات المسلحة الثورية( 60

آما ساعد عدد آبير من أعضاء منظمة مجاهدي الثورة في تشكيل اللجان

الثورية المحلية التي شكلت في نهاية الأمر وحدات الحرس الثوري، أو أمدته

بمزيد من المقاتلين. فمثلاً انضم بهزاد نبوي، مؤسس منظمة مجاهدي الثورة،

إلى إحدى اللجان الثورية في طهران، ثم أصبح فيما بعد أحد قادة الحرس في

-

-15-

طهران قبيل انضمامه إلى الحكومة الجديدة( 61 ). وقام عضو آخر في المنظمة،

وهو علي شمخاني، الذي آان نائبًا لقائد الحرس لفترة طويلة ثم أصبح وزيرًا

للحرس قبيل تسلمه قيادة البحرية، بتشكيل لجنة ثورية في مسقط رأسه،

بمقاطعة خوزستان، ثم تسلم فيما بعد قيادة الحرس في تلك المقاطعة، قبيل أن

يصبح نائبًا لمحسن رضائي عندما أصبح الأخير قائدًا عامًا للحرس عام

1981 م( 62 ). وآما ذآرنا سابقًا فإن اللجان الثورية، التي تألف معظمها من

جماهير المصلين في المساجد المحلية، قد وفرت الطبقة الخارجية لنواة منظمة

مجاهدي الثورة في تشكيل الحرس. وبرغم أن وزير الحرس السابق محسن

رفيق دوست، لم يكن عضوًا آاملاً في منظمة مجاهدي الثورة، إلا أنه تعاون

بشكل أآيد ووثيق مع المنظمة المذآورة. فقد خضع دوست لدورة تدريبية مع

منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وآان رفيقًا لبهزاد نبوي في السجن،

وساعد في تنظيم المظاهرات المعادية للشاه قبيل الثورة، إضافة إلى دوره في

.( تنظيم الحرس الثوري( 63

وخلال فترة التأسيس، آان الحرس قوة تفتقر إلى التنظيم، ومزودًا بأسلحة

خفيفة، ويتفشى التحزب بين صفوفه على نطاق واسع. وترآزت مهمة الحرس

آنذاك في توطيد سلطة الخميني على البلاد، واجتثاث عملاء النظام السابق

ومعاقبتهم، بالتعاون مع المحاآم الثورية. وفي هذا السياق فإن الحرس في

بدايته يشبه القوات الثورية في الثورة الفرنسية آما حللها ريتشارد آوب( 64 ). بل

إن قيادة الحرس المبكرة لم تكن واضحة، فقد عُين عباس زماني أول قائد

رسمي للحرس، لكن تعيينه لم يقترن مع إعلان إنشاء الحرس رسميًا في أيار/

مايو عام 1979 م. آما آُلف عدد من المستشارين الدينيين والسياسيين للإشراف

على الحرس لفترات وجيزة في العام الأول، ومن بينهم آية الله لاهوتي

ومصطفى شمران وعلي خامنئي وهاشمي رفسنجاني، لكن لم يحظ أي منهم

بنفوذ حاسم في هيكل الحرس( 65 ). ويرجع هذا أساسًا إلى أنه جرى اعتبارهم

أشخاصًا مفروضين على الحرس من خارجه.

وبالرغم من هذه الفوضى المستشرية في القوة المسلحة الجديدة التابعة

للثورة، فإن الحرس ظل الوسيلة المثلى لتوطيد سلطة الثورة أآثر من مصادر

القوة المسلحة الأخرى. ومع أن بقايا الجيش النظامي لم تكن بالضرورة تمثل

خطرًا آبيرًا على النظام الجديد، إلا أنها لم تُمنح الثقة للعمل بحماس على تثبيت

-

-16-

حكم النظام الجديد. وآانت اللجان الثورية (آوميته) –وهي مثيلة الحرس في

جهاز الأمن الداخلي– ذات تنظيم محلي أقل تماسكًا من هيكل الحرس الأوّلي،

الأمر الذي يجعل ضبطها أمرًا بالغ الصعوبة( 66 ). فأصبح الحرس –فعليًا– هو

القوة الرسمية المسيطرة على هذه اللجان. آما أن الملالي المحيطين بالخميني

أدرآوا أن إضفاء الشرعية على الحرس –الموجود بحكم الواقع– سيكون له

من المنافع السياسية ما يغطي على أضرار منع تشكيله. فذلك المنع آان من

الممكن أن يدفع العناصر المتشددة من غير رجال الدين، الذين أقاموا الحرس

على أآتافهم، للعمل ضد النظام.

الحرس الثوري ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية

والحزب الجمهوري الإسلامي

إن الدور الحاسم الذي لعبته منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية في تأسيس

الحرس يحتم علينا أولاً أن نحلل بدقة أيديولوجيا هذه المنظمة وبرنامجها

السياسي؛ لكي نتمكن من فهم أيديولوجيا الحرس وآرائه السياسية بشكل تام.

ويصف تقرير خاص لنشرة "إيران برس دايجست" بالتفصيل البرنامج

السياسي لمنظمة مجاهدي الثورة آالآتي: "إيمان بتأييد المستضعفين (أي

الطبقات الدنيا)، ولعب الحكومة لدور أآبر في الاقتصاد، وإجراء إصلاحات

لتحقيق مزيد من العدالة الاقتصادية. يضاف إلى ذلك شن حملات الدعاية ضد

الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ومساندة حرآات التحرر وبالأخص

الحرآات الإسلامية منها، مع شن الحملات على الليبراليين والجماعات

المعارضة للجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى حد الاشتباك المسلح، والوقوف

بوجه النفوذ المتزايد لرجال الدين المحافظين ومؤيديهم في أجهزة

.( الحكومة"( 67

ومع أن الرئيس اللاحق أبو الحسن بني صدر خطب في الاجتماع العلني

الأول لمنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، بعد الثورة بوقت قليل، إلا أن القراءة

المتأنية لبرنامج المنظمة( 68 ) –وبالأخص معارضتها للسياسات الليبرالية–

توضح أنها لم تمثل قاعدة تأييد طبيعية لبني صدر. بل إنها ساعدت في التعبئة

ضد بني صدر عندما أضحى نزاعه مع رجال الدين أآثر علنية في عام

1981 م وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى عزله( 69 ). وزيادة على ذلك، فإن

معارضة المنظمة المذآورة لسلطة رجال الدين المحافظين تقدم دليلاً إضافيًا

-

-17-

على وجود توتر بين المناضلين المتشددين من غير رجال الدين، الذين

سيطروا على منظمة مجاهدي الثورة ومن بعدها الحرس الثوري، وبين آثير

من رجال الدين ممن هم دون الخميني منزلة. آما توحي بعض التقارير

الصحفية بأن أغلب أعضاء مجاهدي الثورة الإسلامية أرادوا تقليص نشاط

جميع رجال الدين في الحكومة، سواء أآانوا محافظين أم متشددين( 70 ). ولقد

تفاقم هذا التوتر إلى حد ما عام 1982 م، إثر فشل رجال الدين في تعيين واحد

منهم آمشرف فعلي على الحرس، ومحاولتهم آسب نفوذ أآبر في منظمة

مجاهدي الثورة الإسلامية، عن طريق دفع الخميني إلى تعيين ممثل من رجال

الدين للإشراف على المنظمة المذآورة. واستمرت معارضة تدخل رجال الدين

حتى أقدم الخميني على حل المنظمة رسميًا عام 1986 م، وقام عدد من

أعضائها البارزين بالتنصل رسميًا من عضويتهم فيها( 71 ). وعمومًا فإنه بحلول

عام 1982 م آانت منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية قد أدت الغرض من

إنشائها في إقامة الحرس الثوري، وأتمت زرع أعضائها والمتعاطفين معها في

المناصب الرئيسية، سواء أآان ذلك في الحكومة أم في الحرس.

إن المتشددين من غير رجال الدين – الذين أسسوا الحرس الثوري ومنظمة

مجاهدي الثورة الإسلامية – آانوا موالين مخلصين للخميني، لكونه الشخصية

الكاريزمية التي حققت المستحيل بهزيمة عدوهم الشاه، إضافة إلى اتفاق

أيديولوجيا الخميني السياسية الراديكالية مع أيديولوجيتهم بشكل عام( 72 ). لكن

يُفهم أيضًا من البرنامج السياسي لمنظمة مجاهدي الثورة أن مساندة الخميني

وتبجيله آقائد آاريزمي لم تترجم آليًا إلى تأييد لأتباعه من رجال الدين،

وبالأخص أولئك الذين آانوا محافظين سياسيًا بشكل عام (أي الذين آانوا

يفضلون المبادرة الحرة والحفاظ على العلاقات مع الغرب وتصدير الثورة

بالقدوة الحسنة وليس بطريق العنف، ثم عارضوا فيما بعد متابعة الحرب ضد

العراق حتى النصر). ومن المفارقات أن أآثر رجال الدين في إيران يمكن

تصنيفهم على أنهم محافظون، بل إن المنظمة الدينية التي هيمنت على النظام،

أي الحزب الجمهوري الإسلامي، آانت خاضعة لنمط من رجال الدين

المحافظين، أو على الأقل ليسوا راديكاليين آالخميني ذاته، أو المناضلين من

غير رجال الدين. ومن هؤلاء قادة الحزب الجمهوري من أمثال رفسنجاني

وخامنئي ورئيس القضاة السابق، عبد الكريم موسوي أردبيلي، ورئيس الحزب

الجمهوري الراحل، آية الله حسين بهشتي، الذي قُتل في عملية تفجير مقر

-

-18-

.( الحزب عام 1981 م( 73

بما أن هؤلاء الملالي، الذين وصلوا إلى السلطة معتمدين على نفوذ

الخميني، آانوا يعلمون أنهم لا يتمتعون بالتأييد في صفوف المناضلين من غير

رجال الدين بالدرجة ذاتها التي تمتع بها الخميني، فقد شرع ملالي الحزب

الجمهوري في إقامة تلاحم بين الحزب الجمهوري والجناح الراديكالي من غير

الملالي – المشارك في التحالف الثوري – بالوسائل السياسية. وبدون شك أراد

قادة الحزب الجمهوري التأآد من أن الجناح المتشدد من غير رجال الدين في

النظام سيبقى حليفهم في حالة الغياب المفاجئ للخميني، الذي آان يبلغ من

العمر 79 عامًا عند توليه السلطة. وهناك دلائل وافية على أن الحزب

الجمهوري والراديكاليين من غير رجال الدين، وبالأخص منظمة مجاهدي

الثورة الإسلامية والحرس الثوري، قد توصلوا إلى وفاق سياسي لتبادل المنافع

بعد الثورة بوقت قصير. ففي شهر آب/ أغسطس عام 1980 م تلقى محمد علي

رجائي – أحد مؤسسي منظمة مجاهدي الثورة البارزين، وأبرز أعضاء

الحزب الجمهوري من غير فئة رجال الدين – دعم الحزب الجمهوري ليصبح

.( رئيسًا للوزراء برغم معارضة الرئيس الإيراني، أبو الحسن بني صدر( 74

وفور استلامه السلطة، اختار رجائي رفيقه السابق في السجن بهزاد نبوي –

مؤسس منظمة مجاهدي الثورة – ليكون وزيرًا للشئون التنفيذية في الحكومة

الجديدة، أي أرفع مساعدي رجائي مقامًا( 75 ). وجرى ضم متشددين آخرين من

غير فئة رجال الدين إلى الحكومة، من أجل تطبيق برنامج سياسي راديكالي

بشكل عام لإعادة توزيع الثروة( 76 ). وآمثال على ذلك فإن محمد سلامتي –

رفيق نبوي في السجن وأحد مؤسسي منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية –

.( انضم إلى الحكومة آنائب لوزير العمل( 77

وتوجد مؤشرات أخرى على وجود توافق سياسي بين الحزب الجمهوري

الإسلامي ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية والحرس الثوري. ففي الحملات

الانتخابية الأولى لمجلس الشورى أيدت منظمة مجاهدي الثورة علنًا مرشحين

مدرجين على لائحة الحزب الجمهوري( 78 ). ومُنح الحرس أيضًا الدور القيادي

في الدفاع عن الثورة وتصديرها بشكل رسمي، وآان هذا اعترافًا بالشرعية

.( التي آان الحرس يسعى وراءها سابقًا منذ شكله الخميني عام 1979 م( 79

وقد ظهرت القوة السياسية للتحالف بين الملالي والراديكاليين من غير

-

-19-

رجال الدين أثناء الصراعات المبكرة في الجمهورية الإسلامية، وبلغ أول هذه

الصراعات ذروته باحتلال السفارة الأمريكية في طهران بين تشرين الثاني/

نوفمبر 1979 م وآانون الثاني/ يناير 1981 م، إذ مكنت عملية السفارة الملالي

وحلفاءهم من غير رجال الدين في منظمة مجاهدي الثورة والحرس الثوري

من هزيمة أول معارضيهم الرئيسيين، مهدي بازرآان، أول رئيس وزراء

قومي ليبرالي للجمهورية الإسلامية. وقد آان محتلو السفارة من الشباب

الراديكالي من غير رجال الدين يطلقون على أنفسهم "طلبة شريعة الإمام" وهو

.( ما يعني ضمنيًا ولاءهم التام لمبادئ آية الله الخميني( 80

وعند إجراء دراسة متأنية للطلاب المذآورين يتضح وجود قواسم مشترآة

وروابط وثيقة مع منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية والحرس الثوري، إضافة

إلى علاقتهم الوثيقة بالصراع الشامل على السلطة بعد قيام الثورة. ومما

يسترعى الانتباه أن الاستيلاء على السفارة الأمريكية حدث بعد أيام قليلة من

[لقاء بازرآان علنًا من مستشار الأمن القومي الأمريكي، زبجنيو بريجنسكي،

.[( لمناقشة العلاقات بين إيران والولايات المتحدة في فترة ما بعد الثورة( 81

وأعطى هذا اللقاء للطلاب مبررًا لما قاموا به، معززًا ادعاءهم بأن بازرآان

يفتقر إلى الثورية الكافية التي تؤهله للحكم. وبرغم أن مساعدي الخميني الذين

هيمنوا على المجلس الثوري، آانوا يناورون لتقويض مكانة بازرآان منذ

البداية، إلا أن احتلال السفارة حدد مصير بازرآان وفضح فقدانه للسيطرة على

الأمور؛ مما دفعه إلى تقديم استقالته مع حكومته التي تشارآه أفكاره بعد ذلك

.( بأيام قليلة( 82 ). وانتهى عهد المعتدلين آما يقول آرين برينتون( 83

ومع ذلك فإن هناك دلائل قاطعة على أن الاستيلاء على السفارة الأمريكية

لم يكن عملاً عفويًا قام به مجموعة طلاب غضاب، بل آان على الأصح عملاً

منسقًا ومخططًا له من قبل. وذآرت صحيفة آريستيان ساينس مونيتور –

مستشهدة بأحد الطلاب السابقين – أن عملية الاستيلاء قد رسمها بدقة رجال

.( الدين المتطرفون والطلاب، بالاتفاق مع أحد آبار قادة الحرس الثوري( 84

وتؤيد أدلة أخرى هذا التقرير، فالحرس الثوري المتمرآز حول السفارة آان قد

منع سابقًا حصول عملية استيلاء مشابهة على السفارة في شهر أيار/ مايو

1979 م، قامت بها مجموعة يسارية متطرفة، مناهضة لكل من الخميني

والولايات المتحدة، غير أن الحرس لم يفعلوا شيئًا للوقوف بوجه الطلاب الذين

-

-20-

اقتحموا السفارة الأمريكية في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 1979 م( 85 ). وفور

السيطرة على السفارة شكر الطلاب الحرس الثوري بشكل رسمي، لعدم إعاقته

عملية الدخول إلى السفارة( 86 ). وتزعم نشرة يومية عن أزمة الرهائن – أُعدّت

لمصلحة لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي – أنه بعد فشل مهمة

إنقاذ الرهائن في نيسان/ أبريل 1980 م، جرى نقلهم إلى منشآت الحرس

.( الثوري في أنحاء البلاد المختلفة( 87

وإن تورط عدد من الشخصيات الرئيسية في أزمة الرهائن يوفر مزيدًا من

الدلائل على العلاقة العضوية بين الطلاب والحرس، وعلى الدوافع السياسية

لعملية احتلال السفارة. فمثلاً أقدم أول رئيس غير رسمي للحرس، جواد

منصوري، على الترشيح لانتخابات المجلس عام 1980 م بوصفه "طالبًا في

خط الإمام" وذلك علي لائحة ائتلاف الحزب الجمهوري الإسلامي( 88 ). وتبعه

عدد من الطلاب أصبحوا قادة في الحرس الثوري، حتى أن أحدهم –وهو

حسين شيخ الإسلام– صار أحد أهم وآلاء وزارة الخارجية الإيرانية، وهناك

عمل حسين شيخ الإسلام بشكل وثيق مع الحرس لتصدير الثورة عبر زرع

.( عملاء الحرس في السفارات الإيرانية في الخارج( 89

تذآر السيرة الذاتية لبهزاد نبوي –مؤسسة منظمة مجاهدي الثورة

.( الإسلامية– أن آثيرًا من الطلاب آانوا أعضاء فيها، وأتباعًا له شخصيًا( 90

مما يفسر تعيينه أواخر عام 1980 م آبيرًا للمفاوضين الإيرانيين في أزمة

الرهائن، إذ آان المسئول الحكومي ذو المصادقية الكافية الطلاب، بصفته

مؤسسًا لمنظمة مجاهدي الثورة، وأحد أعمدة الجناح المتشدد في النظام من

غير فئة رجال الدين، وهو الجناح الذي ينتمي إليه الطلاب أنفسهم. وهكذا

عززت عملية الاستيلاء على السفارة الموقف السياسي المتطرف لنبوي،

وأظهرت مصداقيته –آمفاوض إيراني– الولايات المتحدة، لكونه مسئولاً

حكوميًا رسميًا له علاقات وثيقة مع رئيس الوزراء محمد علي رجائي، الذي

آان –بدوره– على علاقة قوية برجال الدين في الحزب الجمهوري الإسلامي،

.( وبالتالي مع الخميني نفسه( 91

الإطار المؤسساتي

عند المقارنة بين تشكيل الحرس الثوري والجيش النظامي الذي آان قائمًا

قبل الثورة فإن قوة الحرس –آمؤسسة– لا يمكن بيانها بشكل تام بدون دراسة

-

-21-

المنظمات والمؤسسات الرئيسية الأخرى التي أفرزتها الثورة. وستساعد النظرة

العامة إلى هذه المؤسسات على وضع الحرس في الإطار الشامل لأسلوب

الحكم في الجمهورية الإسلامية. وبرغم أن هناك تفاوتًا في مدى قوة وفعالية

آل مؤسسة، إلا أن التفاعلات الحاصلة بين جميع المؤسسات – ضمن الإطار

الواحد – قد أآسبت النظام قدرة لا بأس بها على التكيف مع الأحداث. وأهم

تلك الأحداث هي خروج النظام سليمًا من الاضطراب السياسي المرتبط

بمرحلة توطيد سلطته في الفترة الأولى، ثم في فترة الغزو العراقي عام

1980 م، وأخيرًا وفاة الزعيم الكاريزمي آية الله الخميني عام 1989 م. ومن

الممكن القول: إن أيًا من تلك الأحداث آان آافيًا بمفرده لقلب النظام لو لم يوطد

هذا النظام سلطته دستوريًا.

ويمكن النظر إلى النظام السياسي الجمهوري الإسلامي على أنه توازن

للسلطة بين القوى الأيديولوجية والسياسية المتنافسة. وقد استمر هذا النمط قائمًا

حتى خلال فترة حكم الخميني، برغم أن سلطة الخميني المطلقة آانت آافية

لتمكينه من إقامة نظام تغلب عليه درجة أآبر من التسلسل الهرمي. وعلى

العموم فلقد شكلت المؤسسات القومية السابقة للثورة، مثل وزارة الخارجية

والجيش النظامي، قاعدة لتأييد الزعماء الأآثر براجماتية، فيما قدمت

المؤسسات الثورية –مثل الحرس واللجان الثورية وجهاد البناء– دعمًا

للراديكاليين. ومن المعلوم أن البراجماتيين والراديكاليين قد تنافسوا على آسب

التأييد الشعبي أيضًا داخل مؤسسات صنع القرار العليا، والتي تضم مجلس

الشورى ومجلس الأوصياء ومجلس ابتغاء المصلحة ومجلس الخبراء ومجلس

الدفاع الأعلى (واسمه الآن المجلس الأعلى للأمن القومي) ( 92 ). وتتربع ولاية

الفقيه أو المرشد الأعلى فوق هذه القوى المتنافسة، وهو منصب إقامة الخميني

وآان أول من تقلده، ويشغله الآن آية الله خامنئي، وتعتبر ولاية الفقيه فائقة

الأهمية في تحديد المجريات السياسية عن طريق ترجيح الميزان السياسي

لمصلحة هذا الجانب أو ذاك.

لا شك أن أهم مؤسسة تحتاج للمناقشة هي ولاية الفقيه. ومن المعروف أن

الخميني هو الذي ابتكر هذا المفهوم، وتولى منصب المرشد الأعلى للثورة

الإسلامية. ويوضح رمضاني أن سلطات الخميني آفقيه، وهي ما عكست

سلطته المطلقة آمرشد ديني وسياسي، قد أصبحت قوانين نافذة أآثر مما منحه

-

-22-

الدستور الأول للجمهورية الإسلامية( 93 ). وآان الاعتقاد أصلاً بأن منصب

الفقيه يتولاه "مرجع تقليد" له باع طويل في الفقه الإسلامي، مع تمتعه بالإدارة

الفعالة و"ثقة أغلبية الناس في قيادته"( 94 ). وتنص الفقرة 110 من الدستور على

منح الفقيه سلطات واسعة لتعيين المسئولين الكبار الآخرين، والموافقة على

المرشحين لمنصب الرئاسة، وعزل الموظفين غير الأآفاء، وتولي القيادة

العامة للقوات المسلحة، مع تعيين قادة الجيش النظامي والحرس الثوري أو

عزلهم، وتنظيم مجلس الدفاع الأعلى الذي يعتبر أعلى هيئة لصنع القرار في

القوات المسلحة الإيرانية( 95 ). ويهدف هذا الجمع بين السلطتين السياسية

والدينية العليا إلى تأمين "أسلمة" الحكومة والمجتمع.

ومارس الخميني بالفعل هذه السلطات وغيرها، بحكم مكانته النافذة النابعة

من آونه المؤسس الكاريزمي للجمهورية الإسلامية. ولقد حدد الخميني الاتجاه

العام لسياسة إيران، وأدلى بحكمه في النزاعات بين الفئات التي تأتمر بأمره،

عن طريق الإشارة العلنية أو الضمنية لأولويات السياسة لديه( 96 ). وآانت

خطب الخميني العامة تقابل ببيانات التأييد من قبل السياسيين والمنظمات

المنتشرة في الساحة الأيديولوجية والسياسية الإيرانية.

وبعد وفاة الخميني، استمرت ولاية الفقيه –آمؤسسة– شكليًا على الأقل.

ويشغلها الآن آية الله علي خامنئي (وهو رئيس سابق لإيران في الفترة من

1981 م إلى 1989 م) وأصبحت أضعف من ذي قبل. ولذا آان لا بد من

إضافة سلطات رسمية جديدة لولاية الفقيه، في الدستور الجديد الذي تم

التصديق عليه في 28 تموز/ يوليو 1989 م (أي بعد شهرين من وفاة

الخميني)، وذلك للتعويض عن سلطة خامنئي الشخصية الضعيفة مقارنة

بالخميني( 97 ). وفي الوقت الحالي، لا تحظى بيانات خامنئي بتأييد تلقائي، ولم

يتمكن من احتواء الصراعات الداخلية آما فعل الخميني، آما يرى الكثيرون أنه

أقل آفاءة ومهارة في المجال السياسي من الرئيس رفسنجاني الذي يخضع

.( رسميًا لخامنئي( 98

وتعرضت مكانة ولاية الفقيه للضعف على الصعيد الديني. فمن المعروف

أن خامنئي رُقّي إلى رتبة آية الله عندما خلف الخميني، الأمر الذي يعد خرقًا

واضحًا للهدف الأساسي الذي يقضي بأن يكون الفقيه حائزًا على المكانة الدينية

بشكل لا يرقى إليه الشك. وجاء تعيين آية الله العظمى الأراآي في منصب

-

-23-

.( المرشد الأعلى بعد وفاة الخميني اعترافًا بضعف خامنئي في العلوم الدينية( 99

ولهذا تحتل مؤسسة ولاية الفقيه مرتبة منخفضة إذا قيست بمقياس مؤسساتي

هام هو الاستقلال الذاتي. ويبدو أن قوة المؤسسة تعتمد بشكل واسع على

شخصية من يتولاها، أآثر من اعتمادها على قدراتها الذاتية الخاصة بها ضمن

بنية النظام.

وبلا شك فإن ما خسرته مؤسسة ولاية الفقيه منذ وفاة الخميني قد ربحته

مؤسسة الرئاسة. وآسبت الرئاسة أيضًا في الدستور الجديد سلطات جديدة

واسعة في الشئون التنفيذية، وهي سلطات آانت قد تقاسمتها مع منصب رئيس

الوزراء المُلغى( 100 ). ومع ذلك فإن الرئاسة، آمؤسسة داخل الجمهورية

الإسلامية، مازالت تعاني آثيرًا من العوائق –مثلها في ذلك مثل منصب ولاية

الفقيه– وهذا يعني أن قوتها تعتمد على نوعية الشخص الذي يحتل هذا

المنصب، وقد ضعفت الرئاسة في الماضي بسبب ضعف القدرات السياسية

الشخصية للرئيس السابق خامنئي، من جراء اصطدام الرئاسة بمنصب رئيس

الوزراء الذي آان يشغله مير حسين موسوي في الفترة 1981 م – 1989 م،

وهو راديكالي من خارج فئة رجال الدين. أضف إلى ذلك أن مهارات

رفسنجاني وسمعته لم تؤد إلى تقوية نفوذ منصب الرئاسة الجديد فحسب، بل

إنه هو الذي قام بتحديد بعض السلطات الرسمية الجديدة المخصصة لها، وذلك

.( قبيل حصول عملية الانتخاب التي آان فيها الأوفر حظًا بين المرشحين( 101

ويعتبر المجلس، أو مجلس الشورى، مؤسسة هامة حازت اهتمام الثورة

الإسلامية، برغم أنه آان موجودًا خلال عهد الشاه، لكن بدون تمتعه بأي سلطة

تذآر. وآانت آلمة المجلس نافذة في عملية المصادقة على الميزانية العامة

ومراقبة تعيين وزراء الحكومة وإجراء التحقيقات، مع المساعدة في تطبيق

بعض السياسات الاقتصادية والعسكرية( 102 ). وآدلالة بالغة الأهمية على قوته

الدستورية، فإن المجلس حافظ على سلطاته الرسمية وتماسكه خلال أربع

عمليات انتخاب متتابعة، آما تمكن من استيعاب مجموعة من أصحاب الآراء

المختلفة بين صفوفه. وهذا الوضع سمح حتى لرئيس الوزراء المعزول، مهدي

بازرآان، بتزعم جبهة معارضة صغيرة داخل المجلس لسنوات عديدة بعد

سقوطه من السلطة.

غير أنه من المهم القول: إن المجلس عانى من نقاط الضعف نفسها التي

-

-24-

أصابت المؤسستين السالفتي الذآر، من حيث اعتماده على الشخصيات القوية

بدلاً من العناصر الهيكلية الموجودة في صميم المؤسسة ذاتها. وتشير التقارير

الصحفية إلى أن منصب رئيس المجلس، الذي شغله رفسنجاني القوي لفترة

طويلة، صار أقل نفوذًا –إلى حد ما– داخل النظام في عهد نائب رئيس

المجلس السابق، مهدي آروبي، الذي آان أآثر راديكالية وأقل دهاء في المجال

السياسي( 103 ). وذآرت صحيفة طهران تايمز أنه بعد انتخاب رفسنجاني

لمنصب الرئاسة عام 1989 م، قام 210 من أصل 270 نائبًا في المجلس

بمحاولة غير ناجحة لإقناع أحمد الخميني، وهو شخصية مهمة وراديكالية،

بالحلول محل رفسنجاني في عضوية المجلس وربما منصبه في رئاسة مجلس

الشورى. بما يُعد اعترافًا بأن رحيل رفسنجاني سيضعف مجلس الشورى

آمؤسسة( 104 )، وأن قوة المجلس اعتمدت –بشكل آبير– على وجود أحد أقطاب

النظام البارزين في منصب رئيس المجلس.

ويعتبر مجلس الأوصياء، المؤلف من 12 عضوًا، مؤسسة منفصلة أقامتها

الثورة ونص عليها الدستور. وترجع أهميتها لكونها تشرف على قوانين مجلس

الشورى للتأآد من التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية. والهدف من وراء ذلك

هو ترسيخ الشريعة الإسلامية لتكون القاعدة القانونية الأساسية التي تحكم

المجتمع. ويتألف مجلس الأوصياء من ستة علماء في العقيدة الإسلامية يقوم

الفقيه بتعيينهم، إضافة إلى ستة محامين مسلمين. ومنذ قيام الثورة هيمن على

مجلس الأوصياء آبار رجال الدين المحافظين، الذين ينظر إليهم على أنهم

.( يعوقون الإصلاحات الراديكالية ويحدون من سيطرة الدولة على الاقتصاد( 105

ومع ذلك فإن مجلس الأوصياء قد عانى من التحجر وعدم المرونة.

فعارض سن القوانين الاجتماعية الراديكالية، مثل الإصلاح الزراعي وتأميم

التجارة الخارجية وإعادة توزيع الثروة، وبالتالي حاول الراديكاليون إضعاف

هذا المجلس. ونجحوا عام 1988 م في إقناع الخميني بتأليف هيئة جديدة، هي

مجلس "ابتغاء المصلحة"، للفصل في الخلافات التشريعية بين مجلس

الأوصياء ومجلس الشورى( 106 ). وآانت الغاية والنتيجة النهائية لمجلس "ابتغاء

المصلحة" الجديد هي تقليص نفوذ مجلس الأوصياء المحافظ وإضعاف

.( استقلاليته وفعاليته( 107

وعلاوة على ذلك، هناك الحزب الجمهوري الإسلامية الذي آان يبشر بأن

-

-25-

يصبح مؤسسة قوية توطد حكم رجال الدين. وآان هذا الحزب في سنوات

الثورة الأولى وسيلة فعالة لتدعيم قبضة رجال الدين على السلطة، وترجمة

توجيهات الخميني إلى سياسة متبعة، مع تقديم آثير من أعضائه ليكونوا

مسئولين آبارًا في الدولة ونوابًا في البرلمان( 108 ). وبرغم أن الحزب

الجمهوري الإسلامي فسح المجال أمام الشخصيات من غير فئة رجال الدين –

بل تحالف معهم أحيانًا– إلا أنه لم يستطع توسيع قاعدته بشكل آاف يسمح له

بالاستمرار، فضلاً عن جعل نفسه حزبًا جماهيريًا قويًا. ووفر الحزب قاعدة

تأييد سياسي لزعيمه الرئيس علي خامنئي، ولكن ضعف خامنئي –المقرون

بالصراع الداخلي بين أجهزة الحزب– أدى إلى إقدام الخميني على حل الحزب

الجمهوري الإسلامي رسميًا عام 1987 م( 109 ). ويقال: إن رفسنجاني لعب دورًا

فاعلاً في عملية حل الحزب رسميًا، ربما في محاولة منه لإضعاف منافسه

السياسي خامنئي( 110 ). وهكذا فشل الحزب الجمهوري الإسلامي من عدة نواح

في سعيه لكي يصبح مؤسسة، فقد عجز عن اجتذاب عناصر اجتماعية جديدة،

وعن التأقلم مع البيئة السياسية المتغيرة، آما عجز عن زيادة تماسكه.

وأنشأت الثورة مجموعة أخرى من المؤسسات ساهمت في زيادة شعبية

النظام الجماهير، وخصوصًا الطبقات الدنيا في المدن. ومن أهمها مؤسسة

الشهيد ومؤسسة المستضعفين اللتان أنشئتا لتقديم مساعدات مالية ووظائف

لفقراء المدن. وآانت مؤسسة الشهيد، التي ترأسها – حتى وقت قريب – نائب

رئيس المجلس السابق، مهدي آروبي، تهدف أصلاً لمساعدة عائلات أولئك

الذين ضحوا في سبيل الثورة، ثم أصبحت فيما بعد مسئولة عن رعاية قتلى

الحرب ومعالجة الجرحى في الخارج( 111 ). أما مؤسسة المستضعفين، فقد تولت

مهمة إدارة الممتلكات المصادرة من العائلة المالكة والنخبة المنفية، ثم توزيع

العائدات على عائلات الطبقة الدنيا المحتاجة( 112 ). وبحلول عام 1982 م آانت

مؤسسة المستضعفين تدير ما بين 200 إلى 300 مصنع، و 100 شرآة بناء،

و 91 مشروعًا زراعيًا، وما يزيد على ألف من العمارات التجارية أو الشقق

.( السكنية( 113

وخلال الأعوام الأولى للثورة عملت هذه المؤسسات بشكل وثيق مع

وحدات الحرس الثوري المحلية على مساعدة الفلاحين والعمال الإيرانيين في

الاستفادة مما آانت تملكه النخبة السابقة من أراض ومصالح تجارية. آما أن

-

-26-

الأموال الطائلة والممتلكات التي أشرفت عليها هذه المؤسسات قدمت للنظام

مصادر مالية، تمكن بواسطتها من تعبئة الجماهير وتثقيفهم سياسيًا

وأيديولوجيًا( 114 )، فقد مولت مؤسسة الشهيد –على سبيل المثال– الأنشطة

.( السياسية إضافة إلى نشاطاتها المحددة رسميًا( 115

ومن جملة المفارقات أن الضعف التنظيمي الأساسي لهذه المؤسسات قد نتج

عن مصادر قوتها الرئيسية، أي السيطرة على الأموال وما يتبع ذلك من

محسوبية. وأفرزت الأموال التي يديرها قادة تلك المؤسسات فسادًا آبيرًا، فقد

وُجهت إلى أغلبها اتهامات بسوء الإدارة وجرت تحقيقات متعاقبة( 116 ). وحسب

رأي هنتنجتون فإن عدم المناعة ضد الفساد هو سمة واضحة للمؤسسة التابعة

وبعبارة أخرى، الضعيفة. وآدليل قاطع على الفساد المتفشي داخل مؤسسة

المستضعفين وعلاقتها بالحرس الثوري، عُيّن محسن رفيق دوست لرئاستها

إثر عزله من وزارة الحرس، وأُوآلت إليه علنًا مهمة منع إساءة استخدام أموال

.( هذه المؤسسة( 117

وهناك أيضًا مؤسسة جهاد البناء، التي أصبحت ملاذًا لعدد آبير من

المهندسين والفنيين الشباب الثوريين المهرة، الذين أرادوا خدمة الثورة، لكنهم

لم يندفعوا بما فيه الكفاية للدخول في الحرب الفعلية، مثلما فعل الحرس الثوري

والباسيج. وآانت أهداف هذه المؤسسة تتمثل أصلاً في مد سلطة النظام إلى

الريف، وتطوير البنى التحتية في المناطق الريفية، والمساعدة في حشد التأييد

للنظام بين الفلاحين( 118 ). وعمل أعضاء جهاد البناء بعد الثورة مباشرة بشكل

وثيق مع الحرس الثوري والمؤسسات الأخرى، لمساعدة الفلاحين في

الاستيلاء على الأراضي. وفي عدد من الحالات أصبح أعضاء جهاد البناء

وآلاء توزيع للأراضي ومشرفين على إعطاء القروض( 119 ). وبعد نشوب

الحرب مع العراق أصبحت جهاد البناء بمثابة "الفيلق الهندسي" للحرس

الثوري، وترآزت مهمتها في تشييد الاستحكامات الدفاعية، وبناء الطرق

والجسور للعمليات التكتيكية، وتطوير قدرات الإنتاج العسكري الذاتي

الإيراني، من أجل التغلب على الحظر الدولي بشأن تصدير الأسلحة إلى

.( إيران( 120

توجد أوجه تشابه وترابط أخرى بين جهاد البناء والحرس الثوري، وإن

آانت هذه الروابط تمثل أيضًا نقاط ضعف ل "لجهاد البناء" آمؤسسة. وقد

-

-27-

جرى تشكيل "جهاد البناء" أصلاً على يد متشددين شباب من غير فئة رجال

الدين، مثلها في ذلك مثل منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية والحرس الثوري

والطلاب الذين استولوا على السفارة الأمريكية، مع العلم بأن وزير شئون جهاد

البناء، غلام رضا فوروزش، آان أحد الطلاب الذين احتجزوا موظفي السفارة

الأمريكية آرهائن( 121 ). وانضم عدد آخر من الطلاب محتجزي الرهائن فيما

بعد إلى جهاد البناء( 122 ). ويُذآر أن أحد قادة جهاد البناء الأوائل، علي رضا

أفشر، آان أيضًا عضوًا في الحرس الثوري، ثم أصبح المتحدث الرسمي باسم

الحرس ورئيس أرآان قائد الحرس محسن رضائي، ويقود أفشر الباسيج

الآن( 123 ). وقبيل وفاة الخميني عُين ممثل الخميني جهاد البناء، حجة

الإسلام عبد الله نوري، ممثلاً للخميني الحرس الثوري أيضًا، ربما

لتخفيف شعور جهاد البناء بالدونية والتبعية للحرس( 124 ). فنقطة الضعف

الأساسية جهاد البناء هي بالضبط تبعيتها، إذ أصبحت أشبه بجهاز ملحق

بالحرس، وفقدت آثيرًا من هويتها المستقلة. وبنظر الشعب والنخبة الحاآمة،

فإن أعضاء جهاد البناء لم يرتقوا بتاتًا إلى المرتبة البطولية التي وصل إليها

أعضاء الحرس الثوري، آشهداء محتسبين في سبيل الثورة.

ولقد عصفت مشاآل آبيرة بآخر منظمة ثورية رئيسية، وهي اللجان

الثورية (آوميته) المنتشرة على النطاق القومي. وآما ذُآر في موضع سابق،

فإن اللجان الثورية شكلت الرآيزة الأساسية للحرس، حيث قدمت إلى القوة

الثورية الجديدة مقاتلين أشداء مزودين بأسلحة استولوا عليها من ترسانات

الشاه. ونشأت اللجان الثورية بين مساجد الأحياء ورجال الدين الأقوياء، في

الوقت نفسه الذي تآآلت فيه سلطة الشاه، وقامت بالأعباء الإدارية التي آانت

من مهمة النظام السابق. وبرغم أن اللجان الثورية تخلت عن مهماتها الإدارية

عندما اشتد ساعد الحكومة الإسلامية، إلا أنها استمرت في عملها آقوات أمن

.( محلية( 125

لم يكن هناك تنسيق يذآر أو هيكلية تربط اللجان الثورية المتفرقة نظرًا

لتنظيمها المحلي، آما أن حرس اللجان الثورية (وهو مختلف عن الحرس

الثوري) آان يتبع الأساليب القمعية الشديدة، مثله في ذلك مثل الكثير من القوى

الأمنية الداخلية المشابهة، وعمل خارج إطار القانون مما جعله يفتقر إلى

الشعبية بشكل آبير( 126 ). وقد قام النظام بكبح جماح اللجان الثورية بعدة طرق.

-

-28-

ففي منتصف الثمانينات أنشأ النظام هيكلية قومية للجان الثورية وعين قائدًا

عامًا لها، ووضعها رسميًا تحت سلطة وزارة الداخلية( 127 ). وزيادة على ذلك،

فإن النظام منح الحرس الثوري سلطة أآبر على اللجان الثورية، عن طريق

التوجيه القاضي بأن يقوم حراس اللجان الثورية بنوبات حراسة على الجبهة

تحت قيادة الحرس الثوري( 128 ). أما أقسى ضربة موجهة إلى اللجان الثورية

(آوميته) فقد حدثت عام 1990 م، عندما صوت المجلس –بعد نقاش طويل–

على دمج اللجان بالشرطة والدرك، برغم الاعتقاد السائد بأن اللجان حافظت

على استقلالها بشكل غير رسمي( 129 ). وتكتسب عملية دمج اللجان الثورية

أهمية خاصة؛ نظرًا لأن آلاً من اللجان والحرس الثوري قد بدأ من القاعدة

نفسها عام 1979 م، وتشكل من العناصر الاجتماعية نفسها (أي من المتشددين

في الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى في المدن، من غير فئة رجال الدين)

وتسلم آلاهما مهمات متشابهة. بيد أن الحرس الثوري نجح في مقاومة إدماجه

في جيش قومي موحد، وذلك بخلاف اللجان الثورية.

الانعكاسات

إن التحليل السابق لم يهدف إلى إعطاء الانطباع بأن الثورة آانت ستفشل

بالضرورة لو لم يتطور الحرس الثوري، أو أن الحرس لم يعان من بعض

السلبيات التي ظهرت في المؤسسات الثورية الأخرى. ومع ذلك، فإنه في

معرض إثبات قوة الحرس آمؤسسة، يجدر بنا أن نتذآر أنه آان قادرًا على

تجنب آثير من المصاعب والنكسات التي واجهت المؤسسات الثورية الأخرى.

وهذا سيساعد في نهاية المطاف على شرح آيفية تحول الحرس الثوري إلى

القوة الطليعية الحامية لمبادئ الثورة، بدرجة أآبر مما فعلته القوى الأخرى

المشابهة في سبيل ثوراتها.

-1-

-2-

الفصل الثالث

مرونة الحرس الثوري

آما بيّنا سابقًا فإن المؤسسات العديدة التي أفرزتها الثورة، وبالأخص

الحزب الجمهوري الإسلامي، لم تتمتع بالمرونة أو القدرة على التكيف بالقدر

الذي يمكنها من التحول إلى مؤسسات مؤثرة ضمن الهيكل السياسي للجمهورية

الإسلامية. فقد جرى حل الحزب الجمهوري الإسلامي عام 1987 م، آما حل

مجلس "ابتغاء المصلحة" محل مجلس الأوصياء عام 1988 م( 1). ولم تستطع

هاتان المؤسستان التكيف مع الجو السياسي المتغير، سواء آان ذلك قيامًا

بوظائف جديدة، أو تعديلاً لهيكلها التنظيمي، أو استيعابًا لعناصر اجتماعية

جديدة، أو تعاملاً بفعالية مع التحديات السياسية. وعمومًا فإن هذه المؤسسات لم

تكن قادرة على الوفاء بالمطلب الأساسي للنجاح المؤسساتي، أي تحقيق التلاحم

.( بين مصالح أعضائها وبين معاييرها الوظيفية والأيديولوجية( 2

أما قوة الحرس آمؤسسة في إيران الثورة فتكمن أساسًا في قدرته على

التكيف مع الظروف الصعبة والمتغيرة، وتفادي التحديات التي واجهته منذ

تشكيله عام 1979 م. وقدرة الحرس على تخطي العوائق التي تقف في وجه

زيادة حجمه ونفوذه السياسي، فضلاً عن تطوره الوظيفي، تكتسب أهمية أعظم

عند مقارنة الحرس بالقوات المسلحة الثورية الأخرى. ويختلف الحرس الثوري

عن الجيش الأحمر السوفيتي وجيش التحرير الشعبي الصيني والجيش الثوري

الفرنسي، في أنه أُجبر على التنافس لكسب النفوذ مع قوة مسلحة أخرى – أي

الجيش النظامي – ضمن بنية سياسية واحدة. وقد استنزف الحرس آثيرًا من

قدراته السياسية والتنظيمية، من أجل تعزيز موقعه والحفاظ عليه ليكون القوة

المسلحة المهيمنة في إيران، وهذا الاستنزاف لم تعرفه إلا قلة ضئيلة من

القوات المسلحة الثورية الأخرى.

ولكن هذا التكيف التنظيمي للحرس لم يُترجم إلى مرونة في المجال

الأيديولوجي، فكل التحديات التي واجهها الحرس –سواء من داخله أو من

منظمات أخرى، أو من قبل القوى السياسية والاجتماعية داخل إيران أو

خارجها– لم تنجح في إضعاف التزامه الأيديولوجي بالمبادئ المتشددة للثورة

الإسلامية. وبسبب شخصية الحرس الأيديولوجية الشديدة الحماسة حدثت عدة

محاولات لتقليص نفوذه. فقد برز الحرس آطليعة مسلحة ملتزمة بمبادئ الثورة

-3-

التي أنجبته، وذلك بدرجة أآبر من المؤسسات الأخرى داخل إيران، بل في

غيرها من القوات المسلحة الثورية على مدار التاريخ.

