آخر تحديث للموقع :

السبت 10 رمضان 1444هـ الموافق:1 أبريل 2023م 12:04:16 بتوقيت مكة

جديد الموقع

الرد على الجاني علي الميلاني في طعنه في أسانيد روايات خطبة أمير المؤمنين عنه لإبنة أبي جهل - ماجد الصقعبي ..
الكاتب : ماجد الصقعبي ..

الرد على الجاني علي الميلاني
في طعنه في أسانيد روايات خطبة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لإبنة أبي جهل


بسم الله الرحمن الرحيم

            الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الغر الميامين ، رضي الله عنهم أجمعين ، ولعن الله أعداءهم ومنتقصيهم إلى يوم الدين ، آمين يا رب العالمين .
            قال الشاعر :
ولو أني بليت بهاشمي لهان عليّ ما ألقى ولكن        * خؤولته بنو عبد المدان تعالوا فانظروا بمن ابتلاني
            أما بعد : فهذه وقفة أخرى مع رسالة أخرى مع مدعي البحث والمعرفة ، آية الله في الخذلان ، وعبرة المعتبرين على مر الأزمان ، الأبله الذي لا يبارى ، والجاهل الذي لا يجارى ، المعروف بعلي الميلاني ، حاشا علي المرتضى رضوان الله عليه أن يتنجس ذكره بتسمي هذا النكرة بإسمه ، ولكن لعلنا نرمز إلى محققنا القدير بالميلاني ، لأن في اسمه من فعله الشيء الكثير ، فيعلم الله كم مال هذا الأحمق عن الحق ، وتنكب جادة الصواب ، وفي ما يلي من كلامه الدليل القاطع .
            والرسالة المقصودة في بحثنا هذا : هي الخبر الشهير الصحيح أن علياً رضي الله عنه خطب ابنة أبي جهل ، فغضب لذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ونهاه عن ذلك ، فامتنع علي رضي الله عنه عن الخطبة ، وقد ألّف هذا المحقق رسالته هذه في الطعن في أسانيد هذه الرواية ، وحاول عبثاً الطعن في رواتها لا لشيء ؛ إلا أنهم رووا هذه الحادثة ، مبتعداً كل الابتعاد ، ومائلاً كل الميل عن طريقة المحققين العقلاء في نقد الأسانيد والروايات .
           وقد كانت عمدة احتجاج هذا المخذول في الطعن في بعض الرواة هي أنهم من أعداء ( أمير المؤمنين ) علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ولم يجد دليلاً صحيحاً على هذه التهمة إلا روايتهم لهذه الرواية !!!!!!! فيا للعجب العجاب !! كما احتج بالحجج التي لا تقنع الأطفال للطعن في هؤلاء الرواة وإثبات العداء لهم من آراء علماء السنة ، ولكن بطريقة الدجل والتمويه والكذب ، ولكن حججه لن تنطلي إلا على البسطاء من بني دينه ، أما العقلاء فلهم طريقة أخرى في الحكم على الرجال ، خاصة إذا علمنا أن العداء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ليس مسقطاً لعدالة الرجل ، وكذلك رواية ما يفهم منه منكسو الفهم أنه طعن في علي بن أبي طالب ليس مسقطاً للعدالة ، هذا فضلاً عن غضه الطرف عن الروايات التي تمدح علي بن أبي طالب وأهل بيته والتي رواها هؤلاء الذين يسميهم بالأعداء !! فكيف يكون عدواً من يروي الفضائل لعدوه ؟؟ إن هذا لو صح كونه عدواً ؛ لوجب على العقلاء أن يعدونه منصفاً لروايته فضائل عدوه ، لا أن يسقطوه من الاعتبار ، ولكن أين العقلاء ؟؟
           والآن لنتطرق لرسالته الظريفة التي وضع في بدايتها مقدمة أرى من المناسب توجيهها إلى بني جلدته في المقام الأول ، يقول فيها : ( فإن السنة النبوية وأخبار الرسول الكريم وأصحابه ، وحوادث صدر الإسلام المنعكسة في كتب الحديث والتواريخ والسير ، بحاجة ماسة إلى التحقيق والتمحيص والدراسة العميقة الدقيقة ، لما لها من الأهمية الفائقة في حياتنا العقائدية والعملية ، تحقيقاً وتمحيصاً بعيداً عن الأغراض والتعصبات والأهواء والانحيازات ... وهذه هي أولى الخطوات الواجب اتخاذها في سبيل خدمة تراثنا ، وإحيائه ونشره .
 لقد ولّت عصور التعصب ، وتفتّحت العيون ، وتنورّت الأفكار وتوفرت الإمكانيات ، وانتشرت الكتب .. فلا يسعنا التهاون في هذا الواجب ثم إلقاء عبء القيام به على الآخرين ، أو القول بصحّة كل ما جاء في هذا الكتاب أو ذاك من كتب الأقدمين .
           صحيح أنّ المحدّثين لم يدونوا جميع ما رووه ووعوه ، بل أودعوا في المصنفات والصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم ما توصّلوا باجتهادهم إلى ثبوته ونقّحوه وصحّحوه ... لكن ذلك لا يغنينا عن النظر في أحاديثهم ، ولا يكون عذراً لنا ما دمنا غير مقلّدين لهم في آرائهم ... ) .
           وكم أخذني العجب والله من هذه المقدمة ‍!! لأن نظرة بسيطة عابرة لجهود أهل السنة والجماعة في تنقيح وغربلة الأحاديث مقارنة بجهود الرافضة في تنقيح وغربلة أحاديثهم تفي بإلقامه حجراً يتجرعه ولا يكاد يسيغه.
           ونود أن نسأل هذا الميلاني الذي أمضى جزءاً من حياته في الطعن في عشرة أحاديث مشتهرة عند أهل السنة ( بعضها قد صرح العلماء بأنها موضوعة !!! ) : كم أمضيت من حياتك في البحث عن الصحيح والضعيف من الروايات الواردة في كتب الشيعة ؟؟ وكم هي جهود علماء التشيع في تنقيح وغربلة كتب التشيع مقارنة بما أمضوه من حياتهم وجهودهم في غربلة كتب أهل السنة المغربلة أصلاً ، والمنقحة قبل تفتح عيونهم على الدنيا ؟؟
           اذكر لنا – يا صاحب السماجة - بعض أسماء الكتب الشيعية التي قامت بتحقيق الكتب الثمانية التي يقوم عليها دين الأمامية ؟؟ أو اذكر لنا كتاباً واحداً يقترن مع كتاب مرآة العقول في تنقيح أحاديث كتاب من كتب الشيعة على رغم تهرب الشيعة من تصحيحات المجلسي في مرآة العقول التي لا تستسيغها العقول .
إن الميلاني يعلم قبل الجميع أن الإجابة مخزية ، وأن نشرها فضيحة ، فيا للعار والشنار .
           ويقول في مقدمته أيضاً : ( لقد راجعنا هذا الحديث المتعلّق بالنبي والإمام والزهراء ... في جميع مظانه ، ولاحظنا أسانيده ومتونه ، فتدبّرنا في أحوال رواته على ضوء كلمات أعلام الجرح والتعديل ، وأمعنا النظر في مدلوله على أساس القواعد المقررة في كتب علوم الحديث .. وبالاستناد إلى ما ذكره المحققون من شراح الأخبار .. فوجدناه حديثاً موضوعاً ، وقضيّة مختلقة ، وحكاية مفتعلة ... يقصد من ورائه التنقيص من النبي في الدرجة الأول ، ثم من علي والصديقة الكبرى ) ، والعجيب أنه يقول ( على ضوء كلمات أعلام الجرح والتعديل ) ، واعجبْ أكثر عندما ترى مسخاً يجمع أقوال علماء في مسألة ما ليصل إلى نتيجة عكسية تماماً لما قرروه وأثبتوه !!!!!
          ثم يقول : ( هذه نتيجة التحقيق الذي قمت به حول هذا الحديث الذي لم أقف على من بحث حوله كما بحثت ) ، فأقول : وهل يوجد أحد في الدنيا يبحث كما تبحث ؟؟ وهل ظهر على الوجود بين الكائنات العاقلة من يتبع أقوال العلماء ليصل إلى عكس ما وصلوا إليه ؟؟؟!! وسيرى القارئ أن الميلاني قد أتى بطرق في نقد الرجال والروايات خرق بها إجماع البشر كلهم مسلمهم وكافرهم ، سنيهم وشيعيهم !!! فهو صادق إلى حد كبير في قوله هذا .
           ثم ذكر مخرجي هذا الحديث وأسانيده ، وهي كالتالي :
           روايات البخاري !!! أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى :
           قال البخاري : حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، أن الوليد بن كثير حدثه ، عن محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي ، حدثه أن ابن شهاب حدثه : أن علي بن الحسين حدثه : أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين بن علي رحمة الله عليه ؛ لقيه المسور بن مخرمة ، فقال له : هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها ؟ فقلت له : لا . فقال : فهل أنت معطي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه ؟ وأيم الله لئن أعطيتنيه لا يخلص إليهم أبداً حتى تبلغ نفسي . إن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس في ذلك على منبره هذا – وأنا يومئذ محتلم – فقال : إن فاطمة مني ، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها ، ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس ، فأثنى عليه في مصاهرته إياه ، قال : حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي ، وإني لست أحرم حلالاً ، ولا أحل حراماً ، ولكن – والله – لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله أبداً .
وجاء في كتاب النكاح : حدثنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر : إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن ، ثم لا آذن ، ثم لا آذن ، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي ، وينكح ابنتهم ، فإنما هي بضعة مني ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها .
وجاء في كتاب المناقب : ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم أبو العاص بن الربيع : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، قال : حدثني علي بن الحسين ، أن المسور بن مخرمة قال : إن علياً خطب بنت أبي جهل ، فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعته حين تشهد يقول : أما بعد ، أنكحت أبا العاص بن الربيع ، فحدثني وصدقني ، وإن فاطمة بضعة مني ، وإني أكره أن يسوئها ، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد ، فترك علي الخطبة .
زاد محمد بن عمرو بن حلحلة : عن ابن شهاب ، عن علي ، عن مسور : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر صهراً له من بني عبد شمس ، فأثنى عليه في مصاهرته إياه ، فأحسن ، قال : حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي .
           وجاء في باب الشقاق من كتاب الطلاق : حدثنا أبو الوليد ، حدثنا الليث ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة الزهري ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن بني المغيرة استأذنوا في أن ينكح علياً ابنتهم ، فلا آذن .
            روايات مسلم :
           قال الإمام مسلم رحمه الله في باب فضائل فاطمة رضي الله عنها : حدثنا أحمد بن عبدالله بن يونس ، وقتيبة بن سعيد ، كلاهما عن الليث بن سعد ، قال ابن يونس : حدثنا ليث ، حدثنا عبدالله بن عبيدالله بن أبي مليكة القرشي التيمي ، أن المسور بن مخرمة حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وهو يقول : ألا إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم ...
           حدثني أحمد بن حنبل ، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي ، عن الوليد بن كثير ، حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي ، أن ابن شهاب حدثه أن علي بن الحسين حدثه أنهم حين قدموا المدينة ...
           حدثني عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي ، أخبرنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني علي بن حسين ، أن المسور بن مخرمة أخبره : أن علي بن أبي طالب خطب ...