دراسة عامل مرونة الحرس

إن مفاهيم "قابلية التكيف التنظيمي" و"المرونة" و"القدرة على الاستمرار"

لا تتسم بالدقة. إذ يمكن اعتبار مؤسسة آالحرس الثوري قابلة للتكيف لقدرتها

على دمج عناصر من خلفيات اجتماعية متنوعة، لكنها في الوقت ذاته تتسم

بالجمود لعدم استطاعتها ابتكار أفكار وتكتيكات واستراتيجيات جديدة، تحقق

نجاحات ملموسة مثل الانتصارات الميدانية. وبوسعنا القول إن مقاييس المرونة

– التي يمكن أن تشمل السمات والتطورات الأآثر أهمية بالنسبة إلى الحرس

الثوري – هي المرونة السياسية، والاجتماعية، والهيكلية – الوظيفية.

يشير مقياس المرونة السياسية إلى مقدرة الحرس على صد التحديات

السياسية التي اعترضت نموه وتطوره. فبسبب الخشية من نفوذ الحرس في

النظام ومقدرته على دعم حلفائه السياسيين في القيادة، سعى مختلف السياسيين

إلى تقليل مسئوليات الحرس والتحكم في قيادته ومنع نموه( 3). ولذا فإن تحليل

المرونة السياسية للحرس سيرآز على درجة نجاحه في إحباط مناورات

خصومه داخل القيادة الإيرانية. وهذا التحليل سيساعد أيضًا في شرح دور

الحرس، المتمثل بكونه المؤسسة الطليعية الرئيسية للثورة الإسلامية آما حددها

آية الله الخميني.

سوف يرآز تحليل مرونة الحرس الاجتماعية على العملية التي استطاع

الحرس بموجبها أن يدمج ضمن صفوفه عناصر من خلفيات اجتماعية متنوعة،

وخبرات ومصالح متعددة، وأن يوجه هذه الجماعات نحو تحقيق أهدافه. وتُعد

القدرة على فعل ذلك معيارًا رئيسيًا للتنظيم المؤسساتي (القدرة التنظيمية)،

وهي برأي إليس تعتبر فائقة الأهمية لنجاح القوات المسلحة الثورية( 4). وسنرى

من خلال هذا التحليل أن الحرس آان قادرًا بالفعل على استيعاب وحشد تلك

العناصر الاجتماعية، رغم افتقادها للدوافع الأيديولوجية الحماسية، الموجودة

عند النواة الراديكالية في الحرس، بغير أن يخفف ذلك من طابعه الثوري.

وعمومًا فإن هذه العناصر – الأقل تطرفًا – آانت في غاية الأهمية لدعم جهود

الحرس في مواصلة الحرب الثورية ضد العراق.

الوجه الأخير للمرونة الذي يجب تحليله هو المرونة الهيكلية – الوظيفية.

-4-

وهذا يشير إلى قدرة الحرس على القيام بمهام جديدة، وتطوير الهيكليات

المناسبة بهدف التعامل مع الضغط الخارجي، وتقوية موقعه المؤسساتي مقابل

المؤسسات المنافسة له في إيران. ويكمن المطب الأساسي لهذه الدراسة في

تحليل نجاح الحرس – الذي آان مجرد مليشيا أمنية داخلية ثورية في البداية –

في تنظيم نفسه آجيش، عندما أقدم العراق على غزو إيران عام 1980 م. ومن

المهم أيضًا تقييم التعديلات المؤسساتية التي استحدثها الحرس لأداء مهمته

الأساسية في تصدير الثورة الإسلامية. وبعد نهاية الحرب، آان على الحرس

أن يتخذ وضعًا عسكريًا دفاعيًا بصورة مبدئية، مع قيامه ببعض واجبات إعادة

البناء، وهي أمور آانت أقل ارتباطًا بتحقيق طموحات الخميني بنشر الثورة

عبر العالم الإسلامي.

المرونة السياسية

آانت هناك معارضة لفكرة تكوين الحرس الثوري عام 1979 م، وبعد

تشكيله آاد أن يتفكك بسبب التنافس السياسي للسيطرة عليه. وقبيل إعلان

الخميني رسميًا عن تأسيس الحرس في أيار/ مايو 1979 م، سعى عدد من

السياسيين الليبراليين من غير رجال الدين –بزعامة رئيس الوزراء مهدي

بازرآان– لمنع الحرس من التحول إلى قوة مسلحة مستقلة، وذلك لمعرفتهم

بمدى التطرف فيه( 5). وأراد بازرآان وحلفاؤه دمج المليشيا تحت راية الشرطة

أو الجيش النظامي( 6). وتمثل الدليل الآخر على النزاع حول قيام الحرس في أن

إعلان الخميني الرسمي –المتعلق بتشكيل الحرس– جاء بعد أسبوع من صدور

تصريح لبازرآان يفيد بأنه سيجري حل الحرس (واللجان) عقب قيام حكومة

رسمية منتخبة( 7). وفي آخر نيسان/ أبريل 1979 م، انتقد بازرآان أيضًا

عناصر الحرس واللجان الثورية لمقاومتها سلطة الحكومة الانتقالية، ولقيامها

.( بعمليات ثأرية ضد معارضي الخميني ومؤيدي نظام الشاه السابق( 8

ولكن برغم اعتراضات بازرآان، أنشئ الحرس في 5 أيار/ مايو 1979 م

وآان مسئولاً بشكل رسمي أمام "المجلس الثوري"، وهو الجهاز السري الذي

ضم أخلص أتباع الخميني، وحَكَم إيران من وراء الكواليس خلال السنوات

الأولى من عمر النظام الإسلامي( 9). وإذا ما افترضنا أن الخميني ومساعديه

المقربين أرادوا الإطاحة ببازرآان ورفاقه الليبراليين في نهاية الأمر، فإن هذا

يستتبع القول: إن أعضاء المجلس الثوري وجدوا في الحرس الثوري وسيلة

-5-

ملائمة لتقويض سلطة بازرآان. ويعطينا الاستيلاء على السفارة الأمريكية في

طهران مثالاً على التحالف الضمني بين الحرس والمجلس الثوري ضد

بازرآان، وبرغم أن مناصرة المجلس الثوري آانت فعالة –بلا شك– في

حماية الحرس من بازرآان، إلا أن قاعدة الحرس الأيديولوجية المتشددة

والصلبة، ورفضه الخضوع لسلطة بازرآان، ساهما أيضًا في نجاحه في صد

هذا التحدي السياسي المبكر.

يمكن استخلاص مثال أوضح على مرونة الحرس السياسية من قدرته

المبكرة على التطور والتوسع، برغم ما قامت به الأجنحة السياسية المتعددة من

محاولات لفرض السيطرة السياسية والشخصية على الحرس. وقد ساهم صراع

هذه الأجنحة في تفاقم انقاساماته المبكرة بناء على أسس شخصية وإقليمية،

.( وآاد أن يصدع المليشيا الفتية قبل أن تتمكن من تقوية عودها آمؤسسة( 10

وهذا الاضطراب المبكر مثّل مأزقًا آبيرًا أمام الحرس، لم يواجهه أي من

نظرائه في الثورات الفرنسية والروسية والصينية. فقد تألف الجيش الثوري

الفرنسي في معظمه من بقايا الجيش السابق للثورة، آما أن قيادته وتوجهه آانا

واضحين خلال المرحلة النابوليونية من الثورة( 11 ). وبالمثل أسس ليون

تروتسكي، أحد القادة البلاشفة، الجيش الأحمر السوفيتي ببراعة وحزم، آما أن

الجيش الثوري التابع للحزب الشيوعي الصيني، آان أصلاً قوة متماسكة عندما

.( حمل الشيوعيين إلى السلطة في الصين عام 1949 م( 12

بما أن الحرس آان مؤلفًا في البداية من خليط من المليشيات المحلية

والمجموعات الثورية، فإن قطاعات من الحرس الفتي آانت بالضرورة عرضة

للتأثر بالدعوات السياسية، الصادرة عن مجموعات آبيرة من السياسيين ذوي

الاتجاهات المختلفة. وبالرغم من ذلك، فإنه يمكننا تبيّن عدة موضوعات في

الصراعات المبكرة للسيطرة على الحرس. فمنذ بدايات الحرس بذلت القيادة

السياسية الدينية جهودًا للسيطرة عليه. وقد ظهر هذا جليًا من خلال استحداث

منصب رسمي يسمى "المشرف على الحرس" (ثم خُفضت رتبته ليصبح

"ممثل الخميني الحرس" بعد عام 1982 م)، وهو منصب آان يحتله دائمًا

رجل دين. وآان "المشرف على الحرس" أعلى رتبة من قائد الحرس نظريًا،

ويتمتع بسلطة الموافقة على قرارات قيادة الحرس، والتأآد من توافق تصرفات

.( الحرس مع إرشادات الخميني( 13

-6-

على مستوى آخر حدثت منافسة داخل الترآيبة السياسية المدنية للسيطرة

على الحرس. فمثلاً آان المشرف الأول على الحرس، آية الله لاهوتي، رجل

دين ليبراليًا، آما أن آراءه آانت متوافقة مع آراء بازرآان( 14 )، وآان لاهوتي

بلا شك يحاول تطويع الحرس تحت سلطة بازرآان، ولم يكن منسجمًا سياسيًا

مع المتشددين في الحرس. وآما آان متوقعًا، فقد جرى عزل لاهوتي من

منصب "المشرف على الحرس" في تشرين الأول/ أآتوبر 1979 م، أي قبيل

شهر واحد من إقدام المتطرفين، ومن ضمنهم الحرس، على التخلص من

.( بازرآان بعد استيلائهم على السفارة الأمريكية في طهران( 15

وأدى المصير المشئوم الذي لاقته حكومة بازرآان المعتدلة إلى تقوية

شوآة خصومه السياسيين، أي رجال الدين في الحزب الجمهوري الإسلامي،

الذين سيطروا على المجلس الثوري (وقد تولى المجلس السيطرة على إيران

بعد استقالة بازرآان). وعلى إثر استقالة لاهوتي، تقلد اثنان من آبار رجال

الدين في الحزب الجمهوري الإسلامي هذا المنصب على التوالي، وهما الآن

أهم القادة السياسيين: علي أآبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الحالي، وعلي

خامنئي، المرشد الأعلى( 16 ). وبرغم آون رفسنجاني وخامنئي رئيسيين في

الحزب الجمهوري الإسلامي والمجلس الثوري، وتترآز مهمتهما في تعزيز

التحالف بين الحزب الجمهوري والحرس ومجاهدي الثورة الإسلامية والجناح

المتطرف في النظام من غير فئة رجال الدين، إلا أن الحرس لم يؤيد أيًا منهما

بحماسة لتولي منصب المشرف. فقد تولى رفسنجاني هذا المنصب لشهر واحد،

من تشرين الأول/ أآتوبر حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 1979 م، ثم خَلَفه

خامنئي، الذي ادعت صحيفة تصدر في استوآهولم بأنه "قُبِل على مضض

آقائد جديد"( 17 ). ومع أن الاثنين آانا أآثر راديكالية من لاهوتي، إلا أنهما

اعتُبرا بدون شك آمفوضين سياسيين مفروضين على الحرس ولم يأتيا من

داخله. ولم ينجح أي منهما في فرض بنية أو نظام معين على الحرس الثوري

الذي آان لا يزال مفككًا.

امتدت فترة خامنئي في الإشراف على الحرس حتى انتخاب أول رئيس

للجمهورية الإسلامية، أبو الحسن بني صدر، وهو سياسي معتدل من خارج

صفوف رجال الدين، وذلك أوائل عام 1980 م. ولا شك أن الأغلبية الكبيرة

التي حصل عليها بني صدر ( 76 % من نسبة المقترعين) مقرونة بمعارضته

-7-

لحكم رجال الدين المباشر وبعض المبادئ المتشددة للثورة، قد حتمتا نشوب

صراع بينه وبين رجال الدين في الحزب الجمهوري الإسلامي، الذين تلقوا

الدعم من حلفائهم المتطرفين من غير فئة رجال الدين، في الحرس ومنظمة

مجاهدي الثورة الإسلامية واللجان الثورية (آوميته) ومنظمة جهاد البناء

وطلاب شريعة الإمام (أي محتجزي الرهائن الأمريكيين) ( 18 ). ولذلك فإن

رئاسة بني صدر آانت حدثًا محوريًا في التطور التنظيمي للحرس واختبارًا

أساسيًا لقدرته على الاستمرار في ظروف سياسية صعبة( 19 ). ولو تمكن بني

صدر من النجاح سياسيًا لكان من المحتمل أن يواجه الحرس حياة تنظيمية

قصيرة ومسئوليات أقل ونفوذًا ضعيفًا في النظام. ومع ذلك فإن مساهمة

الحرس في هزيمة بني صدر عكست نمو الحرس آمؤسسة وعجلت به،

وأفرزت سياسات أقرب إلى أيديولوجيات الحرس المتطرفة.

بالإضافة إلى معارضة بني صدر الشخصية للأيديولوجيا المتشددة التي

اعتقنها الحرس، فقد رأى آرجل سياسي أن تقييد سلطة الحرس آانت – بلا

شك – لازمة لتقويض قاعدة نفوذ حماة الحرس السياسيين، أي رجال الدين في

الحزب الجمهوري الإسلامي. وحازت معرآة بني صدر مع الحرس، التي

بدأت فور تسلمه لمنصب الرئاسة، دعمًا مبكرًا من مصدر غير متوقع، وهو

آية الله الخميني. وبعد مرور شهر على تولي بني صدر لمنصبه، عينه الخميني

قائدًا عامًا للقوات المسلحة، بهدف تثبيت سلطة الحكومة الإسلامية الناشئة،

معطيًا إياه سلطة رسمية مع تخويله حق إجراء تعيينات في آل من الحرس

والجيش النظامي( 20 ). وبرغم أن الخميني آان يدعم الحرس بصورة مطلقة

لكونه الجيش الإسلامي الخاص بالثورة، إلا أن بني صدر آان مقربًا من

الخميني في الأيام الأولى للثورة، الأمر الذي مكّن بني صدر من إقناعه بإقامة

قيادة عسكرية موحدة، تأتمر بأمر رئيس الجمهورية. وقد عبر جواد

منصوري، أول قائد غير رسمي للحرس (وهو الآن سفير) أبلغ تعبير عن

تأثير رئاسة بني صدر في الحرس، وذلك في مقابلة صحفية جرت عام

1982 م، حيث قال:

إن تعيين بني صدر قائدًا عامًا للقوات المسلحة آان أقوى لطمة وُجّهت إلى

وحدات الحرس الثوري الإسلامي في تاريخه، لكن الحرس استطاع الخلاص

من الخطر الذي تهدده. بل إن هذاالخطر خلق تضامنًا أقوى بين وحدات

-8-

الحرس. وقد أحدثت قيادة بني صدر شقاقًا عميقًا داخل وحدات الحرس وضمن

آثير من القوى المؤمنة الطيبة، التي أصبح عملها في الحرس مستحيلاً، آما أن

بني صدر صرح علنًا بأنه يجب طرد مثل هؤلاء الناس من وحدات الحرس

الثوري الإسلامي. وتميزت العلاقات بين الحرس والجيش النظامي بالتردي

الشديد، وهو ما منع الحرس من الانتشار واآتساب المزيد من القوة. وإنني

أتذآر آمن مرة طلبت من شاد مهر، رئيس هيئة الأرآان المشترآة للجيش

والحرس خلال عهد بني صدر، أن يعطي الحرس ما يلزمه من معدات لأداء

مهامه، فكان يجيب بصراحة بأنهم لن يعطوا أية أسلحة للحرس، بل على

.( الحرس أن يسلح نفسه عن طريق نزع سلاح العدو (العراق) فقط( 21

ويذآر علي شمخاني – وهو أحد القادة المهمين للحرس – أن بني صدر

حاول ممارسة السلطة على قيادة الحرس( 22 )، بعد أن منحه الخميني – في أيار/

مايو 1980 م – السلطة على القوات المسلحة( 23 ). وإثر ذلك بوقت قصير عيّن

بني صدر حليفه عباس زماني (أحد آبار منظمي الحرس ومؤسسيه) قائدًا دائمًا

للحرس، مدعيًا موافقة آبار قادة الحرس على ذلك. وآان زماني يعمل سابقًا

قائدًا للعمليات وقائدًا فعليًا للحرس منذ تشكيله رسميًا، وهو ما يعني أن تعيين

زماني آان مجرد تعزيز رسمي لموقعه( 24 ). ومع ذلك فإن هذه المحاولة

لإخضاع الحرس من القمة منيت بالفشل. وبعد أن آان زماني يتمتع بشرعية

واسعة داخل الحرس، آمناضل صلب ضد الشاه منذ وقت طويل، أصبح

موصومًا بدعم بني صدر له، الأمر الذي وفر لمعارضي زماني وبني صدر –

في هيكل قيادة الحرس – أسبابًا آافية لإجبار زماني على الاستقالة من قيادة

الحرس في الشهر التالي( 25 ). وصار الحرس قادرًا على الهجوم المضاد على

من يحمي زماني، أي بني صدر، عن طريق سحب التأييد من زماني وخلعه

من القيادة، وذلك بدون إبداء معارضة مباشرة لتأآيدات الأب الكاريزمي

للحرس، آية الله الخميني، بأن بني صدر هو الذي يدير شؤون إيران العسكرية.

بالرغم من سقوط زماني فإن بني صدر تابع جهوده لتعيين من يراه مناسبًا

لقيادة الحرس، آما أن الحرس استمر في محاولة إفشال هذه الجهود. وعقب

استقالة عباس زماني طلب بني صدر من آاظم بوجنوردي، شريك زماني في

تأسيس حزب الأمم الإسلامية، أن يرأس وحدات الحرس الثوري. وبعد مرور

عدة أيام من "المشاورات" – حيث عبرت العناصر الأآثر قوة في الحرس عن

-9-

معارضتها الصريحة لبوجنوردي – أقدم الأخير على رفض المنصب، معترفًا

بشكل غير مباشر بأن التحزبية في الحرس تجعل من الصعب جدًا قيادة هذه

المؤسسة( 26 ). وبعد ظهور عجز بني صدر الواضح عن السيطرة على الحرس،

ساند الحزب الجمهوري الإسلامي تعيين أحد حلفائه، مرتضى رضائي، قائدًا

للحرس في تموز/ يوليو 1980 م( 27 ). وفي الوقت ذاته عُين مؤيد آخر للحزب

الجمهوري الإسلامي، حجة الإسلام فضل الله محلاتي مشرفًا على الحرس،

وهو محارب قديم في معسكرات منظمة التحرير الفلسطينية، التي دربت آثيرًا

من المتطوعين أصبحوا لاحقًا من رجال الحرس( 28 ). وتلقى بني صدر أيضًا

في ذلك الصيف هزيمة سياسية آبيرة أخرى، عندما أجبره الحزب الجمهوري

الإسلامي على تعيين علي رجائي، وهو مدرس سابق وشريك في تأسيس

منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية (السلف الأساسي للحرس) في منصب رئيس

.( الوزراء( 29

إضافة إلى قيام رجائي بتعزيز تحالف الحرس ومنظمة مجاهدي الثورة

الإسلامية مع الحزب الجمهوري الإسلامي، فقد لعب دورًا هامًا في إحباط

جهود بني صدر الهادفة إلى إضعاف الحرس. وبعد نشوب الحرب العراقية –

الإيرانية في أيلول/ سبتمبر 1980 م، أبدى رجائي مع مجلس الشورى، الذي

يهيمن عليه الحزب الجمهوري، معارضةً لأوامر بني صدر الخاصة بعدم

تسليح الحرس بالأسلحة الثقيلة( 30 ). آما أن رجائي هو صاحب العبارة الشهيرة

التي رُدِّدت آثيرًا في تأييد الحرس، والقائلة "إن الجيش النقي أيديولوجيًا هو

خير من جيش منتصر"( 31 ). وهو ما يتعارض مع المقولة الأساسية لخبير

القوات المسلحة الثورية، جوناثان أدلمان، الذي يعتقد أنه "لا يجوز أن يطغى

الحماس الثوري على الفعالية العسكرية الموضوعية"، بل يثبت – على العكس

– أن التجربة الثورية تضيف دائمًا قوة وفعالية عسكرية إلى الجيوش الضعيفة

.( والمهلهلة التابعة للأنظمة السابقة( 32

برهن تحالف الحرس مع الحزب الجمهوري الإسلامي بوضوح على أنه

وسيلة فعالة في معرآته السياسية ضد بني صدر. وإضافة إلى ما تقدم،

تضمنت استراتيجية الحرس السياسية انتقاء بعض مسئولياته العسكرية والأمنية

الداخلية – دون غيرها – بهدف إضعاف الرئيس الإيراني. وحتى قبيل بدء

الحرب العراقية – الإيرانية، فإن الحرس تحدى سلطة الرئيس علنًا بمتابعة

-10-

الحرب بشراسة ضد الأآراد المتمردين، برغم تصريحات بني صدر حول

ترتيب اتفاقيات وقف إطلاق النار مع الأآراد( 33 ). وآان الحرس يحاول علانية

إظهار ضعف بني صدر، آلما آان ذلك متاحًا، وذلك باستيلائه على مقرات

الجماعات المعارضة ونهبها، والتعاون مع منفذي عملية احتجاز الرهائن

الأمريكيين في السفارة، وتأييدهم ضمنيًا (بينما آان بني صدر يفضل –على ما

يبدو – إطلاق سراحهم) ( 34 ). وفي شهر تموز/ يوليو 1980 م، إثر حدوث

محاولة انقلابية صغيرة فاشلة قام بها الجيش النظامي، استغل الحرس وحلفاؤه

السياسيون هذه الفرصة لإعطاء الحرس سلطة قيادة الوحدات والقواعد

العسكرية التي زُعم أنها اشترآت في المؤامرة، وللتعجيل بعملية عزل ضباط

الجيش النظامي بحجة أن مناصري بني صدر في الجيش النظامي يشكلون

.( خطرًا على الثورة( 35

بالرغم من أوامر الخميني بأن يلتف جميع القادة السياسيين والقوات

العسكرية حول بني صدر عقب الغزو العراقي، فإن الحرس وحلفاءه السياسيين

استمروا في إضعافه.

وفي أوائل عام 1981 م، انتُقد بني صدر في خطاب ألقاه خليفة الخميني

المنتظر، آية الله حسين علي منتظري، آما وُجِّه له انتقاد من "الهيئات الثورية"

في الجبهة الجنوبية (وهو مصطلح يشير إلى الحرس واللجان الثورية

والعناصر المتطرفة الأخرى) بسبب إخفاقه في تنظيم هجوم مضاد على

العراق( 36 ). وعندما استجاب بني صدر لطلبهم بشن هجوم مضاد على الغزاة،

قامت هذه العناصر نفسها بشجب بني صدر والجيش النظامي لفشل ذلك

.( الهجوم( 37

إن الصراعات السياسية – خلال العام الأول من الحرب – أظهرت

بوضوح أن السياسة لها أسبقية على الفعالية العسكرية. ولا شك أنه آان من

مصلحة الجيش النظامي وبني صدر من جهة، والحرس ورجال الدين في

الحزب الجمهوري الإسلامي من جهة أخرى، أن يتعاونوا لتنظيم هجوم ناجح

ضد العراق. ولكن عدم رغبة أي من الجماعتين في إتاحة الفرصة أمام

منافستها لقطف ثمار النصر العسكري، ومن ثم السياسي، حال دون حصول

تعاون ميداني بينهما بدرجة آافية. ومن المفارقات أن يكون هذا الاستقطاب بين

الجماعات السياسية أقوى من أي وقت آخر من عمر الثورة، الذي آان يبلغ

-11-

آنذاك 11 عامًا، مع أن التهديد الفعلي الذي شكله الغزو العراقي للثورة الفتية

آان أيضًا على أشده، وهو ما آان يستدعي قيام أقصى حد من التعاون لدحره.

في المجال السياسي، واصل الحرس – خلال عام 1981 م – إسهامه في

إضعاف مرآز بني صدر، فقام بتفريق المظاهرات المؤيدة لبني صدر، بل

.( ازداد عدوانية في فعل ذلك، فيما آان دعم الخميني للرئيس يضعف( 38

ووصل الأمر إلى حد قيام رجال الحرس الثوري باعتقال عدد من مساعدي

.( بني صدر، وذلك قبل وقت قصير من عزله في شهر تموز/ يونيو 1981 م( 39

ومع أن آثيرًا من الجماعات السياسية ساهمت في عملية التخلص من بني

صدر، إلا أن الحرس – باشتراآه في ذلك – أثبت مرونته بكسب معرآة

سياسية مهمة، لم يخضها من قبل أي جيش ثوري بارز، وهي معرآة حياة أو

موت ضد أحد زعماء النظام الرئيسيين، وهو القائد العام للقوات المسلحة،

للثورة التي أنجبت الحرس الثوري نفسه. وبرغم وجود خلافات أساسية حول

تشكيل الجيوش المسلحة الثورية، في آل من فرنسا وروسيا والصين، وحول

قيادتها وإدارتها وأدوارها، إلا أن مبدأ عدم خروج هذه القوات على أنظمتها

السياسية لم يكن موضع شك قط.

ومع سقوط بني صدر انقلبت التوجهات التي آانت سائدة في عهده، وهذا ما

عبر عنه أحسن تعبير أول قائد غير رسمي للحرس، جواد منصوري، عام

1982 م حيث قال:

بعد التخلص من بني صدر بدأت وحدات الحرس الثوري حياة جديدة. فقد

لاحت لها الفرصة حينذاك لشن معرآة مفتوحة ضد المجموعات اليسارية

للقضاء عليها. وفي جبهات القتال، جرى تزويد الحرس بالأسلحة والمعدات

اللازمة، وتحسنت علاقات الحرس مع الجيش النظامي، آما أنه استطاع إثبات

.( قدرته في الدفاع عن البلاد والنظام الإسلامي( 40

أدت هزيمة بني صدر، بالدرجة الأولى، إلى وقوع إيران في قبضة رجال

الدين في الحزب الجمهوري الإسلامي. وظل التحالف بين هؤلاء الملالي

والحرس متماسكًا بشكل عام خلال الفترة المتبقية من الحرب. وإضافة إلى

إظهار مرونته، فإن معرآة الحرس مع بني صدر أظهرت – بشكل واضح –

أن الحرس اعتبر نفسه قوة سياسية وليس قوة محترفة ومنضبطة، وأنه لا يعتبر

اشتراآه في السياسة أمرًا مسموحًا به فحسب، بل هو جزء أساسي من مهمته

-12-

ووجوده. ولم ينتظر الحرس توجيه دعوة له من القادة المدنيين قبل انغماسه في

الصراعات السياسية الداخلية، وهذا يختلف عن اشتراك الجيش الأحمر

السوفيتي وجيش التحرير الشعبي الصيني في عدة صراعات متتابعة على

السلطة في الاتحاد السوفيتي والصين( 41 ). ولم ير الحرس في بني صدر تهديدًا

لبقائه التنظيمي فحسب، بل رأى فيه خائنًا لمبادئ الثورة التي ساهم الحرس في

وصولها إلى السلطة. ومن المفارقات أن يبدو الحرس – في معارضته لبني

صدر – أآثر تشددًا من زعيم الثورة الكاريزمي، آية الله الخميني، الذي تحمل

بني صدر حتى اقتراب نهايته، برغم مساعي بني صدر لتقويض مُثُل الخميني

.( السياسية( 42

إن اشتراك الحرس في الصاع السياسي على السلطة ضد بني صدر قد

عزز أيضًا نفوذ الحرس مسانديه في الحزب الجمهوري الإسلامي. فقد

برهن الحرس على أنه وسيلة نافعة لمساعدة رجال الدين في تعزيز سلطتهم.

لكن الأمر الأقل إيجابية هو خشية هؤلاء من رد فعل الحرس المحتمل إذا ما

قرروا، لأي سبب آان، الاتجاه بالثورة إلى سبيل الاعتدال في المستقبل. وهذا

السيناريو هو بالضبط ما واجههه بعض قادة النظام من رجال الدين، بعد مرور

7 سنوات على سقوط بني صدر.

علاقة الحرس الثوري برؤسائه

عندما طرد الإيرانيون العراقيون من الأراضي الإيرانية عام 1982 م،

تحولت الحرب من مجرد آونها دفاعًا عن الوطن لتصبح حربًا ثورية حقيقية،

ووُضعت قدرة الثورة الإسلامية على الانتشار وراء حدود إيران على المحك.

1988 م، وهي مرحلة ترتبط بالنجاح الميداني الإيراني، - وخلال الفترة 1982

فإن إصرار الخميني على مواصلة الحرب ضد العراق حتى النصر، حتم

حدوث إجماع يبن أتباعه من رجال الدين والحرس الثوري وحتى الجيش

النظامي، ولو بشكل أقل، على تحقيق هذا الهدف( 43 ). وحُدِّد النصر على أنه

خلع الرئيس العراقي، صدام حسين، وإزالة النظام البعثي، وإقامة جمهورية

إسلامية في العراق. لكن هذا الإجماع تبخر في صيف عام 1988 م عندما

تعرضت القوات المسلحة الإيرانية – الجيش النظامي والحرس على السواء –

للهزائم إثر سلسلة من الهجمات العراقية، نتج عنها طرد القوات الإيرانية من

الأراضي العراقية، واحتلال القوات العراقية مرة أخرى أراضي داخل إيران.

-13-

وخلال النزاع الذي صاحب قرار الخميني في 17 تموز/ يوليو 1988 م بقبول

قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598 لإنهاء الحرب، تصدع التحالف بين

الحرس وآثير ممن ساندوه طويلاً وبالأخص رفسنجاني آبير المنادين بالتسوية

.( عن طريق التفاوض( 44

في عام 1988 م، أصبح التزام الحرس الحماسي بمواصلة الحرب – التي

صاحبت الثورة طيلة 8 سنوات – عبئًا يجثم على صدر آثير من السياسيين،

الذين آانوا قد استخدموا تشدد الحرس سابقًا لخدمة مصالحهم السياسية الذاتية.

وآانت معارضة الحرس لتلك الفئة من رجال الدين – التي تريد المساومة على

مبادئ الثورة المتشددة – تدل على أن الحرس لم يقدم التأييد السياسي إلا لمن

ظلوا مخلصين لمبادئ الثورة من هؤلاء السياسيين.

توحي التقارير الصحفية ورسالة الخميني إلى قادة الحرس المجتمعين في

استاد آزادي في أيلول/ سبتمبر 1988 م، بأن الحرس آان يعارض وقف إطلاق

النار برغم الكوارث الميدانية( 45 ). ولعل رفسنجاني ومؤيديه أدرآوا أن الحماس

الذي أبداه الحرس ضد العراق قد يرتد على رجال الدين أنفسهم، إذا ما اعتبر

الحرس أنهم انحرفوا عن مبادئ الثورة، أو تحايلوا على الخميني لحمله على

إنهاء الحرب. ولذا يمكن الاستنتاج بأن بيان الخميني الرسمي بتحمل مسئولية

قرار وقف إطلاق النار( 46 )، آان عملاً حاسمًا في التخفيف من رد الفعل

الانتقامي المحتمل صدوره عن الحرس وحلفائه المتشددين داخل النظام.

هناك دلائل مهمة على سعي رفسنجاني إلى إضعاف الحرس سياسيًا،

فعندما بدأت أوضاع إيران العسكرية تتدهور عام 1988 م، توقع رفسنجاني

نشوء حاجة ملحة للسعي نحو السلام، وحدوث استياء محتمل في صفوف

الحرس من جراء ذلك. وبالتالي وجّه للحرس أخطر تحد سياسي له منذ سقوط

بني صدر. وإثر توالي الهزائم الإيرانية في الفاو وشرق البصرة، طلب

الخميني من رفسنجاني، الذي آان يقوم بدور أساسي في إدارة الحرب، بحكم

آونه ممثل الخميني مجلس الدفاع الأعلى، أن ينوب عنه في مهام القائد

العام للقوات المسلحة( 47 ). ووُجّهت الأوامر إلى رفسنجاني بوقف الانهيار

العسكري الإيراني – ولو جزئيًا – من خلال تحسين التعاون بين الجيش

النظامي والحرس( 48 ). وبعد ذلك تمكن رفسنجاني من إقناع محسن رضائي،

قائد الحرس – أو إجباره – على الظهور على شاشة التليفزيون للاعتراف

-14-

بمسؤوليته عن هزائم إيران، الأمر الذي أضعف قائد الحرس سياسيًا وضعضع

.( الروح المعنوية للحرس( 49

استنادًا إلى تفويض الخميني أقام رفسنجاني مقرًا عامًا جمع فيه أرآان قيادة

الحرس والجيش النظامي( 50 ). وعين آلاً من علي رضا أفشر وعلي شمخاني،

نائبين للقائد على التوالي لشئون العمليات والمخابرات والموارد البشرية في

القيادة العامة، بعد أن آانا مساعدين لرضائي فترة طويلة( 51 )، في محاولة

واضحة لعزل رضائي قائد الحرس. وفي أوائل أيلول/ سبتمبر، أي بعد 6

أسابيع من قبول وقف إطلاق النار، سمح رفسنجاني لمجلس الشورى – على

ما يبدو – بعزل رفيق دوست، الذي شغل منصب وزير الحرس فترة طويلة

(وحليف رفسنجاني وصهره آما يقال) ( 52 )، برغم أنه آان بوسعه التدخل

لمصلحة رفيق دوست بحكم آونه رئيس مجلس الشورى. وتوحي هيمنة

رفسنجاني على المجلس بأنه ربما يكون قد رعى –أو دعم ضمنيًا– قانونًا لدمج

وزارتي الحرس والدفاع( 53 )، وهو ما أثار شائعات بأنه سيتم دمج الحرس

والقوات النظامية في نهاية المطاف( 54 ). ومن المعروف أن الحرس سعى دائمًا

للبقاء مستقلاً عن الجيش النظامي.

الحرس الثوري يثأر لنفسه

بخلاف الصراعات السياسية المبكرة ضد بازرآان وبني صدر، لم يكن

للحرس إلا حلفاء قليلون يساعدونه في مجابهة رفسنجاني. فقد وافق آثير من

رجال الدين في النظام على ضرورة وقف الحرب، ورأوا بوضوح أن إنهاء

.( الحرب ضروري من أجل إتاحة الفرصة لإضعاف النفوذ السياسي للحرس( 55

وزيادة على ذلك، فإن الخميني نفسه آان قد صادق علنًا على التخلي عن جهود

الحرب، الأمر الذي ترك الحرس وحلفاءه المتشددين معزولين. ولهذا آان على

الحرس أن يستجمع قواه المؤسساتية الذاتية لدحر التحدي السياسي في فترة ما

بعد الحرب، لكن بدون الظهور بمظهر الخارج على الحكومة الإسلامية أو

الأب الكاريزمي للحرس، آية الله الخميني.

ولدفع هذا التحدي، عُقد أواخر أيلول/ سبتمبر 1988 م، في استاد آزادي

طهران، اجتماع آبير لقادة الحرس على المستويين المحلي والقومي من جميع

أنحاء إيران، حيث "بحثوا في خططهم المستقبلية للحفاظ على الثورة

الإسلامية" حسبما قال رضائي( 56 ). وآان هذا الاجتماع الضخم بالأساس

-15-

عرضًا للقوة من جانب الحرس، وينطوي على تهديد مبطن لرفسنجاني والقيادة

السياسية بأن الحرس سيقاوم أية محاولة جادة لإضعافه. وآانت البيانات

المتتالية لقادة الحرس تنذر بالسوء، حيث صرح المتحدث باسم الحرس، علي

رضا أفشر، بأن فشل رجال الدين في الحفاظ على أيديولوجيا الثورة سيشكل

تهديدًا للثورة نفسها( 57 ). والأمر الأآثر إثارة للقلق هو التقرير الذي أوردته

صحيفة عربية مرموقة، ويفيد بأن رجال الحرس حاولوا اغتيال رفسنجاني عدة

.( مرات، في إطار النزاع حول دور الحرس في فترة ما بعد الحرب( 58

ثم إن لجوء الحرس إلى اتباع سياسة حافة الهاوية قد نجح إلى حد بعيد. فقد

تعهد جميع القادة السياسيين – الذين خطبوا أمام اجتماع قادة الحرس – بأن

يبقى الحرس قوة عسكرية منفصلة والحارس الأول للثورة. وفي الوقت نفسه

جرى تعيين حليف رضائي المتطرف، علي شمخاني، للحلول محل رفيق

دوست آوزير للحرس( 59 ). وأجّل مجلس الشورى لمدة 6 أشهر النقاش حول

مشروع قانون يهدف لدمج وزارتي الحرس والدفاع( 60 ). (لم تتم الموافقة على

الدمج إلا بعد عام من وفاة الخميني تقريبًا) ( 61 ). وآان الخميني قد أصدر بيانًا

علنيًا بتأييد الحرس، يأمر فيه القادة السياسيين بعدم اتخاذ أية خطوات

.( لإضعافه( 62

وإذا آان الحرس قد قاوم – من حين لآخر – محاولات خنقه، التي جرت

على يد المشرفين عليه والسياسيين الداعمين له تقليديًا، فإن جهود رجال الدين

لتعديل شخصية الحرس الحماسية الثورية لم تنقطع. وبذل رفسنجاني، وبعده

علي خامنئي، جهودهما لإرساء المفاهيم القائلة بأن عملية توجيه أية قوة مسلحة

نحو الاحتراف تقلل من ميلها للانغماس في السياسة. ودعا رفسنجاني في

خطاب مهم ألقاه أمام الحرس في شهر تشرين الأول/ أآتوبر 1988 م، إلى

تحسين انضباط الحرس وتأسيس هرمية" واضحة، أي تحديد رتب رسمية

لعناصره، والترآيز على التدريب والكفاءة في التقنيات العسكرية التقليدية،

والتخلي عن تصدير الثورة بطريق القوة( 63 ). وذآر رفسنجاني أن "إحدى

مسئوليات قادة الحرس الثوري هي التفكير في تحويل مؤسستهم إلى منظمة

عسكرية آاملة، ومن مسئولية أفراد الحرس قبول ذلك، ومن الواجب عليهم

الشعور بأنهم أعضاء في منظمة عسكرية حقيقية"( 64 ). وجاء خامنئي بكلام

مشابه، حيث أيد الدعوة الموجهة للحرس لتحسين انضباطه والبقاء خارج

-16-

"السياسة التافهة"( 65 ). ومع ذلك، لا يوجد دليل واضح على أن قادة الحرس أو

عناصره تجاوبوا مع هذه الجهود الداعية إلى الاحتراف وعدم تسييس مؤسسة

الحرس. ومن الواضح أن الحرس لم يوقف جهوده لتصدير الثورة عن طريق

القوة، آما أن إدخال الرتب العسكرية التقليدية عام 1990 م لم يؤد إلى زيادة

قدرات الاحتراف لديه، فضلاً عن أن الحرس واصل حشد التأييد الشعبي

.( للسياسات المتطرفة( 66

يدل صمود الحرس في وجه هذه التحديات على عمق جذوره الثورية،

ويميزه بشكل واضح عن المؤسسات الثورية الأضعف والأقل تكيفًا ومرونة،

مثل الباسدران واللجان الثورية والعديد من المؤسسات الأخرى، التي انهارت

أو ضعفت بشكل آبير خلال فترة الصراع المستمر على السلطة في النظام

الإسلامي. بل إن مؤسسة ولاية الفقيه – التي تمثل النظام الإسلامي السياسي

الثوري أفضل تمثيل – لم تسلم من عملية انتقال السلطة إلا بصعوبة شديدة.

إن قدرة الحرس في الحفاظ على تشدده الثوري وقوته التنظيمية في مواجهة

محاولات النظام لإضعافه، تميزه أيضًا عن نظرائه في التاريخ. فالجيوش

الثورية – آالجيش الثوري الفرنسي أو جيش التحرير الشعبي الصيني أو

الجيش الأحمر السوفيتي – لم تواجه تهديدات من آبار القادة بعد الثورة

بتقويض أسسها، وإن تعرضت – آمنظمات ثورية – لبعض النزاع حول

النفوذ فيها.

لقد جرى تسريح القوات الشعبية للثورة الفرنسية، التي آانت تحمل الكثير

من سمات الحرس الثوري خلال أيامه الأولى، عندما بدأ تطرفها يتخطى

الحدود المقبولة، ويهدد بالتالي القيادة الثورية في فرنسا( 67 ). آما تعرض جيش

التحرير الشعبي الصيني لمحاولات مدنية لجعله يسير في طريق الاحتراف،

مع أنه ظل يشكل –دون شك– مجموعة رئيسية لها مصالحها في النظام

الشيوعي الصيني. وأصبح هذا الجيش قوة محافظة بما فيه الكفاية بحلول

الثورة الثقافية. بل عمل آعنصر آبح لمتطرفي الحرس الأحمر الذين تجاوزوا

حدود تعليمات ماوتسي تونج( 68 ). ومن المعلوم أن رتب التسلسل القيادي

التقليدية أُدخلت في جيش التحرير الشعبي الصيني آما حدث مع الحرس

الثوري الإيراني، لكنه اختلف عن الأخير في خضوعه لعملية تغيير قادته

الثوريين المخضرمين، إذ حل محلهم ضباط محترفون ذوو آفاءة( 69 ). وبالمثل

-17-

صار الجيش الأحمر السوفيتي خادمًا مطيعًا – إلى حد ما – للحزب الشيوعي

الذي أوجده. فقد آان احتراف الجيش الأحمر وعدم تسييسه هدفًا رئيسيًا

لتروتسكي والنظام البلشفي منذ البداية، حتى لا يشكل خطرًا سياسيًا على

الحزب الشيوعي( 70 ). ولم يكن للجيش الأحمر القدرة ولا النية لمعارضة قيام

ستالين بتعيين ضباط محترفين – بدلاً من قادته الثوريين مثل فوروشيلوبف

وبوديني – أثناء الحرب العالمية الثانية( 71 ). والمثال الأقرب على عجز الجيش

الأحمر عن الالتزام الأيديولوجي هو فشله في البروز آقاعدة مؤسساتية

لمعارضة انهيار الشيوعية، بل وانهيار الاتحاد السوفيتي نفسه. وظهر هذا

واضحًا في مشارآة الجيش الفاشلة المترددة وغير المتماسكة في انقلاب

المتشددين في الاتحاد السوفيتي في آب / أغسطس 1991 م.

المرونة الاجتماعية

مثلما اضطر الحرس لصد الهجمات التي شنتها الدوائر السياسية على

وحدته التنظيمية وعلى أيديولوجيته المتشددة، فقد اضطر أيضًا إلى مواجهة

القيود والتحديات النابعة من ترآيبته الاجتماعية ذاتها. وقد أملت متطلبات

الحرب مع العراق – إلى حد ما – طبيعة هذه الترآيبة. ومع أن الترآيبة

الاجتماعية للحرس لم تشكل قط مصدر تهديد بالقضاء على الحرس آمؤسسة،

إلا أن بعض الجماعات التي استوعبها بين صفوفه آان يمكن أن تطفئ شعلة

حماسة الثوري، لكن هذه الجماعات لم تفعل ذلك. لذا آانت النتيجة الطبيعية أن

تمكن الحرس من استيعاب مختلف الفئات الاجتماعية التي جعلت قدرة الحرس

على أداء مهمته أآثر صعوبة وتعقيدًا برغم انتهاجها خطًا راديكاليًا. وسوف

نبين آيف أن الحرس نجح في التغلب على القيود العملياتية التي شكلتها تلك

الجماعات.