           وحدثنيه أبو معز الرقاشي ، حدثنا وهب – يعني : ابن جرير – عن أبيه ، قال : سمعت النعمان – يعني : ابن راشد – يحدث عن الزهري بهذا الإسناد نحوه .
            روايات الترمذي :
           في كتاب المناقب ، فضل فاطمة ، قال الترمذي : حدثنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول – وهو على المنبر - : إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ...
           قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح !!!
           وقد رواه عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة نحو هذا .
           حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا إسماعيل بن علية ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عبدالله بن الزبير : أن علياً ذكر بنت أبي جهل ...      قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
           هكذا قال أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن الزبير ( وقد أخطأ الميلاني هنا فقال : عن الزبير ) ، وقال غير واحد : عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة ، ويحتمل أن يكون ابن أبي مليكة روى عنهما جميعاً .
            روايات ابن ماجة :
           أورده الإمام ابن ماجة في كتاب النكاح ، باب الغيرة : حدثنا عيسى بن حماد المصري ، أنبأنا الليث بن سعد ، عن عبدالله بن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول : إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم ...
           حدثنا محمد ين يحيى ، ثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني علي بن الحسين : أن المسور بن مخرمة أخبره : أن علي بن أبي طالب خطب ... فنزل علي عن الخطبة .
            روايات أبي داود :
           أخرجه أبو داود في كتاب النكاح : حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، حدثني أبي ، عن الوليد بن كثير ، حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي ، أن ابن شهاب حدثه ، أن علي بن حسين حدثه : أنهم حين قدموا المدينة ...
           حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ، ثنا عبدالرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، وعن أيوب عن ابن أبي مليكة بهذا الخبر . قال : فسكت علي عن ذلك النكاح .
           حدثنا أحمد بن يونس ، وقتيبة بن سعيد المعنى ( وقيل المثنى ) ، قال أحمد : ثنا الليث ، حدثني عبدالله بن عبيدالله بن أبي مليكة القرشي التيمي : أن المسور بن مخرمة حدثه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول : إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي بن أبي طالب ، فلا آذن ، ثم لا آذن ، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنها بضعة مني ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها .
            روايات الحاكم :
           أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ، ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، أخبرني أبي ، عن الشعبي ، عن سويد بن غفلة ، قال : خطب علي ابنة أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام ، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أعن حسبها تسألني ؟ قال علي : قد أعلم ما حسبها ، ولكن أتأمرني بها ؟ فقال : لا ، فاطمة بضعة مني ، ولا أحسب إلا أنها تحزن أو تجزع ، فقال علي : لا آتي شيئاً تكرهه .
           هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه بهذه السياقة .
           أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، ثنا سعيد بن مسعود ، ثنا يزيد بن هارون ، وأخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ، ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا يزيد بن هارون : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي حنظلة – رجل من أهل مكة – أن علياً خطب ابنة أبي جهل ، فقال له أهلها : لا نزوجك على ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنما فاطمة مضغة مني ، فمن آذاها فقد آذاني .
           حدثنا بكر بن محمد الصيرفي ، ثنا موسى بن سهل بن كثير ، ثنا إسماعيل بن علية ، ثنا أيوب السختياني ، عن ابن أبي مليكة ، عن عبدالله بن الزبير : أن علياً رضي الله عنه ذكر ابنة أبي جهل ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنما فاطمة بضعة مني ، يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما أنصبها .
           هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
            رواية ابن أبي شيبة : ( وقد أقحم رواية ابن أبي شيبة هنا لغرض في نفسه يأتي بيانه لاحقاً )
           حدثنا محمد بن بشر ، عن زكريا ، عن عامر ، قال : خطب علي ابنة أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام ، فاستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، فقال : عن حسبها تسألني ؟ قال علي : قد أعلم ما حسبها ، ولكن أتأمرني بها ؟ قال : لا ، فاطمة بعضة مني ، ولا أحب أن تجزع ، فقال علي : لا آتي شيئاً تكرهه .
            روايات أحمد بن حنبل :
           عبدالله ، حدثني أبي ، ثنا وهب بن جرير ، ثنا أبي ، قال : سمعت النعمان ، يحدث عن الزهري ، عن علي بن حسين ، عن المسور بن مخرمة : أن علياً خطب ...
عبدالله ، حدثني أبي ، ثنا أبو اليمان ، أنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني علي بن حسين ، أن المسور بن مخرمة أخبره أن علي بن أبي طالب خطب .
عبدالله ، حدثني أبي ، ثنا يعقوب – يعني : ابن إبراهيم – ثنا أبي ، عن الوليد بن كثير ، حدثني محمد بن عمرو ، حدثني ابن حلحلة الدؤلي ، أن ابن شهاب حدثه ، أن علي بن الحسين حدثه : أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية مقتل حسين بن علي ، لقيه المسور بن مخرمة ... أن علي بن أبي طالب خطب ...
عبدالله ، حدثني أبي ، حدثنا هاشم بن القاسم ، ثنا الليث – يعني : ابن سعد – قال : حدثني عبدالله بن عبيدالله بن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو على المنبر – يقول : إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ...
عبدالله ، حدثني أبي ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، أنا أيوب ، عن عبدالله بن أبي مليكة ، عن عبدالله بن الزبير ، أن علياً ذكر ابنة أبي جهل ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنما فاطمة بضعة مني ، يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما أنصبها .
وجاء في فضائل فاطمة بنت رسول الله من مناقب الصحابة : عبدالله ، قال : حدثني أبي ، أنا يحيى بن زكريا ، قال : أخبرني أبي ، عن الشعبي ، قال : خطب علي . وقد أقحم كتاب فضائل الصحابة ، ولم يكمل هذا الحديث لغرض في نفسه أيضاً ، وتمامه هو : خطب علي بنت أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام ، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، فقال : أعن حسبها تسألني ؟ قال علي : قد أعلم ما حسبها ، ولكن أتأمرني بها ؟ فقال : لا ، فاطمة مضغة مني ، ولا أحب أن تحزن أو تجزع ، فقال علي : لا آتي شيئاً تكرهه .
عبدالله ، قال : حدثني أبي ، أنا يزيد ، قال : أنا إسماعيل ، عن أبي حنظلة ، أنه أخبره رجل من أهل مكة : أنا علياً خطب ...
           عبدالله ، قال : حدثني أبي ، أنا سفيان ، عن عمرو ، عن محمد بن علي : أن علياً عليه السلام أراد أن ينكح ابنة أبي جهل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : إن علياً أراد أن ينكح العوراء بنت أبي جهل ، ولم يكن ذلك له أن يجمع بين ابنة عدو الله وبين ابنة رسول الله ، وإنما فاطمة مضغة مني .
           عبدالله ، قال : حدثني أبي : أنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : أنا أيوب ، عن عبدالله بن أبي مليكة ، عن عبدالله بن الزبير : أن علياً ذكر ابنة أبي جهل ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنما فاطمة بضعة مني ، يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما أنصبها .
           عبدالله ، حدثني أبي ، أنا هاشم بن القاسم ، ثنا الليث ، قال : حدثني عبدالله بن عبيدالله بن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو على المنبر – يقول : إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم ...
           عبدالله ، قال : حدثني أبي ، أنا أبو اليمان ، قال : أنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني علي بن حسين ، أن المسور بن مخرمة أخبره أن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل ، وعنده فاطمة ... قال : فنزل علي عن الخطبة .
           عبدالله ، قال : حدثني أبي ، قال : أنا عبدالرزاق ، قال : أنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، وعن أيوب ، عن ابن أبي مليكة : أن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل ، حتى وعد النكاح ... فسكت علي عن ذلك النكاح وتركه .
           عبدالله ، قال : حدثني أبي ، أنا وهب بن جرير ، أنا أبي ، قال : سمعت النعمان يحدث عن الزهري ، عن علي بن الحسين ، عن المسور بن مخرمة ، أن علياً خطب ...
            ثم انتقى بعض المسانيد والمعاجم التي ذكرت هذه الرواية لنفس الغرض الذي اختار من أجله مصنف ابن أبي شيبة ، وقد اختار منها ما يلي دون أدنى اعتبار لفقدان أسانيدها ، فيقول :
           روى الهيثمي ، عن ابن عباس ( مباشرة دون ذكر الإسناد !! ) : أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطب بنت أبي جهل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت تزوجتها ؛ فرد علينا ابنتنا . ( أقول :هذه الرواية باطلة ) .
           وروى ابن حجر العسقلاني ، عن علي بن الحسين : أن علي بن أبي طالب أراد أن يخطب بنت أبي جهل ، فقال الناس : أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد من ذلك ؟ فقال ناس : وما ذلك ؟ إنما هي امرأة من النساء ، وقال ناس : ليجدن من هذا ، يتزوج ابنة عدو الله على ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فما بال أقوام يزعمون أني لا أجد لفاطمة ، وإنما فاطمة بضعة مني ، إنه ليس لأحد أن يتزوج ابنة عدو الله على ابنة رسول الله . هذا مرسل ، وأصل الحديث في الصحيحين .
           وروى المتقي ، عن الشعبي ، قال : جاء علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن ابنة أبي جهل ، وخطبتها إلى عمها الحارث بن هشام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عن أي بالها تسألني ؟ أعن حسبها ؟ قال : لا ، ولكن أريد أن أتزوجها ، أتكره ذلك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنها فاطمة ، بضعة مني ، وأنا أكره أن تحزن أو تغضب . فقال علي : فلن آتي شيئاً ساءك . ( أقول : هذه الرواية باطلة ) .
           عن ابن أبي مليكة : أن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل ، حتى وعد النكاح ، فبلغ ذلك فاطمة ، فقالت لأبيها : يزعم الناس أنك لا تغضب لبناتك ، و هذا أبو الحسن قد خطب ابنة أبي جهل ، وقد وعد النكاح ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً ، فحمد الله وأثنى بما هو أهله ، ثم ذكر أبا العاص بن الربيع ، فأثنى عليه في صهره ، ثم قال : إنها فاطمة ، بضعة مني ، وإني أخشى أن تفتنوها ، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله تحت رجل ، فسكت عن ذلك النكاح وترك .
            وبعد ذلك ابتدأ نظراته العمياء في أسانيد هذا الحديث فيقول :     ( استعرضنا طرق هذا الحديث في الصحاح والمسانيد وغيرها ، فوجدنا أنها تنتهي إلى :
           1 – المسور بن مخرمة .
           2 – عبدالله بن العباس . أقول : كلها ضعيفة .
           3 – علي بن الحسين .
           4 – عبدالله بن الزبير .
           5 – عروة بن الزبير .
           6 – محمد بن علي بن أبي طالب .
           7 – سويد بن غفلة . أقول : الروايات عن سويد بن غفلة شاذة .
           8 – عامر الشعبي . أقول : وكذلك روايات الشعبي شاذة لأنه يرويها عن سويد بن غفلة .
           9 – ابن أبي مليكة  ) .
 
           أولاً : روايات ابن عباس رضي الله عنهما .
           كان غباء من المؤلف مناقشة هذه الأسانيد ، لأنه لم يذكرها أولاً بسند متصل ، وثانياً : أنها ضعيفة كلها ، لورود عبيدالله بن تمام في أسانيدها ، والحمد لله الذي جعل أهل السنة والجماعة يعرفون سبب ضعف كل حديث ضعيف ، بحيث يعطون سبباً مقنعاً واضحاً للتضعيف ، وليس حالهم – والحمد لله على نعمة الهداية – كحال من يضعفون بالمزاج .
           أما قول المؤلف الأمين وما هو بأمين عن عبيدالله بن تمام : ( ذكره ابن حجر ، وذكر هذا الحديث من مناكيره ) ، محاولاً إيهام القارئ بأن ابن حجر يرى أن هذا الحديث من وضع عبيدالله بن تمام ، بينما ابن حجر كان يرمي إلى اللفظة الواردة فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رد علينا ابنتنا ) ، حيث تفرد بها عبيدالله بن تمام عن بقية الحفاظ ، فعد ابن حجر هذه الزيادة من مناكيره ، لا أن الحديث بأكمله من المناكير .
            أحاديث علي بن الحسين :
           أيضاً الحديث في الأسانيد التي تصل إلى علي بن الحسين ضياع في الوقت ، لأنها كلها وردت عن طريق الإمام الثقة الحافظ الزهري ، والذي ستعرف نبأه بعد قليل .
            أحاديث عبدالله بن الزبير رضي الله عنه :
           قال الميلاني : ( رواه الترمذي ، وأحمد ، والحاكم ، وأبو نعيم في حلية الأولياء ، عن أيوب السختياني عن ابن أبي مليكة عنه ) ، ثم ذكر أن ابن أبي مليكة روى هذا الحديث عن ابن الزبير وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما ، ثم يقول : ( إن كان ( يقصد ابن الزبير رضي الله عنه ) قد سمعها من المسور ؛ فسنتكلم على حديث مسور بالتفصيل ، وإن كان هو الراوي للحديث بأن يكون قد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو طفل – لأنه ولد سنة إحدى من الهجرة – فحالة في البغض لعلي وأهل البيت بل للنبي نفسه معلوم ) .
           فأولاً أقول : من الأدب الذي يجب التزامه مع النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلى عليه عند ذكره ، في حين نرى الشيعة يلتزمون هذا الأدب على الدوام فقط مع أئمتهم ، حتى في نقولاتهم ، دون أدنى اعتبار لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث نجد هذا الميلاني ينقل النقولات عن كتب أهل السنة والجماعة والتي فيها الصلاة على رسول الله ، فيضيف إلى كل واحدة منها بين قوسين لفظ ( وآله ) ، في حين أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عنده يمر مرور الكرام .
           ثانياً : هذا الميلاني البحاثة لا يدري متى وقعت القصة المذكورة ، وقد وقعت قرابة السنة الثامنة للهجرة ، وقد كان عمر ابن الزبير رضي الله عنه وقتها قد تجاوز السابعة حتماً ، أي أنه مميز ، وأن الصلاة وجبت عليه ، وأنه أصغر بقليل جداً من عمر محمد الجواد عندما انتقلت إليه الإمامة العظمى والقوامة الكبرى على أمة محمد صلوات ربي وسلامه عليه بعد وفاة أبيه ، وأقل أيضاً بقليل من عمر فاطمة رضوان الله عليها ( على رواية الشيعة ) عندما تزوجت علياً رضي الله عنه ، وخُطَبها ( البليغة ) المزعومة قبيل زواجها وبعيده منتشرة في كتب الشيعة ، وكذلك كان عمر ابن الزبير رضي الله عنه أقل بقرابة السنتين عن عمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند إسلامه ، وعند واقعة الإنذار يوم الدار الموضوعة ، والتي عينه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصياً له ، وخليفة على أمته من بعده !!!! بل إن عمْر ابن الزبير رضي الله عنه عند وقوع الحادثة أكبر بما يزيد عن السنتين عن عمر المهدي المزعوم المنتظر عند تولية الإمامة العظمى بعد أبيه ، حيث كان ( طفلاً ) في الخامسة من العمر ، ومع ذلك فكونه في الخامسة من العمر ( في نظر الشيعة ) لا يمنع أن يقود أمة كاملة هي آخر الأمم ، وأن يكون آخر الأوصياء !! بينما يستكثرون على ابن السابعة أن يروي قصة وقعت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أكثر القصص التي في مخيلة كل شخص منا عن مرحلة الطفولة التي مر بها ، وكم يذكر كل منا من القصص التي مرت به أثناء طفولته كما يذكر اسمه واسم أبيه .
           ثالثاً : قول هذا المفتري عن ابن الزبير رضي الله عنه ( فحاله في البغض لعلي وأهل البيت بل للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) نفسه معلوم ) ؛ فأقول :
والدعاوى ما لم يقيموا عليها                         بينات أصحابها أدعياء
            روايات عروة بن الزبير :
           وقد أورده أبو داود عن الزهري عنه ، وقال عبقري الحديث الميلاني عن هذا الإسناد : ( وهو [ منكر ] لأنه مرسل ) !!!!!!! والحمد لله الذي جعل أعداء الإسلام حمقى لا يفرقون بين المرسل والمنكر ، بل يجعلون مراسيل إمام من كبار أئمة التابعين كعروة , وفقهياً من فقهاء المدينة السبعة : مناكير !!! على أن عامة مراسيل عروة بن الزبير رحمه الله كانت عن طريق خالته أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها ، وقد وصلها العلماء في كتبهم التي رجع هذا المحقق النزيه إليها ، ولكنه لم يكن نزيهاً في فهمها ، فما الضير على أعلام السنة وآثارها من ذلك كله ؟؟! وهذا كله مع أن الحديث موصول عن ابن الزبير ، وعن المسور بن مخرمة رضوان الله عليهما ، فما حديث عروة إلا متابع لتلك الأحاديث الموصولة ، وسنوضح ذلك في موضعه .
           ثم يطعن في سند هذا الحديث كلياً متهماً عروة بن الزبير بعدائه لعلي بن أبي طالب ، مع أن عداء علي بن أبي طالب أو أبنائه ليس مسقطاً للعدالة لا عند السنة ولا عند الشيعة !!
           وقد استنتج العلامة البحاثة عداء عروة بن الزبير لعلي بن أبي طالب ؛ بل وشهرة هذه العداوة والبغض بينهما على عدة أمور :
           أولها : أنه حضر يوم الجمل مع أصحابه على صغر سنه ، وعزا ذلك إلى تهذيب التهذيب لابن حجر .
           ثانيها : وضعه حديثاً في فضل زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
           ثالثها : خبر له مع الزهري .
            ولعلنا نتطرق بشيء من التفصيل لهذه الاستشهادات النيرة :
           فأولها : أنه حضر يوم الجمل مع أصحابه على صغر سنه ؛ فأرى من المناسب جداً أن نذكر ترجمة عروة بن الزبير رحمه الله من نفس المرجع الذي رجع إليه هذا الكاذب ، لنرى ماذا قال ابن حجر بالضبط عن عروة :
           قال ابن حجر رحمه الله في كتابه الشهير : تهذيب التهذيب ، في الترجمة رقم 5347 : ع ( ويعني بهذا الحرف أن أصحاب الكتب الستة قد رووا عن عروة ) : عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي الأسدي ، أبو عبدالله المدني .
           روى عن : أبيه ، وأخيه عبدالله ، وأمه أسماء بنت أبي بكر ، وخالته عائشة ، وعلي بن أبي طالب ... إلى أن قال : وخلق كثير .
           وعنه : أولاده عبدالله ، وعثمان ، وهشام ، ومحمد ، ويحيى ، وابن ابنه عمر بن عبدالله بن عروة ، وابن أخيه محمد بن جعفر بن الزبير ، وأبو الأسود محمد بن عبدالرحمن بن نوفل يتيم عروة ، وحبيب مولاه ، وزميل مولاه ... والزهري ... وآخرون .
           ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من أهل المدينة ، وقال : كان ثقة كثير الحديث فقيهاً عالماً ثبتاً مأموناً ، وقال العجلي : مدني تابعي ثقة ، وكان رجلاً صالحاً لم يدخل في شيء من الفتن ، وقال ابن شهاب : كان إذا حدثني عروة ثم حدثني عمرة صدق عندي حديث عمرة حديث عروة ، فلما بحرتهما إذا عروة بحر لا ينزف ، وقال يحيى بن أيوب عن هشام بن عروة : كان أبي يقول : إنا كنا أصاغر قوم ، ثم نحن اليوم كبار ، وإنكم اليوم أصاغر ، وستكونون كباراً ، فتعلموا العلم تسودوا به ، ويحتاجوا إليكم ، فوالله ما سألني الناس حتى نسيت ، وقال ابن عيينة عن الزهري : كان عروة يتألف الناس على حديثه ، وقال هشام عن أبيه : لقد رأيتني قبل موت عائشة بأربع حجج أو خمس حجج وأنا أقول : لو ماتت اليوم ما ندمت على حديث عندها إلا وقد وعيته ، وقال قبيصة بن ذؤيب : كان عروة يغلبنا بدخوله على عائشة ، وكانت عائشة أعلم الناس ، وعده أبو الزناد في فقهاء المدينة السبعة مع مشيخة سواهم من أهل فقه وفضل ، وقال خالد بن نزار عن ابن عيينة : كان أعلم الناس بحديث عائشة : عروة ، وعمرة ، والقاسم ، وقال ابن أبي الزناد عن عبدالرحمن بن حميد عن عبدالرحمن بن عوف عن أبيه : لقد رأيت الأكابر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنهم ليسألونه من قصة ذكرها ، وقال ابن أبي الزناد : قال عروة : كنا نقول : لا نتخذ كتاباً مع كتاب الله ، فمحوت كتبي ، فوالله لوددت أن كتبي عندي ، وأن كتاب الله قد استمرت مريرته ، وقال معمر عن هشام : إن أباه كان حرق كتباً فيها فقه ، ثم قال : لوددت أني كنت فديتها بأهلي ومالي ، وقال ضمرة عن ابن شوذب : وقعت في رجله الأكلة ، فنُشرت ، وكان يقرأ ربع القرآن نظراً في المصحف ثم يقوم به الليل ، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله ( أقول : أين عروة من شرابي الخمور من ثقات الشيعة ؟؟!! أو من زناة المتعة من شيوخهم ورواتهم ؟؟!! ) .
           وقال ابن عيينة عن هشام : خرج عروة إلى الوليد ، فخرجت برجله أكلة ، فقطعها ، وسقط ابن له عن ظهر بيت له ، فوقع تحت أرجل الدواب ، فوطئته ، فقال : لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ، اللهم إن كنت أخذت ، لقد أعطيت ، وإن كنت ابتليت ، لقد عافيت ، وقال حفص بن غياث عن هشام عن أبيه : إذا رأيت الرجل يعمل السيئة فاعلم أن لها عنده أخوات ، وإذا رأيته يعمل الحسنة فاعلم أن لها عنده أخوات ، وقال ابن أبي الزناد عن هشام : ما سمعت أبي يقول في شيء قط برأيه ، وقال أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه : ((( رُددت أنا وأبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام من الطريق يوم الجمل ، استصغرنا )))) . قال خليفة : في آخر خلافة عمر ، سنة (23) ولد عروة بن الزبير ، ثم تكلم عن تاريخ ولادته ووفاته ... إلى أن قال : وقال معاوية بن صالح ، عن يحيى بن معين في تسمية تابعي أهل المدينة ومحدثيهم : أبو بكر بن عبدالرحمن ، مات سنة (94) ، وعروة بن الزبير ، وسعد ، وعلي بن الحسين ، وكان يقال لها : سنة الفقهاء ، وقال ابن أبي خيثمة : ((( كان يوم الجمل ابن ثلاث عشرة سنة فاستصغر ))) ، ومات سنة أربع أو خمس وتسعين ... إلى أن قال ابن حجر : وقال ابن حبان في الثقات : كان من أفاضل أهل المدينة وعلمائهم ... إلى آخر ما ذكره ابن حجر رحمه الله في ترجمته الزكية العطرة .