آانت النواة الاجتماعية للحرس الثوري تضم أساسًا فدائيي المدن المنتمين

إلى الشريحة الدنيا من الطبقة المتوسطة، الذين قاتلوا نظام الشاه منذ مطلع

السبعينيات على الأقل. فمحسن رفيق دوست – أحد الأعضاء القدامى في

المجموعة الأساسية التي شكلت الحرس عام 1979 م، وشغل منصب وزير

الحرس فترة طويلة – آان يقوم بأنشطة معادية للشاه بعد انتفاضة 1963 م التي

قام الخميني فيها بدور بارز( 72 ). وآان العديد من قادة الحرس ومؤسسيه طلبة

أو عاملين في المجالات التقنية. فمحسن رضائي – الذي آان أبوه تاجرًا

-18-

صغيرًا في البازار ومؤيدًا للخميني – قد عمل لفترة وجيزة في القطاع النفطي

في جنوب إيران. وآان علي شمخاني – الذي أشار إليه تقرير في الصحافة

الإيرانية عام 1980 م بالمهندس شمخاني – أحد أفضل قادة الحرس تعليمًا، فقد

تلقى تعليمه في آلية للزراعة بجنوب إيران( 73 ). وآان بهزاد نبوي مؤسس

منظمة مجاهدي الثورة فني إلكترونيات درس في معهد طهران العالي للعلوم

التقنية( 74 ). ثم أُضيف إلى المجموعة الأساسية من الفدائيين بعض المتشددين

المتزمتين الذين ينتمون إلى الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، وأصبحوا

يحملون السلاح ويشارآون في النضال مع تطور مراحل الثورة.

الانتهازيون

إضافة إلى المتشددين الذين التحقوا بالحرس لأسباب عقائدية وسياسية

وشكلوا نواة تنظيمه، أدخل الحرس إلى صفوفه فئة من المجندين يمكن وصفهم

ب "الانتهازيين" الذين انضموا إليه بدافع المصلحة الشخصية في المقام الأول.

وآانوا متعاطفين مع أيديولوجيا الحرس وتكتيكاته التي غالبًا ما اتسمت

بالوحشية، لكن حماسهم في تأييد المُثُل العليا للحرس لم يرق إلى مستوى

حماس الذين أسسوه، أو آانوا من أوائل الملتحقين بصفوفه، وإنما رأوه في

الانتساب إلى الحرس وسيلة لتحسين أوضاعهم الشخصية. وآما يشير بخش

"فإن عشرات الآلاف من الشبان العاطلين عن العمل، والمحرومين الذين

يقنطون الأحياء القذرة والفقيرة في المدن، عثروا على وظائف في الحرس

واللجان الثورية"( 75 ). وبالمثل وصفت صحيفة هندية أثر "عوامل الترغيب

والترهيب" – وهي مزيج من تدهور الاقتصاد المحلي، وإغلاق الجامعات،

وسمعة الحرس الطيبة في النظام الجديد، وما يؤمنه من فرص العمل – في

.( تعليل بروز الحرس آطريق شعبي لتحسين الأوضاع المعيشية( 76

وبالنسبة للشبان الطموحين أثبت الحرس فعاليته آأداة لتبوؤ مكانة أعلى في

إيران الثورة، من خلال عدة أمثلة بارزة على نجاحه. فقد أصبح جواد

منصوري وآيلاً لوزارة الخارجية بعد قرابة سنتين من مساهمته في تأسيس

الحرس( 77 ). وعين محمد قراضي، وهو من المؤسسين الأوائل للحرس، حاآمًا

.( عامًا لخوزستان ثم وزيرًا للنفط وأخيرًا وزيرًا للبرق والبريد والهاتف( 78

وأصبح محسن رضائي قائدًا للحرس – وبالتالي شخصية وطنية بارزة – وهو

في السابعة والعشرين. وأصبح شمخاني نائبًا له وهو في السادسة

-19-

والعشرين( 79 ). ولا شك في أن القدرة التي أعطاها هؤلاء – مقرونة بصورة

الحرس آجزء من النخبة الجديدة في إيران – شكلت دافعًا قويًا لتطوع الشبان

الإيرانيين في الحرس.

إضافة إلى العوامل المعنوية مثل السمعة الطيبة وتحسين المكانة الشخصية،

آان الالتحاق بالحرس يعود بفوائد مادية وفورية. وعلى رأسها دون شك

الرواتب العالية لرجال الحرس بالمقارنة مع جنود الجيش النظامي( 80 ). إضافة

إلى أن بعض مصادر الصحافة الدولية ذآرت أن أفراد الحرس تلقوا قطع

أراض تمت مصادرتها من أصحاب الأراضي الأثرياء الذين هربوا من البلاد

في أعقاب الثورة( 81 ). فإذا وضعنا في اعتبارنا معدل البطالة المرتفع في إيران

طوال معظم فترة الحرب، والمزايا المادية المتأتية من الخدمة في الحرس، لن

نجد صعوبة في فهم الجاذبية القوية للانتساب إلى الحرس.

ومع أن الانتهازيين لم يشارآوا الحرس في طابعه العقائدي المتشدد، فقد

شكلوا عنصرًا لا غنى عنه لتمكين الحرس من استكمال قوته العددية، وبالتالي

قوته المؤسساتية. ومع أن هذه الأهداف التنظيمية تأتي في الدرجة الثانية بعد

الأهداف العقائدية للحرس، إلا أنها تفسر دون شك سبب استعداد الحرس لتقديم

حوافز مادية لمجنديه. بيد أن العيب الرئيسي لوجود الانتهازيين هو أن التزامهم

نحو المؤسسة مرهون بالفوائد المادية والمعنوية التي تقدمها لهم. و انتزاع

هذه الفوائد منهم، أو حصولهم على عروض أفضل من مؤسسات أخرى،

سوف يهجرون هذه المؤسسة بطبيعة الحال. وهناك مشكلة أخرى ترتبط بهذه

المجموعة الانتهازية، وهي أنها تنظر إلى الحرس آمنطلق لتبوؤ مراآز رفيعة

في المجلس والحكومة الوطنية والحكم المحلي، وبالتالي فإنها لم تساهم في

تعزيز الولاء التنظيمي.

برغم الآثار السلبية المترتبة على وجود الانتهازيين في صفوف الحرس،

فإن هذا الوجود لم يضعف تنظيمه أو أيديولوجية الراديكالية. فكما أن أفراد

الحرس الانتهازيين قد استغلوا هذا الجهاز، آذلك فعل الجهاز نفسه مستفيدًا من

جنوده الطموحين لاستكمال آوادره مقارنة مع الجيش النظامي. آما أن

الانتهازيين بمقدار ما آانوا ينظرون إلى الحرس آوسيلة لتحسين أوضاعهم،

آانت لديهم دوافع قوية للالتزام بمبادئه وأنظمة السلوك المتبعة فيه، وتحقيق

النجاح على النحو الذي يفهمه الحرس. لذا قلل هذا الدافع النفعي من الآثار

-20-

السيئة لوجود الانتهازيين في صفوف الحرس.

المجندون

أساء المجندون إساءة آبرى إلى دور الحرس الطليعي في حماية الثورة،

حيث شكلوا تدريجيًا نسبة متزايدة في صفوف الحرس مع استمرار رحى

الحرب في الدوران. وتشير التقديرات غير المؤآدة إلى أن المجندين آانوا في

نهاية الحرب عام 1988 م يشكلون قرابة 80 % من قوات الحرس على

الجبهة( 82 ). غير أن هذا الرقم لا يتضمن قوات الأمن الداخلي الضخمة التابعة

للحرس، أو ما يسمى بمقاتلي الباسيج. وربما يكون الحرس قد بدأ في استخدام

المجندين منتصف الثمانينيات، ولكنه أعلن عام 1987 م بصورة رسمية عن بدء

فرض التجنيد الإجباري على الذآور المؤهلين للخدمة، دعمًا للمجهود

الحربي( 83 ). بل إن الإعلان الرسمي عن سياسة التجنيد تضمن تحذيرًا باتخاذ

إجراءات صارمة بحق الفارين من الخدمة في الحرس، وهو ما يؤآد بالدرجة

.( الأولى أن جنود الحرس لم ينضموا إليه جميعًا بمحض إرادتهم( 84

النظر إلى التجنيد الإجباري في الحرس الثوري على أنه يتناقض مع جوهر

الحرس من أساسه آقوة أيديولوجية متحمسة، مؤلفة من المتطوعين المستعدين

للموت من أجل الخميني والثورة والإسلام. وإن آان هذا التعصب العقائدي قد

أدى إلى استنزاف آثير من مقاتلي الحرس الأقوى تأييدًا لأيديولوجيته

وتكتيكاته، وهو ما ظهر جليًا في الميدان من خلال استخدام "الموجات

البشرية"، التي تكبدت خسائر فادحة في الهجمات التي شُنت ضد الجيش

العراقي، الأفضل تسليحًا( 85 ). وهذه النسبة العالية من الخسائر البشرية تفسر

بدورها قبول الحرس بالتجنيد. لكن التجنيد الإلزامي وحده لم يحل مشكلة

الطاقة البشرية في الحرس، فاستكمل الحرس هذا التوجه، بتحويل الدور

الرئيسي في هجمات "الموجات البشرية" إلى الباسيج الأآثر عددًا وتفانيًا، بينما

احتفظ الحرس لنفسه بالدور الذي ينطوي على درجة أقل من المجازفة، وهو

قيادة الوحدات وقوات المتابعة المساندة للموجات الهجومية، التي يشنها الباسيج

.( مشكلين رأس الحربة( 86

وعلى عكس الانتهازيين الذين تطابقت مصالحهم الشخصية مع المصالح

المؤسساتية للحرس، شكل المجندون أآبر عقبة في وجه أداء الحرس لدوره

آقوة طليعية مسلحة لحماية الثورة، شأنهم شأن المجندين في أي جيش. إذ أُجبر

-21-

مجندو الحرس على الخدمة فيه، وبالتالي آانوا أقل تأييدًا لأيديولوجيته من أي

مجموعة أخرى داخله. ولا شك أن تكتيكات الحرس القائمة على تقبل خسائر

عالية في الأرواح، والتزامه بمواصلة الحرب حتى النصر، خلق تذمرًا شديدًا

في صفوف المجندين، بالمقارنة مع مجندي الجيش النظامي الإيراني وغيره

من الجيوش التقليدية. وتشير الأدلة المتوافرة إلى أن استعداد الحرس لمواصلة

القتال حتى النصر – حتى مع انهيار المجهود الحربي عام 1988 م – لم

يضعفه وجود هذه النسبة العالية من المجندين في صفوفه. بيد أن الاستخدام

المكثف للمجندين أضعف – بشكل غير مباشر – من قدرة الحرس على

الحيلولة دون القبول بوقف إطلاق النار، عبر إسهامه في الانهيار الذي حدث

في جبهة القتال. وتذآر التقارير الصحفية أن البيانات الصادرة عن قادة الحرس

آانت تنادي بالصمود في وجه الهجمات العراقية، بينما آانت وحدات الحرس

نفسها تفر من المعرآة بأعداد آبيرة( 87 ). فالأراضي الواقعة شرق البصرة –

التي احتاجت إيران إلى شهرين للاستيلاء عليها، وتكبدت من أجلها عشرات

الآلاف من الإصابات عام 1987 م – استعادها العراق عام 1988 م في معرآة

استمرت تسع ساعات( 88 ). وهذا النوع من الاستسلام يتعارض مع الأداء السابق

للحرس. فأفراده آانوا يقاتلون حتى الموت تحت ضغوط عسكرية مشابهة في

بداية الغزو العراقي وطوال معظم مراحل الحرب( 89 ). ومع أن عوامل عديدة

يمكن أن تفسر الانهيار العسكري السريع للحرس عام 1988 م، من ضمنها

تحسن الأداء العراقي في ساحة المعرآة واستخدامه الأسلحة الكيماوية( 90 )، إلا

أن وجود نسبة عالية من المجندين في صفوف الحرس، أسهمت بلا شك في

الغياب النسبي لروح المقاومة فيه. وهذا الانهيار العسكري أضعف بدوره قدرة

قادة الحرس ومحاولاتهم لمنع صدور قرار الحكومة الإيرانية بوقف

.( الحرب( 91

وهناك تناقض قد يحتاج إلى تفسير، وهو اضطرار الحرس لفرض التجنيد

الإلزامي، علمًا بأن عدد متطوعي الباسيج ظل مرتفعًا نسبيًا طوال فترة

الحرب( 92 ). وتفسير ذلك أن متطوعي الباسيج لم يكونوا قوة ثابتة مثل جنود

الحرس، وإنما آانوا يتطوعون لمدة ثلاثة أشهر، تتزامن عادة مع فترات

النشاط العسكري المكثف، ثم يعودون إلى ديارهم( 93 ). من هنا آان احتياج

الحرس للمجندين آي يحلوا محل القوات الثابتة والدائمة، التي آانت تُستنزف

بدرجة عالية خلال الحرب. آما يجب ألا يغيب عن البال أن مسئوليات الحرس

-22-

على صعيد الأمن الداخلي جعلت صفوفه قليلة العدد، ولم يكن من السهل على

الحرس أن يرسل أآثر أعضائه التزامًا إلى الجبهة دون التضحية بإمكانياته في

مجال الأمن الداخلي( 94 ). ذلك الدور الذي آان مصدرًا إضافيًا رئيسيًا لقوته

ونفوذه داخل النظام، وهو ما سنتناوله لاحقًا.

وخلاصة القول، آان استخدام الحرس للمجندين عائقًا – لا مفر منه – أمام

جهوده لمواصلة الحرب الثورية. وبالفعل ساهم المجندون في التعويض عن

الاستنزاف البشري المستمر الذي آان يتعرض له الحرس، لكن ضعف

التزامهم بالحرب والمبادئ المتشددة للثورة ساهم في سوء الأداء العسكري

للحرس، عندما قام العراق بشن ضغط عسكري آبير على جبهة القتال عام

1988 م. وبرغم الأثر السيئ لاستخدام المجندين، فقد احتفظ الحرس بقوة

سياسية تكفي للحيلولة دون إقدام السياسيين على استغلال الهزائم العسكرية

لإضعافه سياسيًا.

الخبراء والبيروقراطيون

نتيجة لتزايد التعقيدات والمتطلبات الملقاة على عاتق الحرس خلال فترة

الحرب، آان عليه أن يضم فئتين أخريين إلى ترآيبته، الإداريين والخبراء

الفنيين. وشكلت هاتان الفئتان تناقضًا ملموسًا مع الطابع الثوري للحرس. وآما

يفترض ويبر، فإن بيروقراطيّي الحرس – الذين نشأت الحاجة إليهم لمواجهة

أعباء صرف رواتب العدد المتزايد من المجندين وإدارة شعبة توريد الأسلحة

واحتياجات المساندة اللوجستية، وتنظيم العلاقات مع البيروقراطية المدنية –

آان متوقعًا منهم أن يلطفوا من الحماس الثوري للحرس، بإضفاء درجة من

العقلانية والتنظيم على عملياته( 95 ). آما تم تجنيد الخبراء الفنيين في الحرس

لتطوير قدراته في مجال إنتاج الأسلحة المحلية، ولتحسين الأداء اللوجستي في

ساحة القتال عبر استخدام التكنولوجيا، مثل أنظمة الاتصالات( 96 ). وقام عدد

من المهندسين بأداء هذه المهام للحرس –بصورة غير مباشرة– عبر العمل في

منظمة جهاد البناء، التي تعمل أيضًا على تطوير أنظمة الأسلحة وتقدم مساعدة

لوجستية للحرس( 97 ). وشأنهم شأن بيروقراطيي الحرس، آان يُنتظر من

الخبراء الفنيين أن يخففوا من الغلواء الثورية، عبر إدخال مبادئ صنع القرار

المستندة إلى الدراسة العلمية المنطقية بدلاً من العاطفة والانفعال.

ولكن الخبراء والبيروقراطيين – خلافًا للتوقعات – لم يحولوا الحرس إلى

-23-

قوة عسكرية أآثر محافظة وعقلانية. بل إن هذه الفئات زودت الحرس بقدرات

أآبر لمتابعة الحرب الثورية التي لم يكن يريد التخلي عنها. وأتاحوا له فرصة

الاستفادة من الأسلحة التقليدية والتكتيكات الأآثر تطورًا، فلم يتخل الحرس قط

عن السمة المميزة لاندفاعه الثوري، أي الهجوم بالموجات البشرية، بل استخدم

.( الأسلحة التقليدية المعقدة لتحسين آفاءة تكتيكاته شبه الانتحارية وزيادة( 98

التفاعل مع الجيش النظامي

قضية تعاون الحرس وتفاعله مع الجيش النظامي هي قضية متشعبة؛ لأن

استخدام الحرس للخبرة العسكرية النظامية لم يضعف حماسه الأيديولوجي، بل

دخل في نطاق قدرة الحرس على التكيف مع تأثير الفئات الاجتماعية الضعيفة

أو غير الثورية، وقدرته على امتصاص هذا التأثير. ومع أن الحرس والجيش

النظامي ظلا منفصلين آمؤسستين، لكل منهما تسلسله الهرمي والقيادي

الخاص به، إلا أن الحرس تقبل تدريب الجيش النظامي له، وسمح لبعض

الضباط النظاميين بقيادة وحدات مختارة من الحرس في هجمات رئيسية

محددة( 99 ). وآما فعل الحرس بشأن استخدام الخبراء الفنيين، تمكن الحرس

أيضًا من قبول معارف ومواهب العسكريين النظاميين دون أن يعرض أهدافه

ومبادئه المتشددة للخطر. فالتدريب العسكري التقليدي، والتكامل المحدود في

ساحة القتال، لم يدفعا الحرس إلى التخلي عن استخدام التكتيكات غير التقليدية

مثل هجمات الموجات البشرية. وهذا ما حدث حتى خلال هجوم الفاو عام

1986 م – وهو أنجح هجوم شنته إيران – حين حقق الحرس والجيش النظامي

.( أعلى درجة من التنسيق بينهما( 100

وقدرة الحرس على مقاومة التمييع الأيديولوجي، برغم استفادته من خبرة

الجيش الذي آان قائمًا قبل الثورة، تميزه عن الجيش الأحمر السوفيتي. فقد

أعاد الجيش الأحمر ضباط القيصر السابقين الذين آان يشار إليهم "بالخبراء

العسكريين" إلى المراآز القيادية خلال الحرب الأهلية، واعتمد عليهم اعتمادًا

شديدًا في الحرب العالمية الثانية( 101 ). ونظرًا لتأثير هؤلاء "الخبراء

العسكريين" فضل الجيش الأحمر الروح الاحترافية على الحماس الثوري،

واآتسب الضباط الأآفاء في نهاية الأمر نفوذًا أآبر من الثوار المتفانين داخل

ترآيبة الجيش الأحمر، وهذا بخلاف ما حدث في الحرس( 102 ). وبدلاً من أن

تؤسس الثورة الفرنسية جيشًا جديدًا بالكامل، فتحت الباب أمام الضباط الأآفاء

-24-

للترقي، وتخطي النخبة العسكرية الأرستقراطية التقليدية( 103 ). وآان الجيش

الثوري الفرنسي – من حيث ترآيبته وتكتيكاته واستراتيجيته – قوة مسلحة

.( تقليدية ومحترفة، حتى عندما شن حربًا ثورية حماسية تحت قيادة نابليون( 104

ومع أن التاريخ لا يعطينا الخبر اليقين، يمكن القول: إن التزام الجيش الفرنسي

بالفتوحات الثورية، يعود إلى زعامة نابليون العسكرية والسياسية الكاريزمية،

أآثر مما يعود إلى الأيديولوجيا الذاتية للجيش الثوري الفرنسي. ولو قرر

نابليون وضع حد للحرب التي شنها، فإننا نشك في أنه آان سيواجه معارضة

تذآر من ضباط الجيش الفرنسي وجنوده.

اقتصرت حتى الآن مناقشة المرونة الاجتماعية للحرس على تحليل الفئات

المنضوية تحت لوائه، والتي آانت محايدة أو غير متحمسة، أو ربما معارضة

لأيديولوجيا الحرس. غير أن التحليل الإجمالي يجب أن يشمل أيضًا قدرة

الحرس على أن يضم إلى صفوفه الفئات الاجتماعية التي آانت تؤيد

أيديولوجيته بحماس، لكن وجودها فرض قيودًا عملية على قدرته في أداء

رسالته. وتشكل درجة نجاح الحرس في التعامل مع هذه القيود محكًا لمرونته،

لا يقل مصداقية عن نجاحه في استيعاب الجماعات غير الأيديولوجية –أو حتى

المناوئة للأيديولوجية – داخل صفوفه.

الباسيج

بلا شك، آان أفراد الباسيج (أو حرآة تعبئة المستضعفين) هم أول نموذج

لفئة اجتماعية سببت للحرس مشاآل عملياتية، وإن لم تكن أيديولوجية. إذ يضم

الباسيج في صفوفه شبانًا صغارًا جدًا (تقل أعمارهم عن ال 17 سنة اللازمة

عادة للخدمة العسكرية، وقد لا تتجاوز أعمارهم 10 أو 11 سنة) ومتطوعين

آهولاً (معظمهم مدنيون متقاعدون) قادمين عادة من المناطق الريفية والمدن

الصغيرة( 105 ). وآان متطوعي الباسيج على الدوام حوافز ودوافع

أيديولوجية ودينية قوية، شأنهم شأن إخوانهم في جهاز الحرس الأساسي،

وآانوا عادة أقل ثقافة وعلمًا من معظم أفراد الحرس، بل آان آثير منهم

أميين( 106 ). وآان يتم تجنيد الباسيج أيضًا من بين صفوف طلبة المدارس

الثانوية والجامعات وموظفي الحكومة وعمال المصانع( 107 )، ومثلهم مثل

.( الحرس، ضموا في صفوفهم خبراء فنيين( 108

برغم أن الباسيج – آتنظيم – آان رسميًا منفصلاً عن الحرس خلال

-25-

الحرب الإيرانية – العراقية، وآان له قائده الخاص، إلا أنه في الواقع آان –

ولا يزال– جزءًا لا يتجزأ من الحرس نفسه. وقد وُضع رسميًا تحت إمرة

الحرس في الأول من آانون الثاني/ يناير 1981 م( 109 ). وأُسس رسميًا آجهاز

حرس خامس عام 1990 م. وقام الحرس بتجنيد جميع وحدات الباسيج

وتنظيمها وتدريبها وقيادتها. آما أن رضائي هو الذي عين رجل الدين المتشدد

علي رحماني، قائدًا للباسيج عام 1984 م وظل في منصبه مدة طويلة( 110 ). وفي

آانون الثاني/ يناير 1990 م، عُين علي رضا أفشر –حليف رضائي القديم

والناطق باسم الحرس– قائدًا للباسيج، بناءً على توصية رضائي نفسه، الأمر

.( الذي قضى فعليًا على أية سلطة قيادية استقلالية للباسيج( 111

يصف العديد من تقارير الحرب مقاتلي الباسيج عن حق بأنهم وقود حرب

الحرس الثوري، حيث يسيرون إلى ساحة القتال مزودين بأسلحة خفيفة وفي

موجات بشرية، عابرية حقول الألغام للوصول إلى المواقع العراقية الحصينة،

ممهدين بذلك الطريق للهجمات التالية التي يشنها رجل الحرس الأآثر تمرسًا

والأفضل تسليحًا( 112 ). فالباسيج الذين يحفزهم التزامهم نحو الثورة، آانوا

يتلقون جرعات إضافية من مسئولي الحرس ومدربيه من رجال الدين

الراديكاليين، الذين دأبوا على تلقينهم الأفكار الدينية والثورية( 113 ). وتضمّن

التدريب العسكري للباسيج –على يد رجال الحرس– برنامجًا لمدة أسبوعين

على استخدام القنابل اليدوية والبنادق الأوتوماتيكية، وإعطاءهم وعدًا بدخول

الجنة إن سقطوا شهداء في ساحة الوغي( 114 ). ونقلت هيئة الإعلام الإذاعي

عن صحيفة روسية أن مفاتيح بلاستيكية آانت تعلق حول FBIS الخارجي

أعناقهم، ويقال لهم بأن هذه المفاتيح ستفتح لهم أبواب الجنة( 115 ). واستأثرت

الصلوات وتلاوة القرآن والأناشيد والخطب الحماسية التي آان يلقيها قادة

.( الحرس بجزء آبير من برنامجهم التدريبي وحياتهم على خط النار( 116

وبرغم أن الالتزام الأيديولوجي للباسيج لم يرق إليه الشك، إلا أن طبيعتهم

بحد ذاتها فرضت مشاآل جمة على الحرس، إذ آانوا متطوعين وليسوا قوات

ثابتة. وآانوا يخدمون فترة قصيرة لا تتجاوز عمومًا ثلاثة أشهر، ثم يعودون

إلى بيوتهم وأعمالهم( 117 ). وآان متطوعو الباسيج يؤدون الخدمة العسكرية

استجابة لدعوات التعبئة السنوية، أو نصف السنوية، التي توجهها قيادات

الحرس والزعماء السياسيين. وبما أن مقاتلي الباسيج آانوا يشكلون غالبية

-26-

جنود المشاة في عمليات الحرس، فإن مدة خدمتهم القصيرة قللت من الفترات

الزمنية التي وصل فيها تعداد القوات المسلحة الإيرانية إلى المستوى المطلوب

لشن عمليات هجومية، مما اضطر الحرس إلى التعامل مع أعداد غير يقينية

من المتطوعين الذين سيستجيبون لدعوة التعبئة، وترتب على ذلك عدم قدرته

على حشد عدد آاف من الوحدات الثابتة ذات التدريب الدائم المنتظم( 118 ). وفي

معرض بحثها عن أهم القيود الناجمة من الاعتماد على قوات متطوعة، تنوه

تشورلي بالإحباط الذي آان يشعر به الثائر الأمريكي، الجنرال جورج

واشنطن، الذي أعاق اعتماده على المتطوعين خطط عملياته ضد

.( البريطانيين( 119

آما أن هناك أيضًا علاقة مهمة بين الترآيبة الاجتماعية للباسيج والقيود

التي فرضوها على الحرس. فنظرًا لأن نسبة عالية منهم أتت من الأرياف

الإيرانية، لذا آانت أفضل فترة لاستقبال الباسيج هي الأشهر الثلاثة ما بين

آانون الأول/ ديسمبر وآذار/ مارس، الأمر الذي آان يسمح للباسيج بالعودة

إلى قراهم في الوقت المناسب مع بداية الموسم الزراعي، آما يسمح للطلبة

منهم بالعودة إلى مدارسهم للتقدم لامتحانات الربيع( 120 ). وهكذا فإن فرصة

الحرس للوصول إلى الحد العددي الأقصى، وبالتالي القيام بعمليات هجومية

آبرى، اقتصرت على فصل الشتاء الذي يمكن فيه تعبئة الباسيج على أفضل

وجه. وقد أآد علي رضا أفشر الناطق الرسمي باسم الحرس هذه العلاقة،

وأوضح أن الهجمات العراقية آانت تحدث عمومًا في الربيع، عندما آان عدد

.( وحدات الباسيج التي ترسل إلى الجبهة يصل إلى أدنى مستوى سنوي له( 121

وفي إحدى المحاولات غير الموفقة لتذليل هذه العقبة، حاول الحرس وضع

برنامج على مراحل، لضمان وجود الباسيج بصورة ثابتة في جميع الأوقات،

وبأعداد يمكن تقديرها مسبقًا، حتى يتمكن من تنظيم عملياته الهجومية في

.( الأوقاف التي يختارها، وفي أفضل الأحوال والظروف العسكرية( 122

ومع أن خسارة إيران الحرب أثبتت فشل استراتيجية الحرس في التعبئة،

فقد ظل يحاول التغلب على القيود التي فُرضت عليه، نتيجة حاجته الماسة

للمتطوعين. واستطاع الجمع بين استراتيجيته الحربية والأنماط السائدة لتعبئة

الباسيج، وحقق بعض النجاح في البداية، عبر شن هجماته مستفيدًا –إلى أقصى

حد– من الأحوال الجوية والأرضية، واضعًا نصب عينيه القيود الزمنية

-27-

والبشرية. وفي ذروة توافر القوى البشرة الإيرانية (آانون الأول/ ديسمبر إلى

آذار/ مارس)، آانت الأراضي الواقعة جنوب العراق، والتي تقطنها غالبية من

الشيعة العراقيين، غير ملائمة بالمرة لقوات الحكومة العراقية التي يهيمن عليها

السُّنة، بل آانت تناسب الهجمات البشرية المكثفة بالأسلحة الخفيفة، التي شنها

الحرس والباسيج. فالمناطق الحدودية بين إيران والعراق –لاسيما تلك المحيطة

بالبصرة، وهي ثاني أآبر مدينة في العراق وتقطنها غالبية شيعية– تتميز

بالمستنقعات التي أعاقت في أيام المطر تحرآات الدبابات العراقية ومدفعيتها

الثقيلة( 123 ). آما أعاقت الأحوال الجوية السيئة عمليات سلاح الجو العراقي.

وفي فصل الشتاء –الذي آان يصادف فترة التعبئة البشرية القصوى

إيران– آانت المزايا العسكرية العراقية في أدنى مستوى لها، بينما آانت

المزايا العسكرية الإيرانية في أقصى حد لها.

إن تضافر عوامل مثل الحد الأقصى من القوى البشرية الإيرانية، والأحوال

الجوية والتضاريس المناسبة، ووجود أهداف استراتيجية من الناحية السياسية

داخل العراق، يفسر إلى حد آبير أنماط الهجمات الرئيسية الإيرانية خلال

الحرب. فالهجمات الإيرانية الرئيسية في مستنقعات الأهواز عامي 1984 م و

1985 م، والفاو عام 1986 م، وشرق البصرة عام 1987 م، شُنت آلها في

.( المستنقعات القريبة من البصرة، بهدف عزلها والاستيلاء عليها في النهاية( 124

وآانت هذه الاستراتيجية الحربية تستند إلى الافتراض بأن الاستيلاء على

البصرة يعجل في سقوط نظام البعث العراقي، من خلال تشجيع شيعة العراق

على الثورة والعصيان. آما مكنت الخطة الحربية الحرس من تحقيق هدف آخر

من أهدافه –وهو خطف الأضواء من الجيش النظامي– وحققت الاستراتيجية

المرسومة هذا الهدف، بالتقليل إلى أدنى حد من اتباع التكتيكات التقليدية، التي

تشكل مواطن القوة الرئيسية الجيش النظامي. وبرغم الخسائر الفادحة التي

تكبدها الإيرانيون، لاسيما في صفوف الحرس والباسيج، إلا أن هذه الهجمات،

وبالأخص الاستيلاء على الفاو عام 1986 م، شكلت ضغطًا شديدًا على

الحكومة العراقية، وعززت آثيرًا من تأثير الحرس في صناعة القرار

.( العسكري( 125

وبحلول عام 1988 م، آان العديد من مقاتلي الحرس والباسيج، التواقين إلى

الاستشهاد في سبيل الإسلام والثورة، قد حققوا تلك الأمنية. ويبدو أن الخسائر

-28-

الإيرانية الجسيمة، وعجز استراتيجية الحرس عن الإطاحة بصدام حسين، قد

أضعف –على ما يبدو– من المعنويات الإيرانية، وجعل إيران عاجزة عن شن

أي هجوم آبير عام 1988 م. وآل ما استطاعت إيران القيام به آان هجومًا

ضعيفًا في المناطق غير الاستراتيجية الواقعة شمال العراق( 126 ). ولا شك أن

العراق –الذي أحس بالضعف الإيراني، وآذلك بالعودة الموسمية لمتطوعي

الباسيج إلى قراهم– اختار شهر نيسان/ أبريل من تلك السنة لبدء سلسلة من

الهجمات المضادة، أجبرت إيران في النهاية على الجلوس إلى طاولة

المفاوضات.

برغم الفشل الكامل لاستراتيجية الحرس الحربية، لا بد من القول: إنه آاد

أن يحقق أهدافه العسكرية الرئيسية، لاسيما عامي 1986 م و 1987 م، على

الرغم من القيود التي فرضتها أنماط تجنيد الباسيج غير الثابتة التي لا يمكن

الاعتماد عليها. وعمومًا يمكن القول بأن التنافس القائم بين الحرس والجيش

النظامي، وعدم وجود قدر آاف من التعاون بينهما، هما سبب خسارة الحرب

في النهاية، وليس استراتيجية الحرس وتكتيكاته. فعلى سبيل المثال، نجح

الحرس والباسيج في قطع الطريق الرئيسي الحيوي الذي يربط بين بغداد

والبصرة، خلال هجوم بدر على مستنقعات الأهواز في آذار/ مارس 1985 م،

لكن فشل الجيش النظامي في إرسال تعزيزات إلى الحرس والباسيج، مكّن

العراقيين من محاصرة القوات الإيرانية المهاجمة والقضاء عليها.

إن اقتران موسم تجنيد الباسيج مع فصل الشتاء، ومع المزايا التي تحققها

التضاريس في جنوب العراق، هو أمر من قبيل المصادفة، إلا أنه تجدر

الإشارة إلى ما يتمتع به الحرس من مرونة ميدانية مكنته من التغلب على القيود

التي فرضتها عليه أنماط تجنيد الباسيج. ومن الاحتمالات الأخرى – التي آانت

متاحة أمام الحرس – إمكانية شن هجمات أصغر حجمًا وأآثر عددًا، عند نقاط

عديدة على طول الجبهة، على أمل مباغتة العراقيين وتحقيق الاختراق

المطلوب. وآان يترتب على هذه الاستراتيجية أن يسلم الحرس بدور أآبر

للجيش النظامي في الحرب، نظرًا لاعتماده الشديد على الأسلحة والتكتيكات

التقليدية، وهذا ما يتعارض مع الأهداف السياسية للحرس والتزامه العقائدي ب

"الحرب الشعبية".

المرونة الهيكية – الوظيفية

-29-

يشير هذا التعبير بالدرجة الأولى إلى قدرة الحرس على القيام بمهام جديدة.

ومع أن هذا التحليل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتقييم ترآيبة الحرس المعقدة –التي

سنبحثها في الفصل التالي– إلا أن هذه الفكرة تستحق شيئًا من التحليل الأوّلي

الآن.

يمكن القول: إن الحرس أثبت بجلاء قدرته على التكيف مع المهام الموآلة

إليه بثلاث طرق رئيسية: تحول الحرس اندلاع الحرب من مليشيا سياسية

إلى قوة مسلحة قادرة على خوض حرب ضد دولة أخرى؛ [ووضْع التزامه

بتصدير الثورة من موضع التنفيذ، بإرسال قوة عسكرية إلى الخارج لمساعدة

الفصائل الإسلامية في لبنان بدءًا من عام 1982 م( 127 )]؛ واتخاذ القوات

العسكرية للحرس دورًا ردعيًا، وتوليها مسئوليات متزايدة في مجال إعادة

البناء والإعمار، مع انتهاء دورها القتالي بانتهاء الحرب عام 1988 م.

عندما غزت القوات العراقية إيران في أيلول/ سبتمبر 1980 م، آان

الحرس عبارة عن مليشيا سياسية صغيرة نسبيًا ومشرذمة. ولكن حماسه

الثوري جعله يرص صفوفه لصد الغزو، ويبدي مقاومة باسلة، ويبطئ تقدم

الزحف العراقي( 128 )، ثم يطرده بحلول عام 1982 م( 129 ). وفي السنوات التالية،

طور الحرس جهازه العسكري ونظمه بدرجة آبيرة وفقًا للمبادئ العسكرية

التقليدية، حتى وإن لم يتبن تكتيكات واستراتيجيات تقليدية لخوض الحرب.

وطوال ثمانية أعوام لم يكتف الجهاز العسكري بمواصلة المجهود الحربي

فحسب ضد عدو أفضل تنظيمًا وتسليحًا، بل استطاع خطف الأضواء من

الجيش النظامي الإيراني الأفضل تدريبًا والأآثر احترافًا، عبر تنظيم أآثر

الهجمات الإيرانية نجاحًا( 130 ). وإذ آانت هزيمة إيران في الحرب تدحض –إلى

حد ما– أطروحة أدلمان التي تقول: إن الثورات الاجتماعية الكبرى تفرز قوات

مسلحة أآثر فعالية من تلك التي آانت قائمة قبل الثورة( 131 )، فإن الانهيار

العسكري الإيراني لا يوحي بأن الحرس – آمؤسسة – فشل في التكيف مع

الدور العسكري.

آما برهن الحرس أيضًا على مرونته التنظيمية من خلال تولي المهمة

الإضافية، المتمثلة في التصدير النشط للثورة الإسلامية، برغم العبء الكبير

الذي وضعته الحرب على آاهل ترآيبته القيادية. وبدأت الجهود الجدية للحرس

في تصدير الثورة عن طريق العنف في أيلول/ سبتمبر 1982 م، عندما أُرسلت

-30-

مفرزة من الحرس إلى لبنان لمساعدة القوات الإسلامية هناك في دحر الغزو

الإسرائيلي( 132 ). وفيما بعد سعى الحرس إلى تنفيذ أعمال تخريبية في دول

الخليج العربي، لاسيما المملكة العربية السعودية، وأقام شبكة من العملاء في

.( أوربا( 133

[استمر الحرس في تصدير الثورة، برغم المتطلبات التنظيمية الهائلة التي

استلزمتها الحرب. فمثلاً قام محسن رفيق دوست –قائد مفرزة الحرس

الأساسية في لبنان عام 1981 م– بمتابعة الإشراف على قوات الحرس هناك،

.( رغم ما يتحمله –آوزير للحرس– من أعباء الحرب ومسئولياتها( 134

وتضمنت هذه المهام إدارة شئون الحرس المالية والإشراف على الإنتاج

المحلي للأسلحة ومشتريات الأسلحة( 135 ). آما أن مقاتلي الحرس في لبنان،

البالغ عددهم 2000 رجل تقريبًا، والذين ساعدوا في عملية تأسيس وتدريب

مليشيا حزب الله الشيعية الأصولية المتشددة( 136 )، ظلوا بعيدين عن المهام

التدريبية والقتالية على الجبهة مع العراق.

وآانت أنشطة الحرس في الخارج تلقى معارضة بعض الزعماء السياسيين

داخل النظام، أو آانوا يقبلونها على مضض. ومن بين الشخصيات التي

أحجمت عن تأييد أنشطة تصدير الثورة التي قام بها الحرس، هاشمي

رفسنجاني، وهو أحد صناع القرار العسكري الرئيسيين( 137 ). وقد وصلت

الخلافات بينه وبين الحرس –حول تصدير الثورة– إلى عملية صنع القرارات

المتعلقة بالحرب وأدت إلى تعقيدها. ولهذا فإن استمرار الحرس في متابعة

أنشطة تصدير الثورة –رغم المعارضة السياسية من بعض المراجع العليا–

يثبت قدرته على التنسيق بين مهام متعددة وغير مترابطة، ويدل على عمق

حماسه والتزامه العقائديين، وعلى مجمل قوته السياسية ضمن النظام.

أما المثال الأخير على مرونة الحرس، إزاء المهام الموآلة إليه، فتكمن في

قدرته آمؤسسة على استمرار نفوذه وقوته التنظيمية –برغم انتهاء الحرب،

التي آانت مهمته الأولى– واستمرار التزامه الأيديولوجي، ومطالبته بالموارد

والطاقات الوطنية. ومع أن أنشطته أصبحت تحظى بقدر من الدعاية أقل مما

آان يحدث خلال الحرب، إلا أن الحرس يظل قوة سياسية متشددة لها أهميتها.

فلم تتم إقالة أي من آبار قادة الحرس الذين تولوا دفة قيادته خلال الحرب، بل

على العكس ارتفعت مكانة عدد منهم. فقد تولى علي شمخاني –الذي آان نائبًا

-31-

لقائد الحرس خلال الحرب– قيادة سلاح البحرية الإيرانية النظامي، فضلاً عن

سلاح بحرية الحرس. آما أصبح علي رضا أفشر، آبير مساعدي رضائي

والناطق الرسمي باسم الحرس، قائدًا للباسيج( 138 ). وسنتناول في الفصل

الخامس مزيدًا من الأمثلة على استمرار الأهمية السياسية للحرس.

-1-

-2-

الفصل الرابع

تعقيد الهيكل التنظيمي للحرس

من السمات الرئيسية المميزة للتطور المؤسساتي والتنظيمي للحرس ازدياد

التعقيدات فيه باطراد منذ تأسيسه. وتبعًا لهنتنجتون فإن من أهم المؤشرات على

التعقيد التنظيمي للحرس تكاثر وتمايز وحداته الفرعية التنظيمية، واضطلاعه

بمهام إضافية( 1). وإذا ما أردنا تطبيق هذا الإطار في تحليل القوات المسلحة

الثورية، لاسيما الحرس الثوري، فيجب أن نبين آيف تطور الحرس من خليط

من المليشيات والفصائل الفدائية غير المنضبطة، إلى قوة مسلحة منظمة وفقًا

للإطار التقليدي المتعارف عليه، وهو نفس التطور الذي سلكه عمومًا الجيش

الأحمر السوفيتي وجيش التحرير الشعبي الصيني والجيش الثوري الفرنسي،

.( وهي قوات انبثقت عن ثورات اجتماعية آبرى( 2

،( ولكن خلافًا لهذه القوات الثورية، وعلى عكس توقعات بعض الدارسين( 3

فإن التعقيد التنظيمي للحرس لم يُترجَم إلى تراجع في التشدد أو الحماس

الثوري، أو تناقص رغبة التدخل في السياسة. فتحول هيكلية الحرس إلى

هيكلية تقليدية لم يقترن بتحول مواز في عملية صنع القرارات التكتيكية

والاستراتيجية، آما هي الحال في القوات المسلحة المحترفة. ولم تحل المعايير

العسكرية الموضوعية محل الأهداف الثورية المتشددة، آما لم يثبط التنظيم

التقليدي من الحماس والاندفاع الثوريين.

وبدلاً من أن يؤدي التطور التنظيمي للحرس إلى إطفاء جذوة حماسه

الثوري، ساعد على وضع المُثُل المتشددة لآية الله الخميني والثورة الإسلامية

موضع التنفيذ.

وتتعزز هذه المقولة عند تحليل الوحدات الفرعية في الحرس، التي بدت

وآأنها تعكس عملية التحول التقليدي، في حين بقيت مهامها وأنشطتها تهدف

إلى تحقيق الأهداف الأيديولوجية الثورية. آما أن التمايز بين الوحدات الفرعية

للحرس لم يكن ثابتًا طوال الوقت، بل آان الحرس قادرًا على تفادي التخصص

المحدد والتسلسل القيادي الواضح آلما آان ذلك ملائمًا وضروريًا للوفاء

بأهدافه المتشددة.

وينفرد الحرس في أن ازدياد تعقيد هيكله التنظيمي لم يغرس فيه الاحتراف

العسكري. ويُستدل على التعقيد – في أوسع نطاقه – من خلال إنشاء اللوائح

-3-

والإجراءات الرسمية. فالاحتراف العسكري التقليدي يعني ضمنًا الالتزام

بالطاعة العمياء لتلك اللوائح والإجراءات تفاديًا للعقوبات. ومن الناحية

التنظيمية، فإن ازدياد التخصص، وإقامة هياآل لأداء مهام التنظيم، والتوزيع

المحدد للمسئوليات، آلها سمات مميزة للتعقيد المتزايد. ويتضمن الاحتراف

العسكري الولاء للتقاليد والإجراءات المتبعة في المؤسسة، دون أي اعتبار

لسياساتها وقراراتها المتخذة على أساس المعايير العسكرية الموضوعية،

وآذلك طاعة القيادة المدنية، بصرف النظر عن سياستها أو توجهاتها

الأيديولوجية. وباحتفاظ الحرس بأيديولوجيته الراديكالية والتزامه بتحقيق

أهداف الخميني، فقد افتقر إلى هذه المعايير الاحترافية. وفي الوقت الحاضر

سنتناول مسألة تعقيد الهيكل التنظيمي للحرس، من خلال تحليل جهاز الأمن

الداخلي، والبنية العسكرية، وجهاز تصدير الثورة، والبيروقراطية الإدارية

المتمثلة في إنشاء وزارة الحرس، وأخيرًا هيكل القيادة العسكرية.

جهاز الأمن الداخلي

تمثلت المهمة الوحيدة للحرس الثوري عند تأسيسه في حماية الأمن

الداخلي. وآان الحرس الأداة المسلحة الرئيسية لتعزيز قبضة الثورة على

السلطة، والقضاء على هيكليات السلطة التي آانت قائمة في عهد الشاه،

وتطبيق العدالة الثورية على من يشتبه بأنهم أعداء للنظام الثوري، أو متعاونون

مع النظام السابق أو متعاطفون معه( 4)، برغم معارضة الحكومة الثورية الأولى

برئاسة مهدي بازرآان لهذا السلوك. وآان العديد من قادة الحرس – على

المستوى القومي والمحلي – يسيطرون على وحداتهم في الحرس ويمولونها،

علمًا بأن هذه الوحدات آانت تضم في معظمها أفرادًا سبق لهؤلاء الوجهاء

المحليين (القادة) العمل معهم وتجنيدهم خلال الثورة( 5). وآما تسببت الطبيعة

التحزبية للحرس في إطلاق جهود القادة الثوريين من الملالي، لتحويله سريعًا

إلى قوة وطنية خاضعة بشكل أآبر للمساءلة، فقد تسببت في الوقت نفسه في

عرقلة تلك الجهود.

إما ما حفز النمو المبكر للحرس وتطوره الهيكلي والتنظيمي – أآثر من

جهود القيادة السياسية – هو آثرة أعداء النظام وقوتهم، عندما آان النظام في

أيامه الأولى، مقرونة بالتزام الحرس العقائدي بتدمير هؤلاء الأعداء. فقد آان

الحرس بحاجة إلى زيادة عدد أفراده وانتشاره إلى جميع المناطق في إيران،

-4-

مبررًا ذلك بضرورة التصدي لأعداء النظام. وأدى نجاح الحرس في تصفية

أعدائه في الداخل إلى اآتسابه ثقة رجال الدين، وإحباط الجهود الرامية إلى

الحد من نموه، برغم أن الزعماء المعتدلين حصلوا بالفعل على مبارآة الخميني

.( لوضع حد لتجاوزات الحرس في مجال الأمن الداخلي( 6

إذا آانت المعارضة القوية للنظام الثوري هي الدافع لتطور الحرس السريع

آمليشيا أمنية، عندئذٍ لن يصعب علينا أن نفهم لماذا ازداد عدد أفراد الحرس

من 4000 مقاتل عند إنشائه إلى 25000 مقاتل في السنة التالية، قبل اندلاع

الحرب مع العراق في أيلول/ سبتمبر 1980 م( 7). فخلال السنوات الأربع

الأولى من عمر الجمهورية الإسلامية آانت المعارضة المسلحة منتشرة في آل

مكان. فقد بدأ العصيان الكردي عام 1979 م. وفي آانون الأول/ ديسمبر من

تلك السنة، طُلب من الحرس قمع اضطرابات خطيرة وقعت في تبريز

(عاصمة إقليم أذربيجان الإيراني) دبرها أنصار رجل الدين البارز آية الله

آاظم شريعة مداري( 8)، الذي شكك في أساس وشكل الدولة الإسلامية الجديدة

التي تصورها الخميني. وشنت جماعة الفرقان الراديكالية هجمات متقطعة على

مسئولي النظام في عدة مدن آبرى. وفي أيار/ مايو 1979 م، آانت هذه

المجموعة – على ما يبدو – مسئولة عن إصابة رفسنجاني بجروح( 9). وخلال

عامي 1980 م – 1981 م ازدادت العلاقات توترًا بين رجال الدين ومجاهدي

خلق وأسفرت عن صدامات متكررة بين تلك الجماعة والحرس الثوري، آما

دبرت الجماعة المذآورة محاولات اغتيال ضد المسئولين( 10 ). واتُهمت جماعة

مجاهدي خلق بتفجير مقر الحزب الجمهوري الإسلامي ومكتب رئيس الوزراء

عام 1981 م( 11 ). وتولى الحرس عام 1983 م مهمة تصفية حزب توده

الشيوعي الموالي لموسكو الذي ساهم مع رجال الدين، مثله مثل مجاهدي خلق،

.( في الإطاحة بالشاه( 12

آما خلقت مجموعات صغيرة مشاآل أمنية للنظام والحرس. فلقد آان من

ضمن المجموعات الأخرى –التي قاتلت ضد النظام وهاجمت الحرس في

السنوات الأولى للثورة– جماعة "فدائيي خلق" المارآسيون المتشددون، وتنظيم

بايكار الشيوعي، ومجموعة آوماله المارآسية الكردية( 13 ). وادعى محسن

رضائي قائد الحرس – في مقابلة أجرتها معه صحيفة طهران تايمز عام

1982 م – نجاح عمليات الحرس ضد جماعة الطوفان التي تتخذ من آردستان

-5-

مقرًا لها، وضد تنظيم ساهند الذي زعم أنه يضم بين صفوفه "طلابًا وأساتذة

من جامعة إنجلترا وعناصر صهيونية"( 14 ). آما أن الجماعات العرقي العربية

في إقليم خوزستان الذي تقطنه غالبية عربية، وآذلك قبيلة قشقاي المقيمة في

.( الداخل، أثارت اضطرابات مناوئة للنظام( 15

ومع تزايد التحديات الأمنية التي واجهها الحرس في الداخل، ومن ثم تزايد

المسئوليات الملقاة على عاتقه، بدأ هيكله التنظيمي يتبلور على مستوى الدولة.

فإلى جانب منصبي القائد الميداني للحرس والمشرف الديني عليه، آان المجلس

الأعلى للحرس الثوري –الذي أُسس رسميًا في تشرين الأول/ أآتوبر

1979 م( 16 ) – هو أول بنية تظهر علنًا، وتألفت عضويته أساسًا من المؤسسين

الأوائل للحرس، مثل رضائي وعلي رضا أفشر وعلي شمخاني ومحسن رفيق

دوست ورحيم صفوي وعباس زماني ومهدي هاشمي. وفي نهاية المطاف

.( شغل هؤلاء مناصب قيادية رفيعة مع تحديث الهيكل القيادي للحرس( 17

تكشف ترآيبة "المجلس الأعلى للحرس" عن طبيعة قواه المحرآة، فكون

أقوى أعضائه هم آبار مؤسسي الحرس يوحي بأن "المجلس الأعلى للحرس"

آان موجودًا – بحكم الواقع – قبل تشرين الأول/ أآتوبر 1979 م بوقت طويل.

آما أن عضوية مهدي هاشمي فيه تدل على أن الانتساب للمجلس آان يتطلب

من العضو أن يكون له قاعدة شعبية تستند إلى منطقة أو قضية( 18 )، فقد أُعدم

مهدي هاشمي عام 1987 م؛ لأنه فضح صفقة الأسلحة الأمريكية لإيران، رغم

راديكاليته وقرابته لآية الله منتظري (خليفة الخميني المعين حتى قبل أربعة

أشهر من وفاة الخميني)، ورغم آونه أآبر المنادين في الحرس بتعجيل أنشطة

تصدير الثورة، ولو على حساب المجهود الحربي ضد العراق، بل آان الناطق

الرئيسي باسمهم( 19 ). وقبل إجراء عملية التنظيم الكاملة لهيكل قيادة الحرس،

آان المجلس الأعلى آكل يتخذ القرارات المتعلقة بالحرس ويعين صغار

.( القادة( 20

ومع تطور هيكل قيادة الحرس، أصبح دور المجلس الأعلى أآثر وضوحًا

وتحديدًا وآان – من الناحية الشكلية – تابعًا للمشرف الديني (ممثل الخميني

الحرس) وهو أعلى مرتبة من قائد الحرس الثوري( 21 ). وبحلول عام

1984 م، تحددت ترآيبته على أساس المنصب في الحرس وليس الصفة

الشخصية. فأصبح يضم قائد الحرس ونائبه ووزير الحرس وقائد القيادة

-6-

المرآزية للحرس وقادة "مختلف الوحدات الأخرى ذات المسئولية في جهاز

الحرس (حسب اللزوم)" ( 22 ). وبعد تشكيل وزارة الحرس عام 1982 م، أصبح

من مهام المجلس الأعلى أن يكون حلقة الوصل الرئيسية بين القيادة الميدانية

.( للحرس وبين الوزارة( 23

أما جهاز الأمن الداخلي في الحرس – المنتشر على مستوى الدولة – فقد

تطور بشكل متواز مع هيكل قيادته الوطنية. وآما حدث على المستوى

الوطني، انبثقت تنظيمات الحرس المحلية مباشرة عن خلايا الحرس الأولى في

آل موقع، وهي التي تسلمت السلطة خلال الثورة. وقد تم إنشاء المناطق

الإدارية العشر للحرس، التي يوازي آل منها تقريبًا إقليمًا إيرانيًا، وهي تتبع

قائد الحرس والمجلس الأعلى مباشرة( 24 ). وأقيم آل مقر قيادة إقليمي تابع

للحرس في عاصمة الإقليم ذاته.

وآان الهيكل القيادي الإقليمي للحرس مرآةً للهيكل القيادي على المستوى

الوطني. فقد ترأس آل منطقة من مناطق الحرس قائد إقليمي، آان يعمل ضمن

مجلس إقليمي أوسع يضم آبار قادة الحرس في المدن الكبرى والمناطق التابعة

لها إداريًا( 25 ). وآان منصب القائد الإقليمي للحرس –في أغلب الأحيان–

منطلقًا لاحتلال موقع في قيادة الحرس الوطنية. فمثلاً :آان عباس محتاج قائدًا

للمنطقة السابعة (الحدود الشمالية الغربية) قبل أن يفوز بمنصب رفيع في مقر

.( القيادة المرآزية في طهران( 26

ونُظمت قيادة الحرس على مستوى المقاطعات على نحو مماثل، وآانت

تخضع للقيادة الإقليمية وتهيمن على قيادة القاعدة الأدنى منها مستوى. وفي

المناطق الريفية من إيران آانت قيادة المقاطعة تهيمن على منطقة جغرافية

واسعة في ذلك الإقليم، حيث تشرف على العديد من قواعد الحرس في البلدات

الصغيرة المنفردة. وفي المناطق الحضرية المحيطة بعواصم الأقاليم الإيرانية،

آان يمكن لقيادة المقاطعة أن تشمل عاصمة ذلك الإقليم وضواحيها. وبينما

تتولى قيادات القواعد مسئولية ضواحي المدينة وأجزاء آبيرة منها، فإن مقر

القيادة الفرعي – الذي قد يكون واجهة محل أو بيتًا آبيرًا – يشرف على مزيد

من الأجزاء الفرعية للمدينة( 27 ) بغية أن يحقق الحرس الحد الأقصى من

التغلغل بين السكان المدنيين، على عكس الجيش النظامي الذي لا يتولى

مسئوليات الأمن الداخلي إلا في الأزمات أو حالات الطوارئ، ويتمرآز عمومًا

-7-

.( في حاميات خارج المناطق الآهلة بالسكان( 28

يرتبط وجود الحرس بين السكان –إلى حد ما– بطبيعة خصومه، وأقواهم

تنظيم مجاهدي خلق (انبثق التنظيمان من جذور مشترآة آما أشرنا في الفصل

الثاني) ويمتلك تنظيم مجاهدي خلق – مثله مثل جهاز الحرس قبل الثورة –

قوة من فدائيي المدن، متمرسة في استخدام شبكات المؤازرة السرية في المدن

الكبرى( 29 ). وقد سقط العديد من رجال الحرس أثناء قيامهم بأعمال الدورية

ضحايا لهجمات مجاهدي خلق( 30 ). وللقضاء على الخلايا المؤازرة لتلك

الجماعات المعارضة المنظمة، أنشأ الحرس وحدة استخبارات ترتبط بجميع

مستويات هيكله القيادي( 31 ). وصدرت الأوامر بدمج هذه الوحدة مع وزارة

الاستخبارات، إنشاء تلك الوزارة عام 1984 م، ولكن وحدة استخبارات

الحرس ظلت منفصلة ونشطة، دليلاً على القوة المؤسساتية للحرس، مما يتسبب

إلى حد ما في ازدواجية الجهود التي تبذلها وزارة الاستخبارات( 32 ). ويمثل

الحرس – إضافة إلى مهمة القضاء على المعارضة المنظمة – خط الدفاع

.( الأول في مواجهة المظاهرات الكبرى المناهضة للنظام( 33

إن امتداد هيكل الحرس في جميع أنحاء البلاد، وتغلغله في المجتمع آقوة

أيديولوجية، سهل جهوده لتعبئة المساندة الشعبية والمجندين من أجل الحرب.

وبعد بدء الحرب مباشرة، أُسندت إلى الحرس رسميًا مهمة إعداد جيش "قوامه

20 مليون رجل" من الإيرانيين، آُتب له أن يبرهن على قوة الثورة الإسلامية

بدحر القوات العراقية الأفضل تسليحًا وتدريبًا( 34 ). وتم تجنيد هذا الجيش

الشعبي وتنظيمه عبر شبكات القواعد التابعة للحرس، بالاشتراك مع تنظيم

الباسيج، المنفصل شكليًا والتابع عمليًا للحرس. وفي سبيل التعبئة، أقام الحرس

مراآز تجنيد، ليس فقط في حامياته وقواعده ومقرات القيادة التابعة له في

المدن، بل أيضًا في المساجد والمدارس والمصانع والمرافق الحكومية

المحلية( 35 ). وقد أدى مجهود الحرس التعبوي، مقرونًا بقوته آجهاز أمن

داخلي، إلى منح الحرس سلطة قوية على المستوى المحلي، بل وعلى العديد

من المؤسسات الحكومية المدنية المحلية. ففي عام 1987 م، مثلاً، فُوض

الحرس باستخدام موارد المؤسسات الحكومية والجامعات، لتوفير مرافق

.( التدريب والخبرة والمجندين اللازمين له( 36

إن جهاز الدعاية في الحرس – الذي يتميز بالقدرة على الوصول إلى

-8-

الجماهير العريضة – يساعده على تعبئة السكان والترويج لخطة السياسي

الراديكالي. فالحرس يصدر مجموعة واسعة من المنشورات ويوزعها، بما فيها

الكتب والإعلانات والنشرات، ومجلته الخاصة التي تتناول شئون الحرس، آما

أنه يبث برنامجًا تلفزيونيًا خاصًا به( 37 ). ويقع مرآز التوزيع الدعائي الرئيسي

للحرس في مجمع السفارة الأمريكية السابق في طهران، الذي يُستخدم أيضًا

.( آمدرسة ومرآز تدريب للحرس( 38

وأسس الحرس وحدات فرعية إضافية، لأداء دوره الداخلي الإضافي،

المتمثل في ضمان تمسك الناس بالقوانين الإسلامية التي تنظم الحياة

الاجتماعية. ومن بينها وحدات "ثأر الله" و"جند الله" التي آانت تطوف شوارع

المدن الكبرى في سيارات نقل تويوتا بيضاء، تبحث عن المذنبين والآثمين،

مثل النساء اللاتي يرفضن الالتزام بالزي الإسلامي، أو الشبان الذين يستمعون

إلى الموسيقى الغربية، أو أولئك المفطرين في ساعات الصيام في شهر

رمضان المبارك( 39 ). آما أن هذه الوحدات –التي آانت تفتش المنازل في حال

اشتبهت بمخالفة أصحابها للتقاليد الإسلامية– ساهمت آثيرًا في توليد الكراهية

للحرس في نفوذ المثقفين، وأبناء الطبقة الأرستقراطية، والشريحة العليا من

الطبقة الوسطى في طهران، وهي الفئة الاجتماعية الأشد معارضة للتقيد

.( الصارم بأحكام الشريعة الإسلامية وللنظام الحاآم بشكل عام( 40

إن دور الحرس في الحفاظ على الأمن الداخلي وفرض تطبيق الشريعة

الإسلامية، يميزه آثيرًا عن غيره من القوات المسلحة الثورية، لاسيما تلك

التابعة للأنظمة الشيوعية، ويشكل خير مثال على تغلغل الحرس آمؤسسة في

إيران الثورة. ففي الاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية، لا يتولى

الجيش الأحمر أو جيش التحرير الشعبي مهمة الاستخبارات المحلية، لكنها

المدني في الاتحاد السوفيتي، وإلى وزارة KGB موآلة إلى جهاز آيه جي بي

أمن الدولة في جمهورية الصين الشعبية( 41 ). وبالفعل لم تضطلع أية قوات

مسلحة ثورية أخرى بدور مماثل في فرض الالتزام بالقيود الاجتماعية للثورة.

ولعل الأبرز من ذلك هو دور الحرس في أخذ زمام المبادرة، بدلاً من

الاآتفاء بردة الفعل فيما يتعلق بقمع الاضطرابات الشعبية. فجيش التحرير

الشعبي الصيني، مثلاً، استُدعي إلى بكين من الحاميات البعيدة لقمع ثورة شعبية

في أيار/ مايو 1989 م، أما الحرس فهو يتدخل عمومًا قبل انتشار المظاهرات

-9-

واستفحالها( 42 ). وإضافة إلى ذلك، لا يوجد دليل على أن الحرس آان ينتظر

صدور أوامر إليه من القيادة المدنية لتفريق المتظاهرين واعتقالهم، لكن يبدو

أن الحرس آان يعطي لنفسه سلطة قمع المظاهرات فور حدوثها.

لم يُبْد الحرس أي تردد في استخدام القوة في الداخل، بعكس نظرائه الأآثر

"احترافًا" في القوات الثورية الأخرى. فمن المعروف على نطاق واسع عن

الجيش الأحمر السوفيتي وجيش التحرير الشعبي الصيني ممانعتهما في

الاشتباك مع المتظاهرين المدنيين. ومن الأمثلة الحديثة، ذُآر أن قيادة الجيش

السوفيتي وقفت ضد التدخل عام 1990 م، في الاضطرابات الشعبية التي وقعت

في أذربيجان السوفيتية، تارآة مهمة القتال الرئيسي لقوات الأمن الداخلي

التابعة لوزارة الداخلية( 43 ). ويقال: إن بعض وحدات جيش التحرير الشعبي

الصيني ترددت في التدخل ضد المتظاهرين، في ساحة تيانانمين في أيار/ مايو

1989 م. لكن الحرس لم يتردد قط في استخدام القوة ضد المتظاهرين، حتى

عندما آان هؤلاء من رجال الدين، معتقدًا على ما يبدو أن آية معارضة للنظام

تشكل خيانة للإسلام، وللأب الروحي للحرس آية الله الخميني (لاسيما بعد

وفاته) ( 44 ). ومن الواضح أن تطور الحرس التنظيمي وتخصصه لم يضعفا

الالتزام العقائدي لديه بمبادئ الثورة النقية.

البنية العسكرية

خلافًا لهيكل الأمن الداخلي للحرس، الذي نشأ امتداد مباشرًا للشبكة الفدائية

التابعة للحرس قبل الثورة، فإن دور الحرس العسكري انبثق من حالة الطوارئ

الوطنية (الغزو العراقي لإيران عام 1980 م) التي أخذت الحرس على حين

غرة. وفي مقابلة جرت عام 1985 م مع وزير الحرس السابق محسن رفيق

دوست، استعرض العوامل العملية والسياسية التي أعاقت دخول الحرس في

الحرب قائلاً:

عندما أردنا إرسال قوات حرس الثورة الإسلامية إلى جبهات القتال، لم

تكن تلك القوات تملك التشكيل أو التنظيم العسكري اللازم؛ لأن إنشاء الحرس

لم يكن للذود عن حياض البلاد، بل آان هدفه الرئيسي الدفاع عن الثورة

الإسلامية. وفي هذه المرحلة بالذات، أدرآنا أن الحرب المفروضة علينا لم تكن

موجهة ضد حدودنا، ولكن ضد الثورة الإسلامية ومن أجل تدميرها. لذا،

شعرنا بالحاجة إلى تعبئة قوات الحرس الثوري. ولكن عندما أراد الحرس

-10-

دخول الحرب آقوة شعبية، واجهته المشاآل والعقبات التي وضعتها أمامه

.( الطغمة الحاآمة (جماعة بني صدر) آنذاك( 45

ويتابع رفيق دوست حديثه، مؤآدًا أقوال جواد منصوري –أول قائد غير

رسمي للحرس– فيصف سقوط بني صدر بأنه نقطة التحول الرئيسية التي

مكنت الحرس من اتخاذ موقف أآثر قوة في الحرب، وبالتالي طرد القوات

العراقية من الأراضي الإيرانية( 46 ). وبدأت نجاحات الحرس في الحرب مع

أول هجوم منظم شنه في أواخر 1981 م، حيث آسر الحصار العراقي لمدينة

عبدان في جنوب إيران( 47 ). وفي المقابلة ذاتها يصف رفيق دوست آيف أن

معرآة عبدان أطلقت عملية تطوير الحرس وفقًا للمبادئ العسكرية التقليدية

فيقول:

عندما بدأت القوات الإيرانية عملياتها الواسعة، ساد شعور بضرورة وجود

الحرس الثوري على جبهات القتال في تشكيلات منظمة. وقد بدأت عملية تنظيم

الحرس وإعادة تشكيله، بإنشاء سرايا حدودية شارآت في فك الحصار عن

مدينة عبدان. وتوسعت تلك السرايا فيما بعد وتحولت إلى ألوية، ومن ثم إلى

.( جيوش( 48

وقد سار الحرس في اتجاهات موازية لتلك التي اتبعتها الجيوش الثورية

الأخرى عبر التاريخ، فبدأ يتصف بالصفات التنظيمية لقوة مسلحة تقليدية. إلا

أن التجارب التي خاضها الحرس –حتى الآن– لا تؤيد العلاقة المباشرة

المفترضة بين التعقيد التنظيمي وتراجع الالتزام الأيديولوجي الثوري. وتوضح

قدرة الحرس على تنظيم صفوفه في تشكيلات –من أجل التصدي للأخطار

التي آانت تهدد بقاء الثورة الإسلامية– آيف استطاع الاستجابة من الناحية

التنظيمية للمتطلبات الوظيفية الملحة. بيد أن تشكيل هياآل الحرس ووحداته

الفرعية لم يكن أساسًا بغرض التصدي للتهديد العسكري الخطير من العراق،

لكنها شُكلت أو تفرعت من أجل تفعيل مساندة الحرس للأيديولوجيا المتشددة

للثورة الإسلامية.

وقد نشأت الذراع العسكرية للحرس خلال الحرب، وفقًا للمعايير الرئيسية

الثلاثة للتطور العسكري التقليدي، وهي التنظيم والتدريب والتسليح. وعمومًا

فقد نجح الحرس في آل من هذه المجالات في صياغة الأشكال التقليدية بحيث

تلبي متطلباته العقائدية الثورية.

-11-

التنظيم

شكل الحرس خلال الحرب تنظيمًا قتاليًا يبدو تقليديًا بشكل عام، حسب

المفاهيم التنظيمية العسكرية. فأنشأ قوات جوية وبرية وبحرية منفصلة، إلى

جانب سيطرته على قوات المشاة المسماة بالباسيج، والتي أصبحت رسميًا

عنصرًا تابعًا للجناح العسكري للحرس( 49 ). ولم تكن القوات البرية للحرس

تتطلب إلا القليل من المهارة التقنية، وآانت تعكس –على أفضل وجه– ترآيز

الحرس على العنصر البشري المتحمس أآثر من ترآيزه على التكنولوجيا،

وظلت أقوى أسلحته وأآثرها أهمية على الإطلاق. وأُنشئت ضمن القوات

البرية للحرس التشكيلات التقليدية المنظمة، أي الفيالق والفرق والألوية

والكتائب والسرايا، مع تقسيمات فرعية أخرى على مستوى الفرقة واللواء،

بحيث أوجدت وحدات منفصلة من المدرعات والمدفعية والمشاة

والمهندسين( 50 ). وآانت هذه التشكيلات نموًا مباشرًا "للسرايا" الأولية التي

نظمها الحرس في أول هجوم له. وفي نهاية الحرب آانت القوات البرية الثابتة

التابعة للحرس تضم 21 فرقة مشاة، وتصل إلى 31 فرقة إذا وضعنا في

الحسبان 15 لواءً مستقلاً، و 3 فرق هندسية، و 42 لواءً متخصصًا في

المدفعية والمدرعات والحرب الكيماوية – الجرثومية و "الحرب النووية"، وفقًا

لما يقوله الناطق الرسمي باسم الحرس( 51 ). ويُذآر أن إيران قد استخدمت

الأسلحة الكيماوية في الحرب مع العراق، آما أن العراق استخدم هذه الأسلحة

ضدها، آذلك تزعم بعض التقارير الصحفية الأخيرة أن الحرس يشرف على

برنامج للأبحاث النووية مقره في "مُعالم آلايه" الواقعة شمال غرب

طهران( 52 ). ويتطابق ذلك مع تقارير صحفية حديثة حول سعي إيران للحصول

.( على أسلحة نووية( 53

إن مجرد امتلاك الحرس لتشكيلات مدرعة ومدفعية متخصصة، بغض

النظر عن قوتها أو فعاليتها، يثبت قدرته على تدبير أموره على عجل. وقد

رآز آل قادة الحرس اعتمادهم -في البداية على الأقل- على الأسلحة التي

استولوا عليها في المعارك لتزويد الحرس بالدبابات والمدفعية الثقيلة. حتى

زعم رفيق دوست عام 1985 م، أن الحرس الثوري لم يشتر أية أسلحة

ثقيلة( 54 ). وآما ذآرنا سابقًا، آان بني صدر –في السنة الأولى من الحرب–

العقبة الرئيسية أمام شراء الحرس لأية أسلحة ثقيلة خاصة به. وبعد الإطاحة

به، ظل الجيش النظامي –بسبب تدريبه وخبرته– هو الذي يحصل على معظم

-12-

الأسلحة الثقيلة المشتراة من الخارج بدلاً من إعطائها إلى الحرس.

غير أن الشكوك المتبادلة بين الحرس والجيش النظامي جعلت قيادة الحرس

غير مستعدة للاعتماد التام على الجيش، للحصول على الدعم القتالي بالدروع

والمدفعية الثقيلة.

وإزاء تردد الجيش النظامي في مواصلة الحرب حتى النصر( 55 )، شعرت

قيادة الحرس بحاجتها إلى قوة نيران ثقيلة خاصة بها، فبغيرها تصبح مسألة

هزيمة العراق عسكريًا أمرًا شديد الصعوبة باهظ التكاليف. لذلك يمكن القول:

إن تشكيل الحرس لوحدات المدرعات والمدفعيات الثقيلة، برغم أنه يمثل من

الناحية التنظيمية توجهًا تقليديًا، آان في الحقيقة مثالاً على قدرة الحرس على

تطوير هياآله التنظيمية، من أجل تعزيز أهدافه المتشددة، وهي في هذه الحالة

ضمان استمرار الحرب حتى النصر.

آما أن إنشاء الحرس تشكيلات قتالية تقليدية نسبيًا لا يعني ضمنًا أنها حلت

محل الهياآل غير التقليدية. فتشكيلات المشاة في الحرس تتكون من قواته

الثابتة وقوات المتطوعين غير النظاميين (الباسيج) التي تشكل غالبية جنود

المنشأة، وآان رجال الحرس يتولون أساسًا قيادة وحدات مقاتلي الباسيج

الشباب( 56 ). وهكذا آانت فرقة الحرس العادية تتألف أساسًا من ألوية مشاة تضم

آتائب وسرايا تابعة لها. وآان رجال الحرس يتولون المناصب القيادية، آما

آان بعضهم من عامة الجنود في آل وحدة، لكن غالبية الجنود العاديين آانت

من الباسيج الذين يلبون دعوات التعبئة العامة الدورية( 57 ). وآانت وحدات

المدرعات والمدفعية الثقيلة في أية فرقة تضم رجال الحرس الأآثر خبرة

والأفضل تدريبًا، ممن خدموا بشكل متواصل، وليس بشكل محدود آما يفعل

.( الباسيج( 58

ويختلف الحرس عن التنظيم العسكري التقليدي المحض من حيث العلاقة

بين تشكيلاته في جبهة القتال وهيكله الداخلي. إذ تتوافق تشكيلاته القتالية مع

تنظيمه الإقليمي. فتتألف الفيالق والفرق والألوية في الجبة من رجال الحرس

والباسيج، الذين جندوا من نفس المناطق الجغرافية التي توجد بها هذه القوات.

فعلى سبيل المثال، جاء أفراد الوحدات التي تؤلف فيلق "ثأر الله" من مقاتلي

الحرس والباسيج، الذين تم تجنيدهم وتعبئتهم من طهران والإقليم المرآزي

المحيط بها( 59 ). أما إقليم آرمان –وهو أقل آثافة سكانية بكثير من آل من

-13-

طهران ومن الإقليم المرآزي المكتظ بالسكان– فقد انبثق منه فرقة "ثأر الله"

"ولواء" "ذو الفقار"، وهما تشكيلان أصغر آثيرًا من فيلق "ثأر الله" الذي

أفرزته طهران والإقليم المرآزي( 60 )، وتتكرر هذه العلاقة في جميع أرجاء

إيران. وتحدد الإمكانية التعبوية لأية وحدة جغرافية حجم التشكيل العسكري

الذي ينتسب إليها. بينما نجد في معظم الجيوش المحترفة، أن آل وحدة تضم

مجندين من شتى أنحاء البلاد.

وبغية التشديد أآثر على الطبيعة الثورية الإسلامية للحرس، سُمي العديد

من تشكيلاته العسكرية بأسماء شخصيات بارزة في تاريخ الإسلام الشيعي:

فمثلاً سميت فرقة الإمام الحسين باسم حفيد الرسول محمد الذي قتل وهو يقاتل

قتالاً غير متكافئ في معرآة آربلاء. ويقال: إن أيديولوجيا الحرس من نواح

عديدة –وخاصة استعداه للقتال في سبيل الإسلام، مهما آانت التكلفة البشرية–

.( تهدف إلى الاحتذاء بالمقاتلين الأوائل في الإسلام الذين قاتلوا مع الحسين( 61

آذلك انبثق التنظيم العسكري المناطقي (الإقليمي) للحرس عن بنية الأمن

الداخلي الخاصة به. وآانت مليشيات الحرس التي أفرزتها الثورة –في الأقاليم

والمدن الكبيرة والصغيرة والقرى– تضم مجندين ثوريين من تلك الكيانات

الجغرافية. فمثلاً، آان حرس أصفهان يتألف من الأصفهانيين وليس الطهرانيين

أو التبريزيين أو الشيرازيين، حتى بعد توحد الحرس آقوة وطنية( 62 ). ويؤدي

المجندون خدمتهم العسكرية في المقاطعات التي يعيشون فيها. وعندما بدأت

الحرب، انتقلت هذه البنية المناطقية إلى التنظيم العسكري للحرس. وجندت

التنظيمات المناطقية للحرس مقاتلين إضافيين في الحرس، وقامت بتعبئة مقاتلي

الباسيج من المناطق الواقعة تحت سيطرتها( 63 ). وآان مقر قيادة الحرس في آل

مقاطعة فرعية جغرافية، بمثابة مرآز التجنيد والتعبئة الأساسي للحرب ضمن

حدوده الإقليمية، إضافة إلى احتوائه على الجهاز الإداري والعملياتي لمفرزة

.( الحرس التابعة له( 64

تتضح لنا بسهولة مزايا الربط بين البنية القتالية للحرس وجهاز الأمن

الداخلي التابع له. إذ آان الحرس الذراع الطويلة والقوية للحكومة في المناطق

الجغرافية المختلفة، مما آان يؤمن له الوصول إلى المصادر الرئيسية للقوى

البشرية المحلية والسيطرة عليها، مثل مكاتب الحكومة المحلية والمدارس

والمساجد والمصانع والمنظمات التجارية والزراعية. آما أعطت البنية

-14-

العسكرية للحرس آل مفرزة محلية حافزًا قويًا من أجل تعبئة مقاتلي الحرس

والباسيج للحرب. وهكذا فإن عدد القوات في الجبهة التي تأتمر بأمر أحد قادة

الحرس (وبالتالي قوة ذلك التشكيل) يرتبط مباشرة بنجاح جهود التعبئة المبذولة

في موطن ذلك التشكيل.

وفي نظام التعبئة هذا، هناك عائق ذو تأثير آبير في قدرة الحرس على

خوض الحرب. ونظرًا للارتباط بين قوة التشكيل العسكري وجهود التعبئة

المحلية، فإن البنية العامة لقوات الحرس في الجبهة تعتمد على استمرار جهود

التعبئة على المستوى المحلي وفعاليتها. فمثلاً، إذا لم تستقطب إحدى المفارز

المحلية للحرس العدد المطلوب من المجندين، سوف تقل قوة تشكيلها آثيرًا عن

المستوى المطلوب، ولا يحتمل بالتالي أن تؤدي الدور المقرر لها في عمليات

الحرس. وقد عقد هذا الأمر –الذي يصعب التنبؤ به– عملية التخطيط الحربي

ورسم الاستراتيجية، وزاد من الصعوبة الأساسية المتمثلة بحاجة الحرس إلى

الاعتماد على المتطوعين الباسيج.

برغم هذا الترابط بين القوات العسكرية للحرس وبنية الأمن الداخلي فيه،

فإن هناك تسلسلاً قياديًا مستقلاً لكل منهما. وباستثناء المناطق الغربية في إيران

(أي الجبهة، حيث الحدود المشترآة مع العراق)، فإن القائد المحلي لقوات

الأمن الداخلي في الحرس ليس هو نفسه القائد العسكري لوحدة الحرس المنبثقة

من المنطقة ذاتها( 65 ). وخير مثال على ذلك هو طهران، إذ إن مهدي مبالق هو

قائد الحرس المعروف لمنطقة طهران، لكن حسين مصلح هو الذي يقود فيلق

"ثأر الله" الذي يمثل التشكيل العسكري المنبثق من تلك المنطقة( 66 )، غير أن

هذا التمايز في المهام لم يكن موجودًا على مستوى الجنود العاديين. إذ يمكن

انتداب أفراد من مقاتلي الحرس لأداء مهام الأمن الداخلي في مناطقهم، أو

.( للذهاب إلى الجبهة ضمن وحداتهم العسكرية( 67

التشكيلات العسكرية للحرس

ثمة مؤشر هام على التطور التنظيمي للحرس الثوري، وهو إنشاء قوات

جوية وبحرية منفصلة. وقد وافق الخميني رسميًا على تأسيس هاتين القوتين

في أيلول / سبتمبر 1985 ، علمًا بأن سلاح البحرية التابع للحرس آان قائمًا

بصورة غير رسمية منذ عام 1982 ، آقوة بحرية صغيرة مقرها في ميناء

بوشهر الجنوبي لمنع التهريب، ومنع أعداء النظام من التسلل عن طريق

-15-

البحر( 68 ). ومع أن هذين السلاحين أُنشئا لكسر احتكار القوات النظامية للقدرات

الجوية والبحرية ولو جزئيًا، فقد حققا متطلبات وظيفية مهمة، عقائدية وسياسية

أآثر منها عسكرية محضة، وخصوصًا سلاح البحرية التابع للحرس. وبرغم

أن سلاحي الجو والبحرية التابعين للحرس يضيفان عليه المهر التنظيمي لقوات

مسلحة تقليدية، فقد ساعدا الحرس في تحقيق بعضٍ من أهم أهدافه الأيديولوجية

المتشددة، غير أن قدراتها العسكرية آانت هامشية.

سلاح الجو التابع للحرس

لم تُبْد بعد القوات الجوية التابعة للحرس الثوري، والتي يرأسها الآن حسين

جلالي، أية قدرات جوية تكتيكية أو استراتيجية تذآر( 69 ). فقد قامت في بداية

عهدها بتسلم مرافق ومعدات نادي الطيران المدني الإمبراطوري الذي أسسه

الشاه في طهران( 70 )، وآانت معداتها تتألف أساسًا من طائرات مروحية

وطائرات تدريب خفيفة( 71 )، ولم تؤد أي دور قتالي هام في الحرب. غير أن

القوات الجوية التابعة للحرس أنشأت عشر وحدات صواريخ، تولت مسئولية

الدفاع الجوي ضد الطائرات العراقية التي تخترق الأجواء الإيرانية( 72 ). وتذآر

الصحف الإيرانية، أنها أطلقت صواريخ أرض – أرض من طراز سكود ضد

منشآت مدنية في العراق( 73 ). وتشير التقارير الصحفية الأخيرة إلى أن القوات

الجوية للحرس قد وضعت يدها على العديد من الطائرات العراقية النفاثة، التي

توجهت إلى إيران خلال حرب الخليج الثانية عام 1991 ، ويقودها الآن ضباط

.( القوات الجوية التابعة للحرس الذين تلقوا تدريباتهم في آوريا الشمالية( 74

وهناك مساع للحصول على طائرات ميج – 29 . وإضافة إلى ذلك، يوحي

تعيين جلالي مطلع عام 1992 (قائد القوات الجوية النظامية ووزير الدفاع

السابق) بوجود محاولة لتحويل القوات الجوية للحرس إلى قوات تقليدية،

وتحسين مستوى أدائها وقدراتها.

وبرغم المظهر الخارجي للتحول العسكري التقليدي الذي يمثله إنشاء قوات

جوية، وردت تقارير خلال الحرب الإيرانية – العراقية تفيد بأن القوات الجوية

التابعة للحرس، آانت تخطط لعمليات على طريقة الكاميكاز اليابانية، وذلك

على ما يظن ضد السفن الأمريكية المشارآة في حماية الناقلات الكويتية في

.( الخليج العربي في السنوات الأخيرة للحرب( 75

-16-

سلاح البحرية التابع للحرس

إن هذا السلاح الذي آان يقوده سابقًا الشاب الراديكالي حسين علائي، بينما

يقوده الآن علي شمخاني (الذي يرأس سلاح البحرية النظامي أيضًا)، يشكل

خير مثال على تنفيذ أيديولوجيا الحرس المتشددة عبر البنى العسكرية التقليدية.

وبرغم وجوده بصورة غير رسمية منذ عام 1982 ، ومشارآته في الاستيلاء

على منطقة الفاو من العراق عام 1986 ، إلا أنه لم يُدشن رسميًا إلا عام

1987 ، للانتقام أساسًا من الهجمات الجوية العراقية ضد ناقلات النفط

والمرافق الإيرانية، وتخويف حلفاء العراق في الخليج العربي، مثل المملكة

العربية السعودية والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة( 76 ). (آانت

القوات الجوية النظامية الإيرانية تعاني نقصًا عامًا في قطع الغيار ولم تلعب إلا

دورًا ثانويًا في الحرب ضد العراق). وقطعت عملية تنظيم سلاح البحرية التابع

للحرس مزيدًا من الخطوات، عبر إنشاء ثلاث قطاعات بحرية منفصلة،

وتشكيل وحدات صاروخية خاصة بها مزودة بعدد من صواريخ سطح – سطح

.( من طراز سلكورم اشترتها من الصين( 77

– وتمتع سلاح البحرية التابع للحرس بالموارد والدعاية عامي 1987

1988 ، ليس بسبب دوره في الحرب الإيرانية – العراقية، ولكن لأنه تحدى

الحشد البحري الأمريكي في الخليج، الذي آان يرمي إلى حماية شحنات النفط

العالمية ودول الخليج العربي من الهجمات الإيرانية. وحتى بعد دخول البحرية

الأمريكية إلى الخليج بأعداد آبيرة، ظل سلاح البحرية التابع للحرس يضايق

سفن الشحن العالمية، عبر هجمات من نوع "اضرب واهرب"، مستخدمًا

زوارقه السويدية الصغيرة السريعة، وعلى متنها رجال الحرس المزودون

78 ). وقد هدد سلاح بحرية الحرس علانية بشن ) بقذائف الآر بي جي – 7

هجمات مباشرة ضد الأسطول الأمريكي والناقلات التي يحميها. وأطلقت

وحداته الصاروخية عدة صواريخ سلكورم ضد السفن الأمريكية، والناقلات

الكويتية التي ترفع الأعلام الأمريكية، وضد المرافق الكويتية( 79 ). وحشد سلاح

بحرية الحرس أسطولاً آبيرًا من السفن الصغيرة عام 1987 استعدادًا لشن

هجوم، لم يُنفذ، ضد المنشآت النفطية السعودية( 80 ). آما تشير التقارير إلى أن

سلاح بحرية الحرس آان مسئولاً عن زرع الألغام في خطوط الشحن البحرية

في الخليج، في ذروة البرنامج الأمريكي لحماية ناقلات النفط، وذلك ضد

-17-

.( رغبات الزعماء السياسيين في طهران على ما يبدو( 81

برغم تأسيس بحرية الحرس وتنظيم بنيتها، وبرغم قدرتها على استخدام

صواريخ سلكورم المعقدة نسبيًا، فقد آانت عملياتها وتكتيكاتها وأهدافها غير

تقليدية إلى حد آبير. آما أن تكريس جهودها لإحراج الولايات المتحدة،

وتصريحات قادة المناوئة للولايات المتحدة، يوحي بأن تعزيز الأيديولوجيا

المتشددة للحرس والثورة، لها الأولوية على تحقيق الأهداف العسكرية

البراجماتية ضد العراق، عدوها العسكري الرئيسي. وإن استعداد بحرية

الحرس لتحدي الولايات المتحدة، برغم تدني قدراتها بشكل واضح، وبالتالي

التسبب بالرد الانتقامي الأمريكي، يشير إلى أن الحسابات العسكرية

الموضوعية لا تشكل العنصر الأساسي في عملية صنع القرار لديها.

لذلك، يتضح أن اتجاه الحرس نحو إقامة بنية عسكرية تقليدية، لم يخفق في

التخفيف من تشدده فحسب، بل أعطاه قدرات أآبر لتحقيق أهدافه المتشددة.

ومن هنا فإن عملية تنظيم قواته البرية وإنشاء سلاحي بحرية وطيران

منفصلين، لم تكن تهدف إلى تمكين الحرس من التنسيق مع القوات النظامية،

بقدر ما آانت تهدف إلى مساعدة الحرس في منافسة الجيش النظامي على

الموارد والأسلحة الثقيلة، لكي يواصل الحرب دون مشارآة فعالة من جانب

القوات النظامية.

التدريب والتعليم

مثلما أخفى التنظيم العسكري التقليدي للحرس حقيقته غير التقليدية وأهدافه

الأيديولوجية المتشددة، آذلك فإن وضع برنامج تدريب منتظم قد حجب تمسكه

بدوافعه الثورية. آما أن إنشاء الحرس مرافق وبرامج تدريبية خاصة به،

منفصلة عن تلك المتوافرة القوات النظامية، يعزز القول بأن الحرس آان

يهدف إلى التنافس مع القوات النظامية والحول محلها، بدلاً من التنسيق معها

لمحاربة العراق. وآان من شبه المؤآد أن يؤدي الجمع بين برامج التدريب

العسكري آل من الحرس والقوات النظامية إلى تحسين فعالية مجمل الجهد

التدريبي. ويمكن القول: إن الحرس أقام بنيته التحتية التدريبية الخاصة،

للحيلولة دون خسارة الالتزام الأيديولوجي الجنود العاديين، الأمر الذي

آان سيحدث حتمًا نتيجة الاعتماد الشديد على الجيش النظامي في التدريب.

وظاهريًا تبدو الخطوات التي خطاها الحرس في تطوير برامجه التدريبية

-18-

مثيرة للإعجاب. وإدراآًا من الحرس، على ما يبدو، للمساوئ العسكرية الكامنة

في المستوى التعليمي المتدني عمومًا في صفوف جنوده العاديين، قام عام

1982 بافتتاح أول "مدرسة ثانوية" له أسماها مدرسة الإمام الصادق، وآانت

تجمع بين التعليم العام والتدريب العسكري وتدريس العقيدة الإسلامية( 82 ). وقد

أعد الحرس منهج التدريس، لكن المدرسة آانت تعتمد على وزارة التعليم في

توفير مدرسي الثقافة العامة، وعلى رجال الدين في "قم" لتدريس الفقه

الإسلامي( 83 ). وآان طلبة المدرسة التي أسسها قسم التدريب التابع للحرس،

الذي يتبع بدوره قسم التخطيط التعليمي، يقضون قسمًا من البرنامج –الذي

يستغرق سنتين ونصف السنة– في معسكرات الحرس. وعلى مدى السنتين

التاليتين افتتح الحرس فروعًا لمدرسته الثانوية في جميع المقاطعات الإدارية

.( التابعة له في شتى أنحاء إيران( 84

آما دخل الحرس ميدان التعليم العالي. ففي عام 1986 افتتح جامعة الإمام

. الحسين التابعة له، وضمت 800 طالب. وقد تخرجت أول دفعة عام 1988

وتقدم هذه الجامعة دراسات عالية في العلوم العسكرية والهندسة والإدارة وحتى

العلوم الطبية( 85 ). آما أسس الحرب بعد الحرب مرآزًا خاصًا به للدراسات

العسكرية أطلق عليه "أآاديمية الحرس الثوري للشئون الدفاعية

والاستراتيجية" برئاسة صادق حيدر آاني( 86 ). وتشكل مؤسسات التعليم

والتدريب العاليين التابعة للحرس مصدرًا واضحًا للشريحة الاجتماعية التي تمد

الحرس بالخبراء والتكنوقراطيين، وإن لم يشارك في هذه البرامج التعليمية إلا

عدد ضئيل نسبيًا من رجال الحرس.