           ولا أدري والله من أين فهم الميلاني أن عروة قد شهد موقعة الجمل ؟؟؟ ولكن لعله يقرأ شيئاً بين السطور مما يلبسه عليه قرناؤه من شياطين الجن ومردتهم ، والله أعلم .
           وقد روى الحاكم في المستدرك : حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا يحيى بن معين ، عن هشام بن يوسف ، عن عبدالله بن مصعب ، قال : أخبرني موسى بن عقبة ، قال : قال علقمة بن وقاص الليثي : لما خرج طلحة والزبير وعائشة .... فعرضوا من معهم بذات عرق ، فاستصغروا عروة بن الزبير وأبابكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ، فردوهما !!
           ثاني هذه التهم الباطلة : يقول المبطل المعاجز الميلاني : ( ووضع حديثاً في فضل زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيه : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هي خير بناتي ) . فبلغ ذلك علي بن الحسين رحمه الله فانطلق إليه فقال : ما حديث بلغني عنك أنك تحدثته تنتقص حق فاطمة ؟! ) فقال : لا أحدث به أبداً . قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح ) .
           فأقول : هذا الحديث صححه الحاكم الذي يعتد الشيعة كثيراً بتصحيحاته للأحاديث ، لأنه متساهل جداً في الحكم على الأحاديث بالصحة ، فما الذي جعل الشيعة يفزعون من تصحيحه لهذا الحديث ؟؟ ألأنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض ؟ أم ماذا ؟
           كما أن هذا الحديث مروي عن يزيد بن عبدالله بن الهاد ، عن عمر بن عروة بن الزبير ، ولم يذكر يزيد بن عبدالله بن الهاد فيمن روى عن عمر بن عروة ، ولم يذكر عمر بن عروة بن الزبير فيمن روى عنهم يزيد بن عبدالله بن الهاد ، فضلاً عن أن يزيد بن عبدالله بن الهاد لم يرو إلا هذا الحديث عن عمر بن عروة بن الزبير ، وليس له رواية أخرى عنه في الكتب المعتبرة ، وكان الأحرى بالميلاني أن يأخذ هذا في اعتباره عند انتقاده للروايات .
           ثم ما هو المسوغ للميلاني المكابر أن يرمي هذا الحديث بالوضع ؟؟ ولماذا يكون عروة بالذات هو واضع الحديث ؟؟ إن حال عروة أفضل بكثير من حال من دونه من وردوا في هذا الإسناد ، فلماذا يرمى أوثق رجال الإسناد بوضع الحديث ؟؟؟ وممن ؟؟ من النكرة الميلاني !! فياللعجب !!
           وعموماً ؛ فالحديث صحيح ، والمعنى المقصود من لفظ ( هي خير بناتي ) كما ذكر ذلك شراح هذا الحديث الذين رجع إليهم بالطبع هذا الميلاني الخائن : أي من خير بناتي ، وهذا لفظ واضح يرد في روايات الشيعة كثيراً ، حيث رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ، وحاشا صلوات ربي وسلامه عليه أن يقول هذا : ( علي خير البشر ، من أنكر ذلك كفر ) ، وهذا الحديث مشهور جداً في كتب الشيعة ، فهل هو أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أو من الأنبياء ؟؟
ثم ما رأي الميلاني في حديث الطائر الذي دافع عنه بكل قوة كي يطعن في أنس بن مالك رضي الله عنه في رسالته التي يطعن فيها في أسانيد إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه الناس في الصلاة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي يزعم الميلاني أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه : ( اللهم أئتني بأحب خلقك إليك ) يعني علياً ؟؟!!
           بل إن هذا المعنى قد جاء في الأحاديث التي اتفق عليها السنة والشيعة ، حيث يقول صلى الله عليه وسلم : ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) ، فهل سيبعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة كهلاً هرماً حتى لا يكون الحسن والحسين أسياداً عليه ؟؟ أم ماذا ؟؟ وإن قال الميلاني : إن الشباب المقصود : هو من مات شاباً من أهل الدنيا ، قلنا : الحسن توفي بعد أن قارب الخمسين , والحسين تجاوزها بكثير رضوان الله عليهما ، وإن قال الميلاني : إن المقصود أنهما عند قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث كانا شباباً ، قلنا : كانا أطفالاً ، إضافة إلى أن المعنى يؤول في النهاية إلى أنهما من خير شباب أهل الجنة ، وهو المعنى الذي ذكرناه له في البداية ، فأبى إلا أن يتعب نفسه حتى يصل إلى النقطة التي بدأنا منها .
           وأما التعليل الذي يذكره شراح الأحاديث ؛ فهو أن زينب رضوان الله عليها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت في ذلك الوقت أفضل من فاطمة ، ثم فضلت فاطمة بما وصلت إليه من المقامات عليها .
           ثم ألا يعد الميلاني المائل عن الحق هذه الرواية فضيلة لعروة بن الزبير ، حيث امتنع عن التحديث بهذا الحديث وتابعه من بعده من تلاميذه تقديراً لعلي بن الحسين ولفاطمة رضي الله عنها ؟؟ أم أنه الفكر الشيعي البغيض الذي يقلب المناقب مثالب ؟؟
           ثم ما رأي الميلاني بهذا الحديث الذي رواه الحاكم حيث قال : أخبرنا أحمد بن جعفر ، ثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل ، قال : وجدت في كتاب أبي بخط يده : ثنا سعيد بن إبراهيم بن سعد ، ويعقوب بن إبراهيم ، قالا : ثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن أبي شهاب ، عن عروة قال : قالت عائشة لفاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أبشرك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سيدات نساء أهل الجنة أربع : مريم بنت عمران ، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخديجة بنت خويلد ، وآسية ؟؟!!
           والذي أراه أن هذا الحديث يقض مضاجع الرافضة بشكل غريب ، ولذلك لا نراهم يستشهدون به أبداً ، وذلك لأن جميع روايات هذا الحديث على كثرتها تؤول إلى : ابن عباس ، وأبي هريرة ، وأنس بن مالك ، وعائشة ، وكل هؤلاء عدا ابن عباس يعدهم الشيعة من أعداء علي بن أبي طالب وفاطمة رضوان الله عليهم أجمعين ، في حين أن جميع الروايات التي عن ابن عباس رضي الله عنهما هي من رواية مولاه عكرمة الذي يعده الشيعة من أوائل النواصب المعادين لأهل البيت !!! وقد روى الزهري هذا الحديث عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين ، ورواه أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عن الجميع ، وحال الزهري وعروة عن الشيعة أنهما من أشهر أعداء علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ظن الشيعة !! ولا يوجد طريق صحيح في كتب السنة لهذا الحديث يخلو إسناده من أحد هؤلاء الأعداء الذين يروون فضائل أعدائهم بكل جلد إلا فيما ندر !!
           ثالث هذه التهم : الخبر المروي عنه مع الزهري ، وسيأتي في موضعه عند الحديث عن الزهري .
            روايات محمد بن علي :    وهذا الإسناد مرسل ، ولكنه مرسل قوي ، وفي غيره من الأحاديث الموصولة غنى عنه ، ولكن أحببت تفنيد بعض الهرطقات التي ذكرها الميلاني عند تعرضه لهذه الروايات ، حيث يقول : ( وقد ذكر محقق الفضائل في هامشه : إنه مرسل ، ومحمد بن الحنفية لم يسنده . قلت : وذلك لأن عمرو بن دينار لم يسمع من محمد بن علي ( هكذا ، وانظر كيف استنتج الميلاني ذلك ) ، ولذا لم يذكروا محمداً فيمن روى عنه عمرو ، بل نصوا على عدم سماعه من بعض من عُدّ منهم ( حاول عزيزي القارئ أن تفسر لنا هذه الجملة ) ، فابن عباس مثلاً أول من ذكره ابن حجر فيمن روى عنه ، ثم نُقل عن الترمذي أنه قال : قال البخاري : لم يسمع عمرو بن دينار حديثه عن عمر في البكاء على الميت . قال ابن حجر : قلت : ومقتضى ذلك أن يكون مدلساً ) . انتهى كلام الميلاني العجيب .
           وأقول : إن في مقولة البخاري رحمه الله دليل واضح على أن عمرو بن دينار قد روى عن محمد بن الحنفية ، حيث لم ينف البخاري جميع روايات عمرو بن دينار عن محمد بن الحنفية ، وإنما نفى روايته حديث البكاء على الميت ، ففهم الميلاني الغبي أن البخاري ينفي رواية عمرو عن ابن الحنفية ، ولو رجع الميلاني البحاثة قليلاً إلى كتاب الكاشف في الترجمة 5063 ، وإلى كتاب تهذيب التهذيب في الترجمة رقم 588 ، وهما ترجمة محمد بن الحنفية رحمه الله ، لوجد أن كليهما يذكر أن عمرو بن دينار ممن روى عن محمد بن الحنفية ، ولست أشك في أن الميلاني قد اطلع على هذا كله ، فهو كثيراً ما يحيل على التهذيب والكاشف ، مما يدل على مراجعته لترجمة جميع الرواة المذكورين في هذين الكتابين فضلاً عن غيرهما ، ولكنه كتم ما وجده ، وحاول صرف القارئ بهرطقاته التي يهزأ بها حمقى الأعاجم ، ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ، فلعنة الله على الكافرين ) .
           والمصيبة الكبرى أن الإمام البخاري رحمه الله يروي في صحيحه بالإسناد عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن أبي طالب ، حيث روى في الحديثين 2174 و6693 عن علي بن عبدالله ، عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن علي ، وفي الحديث 2537 عن إبراهيم بن موسى ، عن هشام ، عن ابن جريح ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن علي ، وفي الحديثين 3982 و5204 عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن علي ، وفي الحديث 5201 عن مسدد ، عن حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن علي ، فمتى نفى البخاري روايات عمرو عن ابن الحنفية ؟؟!
           بل الأدهى من ذلك وأمرّ : أن روايات عمرو بن دينار عن ابن الحنفية لم ينفرد البخاري بروايتها ؛ بل رواها البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي في السنن الصغرى والكبرى ، والدارمي ، وابن حبان ، وأحمد في المسند ، وسعيد بن منصور في سننه ، وعبدالرزاق ، وابن أبي شيبة في مصنفيهما ، والبيهقي في سننه ، والطبراني في الأوسط !!!! كل هؤلاء الأعلام يروون هذا الإسناد في حين يقول نكرة الرجال : لم يرو عمرو بن دينار عن محمد بن علي !!
           ويقول في آخر كلامه عن ابن الحنفية رحمه الله : ( ومحمد بن علي عليه السلام لم يكن من الصحابة ، وقد تزوج أمير المؤمنين عليه السلام بأمه بعد وفاة الزهراء عليها السلام بزمن ) ، وأقول : كذب من قال إنها كانت زوجة ، وإنما كانت سبياً من سبي بني حنيفة عند قتالهم أيام الردة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أمضى علي حكم أبي بكر رضي الله عنهما ، وعد خلافته خلافة شرعية ، ولم يكن مخالفاً له ، بل كان أحد رعاياه ، يأتمر بأمره ، ويصلي وراءه ، ويجاهد بجهاده ، بل ويأخذ السبي الذي ينتج عن الحروب التي تقوم في عهده ، وأم محمد بن الحنفية خير شاهد ، وأرجو ألا يخرج علينا الميلاني في يوم من الأيام يزعم أن أم محمد بن الحنفية لم تكن من السبي الذي أتى في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وما ذاك عن الميلاني بغريب بعد كل ما فعله في رسائله !!