أما على الصعيد العملي، فقد أعد الحرس برامج تدريبية عسكرية محضة

لعامة جنوده الدائمين، التابعين لأسلحته الثلاثة. ففيما يتعلق بقوات الحرس

البرية، تضمن برنامج تدريبها الأساسي ثلاثة أشهر إلزامية للتدريب على

تكتيكات الحرس واستخدام الأسلحة( 87 ). وآان التدريب الأساسي يتم في قواعد

الحرس وحامياته في جميع أنحاء إيران وعلى الجبهة. وتبعًا لم عُرف عن

الحرس، فإنه آان مشبعًا بالأيديولوجيا الإسلامية وشعارات الحرس الثورية

المتشددة( 88 ). ولتسهيل الاستخدام المتزايد لعمليات الكوماندوز الخاصة

والوحدات عالية التدريب، أنشأ الحرس مرآز مشاة منفصلاً لقواته البرية في

طهران، يعطي دوره تدريبية مكثفة للمشاة( 89 ). ونظرًا لعدم استعداد الحرس

-19-

لإجراء تدريبات واسعة مع الجيش النظامي، آان تدريبهم على الدروع

والمدفعية الثقيلة أقل تنظيمًا نوعًا ما، وأشبه ما يكون "بالتدريب في أثناء

العمل"، حيث يملك الحرس آميات قليلة نسبيًا من هذه الأسلحة.

وتمشيًا مع استخدام فروع الحرس الأخرى للأسلحة الأآثر تطورًا

(صواريخ سلكورم ومنظومات الدفاع الجوي والطائرات المروحية.. الخ)، قام

سلاحا الجو والبحرية التابعان للحرس بإعداد برامج تدريبية متخصصة،

وأُخضعت وحدة الصواريخ، المتمرآزة في قاعدة الفجر، للتدريب المتخصص

على تشغيل صواريخ أرض – أرض من طراز سكود، التي آانت تطلقها على

أهداف داخل العراق( 90 ). آما أجرى سلاح جو الحرس تدريبات لطياريه، الذين

يقودون الطائرات الخفيفة والطائرات المروحية، في الجزء الخاص به من

مطار مهرباد في طهران( 91 ). وأسس سلاح بحرية الحرس الثوري آليته

البحرية الخاصة به، فضلاً عن إقامة دورات في فن الملاحة البحرية والقتال

البحري والعمليات تحت سطح الماء، في قاعدة "سيد الشهداء" التابعة له على

.( الساحل الجنوبي( 92

لقد آان الحرس، علاوة على تدريب قواته على استخدام منظومات الأسلحة

والتكتيكات القتالية، يتولى مسئولية تدريب مقاتلي الباسيج. وبما أن الحرس آان

ينظر إلى الباسيج آجنود يمكن التضحية بهم في سبيل الإسلام والثورة، فقد

آان التدريب الذي يقدمه الحرس للباسيج -آما ذآرنا سابقًا- غير آاف عسكريًا،

لكنه مشحون بالأفكار والمفاهيم الأيديولوجية. وقد أعطى الصحفي يوسف

إبراهيم صورة مختصرة عن "التدريب" الذي آان الباسيج يتلقونه من رجال

الدين الشبان الراديكاليين المرتبطين بالحرس، يقول:

ثمة مشهد شائع على الجبهة لهؤلاء المراهقين (الباسيج) الذين يصطفون

لصلاة الجماعة خلف رجل دين، أو يجلسون وهم يصغون بهدوء للتلقين

الديني.

وآانوا يربطون حول رءوسهم ربطات حمراء مميزة، معلنين استعدادهم

للاستشهاد في سبيل الإسلام. ويستمعون إلى الكلام ذاته الذي يُدرس في

مدارس "قم" الدينية. فهم جند الإسلام الذين يقاتلون جيوش الكفار المارقين. هذا

.( هو قدرهم. والجنة هي ثوابهم( 93

ة 􀑧􀑧 رس آافي 􀑧􀑧 دريب الح 􀑧􀑧 رامج ت 􀑧􀑧 ون ب 􀑧􀑧 ي أن تك 􀑧􀑧 ل ف 􀑧􀑧 ة تأم 􀑧􀑧 ادة المدني 􀑧􀑧 ت القي 􀑧􀑧 إذا آان

-20-

د 􀑧 رس بع 􀑧 ى الح 􀑧 ه إل 􀑧 ام وجه 􀑧 اب ه 􀑧 ي خط 􀑧 ا. فف 􀑧 اب ظنه 􀑧 د خ 􀑧 ة، فق 􀑧 وة محترف 􀑧 لجعله ق

الحرب هاشمي رفسنجاني، القائد العام للقوات المسلحة بالوآالة في ذ لك الوقت،

ه 􀑧 شيرًا بوج 􀑧 أشار ضمنًا إلى أن الحرس لم يرآز بما فيه الكفاية على التدريب، م

سنجاني 􀑧􀑧􀑧 د رف 􀑧􀑧􀑧 ا انتق 􀑧􀑧􀑧 دبابات ( 94 ). آم 􀑧􀑧􀑧 ضادة لل 􀑧􀑧􀑧 ة والم 􀑧􀑧􀑧 ه المدرع 􀑧􀑧􀑧 ى وحدات 􀑧􀑧􀑧 اص إل 􀑧􀑧􀑧 خ

ر 􀑧􀑧 ة وغي 􀑧􀑧 ر حديث 􀑧􀑧 ة غي 􀑧􀑧 ات قتالي 􀑧􀑧 ى تكتيك 􀑧􀑧 شديد عل 􀑧􀑧 اد ال 􀑧􀑧 ي الاعتم 􀑧􀑧 رس ف 􀑧􀑧 تمرار الح 􀑧􀑧 اس

يش 􀑧 ة ج 􀑧 احترافية، ومواصلة الحرس الاعتقاد بأن الحم اس الثوري يكفي لمواجه

زا 􀑧􀑧 دما غ 􀑧􀑧 رس عن 􀑧􀑧 طر الح 􀑧􀑧 د اض 􀑧􀑧 سنجاني فق 􀑧􀑧 ا لرف 􀑧􀑧 سليحًا( 95 ). وتبعً 􀑧􀑧 دريبًا وت 􀑧􀑧 ضل ت 􀑧􀑧 أف

العراق إيران عام 1980 إلى أن:

يقاتل بقنابل المولوتوف والحجارة والعصي وقذائف الآر بي جي، وآل ما

استطاع الحصول عليه من أسلحة...، ولكن إذا آان على إيران أن تعتمد على

الحرس الثوري الإسلامي آقوة مسلحة، وإذا آان للنظام أن يبقى لخدمة الله،

فيجب على الحرس ألا يعتقد أنه إذا هوجم، يمكنه القتال بقنابل المولوتوف.

وإنما يجب على القوة المسلحة أن تكون مستعدة تمامًا بحيث لا يجرؤ الآخرون

.( على مهاجمتها. فالحرس هو حامي الحدود والتراب( 96

واعترف رفسنجاني بصورة أآثر صراحة من أي زعيم سياسي مدني آخر،

سكرية، 􀑧 اءة الع 􀑧 ق الكف 􀑧 ن أداة لتحقي 􀑧 م يك 􀑧 رس ل 􀑧 ي الح 􀑧 شكلي ف 􀑧 دريب ال 􀑧 ام الت 􀑧 بأن نظ

سة 􀑧 تقلاليته آمؤس 􀑧 دعيم اس 􀑧 رس، وت 􀑧 وري للح 􀑧 شدد الث 􀑧 يخ الت 􀑧 بقدر ما آان أداة لترس

ول 􀑧 وري أن يتح 􀑧 يش ث 􀑧 ن لج 􀑧 رة . ولا يمك 􀑧 ر خب 􀑧 عن القوات المسلحة النظامية الأآث

إلى قوة محترفة بمجرد وجود برنامج تدريب عسكري لديه.

الأسلحة والمعدات

ة 􀑧 لحة التقليدي 􀑧 تخدام الأس 􀑧 ى اس 􀑧 ه عل 􀑧 وير قدرات 􀑧 رس تط 􀑧 تطاع الح 􀑧 برغم ذلك اس

ات 􀑧􀑧 تخدام منظوم 􀑧􀑧 ي اس 􀑧􀑧 دودًا ف 􀑧􀑧 ا مح 􀑧􀑧 رس نجاحً 􀑧􀑧 دات الح 􀑧􀑧 ت وح 􀑧􀑧 د نجح 􀑧􀑧 ديث. وق 􀑧􀑧 الح

دات 􀑧􀑧 ع أن الوح 􀑧􀑧 ة( 97 ). وم 􀑧􀑧 ة ا لعراقي 􀑧􀑧 ائرات الحربي 􀑧􀑧 د الط 􀑧􀑧 وي ض 􀑧􀑧 دفاع الج 􀑧􀑧 لحة ال 􀑧􀑧 أس

ا 􀑧 المدرعة والمدفعية الثقيلة آانت قليلة العدد بحيث لم تلعب دورًا حاسمًا، إلا أنه

ال 􀑧 اهم رج 􀑧 ة، وس 􀑧 ة الثقيل 􀑧 ة والمدفعي 􀑧 ات الميكانيكي 􀑧 دبابات والعرب 􀑧 أتقنت استخدام ال

ط 􀑧 صة نف 􀑧􀑧 او ومن 􀑧􀑧 ى الف 􀑧􀑧 تيلاء عل 􀑧􀑧 ي الاس 􀑧􀑧 رس ف 􀑧􀑧 ابعون للح 􀑧􀑧 ارة الت 􀑧􀑧 ضفادع والبح 􀑧􀑧 ال

ة 􀑧􀑧 ائرات مروحي 􀑧 رس ط 􀑧 ارو الح 􀑧 اد طي 􀑧 ا ق 􀑧􀑧 سكرية ( 98 ). آم 􀑧 وات ع 􀑧 ا ق 􀑧 ة تحم يه 􀑧 عراقي

ارك 􀑧 ي مع 􀑧 دو ف 􀑧 ع الع 􀑧 شتبكوا م 􀑧 م ي 􀑧 ة، وإن ل 􀑧 احة المعرآ 􀑧 ى س 􀑧 لنقل قوات الحرس إل

جوية متواصلة.

-21-

لحة 􀑧􀑧 صناعة أس 􀑧􀑧 ه ل 􀑧􀑧 رس إقامت 􀑧􀑧 ي للح 􀑧􀑧 د التنظيم 􀑧􀑧 ى التعقي 􀑧􀑧 لاء عل 􀑧􀑧 دل بج 􀑧􀑧 ا ي 􀑧􀑧 ومم

ا، 􀑧 رب عليه 􀑧 ه الغ 􀑧 محلية، مكنت إيران من تخفيف آثار حظر الأسلحة الذي فرض

ذاتي 􀑧􀑧􀑧 اء ال 􀑧􀑧􀑧 لا مية، أي الاآتف 􀑧􀑧􀑧 ورة الإس 􀑧􀑧􀑧 سية للث 􀑧 􀑧􀑧 داف الرئي 􀑧􀑧􀑧 د الأه 􀑧􀑧􀑧 زز أح 􀑧􀑧􀑧 ا ع 􀑧􀑧􀑧 آم

ام 􀑧 سها ع 􀑧 والاستقلالية. وقد أشرفت "وزارة الحرس الثوري الإسلامي " منذ تأسي

درات 􀑧􀑧 ذه الق 􀑧􀑧 ع أن ه 􀑧􀑧 ة . وم 􀑧􀑧 لحة المحلي 􀑧􀑧 اج الأس 􀑧􀑧 رس لإنت 􀑧􀑧 ود الح 􀑧􀑧 ى جه 􀑧􀑧 1982 عل

سلحة 􀑧 وات الم 􀑧 تحولت، على ما يفترض إلى وزارة الدفاع والإسناد ال لوجستي للق

شير 􀑧 صحفية ت 􀑧 ارير ال 􀑧 إن التق 􀑧 ام 1990 – ف 􀑧 رس ع 􀑧 يش والح 􀑧 –التي جمعت بين الج

.( رس ( 99 􀑧 راف الح 􀑧 ت إش 􀑧 ت تح 􀑧 رس بقي 􀑧 ة للح 􀑧 لحة التابع 􀑧 اج الأس 􀑧 ق إنت 􀑧 إلى أن مراف

رى 􀑧 ة أخ 􀑧 دة فرعي 􀑧 ة وح 􀑧 ن أي 􀑧 ر م 􀑧 ت –أآث 􀑧 ولعل جهاز بحوث الأسلحة وإنتاجها يثب

ذين 􀑧􀑧 راء، ال 􀑧􀑧 وقراطيين والخب 􀑧􀑧 ين ال تكن 􀑧􀑧 ع ب 􀑧􀑧 ى الجم 􀑧􀑧 رس عل 􀑧􀑧 درة الح 􀑧􀑧 رس– ق 􀑧􀑧 ي الح 􀑧􀑧 ف

ين 􀑧 ة، وب 􀑧 ن ناحي 􀑧 يتمتعون بقسط عال جدًا من المعرفة والأساليب التقنية العلمية م

ة 􀑧 ن ناحي 􀑧 ة م 􀑧 ة والأيديولوجي 􀑧 شاعر الديني 􀑧 رآهم الم 􀑧 ذين تح 􀑧 المقاتلين شبه الأميين ال

ه 􀑧 ب علي 􀑧 زال تغل 􀑧 رس لا ت 􀑧 ر أن الح 􀑧 د . غي 􀑧 ي واح 􀑧 قف تنظيم 􀑧 أخرى، وذلك تحت س

آثيرًا الصبغة التي تتسم بها المجموعة الاجتماعية الثانية.

سه . 􀑧􀑧 رس نف 􀑧􀑧 و الح 􀑧􀑧 رس بنم 􀑧􀑧 دى الح 􀑧􀑧 ة ل 􀑧􀑧 لحة المحلي 􀑧􀑧 اج الأس 􀑧􀑧 درات إنت 􀑧􀑧 ت ق 􀑧􀑧 د نم 􀑧􀑧 لق

دات 􀑧 اج مع 􀑧 ع إنت 􀑧 ا، م 􀑧 ام 1984 تقريبً 􀑧 دأ ع 􀑧 ويقول رفيق دوست : إن هذه القدرات ب

د 􀑧 ائر ( 100 ). وأآ 􀑧 ة وذخ 􀑧 لحة خفيف 􀑧 مضادة للحرب الكيماوية، وأجهزة اتصالات وأس

سة 􀑧 ع مؤس 􀑧 ط م 􀑧 يس فق 􀑧 اج، ل 􀑧 ودات الإنت 􀑧 ي مجه 􀑧 اون ف 􀑧 رس تع 􀑧 ت أن الح 􀑧 رفيق دوس

صناعيين 􀑧􀑧􀑧􀑧 ة و "ال 􀑧􀑧􀑧􀑧 وات النظامي 􀑧􀑧􀑧􀑧 ع الق 􀑧􀑧􀑧􀑧 ل م 􀑧􀑧􀑧􀑧 ا، ب 􀑧􀑧􀑧􀑧 در تكنولوجيً 􀑧􀑧􀑧􀑧 اء الأق 􀑧􀑧􀑧􀑧 اد البن 􀑧􀑧􀑧􀑧 جه

.( والتكنوقراطيين" أيضًا( 101

ي 􀑧􀑧􀑧 ي المحل 􀑧􀑧􀑧 اج الحرب 􀑧􀑧􀑧 ق الإنت 􀑧􀑧􀑧 ت مراف 􀑧􀑧􀑧 1987 ، آان – امي 1986 􀑧􀑧􀑧 ول ع 􀑧􀑧􀑧 وبحل

اج 􀑧􀑧 ى إنت 􀑧􀑧 زة عل 􀑧􀑧 لحة، مرآ 􀑧􀑧 وير الأس 􀑧􀑧 ريًا لتط 􀑧􀑧 شروعًا س 􀑧􀑧 دير 37 م 􀑧􀑧 رس ت 􀑧􀑧 ة للح 􀑧􀑧 التابع

درات 􀑧􀑧 تلاك ق 􀑧􀑧 ى ام 􀑧􀑧 رس، وعل 􀑧􀑧 و الح 􀑧􀑧 سلاح ج 􀑧􀑧 ر) ل 􀑧􀑧 ة (الفج 􀑧􀑧 ة خفيف 􀑧􀑧 ائرة مروحي 􀑧􀑧 ط

ضًا: إن 􀑧􀑧􀑧 ال أي 􀑧􀑧􀑧 مالية( 102 ). ويق 􀑧􀑧􀑧 ة ش 􀑧􀑧􀑧 ينية وآوري 􀑧􀑧􀑧 ساعدة ص 􀑧􀑧􀑧 صواريخ بم 􀑧􀑧􀑧 صنيع ال 􀑧􀑧􀑧 لت

ة 􀑧􀑧􀑧 اج رء وس حربي 􀑧􀑧􀑧 وم بإنت 􀑧􀑧􀑧 رس تق 􀑧􀑧􀑧 ل الح 􀑧􀑧􀑧 صة" داخ 􀑧􀑧􀑧 ناعية متخص 􀑧􀑧􀑧 ة ص 􀑧􀑧􀑧 "مجموع

كود – 􀑧 راز س 􀑧 ن ط 􀑧 واريخ أرض – أرض م 􀑧 وصواعق، فض لاً عن نسخة من ص

ة 􀑧􀑧 تخدام الهندس 􀑧􀑧 درات باس 􀑧􀑧 ذه الق 􀑧􀑧 ك ه 􀑧􀑧 بح يمتل 􀑧􀑧 ه أص 􀑧􀑧 رس أن 􀑧􀑧 زعم الح 􀑧􀑧 ي( 103 ). وي 􀑧􀑧 ب

د 􀑧 ى ح 􀑧 ارير –إل 􀑧 ذه التق 􀑧 د ه 􀑧 العكسية على الأسلحة الموردة من الخارج ( 104 ). وتؤآ

ا 􀑧 ذاتي تقريبً 􀑧 اء ال 􀑧 ة الاآتف 􀑧 ما– مزاعم رفيق دوست حول وصول إيران إلى مرحل

-22-

ذائف 􀑧􀑧 ا وق 􀑧􀑧 واريخ الكاتيوش 􀑧􀑧 اون، وص 􀑧􀑧 ذائف اله 􀑧􀑧 اج ق 􀑧􀑧 ي إنت 􀑧􀑧 ام 1988 ، ف 􀑧􀑧 ول ع 􀑧􀑧 بحل

المدفعية، وأجهزة اللاسلكي، وأجهزة التشويش المصاحبة له ا( 105 ). آما زعم أن

ائرات 􀑧􀑧 ف لط 􀑧􀑧 اج المكث 􀑧􀑧 وم بالإنت 􀑧􀑧 رس تق 􀑧􀑧 ة للح 􀑧􀑧 ائرات التابع 􀑧􀑧 ناعة الط 􀑧􀑧 ة ص 􀑧􀑧 مجموع

وم 􀑧􀑧 ة" تق 􀑧􀑧 صناعة البحري 􀑧􀑧 ي ال 􀑧􀑧 ذاتي ف 􀑧􀑧 اء ال 􀑧􀑧 ة الاآتف 􀑧􀑧 ار، وأن "مجموع 􀑧􀑧 ر دون طي 􀑧􀑧 تطي

.( بإنتاج سفن حربية صغيرة ومتوسطة الحجم( 106

ناعة 􀑧􀑧 ي ص 􀑧􀑧 اح ف 􀑧􀑧 ض النج 􀑧􀑧 وا بع 􀑧􀑧 راءه أدرآ 􀑧􀑧 رس وخب 􀑧􀑧 ي الح 􀑧􀑧 دو أن مهندس 􀑧􀑧 ا يب 􀑧􀑧 آم

سية . 􀑧 ة العك 􀑧 ق الهندس 􀑧 ن طري 􀑧 دًَا ع 􀑧 ر تعقي 􀑧 ات الأآث 􀑧 النماذج الأولية للأسلحة والعرب

لحة 􀑧􀑧􀑧 ذه الأس 􀑧􀑧􀑧 صميم ه 􀑧􀑧􀑧 ي ت 􀑧􀑧􀑧 ة ف 􀑧􀑧􀑧 ساهمة الإيراني 􀑧􀑧􀑧 د الم 􀑧􀑧􀑧 صعب تأآي 􀑧􀑧􀑧 ن ال 􀑧􀑧􀑧 ه م 􀑧􀑧􀑧 ع أن 􀑧􀑧􀑧 وم

لال 􀑧􀑧􀑧 ن خ 􀑧􀑧􀑧 دة، م 􀑧􀑧􀑧 بات عدي 􀑧􀑧􀑧 ي مناس 􀑧􀑧􀑧 د ف 􀑧􀑧􀑧 ا تأآ 􀑧􀑧􀑧 رس له 􀑧􀑧􀑧 تلاك الح 􀑧􀑧􀑧 ا، إلا أن ام 􀑧􀑧􀑧 وإنتاجه

اءات 􀑧􀑧 دم ادع 􀑧􀑧 رس ق 􀑧􀑧 ت أن الح 􀑧􀑧 م يثب 􀑧􀑧 ران . ول 􀑧􀑧 ون طه 􀑧􀑧 ة تليفزي 􀑧􀑧 ى محط 􀑧􀑧 ها عل 􀑧􀑧 عرض

ا 􀑧􀑧 ب م 􀑧􀑧 ى جان 􀑧􀑧 اج . وإل 􀑧􀑧 صميم والإنت 􀑧􀑧 ي الت 􀑧􀑧 هامه ف 􀑧􀑧 ي إس 􀑧􀑧 الغ ف 􀑧􀑧 د ب 􀑧􀑧 ان ق 􀑧􀑧 ة، وإن آ 􀑧􀑧 آاذب

اج 􀑧􀑧􀑧 ي الإنت 􀑧􀑧􀑧 ريكته ف 􀑧􀑧􀑧 رس وش 􀑧􀑧􀑧 م الح 􀑧􀑧􀑧 ي زع 􀑧􀑧􀑧 لحة الت 􀑧􀑧􀑧 ات الأس 􀑧􀑧􀑧 إن منظوم 􀑧􀑧􀑧 اه، ف 􀑧􀑧􀑧 ذآرن

ة 􀑧􀑧 د مدرع 􀑧􀑧 ة جن 􀑧􀑧 ى عرب 􀑧􀑧 شتمل عل 􀑧􀑧 ا، ت 􀑧􀑧 ا أنتجاه 􀑧􀑧 اء، أنهم 􀑧􀑧 اد البن 􀑧􀑧 سة جه 􀑧􀑧 ي، مؤس 􀑧􀑧 الحرب

.( برمائية وغواصة وسفينة قطر ودبابات وهوفر آرافت وطائرة مروحية( 107

ه 􀑧􀑧 ه وتدريب 􀑧􀑧 أن تنظيم 􀑧􀑧 أنها ش 􀑧􀑧 رس، ش 􀑧􀑧 دى الح 􀑧􀑧 ي ل 􀑧􀑧 اج الحرب 􀑧􀑧 درات الإنت 􀑧􀑧 ؤد ق 􀑧􀑧 م ت 􀑧􀑧 ل

ة 􀑧􀑧􀑧􀑧 ادئ العلمي 􀑧􀑧􀑧􀑧 صالح المب 􀑧􀑧􀑧􀑧 وري ل 􀑧􀑧􀑧􀑧 ه الث 􀑧􀑧􀑧􀑧 ن طابع 􀑧􀑧􀑧􀑧 ف م 􀑧􀑧􀑧􀑧 ى التخفي 􀑧􀑧􀑧􀑧 سكريين، إل 􀑧􀑧􀑧􀑧 الع

ق 􀑧􀑧 ى تحقي 􀑧􀑧 ا إل 􀑧􀑧 ن خلاله 􀑧􀑧 سعى م 􀑧􀑧 ر ي 􀑧􀑧 ة أآب 􀑧􀑧 رس بطاق 􀑧􀑧 ا زودت الح 􀑧􀑧 وعية، لكنه 􀑧􀑧 الموض

يء 􀑧 رض أن يه 􀑧 ن المفت 􀑧 ان م 􀑧 ي آ 􀑧 أهدافه المتشددة . ومع أن التدريب العلمي والتقن

صارم 􀑧 رس ال 􀑧 زام الح 􀑧 ن الت 􀑧 ف م 􀑧 د – للتخفي 􀑧 به مؤآ 􀑧 مهندسي الحرس –على نحو ش

بمواصلة الحرب حتى النصر، مهما آانت الخسائر في الأرواح، إلا أن الخبراء

الفنيين في الحرس لم يغيروا أهدافه أو يجعلوها أآ ثر تواضعًا، بل على العكس،

ة 􀑧􀑧 لابة مقاوم 􀑧􀑧 ن ص 􀑧􀑧 رس زادوا م 􀑧􀑧 ي الح 􀑧􀑧 ة ف 􀑧􀑧 صناعات الحربي 􀑧􀑧 راء ال 􀑧􀑧 ون خب 􀑧􀑧 ا يك 􀑧􀑧 ربم

اف 􀑧 ن الالتف 􀑧 قيادة الحرس للتسوية عن طريق المفاوضات، وذلك بتمكين إيران م

ة 􀑧􀑧 ن العمل 􀑧􀑧 ة م 􀑧􀑧 اليف الباهظ 􀑧􀑧 ن التك 􀑧􀑧 تغناء ع 􀑧􀑧 دولي، والاس 􀑧􀑧 لحة ال 􀑧􀑧 ر الأس 􀑧􀑧 ول حظ 􀑧􀑧 ح

الصعبة التي تتطلبها مشتريات الأسلحة.

جهاز تصدير الثورة

اتق 􀑧􀑧 ى ع 􀑧􀑧 اة عل 􀑧􀑧 ة، الملق 􀑧􀑧 ة الداخلي 􀑧􀑧 ام الأمني 􀑧􀑧 سكرية، والمه 􀑧􀑧 ام الع 􀑧􀑧 ى المه 􀑧􀑧 افة إل 􀑧􀑧 إض

ورة 􀑧􀑧􀑧 صدير الث 􀑧􀑧􀑧 ود ت 􀑧􀑧􀑧 ي جه 􀑧􀑧􀑧 ة ف 􀑧􀑧􀑧 دور رأس الحرب 􀑧􀑧􀑧 طلع ب 􀑧􀑧􀑧 د اض 􀑧􀑧􀑧 ه ق 􀑧􀑧􀑧 رس، فإن 􀑧􀑧􀑧 الح

ورة 􀑧􀑧 صدير الث 􀑧􀑧 ي ت 􀑧􀑧 رس ف 􀑧􀑧 شطة الح 􀑧􀑧 ت أن 􀑧􀑧 رى آان 􀑧􀑧 ا لأدواره الأخ 􀑧􀑧 لامية. وخلافً 􀑧􀑧 الإس

-23-

دات 􀑧 تتسم بأخذ زمام المبادرة بد لاً من الاآتفاء برد الفعل، حين آان يواجه التهدي

ي 􀑧􀑧 ي ف 􀑧􀑧 ة الخمين 􀑧􀑧 ق رؤي 􀑧􀑧 ة لتطبي 􀑧􀑧 ذه المهم 􀑧􀑧 رس ه 􀑧􀑧 ور الح 􀑧􀑧 د ط 􀑧􀑧 الثورة. لق 􀑧􀑧 يط ب 􀑧􀑧 ي تح 􀑧􀑧 الت

ان 􀑧􀑧 إذا آ 􀑧􀑧 ه( 108 ). ف 􀑧􀑧 ران وبقيادت 􀑧􀑧 ن طه 􀑧􀑧 ا م 􀑧􀑧 دة) انطلاقً 􀑧􀑧 لامية (الموح 􀑧􀑧 ة الإس 􀑧􀑧 اء الأم 􀑧􀑧 إحي

الخميني هو أمير المؤمنين، فإن حراس الثورة هم جنده الأوفياء . ويمكن اعتبار

الحرب الإيرانية – العراقية نفسها (بعد عام 1982 عندما طردت إيران القوات

راق 􀑧 ا أن الع 􀑧 ن بم 􀑧 ورة . ولك 􀑧 العراقية من أراضيه ا)، جزءًا من مجهود تصدير الث

ى دور 􀑧􀑧 يُنظر إل 􀑧􀑧 سها، س 􀑧􀑧 ة نف 􀑧􀑧 ة الإيراني 􀑧􀑧 ورة والأم 􀑧􀑧 ددًا الث 􀑧􀑧 رب، مه 􀑧􀑧 دأ الح 􀑧􀑧 ذي ب 􀑧􀑧 و ال 􀑧􀑧 ه

شطة 􀑧 ا أن 􀑧 ورة . أم 􀑧 الحرس في الحرب آمهمة عسكرية أآثر من آونها تصدي رًا للث

صدير 􀑧 ار ت 􀑧 ت إط 􀑧 ا تح 􀑧 دخل عمومً 􀑧 الحرس المعادية للغرب والولايات المتحدة، فت

الثورة.

صدي 􀑧􀑧 ى الت 􀑧􀑧 لاً إل 􀑧 دف أص 􀑧􀑧 ن ته 􀑧􀑧 م تك 􀑧􀑧 ورة ل 􀑧􀑧 صدير الث 􀑧􀑧 ي ت 􀑧􀑧 رس ف 􀑧􀑧 ود الح 􀑧􀑧 إن جه

د 􀑧􀑧 ة . وق 􀑧􀑧 ة خاص 􀑧􀑧 سب أهمي 􀑧􀑧 ة تكت 􀑧􀑧 ذه المهم 􀑧􀑧 ل ه 􀑧􀑧 ا يجع 􀑧􀑧 ورة، مم 􀑧􀑧 ه الث 􀑧􀑧 دات تواج 􀑧􀑧 لتهدي

د 􀑧􀑧 املة ض 􀑧􀑧 رب ش 􀑧􀑧 ي ح 􀑧􀑧 شارآته ف 􀑧􀑧 رغم م 􀑧􀑧 شاط، ب 􀑧􀑧 ذا الن 􀑧􀑧 ة ه 􀑧􀑧 رس ممارس 􀑧􀑧 تطاع الح 􀑧􀑧 اس

وى 􀑧􀑧 ع الق 􀑧􀑧 ده بجمي 􀑧􀑧 ستأثر وح 􀑧􀑧 ع أن ي 􀑧􀑧 ن المتوق 􀑧􀑧 ان م 􀑧􀑧 ذي آ 􀑧􀑧 زاع ال 􀑧􀑧 ذا الن 􀑧􀑧 راق، ه 􀑧􀑧 الع

زام 􀑧 رس الت 􀑧 دى الح 􀑧 ان ل 􀑧 ا آ 􀑧 رس . آم 􀑧 دى الح 􀑧 سيطرة ل 􀑧 ادة وال 􀑧 وارد القي 􀑧 البشرية وم

دة، 􀑧 ات المتح 􀑧 ة للولاي 􀑧 شددة، والمعادي 􀑧 ورة المت 􀑧 اليم الث 􀑧 ب تع 􀑧 ل بموج 􀑧 دًا للعم 􀑧 قوي ج

دة، 􀑧 ات المتح 􀑧 ع الولاي 􀑧 دود م 􀑧 سلح مح 􀑧 زاع م 􀑧 ال ن 􀑧 ة بافتع 􀑧 ه للمجازف 􀑧 ذي دفع 􀑧 الأمر ال

سكرية 􀑧 ه الع 􀑧 ى أداء مهمت 􀑧 رس عل 􀑧 درة الح 􀑧 ضعف ق 􀑧 د ي 􀑧 زاع ق 􀑧 برغم أن مثل هذا الن

ي 􀑧 ورة ف 􀑧 المصيرية ضد العراق . وهناك سمة هامة أخرى تميز جهاز تصدير الث

ك 􀑧 ه، وذل 􀑧 ام في 􀑧 ع المه 􀑧 شعب وتوزي 􀑧 الحرس، هي عدم وجود دليل على التمايز والت

د، 􀑧 بعكس بني ته العسكرية والأمنية الداخلية . وهذا النوع من الميوعة وعدم التحدي

ه، ألا 􀑧 ة مهمت 􀑧 ا لطبيع 􀑧 شكلان انعكاسً 􀑧 ورة، ي 􀑧 صدير الث 􀑧 از ت 􀑧 ا جه 􀑧 صف بهم 􀑧 اللذين يت

سئولية 􀑧􀑧 د م 􀑧􀑧 ن تحدي 􀑧􀑧 شاط م 􀑧􀑧 ذا الن 􀑧􀑧 ستهدفة به 􀑧􀑧 ات الم 􀑧􀑧 ن الجه 􀑧􀑧 ة دون تمك 􀑧􀑧 ي الحيلول 􀑧􀑧 وه

الحرس عنه.

ون 􀑧􀑧 ا تك 􀑧􀑧 ا م 􀑧􀑧 ود غالبً 􀑧􀑧 دة بن 􀑧􀑧 ت ع 􀑧􀑧 ورة تح 􀑧􀑧 صدير الث 􀑧􀑧 ي ت 􀑧􀑧 رس ف 􀑧􀑧 ود الح 􀑧􀑧 درج جه 􀑧􀑧 تن

وريين 􀑧􀑧􀑧 ساندة الث 􀑧􀑧􀑧 شوف لم 􀑧􀑧􀑧 ر المك 􀑧􀑧􀑧 سياسي غي 􀑧􀑧􀑧 سكري أو ال 􀑧􀑧􀑧 دخل الع 􀑧􀑧􀑧 ة: الت 􀑧􀑧􀑧 متداخل

د 􀑧 ة ض 􀑧 الإسلاميين في الدول الأخرى باستثناء لبنان ( 109 )، وأعمال العنف الموجه

د 􀑧􀑧􀑧 سرية ض 􀑧􀑧􀑧 ات ال 􀑧􀑧􀑧 ة( 110 )، والعملي 􀑧􀑧􀑧 دول الغربي 􀑧􀑧􀑧 ن ال 􀑧􀑧􀑧 ا م 􀑧􀑧􀑧 دة وغيره 􀑧􀑧􀑧 ات المتح 􀑧􀑧􀑧 الولاي

رس 􀑧 لاء الح 􀑧 ع أن عم 􀑧 ام ( 111 ). وم 􀑧 د اء النظ 􀑧 د أع 􀑧 ة وض 􀑧 الحكومات العربية المحافظ

-24-

ة 􀑧 ادة الوطني 􀑧 ة القي 􀑧 يطرة بني 􀑧 ت س 􀑧 انوا تح 􀑧 ذآورة آ 􀑧 ام الم 􀑧 ذوا المه 􀑧 ذين نف 􀑧 ووحداته ال

ام 􀑧􀑧 ل النظ 􀑧􀑧 شددين داخ 􀑧 ن المت 􀑧􀑧 رة م 􀑧􀑧 بكة متغي 􀑧 ع ش 􀑧􀑧 ون م 􀑧􀑧 انوا يعمل 􀑧 م آ 􀑧􀑧 رس، إلا أنه 􀑧 للح

التطورات 􀑧 ام ب 􀑧 ذه المه 􀑧 داف ه 􀑧 ت أه 􀑧 الإيراني وخارج إيران ( 112 ). وغالبًا ما ارتبط

ن 􀑧 داخلي م 􀑧 سياسي ال 􀑧 ب ال 􀑧 ذا الجان 􀑧 الداخلية الإيرانية . وسنتناول في فصل لاحق ه

أنشطة الحرس في تصدير الثورة.

التدخل السياسي / العسكري

ام 􀑧􀑧 ذ ع 􀑧􀑧 ان من 􀑧􀑧 ي لبن 􀑧􀑧 وده ف 􀑧􀑧 و وج 􀑧􀑧 ورة ه 􀑧􀑧 رس للث 􀑧􀑧 صدير الح 􀑧􀑧 ى ت 􀑧􀑧 دليل الأول عل 􀑧􀑧 ال

شيعي 􀑧􀑧 زب الله ال 􀑧􀑧 يس ح 􀑧􀑧 ى تأس 􀑧􀑧 ان عل 􀑧􀑧 ي لبن 􀑧􀑧 رس ف 􀑧􀑧 رزة الح 􀑧􀑧 اعدت مف 􀑧􀑧 د س 􀑧􀑧 1982 . فق

ة 􀑧􀑧 ة جمهوري 􀑧􀑧 دف إقام 􀑧􀑧 د، به 􀑧􀑧 ا بع 􀑧􀑧 ه فيم 􀑧􀑧 ه ودعم 􀑧􀑧 ى تدريب 􀑧􀑧 ش دد، وعل 􀑧􀑧 ولي المت 􀑧􀑧 الأص

إسلامية في ذلك البلد ( 113 ). وعمومًا آانت قيادة مفرزة الحرس وأفراده في لبنان

ة 􀑧􀑧􀑧 ن الناحي 􀑧􀑧􀑧 ة م 􀑧􀑧􀑧 رس راديكالي 􀑧􀑧􀑧 ال الح 􀑧􀑧􀑧 ر رج 􀑧􀑧􀑧 ضم أآث 􀑧􀑧􀑧 ل– ت 􀑧􀑧􀑧 ا 2000 مقات 􀑧􀑧􀑧 –وقوامه

زب الله، 􀑧 العقائدية( 114 ). وإلى جانب المساندة والتدريب العسكريين المباشرين لح

وا 􀑧 ث بث 􀑧 اني، حي 􀑧 اع اللبن 􀑧 ي وادي البق 􀑧 رًا ف 􀑧 يًا آبي 􀑧 لعب الحرس دورًا عقائديًا وسياس

ساجد 􀑧􀑧􀑧 شفيات والم 􀑧􀑧􀑧 دارس والمست 􀑧􀑧􀑧 سوا الم 􀑧􀑧􀑧 ين وأس 􀑧􀑧􀑧 سكان المحلي 􀑧􀑧􀑧 ين ال 􀑧􀑧􀑧 داتهم ب 􀑧􀑧􀑧 معتق

زب الله 􀑧􀑧􀑧 دوا ح 􀑧􀑧􀑧 لامية وأم 􀑧􀑧􀑧 ورة الإس 􀑧􀑧􀑧 د للث 􀑧􀑧􀑧 سبوا التأيي 􀑧􀑧􀑧 ة، واآت 􀑧􀑧􀑧 ات الخيري 􀑧􀑧􀑧 والجمعي

.( بالمجندين( 115

سكرية 􀑧 ادة الع 􀑧 ائي والقي 􀑧 برغم أن مفرزة الحرس في لبنان تخضع لإمرة رض

سياسيون 􀑧 للحرس، فغالبًا ما آان يمارس رفيق دوست ورجال الدين والزعماء ال

الإيرانيون نفوذًا على هذه المفرزة . ومن المتوقع أن يكون التسلسل القيادي غير

ول 􀑧􀑧 ران ح 􀑧􀑧 ي طه 􀑧􀑧 عة ف 􀑧􀑧 ات واس 􀑧􀑧 شبت خلاف 􀑧􀑧 د ن 􀑧􀑧 ع( 1) فق 􀑧􀑧 ذا الوض 􀑧􀑧 ل ه 􀑧􀑧 ي مث 􀑧􀑧 ح ف 􀑧􀑧 واض

رس 􀑧􀑧 دى الح 􀑧􀑧 ان ل 􀑧􀑧 ان ( 2) وآ 􀑧􀑧 ي لبن 􀑧􀑧 رس ف 􀑧􀑧 شاط الح 􀑧􀑧 ل لن 􀑧􀑧 لوب الأمث 􀑧􀑧 ستوى والأس 􀑧􀑧 الم

ف 􀑧 ان لمختل 􀑧 ا آ 􀑧 ان ( 3) آم 􀑧 ي لبن 􀑧 شطته ف 􀑧 ض أن 􀑧 مصلحة في إنكار مسئوليته عن بع

شيعة 􀑧􀑧 شددين ال 􀑧􀑧 ع المت 􀑧􀑧 عة م 􀑧􀑧 ية واس 􀑧􀑧 صية وسياس 􀑧􀑧 لات شخ 􀑧􀑧 رانيين ص 􀑧􀑧 اء الإي 􀑧􀑧 الزعم

اللبنانيين على اختلافهم ( 116 ). فعلى سبيل المثال، قام وزير الحرس السابق رفيق

ان؛ 􀑧 رس بلبن 􀑧 شطة الح 􀑧 ي أن 􀑧 دوست بزيارات متكررة للبنان، ولعب دو رًا رئيسيًا ف

صابات، 􀑧 رب الع 􀑧 ى ح 􀑧 لأنه أقم علاقات واسعة هناك خلال التدريب الذي تلقاه عل

.( رس ( 117 􀑧 دادات للح 􀑧 ولأنه آان مسئو لاً رسميًا عن تقديم الإسناد اللوجستي والإم

د 􀑧􀑧 افظ الأس 􀑧􀑧 سوري ح 􀑧􀑧 الرئيس ال 􀑧􀑧 ا ب 􀑧􀑧 ي دائمً 􀑧􀑧 ه يلتق 􀑧􀑧 لال زيارات 􀑧􀑧 ت خ 􀑧􀑧 ق دوس 􀑧􀑧 ان رفي 􀑧􀑧 وآ

ررة 􀑧 تباآات المتك 􀑧 راء الاش 􀑧 ن ج 􀑧 ران، م 􀑧 وريا وإي 􀑧 ين س 􀑧 لإزالة أي توتر قد يحدث ب

-25-

.( ران ( 118 􀑧􀑧 والي لإي 􀑧􀑧 ولي الم 􀑧􀑧 زب الله الأص 􀑧􀑧 ة وح 􀑧􀑧 شيعية العلماني 􀑧􀑧 ل ال 􀑧􀑧 ة أم 􀑧􀑧 ين حرآ 􀑧􀑧 ب

ا 􀑧􀑧 ة بينه 􀑧􀑧 داوة القديم 􀑧􀑧 ى الع 􀑧􀑧 النظر إل 􀑧􀑧 رب، ب 􀑧􀑧 ي الح 􀑧􀑧 ران ف 􀑧􀑧 اندت إي 􀑧􀑧 وريا س 􀑧􀑧 ذآر أن س 􀑧􀑧 (ي

وبين جارها العراق).

ل 􀑧 د احت 􀑧 رس، فق 􀑧 ة للح 􀑧 ادة القومي 􀑧 ت والقي 􀑧 ق دوس 􀑧 ن رفي 􀑧 ى م 􀑧 ستوى أدن 􀑧 وعلى م

ال 􀑧 شيات ورج 􀑧 قائد مفرزة الحرس في لبنان مقعدًا في المجلس الموسع لقادة الملي

ات 􀑧􀑧􀑧 ة للجماع 􀑧􀑧􀑧 سياسة العام 􀑧􀑧􀑧 م ال 􀑧􀑧􀑧 ذي يرس 􀑧􀑧􀑧 انيين، ال 􀑧􀑧􀑧 رانيين واللبن 􀑧􀑧􀑧 شيعة الإي 􀑧􀑧􀑧 دين ال 􀑧􀑧􀑧 ال

ا 􀑧 ه ( 119 ). آم 􀑧 الشيعية المتشددة في لبنان، وفقًا لما جاء في تقرير صحفي موثوق ب

شمي 􀑧 ر محت 􀑧 ي أآب 􀑧 ة عل 􀑧 ر الداخلي 􀑧 وريا ووزي 􀑧 ي س 􀑧 س ابق ف 􀑧 ي ال 􀑧 سفير الإيران 􀑧 لعب ال

بور، وهو أحد المتشددين البارزين، دورًا فاع لاً بالتعاون مع الحرس في تشكيل

سعى 􀑧􀑧 ا ت 􀑧􀑧 ان ( 120 ). آم 􀑧􀑧 ي لبن 􀑧􀑧 وي ف 􀑧􀑧 وذ ق 􀑧􀑧 ع بنف 􀑧􀑧 زال يتمت 􀑧􀑧 ه لا ي 􀑧􀑧 دو أن 􀑧􀑧 زب الله، ويب 􀑧􀑧 ح

ض 􀑧 ة وبع 􀑧 ة الإيراني 􀑧 ع وزارة الخارجي 􀑧 السفارتان الإيرانيتان في سور يا ولبنان، م

ي 􀑧 ة ف 􀑧 سياسة الإيراني 􀑧 رس وال 􀑧 شطة الح 􀑧 ى أن 􀑧 سيطرة عل 􀑧 الزعماء الإيرانيين، إلى ال

.( لبنان( 121

حب 􀑧 رروا س 􀑧 رانيين ق 􀑧 سياسيين الإي 􀑧 اء ال 􀑧 أن الزعم 􀑧 بيد أنه وردت تقارير تفيد ب

ائي 􀑧 ه ر ض 􀑧 ى ب 􀑧 ذي أدل 􀑧 صريح ال 􀑧 ع أن الت 􀑧 وحدة الحرس الثوري من لبنان ( 122 ). وم

في تشرين الثاني / نوفمبر 1991 حول تضاؤل دور الحرس العسكري، وآذلك

سمبر 􀑧 انون الأول / دي 􀑧 إطلاق ما تبقى من الرهائن الأمريكيين في لبنان بحلول آ

صريحات 􀑧 ي ت 􀑧 ائي ف 􀑧 ى رض 􀑧 د نف 􀑧 ارير ( 123 )، فق 􀑧 1991 ، يؤيدان ما جاء في هذه التق

ي 􀑧􀑧 ي داخل 􀑧􀑧 زاع إيران 􀑧􀑧 ود ن 􀑧 ا بوج 􀑧􀑧 رس ( 124 )، موحيً 􀑧􀑧 وات الح 􀑧􀑧 سحب ق 􀑧 ة ل 􀑧􀑧 ة ني 􀑧􀑧 رى أي 􀑧 أخ

ة 􀑧 شطة المكثف 􀑧 ت الأن 􀑧 ان . وإن آان 􀑧 ن لبن 􀑧 ه م 􀑧 حب قوات 􀑧 وري س 􀑧 رس الث 􀑧 ه الح 􀑧 يقاوم في

التي قام بها حزب الله ضد القوات الإسرائيلية في الجنوب عام 1992 تشير إلى

لاق 􀑧 ول إط 􀑧 زاع ح 􀑧 سر الن 􀑧 ه خ 􀑧 ع أن 􀑧 ا، م 􀑧 زاع حاليً 􀑧 أن الحرس هو الذي يفوز في الن

الرهائن الأمريكيين في لبنان.