           وقبل أن نغادر روايات محمد بن الحنفية أقول : ألم يكن خيراً للميلاني أن يسكت عن الطعن في رواة الإسلام ، وأن يكتفي بأن يقول عن هذا الحديث مرسل ، ويوفر على نفسه عناء البحث والكتابة ، وعلينا عناء فضحه على رؤوس الأشهاد ، وبيان تدليسه وتلبيسه ؟؟!!
            روايات سويد بن غفلة رضي الله عنه : أخرجه الحاكم في مستدركه وصححه ، وقال عنه الذهبي في تلخيصه : ( مرسل قوي ) ، وذلك لأن سويداً لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه قدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه متابع لغيره من الأحاديث الموصولة الصحيحة ، فهو في حكم الصحيح بهذا الاعتبار ، لا باعتبار تفرده .
           ولكن يقول الميلاني : ( فالعجب من الحاكم كيف صححه ؟! ) ، وأقول : الصحة المقصودة هي الصحة فيما بين الحاكم ، وسويد بن غفلة رضوان الله عليه ، لأن الحديث موصول بطرق أخرى ، فمعظم متنه صحيح ، فلم العجب .
قصة قصيرة : يقال أن أحدهم حدث أمام الناس فقال : حدثني أبي عندما كنت صغيراً أن علي بن أبي طالب تزوج من فاطمة الزهراء رضوان الله عليهما في المدينة ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد هاجر من مكة إلى المدينة قبل ذلك ، فقال له أحد الناس : ما ذكرته صحيح لا غبار عليه . فتعجب ( نكرة ) من الناس من هذه المقولة ، فهز رأسه طويلاً ، ثم نهق بينهم قائلاً : ( ياللعجب من هذا الشخص ، كيف صحح حديثاً مقطوع الإسناد ) !!!
ويقول الميلاني أيضاً مواصلاً دهشته العظيمة : ( ومن الذهبي أيضاً ، إذ يرويه عن أحمد بسنده عن الشعبي عن سويد بن غفلة ... ساكتاً عنه ) ، فأقول : لم يسكت عنه ، وإنما ذكر أنه مرسل قوي ، والعبارة واضحة لكل شخص متوسط الذكاء ، أما من كان دون ذلك فعليه مراجعة القصة القصيرة السابقة .
ولكن يجب التنبيه إلى أمر هام ، ألا وهو أن هذه الرواية وإن رأى العلماء أنها صحيحة ؛ إلا أن الاعتبار الأول لتصحيحها هو متابعتها للروايات الصحيحة في بعض ما جاءت به ، أما ما ذكرته هذه الرواية من أن علي بن أبي طالب استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح فزيادة باطلة ، وتصحيح العلماء لهذا الحديث إنما هو مقتصر على ما تابع فيه غيره من الأحاديث الصحيحة ، وأما ما شذ فيه عما سواه فمردود .
           روايات عامر الشعبي :     أقول : الحكم على روايات الشعبي تماماً كالحكم على روايات سويد بن غفلة رضي الله عنه ، حيث يحكم بصحة ما وافق غيره فيها ، ويترك ما عدا ذلك .
           ثم تطرق الميلاني إلى شخصية الشعبي قادحاً فيها ، فيقول : ( هذا بغض النظر عن قوادح الشعبي ، والتي أهمها كونه من الوضاعين على أهل البيت ، فقد رووا عنه أنه قال : « صلى أبو بكر الصديق على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكبر عليها أربعاً » ( انظر طبقات ابن سعد 829 ) ، وأنه قال : « إن فاطمة لما ماتت دفنها علي ليلاً ، وأخذ بضبعي أبي بكر فقدمه في الصلاة عليها » ( انظر كنز العمال 13/687) ، فإن هذا كذب بلا ريب ، حتى اضطر ابن حجر إلى أن يقول : « فيه ضعف وانقطاع » ) .
           وأقول : لله الحمد والمنة أنه لم يكل حفظ علوم الحديث لهذا الميلاني التائه ، فيأتينا نابزاً قرنه بحديث موضوع يتهم فيه الشعبي بوضعه ، وليته قبل أن يهرف بما لا يعرف قام بالبحث عن أسانيد هذا الخبر الذي رواه البيهقي عن أبي عبدالله الحافظ ، عن أبي بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة القاضي ، عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن عون بن سلام ، عن سوار بن مصعب ، عن مجالد ، عن الشعبي ، لأنه لو علم أن مجالد كان رديء الحفظ يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ، وأنه لا يجوز الاحتجاج به ، وأن سوار بن مصعب كان ممن يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يظن الناس أنه كان المعتمد لها ؛ لما تجرأ على اقتحام اللجة واتهام الشعبي بوضع الأحاديث ، خاصة أن في الإسناد من لا يعرف ، وأن فيه ضعفاً وانقطاعاً كما ذكر ابن حجر ، وذلك في رواة الإسناد بين البيهقي والشعبي ، علماً بأن حجر يقول عن الشعبي في تقريب التهذيب في الترجمة رقم 3092 : ( عامر بن شراحيل الشعبي ، بفتح المعجمة ، أبو عمرو ، ثقة مشهور فقيه فاضل ، من الثالثة ، قال مكحول : ما رأيت أفقه منه !! مات بعد المائة ، وله نحو من ثمانين سنة ، روى له الستة ) . فمتى كان الإمام ابن حجر يضعف الشعبي يا مراوغ ؟؟!
           ثم أريد من يفسر لي كيفية نجمع بين قول ابن حجر : ( فيه ضعف وانقطاع ) مع استنتاج الميلاني أن واضع الخبر هو الشعبي ؟؟؟
           ثم يقول وما أعجب ما قاله : ( وكونه من حكام وقضاة سلاطين الجور : كعبدالملك بن مروان وغيره ، المعادين لأهل البيت الطاهرين ، وأنه روى عن جماعة كبيرة من الصحابة ، وفيهم من نصوا على أنه لم يلقهم ، ولم يسمع منهم ؛ كعلي عليه السلام ، وأبي سعيد الخدري ، وزيد بن ثابت ، وعبدالله بن عمر ، وأم سلمة ، وعائشة ! ) ، وأقول : إن الشعبي لم يكن حاكماً ولا قاضياً لعبدالملك بن مروان ، وإنما كان قاضياً لعمر بن عبدالعزيز الخليفة الأموي العادل المرضي عنه من قبل الشيعة ، وهذا ما يذكره بكل صراحة العلماء الذين نقل عنهم هذا الميلاني المخادع رواياته أنه أرسل عن كثير من الصحابة رضوان الله عليهم .
ثم متى كان إرسال كبار التابعين مسقطاً للعدالة ؟؟!
           وأما ما ورد في كتب الشيعة من النقولات عن الشعبي فشيء كثير  ولا بأس أن ننقل بعض ما روي في كتاب أعيان الشيعة ، حيث جاء في الجزء الأول ص 331 : ( قال الشعبي : كان ( أي علي بن أبي طالب رضي الله عنه ) أسخى الناس ) ، وفي ص 333 من نفس الجزء : ( استفاض عن الشعبي أنه كان يقول : لقد كنت أسمع خطباء بني أمية يسبون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على منابرهم ، وكأنما يشال بضبعه إلى السماء ، وكنت أسمعهم يمدحون أسلافهم على منابرهم ، وكأنهم يكشفون عن جيفة ) !! ، ويقول في ص 334 : ( وقال الشعبي : ما ندري ما نصنع بعلي بن أبي طالب ، إن أحببناه افتقرنا أي لمعاداة الناس لنا ، وإن أبغضناه كفرنا !! ) ، وقال ص 348 وقد ذكر عنده علي : ( كان أسخى الناس ، كان على الخلق الذي يحبه الله : السخاء والجود ، وما قال لا لسائل قط ) ، وقال في ص 359 : ( ما مات مسروق حتى تاب إلى الله من تخلفه عن القتال مع علي ) ، وغيرها الكثير .
ولكن جاء في ص 366 من الجزء الرابع نقيض ذلك ، حيث جاء فيه عن الشعبي أنه قال لرجل ذكر علي بن أبي طالب عنده : ( أما إن حبه لا ينفعك ، وبغضه لا يضرك ) ، وهذا يدل على انحراف شديد من الشعبي عن علي ع … ) إلى آخر الهراء المكذوب المذكور في ذلك الموضع ، وسبب الحكم عليه بالكذب لأنه من رواية فضيل الرسان ، عن أبي عمرو عمر البزاز ، عن الشعبي ، وكلاهما لم أعثر له على ترجمة وافية في كتب الشيعة ، في حين اكتفى الطوسي بذكرهما من أصحاب جعفر الصادق فقط ، وقد وثق القوم فضيل الرسان لوروده في أسانيد تفسير علي بن إبراهيم القمي ، وفي كامل الزيارات لابن قولويه ، أما البزاز فلا يعرف حاله إلا وروده في رجال الطوسي ، والطريف أن حسن الأمين صاحب كتاب مستدرك أعيان الشيعة يصرح في الجزء الأول ص 128 بقوله : ( إن مجرد ذكر الشيخ الطوسي للراوي في كتاب رجاله لا يدل على كونه إمامياً ، لأن الشيخ لم يلتزم في الرجال بذكر من كان إمامياً ، بل هو بصدد جمع أسماء الرواة عن الأئمة بمجرد عثوره على رواية له عن أحدهم ، فكتابه في الحقيقة فهرس لأسماء الرواة ، من دون نظر له فيه إلى توثيق أو جرح ، ولا إلى تعيين مذهب أو غير ذلك من الاهتمامات الرجالية ، وهذا واضح لمن راجع كتاب الرجال ) !!!
وقد تشدق محسن الأمين بهذه الرواية عدة مرات في كتابه دون التطرق لنقد إسنادها ، في حين أنه قد قام بتأليف كتابه لمعرفة الثقات والضعفاء من الرواة ، وما ترك التطرق لإسنادها إلا لضعفه عنده ، ولكنه كتم ذلك ففضحه الله .
والعجب من محسن الأمين حين يذكر أن الشعبي كان موالياً لبني أمية معادياً لعلي بن أبي طالب وبنيه ، ثم يذكر لإثبات ذلك رواية يتيمة ضعيفة الإسناد ، وبالمقابل يذكر المقولات الكثيرة عن الشعبي التي تمدح أهل البيت وتثني عليهم !!
ثم إن الشعبي كان في الواقع من أعداء بني أمية لا من محبيهم ، فقد كان مع جيش القراء الذين خرجوا على الحجاج حتى كادوا يهلكونه حتى انتصر عليهم ، ثم قتل من قتل منهم وعفا عن الشعبي ، ثم يعلل محسن الأمين ذلك بأن الشعبي كان في بداية حياته موالياً لعلي بن أبي طالب وبنيه ، ثم لما رأى الأموال في أيدي بني أمية انحرف إليهم ، ويعلل عفو الحجاج عنه لأن علم عنه شدة مولاته لبني أمية ، وأقول : كيف تستقيم شدة الموالاة هذه مع خروجه شاهراً سيفه عليهم ؟! ومع مدحه علي ابن أبي طالب وبنيه ؟! ومع سبه ولاة بني أمية قبل خروجه مع القراء وبعده أيضاً ؟! والدليل على هذا ما رواه أيضاً محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة في الترجمة رقم 911 ليحيى بن يعمر ، حيث ذكر قصة للشعبي عندما كان نديماً للحجاج ( أي بعد وقعة القراء ) تثبت محبته للحسن والحسين ، حيث كان النقاش يدور بين يحيى بن يعمر والحجاج في إثبات بنوة الحسن والحسين لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو عدمها ، حتى انتصر يحيى بن يعمر بحجته أخيراً ، والشعبي يتحدث عما يدور في نفسه أثناء نقاشهما مما يبدي محبته لإظهار حجة يحيى بن يعمر على حجة الحجاج !!
وعموماً ؛ فهذه وسائل الشيعة في نقد الرجال : آراء تخمينية ، وبضاعة مزجاة ، واستشهاد بروايات موضوعة ، والمشكلة أنهم يعلمون ضعف أسانيد هذه الروايات التي يحتجون بها ، والمشكلة الأكبر أنهم يحتجون بهذه الروايات الركيكة في مقام نقد وتحليل بعض الروايات المشهورة جداً عند أهل الإسلام كلهم ، أو يحتجون بها في كتبهم الرجالية التي وضعت لنقد الرجال تمهيداً لنقد أسانيد الروايات التي تحتوي على هؤلاء الرجال ، فياللعجب من أناس يبنون ويهدمون بنيانهم قبل اكتماله .
            ثم يقول الميلاني : ( ثم إن الراوي عنه [ أي الشعبي ] زكريا بن أبي زائدة ، قال ابن أبي ليلى : ضعيف ، وقال أبو زرعة : صويلح ، يدلس كثيراً عن الشعبي ، وقال أبو حاتم : لين الحديث كان يدلس ، ويقال : إن المسائل التي كان يرويها عن الشعبي لم يسمعها منه ، وقال أبو داود : يدلس ، وقال ابنه يحيى بن زكريا : لو شئت سميت لك من بين أبي وبين الشعبي ) !! وأقول : إن حال الزبالين جامعي القمامة أفضل حالاً بكثير من حال هذا الميلاني الجائر ، لأن الزبال عندما يدخل إلى الحديقة الغناء ، الوارفة الظلال ، واليانعة الثمار ، والبديعة الأزهار ، لا ينظر إلى شيء من ذلك ، ولا يأبه به ، وإنما تبحث عيناه عن القاذورات والقمائم كي يجمعها ، ولكنه مع ذلك كله ؛ لا يقطع جذع شجرة ، ولا يقطف زهرة ، ولا يدوسها بقدمه كما يفعل هذا الميلاني بأقوال علماء الجرح والتعديل في ترجمة زكريا بن أبي زائدة ، ولننقل ما قاله علماء الجرح والتعديل في ترجمة زكريا بن أبي زائدة من الموضع الذي نقل منه هذا الزبال المهمل ، ألا وهو كتاب تهذيب التهذيب ، حيث يقول ابن حجر رحمه الله في الترجمة 2369 ما نصه :
           ( قال القطان : ليس به بأس ، وليس عندي مثل إسماعيل بن أبي خالد ، وقال صالح بن أحمد عن أبيه : إذا اختلف زكرياء وإسرائيل ؛ فإن زكرياء أحب إلي في أبي أسحاق ، ثم قال : ما أقربهما ، وحديثهما عن أبي إسحاق لين ، سمعا منه بآخره ، وقال عبدالله عن أبيه : ثقة حلو الحديث ، ما أقربه من إسماعيل بن أبي خالد ، وقال عباس عن ابن معين ( الذي يعده الميلاني عند الطعن في الزهري من كبار علماء الجرح والتعديل ومن شيوخ البخاري ومسلم ، أما عند توثيق زكريا فيضرب بقوله عرض الجدار ) : صالح ، وقال عثمان عنه : زكرياء أحب إلي في كل شيء ، وابن أبي ليلى ضعيف ! ( يعني أن رواية زكرياء تقدم على رواية ابن أبي ليلى عند اختلافهما في الرواية عن شيخ مشترك لهما ، وذلك لضعف ابن أبي ليلى ) ، وقال العجلي : كان ثقة إلا أن سماعه من أبي إسحاق بآخره ، وقال أبو زرعة : صويلح ، يدلس كثيراً عن الشعبي ( أقول : يدخل بينه وبين الشعبي أبا حريز ، وذلك في المسائل فقط لا في الأخبار والأحداث والوقائع ) ، وقال أبو حاتم : لين الحديث ، كان يدلس ، وإسرائيل أحب إلي منه ، ويقال : إن المسائل التي كان يرويها عن الشعبي لم يسمعها منه ، إنما أخذها عن أبي حريز ( وأبو حريز قد وثقه يحيى بن معين المعصوم عن الخطأ في رأي الميلاني ، في حين ضعفه بقية علماء الجرح والتعديل ) ، وقال الآجري عن أبي داود : زكرياء أرفع منه ( يعني من أجلح ) مائة درجة ، وقال أبو داود : وزكرياء ثقة إلا أنه يدلس ، وقال يحيى بن زكرياء : لو شئت سميت لك من بين أبي وبين الشعبي ، وقال النسائي : ثقة .
           وقد تبين لنا هنا كذب الميلاني عندما قال : إن ابن أبي ليلى قال عن زكرياء : إنه ضعيف ، وإن غضب الميلاني من وصمنا إياه بالكذب ؛ فلا مفر من وصمه بتبلد الفهم ، لأن العبارة أوضح من أن تشرح ، بل إن أصلها في كتاب تهذيب الكمال في الترجمة 1992 هو كما يلي : ( وقال عثمان بن سعيد الدارمي : قلت ليحيى بن معين : زكريا أحب إليك أو ابن أبي ليلى ؟ قال : زكريا أحب إلي في كل شيء ، وابن أبي ليلى ضعيف ) !!!!!!
           وأما تدليس زكرياء عن الشعبي فلم يكن إلا في المسائل المذكورة ، ولم يكن في عموم الأحاديث ، فضلاً عن أن رواية زكرياء عن الشعبي قد احتج بها أصحاب الصحاح الستة ، وكذلك الإمام أحمد في المسند ، وفي غيرها أيضاً من الكتب المشهورة ، فكفى بهذا توثيقاً لروايته عنه .
           وعموماً ؛ فالحديث المرسل إذا ورد موصولاً عن طريق آخر ؛ فإن له حكم الموصول ، إذ أن إسقاط الصحابي لا يضر .
           ورواية الشعبي هذه شاذة في ذكر استئذان علي للرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنه يرويها عن سويد بن غفلة ، وكان من الأولى بالميلاني أن يقول عن الرواية : إنها مرسلة ، وكفى .
           وعجبي من تناقضات الميلاني لا ينقضي أبداً ، فهو هنا يضعف الشعبي لأنه في نظره من أعداء علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أو أنه ليس من الشيعة ، ويضعف زكريا بن أبي زائدة ، مع أن الشيعة يعدونه من رجالهم ، وقد ذكره محسن الأمين في أعيان الشيعة ، وزعم أنه زيدي المذهب ، ولا أدري : أين سيوجد رجل يخلو من هذين النقيضين حتى يوثقه الميلاني ؟؟ فلا هو الذي يسير على قواعد أهل السنة والجماعة ، ولا على قواعد الشيعة ، بل إن أسلوبه مزاجي بحت يعتمد على الفقرة التي يكتبها ، وبإمكان مزاجه أن يتغير عدة مرات في كل صفحة يكتبها !!!!!
           ثم يقول الميلاني طاعنا في يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة : ( والراوي عنه : ولده يحيى ، مات بالمدائن قاضياً لهارون ، وقال أبو زرعة : قلما يخطئ ، فإذا أخطأ أتى بالعظائم ، وعن أبي نعيم : ما هو بأهل أن يحدث عنه ) .
           وأقول : قد أطبق علماء الجرح والتعديل على توثيق يحيى بن زكرياء ، وقد أخرج له الستة في صحاحهم ، ووثقه : خالد الأحمر ، والحسن بن ثابت ، وابن عيينة ، والقطان ، ويحيى بن معين ، وعلي بن المديني ، وابن نمير ، وأبو حاتم على تعنته في التوثيق ، والنسائي ، والعجلي ، ووكيع ، وإسماعيل بن حماد ، وعيسى بن يونس ، وزياد بن أيوب ، ويعقوب بن شيبة ، وأبو زرعة .
           وأما مقولة أبي زرعة : ( قلما يخطئ ، فإذا أخطأ أتى بالعظائم ) ؛ فهي مدح له ، لأنه ذكر عنه أنه قلما يخطئ ، إلا أن خطأه يكون فادحاً عند وقوعه ، وقد تتبع العلماء أخطاءه ، فذكروا أنه لم يخطئ إلا في حديث استدركه عليه يحيى بن معين ، وحديث آخر استدركه أبو زرعة نفسه ، ولم يستدرك عليه الحفاظ غيرهما ، والحديثان محفوظان ، الأول : عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن قبيصة بن برمة ، وإنما هو عن واصل ، والثاني : عن يحيى بن سعيد ، عن مسلم بن يسار ، عن ابن عمير في العبث بالحصى ، والحمد لله هذا الحديث ليس منهما .
           وأما مقولة عمر بن شبة التي رواها عنه أبو نعيم ( ما هو بأهل أن يحدث عنه ) ، فقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في المجلد الأول من فتح الباري ص 628 في سياق من علق البخاري شيئاً من أحاديثهم ممن تكلم فيه ، وإيراد أسمائهم مع الإشارة إلى أحوالهم ما يلي : ( يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الكوفي ، قال علي بن المديني : لم يكن بالكوفة بعد الثوري أثبت منه ، وقال النسائي : ثقة ثبت ، وقال يحيى بن معين : لا أعلمه أخطأ إلا في حديث واحد : حديثه عن سفيان عن أبي إسحاق عن قبيصة بن برمة ، وإنما هو عن واصل عن قبيصة . قلت ( أي ابن حجر ) : هذه منزلة عظيمة لهذا الرجل ، وقد احتج به الجماعة ، إلا أن عمر بن شبة حكى عن أبي نعيم أنه قال : ما كان بأهل أن أحدث عنه ، وهذا الجرح مردود ، بل ليس بجرح ظاهر ، والله أعلم .
           وأقول : حتى لو كان جرحاً ؛ فهو مردود بتوثيق بقية علماء الجرح والتعديل ليحيى ، فنترك لفظته المبهمة للمحكم الواضح من أقوال العلماء .
            روايات ابن أبي مليكة : يقول الميلاني : ( وهو يرويه : إما عن المسور ، وإما عن عبدالله بن الزبير ، وإما عن كليهما جميعاً كما احتمل بعضهم ... أما حديث ابن الزبير فساقط بسقوطه نفسه !!!!!!!!! وأما حديث المسور فسنتكلم عليه ) !!!!!!!
هكذا وبكل وقاحة يضعف ابن الزبير ، وتعليقي لن يكون هنا ، وإنما سيكون في محله إن شاء الله .
           روايات الرجل الذي من أهل مكة !!