الأنشطة الموجهة ضد الولايات المتحدة

شددة 􀑧 رس المت 􀑧 ديولوجيا الح 􀑧 ع أي 􀑧 ا لوض 􀑧 ان منطلقً 􀑧 ي لبن 􀑧 آانت مفرزة الحرس ف

صالح 􀑧􀑧 ة الم 􀑧􀑧 ن مهاجم 􀑧􀑧 ل م 􀑧􀑧 رس يأم 􀑧􀑧 ان الح 􀑧􀑧 ذ . وآ 􀑧􀑧 ع التنفي 􀑧􀑧 ا موض 􀑧􀑧 ة لأمريك 􀑧􀑧 المناوئ

الم 􀑧 سلمين ودول الع 􀑧 رب والم 􀑧 الأمريكية، أن يزيد شعبية الثورة الإسلامية بين الع

شكل 􀑧􀑧 حفية، ت 􀑧􀑧 ارير ص 􀑧􀑧 رت تق 􀑧􀑧 سبما ذآ 􀑧􀑧 ة. وح 􀑧􀑧 ة الغربي 􀑧􀑧 ن الهيمن 􀑧􀑧 ستائين م 􀑧􀑧 ث الم 􀑧􀑧 الثال

ه 􀑧 وم في 􀑧 زًا يق 􀑧 اع – مرآ 􀑧 ي وادي البق 􀑧 رس ف 􀑧 شغلها الح 􀑧 ي ي 􀑧 د الله –الت 􀑧 شيخ عب 􀑧 ثكنة ال

-26-

زب الله 􀑧 ى ح 􀑧 الحرس بتدريب المتشددين، الشيعة اللبنانيين، بمن فيهم المنتمون إل

ه 􀑧 ها نبي 􀑧 ي يترأس 􀑧 ل الت 􀑧 ة أم 􀑧 وحرآة أمل الإسلامية (فصيل متشدد منشق عن حرآ

ة 􀑧􀑧􀑧 ات المعادي 􀑧􀑧􀑧 ن العملي 􀑧􀑧􀑧 سئولين ع 􀑧􀑧􀑧 ون م 􀑧􀑧􀑧 د يكون 􀑧􀑧􀑧 ذين ق 􀑧􀑧􀑧 وريا) ال 􀑧􀑧􀑧 دعمها س 􀑧􀑧􀑧 ري وت 􀑧􀑧􀑧 ب

ارينز 􀑧􀑧 وات الم 􀑧􀑧 ة ق 􀑧􀑧 ر ثكن 􀑧􀑧 ل تفجي 􀑧􀑧 ام 1983 م، مث 􀑧􀑧 دثت ع 􀑧􀑧 ي ح 􀑧􀑧 دة الت 􀑧􀑧 ات المتح 􀑧􀑧 للولاي

شيخ 􀑧􀑧 ة ال 􀑧􀑧 ضًا: إن ثكن 􀑧􀑧 ال أي 􀑧􀑧 روت( 125 ). ويق 􀑧􀑧 ي بي 􀑧􀑧 ة ف 􀑧􀑧 سفارة الأمريكي 􀑧􀑧 رآيين وال 􀑧􀑧 الأمي

ي 􀑧􀑧 رهم ف 􀑧􀑧 اء أس 􀑧􀑧 ة أثن 􀑧􀑧 رات مختلف 􀑧􀑧 ي فت 􀑧􀑧 ريكيين ف 􀑧􀑧 ائن الأم 􀑧􀑧 ض الره 􀑧􀑧 د الله آوت بع 􀑧􀑧 عب

ر 􀑧 ة لتفجي 􀑧 رس المزعوم 􀑧 ط الح 􀑧 اهر لخط 􀑧 ان الظ 􀑧 ان المك 􀑧 كل لبن 􀑧 لبنان( 126 ). آذلك ش

ي 􀑧 نبحث ف 􀑧 سمبر 1988 م، وس 􀑧 انون الأول / دي 􀑧 رحلة بان أمريكان رقم 103 في آ

.( أسبابها وانعكاساتها السياسية لاحقًا( 127

و 􀑧􀑧􀑧 زب الله (وه 􀑧􀑧􀑧 ام لح 􀑧􀑧􀑧 س وح 􀑧􀑧􀑧 ان آمؤس 􀑧􀑧􀑧 ي لبن 􀑧􀑧􀑧 رس ف 􀑧􀑧􀑧 رزة الح 􀑧􀑧􀑧 دور مف 􀑧􀑧􀑧 رًا ل 􀑧􀑧􀑧 نظ

ذه 􀑧􀑧 ون ه 􀑧􀑧 رجح أن تك 􀑧􀑧 ن الم 􀑧􀑧 ائن ) فم 􀑧􀑧 اطفوا الره 􀑧􀑧 ا خ 􀑧􀑧 ت لوائه 􀑧􀑧 ضوي تح 􀑧􀑧 ة ين 􀑧􀑧 مجموع

ي 􀑧 ريكيين ف 􀑧 ا ئن الأم 􀑧 المفرزة شارآت في قرارات إطلاق جميع ما تبقى من الره

دأ 􀑧 ذي ب 􀑧 و ال 􀑧 رس ه 􀑧 أن الح 􀑧 دون ب 􀑧 لبنان. ويقول مس ئولو الأمن اللبنانيون : إنهم يعتق

سية، 􀑧 ي الجن 􀑧 فعلاً عملية خطف الرهائن في بيروت، بخطف ديفيد دودج الأ مريك

ون 􀑧 ا يجلب 􀑧 انوا أحيانً 􀑧 هم آ 􀑧 سابقون : إن حراس 􀑧 عام 1989 م( 128 ). وقد قال الرهائن ال

شاهدون 􀑧 رى ي 􀑧 ا أخ 􀑧 انوا أحيانً 􀑧 ا آ 􀑧 الطعام لهم من قاعدة قريبة للحرس الثوري، آم

.( ازهم ( 129 􀑧 اآن احتج 􀑧 رب أم 􀑧 سكرية ق 􀑧 وابير ع 􀑧 ي ط 􀑧 حراس الثورة وهم يسيرون ف

امي 1985 م - 􀑧􀑧􀑧 ران ع 􀑧􀑧􀑧 ة لإي 􀑧􀑧􀑧 لحة الأمريكي 􀑧􀑧􀑧 فقة الأس 􀑧􀑧􀑧 ي ص 􀑧􀑧􀑧 رس ف 􀑧􀑧􀑧 ارك الح 􀑧􀑧􀑧 د ش 􀑧􀑧􀑧 لق

اون 􀑧􀑧 ل تع 􀑧􀑧 صفقة مقاب 􀑧􀑧 ن ال 􀑧􀑧 زء م 􀑧􀑧 ا آج 􀑧􀑧 ا، ربم 􀑧􀑧 ي أعقابه 􀑧􀑧 لحة ف 􀑧􀑧 وا أس 􀑧􀑧 1986 م، وتلق

رس 􀑧􀑧 سبة للح 􀑧􀑧 ريكيين ( 130 ). وبالن 􀑧􀑧 ائن الأم 􀑧􀑧 ض الره 􀑧􀑧 لاق بع 􀑧􀑧 ب إط 􀑧􀑧 ي ترتي 􀑧􀑧 رس ف 􀑧􀑧 الح

ضه 􀑧 م تعوي 􀑧 د ت 􀑧 ضية ق 􀑧 ذه الق 􀑧 ي ه 􀑧 ديولوجي ف 􀑧 ازل أي 􀑧 إن أي تن 􀑧 وحلفائهم اللبنانيين، ف

فقة 􀑧􀑧􀑧 ب ص 􀑧􀑧􀑧 راحهم بموج 􀑧􀑧􀑧 ق س 􀑧􀑧􀑧 ن أُطل 􀑧􀑧􀑧 ل م 􀑧􀑧􀑧 وا مح 􀑧􀑧􀑧 افيين، ليحل 􀑧􀑧􀑧 ائن إض 􀑧􀑧􀑧 ف ره 􀑧􀑧􀑧 بخط

.( الأسلحة الأمريكية لإيران( 131

العمليات السرية ضد الحكومات العربية

لقد قام الحرس، إلى جانب نشاطاته في لبنان، بنقل نشاطات تصدير الثورة

إلى الدول العربية، وبالأخص حلفاء العراق في الخليج العربي. وخلافًا لأنشطة

الحرس في لبنان، اتخذت هذه العملية منحى سريًا بدلاً من التدخل المباشر.

ولكن مثلما حدث في لبنان، آان الحرس العنصر الميداني الأقوى والأقدر، وإن

لم يكن هو التنظيم أو المجموعة الوحيدة المشارآة في هذه العملية. فقد اقتسم

-27-

السلطة في هذه القضية مع مجموعة واسعة من الزعماء السياسيين الإيرانيين

والحلفاء الأجانب( 132 ). وآانت البنية التنظيمية – التي نفذ الحرس بموجبها هذه

العملية – متماشية مع جميع ما نفذه من مهام تصدير الثورة، أي غير محددة

وغير متخصصة. وهنا أيضًا هيمن الحرس على تدريب عملائه الأجانب

المتشددين وتسليحهم في أماآن عديدة بإيران، مستخدمًا الكثير من أساليب

التدريب والتلقين ذاتها التي آان يستخدمها مع مقاتلي الباسيج في الحرب ضد

.( العراق( 133

يشكل جهاز العمليات السرية في الحرس المثال الوحيد الذي أصبحت فيه

فعلاً البنية التنظيمية للحرس –في مهام محددة– أقل تخصصًا مع مرور

الوقت. وخلال فترة 1981 م – 1983 م، آان مكتب حرآات التحرر التابع

للحرس –تحت رئاسة العضو الراديكالي في المجلس الأعلى مهدي هاشمي–

.( يتولى جهود الحرس في القيام بأعمال تخريبية في الدول العربية المحافظة( 134

وآان هاشمي صهرًا لآية الله منتظري وصديقًا لابنه محمد، وهو مؤيد متطرف

.( لجهود الحرس في تصدير الثورة، وأحد المنظمين الأوائل لهذه الجهود( 135

وفي عام 1983 م تقريبًا، انفصل هاشمي ومكتب حرآات التحرر رسميًا عن

الحرس، ربما آجزء من صراع على السلطة مع رضائي وغيره من القادة،

الذين أرادوا الترآيز على الحرب مع العراق بالدرجة الأولى، وتوحيد أنشطة

الحرس في تصدير الثورة تحت قيادتهم( 136 ). وتابع الحرس أنشطته في تصدير

الثورة، بغير وجود وحدة فرعية تنظيمية منفصلة تتولى رسميًا المسئولية عن

هذا النشاط. وفي عام 1986 م اعتقل هاشمي؛ لأنه ساعد راعيه منتظري على

.( تسريب خبر صفقة الأسلحة الأمريكية لإيران، وأعدم في السنة التالية( 137

[وصفت التقارير الصحفية في منتصف الثمانينيات "لجنة الحرب على

الشيطان" بأنها الجهاز الخاص في الحرس لتنسيق الأنشطة السرية في جميع

أرجاء العالم العربي] ( 138 ). وعمومًا فإن هناك أدلة أآثر على أن الحرس عمل

عن آثب مع "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق"، وهي مجموعة

ينضوي تحت لوائها المتشددون الإسلاميون الذين يعملون في معظم دول

الخليج العربي بما فيها العراق آما يدل اسمها( 139 ). وقد تأسس "المجلس الأعلى

للثورة الإسلامية في العراق" أواخر عام 1981 م، ويترأسه رجل دين متوسط

الرتبة هو محمد باقر الحكيم (ابن علامة شيعي عراقي جليل هو آية الله محسن

-28-

الحكيم) لتوحيد الإشراف على عدة جماعات متشددة مختلفة، من ضمنها حزب

الدعوة الإسلامية، وهو حزب عراقي أصولي معارض، ومنظمة العمل

الإسلامي وهي مجموعة أصولية متشددة أخرى تنشط في العراق ودول الخليج

العربي، والجبهة الإسلامية لتحرير البحرين التي اتهمت بتدبير محاولة انقلابية

في البحرين عام 1981 م بدعم من إيران( 140 ). ويبدو أن المجلس الأعلى للثورة

الإسلامية الذي يتخذ من طهران مقرًا له، آان -بمساعدة حرس الثورة- هو

القوة الأساسية في الانتفاضة التي قام بها الشيعة ضد صدام حسين في جنوب

.( العراق في أعقاب حرب الخليج الثانية( 141

أآدت وسائل الإعلام الرسمية في إيران الروابط الوثيقة بين "المجلس

الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" وبين الحرس الثوري. وفي الأيام الأخيرة

للحرب الإيرانية – العراقية، دعا الحرس علنًا إلى تعبئة متطوعي المجلس

الأعلى للثورة الإسلامية (عراقيون فروا إلى إيران) للقتال في جبهة الحرب

ضد العراق( 142 ). وفي عام 1984 م ذآرت الصحف الإيرانية أن المجلس الأعلى

للثورة الإسلامية في العراق شكر الحرس على سماحه لقوات المجلس

.( بالمشارآة في المناورات العسكرية للحرس( 143

إضافة إلى عمل الحرس عبر الوآلاء، فقد نشطت عناصره آثيرًا في العالم

العربي. ونخص بالذآر جهود الحرس في إثارة الاضطرابات في المملكة

العربية السعودية، لاسيما خلال موسم الحج. وقد اعترف الزعماء الإيرانيون

علنًا بأن الحرس هرَّب متفجرات إلى داخل المملكة خلال موسم الحج عام

1986 م( 144 ). وذُآر أن الحرس شارك مشارآة واسعة في التخطيط لأعمال

الشغب التي قام بها الحجاج الإيرانيون في مكة خلال موسم الحج عام 1987 م،

التي أسفرت عن مقتل 400 شخص على أيدي قوات الأمن السعودية( 145 ). آما

آان عملاء الحرس، بالأخص في أوربا، مسئولين عن تجنيد المتشددين الشيعة

.( لتنفيذ عمليات برعاية الحرس في دول عربية مستهدفة( 146

آما وردت تقارير في الآونة الأخيرة تشير إلى أن الحرس ينشطون في

السودان ويقومون بتدريب المتشددين الإسلاميين هناك، للمساعدة على نشر

.( الثورة في جميع الأجزاء الإسلامية من أفريقيا( 147

استعان الحرس بشبكة حلفائه داخل إيران، لمساندته في مهمته السرية. وقام

على وجه الخصوص وآيل وزارة الخارجية الإيرانية للشئون العربية حسين

-29-

شيخ الإسلام، أحد أهم زعماء "الطلبة" الذين احتجزوا الرهائن الأمريكيين في

طهران خلال الأعوام 1979 م – 1981 م، بتقديم المساعدة إلى حلفائه

الأيديولوجيين والسياسيين في الحرس، عبر المساهمة في تعيين رجال الحرس

في مناصب بالسفارات الإيرانية في أوربا وأفريقيا وآسيا( 148 ). ويقال: إن عملاء

الحرس قاموا –تحت الستار الدبلوماسي– بأعمال التنظيم والتجنيد، من أجل

تنفيذ عمليات الحرس في جميع أنحاء العالم، واغتيال أعداء طهران في

الخارج( 149 ). آما يمكن أن تكون وزارة الاستخبارات هي التي دبرت هذه

الاغتيالات.

إن الوسائل والتنظيمات المختلفة، التي بذل الحرس من خلالها جهوده

لتصدير الثورة، توضح بجلاء قدرته على تفادي التخصص والتمايز التنظيمي

الرسمي، عندما يؤدي ذلك إلى تعزيز تنفيذ مهمة محددة. آما أن قدرة الحرس

على بذل جهود قوية لتصدير الثورة –في الوقت الذي يخوض فيه حربًا آبرى

ضد دولة أخرى– تثبت أيضًا مرونته وعمق التزامه الأيديولوجي. غير أن

مشارآة الحرس في عملية تصدير الثورة –بحد ذاتها– لا تميزه عن سواه من

القوات المسلحة الثورية. فكل القوات العسكرية الثورية تقريبًا قامت بمهام

مشابهة نزولاً عند رغبة زعمائها. فقد خاض الجيش الثوري الفرنسي حروبًا

شاملة من أجل تصدير الثورة الفرنسية، مثلما خاضها من أجل حماية أمن

فرنسا القومي. آما صدرت الأوامر للقوات المسلحة الكوبية بالتوجه إلى أنجولا

في السبعينيات لمساندة النظام المارآسي فيها. وقام الجيش الأحمر بغزو

أفغانستان عام 1979 م لدعم النظام الشيوعي المترنح بقيادة حزب الشعب

الديمقراطي الأفغاني.

ومع ذلك، تشير الأمثلة المذآورة إلى أن دور العسكريين في معظم

المجتمعات الثورية –بشأن تصدير الثورة– يقتصر عمومًا على التدخل

المباشر. أما العمليات السرية فقد ظلت من اختصاص أجهزة استخبارات

في الاتحاد KGB منفصلة يهيمن عليها المدنيون، مثل ال آيه. جي. بي

السوفيتي. إذ آانت ال آيه. جي. بي – وليس المخابرات العسكرية المعروفة

هي المسئولة الأولى عن "التدابير النشطة"، أي جهود – GRU باسم جي آريو

تعزيز الأحزاب الشيوعية المحلية أو إيصالها إلى السلطة( 150 ). وفي جمهورية

الصين الشعبية، تولت دائرة "الارتباط الدولي" ودائرة "العمل الأمامي

-30-

الموحد"، وهما جهازا استخبارات منفصلان عن جيش التحرير الشعبي، تنفيذ

.( عمليات التدابير النشطة المماثلة( 151

أما في إيران الثورة، فقد هيمن الحرس على معظم أشكال تصدير الثورة،

السرية منها والعلنية، واضطلع بدور رائد فيها، بعكس أقرانه في المجتمعات

الثورية الأخرى، بل إنه أآد هذا الدور بقوة، ولم يكتف بتنفيذ مبادرات القيادة

المدنية( 152 ). والأهم من ذلك، آما سنبين لاحقًا، أن الحرس مارس أنشطة تصدير

الثورة بحماس، برغم المعارضة الظاهرة لرؤسائه المدنيين، أو في أفضل

الأحوال تناقض مواقفهم( 153 ). آما أن تأييد الحرس لتصدير الثورة اقترن بدوره

آقلعة حصينة للسياسيين المتشددين والسياسات المتشددة، إلى درجة لم تعرفها

.( القوات المسلحة الثورية الأخرى( 154

البيروقراطية الإدارية/ إنشاء وزارة الحرس

آان تأسيس وزارة مستقلة للحرس الثوري في تشرين الثاني/ نوفمبر

1982 م مؤشرًا هامًا على ازدياد التعقيد التنظيمي للحرس، وتحوله من مليشيا

ثورية فوضوية إلى بنية تنظيمية عسكرية تقليدية. وحُددت مهام هذه الوزارة –

بعد تأسيسها بقليل – في تأمين ما يحتاجه الحرس من إسناد لوجستي

ومشتريات وتمويل وخدمات قانونية وإدارية. وآانت بمثابة حلقة الوصل بين

الحرس ومجلس الشورى والسلطة التنفيذية( 155 ). وامتدادًا لوظيفة المشتريات،

أدارت الوزارة جهود الإنتاج الحربي المحلي الحرس التي بدأت على

نطاق واسع عامي 1985 م – 1986 م( 156 ). ومن المسئوليات المهمة التي تولتها

الوزارة، تنظيم ميزانية الحرس وإدارته المالية. وفي البداية آان تمويل الحرس

.( يقتصر بالدرجة الأولى على تبرعات من آبار رجال الدين وأنصار النظام( 157

.( بيد أن تبرعات رجال الدين استمرت بصورة رمزية( 158

وقامت وزارة الحرس بدور مهم في الحصول على الأسلحة، بعد أن آان

آل مقاتل يؤمن سلاحه بنفسه، في السنوات الأولى من عمر الحرس، وآانت

معظم الأسلحة المتوافرة قد تم الاستيلاء عليها من ترسانات الشاه خلال الثورة،

أو من العراق بعد نشوب الحرب( 159 ). ومن خلال دورها في تدبير الأسلحة،

ساهمت وزارة الحرس في تحويل الحرس الثوري إلى قوة مسلحة وطنية

حقيقية. وجعلت الوزارة عملية توزيع الأسلحة وحيازتها عملية مرآزية، ملبية

بذلك مطلبًا مهمًا آخر لإقامة قوة وطنية، وليست خاصة أو محلية( 160 ). ووفقًا لما

-31-

يقوله ويبر، فإن هذا التحول من السيطرة الخاصة إلى الإشراف الوطني على

.( الاستخدام الشرعي للقوة في المجتمع، هو مؤشر مهم على بناء الدولة( 161

ويشكل إخضاع القوات المسلحة في المجتمع الثوري لسلطة مرآزية مؤشرًا

على تماسك وضع النظام الثوري.

إضافة إلى المهام الظاهرة لوزارة الحرس في المساعدة على فرض بنية

تنظيمية عليه، أدت الوزارة مهمة خفية للزعامة المدنية. فقد آانت الزعامة

السياسية تأمل في تعزيز السيطرة على الحرس عبر إعطائه وزارة على

المستوى الحكومي. فوزير الحرس – شأنه شأن سائر الوزراء – يخضع

للمساءلة أمام المجلس ورئيس الوزراء( 162 ). وظهرت هذه الدرجة من السيطرة

في أيلول/ سبتمبر 1988 م، عندما صوت المجلس على إقالة رفيق دوست،

.( جاعلاً منه آبش فداء لخسارة الحرب، وانهيار الحرس على جبهات القتال( 163

ورفيق دوست –صهر رفسنجاني آما يقال( 164 )– آان المرشح المنطقي ليصبح

أول وزير للحرس، بسبب دوره في مشتريات الأسلحة منذ تأسيس الحرس، بل

إن تعيينه عزز أيضًا الأهداف السياسية لرجال الدين. فقد آان عمومًا عنصرًا

محافظًا داخل قيادة الحرس، وأآثر رضوخًا لسلطة الحكومة المدنية من زملائه

.( في البنية العسكرية للحرس( 165

يعكس رفيق دوست نفسه مشاعر الحرس المتناقضة إزاء إنشاء وزارة

للحرس. فمن ناحية، آان رفيق دوست -ولا يزال- أحد الدعائم القوية للحرس،

وواحدًا من مؤسسيه الأوائل. ومن ناحية أخرى، فهو أآثر محافظة من غالبية

قادة الحرس وجنوده. وبالمثل رحب الحرس بإنشاء وزارة خاصة له للدفاع عن

مصالحه في اجتماعات ومداولات مجلس الوزراء، لكنه آان مستاءً لأن إنشاء

.( الوزارة يعطي الزعماء المدنيين قدرًا من السيطرة على شئون الحرس( 166

خلافًا لأقسام الحرس الأخرى، لم تستطع الوزارة – آوحدة فرعية –

مقاومة التأثيرات المحافظة لعملية التحول البيروقراطي والتخصصي. ومرد

ذلك أن الوزارة لم تتح فرصة آافية للراديكاليين في الحرس للتعبير عن

التزامهم الأيديولوجي، آما حدث في المعرآة ضد العراق. ونظرًا لمهامها

الإدارية، تضم الوزارة آادرًا من الإداريين والخبراء والمديرين، فضلاً عن

بعض الموظفين من خارج الحرس، وهي عناصر اجتماعية تختلف عن

المتشددين الذين أسسوا الحرس، ولا يزالون يهيمنون عليه( 167 ). وقد أقامت

-32-

الوزارة بنية تحتية وطنية للإنتاج الحربي وشبكة دولية لمشتريات السلاح، وإن

آانت غير فعالة وفاسدة على ما يقال، وأنشأت البنية التحتية للإشراف على

شبكة تعاونيات الحرس، وبرامج الخدمات الاجتماعية لأسر أفراد الحرس على

مستوى البلاد( 168 ). وأنشأت الوزارة عدة دوائر تنفيذية متخصصة لأداء مهامها

المتعددة، ومن ضمنها دائرة تفتيش، ودائرة إسناد لوجستي، ومديريات للأبحاث

الصناعية وشئون الموظفين، ومكاتب للمستشارين الاقتصاديين ومستشاري

التخطيط والاجتماعيين، وهي مهام لا تعطي منفذًا للتشدد الذي يميز

.( الحرس( 196

إذا آان الزعماء السياسيون يتوقعون أن تفرض الوزارة ورفيق دوست

قدرًا من الاعتدال على الحرس، فإنهم يستخفون بقدرة القادة العسكريين للحرس

على إحباط مساعي الوزارة، إن لم يكن فرض إرادتهم عليها وليس العكس.

فوزارة الحرس أقل عناصر الحرس راديكالية، ولهذا السبب بالذات فهي

أضعفها. فمثلاً، تشير صحف المعارضة الإيرانية في الخارج إلى نجاح

رضائي، قائد الحرس، في منع رفيق دوست من وضع جهاز الأمن الداخلي في

الحرس تحت سلطة الوزارة( 170 ). ومع أن الوزارة مخولة قانونًا بالإشراف على

سياسة شئون أفراد الحرس، فقد آان الناطق القديم باسم الحرس ورئيس

أرآانه، علي رضا أفشر (وهو الآن قائد الباسيج) هو الذي يعلن فعليًا – وبشكل

دائم تقريبًا – عن التنقلات في صفوف الحرس وعمليات التعبئة الكبرى. وفي

نهاية الأمر، أصبح الذي يحتل منصب وآيل شئون القوى البشرية في القيادة

العامة المشترآة (التي شكلها رفسنجاني في حزيران/ يونيو 1988 ) هو علي

.( رضا أفشر وليس أحد المسئولين في وزارة الحرس( 171

تقدم لنا إقالة رفيق دوست عام 1988 م دليلاً إضافيًا على ضعف وزارة

الحرس آمرآز قوة داخل الحرس الثوري. فقد أقيل بسبب مزاعم حول سوء

إدارة الوزارة (الفشل في تخزين الذخائر بطريقة سليمة، وتعريض السلامة

العامة للخطر، ودفع مبالغ مرتفعة أآثر من اللازم للأسلحة المشتراة من

الخارج، والفشل في توفير الإمدادات اللازمة للقوات)، وآانت هذه المزاعم

مدعاة للسخرية؛ لأن رفيق دوست آان أآثر رضوخًا لرغبات القيادة السياسية

من آل قادة الحرس الآخرين( 172 ). بل إنه لا يتحمل إلا أقل قدر من المسئولية

عن النكسات التي حدثت في ساحة المعرآة؛ لأنه لم يكن يقود قوات أو يضطلع

-33-

بدور بارز في رسم الاستراتيجية، ومع ذلك تحول إلى آبش فداء بسبب خسارة

الحرب. وآان من المفترض أن يقوم رفسنجاني – آقائد عام بالوآالة للقوات

المسلحة – بإقالة رضائي للفشل في ساحة القتال، بدلاً من السماح للمجلس –

الذي آان يرأسه آأبرع سياسي إيراني – بالتصويت على إقالة رفيق

دوست( 173 ). ويبدو أن رفسنجاني استشف أن المجازفة بإبعاد رفيق دوست، بما

يعقبه من رد فعل من جانب الحرس، أخف آثيرًا مما يمكن أن يشكله عز القائد

القوي محسن رضائي.

ولعل خير دليل على الضعف التنظيمي للوزارة – ضمن مجمل بنية

الحرس – هو إلغاؤها آوزارة مستقلة بعد وفاة آية الله الخميني. فعندما شكل

رفسنجاني حكومة جديدة عام 1989 م، ضُمت هذه الوزارة إلى وزارة الدفاع

الخاصة بالقوات النظامية، وأصبحت تدعى "وزارة الدفاع والإسناد اللوجستي

للقوات المسلحة" ويرأسها أآبر تورآان، وهو تكنوقراطي مدني من خارج

الحرس( 174 ). بيد أنه – خلافًا للحالات السابقة التي قاوم فيها الحرس الجهود

المدنية لإضعافه – لم يحتجّ الحرس هذه المرة احتجاجًا قويًا على إلغاء

وزارته. ومن أسباب ذلك – على نحو شبه مؤآد – أن وزارة الحرس لم تماش

قيادته في توجهاتها الأيديولوجية والسياسية. واستمر قادة الحرس في إدارة

معظم شئونهم بصورة مستقلة عن الوزارة الموحدة الجديدة. وظلوا مسيطرين

على مرافق الإنتاج الحربي التابعة لهم، مع أنها آانت المهمة الرئيسية التي

أوآلت رسميًا إلى الوزارة الموحدة( 175 )، بل إن الحرس آانوا وراء تعيين وآيل

وزارة الحرس السابق المتمرس، محمود بكروان، في ثاني أعلى منصب في

.( وزارة الدفاع الموحدة( 176

يشكل الضعف النسبي لوزارة الحرس – ضمن بنية الحرس – مثالاً لقدرته

على مقاومة القوى المحافظة النابعة من التعقيد التنظيمي. ولم تستطع وزارة

الحرس نفسها مقاومة التأثيرات المحافظة لبنيتها الداخلية الخاصة بها، بل إنها

لم تستطع – آما آان يتوقع الزعماء السياسيون – إيصال المنطق المحافظ

والبيروقراطي إلى بنية الحرس العسكرية والأمنية الداخلية. ومع أن إلغاء

وزارة الحرس آان خسارة تنظيمية مهمة للحرس، فيمكن القول: إن توحيد هذه

الوزارة مع وزارة القوات المسلحة النظامية، قد عزز بالفعل النقاء الأيديولوجي

للحرس، عبر تخلصه من أضعف عنصر أيديولوجي فيه. آما أن قيادة الحرس

-34-

أظهرت – قبل إلغاء وزارة الحرس وبعده – قدرتها الفعلية على اغتصاب

عمليات وزارة الحرس أو الهيمنة عليها. ويمكن لهذه العوامل أن تفسر لماذا لم

يعترض زعماء الحرس – الراديكاليون في جملتهم – على دمج وزارة الحرس

في الوزارة الموحدة الجديدة للدفاع والإسناد اللوجستي للقوات المسلحة.

هيكل القيادة العسكرية

ثمة أدلة إضافية على قدرة الحرس في مقاومة آثار التعقيد التنظيمي، يمكن

إيجادها على مستوى القيادة العسكرية العليا. فقادة الحرس الحاليون (الذين

هيمنوا على هذا التنظيم منذ سقوط بني صدر) ظلوا من أآثر الدعاة

الراديكاليين في النظام، برغم مسئوليات مناصبهم ومتطلبات الحرب مع

العراق، وحاجتهم للعمل ضمن البنية الإجمالية لصنع القرار في النظام، وبرغم

خبرتهم بمدى ما يمكن للحماس الأيديولوجي أن يؤثر في النتائج العسكرية

الموضوعية. وقد تشبثوا براديكاليتهم – مثلما فعلوا في البنية العسكرية والأمنية

الداخلية التي ترأسوها –مع أنهم أقاموا بنية قيادية عليا تشبه في مظهرها– إن

لم يكن في جوهرها القيادي الفعلي – ما هو موجود في القوات المسلحة

التقليدية في شتى أرجاء العالم، وآذلك في الجيش النظامي الإيراني.

آما ذآرنا آنفًا في هذا الفصل، انبثقت البنية القيادية الحالية للحرس من

المجلس الأعلى للحرس الثوري، الذي آانت تغلب عليه روح الزمالة. وفي

أيلول/ سبتمبر 1981 م، ارتقى رضائي إلى القيادة العليا للحرس، نظرًا لكثرة

أنصاره وأتباعه في الحرس (الذين اآتسبهم من منظمة مجاهدي الثورة

الإسلامية)، ولمعارضته لبني صدر، وهمته في القضاء على مجاهدي خلق،

واستعداده وقدرته على الانتقال بالحرس من موقف الدفاع إلى موقف الهجوم

في الحرب ضد العراق( 177 ). وبعد تسلم رضائي مهام القيادة، عين علي شمخاني

نائبًا له بدلاً من، محسن آولادوز، الذي لقي مصرعه في حادث تحطم

طائرة( 178 ). وآان تعيين رفيق دوست آأول وزير للحرس في تشرين الثاني/

نوفمبر 1982 م، ثاني أهم تطور في البنية القيادية للحرس. ومع تسارع جهود

الحرس في منتصف الثمانينات، لإضعاف الجيش النظامي، عبر إظهار قدرة

مماثلة على التنظيم، أقام قادم الحرس هيئة أرآان رسمية.

هذه الأرآان المشترآة التي أسسها الحرس عام 1986 م، مع ترسخ أقدام

قوته البرية والجوية والبحرية، آانت تتألف من رضائي ونائبه شمخاني وقادة

-35-

الأسلحة الثلاثة في الحرس( 179 ). وفي عام 1986 م قام رضائي بتعيين شمخاني

في منصب ثان، هو قائد القوات البرية للحرس الثوري الإسلامي، الذي أصبح

مهيمنًا على الأرآان المشترآة بسبب الهيمنة الطاغية للقوات البرية على

الحرس( 180 ). وفي عام 1987 م عُيّن حسين علائي قائدًا للقوات البحرية،

.( وموسى رفان قائدًا للقوات الجوية، بحيث اآتمل تشكيل الأرآان المشترآة( 181

وأدمجت الأرآان المشترآة رسميًا في مقر القيادة العامة المشترآة للحرس

والجيش، الذي أسسه رفسنجاني عام 1988 م. بيد أنه في عام 1989 م وافق

زعيم إيران الأعلى الجديد علي خامنئي، ربما في محاولة منه لاسترضاء

الحرس، على أن يعاد رسميًا تشكيل أرآان قيادة منفصلة للحرس. وهكذا شُكلت

قيادة الأرآان المرآزية الجديدة للحرس برئاسة محمد باقر ذو القدر، وهو

فدائي سابق مناوئ للشاة وعضو أصلي في الحرس( 182 ). غير أن مقر القيادة

المشترك للجيش النظامي والحرس ظل قائمًا، وإن آان في شكل أضعف.

آان الغرض الأصلي من إنشاء قيادة الأرآان المرآزية عام 1984 م – قبل

تشكيل القيادة العامة للقوات المسلحة – أن تكون أرآانًا لرضائي، لمساعدته

وغيره من قادة الحرس على مواجهة أعباء الحرب وما صاحبها من توسع

للحرس( 183 )، آما آانت سابقًا آيانًا منفصلاً عن الأرآان المشترآة (الهيئتان

أصبحتا الآن جسمًا واحدًا). وترأس الأرآان المرآزية لأول مرة علي رضا

أفشر حليف رضائي القديم، الذي آان أيضًا ناطقًا رسميًا باسم الحرس. وفي

عام 1987 م ترأس محمد فروزنده القيادة المرآزية، وعُين نائبًا في قيادة

الأرآان العامة للقوات المسلحة عام 1989 م( 184 ). وعُين عباس محتاج القائد

السابق لمنطقة الحرس السابعة (آردستان) نائبًا لفروزنده، إلى أن عُين محتاج

مؤخرًا نائبًا لقائد القوات البرية للحرس، ثم نائبًا لقائد سلاح البحرية

.( النظامي( 185

أقام آل سلاح من أسلحة الحرس الثلاثة هيئة أرآان منظمة لإآمال عملية

تطوير البنية القيادية للحرس. وأصبح رحيم صفوي، رئيس العمليات في

الجبهة الجنوبية لمدة طويلة، نائبًا لقائد القوات البرية للحرس عند تنظيمها عام

1986 م. ومنذ ذلك الحين أصبح نائبًا لقائد الحرس رضائي( 186 ). وفي عام

1987 م، أصبح حسين دهقان – وهو قائد سابق للحرس في لبنان – نائبًا لقائد

سلاح جو الحرس( 178 )، ثم قائدًا له لفترة وجيزة، وأصبح علي أآبر أحمديات

-36-

.( رئيسًا لأرآان بحرية الحرس الثوري تحت قيادة حسين علائي( 188

يبدو أن قادة الحرس استهدفوا من إقامة بنية قيادية تقليدية توزيع

المسئوليات بينهم، لمواجهة أعباء الحرب التي لم يكن الحرس مستعدًا لها، إلى

جانب أنه لم يكن قد نُظِّم بعد آقوة عسكرية. ومع أن إقامة بنية قيادية رسمية،

قد حققت هذا الهدف جزئيًا، فقد آانت تخفي وراءها طبيعة غير رسمية،

تحكمها روح الزمالة بين أعضاء قيادة الحرس، آما أنها وسّعت قاعدته بين

الجنود العاديين. وآما تبين سابقًا، آان جميع قادة الحرس فدائيين قبل الثورة،

وآانوا حلفاء ومؤسسين أوائل للحرس، وبطبيعة الحال فقد عبروا جميعًا أثناء

خدمتهم في الحرس، من خلال أقوالهم أو أفعالهم، عن تأييدهم الحازم للمبادئ

الراديكالية للثورة. ونورد أمثلة على ذلك تخص القادة الأقل شهرة، فدهقان خدم

في لبنان، وهذا أسمى تعبير عن راديكالية الحرس( 189 )، ومحتاج لعب دورًا في

أعمال الشغب التي قام بها الحجاج الإيرانيون في مكة المكرمة خلال موسم

.( حج عام 1987 م، حسبما أشارت صحف المعارضة( 190

باستثناء رفيق دوست، لم يكن أي من آبار قادة الحرس يملك خبرات

محددة تؤهله دون سواه لتبوؤ منصب محدد في البنية القيادية. ونظرًا لحداثة

عهد الحرس، لم يتدرج أحد منهم عبر الرتب العسكرية في أحد أسلحة الحرس،

ولم يكن لأي منهم خبرة عسكرية ملموسة قبل الثورة. وإنما يعود الفضل في

وصولهم لهذه المناصب إلى دورهم في الصراع ضد الشاه، وإلى الروابط

المشترآة التي تجمعهم آمؤسسين للحرس.

إضافة إلى ذلك، نلمس روح الزمالة السائدة بين أعضاء قيادة الحرس،

والطبيعة غير المحددة لهذه القيادة، من خلال تناوبهم على تولي المناصب

وحلول أحدهم محل الآخر، فضلاً عن غياب التنافس الظاهر بينهم. وباستثناء

رفيق دوست، وهو محافظ أآثر من سواه، وعلى عكس الخلافات العلنية القائمة

بين أرآان النظام آكل، لم يُبد أي من قادة الحرس موقفًا علنيًا مخالفًا لأحد

زملائه، أو انحرف عن المواقف الراديكالية حول القضايا الكبرى. لذا تشكل

البنية القيادية للحرس مثالاً آخر على أن التعقيد التنظيمي للحرس لم يحوله إلى

قوة محترفة، آما أن مسئوليات قيادته لم تحول قادة الحرس من عقائديين

راديكاليين إلى ضباط محترفين.

-1-

-2-

الفصل الخامس

الاستقلالية السياسية للحرس

أحد معايير قوة أية مؤسسة هو استقلاليتها الذاتية. وتتمثل الاستقلالية الذاتية

في مقدار ما تتمتع به مؤسسة ما "من هوية وقيم تتميز بها عن غيرها من

المؤسسات والقوى الاجتماعية"، ومقدار تحررها من سيطرة فئة اجتماعية

معينة، آالعائلة أو الجماعة العرقية، أو القبيلة، أو الطبقة الاجتماعية، أو

الزمرة السياسية( 1). والمؤسسة العسكرية السورية تصلح آمثال لمؤسسة

عسكرية تنقصها الاستقلالية؛ لأنها تخضع لهيمنة طائفة تشكل أقلية من سكان

.( سوريا( 2

من السهل إثبات الاستقلالية النسبية للحرس الثوري، وإن آان من المفيد

توسيع المعايير قليلاً في تحليلنا لوضع الحرس. ولأن الحرس هو مؤسسة

عسكرية وأمنية، على وجه التحديد، فمن المناسب تطبيق معيار الاستقلالية

لتحليل مدى السيطرة السياسية المدنية على الحرس، أو إلى أي حد يتولى

الحرس تسيير أموره ويقاوم التدخل السياسي في شئونه.

موضوع السيطرة السياسية المدنية يجعل من السهل المقارنة بين الحرس

والقوات المسلحة الثورية الأخرى. لقد قاوم الحرس الهيمنة السياسية المدنية

أآثر مما فعل نظراؤه في مجتمعات أخرى، نظرًا لعمق التزامه ودوره

العقائديين، اللذين ساهما في انتصار الثورة. ولأن الحرس استأثر بدور الوصي

على الثورة وقيمها، فإنه آمؤسسة، يعتبر السيطرة السياسية المدنية عليه إهانة

لا داعي لها. وهذا الموقف الذي اتخذه الحرس، ينبع مباشرة من دوره آأحد

العناصر الرئيسية المستقلة في الائتلاف الثوري، الذي أوصل الخميني إلى

السلطة. وأسلاف الحرس – على عكس أسلاف جيش التحرير الشعبي الصيني

أو الجيش الأحمر السوفيتي – لم يخلقهم التجمع المدني الذي جاء إلى السلطة،

.( بل إنهم شارآوا وساهموا في العمل جنبًا إلى جنب مع رجال الدين الثوريين( 3

هناك معيار مناسب آخر يندرج في إطار تحليل مفهوم الاستقلالية، وهو

قدرة الحرس على تعيين أعضائه الحاليين والسابقين وحلفائه في مناصب هامة

خارج جهاز الحرس، وقدرته على إبقائهم فيها. بل إن بعض أعضاء الحرس

السابقين جعلوا خدمتهم في الحرس منطلقًا لشغل مناصب في الحكومة، وهناك

العديد من الأمثلة المهمة على مقربين وأعضاء سابقين دخلوا الحكومة،

-3-

واستمروا في التعاون الوثيق مع الحرس، حتى عندما آان يمكن أن يؤدي ذلك

إلى تعريض وظائفهم في الحكومة للخطر. والأهم من ذلك، أن الحرس استطاع

التدخل بقوة في تعيينات الجيش النظامي. بينما لم يكن للجيش النظامي قدرة

على التدخل في تنقلات الحرس الثوري.

والعنصر الأخير في استقلالية الحرس هو تأثيره في صنع السياسات

واستقلاليته العملياتية. فقد استطاع الحرس أن يفرض استراتيجية الحرب، رغم

أن توصياته الاستراتيجية والتكتيكية، لم تكن هي الأمثل من وجهة النظر

العسكرية المتخصصة، ولاقت معارضة من الجيش النظامي، وأيضًا من بعض

الرؤساء المدنيين الذين يخضع الحرس لسلطتهم. بل إن الالتزام العقائدي القوي

للحرس جعله يقوم ببعض العمليات المتناقضة مع الأهداف العامة للسياسات

التي يتبناها بعض القادة من رجال الدين.