           قال الميلاني : ( الذي عند أحمد : عن أبي حنظلة ، أنه أخبره رجل من أهل مكة ) ، وأقول : الذي عند الحاكم : ( أبي حنظلة – رجل من أهل مكة - ) ، أي أن لفظة ( رجل من أهل مكة ) تعني أبا حنظلة نفسه ، ولكن الميلاني يريد إيهام القارئ بأن أبا حنظلة غير الرجل الذي من مكة .
           ثم يقول الميلاني : ( ثم إن الراوي عنه بواسطة إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي هو : يزيد بن هارون ... قال يحيى بن معين : ( يدلس من أصحاب الحديث ، لأنه لا يميز لا يبالي عمن روى ) ) ، وأحال المصدر إلى تهذيب التهذيب ، وإذا رجعنا إلى تهذيب التهذيب نجد الميلاني كالعادة كذب في نقله ، وحرف وغير وبدل وانتقى ما يمليه عليه ضميره الميت ، حيث إن ابن حجر ذكر ثناء جميع علماء الجرح والتعديل على يزيد بن هارون قاطبة بلا استثناء ، وروايته موجودة في الكتب الستة ، ولم يقل عنه يحيى بن معين : ( يدلس ) ، وإنما هذه من كيس الميلاني المليء بكل غريب وعجيب ، بل قد قال عنه يحيى بن معين كما في الموضع نفسه : ( ثقة ) !! وقال فيه أبو حاتم على تشدده في توثيق الرجال : ( ثقة إمام لا يسأل عن مثله ) !!! وقال مؤمل بن إهاب : سمعت يزيد يقول : ما دلست إلا حديثاً واحداً عن عون ، فما بورك لي فيه !! فأين هذا التدليس يا مدلس ؟؟!!
           وأما الجملة الصحيحة التي قالها ابن معين فهي : ( يزيد ليس من أصحاب الحديث لأنه لا يميز ولا يبالي عمن روى ) ، وليس فيها طعن بوجه من الوجوه ، لأن معناها أنه يروي عن الثقات وعن الضعفاء ، خاصة أن يحيى بن معين قد وثق يزيد بن هارون ، فلا وجه للطعن ، ولا مكان للحمقى لأن يعرضوا علينا ما فهموه من هذه العبارة . 
         روايات المسور بن مخرمة رضي الله عنه :
           يقول الميلاني : ( لكن الطريق الذي اتفق عليه أصحاب الصحاح كلهم هو الأول ، وهو وحده الذي أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة ) ، وأقول : رواه أيضاً أبو داود ، والترمذي ، وأقول أيضاً : اتفقوا على إخراجه لأنه هو الصحيح الموصول ، وما عداه فتابع وشاهد له ليس إلا .
           ثم ذكر الميلاني أن الروايات عن المسور رضي الله عنه تنتهي إلى : علي بن الحسين ، وابن أبي مليكة رحمهما الله ، وأن الراوي عن علي بن الحسين هو محمد بن شهاب الزهري ، وأن الرواة عن ابن أبي مليكة هم : الليث بن سعد ، وأيوب السختياني رحمهما الله .
           ثم قال : ( ثم إن الدارمي ، والبخاري ، ومسلماً ، وأحمد ، وابن ماجة يروونه عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري ) ، أقول : ويرويه أحمد بن حنبل أيضاً .
           ويقول : ( ويرويه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، وأحمد عن الوليد بن كثير ، عن محمد بن عمرو بن حلحلة ، عن الزهري ) .
           ويقول : ( ويرويه مسلم عن النعمان عن الزهري ) ، وأقول : ويرويه أحمد أيضاً .
           واكتفى بهؤلاء الرواة فقط عن الزهري ، مغفلاً رواية أحمد ، وأبي داود عن معمر عن الزهري لأسباب لا نعلمها .
           ثم يبدأ بالهذيان فيقول : ( ونحن لا يهمنا البحث عن أبي اليمان – وهو الحكم بن نافع – وروايته عن شعيب – وهو ابن حمزة – كاتب الزهري وراويته ، مع أن العلماء تكتموا في ذلك ؛ حتى قال بعضهم : لم يسمع أبو اليمان من شعيب ولا كلمة ، وإن الرجلين كانا من أهل حمص ، وهم من أشد الناس على أمير المؤمنين عليه السلام في تلك العصور ، ويضرب بحماقتهم المثل ، ولا يهمنا البحث عن الوليد بن كثير ، وكان إباضياً ، ولا عن أيوب ، ولا عن الليث الذي كان أهل مصر ينتقصون عثمان حتى نشأ فيهم فحدثهم بفضائل عثمان فكفوا ! ولا عن النعمان – وهو ابن راشد الجزري – الذي ضعفه القطان جداً ، وقال أحمد : مضطرب الحديث ، وقال ابن معين : ضعيف ، وقال البخاري وأبو حاتم : في حديثه وهم كثير ، وقال ابن أبي حاتم : أدخله البخاري في الضعفاء ، وقال أبو داود : ضعيف ، وكذا قال النسائي والعقيلي ، إنما نتكلم في ابن أبي مليكة والزهري )!
           ومقتضى كلامه : أن ضعف هؤلاء المذكورين لا يمثل شيئاً مقابل ضعف الزهري وابن أبي مليكة ، ولكن لننظر في كلامه بالتفصيل :
           فأولاً : هو يقول في بداية هجومه : ( ونحن لا يهمنا – ولا يعنينا ... ) ، يعني أنه يريد الاختصار قدر الإمكان ، ولكنه عند الحديث عن النعمان بن راشد الجزري ؛ حشد أقوال : القطان ، وأحمد ، ويحيى بن معين ، والبخاري ، وأبي حاتم ، وأبو داود ، والنسائي ، والعقيلي !!! وهذا إن دل على شيء ؛ فإنما يدل على عدم عثوره على أي مطعن في الرواة الباقين الذين لا يعنيه الحديث عنهم ، لا أن قصده الاختصار ، ومتى متى والاختصار يكون بحشد جميع ما ذكر ؟؟!!
           والعجب الذي لا ينتهي هو من قوله عن رواية أبي اليمان عن شعيب : ( مع أن العلماء تكتموا في ذلك ، حتى قال بعضهم : لم يسمع أبو اليمان من شعيب ولا كلمة ) !!! فكيف يجتمع التكتم والتصريح ؟؟!! ولكن هذه فريدة من فرائد الميلاني التي خالف بها إجماع الآدميين في التعبير عن الرأي .
           وأما طعنه في رواية أبي اليمان عن شعيب رحمهما الله مستشهداً بقول أبي داود رحمه الله المنقول من كتاب تهذيب التهذيب ؛ فلا بأس أن أعيد ما ذكرته في الرد السابق ، فأقول :
           لننظر في أقوال هؤلاء العلماء الذين ضعفوا رواية أبي اليمان عن شعيب في كتاب تهذيب التهذيب ، كي نعلم مدى الإسفاف والتمويه الذي وصل إليه الميلاني ، فمما قاله ابن حجر رحمه الله نقلاً عن العلماء في ترجمة أبي اليمان ما يلي : ( فكان ابن شعيب يقول : إن أبا اليمان جاءني ؛ فأخذ كتب شعيب مني بعد ، وفي قصة أهل حمص مع شعيب أنه قال لهم : ارووا عني تلك الأحاديث ، وكان ممن حضر أبو اليمان !! وقال أبو اليمان : قال لي أحمد بن حنبل : كيف سمعت الكتب من شعيب ؟ قلت : قرأت عليه بعضه ، وبعضه قرأ علي ، وبعضه أجاز لي ، وبعضه مناولة ، فقال : قل في كله : أخبرنا شعيب !! وعن يحيى بن معين قال : سألت أبا اليمان عن حديث شعيب بن أبي حمزة ، فقال : ليس هو مناولة ، المناولة لم أخرجها لأحد ، وعن أبي زرعة الرازي : لم يسمع أبو اليمان من شعيب إلا حديثاً واحداً ، والباقي إجازة ) ، ومن أبسط البديهيات أن من حفظ حجة على من لم يحفظ ، ومن علم حجة على من لم يعلم ، فهؤلاء كلهم أثبتوا إجازة شعيب لأبي اليمان ؛ ولكن الميلاني رمى بهذه الأقوال كلها في البحر ، واحتج بقول أبي داود فقط !! وهذا هو الإنصاف الذي يطالبنا الشيعة بامتثاله .
           ولو كان الميلاني ممن يعقل ؛ لعلم أن علماء الحديث لم يختلفوا في صحة ما رواه أبو اليمان عن شعيب رحمهما الله حيث قد رواها الستة أصحاب الصحاح ، وإنما الخلاف : هل سمع منه تلك الأحاديث ، أم كانت مناولة ؟؟ والذي وضحه العلماء المنصفون رحمهم الله : أن الرواية كانت بالمناولة ، وقد أذن شعيب لأبي اليمان برواية كتبه عنه ، وكان قول أبي اليمان : حدثنا شعيب مما اصطلح عليه في روايته ، وهذا هو الإشكال الذي تكلم فيه العلماء ، لأنه يقول : حدثنا ، مع أن الواسطة هي الكتب ، فأين المطعن ؟؟؟!!
           وأما قوله : ( وإن الرجلين كانا من أهل حمص ، وهم من أشد الناس على أمير المؤمنين عليه السلام في تلك العصور ، ويضرب بحماقتهم المثل !! ) ويحيل المرجع إلى معجم البلدان لياقوت الحموي ؛ وأقول : كفى بهذه العبارة من الميلاني مضرباً للمثل في الحماقة .
           وذلك أولاً : أن الرجلين ثقات ، وقد روى لهما أصحاب الكتب الستة .
           وثانيا ً: أن عبارة ياقوت الحموي عامة ، وتخصيص الثقة ينفرد عن الحكم العام ، كما أن العبارة قد حددت زمن ياقوت الحموي وليس زمان أبي اليمان ، وشعيب .
           وثالثة الأثافي : أن عبارة ياقوت الحموي في وصفه أهل حمص بالحمق إنما كانت بسبب اعتناقهم لدين الرافضة في عصره ، بعد أن كانوا من أشد الناس على علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صفين ، حيث يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان : ( ومن عجيب ما تأملته من أمر حمص : فساد هوائها وتربتها ، اللذين يفسدان العقل ، حتى يضرب بحماقتهم المثل ، إن أشد الناس على علي رضي الله عنه بصفين مع معاوية كان أهل حمص ، وأكثرهم تحريضاً عليه وجِدّاً في حربه ، فلما انقضت تلك الحروب ، ومضى ذلك الزمان ؛ صاروا من غلاة الشيعة ، حتى إن في أهلها كثيراً ممن رأى مذهب النصيرية ، وأصلهم الإمامية الذين يسبون السلف ، فقد التزموا الضلال أولاً وأخيراً ، فليس لهم زمان كانوا فيه على الصواب ) معجم البلدان (2/304) ، فما رأي الميلاني ببقية كلام ياقوت الحموي الذي أخذ ما يحلو له منه فقط ؟؟
           وقد كانت حلب عاصمة لدولة الحمدانيين الشيعة ؛ فهل يبقى رأي الميلاني على ما هو عليه ؟؟ أم أن الحماقة خاصة بأهل السنة والجماعة من أهل حلب فقط ؟؟
           وعموماً : فحكم الجاني الميلاني هذا يدل على تعنت شديد ، ويدل على مخالفة تامة لما ذكره من نزاهته المزعومة ، وتحريه عن الحق ، وهذا كله فضلاً عن أن رأي ياقوت الحموي رأي شخصي له .