سيادة الحرس على شئونه الداخلية

إن الدليل الأول على استقلالية الحرس هو خضوع أموره الداخلية لسيطرته

وليس للقيادة المدنية. ولكن هذا لا يعني أن الحرس رفض العمل ضمن النظام

الحكومي العام، أو أنه تحدى السلطة المدنية علانية – فلو فعل الحرس ذلك

لكان هذا تحديًا للخميني ذاته – وإنما يعني أن الحرس استطاع أن يقاوم – أو

يطوق – العديد من أنواع القيود السياسية، التي فُرضت على القوات المسلحة

الثورية الأخرى عبر التاريخ. ومن أهم الدلائل على سيادة الحرس التنظيمية،

قدرته على تشكيل هيكل قيادته العليا وتحديد أعضائها، وآذلك تحكم قيادة

الحرس – وليس الساسة المدنيين أو المشرفين الدينيين – في تعيين ضباطه

ذوي الرتب الصغرى، وأخيرًا الضعف العام لجهاز الإشراف السياسي وعجزه

عن التأثير في قرارات الحرس.

إن ما يشير بقوة إلى استقلالية الحرس التنظيمية هو قدرته على تسمية

قياداته بنفسه. وقد مر بنا أن قادة الحرس الذين سبقوا رضائي – وآلهم آانوا

أدوات في أيدي مختلف القادة السياسيين الساعين إلى النفوذ – أقيلوا من

مناصبهم لفقدانهم الدعم على مستوى القاعدة من جنود الحرس. أما رضائي فلم

ينل منصبه آقائد للحرس من خلال رعاية رجال الدين ذوي المراتب العليا،

ولكن لأنه آان يسيطر على النواة الأولية للحرس وهي "منظمة مجاهدي

.( الثورة الإسلامية" التي ساعدته على تأسيس الحرس بعد انتصار الثورة( 4

-4-

واحتفظ رضائي بمنصبه على الرغم من خلافاته السياسية مع سياسيين ذوي

نفوذ من أمثال رفسنجاني، بسبب شعبيته في صفوف الحرس على مستوى

القاعدة( 5). فشخصية رضائي هي تجسيد للحرس ذاته، إذ تنتمي جذوره إلى

الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، وسجله حافل بالنضال المسلح ضد الشاه،

وتأييده للأيديولوجيا المتشددة للثورة لم يتزعزع، آل ذلك جعل منه نموذجًا

يحتذى بالنسبة لمرؤوسيه من المقاتلين والقادة.

ولم تحاول القيادة السياسية أن تفرض على رضائي مرؤوسيه من القادة.

وآما ذآرنا سابقًا، فإن قيادة الحرس الحالية انبثقت عن "المجلس الأعلى

للحرس الثوري" الذي يتمتع أعضاؤه بالمساواة الكاملة، وآانت ترآيبته تعكس

الشعور بالأخوة الذي آان سائدًا بين قادة الحرس قبل الثورة. فرضائي، وليس

القيادة السياسية، هو الذي اختار شمخاني نائبًا لقائد الحرس عام 1982 م،

وعينه أول قائد لقوات الحرس البرية عام 1986 م، وهو الذي قام بتعيين قادة

.( الحرس الآخرين أو ترفيعهم إلى المناصب العليا( 6

على الرغم من أن رفسنجاني وخامنئي وعبد الله نوري – الممثل السابق

للخميني الحرس الثوري – تولوا في أوقات مختلفة سلطة تعيين قادة

الحرس أو إقالتهم، فقد ظل رضائي في الواقع هو الذي يقرر هذه التغييرات.

ففي مطلع عام 1990 م، قام رضائي – فعليًا وليس اسميًا – بتعيين حليفه القديم

ونائب قائد القوات البرية، رحيم صفوي، ليكون نائبه الجديد في قيادة الحرس،

بعد أن أصبح شمخاني قائدًا للبحرية النظامية الإيرانية أواخر عام 1989 م،

وعين رضائي أيضًا اثنين من أرآان الحرس البارزين وفدائيي حرب

العصابات قبل الثورة، وهما مصطفى إزادي ومحمد باقر ذو القدر، في رئاسة

قوات الحرس البرية والقيادة العامة المرآزية على التوالي، ونقل عباس محتاج

من القيادة العامة المرآزية إلى منصب نائب قائد القوات البرية( 7)، ثم عينه نائبًا

له في البحرية النظامية( 8). وتولى رضائي أيضًا تدبير عملية تعيين شمخاني

قائدًا لبحرية الحرس عام 1990 م بالإضافة إلى البحرية النظامية( 9). ويرجع

الفضل في حصول جميع هؤلاء الأشخاص على مناصبهم إلى رضائي، وإلى

الرابطة المشترآة التي تجمعهم آأشخاص متشددين عقائديًا وفدائيين سابقين

ساهموا في الإطاحة بالشاه.

من الصعب القول: إن إقالة مجلس الشورى عام 1988 م، لمحسن رفيق

-5-

دوست – وزير الحرس السابق الأقل تطرفًا، وحليف رفسنجاني – يتناقض مع

التأآيد على أن الحرس يختار قادته بنفسه. وآان رفيق دوست يتمتع بدرجة

آبيرة من الشرعية داخل الحرس، باعتباره أحد منظمي المظاهرات العنيفة

ضد الشاه، وأحد مؤسسي الحرس من مليشيات ما قبل الثورة( 10 ). آما استمد

مكانته البارزة من دوره آرئيس "للجنة الاستقبال" التي رحبت بالخميني عند

عودته المظفرة إلى طهران عام 1979 م( 11 ). بيد أن ضعفه السياسي مقارنةً بقادة

الحرس الآخرين، ومسئوليته آوزير أمام المجلس، أدى به أن يكون آبش الفداء

عن خسارة إيران الحرب، دون قادة الحرس الآخرين. ثم اضطر رفسنجاني

لاحقًا إلى تهدئة ردود الفعل من قبل مؤيدي رفيق دوست في الحرس، بتعيينه

مستشارًا عسكريًا شخصيًا له( 12 ). ولكن الأهم من ذلك، أن القادة السياسيين لم

يتمكنوا من تعيين قائد براجماتي من خارج الحرس ليحل محل رفيق دوست،

فاضطروا إلى القبول بإسناد منصب وزارة الحرس لعلي شمخاني، وهو من

حلفاء رضائي المتشددين، وبهذا تسنى للنخبة من قادة الحرس المتطرفين أن

.( يحكموا سيطرتهم على جميع قطاعات الحرس( 13

من الواضح أن الحرس يسيطر بنفسه على التعيينات والترقيات داخل

صفوفه. ولقد أبرزت الصحافة الإيرانية بعض المناسبات التي قام فيها قادة

الحرس بزيارات فردية للأقاليم، من أجل تنصيب قادة الحرس الجدد في آل

منها( 14 ). ولنأخذ طهران آمثال، فقد ذآرت الصحافة الإيرانية أن المجلس

الأعلى للحرس هو الذي يعين قائد حرس طهران، الذي يعين بدوره قائد آل

حامية من حاميات الحرس في المدينة( 15 ). وهذا النظام متبع بصورة عامة في

آل أنحاء إيران، وفي البنية العسكرية للحرس في الجبهة. ومنذ أن بدأ الحرس

في تعزيز بنيته التنظيمية (حوالي عام 1982 م)، لم يحدث قط أن قام القادة

السياسيون، أو المشرفون من رجال الدين، بزرع دخلاء على الحرس في بنيته

القيادية، أو قاموا بإبطال قرارات التعيينات في الحرس. وآانت هناك حالات

أقيل فيها قادة حرس محليون، بسبب الاقتتال الداخلي الفئوي ضمن الحرس، أو

.( بسبب الخروج على أوامر وسياسات قادته في حالات فردية( 16

تكاد لا توجد أية معايير ملموسة للترقيات في الحرس، لكن منذ بداية

الثمانينات لم يكن للارتباطات السياسية بالقادة المدنيين أهمية آبيرة في عملية

الانتقاء. وقد ذآر صحفي سُمح له بزيارة الجبهة أثناء الحرب، أن القادة

-6-

"يبرزون" هكذا وببساطة، وأن جرأتهم وقدرتهم على التصرف السريع

تكسبهما احترام زملائهم، وبالتالي الاعتراف بقيادتهم( 17 ). ثم يتم تأآيد هذا

الاعتراف غير الرسمي في شكل تعيين رسمي من قبل ذوي الرتب العليا في

القيادة.

بما أن نظام الرتب العسكرية التقليدي لم يكن موجودًا أثناء الحرب، وآانت

الوحدات تتفاوت في الحجم، والتربية العسكرية التقليدية غائبة نسبيًا، ولا

تحظى باهتمام جهاز الحرس الثوري غير التقليدي، فإنه لم يكن ممكنًا وضع

معايير عسكرية مهنية للترقيات، حتى لو رغب قادة الحرس في ذلك. لهذا آان

.( قادة الحرس مجال واسع لترقية المجندين الأآثر جسارة وموهبة فطرية( 18

فعلى سبيل المثال، ذآر قادة الحرس أنه جرى في بعض الأحيان ترقية بعض

مقاتلي الباسيج إلى مواقع قيادية في وحدات الحرس، بعدما أثبتوا جدارتهم في

ساحة المعرآة( 19 ). فقد آان مصطفى إزادي ومحمد باقر ذو القدر، وآلاهما من

فدائيي حرب العصابات في عهد الشاه، شخصين مغمورين، ولكنهما آانا

قائدين ناجحين في الجبهة أثناء الحرب، وقد تمت مكافأتهما بإسناد مناصب

.( عليا لهما عام 1990 م، حسب ما ذآرته الصحافة الإيرانية( 20

وآان من شروط الترقي أيضًا، إثبات القدرة على سحق المعارضة

الداخلية، وشغل مناصب قيادية في حرب العصابات في فترة ما قبل الثورة.

فمثلاً آان عباس محتاج قائدًا لوحدات الأمن التابعة للحرس في إقليم فارس،

وساعد بعد ذلك على سحق الاضطرابات الكردية بصفته قائد الحرس في شمال

غربي إيران، قبل تعيينه في القيادة العامة المرآزية. وآان أحمد آناني ذو

الاتجاه المتطرف قائدًا للحرس في إقليم خراسان، قبل أن يصبح أول قائد

لمفرزة الحرس في لبنان، وتلك مهمة تجعله في دائرة الضوء( 21 ). وشارك علي

شمخاني، بصفته قائدًا لإقليم خوزستان عام 1980 م، في إحباط انقلاب قامت

به وحدة محلية من الجيش النظامي في تلك السنة، وقمع الاضطرابات التي قام

بها قوميون عرب هناك( 22 ). وعزز هذا النجاح صلاته الشخصية برضائي مما

عجل بصعوده إلى المكانة البارزة التي يتمتع بها على المستوى الوطني.

يتبين مما سبق أن هناك مجموعة من العوامل تؤثر في الترقيات، وهي

الأداء، والصلات الشخصية بقادة الحرس الآخرين (لكن ليس بالضرورة

أشخاص من خارج الحرس)، وإبداء الاحترام للزملاء، والجرأة في مقاتلة

-7-

خصوم النظام في الداخل والخارج. وقد تتناقض المعايير الموضوعية للأداء

الوظيفي – ظاهريًا – مع أهمية الصلات الشخصية بقادة الحرس الآخرين

وإبداء الاحترام للزملاء. ولكن، إذا فكرنا مليًا في الأمر، نكتشف أن الالتزام

العقائدي بالمبادئ المتشددة للثورة هو الخيط المشترك الذي يربط بين جميع

هذه العوامل.

بالنسبة لصانعي القرار داخل الحرس، لم يكن يتم تحديد آفاءة الأداء وفق

معايير عسكرية مهنية، آالتفوق التكتيكي، أو الاستخدام الأمثل للأسلحة

المتوافرة، أو القدرة على إنجاز أهداف تكتيكية بخسائر بشرية ومادية مقبولة.

وإنما تتحدد "الكفاءة" بنجاح قائد الحرس في إحراز تقدم على الأرض،

والاستمرار في الهجوم دون اعتبار للخسائر في أرواح الجنود الإيرانيين التي

لا تتناسب مع ما تم إنجازه، ودون اعتبار للسلبيات الاستراتيجية والتكتيكية

المترتبة على متابعة الهجوم( 23 ). وفي قضايا الأمن الداخلي فإن "الكفاءة" تعني

تصفية معارضي النظام بلا هوادة، دون اعتبار لردود فعل السكان المحليين،

أما إمكانية إسكات المعارضة بأقل قدر من العنف – عبر القبول بحل وسط –

فهو أمر غير وارد. ولقد مثلت هذه النزعة العدوانية تجسيدًا لعقيدة الحرس،

وهي إظهار مدى القوة التي تتمتع بها الثورة الإسلامية، عبر الإطاحة بالرئيس

العراقي صدام حسين مهما آان الثمن، وإلحاق الهزيمة بأعداء النظام في

الداخل. وبالمقابل، آلما ازداد التزام القائد الفرد بتلك الأهداف المتشددة، ازداد

احترامًا في نظر زملائه، الذين يبدون قدرًا مشابهًا من الحماس المتقد، وزاد

احتمال أن يلفت هذا القائد انتباه رؤسائه المتصفين بالعقلية ذاتها، وأن يحظى

برعايتهم.

من الواضح أن معايير الترقي قد وضعت من قبل الحرس ذاته. فقد

اعتمدت معايير الترقي في الحرس اعتمادًا شديدًا على العنصر الأيديولوجي،

بما يختلف اختلافًا آبيرًا مع مقاييس الجيش النظامي المهنية والأآثر تقليدية.

وهذه الاختلافات بين القوتين في تعريف "الكفاءة" و"النجاح" هي التي أدت إلى

قيام جدل مستمر بينهما حول الاستراتيجية والتكتيك. آما أن التصريحات التي

أدلى بها الرؤساء المدنيون للحرس (باستثناء آية الله الخميني)، قبل الحرب

وبعدها، توحي أنهم أيضًا يخالفون بشدة معايير النجاح المعتمدة على العنصر

الأيديولوجي. وأفضل تعبير عن هذا الرأي جاء على لسان رفسنجاني في

-8-

خطاب ألقاه بعد الحرب بفترة قصيرة، ودعا فيه إلى إعادة النظر في الأسلوب

.( العملياتي للحرس، لجعله مشابهًا لأسلوب المؤسسات العسكرية المحترفة( 24

جهاز الإشراف الديني

هناك مؤشر قوي آخر على استقلالية الحرس آمؤسسة، وهو ضعف

الجهاز المشرف عليه المؤلف من رجال الدين، وهو المرادف الإيراني لجهاز

القوميساريا (المفوضيات) الذي نجده في العديد من أنظمة الحكم الاستبدادية،

اليمينية منها واليسارية. ويمثل هذا الجهاز في إيران "مكتب ممثل الإمام

الحرس الثوري الإسلامي"، وهو منصب شغله رجل دين متوسط الرتبة هو

محمد أراآي حتى آذار/ مارس 1992 م( 25 ). وممثل الإمام الحرس الثوري

الإيراني هو عضو رسمي في "المجلس الأعلى للحرس". واستنادًا إلى نشرة

صادرة في طهران، آانت السلطات الرسمية لممثل الإمام – منذ تشكيل

المنصب عام 1979 م – تشمل إمكانية نقض أوامر وقرارات قائد الحرس

والمجلس الأعلى للحرس، والتأآد من أن هذه القرارات تتطابق عقائديًا وسياسيًا

ودينيًا مع التوجه الذي وضع أسسه المرشد الأعلى (الخميني أولاً، وعلي

خامنئي الآن)، وتعيين شبكة المرشفين من رجال الدين الأدنى رتبة ومراقبتها،

.( والموافقة على تعيين آبار قادة الحرس الأدنى رتبة من القائد العام( 26

وفي عام 1989 م، عندما عُين عبد الله نوري ممثلاً للإمام الحرس

الثوري (وهو الآن وزير الداخلية في إيران)، أعطيت له صلاحيات إضافية،

.( منها الموافقة على تعيين جميع قادة الحرس وإقالتهم، بمن فيهم رضائي( 27

وأدت هذه الصلاحيات الرسمية الواسعة إلى التكهن بأن تعيين [نوري

المتطرف – الذي تدرب على حرب العصابات في لبنان قبل الثورة]، مع

العديد ممن انضموا إلى الحرس بعد ذلك( 28 ) – يراد به إلى حد ما إضعاف

رفسنجاني، الذي أسند إليه الخميني سلطات مشابهة عندما عينه قائدًا عامًا

.( للقوات المسلحة بالوآالة في حزيران/ يونيو 1988 م( 29

على الرغم من تلك السلطات الرسمية، فإن جهاز الإشراف المؤلف من

رجال الدين آان – في الواقع – غير فعال في فرض الحد المطلوب من

سيطرة رجال الدين على الحرس الثوري. وآان المنصب في الأصل يسمى

"مشرف الحرس الثوري الإسلامي"، ويمثل محاولة من رجال الدين للسيطرة

المباشرة على الحرس، وقد خُفضت منزلته إلى "ممثل الإمام الحرس

-9-

الثوري الإسلامي"، بعدما أُقيل بعض المشرفين من رجال الدين – أو استقالوا

– لعجزهم عن فرض سيطرتهم على الحرس( 30 ). وفي أعقاب وفاة الممثل

السابق الحرس الثوري الإسلامي، فضل الله محلاتي، في حادث تحطم

طائرة عام 1986 م، بقي المنصب رسميًا شاغرًا حتى تعيين نوري عام

1989 م( 31 ). وقد تولى المنصب بالوآالة رجل دين متوسط الرتبة آان نائبًا

لمحلاتي هو أراآي، ولكنه لم يُرفّع إلى منصب الممثل بصورة آاملة، ولهذا لم

يكن يتمتع بالصلاحيات الكاملة للمنصب( 32 ). وهذا ما ضمن حالة الضعف التي

آان يعاني منها جهاز الإشراف في تلك الفترة التي استمرت ثلاث سنوات.

(في عام 1990 م، حل أراآي محل نوري وعُين رسميًا ممثلاً للإمام

الحرس الثوري الإسلامي). وطبقًا لما ذآرته إحدى صحف طهران، فقد آان

من المفترض أن يُعين مشرفون من رجال الدين في جميع تشكيلات الحرس

الرئيسية، إلا أن قوات الحرس الجوية والبرية والقيادة العامة المرآزية لم تضم

أي مسئولين من رجال الدين حتى أوائل عام 1990 م( 33 ). وقد تم إنشاء قوات

الحرس الجوية والبرية عام 1986 م تقريبًا. وتضاءلت أهمية تعيين ممثل من

رجال الدين القوات الجوية للحرس بعدما تولى حسين دهقان قيادة هذه

القوات، فقد آان قائدًا سابقًا لمفرزة الحرس في لبنان، وهو من أآثر قادة

.( الحرس تطرفًا وأقلهم رضوخًا للسلطة المدنية( 34

وبرغم آل الصلاحيات الرسمية الممنوحة لنوري، وبرغم مكانته الشخصية

بين أرآان النظام، لم يقم بتعزيز قبضة رجال الدين على الحرس، خلال ما

يقارب سنتين قضاهما ممثلاً للإمام الحرس. فخلفيته المتطرفة – مثل

التدريب الذي تلقاه في حرب العصابات قبل الثورة، وإشرافه عام 1980 م على

وسائل الإعلام الإيرانية بالاشتراك مع علي أآبر محتشمي( 35 )، أحد أآثر رجال

الدين الإيرانيين تطرفًا – والمديح العلني الحار الذي أسبغه علي رضائي عند

تعيينه في المنصب( 36 )، آل ذلك يشير إلى أن تعيين نوري قد تم بتدبير الحرس

نفسه أو مبارآته. بل آان يمكن اعتبار نوري عميلاً للحرس داخل القيادة أآثر

من آونه ممثلاً لرجال الدين الحرس. آما أنه برغم سلطاته الرسمية، لم

يكن له دور واضح في التعيينات الرئيسية العديدة، التي تمت في الحرس خلال

فترة توليه منصب ممثل الإمام الحرس الثوري الإسلامي، ولم يشترك في

إعادة تشكيل هيئة أرآان قيادة الحرس المستقلة، فقد آانت آلها من تدبير قادة

الحرس( 37 ). آما عُيّن نوري عام 1990 م رئيسًا ل "مجلس الأمن القومي"

-10-

الداخلي، إلى جانب منصبه آوزير للداخلية (الذي آان يشغله بالتزامن مع

منصب "ممثل الإمام الحرس")، وهي خطوة آانت تهدف إلى إحكام

السيطرة على جميع قوى الأمن الداخلي( 38 ). برغم ذلك، ظلت قوى الأمن

الداخلي التابعة للحرس خارج نطاق سلطات نوري، وبذلك أثبت الحرس قدرته

على مقاومة سيطرة المدنيين عليه.

يتناقض ضعف جهاز الإشراف المدني الرسمي على الحرس مع ما تم

فرضه على نظراء الحرس في مجتمعات ثورية أخرى. ومع أن المشارآة

والنفوذ السياسيين "لجيش التحرير الشعبي" في الصين آانا عرضة للتقلب

طوال مراحل تاريخ الثورة الشيوعية الصينية، فإن تغلغل الحزب الشيوعي في

صفوف جيش التحرير الشعبي آان واسعًا. وفي الفترة الأولى لتشكيل جيش

التحرير الشعبي، أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينيات (قبل تسلم الشيوعيين

السلطة عام 1949 م، عندما آان جيش التحرير الشعبي يسمى بالجيش

الأحمر)، قام ماو تسي تونج – بصفته مؤسسًا للجيش الأحمر – بإنشاء نظام

قيادة مزدوج. وفي هذا النظام، آان قادة الوحدات العسكرية يقتسمون السلطة

مع المسئولين السياسيين للحزب، الملحقين بتلك الوحدات، وآانت الأوامر

العسكرية تحتاج إلى توقيع مقابل من مفوض الحزب( 39 ). وباستثناء مرحلة

الثورة الثقافية بين الأعوام 1966 م و 1976 م، فقد حافظ الحزب على سيطرته

القوية على جيش التحرير الشعبي، وتغلغله فيه. وآانت اللجنة العسكرية

للحزب – التي يترأسها مسئولون حزبيون آبار – هي الأداة الرئيسية لتلك

.( السيطرة، وآانت مكملة لنظام مفوضية الحزب( 40

وآانت سيطرة الحزب الشيوعي السوفيتي على الجيش الأحمر السوفيتي

مشابهة في شموليتها لسيطرة الحزب الشيوعي الصيني على جيش التحرير

الشعبي. وفي الأعوام الأولى لإنشاء الجيش الأحمر – آما في حالة جيش

التحرير الشعبي – آان مفوضو الحزب وضباط الجيش يتشارآون في القيادة،

ولكن التشديد على الكفاءة الوظيفية أعطى في النهاية لضباط الجيش الأحمر

اليد الطولى على مفوضي الحزب السياسيين( 41 ). ويرى تيموثي آولتون، على

عكس المراقبين الآخرين، أن المفوضين السياسيين في الجيش الأحمر نادرًا ما

آانوا يعارضون قرارات الضباط العسكريين، ولكنه يعترف بوجودهم السياسي

المؤثر في بنية الجيش السوفيتي، من أجل فرض سياسات الحزب عند ظهور

-11-

.( خلافات بين الحزب والجيش( 42

بالإضافة إلى مفوضية الحزب، آان هناك أيضًا إشراف مدني على الجيش

الأحمر من قبل جهاز الاستخبارات السوفيتية آيه. جي. بي، المخول بإجراء

التحقيقات واستئصال المنشقين أو الجواسيس في الجيش( 43 ). وقد نفذ ال آيه.

جي. بي. حملة التطهير الواسعة التي أمر بها ستالين في صفوف الجيش،

وراح ضحيتها ثلاثة من أصل خمسة ضباط برتبة مشير، وآل الأدميرالات

الثمانية، وآذلك ستون من أصل سبعة وستين قائد فيلق، ونصف عدد قادة

الألوية، وامتدت حملة التطهير أيضًا إلى أحد عشر نائبًا مفوضًا لشئون

الدفاع( 44 ). وغياب مقاومة الجيش الأحمر ضد هذا التطهير يعطينا دليلاً على

سيطرة الحزب على الجيش الأحمر. وقبل ذلك بعقد من الزمن، استطاع الجهاز

الحزبي – الذي يهيمن عليه ستالين – إقصاء مؤيدي تروتسكي في الجيش

الأحمر، مما أدى إلى سقوط تروتسكي وتعزيز السيطرة الحزبية على

.( الجيش( 45

هذا القدر من التغلغل واليسطرة من جانب المدنيين – على الجيش الأحمر

السوفيتي وجيش التحرير الشعبي الصيني – لا نجده على الإطلاق في الحرس

الثوري الإيراني. وليس هناك أي دليل على أن رجال الدين، المكلفين

بالإشراف على وحدات الحرس، يملكون القدرة على نقض القرارات أو

الإجراءات الصادرة عن قادة وحدات الحرس. وبالرغم من الاستياء الواضح

الذي أبدته قيادة الحرس من قرار إيقاف الحرب عام 1988 م( 46 )، لم تحدث أية

تطهيرات آبيرة في صفوفه. وباستثناء رفيق دوست – الذي لم يكن ينتمي إلى

الترآيبة القيادية العسكرية – لم يُصرف من الخدمة أي من آبار قادة الحرس.

ومع أن النفوذ الذي يتمتع به الحرس – في رسم السياسة المتطرفة – انحسر

بعد موت الخميني، وضُمت وزارة الحرس إلى وزارة المؤسسة العسكرية

النظامية، فقد أحرز بعض المكاسب التنظيمية المهمة والملموسة، مثل تحقيق

السيطرة الفعلية على البحرية النظامية الإيرانية. وباستثناء منصب ممثل الإمام

الحرس الثوري الإسلامي، لا تملك أية مؤسسة حكومية إيرانية، بما فيها

وزارتا الاستخبارات والداخلية، سلطة الإشراف على الحرس والتحقيق في

شئونه. إذ آان للحرس نظامه القضائي الخاص به، الذي يتولى النظر في

.( المخالفات القانونية( 47

-12-

إن الضعف النسبي لجهاز الإشراف المدني على الحرس، مقارنة بالأجهزة

المدنية التي أشرفت على الجيش الأحمر وجيش التحرير الشعبي، قد نجد له

تفسيرًا في الجذور التاريخية لهذه القوات المسلحة، وفي بنية أنظمتها السياسية.

فالحزب الشيوعي في الصين هو الذي أنشأ جيش التحرير الشعبي، للمساعدة

في إيصال الحزب إلى السلطة عسكريًا. والحزب الشيوعي في روسيا هو الذي

أنشأ الجيش الأحمر لتعزيز الثورة البلشفية المظفرة. لذلك خضع هذان الجيشان

للسلطة المدنية منذ البداية.

أما الحرس الثوري، فقد انبثق من تنظيمات سابقة له لم تكن تخضع

للخميني ومساعديه من رجال الدين الثوريين، وإنما آانت تعمل معهم جنبًا إلى

جنب. آما أن القيادة السياسية – التي يهيمن عليها رجال الدين – لم تتحول قط

إلى تنظيم حزبي متماسك ومنضبط، على غرار الحزبين الشيوعيين في الاتحاد

السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية. والمحاولة الوحيدة لإقامة مثل هذا

التنظيم، تمثلت في الحزب الجمهوري الإسلامي، الذي ابتُلي بالانقسامات

الداخلية وعدم المرونة، ولم يكن يتمتع بالاستقلال الكافي اللازم لتحوله إلى

مؤسسة قائمة بذاتها، وقد تم حله رسميًا عام 1987 م بعد عدة سنوات من

.( الخمول الفعلي( 48

لقد قام الحزب الشيوعي الصيني وآذلك الحزب الشيوعي السوفيتي – قبل

انهيار الاتحاد السوفيتي – بدور الحامي المؤتمن على العقيدة والقيم الثورية في

الصين والاتحاد السوفيتي السابق، وآانا يقومان بوضع معايير الولاء الخاصة

بالمؤسسات العسكرية في آل من البلدين. أما في إيران الثورة، فإن أقوال آية

الله الخميني –في حياته وبعد مماته– هي وحدها التي تحدد الاستقامة الثورية.

ولأن الحرس يعتبر نفسه الطليعة المؤسساتية التي تجسد المثل العليا التي نادى

بها الخميني (وهذا تصور الحرس لنفسه، وقد تعزز بعد محاولات عديدة قام

بها مساعدو الخميني من رجال الدين للتلطيف من سياساته المتشددة) ( 49 )، فإن

رجال الدين ومسئولي جهاز الإشراف على الحرس، لم يكونوا في مواقع تسمح

لهم بتحديد معايير الولاء بالنسبة للحرس. ومن المفارقات أن يدلي بعض قادة

الحرس بتصريحات تكاد تصل إلى حد اتهام بعض رجال الدين البارزين

بخيانة المبادئ الثورية( 50 ). ومن ثم، رأى قادة الحرس أن وجود مشرفين من

رجال الدين، لمراقبة ولاء مؤسسة ثورية تتسم بالنقاء العقائدي، هو إجراء غير

-13-

شرعي.

الشبكة السياسية

إن الدليل على استقلال الحرس – آمؤسسة – لا يتمثل فقط في قدرته على

مقاومة تدخل المدنيين في شئونه الداخلية، بل أيضًا في أنه استطاع أن يقرر

تعيينات العاملين في المؤسسات الأخرى في إيران، وأن يحدد أنشطتهم ويتدخل

فيها، بما في ذلك المؤسسة العسكرية النظامية، وأن يعين بعض رجال الحرس

السابقين أو الحاليين في مناصب حكومية مهمة. ومع أنه لا يمكن الجزم بوجود

ضغوط مباشرة من الحرس، فإن الدعم السياسي والعقائدي الذي قدمه الحرس

لحلفائه في الحكومة، قد ساعد هؤلاء المسئولين – بطريقة غير مباشرة – على

البقاء في السلطة، برغم التحديات التي واجهوها. يضاف إلى ذلك أن بعض

حلفاء الحرس الحكوميين قدموا المساعدة له ولغيره من الراديكاليين، للقيام

بأنشطة تلقى معارضة زعماء الحكومة الإيرانية.

مجلس الوزراء

إن أفضل ما نبدأ به لتوضيح معالم الشبكة المؤسساتية للحرس هو مجلس

الوزراء، الذي آان يديره رئيس وزراء حتى عام 1989 م، ولكنه الآن يتبع

رئاسة الجمهورية بشكل مباشر (أُلغي منصب رئيس الوزراء في الدستور

الجديد الذي تمت الموافقة عليه عام 1989 م). وعند وفاة آية الله الخميني، آان

أعضاء الحرس ومؤسسوه السابقون والمقربون منهم يشغلون خمسة من أصل

خمسة وعشرين منصبًا وزاريًا. وهذه الوزارات الخمس هي وزارة الحرس

الثوري التي آان يشغلها علي شمخاني، ووزارة البريد والهاتف والبرق آان

يشغلها وزير النفط السابق محمد آرازي، الذي أنشأ أثناء الثورة مليشيا تم

دمجها في التشكيل الأول للحرس عام 1979 م( 51 )، ووزارة العمل والشئون

الاجتماعية وآان يشغلها وزير راديكالي هو أبو القاسم سرهاديزاده، وهو

عضو سابق في حزب عباس زماني المسمى "حزب الأمم الإسلامية"، الذي

انضم إلى الحرس بعد الثورة( 52 )، ووزارة جهاد البناء التي ترأسها غلام رضا

فوروزش، وهو من الطلاب محتجزي الرهائن في السفارة الأمريكية (وهي

جماعة وثيقة الصلة بالحرس، آما تبين آنفًا)، آما أنه مؤسس منظمة الجهاد

القريبة الصلة بالحرس في إقليم خوزستان( 53 )، ووزارة الصناعات الثقيلة وآان

يترأسها مؤسس منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية بهزاد نبوي. [آما آان على

-14-

رأس وزارة الداخلية آنذاك علي أآبر محتشمي بور، وهو من المتشددين وسفير

سابق لإيران سوريا، وقد أسس بمساعدة الحرس تنظيم حزب الله

المتطرف] ( 54 ). وحتى عام 1988 م، آان حسن عبيدي جعفري وزيرًا

للتجارة( 55 )، وهو عضو سابق في المجلس الأعلى للحرس. وآان المهندس

المدني رضا هارندي وآيلاً لوزارة الثقافة والتعليم العالي( 56 )، وهو قائد سابق

لحامية الإمام الحسين التابعة للحرس.

إن الوجود القوي لأعضاء الحرس السابقين وحلفائهم في مجلس الوزراء،

لا يعني تلقائيًا أن الحرس يتحكم إلى حد آبير في سياسات هؤلاء المسئولين، أو

أن الحرس استطاع بصورة مستمرة الحفاظ على هذا المستوى من التمثيل في

مجلس الوزراء. فالحكومة الأولى التي تشكلت بعد الحرب ووفاة الخميني، أدت

إلى إضعاف المتطرفين عمومًا وتقوية العناصر البراجماتية في النظام، إذ لم

تضم سرهاديزاده ونبوي ومحتشمي بور، وهم أآثر الوزراء تعاطفًا مع الحرس

وارتباطًا بأيديولوجيته المتطرفة( 57 ). وفقد الحرس أيضًا أهم تمثيل مباشر له في

مجلس الوزراء، عندما ضُمت وزارة الحرس إلى وزارة المؤسسة العسكرية

النظامية. أما من بقي منهم في الحكومة – مثل محمد آرازي – فلم يكن

مناصرًا ثابتًا للسياسات المتطرفة.

عمومًا، فإن الوجود المؤثر لحلفاء الحرس وأعضائه السابقين في الحكومة،

يقيم الدليل على اعتراف القيادة المدنية بالحرس آمرآز نفوذ قوي، ويمكن أن

يكون تهميشه مكلفًا من الناحية السياسية. وقد تولى بعض المحافظين

البراجماتيين حقائب وزارية في جميع حكومات الجمهورية الإسلامية التي

شكلت حتى الآن، ولكن الضباط العسكريين النظاميين السابقين نادرًا ما تولوا

حقائب وزارية باستثناء وزارة الدفاع. ولا شك أن ارتباط وزير الصناعات

الثقيلة بهزاد نبوي بالحرس، أنقذه من مواجهة تهم الفساد( 58 )، مع أن الحرس

والمتطرفين الآخرين لم يصروا على إبقاء نبوي وغيره من حلفاء الحرس في

الحكومة، حتى لا يزداد الاضطراب الذي حدث في أعقاب وفاة الخميني.

واستنادًا إلى بعض التقارير الصحفية، فقد انسحب هؤلاء المتطرفون بمحض

إرادتهم من أول حكومة تشكلت بعد موت الخميني، احتجاجًا على السياسات

المعتدلة التي ينتهجها الرئيس رفسنجاني داخليًا وخارجيًا( 59 )، باستثناء علي

لاريجاني، وهو مستشار سابق للحرس، الذي عُين وزيرًا للإرشاد الإسلامي

-15-

عام 1992 م.

مع أن منصب وزير الخارجية لم يشغله أي عضو سابق في الحرس، فإن

بعض حلفاء الحرس الموثوق بهم في الحكومة، وعددًا من أعضاء الحرس

السابقين، تولوا مناصب عليا في وزارة الخارجية. ففي عام 1981 م تولى جواد

منصوري( 60 ) –القائد الأول غير الرسمي للحرس– منصب وآيل وزارة

الخارجية للشئون القنصلية والثقافية. وتولى حسين شيخ الإسلام، أحد قادة

"الطلبة" محتجزي رهائن السفارة الأمريكية، منصب وآيل وزارة الخارجية

للشئون السياسية. وفي التشكيلة نفسها من التعيينات، التي قام بها عام 1981 م

علي رجائي – رئيس الوزراء المتطرف، وأحد مؤسسي "منظمة مجاهدي

الثورة الإسلامية" – عُين عبد الله نوري ممثلاً لوزارة الخارجية في مجلس

الشورى( 61 )، وشغل حميد معير، وهو أيضًا من الطلبة محتجزي الرهائن،

منصب رئيس دائرة الشئون الأفريقية في وزارة الخارجية( 62 )، وفي عام

1984 م عُيّن علي محمد بشارتي نائبًا لوزير الخارجية( 63 )، وهو من رجال

حرب العصابات الذين قاوموا الشاه، وآان مديرًا سابقًا لوحدة استخبارات

الحرس، وعضوًا سابقًا في المجلس الأعلى للحرس.

وآان حسين شيخ الإسلام، مدير الشئون العربية، من أآثر مؤيدي الحرس

في وزارة الخارجية، وهو أيضًا من الطلاب السابقين محتجزي الرهائن. وآما

ذآرنا سابقًا، فقد آان يتعاون مع الحرس في تعيين أعضائه بالسفارات الإيرانية

في الخارج( 64 ). وآان مؤيدًا نشطًا وصريحًا لأنشطة الحرس ومواقفه، حتى

عندما آانت هذه المواقف والممارسات تتناقض مع توجهات رئيسه، وزير

الخارجية البراجماتي علي أآبر ولايتي. فعلى سبيل المثال، يقال: إن شيخ

الإسلام أوعز عام 1987 م لرفاق الحرس المتشددين في لبنان باختطاف

الصحفي الأمريكي تشارلز جلاس( 65 )، وأنه استغل اختطاف الدبلوماسي

البريطاني إدوارد تشابلن –على يد الحرس أو اللجان الثورية– لتخريب الجهود

التي آان يقوم بها الزعماء الإيرانيون البراجماتيون لتحسين العلاقات مع

المملكة المتحدة( 66 ). وفي السنة نفسها، لعب شيخ الإسلام دورًا بارزًا في توجيه

الانتقادات لفرنسا، على حادثة الضرب المزعوم الذي تعرض له الملحق

الإيراني في باريس( 67 ). وتطورت الحادثة إلى نزاع حاد بين إيران وفرنسا،

وقُطعت العلاقات الدبلوماسية بينهما، وتلك النتيجة لم يكن يسعى إليها الزعماء

-16-

الإيرانيون البراجماتيون.

تأثر شيخ الإسلام ومنصوري بالضعف العام الذي أصاب الراديكاليين –

بمن فيهم الحرس – في أعقاب موت الخميني. وأصبح شيخ الإسلام أقل

نشاطًا، ولولا تأييد الحرس والمتطرفين الآخرين، لنجح ولايتي في إبعاده تمامًا

عن وزارة الخارجية. أما جواد منصوري الذي آان أقل نشاطًا وأقل تطرفًا

وتأييدًا للحرس، فقد عُيّن سفيرًا باآستان، وهو منصب ذو أهمية، نظرًا

لازدياد الروابط العسكرية بين الحرس والمؤسسة العسكرية الباآستانية خلال

السنوات القليلة الماضية، ولكنه أبعد منصوري عن دائرة النفوذ السياسي في

.( طهران( 68

أما بشارتي، وهو مدرس سابق من أسرة متدينة تنتمي إلى الطبقة

الوسطى( 69 )، فقد احتفظ بمنصبه في وزارة الخارجية، ولكنه لم يؤيد خط

الحرس إلى الحد الذي آان متوقعًا منه آعضو سابق في المجلس الأعلى

للحرس. ولم يعد يتسم بتطرفه السابق آأحد قادة الحرس الأوائل. [وقام مرات

عديدة بالتوسط لوقف إطلاق النار، في الصدامات التي وقعت عامي 1988 م –

1990 م في لبنان، بين حزب الله المدعوم من إيران وحرآة أمل التي تؤيدها

سوريا، برغم أن الحرس آان يقوم بتسليح حزب الله وتدريبه( 70 )، والقتال في

صفه. آما أيد بشارتي علنًا إطلاق سراح الرهائن الأجانب الذين يحتجزهم

.( حزب الله في لبنان، معارضًا بذلك موقف الحرس] ( 71

هناك العديد من أعضاء الحرس السابقين والمقربين الآخرين الذين عُينوا

سفراء، ولكن ليس بهدف تقليص نفوذهم في طهران، وإنما لتوسيع نفوذ

الحرس خارج البلاد. فقد عُيّن مهدي أهاري مصطفوي سفيرًا لإيران في بون

عام 1987 م، وذآرت تقارير أنه آان على صلة بجنود الحرس الثوري الذين

آانوا يحرسون مبنى السفارة الأمريكية في طهران، وقت احتجاز الرهائن

.( الأمريكيين بين عامي 1979 م – 1981 م، بل آان متورطًا في هذه العملية( 72

آما تردد أن حسين ملايك آان أيضًا من محتجزي الرهائن، وعُيّن قائمًا

بالأعمال في لندن عام 1987 م، ولكن بريطانيا رفضت قبول أوراق اعتماده،

بسبب ضلوعه في قضية احتلال السفارة الأمريكية( 73 ). وأصبح أحمد آناني –

وهو أول قائد لمفرزة الحرس في لبنان – سفيرًا في تونس، ربما لأن الحرس

اعتبر تنامي الحرآة الأصولية التونسية فرصة لاآتساب النفوذ هناك، آما أن

-17-

خبرة آناني في تصدير الثورة جعلته الرجل المناسب لذلك المنصب( 74 ). وأُسند

إلى عباس زماني، أول قائد رسمي للحرس، منصب في السفارة الإيرانية

بباآستان في أوائل الثمانينيات، وقد يعود إليه بعض الفضل في توثيق الروابط

العسكرية بين إيران وباآستان، والتي آان من ضمنها عدة زيارات قام بها

.( رضائي وشمخاني إلى باآستان( 75

المؤسسات الأخرى

لم يكن مجلس الوزراء الساحة الحكومية الوحيدة التي تُعتبر فيها عضوية

الحرس أو الارتباط به أهم مؤهلات شغل المناصب. فالعديد من رجال حرب

العصابات ضد الشاه الذين أصبحوا قادة الحرس، وبعض رجال الدين المحليين

الذين لعبوا دورًا محوريًا في تنظيم وحدات الحرس أثناء الثورة، فازوا بمقاعد

في مجلس الشورى، معتمدين على توجهاتهم المتشددة. وآان عباس دزدزاني،

أحد مؤسسي الحرس الأوائل وقائده لفترة قصيرة، من أبرز حلفاء الحرس في

.( مجلس الشورى، حيث أصبح رئيسًا للجنة الدفاع منتصف الثمانينيات( 76

واستمر يؤيد المواقف المتطرفة ويجاهر بصلته بالحرس، واستطاع في منصبه

– آرئيس للجنة الدفاع – أن يساعد جماعة الضغط المناصر للحرس على تنفيذ

مطالبها الخاصة بالميزانية( 77 ). وخَلَف دزدزاني في لجنة الدفاع حجة الإسلام

رسول مونتاجانيا، وآان متطرفًا أيضًا، ورئيسًا للحرس واللجان الثورية في

خمين، مسقط رأس آية الله الخميني( 78 ). ثم ترأس لجنة الدفاع بعد ذلك علي أآبر

محتشمي بور، وهو أبرز من شملوا الحرس برعايتهم.

هناك أمثلة حديثة على قادة محليين في الحرس أقل شهرة، أصبحوا نوابًا

في مجلس الشورى، يمثلون دوائر انتخابية مختلفة. ومن هؤلاء النواب محمد

علي عربي، القائد السابق لمفرزة الحرس في آشمار، وآامل عابدينزاد، وهو

مدرس سابق وقائد لوحدة الحرس في آردستان، وحجة الإسلام أنصاري، الذي

آان رئيسًا للحرس في إقليم آرمان، ومارزيه حديدشي، وهو نائب من طهران

تدرب في لبنان وساعد في تنظيم الحرس في همدان، ومحمد علي آريمي

مسئول الحرس في بوجنورد، وأحمد مولازاده، الذي قام بتنظيم الحرس

واللجان الثورية و"جهاد البناء" في جوناباد، وحجة الإسلام موحدي بور، الذي

نظم الحرس واللجان الثورية في سافيه، وحجة الإسلام شوشتاري، الذين نظم

الحرس في نيشابور، ومحمد صبحان ألاهي، وهو نائب في مجلس الشورى

-18-

من تبريز ومدرس رياضيات سابق، عمل في "مكتب العلاقات العامة

.( للحرس"( 79

بالطبع، يعود نجاح هؤلاء القادة المحليين في انتخابات مجلس الشورى إلى

شعبيتهم وسلطتهم، ولكنه يعود أيضًا إلى قدرتهم على تنظيم وحدات الحرس،

وقد تصادفت صلتهم بالحرس مع انتخابهم للمجلس ولم تكن سببًا له بالضرورة.

وعمومًا فإن قدرة الحرس على تعبئة السكان على المستوى المحلي، جعلت

دعمه مفيدًا للمرشحين (وخاصة المتطرفين) الذين يسعون لاحتلال مقاعد في

المجلس. حتى أن القادة السياسيين، وخاصة البراجماتيون، حذروا الحرس –

في عدة مناسبات – من التدخل في انتخابات مجلس الشورى( 80 ). وفي عام

1987 م، حذرت الحكومة مرشحي المجلس من استخدام شارات الحرس

الثوري في حملاتهم الانتخابية، مما يُعد اعترافًا بأن مرشحي المجلس

المتطرفين آانوا يسعون إلى الارتباط الوثيق بالحرس لكسب التأييد

.( الانتخابي( 81

لقد عمل أعضاء الحرس السابقون أيضًا في الحكومات المحلية، وفي

"مؤسسات الأوقاف" وغيرها من المؤسسات الثورية. فأصبح محسن رفيق

دوست، بعد تنحيته من منصبه آوزير للحرس، رئيسًا ل "مؤسسة

المستضعفين" الخيرية، التي تستخدم أصول الشاه المالية المصادرة لمساعدة

الأسر الفقيرة وقدامى المحاربين( 82 ). وصار المهندس المدني محسن ميردمادي

– الرأس المدبر لعملية احتلال السفارة الأمريكية – نائبًا للمدعي العام، وبعد

ذلك رئيسًا لإدارة العلاقات الدولية في وحدة الدعاية والنشر التابعة للحرس،

قبل أن يصبح حاآمًا عامًا لإقليم خوزستان، الذي آان مسرحًا رئيسيًا للمعارك

.( ونقطة انطلاق للقوات الإيرانية أثناء الحرب، ثم أقيل أوائل عام 1990 م( 83

وشغل محمد أصغر زاده، وهو من الطلاب محتجزي الرهائن، منصب قائد

منطقة تابعة للحرس، قبل أن يصبح نائبًا لوزير الإرشاد الإسلامي، ثم نائبًا

للمدعي العام للشئون الثقافية( 84 ). وأصبح حبيب بيطراف، وهو أيضًا من

محتجزي الرهائن، مسئولاً آبيرًا في مكتب المدعي العام بعد خدمته في

.( الحرس( 85

وعمومًا، لم يستمر نفوذ الحرس في الحكومة قويًا آما آان عند بداية

الثورة، آما أن رغبة حلفائه وقدرتهم على مناصرة المواقف المتطرفة لم تتسم

-19-

بالقوة على الدوام. ومنذ موت الخميني، الأب الروحي للحرس وراعيه الأآبر،

ضَعُف موقف العديد من حلفاء الحرس في الحكومة (مثل منصوري ومحتشمي

بور)، وأُقيل بعضهم من الحكومة (مثل نبوي وسارهاديزاده وميردمادي)،

واستمال النظام البعض الآخر فنأوا بأنفسهم عن الحرس في بعض القضايا

(مثل آرازي وبشارتي).

إن المد والجزر اللذين تعرض لهما نفوذ الحرس – تبعًا للمناخ السياسي في

طهران – آان شيئًا متوقعًا. ومع أن ارتباط القادة السياسيين بالحرس،

ومواقفهم المتطرفة من القضايا، آانت في وقت من الأوقات من العوامل

المساعدة على تألق نجمهم السياسي، صارت هذه العوامل عبئًا بعدما أوصلت

إيران إلى العزلة الدولية والتدهور الاقتصادي، نتيجة المبادرات السياسية

المتطرفة، مثل السعي الحثيث لهزيمة العراق وتصدير الثورة عن طريق

العنف. وترآت وفاة آية الله الخميني المتطرفين بلا نصير. ولكن المهم أن

الحرس وحلفاءه السياسيين – سواء الذين احتفظوا بمناصبهم أو الذين فقدوها –

رفضوا بشكل عام أن يساوموا على مبادئهم العقائدية من أجل الاحتفاظ بمواقع

النفوذ. فقد استمر محتشمي في مؤازرة المواقف المتطرفة، بالرغم من فقدانه

.( لمقعده في مجلس الشورى في انتخابات نيسان/ أبريل – أيار/ مايو 1992 م( 86

وخاض نبوي وسارهاديزاده – بتأييد من المتطرفين – انتخابات التجديد

النصفي لمجلس الشورى عام 1989 م ولكنهما لم ينجحا( 87 ). وهذا ما نقصده

بالقول: إن الحرس جهاز مستقل وليس تابعًا، وقد أثبت أن آراءه وأعضاءه

السابقين والمقربين منه، يمكن أن يخترقوا الحكومة في ظل ظروف سياسية

مؤاتية، بينما لم يُظهر خصوم الحرس هذه القدرة على اختراق صفوف

الحرس، حتى عندما يكون المناخ السياسي البراجماتي سائدًا.

تعيينات الجيش النظامي

هناك دليل أقوى على استقلالية الحرس نلمسه في العلاقة التي تربطه

بالمؤسسة العسكرية النظامية في إيران. ولكون الحرس مؤسسة ثورية فمن

المتوقع أن يكون له حلفاء سياسيون في حكومة ثورية، وأن تكون الخدمة في

الحرس، أو الارتباط به، عاملاً مساعدًا للمسئولين على الارتقاء ضمن البنية

السلطوية للنظام. بيد أن الحرس استطاع التأثير في تعيينات المؤسسة العسكرية

النظامية، التي تعتبر المؤسسة الرئيسية المنافسة للحرس. ومعاناة المؤسسة

-20-

العسكرية النظامية، من تدخل الحرس في شئونها تدل بقوة على خضوعها

لسلطة الحرس.

إن أول سابقة تدل على النفوذ الذي يتمتع به الحرس – فيما يخص تعيينات

أفراد المؤسسة العسكرية النظامية – حدثت أوائل الثمانينات. ففي آذار/ مارس

1981 م، تعاون الحرس مع صغار ضباط الجيش النظامي، ونجحوا في إعادة

علي سيد شيرازي إلى منصبه، وآان برتبة عقيد، بعد أن أقاله ضباط آبار من

منصبه آقائد للفرقة الثامنة والعشرين التابعة للجيش النظامي في آردستان،

بسبب قتله المزعوم لقرويين أآراد( 88 ). وآان شيرازي حينذاك من أوثق حلفاء

الحرس وأآثرهم نفوذًا المؤسسة العسكرية النظامية، وآان يشارك الحرس

حماسه العقائدي، ويؤيد دمج المؤسسة العسكرية النظامية بالحرس( 89 )، ولا شك

أن دعم الحرس لشيرازي آان عاملاً حاسمًا في احتفاظه بمنصبه، وترقيته بعد

ذلك إلى منصب قائد القوات البرية في الجيش النظامي.

ومن المفارقات أن النفوذ ذاته الذي استخدمه الحرس في دعم شيرازي عام

1981 م، استُخدم ضده بعد ذلك بخمس سنوات. وبالرغم من محاولات شيرازي

تعميق الطابع العقائدي للجيش النظامي، فقد آان في الأساس ضابطًا محترفًا،

يستند في قراراته العسكرية إلى المبادئ الموضوعية للعلوم العسكرية، وليس

إلى الأيديولوجيا( 90 ). وعندما خسرت إيران مدينة مهران في ربيع عام 1986 م،

ألقى الحرس اللوم على الجيش النظامي، لافتقاره إلى الحماس للمجهود الحربي

بشكل عام، ورفضه التنسيق مع الحرس، الأمر الذي أدى إلى تأجيج نار

الخلافات الشخصية والعميقة بين شيرازي ورضائي( 91 ). وتلا ذلك صراع على

السلطة تم حسمه بوضوح لصالح رضائي والحرس، وأقيل شيرازي من قيادة

القوات البرية في الجيش النظامي. ولتهدئة خاطر الجيش النظامي مُنح

.( شيرازي عضوية مجلس الدفاع الأعلى، وهو أعلى هيئة عسكرية في إيران( 92

ولموازنة صوت شيرازي في هذا المجلس، تم تعيين رفيق دوست عوضًا فيه،

لكنه على عكس شيرازي احتفظ بمنصبه آوزير للحرس( 93 ). ومثّل إبعاد

شيرازي عن التسلسل القيادي انتقاصًا آبيرًا من مكانته ونفوذه في النظام بشكل

عام.

آما مُنحت عضوية مجلس الدفاع الأعلى آجائزة ترضية لضابط آبير آخر

من الجيش النظامي، اختلف اختلافًا علنيًا شديدًا مع استراتيجية الحرس

-21-

والتكتيك الذي اتبعه، هو العميد قاسم علي زاهر نجاد، الذي آان قائدًا للقوات

البرية عندما اندلعت الحرب، وأصلح بعد ذلك رئيس هيئة الأرآان المشترآة

التابعة للجيش النظامي، وبنى سمعته على أساس آونه ضابطًا محترفًا متبحرًا

في الأمور العسكرية، ووطنيًا إيرانيًا يدين بالولاء لأي نظام يتولى الحكم في

إيران( 94 ). وآان تقييمه للوضع من منظوره – آعسكري محترف – يضطره

باستمرار إلى معارضة أساليب الهجوم التي آان ينفذها الحرس و"الباسيج"

على شكل موجات بشرية، وتؤدي إلى خسائر جسيمة في الأرواح، وآان

يعارض فكرة متابعة الحرب حتى النصر مهما آلف الأمر( 95 ). وفي عام

1984 م، وآما حدث لشيرازي بعد ذلك بسنتين، تم "ترفيع" زاهر نجاد إلى

عضوية مجلس الدفاع الأعلى الذي يهيمن عليه الحرس والاتجاه المتطرف،

وهو منصب مجرد من السلطة نسبيًا، وخلفه في منصب رئيس هيئة الأرآان

.( المشترآة إسماعيل سهرابي الذي آان سهل الانقياد( 96

وتعرض سهرابي، الذي خلف زاهر نجاد في منصبه، للمصير ذاته على

أيدي الحرس، ولكن في ظروف مختلفة. ففي أيار/ مايو 1988 م، وبعد ثلاثة

أسابيع من استعادة العراق غير المتوقعة لشبه جزيرة الفاو الجنوبية، أقيل

سهرابي من منصبه، وآان بوضوح آبش الفداء للهزيمة، التي لا تقل فيها

مسئولية الحرس – من الناحية العسكرية – عن مسئولية الجيش( 97 ). وحل محله

العميد علي شهبازي، وآان على صلة وثيقة بالحرس ويتمتع بدعمه، بفضل

خدمته في مرآز قيادة حرب العصابات التابع للحرس في مدينة الأهواز

الجنوبية( 98 ). أي أن قوة الحرس، آمؤسسة، آانت تظهر جلية حتى في الهزائم

العسكرية، وإن آان من المنتظر – من وجهة النظر العسكرية الموضوعية –

أن تؤدي هزيمة الفاو إلى زيادة التشديد على الخبرة العسكرية النظامية

ومعايير صنعت القرار، وإلى صرف النظر عن الخطط الاستراتيجية

والتكتيكية غير التقليدية، التي تبناها الحرس وأسفرت عن خسائر بشرية

جسيمة.

في عام 1989 م وأوائل 1990 م ظهر دليل على أن قوة الحرس آمؤسسة –

مقابل المؤسسة العسكرية النظامية – لم تتأثر بالهزيمة في الحرب وبموت

الخميني. ففي تشرين الأول/ أآتوبر 1989 م حل علي شمخاني، وهو أبرز

شخصية في الحسر بعد رضائي( 99 )، محل الأدميرال حسين مالك زادآان، قائد

-22-

البحرية النظامية الكفء والجدير بالاحترام. ومع أن شمخاني مُنح لقب لواء

بحري لإرضاء البحرية النظامية، فلم يكن لديه خبرة مهنية في سلاح البحرية،

وآان محسوبًا بشكل واضح على الحرس، وعلي رضائي رئيسه وحليفه لفترة

طويلة( 100 ). وفي أواخر نيسان/ أبريل 1990 م، عَيّن شمخاني عباس محتاج

نائبًا له في البحرية النظامية، وآان الأخير أحد آبار قادة الحرس لفترة طويلة،

وبهذا سيطر الحرس على المراآز العليا في ذلك السلاح النظامي( 101 ). وآانت

تلك التعيينات تمثل المرة الأولى التي يتولى فيها رجال الحرس القيادة العليا

لسلاح نظامي، مما أضعف معنويات الجيش النظامي بشدة، وأآد على استمرار

قوة الحرس آمؤسسة.

رسم السياسات

ثمة مقياس آخر يدل على استقلالية الحرس، هو مدى النفوذ الذي يتمتع به

في صياغة وتنفيذ سياسات الحرب والأمن وتصدير الثورة. وهذه هي الساحة

التي قام فيها الحرس – قدر الإمكان – بممارسة عقيدته المتشددة الصارمة،

بالرغم من الآراء والحجج المنطقية والمهنية التي تعارض ذلك، وبالرغم من

توجهات السياسة البراجماتية التي انتهجها بعض رؤساء الحرس المدنيين. وهذا

لا يعني أن الحرس آان يتحدى السلطة المدنية علانية، أو أنه آان يرسم أهم

ملامح السياسات في الجيش والأمن الداخلي وتصدير الثورة، وينفذها بمعزل

عن القادة السياسيين. ولكن يمكن القول: إن الحرس استطاع التحكم في

استراتيجية الحرب طوال فترة الصراع، وتبني عمليات وأفعالاً متشددة، آانت

تتناقض أحيانًا مع الأهداف التي وضعها رؤساؤه المدنيون. ولم يتردد الحرس

قط في استغلال الخلافات بين القادة المدنيين بهدف توجيه السياسات في اتجاه

متطرف( 102 )، وساعده في ذلك ما اتصفت به إرشادات الخميني من غموض

وتوجه متطرف. آما أبدى الحرس استعدادًا للمجازفة بالقطيعة مع رؤسائه

المدنيين أو إحراجهم، وهم الذين يمكن أن ينتقموا من الحرس بتقليص ميزانيته

وصلاحياته في التجنيد ومخصصاته من الأسلحة. وتبنى الحرس أيضًا عمليات

عسكرية فيها قدر آبير من المجازفة، وتتميز بغنى مضمونها العقائدي، ولكنها

تتصف بالطيش من الناحية العسكرية، وتحمل في طياتها ضررًا لسمعة الحرس

ومكانته العسكرية.

بعدما طردت إيران القوات العراقية الغازية من أراضيها عام 1982 م،

-23-

انفرط عقد الإجماع القوي بين العناصر العسكرية والمدنية على مواصلة

الحرب. ولم يخفف من حدة الخلافات بين الحرس والمتطرفين المؤيدين

لمواصلة الحرب من جهة، وبين الجيش النظامي وحلفائه السياسيين المحافظين

من جهة أخرى( 103 )، سوى تصميم الخميني، الذي لا يتزحزح، على متابعة

الحرب حتى الإطاحة بالنظام العراقي. على أية حال، نادرًا ما آان الثوري

المسن يشارك في تفاصيل التخطيط والتنفيذ لتوجيهاته السياسية العامة، الأمر

الذي ترك المجال واسعًا للجدال الحاد المستمر بين مرؤوسيه الحكوميين

.( والعسكريين حول أفضل السبل والأصعدة لمتابعة الحرب( 104

على الرغم من معارضة الجيش النظامي وحلفائه المحافظين، فقد عمل

الحرس على التنفيذ الكامل لالتزام الخميني بمتابعة الحرب حتى النصر، إلى

أن أرغم انهيار إيران العسكري الخميني نفسه، وربما الحرس، على التخلي

عن موقفه المؤيد لمواصلة الحرب( 105 ). وطوال سنوات الحرب تقريبًا، آان

العسكريون النظاميون يشددون بقوة على وجوب متابعة الحرب بطريقة

تقليدية، أي متابعة شن هجمات محدودة الحجم وجيدة التخطيط، تعتمد على

المدفعية الثقيلة والمدرعات، بدلاً من الهجمات واسعة النطاق التي ينفذها

الحرس، متعمدًا على الكثافة البشرية والتسليح الخفيف( 106 ). وفي عام 1985 م،

وبعد هجوم آبير فاشل في منطقة مستنقعات الأهواز في شهر آذار/ مارس،

نجح الجيش النظامي وحلفاؤه البراجماتيون (وخاصة خامنئي رئيس الجمهورية

ورئيس مجلس الدفاع الأعلى) في إقناع الخميني بفكرة متابعة الحرب على

مستوى أدنى، مؤقتًا على الأقل، وأعلن هذا التغير رئيس أرآان الحرس نفسه

في ذلك الحين علي رضا أفشر( 107 ). ومع ذلك آانت الغلبة للحرس في النهاية،

فقد أمّن الموافقة على تنظيم وتنفيذ هجوم آبير، وتحقق المزيد من التعاون من

.( طرف الجيش النظامي، وهو ما لم يحدث قط في أي هجوم سابق أو لاحق( 108

إن نفوذ الحرس – فيما يتعلق بسياسة الحرب – لا يمكن أن يُعزى آلية إلى

حلفائه المدنيين في مجلس الدفاع الأعلى، حيث آانت تناقش معظم

استراتيجيات الحرب( 109 ). وذلك لأن حلفاء الحرس المدنيين لم يدعموا باستمرار

توصيات الحرس في هذا الصدد. فعلى سبيل المثال آان رفسنجاني، بصفته

الممثل الأول للخميني في مجلس الدفاع الأعلى، حليفًا للحرس حتى عام

1987 م. وفي أعقاب الهجوم الإيراني الذي نتج عنه خسائر بشرية جسيمة في

-24-

ذلك العام، شكك رفسنجاني في جدوى استمرار شن هجمات على نطاق واسع،

وبدا أنه يفضل الأسلوب التقليدي الذي آان ينادي به الجيش النظامي

المحترف( 110 ). ومع ذلك استمر الحرس، في تعبئة المتطوعين لشن هجوم واسع

النطاق، ونفذ هجومه المسمى "والفجر 10 " في شمالي العراق في آذار/ مارس

.( من عام 1988 م( 111

القيادة المدنية

إن مقولة "استقلالية الحرس" لا تعني بالضرورة غلبة رأي الحرس في

مناقشات استراتيجية الحرب مهما آانت معارضة القادة السياسيين. فقد آانت

المناقشات حول الاستراتيجية منبرًا شرعيًا مقبولاً، تثار فيه الخلافات المهنية

والعقائدية والسياسية وتجد لها حلاً. وإنما يمكن دعم الرأي القائل باستقلالية

الحرس عبر إثبات استقلاله السياسي عن فئات معينة ضمن القيادة، وقيامه في

مناسبات معينة بعمليات عسكرية تتعارض مع توجهات وأهداف السياسة التي

رسمها رؤساؤه المدنيون.

إن أبلغ مثال على استقلالية الحرس السياسي هو منحه الدعم للقادة الذين

يناصرون السياسات المتشددة، وسحبه لهذا الدعم عندما يتبنى هؤلاء القادة

مواقف محافظة. فعلى سبيل المثال ظل رفسنجاني –طوال السنوات السبع

الأولى من الحرب– يؤيد مواصلة الحرب حتى النصر، وشن هجمات واسعة

النطاق لتحقيق ذلك الهدف( 112 ). وبسبب هذه المواقف حصل على تأييد

الحرس، الأمر الذي بوأه مكانة عالية في القيادة( 113 ). وفي عام 1984 م ذآرت

تقارير أن الحرس وصل إلى حد التواطؤ مع رفسنجاني لتقويض مكانة علي

خامنئي، الذي آان آنذاك رئيسًا للجمهورية ومجلس الدفاع الأعلى، وذلك بالقيام

عمدًا بخرق اتفاق وقف قصف الأهداف المدنية الذي تم التوصل إليه بوساطة

الأمم المتحدة( 114 ). وآان هذا تحديًا من رفسنجاني لأصالة خامنئي الثورية بعد

قبوله وقف القصف، وذُآر أن خامنئي عرض استقالته نتيجة لذلك( 115 ). وعندما

انتقل رفسنجاني إلى موقع المعارض لاستمرار الحرب عام 1988 م، فقد تأييد

الحرس، وذآرت إحدى الصحف العربية المرموقة أن رجال الحرس قاموا

بمحاولات عديدة لاغتيال رفسنجاني؛ لأنهم آانوا يعارضون بشدة دوره في

.( وقف الحرب( 116

لا يعني هذا أن الحرس يلعب دور صانع الملوك في الحياة السياسية

-25-

الإيرانية. إذ إن الشقاق الذي حدث بين رفسنجاني والحرس منذ عام 1988 م لم

يقف حائلاً دون بروز رفسنجاني آشخصية مهيمنة على الساحة السياسية في

فترة ما بعد الخميني. ومع أن الحرس أظهر تأييدًا قويًا للمتشددين من أمثال

محتشمي وأحمد ابن آية الله الخميني( 117 )، فلم ينجح أي منهما في تهميش

رفسنجاني سياسيًا، آما أن تأييد الحرس لمحتشمي ونبوي لم يمنع رفسنجاني

من إقالتهما عام 1989 م آوزيرين للداخلية والصناعات الثقيلة على التوالي.

وتؤيد هذه الأمثلة مقولة تمسك الحرس الشديد بطابعه المتشدد عقائديًا، ولو أدى

ذلك إلى الجفاء بين الحرس والفئة السياسية المهيمنة في حينه.

قد تشكل بعض العمليات العسكرية للحرس خير مثال على استقلاليته. فمع

استمرار الحرب لفترة طويلة اتسع نطاقها، مما أعطى الحرس فرصة أآبر

لتأآيد دوره المستقل. فقد آانت الأزمات تنشب بسرعة، ولا تعطي فرصة

للنقاش المطول، وبالتالي قللت من قدرة خصوم الحرس الداخليين على آبح

جماحه. وآانت مثل هذه الفرص تسنح للحرس آلما ازداد تورط أطراف عربية

وأجنبية (وخاصة الولايات المتحدة) في الحرب. وآانت الوسيلة المثلى لضرب

هذه الأطراف الخارجية هي بحرية الحرس (فالقوات الجوية الإيرانية لم تكن

تملك القدرة الفعالة على ضرب الملاحة الدولية من الجو). وأدت "حرب

الناقلات" (أي الهجمات التي شنها آل من الطرفين ضد ناقلات النفط التابعة

للطرف الآخر) إلى تورط خصوم إيران من العرب والأجانب في الحرب

بصورة مباشرة. وباستيلاء إيران على الفاو أصبحت الكويت مهددة بالغزو،

وتحقق تعاون أوثق بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى مع

العراق، وتم حشد سفن البحرية الأمريكية في الخليج لحماية دول الخليج

العربية والملاحة الدولية( 118 ). وبالإضافة إلى ذلك، فقد تزامن تنامي القدرات

العملياتية لبحرية الحرس مع ازدياد التورط العربي والدولي في الحرب.

وآان حشد القوات الأمريكية في الخيلج، يهدف جزئيًا إلى التصدي

لتحرشات بحرية الحرس ضد شحنات النفط الدولية( 119 ). ولكن ذلك لم يرهب

الحرس، بل جعله أآثر تصميمًا على مجابهة الحشد البحري الأمريكي،

وبرنامج رفع الأعلام لأمريكية على ناقلات النفط ومرافقتها. وبدأ الحرس –

بمساعدة بعض عناصر البحرية النظامية – بتلغيم ممرات الملاحة الدولية في

الخليج العربي( 120 ). وفي آب/ أغسطس 1987 م، وأثناء مرور أول قافلة

-26-

ترافقها البحرية الأمريكية، اصطدمت ناقلة النفط الكويتية بريدجتون – التي

ترفع العلم الأمريكي – بأحد هذه الألغام، على بعد بضعة أميال من إحدى

القواعد الرئيسية لبحرية الحرس قبالة الساحل الإيراني( 121 ). وبعد الرد

الانتقامي الأمريكي ضد منصات النفط البحرية الإيرانية، والاستيلاء على

مرآب إيراني مخصص لزرع الألغام يسمى "إيران أجر"، أوقف الحرس لفترة

قصيرة عملية زرع الألغام. ولكنه استأنف العملية أوائل عام 1988 م، برغم

محاولات رفسنجاني لتجنب المزيد من المواجهة، وجهود وزارة الخارجية

الإيرانية في الأمم المتحدة للبدء في بحث إمكانية إنهاء الحرب بين إيران

والعراق( 122 ). وتزامن الاستيلاء على "إيران أجر" عام 1987 م مع قيام علي

خامنئي – رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الدفاع الأعلى – بإلقاء آلمته في

الأمم المتحدة، التي يعتقد أنه أراد من خلالها تلطيف الصورة المتشددة لإيران،

وتصوير العراق على أنه الطرف المعتدي في الحرب( 123 ). لذلك فقد أبطلت

حادثة "إيران أجر" مفعول الرسالة التي أراد خامنئي توصيلها، وأحبطت

جهوده الدبلوماسية، وأثارت التساؤلات حول ما إذا آان الحرس قد دبّر حادثة

"إيران أجر" لإضعاف تأثير آلمة خامنئي.

قد ظهر جليًا مرة أخرى في نيسان/ أبريل 1988 م أن الحرس يرغب في

تحدي الولايات المتحدة بشكل مباشر، رغم النتائج السلبية من وجهة النظر

العسكرية الموضوعية، ورغم رفض القادة المدنيين لمثل هذه الأعمال

المتهورة، التي تشكل الأيديولوجيا حافزًا لها. وقبل ذلك بحوالي شهر، آان

الحرس قد استأنف تلغيم خطوط الشحن البحرية في الخليج. وهذه الألغام التي

زرعها الحرس أزالتها فيما بعد البحرية النظامية الإيرانية، بأوامر من

رفسنجاني على ما يبدو، وهذا مثال آخر على عمق الخلافات بين الحرس

والعناصر الأآثر براجماتية حول هذه المسألة( 124 ). وأصاب أحد هذه الألغام –

التي لم تكسح بشكل جيد – السفينة الأمريكية "صامويل بي روبرتس"، مما دفع

الولايات المتحدة إلى القيام برد انتقامي في الثامن عشر من نيسان/ أبريل.

وذُآر أن رضائي قائد الحرس آان المحرض على قيام البحرية الإيرانية

.( بتوجيه ضربة مضادة مباشرة ضد الأسطول الأمريكي المهاجم في الخليج( 125

وبما أن بحرية الحرس آانت تتألف من قوارب سريعة صغيرة، فإن سفن

البحرية النظامية – الأآبر حجمًا والأقل تكافؤًا مع السفن الأمريكية – هي التي

نفذت الهجوم. وانتهت المعرآة بتدمير الولايات المتحدة لحوالي 20 % من

-27-

الأسطول الحربي للبحرية النظامية الإيرانية. وآان تنظيم الحرس للهجوم

واشتراك البحرية النظامية فيه، برغم معارضتها لهذا الاشتباك غير المتكافئ –

من وجهة النظر الموضوعية – يدلان على أن الحرس آان المسيطر الفعلي

.( على البحرية النظامية وعلى سياسات إيران البحرية أثناء ذلك الاشتباك( 126

إن إثبات الوجود العسكري الذي مارسه الحرس –انطلاقًا من دوافع

أيديولوجية– لم يمارس ضد الولايات المتحدة فقط. ففي عام 1987 م، وبعد

الضربة الانتقامية الأمريكية ضد المنشآت النفطية البحرية الإيرانية، أطلق

.( الحرس صاروخًا صينيًا من طراز "سيلكورم" على منشآت نفطية آويتية( 127

وبعد احتلال إيران للفاو، أصبحت قواتها على مسافة قريبة من الأراضي

الكويتية، وأعلن الحرس أن قلب نظام الحكم الأميري المحافظ في الكويت هو

هدف إيراني إضافي من الحرب، ولم يردد آبار القادة السياسيين هذا

التصريح، الذي أطلق بالتأآيد دون استشارتهم( 128 ). وفي تموز/ يوليو 1987 م،

ألقت بحرية الحرس القبض على أطقم ثلاثة قوارب آويتية صغيرة واعتبرتها

"قوارب تجسس"( 129 ). وفي تشرين الأول/ أآتوبر من العام نفسه، حُشد أسطول

آبير من القوارب الصغيرة السريعة التابعة لبحرية الحرس للهجوم على

منشآت نفطية بحرية سعودية( 130 ). ولكن الأسطول لم يصل قط إلى منصات

النفط؛ لأن السعوديين تمكنوا من اآتشافه وردعه( 131 ). وعلى الرغم من تأييد

القادة المدنيين الإيرانيين لبعض هذه الأعمال بعد حدوثها (لأن التصرف

بخلاف ذلك آان يعرض مصداقيتهم الثورية للخطر)، فمن الواضح أن هذه

الأعمال آانت تتناقض مع الجهود التي بذلها القادة المدنيون البراجماتيون

لتحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية والكويت، في محاولة للتخفيف

.( من دعمها للعراق أثناء الحرب الإيرانية – العراقية( 132

سياسة تصدير الثورة

أثبت الحرس أيضًا وجوده في المسائل غير العسكرية، ولاسيما تصدي

الثورة. وآما في حالة العمليات العسكرية للحرس، لا يمكننا أن نثبت بصورة

قاطعة أن الحرس رفض عمدًا الانصياع لأوامر رؤسائه المدنيين، ولكن العديد

من أعمال تصدير الثورة –التي قام بها الحرس– آانت تتناقض مع التوجهات

السياسية لهؤلاء القادة.

آان لبنان هو الساحة الرئيسية لجهود إيران في تصدير الثورة الإسلامية،

-28-

حيث قام الحرس بممارسة آرائه المتشددة. ومن أهم أنشطة الحرس هناك تقديم

التدريب –بل والدعم العسكري المباشر، حسب بعض التقارير( 133 ) –إلى

مليشيا حزب الله في صداماتها المتكررة، بين الأعوام 1987 م – 1990 م مع

حرآة "أمل" المنافسة لها والمدعومة من سوريا( 134 ). ("أمل" هي حرآة شيعية

أيضًا، ولكنها ليست أصولية آحزب الله). واستمر تقديم هذا الدعم لحزب الله

حتى أثناء قيام القادة المدنيين الإيرانيين بالتوسط لوضع حد نهائي للصدامات،

من أجل الحفاظ على العلاقة مع سوريا( 135 ). (آانت سوريا، وهي راعية حرآة

أمل، الدول العربية الوحيدة التي أيدت إيران طوال حربها مع العراق، وآان

تأييدها حاسمًا في التخفيف من إحساس إيران بالعزلة في تلك الفترة. آما أيدت

ليبيا إيران حتى منتصف عام 1986 م، ثم تبنت موقفًا متوازنًا بين إيران

والعراق). وآان على رأس جهود الوساطة التي تقوم بها إيران، وزير

الخارجية ولايتي المعتدل نسبيًا، وبشارتي نائب وزير الخارجية البراجماتية

والعضو السابق في الحرس، ووزير الحرس السابق رفيق دوست( 136 )، وهو

القائد الوحيد غير المتطرف للحرس، حتى إقالته عام 1988 م، ويُحتمل أنه آان

يمثل موقف الحرس في الوساطة والمحادثات. غير أن استمرار الصدامات بين

أمل وحزب الله أثناء المحادثات يشير إلى ضعف سلطة رفيق دوست وشعبيته

في صفوف الحرس، فلم يستطع أن يكبح جماح قوات الحرس في لبنان.

إن التوتر الذي طرأ على العلاقة بين سوريا وإيران، بسبب العداء بين

حزب الله التابع لإيران وحرآة أمل المدعومة من سوريا، آان له بالطبع أثر

في قضية تحرير الرهائن الغربيين الذين يحتجزهم حزب الله. وتلاقت المصالح

في هذه القضية بين القادة الإيرانيين البراجماتيين وبين سوريا، فإيران تحتاج

إلى جذب الاستثمارات الغربية من أجل تحسين اقتصادها المنهار، وسوريا

تحتاج إلى تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة للتعويض عن فقدانها الدعم

السوفيتي. وأدت هذه المصالح المشترآة إلى قيام تعاون بين البراجماتيين

الإيرانيين وسوريا (وآلهم مؤيد لإطلاق سراح الرهائن) في مواجهة الحرس

والمتطرفين الإيرانيين الآخرين وحزب الله، الذين آانوا يعارضون تحرير

.( الرهائن( 137

وفي أوائل عام 1990 م، حين آان البراجماتيون الإيرانيون يحاولون إقناع

حزب الله بإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين –وهو توجه يعارضه

-29-

الحرس( 138 )– ذآرت تقارير أن سوريا منعت قوات إضافية، أو قوات بديلة

تابعة للحرس، من الدخول إلى لبنان( 139 ). وقد أآد الشيخ شعبان، وهو أحد أبرز

رجال الدين المتشددين وزعيم حرآة التوحيد، محاولات سوريا لتحديد عدد

قوات الحرس في لبنان، مكررًا القول علنًا: إن الحرس يتمتع بوجود شرعي

في لبنان( 140 ). ومن ناحيته آان رفسنجاني يسعى إلى إضعاف نفوذ الحرس في

لبنان بشكل مباشر، وبالتالي حرمانه من فرصة إحباط جهود تحرير الرهائن.

وذآرت التقارير أنه حاول إرسال وحدة من الحرس أآثر ولاءً، أو على الأقل

أآثر مرونة إلى لبنان( 141 ). وفي شهر أيار/ مايو 1990 م، أُطلق سراح

الرهينتين الأمريكيين، روبرت بولهيل وفرانك ريد، وبحلول شهر آانون

الأول/ ديسمبر 1991 م، آان قد أطلق سراح جميع الرهائن الأمريكيين. بيد أن

التقارير أفادت – أوائل عام 1990 – أن إيران زودت حزب الله بالمزيد من

الأسلحة الثقيلة التي يحتاجها لمحاربة حرآة أمل( 142 )، بما يوحي أن حزب الله

والحرس والمتطرفين الإيرانيين الآخرين قد قبضوا ثمن تعاونهم، ولم يفرض

عليهم بالقوة من قبل البراجماتيين الإيرانيين وسوريا. ونُقل أيضًا عن مسئولين

2 - أمريكيين قولهم: إن الحكومة الإيرانية دفعت لمحتجزي الرهائن من 1

مليون دولار لكل رهينة يطلق سراحها (بالإضافة إلى تمويلها لتكاليف

الاحتجاز) ( 143 ). ويعتقد الكثيرون أن قرار أمريكا في تشرين الثاني/ نوفمبر

1991 م، بتنفيذ حكم محكمة التعويضات الأمريكية الإيرانية في لاهاي، ودفع

مبلغ 278 مليون دولار لإيران آتعويضات عن معدات عسكرية، آان مرتبطًا

.( –ولو بصورة ضمنية– بتعاون إيران في الإفراج عن الرهائن( 144

بغض النظر عن الفوائد المالية التي جناها محتجزو الرهائن أو إيران، آان

تحرير الرهائن نصرًا سياسيًا لرفسنجاني على حساب الحرس ومحتجزي

الرهائن في لبنان. وقد عزز الغزو العراقي للكويت مناورات رفسنجاني لإحكام

سيطرته على تطورات قضية احتجاز الرهائن في لبنان، مما نتج عنه إطلاق

سراح أقارب قائد محتجزي الرهائن "عماد مغنية" من السجون الكويتية. وآان

إطلاق سراح هؤلاء السجناء –الأعضاء في حزب الدعوة– من المطالب

الرئيسية لمحتجزي الرهائن في لبنان( 145 ). آما تمكن رفسنجاني من استغلال

مسألة التدهور المستمر للاقتصاد الإيراني –مقرونًا بالفوائد المالية والسياسية

التي يمكن أن تجنيها إيران إذا ساعدت في إطلاق الرهائن– في مناقشاته مع

الحرس ومحتجزي الرهائن. وآانت حجة رفسنجاني أن تدهور الاقتصاد

-30-

الإيراني يهدد نظام حكم رجال الدين ذاته، ومعه أيضًا تراث الخميني الذي

ناضل الحرس في سبيل الحفاظ عليه.

هناك أمثلة أخرى على قيام الحرس بعمليات سرية تعبيرًا عن مبادئ الثورة

الأيديولوجية المتشددة، وإن تعارضت هذه العمليات مع أهداف رؤسائه

المدنيين وسياستهم. فقد تورط الحرس في التحريض على أعمال الشغب التي

قام بها الحجاج الإيرانيون أواخر شهر تموز/ يوليو 1987 م في مكة المكرمة

بالمملكة العربية السعودية. ومن الواضح أن هذا العمل أحبط مساعي

رفسنجاني لإضعاف الدعم العربي للعراق، وأفشل جهوده لتحسين العلاقات مع

أنظمة دول الخليج العربية( 146 ). آما قام الحرس بتدريب عملاء أجانب على

عمليات خطف الطائرات التجارية( 147 )، وفي حادثة خطف طائرة الرآاب

عام 1985 م، ذُآر أن رفسنجاني لعب دورًا في إنهاء TWA التابعة لشرآة

احتجاز الطائرة( 148 ). وبذل جهودًا حثيثة بين عامي 1989 م 1990 م بصفته

رئيسًا جديدًا لإيران، لتحسين صورة إيران في الخارج (لدرجة أن إيران

وجهت عام 1990 م دعوة لمسئولين من الأمم المتحدة لتحري وضع حقوق

الإنسان فيها)، ولكن الحرس وحلفاءه السياسيين استمروا في اغتيال خصوم

النظام في الخارج. ففي الأسبوع ذاته الذي أطلق فيه حزب الله سراح الرهينة

الأمريكي روبرت بولهيل في لبنان، نتيجة لجهود رفسنجاني، اغتيل في جنيف

شقيق مسعود رجوي، قائد منظمة مجاهدي خلق، ربما على يد عملاء الحرس

السريين( 149 ). وذآرت تقارير أن حسين ملايك، سفير إيران في سويسرا، وهو

من محتجزي الرهائن السابقين ومن حلفاء الحرس، قد ساهم في تدبير عملية

الاغتيال( 150 ). وحين آان رفسنجاني يرتب لإطلاق آخر رهينة أمريكي في

لبنان، في أواخر عام 1991 م، اغتيل رئيس الوزراء الإيراني السابق شهبور

بختيار ربما بتدبير الحرس( 151 )، وحمل هذا الاغتيال الرئيس الفرنسي فرانسوا

ميتران على إلغاء زيارة مقررة إلى إيران.

صفقة الأسلحة الأمريكية – الإيرانية

لا تتمثل استقلالية الحرس فقط في الصعوبة التي يواجهها القادة المدنيون

في آبح جماح تهوره المتطرف، ولكن أيضًا في قدرة الحرس على إثبات

وجوده السياسي، والحفاظ على مصالحه آمؤسسة من خلال تأثيره في قرارات

السياسة المدنية. وخير مثال على هذا، ما فعله الحرس في صفقة الأسلحة بين

-31-

أمريكا وإيران عامي 1985 م – 1986 م. فقد أدرك القادة المدنيون المشارآون

في الصفقة أن الحرس –الذي تحرآه الدوافع الأيديولوجية– سيعارض التعامل

المباشر مع الولايات المتحدة. وطبقًا لما ذآره تاجر أسلحة إسرائيلي شارك في

المرحلة الأولية من الصفقة، حاول القادة في البداية إخفاء المفاوضات عن

الحرس( 152 ). وبعدما علم الحرس بالصفقة واشترك فيها لاحقًا، استولى عام

1985 م على شحنة أسلحة أمريكية وصلت إلى إيران( 153 ). وتؤآد روايات

المشارآين في الصفقة أن الحرس تسلم شحنة الأسلحة فعلاً( 154 ). وفي المراحل

التالية للصفقة ازداد تورط الحرس عمقًا، إلى حد التفاوض مع بعض

المشارآين الأمريكيين بصورة مباشرة، والاستمرار في الاستيلاء على الأسلحة

.( التي شحنت إلى إيران( 155

بالرغم من ظهور الحرس بمظهر من يقبل المساومة على أيديولوجيته

بالتعامل مع الولايات المتحدة، وبالتعاون دون شك في حمل حزب الله على

إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين، فإنه آان يعتبر الأسلحة التي تلقاها وسيلة

لتحقيق الهدف الأيديولوجي النهائي، وهو إلحاق الهزيمة بالعراق في

الحرب( 156 ). وربما يفسر هذا الاستنتاج تأييد آية الله الخميني للصفقة وقبوله بها

في نهاية الأمر، ونظرًا لأن الخميني هو الأب الروحي للحرس، المعصوم عن

الخطأ، فإن تأييده لأي قرار متعلق بالسياسات الرسمية آان يضمن في الواقع

تأييد الحرس له أيضًا( 157 ). بالإضافة إلى ذلك، فإن إلقاء القبض على ثلاث

رهائن بعد ذلك –ليحلوا محل الرهائن الذين أطلق سراحهم حسب الاتفاق– آان

من شأنه التقليص من إحساس الحرس وحزب الله بأنهما يساومان على مبادئهما

الأيديولوجية( 158 ). وبحصول الحرس على الأسلحة التي آان في أمس الحاجة

إليها لشن هجومين آبيرين عامي 1986 م و 1987 م (في آلا الهجومين

وصلت القوات الإيرانية إلى مشارف مدينة البصرة العراقية)، فقد قطع شوطًا

في تحقيق هدفه الأيديولوجي والعسكري الرئيسي. آما أن استئثار الحرس في

النهاية بمعظم الأسلحة التي أرسلتها الولايات المتحدة، أظهر أن الحرس آان

يملك النفوذ الكافي لتحويل شحنة الأسلحة إلى رجاله، حتى لو أراد النظام

إعطاءها إلى الجيش النظامي( 159 ). وإذا صحت التقارير التي ذآرت أن القيادة

السياسية أرادت في البداية إخفاء الصفقة عن الحرس، فإن دوره المهم في

القضية يبرهن على مدى تغلغله في ترآيبة الحكومة المدنية بأآملها واختراقه

لها.

-32-

الخلاصة

هناك دلائل قوية تدعم الاستنتاج القائل: إن الحرس مؤسسة مستقلة وليست

تابعة، وأن الباعث الرئيسي لهذه الاستقلالية هو تشبث الحرس بأيديولوجيته

المتطرفة. ونظرًا لجذور الحرس المستقلة خلال الثورة، والدور الذي حدده

لنفسه آقلعة للقيم الثورية المتشددة، فإنه قاوم اختراق المدنيين له وسيطرتهم

على شئونه، على عكس نظيريه الجيش الأحمر السوفيتي وجيش التحرير

الشعبي الصيني، اللذين أُخضعا لسيطرة الحزب الشيوعي. ولم يكن الحرس

فقط منطلقًا لوصول أعضائه الحاليين والسابقين وحلفائه الأيديولوجيين إلى

مناصب عليا في الحكم، بل مارس أيضًا نفوذًا مهمًا في تحديد ترآيبة القيادة

العليا لمنافسه المؤسساتي الرئيسي وهو الجيش النظامي. فقد تعاون بعض

حلفاء الحرس في الحكومة مع الحرس دعمًا للسياسات المتطرفة، حتى عندما

آان هذا التعاون يعيق فرصة التقدم المهني لهؤلاء الحلفاء، أو يؤدي إلى

المجازفة بإغضاب آبار القادة السياسيين الآخرين. آما تبنى الحرس أعمالاً

آانت تتناقض تمامًا مع أهداف السياسة التي رسمها العديد من رؤسائه

المدنيين، ونجح بشكل عام، أثناء الحرب، في آسب التأييد لاستراتيجياته

وتكتيكاته المتهورة والمخالفة للأصول العسكرية، في وجه معارضة شديدة من

الجيش النظامي والسياسيين المحافظين.

إن القاسم المشترك –الذي يجمع بين الأوجه المتعددة لاستقلالية الحرس–

هو التزامه الحماسي بالمبادئ الأيديولوجية للثورة. فعلى سبيل المثال، قاوم

الحرس سيطرة رجال الدين عليه، ليس لأن قادته يسعون إلى السلطة المطلقة

في إيران، بل لأن الحرس اعتبر نفسه حاميًا للثورة وقيمها، ولم يعترف أن

هناك منظمة أآثر ثورية أو ولاءً للثورة منه. وفي الحالات التي آان فيها

الحرس وراء إقالة ضباط من الجيش النظامي وتعيين آخرين مكانهم أآثر

إذعانًا، فإنه فعل ذلك لكي يضمن تأييدًا وتعاونًا آاملين من الجيش النظامي في

تحقيق أهدافه المتطرفة. ومنذ انتهاء الحرب مع العراق، تحققت للحرس

السيطرة المباشرة على أحد فروع الجيش النظامي، وهو سلاح البحرية (وإن

وافق الحرس عام 1992 م على تعيين ضابط من الجيش النظامي، هو حسين

جلالي، قائدًا للقوات الجوية التابعة للحرس، والتي تعد أقل الأسلحة استقلالية

من الناحية التقنية). وآانت الأيديولوجيا هي الدافع لرغبة الحرس في إثبات