           وأما طعن الميلاني في الوليد بن كثير بأن كان إباضياً ؛ فأقول : ما ضر السحاب ، نبح الكلاب ، وقد قال ابن حجر رحمه الله في مقدمة فتح الباري عن الوليد بن كثير : وثقه إبراهيم بن سعد ، وابن معين ، وأبو داود ، وقال ابن سعد : ليس بذاك ، وقال الساجي : قد كان ثقة ثبتاً يحتج بحديثه ، ((( لم يضعفه أحد ))) ، إنما عابوا عليه الرأي ، وقال الآجري عن أبي داود : ثقة ، إلا أنه إباضي ، قلت ( أي ابن حجر ) : الإباضية : فرقة من الخوارج ليست مقالتهم شديدة الفحش ، ولم يكن الوليد داعية ، والله أعلم . فخذها معك يا ميلاني .
           وأما أيوب السختياني : فثقة ثقة ، ولن يجد الميلاني مهما حاول أي مطعن فيه .
           وأما طعن الميلاني في الليث بأن أهل مصر كانوا ينتقصون عثمان حتى نشأ فيهم ، فحدثهم بفضائل عثمان ، فكفوا ! فهذه من أوابد الميلاني أيضاً ، إذ كل أهل السنة والجماعة يتمنون أن يفعلوا ما فعله الليث بن سعد من نهي الناس عن البدعة ، وإلزامهم بالسنة ، فهل سيقوم الميلاني – رجمه الله – بإسقاط عدالة أهل السنة والجماعة بأجمعهم ؟؟!! لا أظنه يتورع عن فعل ذلك .
           وأما النعمان بن راشد ؛ فقد كان صدوقاً ضعيف الحفظ رحمه الله تعالى ، إلا إن حديثه هذا قد تابعه عليه الثقات ، فلا غبار عليه .
           نعم ، لو تفرد النعمان بن راشد بهذا الحديث ، ولم يروه غيره من الثقات الأثبات ؛ لما قامت لهذا الحديث قائمة ، أما أن يرويه فطاحلة الأسانيد والروايات ، ويتابعهم عليه أمثال النعمان بن راشد ؛ فهذا يزيد حديثه قوة .
           ثم لننظر في القوادح التي أتى بها الميلاني في ابن أبي مليكة والزهري رحمهما الله .
           فيقول الميلاني : ( أما الأول : فيكفينا أن نعلم أنه كان قاضي عبدالله بن الزبير ، ومؤذنه ) ، وأقول : أما علي الرضا ، الإمام المعصوم الثامن عند الشيعة ؛ فيكفينا أن نعلم أنه كان وزير المأمون العباسي ، وزوج ابنته !!!
           إلا أن المقارنة بين ابن أبي مليكة وعلي الرضا مجحفة إلى حد كبير .
           فعبدالله بن الزبير : صحابي جليل ، والمأمون العباسي : فاجر أثيم .
           وعبدالله بن الزبير : من أعيان أهل السنة والجماعة ، والمأمون العباسي : مأوى المبتدعة .
           وعبدالله بن الزبير : يفضل الشيخين على بقية الصحابة ، والمأمون العباسي : نادى بتفضيل علي على الشيخين .
           وعبدالله بن الزبير : لا يقول بخلق القرآن ، والمأمون العباسي : امتحن الناس بالقول بخلق القرآن ، وهو بدعة مكفرة .
           وعبدالله بن الزبير : لم يزوج ابنته زواجاً سياسياً من عالم كي يقترف المحرمات باسمه ، والمأمون العباسي : زوج ابنته من علي الرضا ، فنال بذلك تصريحاً لفعل ما يريد في نظر الشيعة .
           فكيف يكون علي الرضا إماماً معصوماً ، وابن أبي مليكة ساقطاً مذموماً ، مع أن فعلهما واحد ؟؟؟!!!
           مالكم كيف تحكمون !!!
           وقد قال ابن سعد في ابن أبي مليكة : كان ثقة كثير الحديث ، وقال العجلي : مكي تابعي ثقة .
           فيتبين بوضوح : أن طعن الميلاني في ابن أبي مليكة قائم على رأي الشيعة فقط ، ومتى كان لرأيهم اعتبار في الحكم على أحاديث أهل السنة ؟؟ 
           ثم لننظر في طعونه الكثيرة في الإمام الحجة الثبت الزهري ، حيث يقول فيه الميلاني : ( إن الزهري كان من أشهر المنحرفين عن أمير المؤمنين وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام ) !! ولننظر جميعاً في الأدلة القوية التي استدل بها على هذه النتيجة المزعومة !
           وأول هذه الأدلة : نقله من كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الشيعي المعتزلي ، حيث يقول : ( وكان الزهري من المنحرفين عنه ، روى جرير بن عبدالحميد ، عن محمد بن شيبة ، قال : شهدت مسجد المدينة ؛ فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران علياً ، فنالا منه ، فبلغ ذلك علي بن الحسين ، فجاء حتى وقف عليهما ، فقال : أما أنت يا عروة ؛ فإن أبي حاكم أباك إلى الله ، فحكم لأبي على أبيك ، وأما أنت يا زهري ؛ فلو كنت بمكة لأريتك كير أبيك . قال : وروى عاصم بن أبي عامر البجلي ، عن يحيى بن عروة ، قال : كان أبي إذا ذكر علياً نال منه ) .
           وكعادة الميلاني ؛ فقد بتر بقية النص ، حيث إن تتمته على لسان يحيى بن عروة فيما زعموا أنه قال : ( وقال لي مرة : يا بني ، والله ما أحجم الناس عنه إلا طلباً للدنيا ، لقد بعث إليه أسامة بن زيد : أن ابعث إلي بعطائي ، فوالله إنك لتعلم أنك لو دخلت في فم أسد لدخلت معك ، فكتب إليه : إن هذا المال لمن جاهد عليه ، ولكن لي مالاً بالمدينة فأصب منه ما شئت ) .
           وواضح جداً لماذا حذف الميلاني بقية النص ؟؟ أولاً : لأنه ثناء من عروة على علي رضي الله عنه ، بذكر زهده في الدنيا ، وحسن خلقه مع من قعد عن نصرته في حروبه .
           فكيف يجتمع الثناء والقدح في رواية واحدة يا عقلاء ؟؟
           إن القصة التي بين أسامة بين زيد وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما صحيحة واردة في صحيح البخاري ، وأما الزيادة التي أضيفت من كيس عاصم بن أبي عامر البجلي المجهول ، وإن كان هو عاصم بن عمرو البجلي ؛ فهو مرمي بالتشيع !! وإن كان الراوي للقصة هو المسعودي في مروج الذهب ؛ فإن كتبه تطفح بأنه كان شيعياً معتزلياً .
           ولكن الشيعة قوم جبلوا على التناقض ، فلا يكاد يخلو دليل واحد لهم من معنى يناقضه ، كما مر بنا في الدليل السابق ، حيث أرادوا أن يطعنوا بعروة ؛ فطعنوا معه بعلي رضي الله عنه ، وهذا هو حالهم ، إن أرادوا الطعن بعائشة رضي الله عنها ؛ أزروا بمقام النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن أرادوا مدح النبي صلى الله عليه وسلم اقتضى ذلك منهم مدح أصحابه ، وإن أرادوا الطعن بالصحابة وقعوا في الطعن بعلي ، وكلما وجدوا لهم حجة يحتجون بها في موضع ؛ كانت هذه الحجة هادمة لمواضع أخرى ، ولعل الله ييسر لي جمع شيء من هذه التناقضات المضحكة المخزية عندهم .
           ثم متى كانت آراء ابن أبي الحديد المعتزلي المتشيع المبتدع فيصلاً في الحكم على أعلام الإسلام ؟؟
           ثم هل مراسيل ابن أبي الحديد الشيعي المتوفى في القرن السابع الهجري حجة في الطعن بأعلام الإسلام من أصحاب القرون المفضلة ؟؟؟؟؟؟ أين العقول ؟؟؟ وأين قبلها أسانيد ابن أبي الحديد ؟؟؟!!
           إن كان ابن أبي الحديد بفهمه السقيم قد استنتج من الروايات المنقطعة الأسانيد التي اطلع عليها أن الزهري عدو لعلي بن الحسين ؛ فإن أولي العقول السليمة يستنتجون من الروايات المتصلة الصحيحة عندهم : أن الزهري كان أحد تلامذة علي بن الحسين المخلصين ، وما كان بينهما إلا ما يكون بين الشيخ وتلميذه من المحبة والود .
           وثاني هذه الأدلة لإثبات عداوة الزهري لأهل البيت ؛ يقول فيه الميلاني : ( ويؤكد هذا سعيه وراء إنكار مناقب أمير المؤمنين علي عليه السلام ، كمنقبة سبقه إلى الإسلام . قال ابن عبد البر : وذكر معمر في جامعه عن الزهري ، قال : ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة ، قال عبدالرزاق : وما أعلم أحداً ذكره غير الزهري ) .
           فأقول : أولاً : الشيعة لا يعدون السبق إلى الإسلام منقبة ، فهم يفضلون الحسن والحسين وقد سبقهما سلمان الفارسي إلى الإسلام بزمن ، ويفضلون سلمان على غيره ممن أسلم قبله من المهاجرين ، فمتى كان السبق إلى الإسلام يدل على الأفضلية المطلقة سواء عند المسلمين أو عند الشيعة ؟؟؟!!
           وإن قال الميلاني : إن سلمان الفارسي رضي الله عنه قد أسلم غيره قبله ، ولكن بما حباه الله من منازل قد سبق من كان يسبقه ؛ قلنا : إن كان سلمان الفارسي استطاع في نظركم أن يسبق من أسلم قبله بسنوات ؛ فلماذا لا يستطيع علي بن أبي طالب أن يسبق غيره ممن أسلم قبله بيوم أو بأقل منه ؟؟!! علماً بأن هذا هو عين ما يقوله الزهري ( إن صحت عنه المقولة ) ، بأن زيداً أسلم قبل علي بفترة بسيطة لا تتجاوز اليوم .
           ولماذا لا تكون زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سبقت فاطمة عند هجرتها بالفضل والمنزلة ، ثم سبقتها فاطمة بعد ذلك ؟؟ أم أن الذي يستطيع أن يسبق غيره هو سلمان الفارسي فقط ؟! 
           وثانياً : أن الميلاني يعلم من المراجع التي رجع إليها من كتب السير في الفصول التي تذكر أول من أسلم ؛ أن ابن عباس وأبا ذر يصرحان بأن أول من أسلم من الرجال هو أبو بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين ، ويستشهد ابن عباس على ذلك بأبيات مشهورة لحسان بن ثابت رضي الله عنه ، هي :

فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا بعد النبي وأوفاها بما حملا    وأول الناس منهم صدق الرسلا طاف العدو بهم إذ صعدا الجبلا من البرية لم يعدل به رجلا      ن

 

إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة خير البرية أتقاها و أعدلها      والثاني التالي المحمود مشهده   وثاني اثنين في الغار المنيف وقد وكان حب رسول الله قد علموا  ن

فما رأي الميلاني بابن عباس ، وأبي ذر ، وحسان بن ثابت رضي الله عنهم ؟؟ وهل سيقول عنهم : إنهم يسعون لإنكار فضائل أمير المؤمنين ؟؟؟
           وثالثاً : إن سعي الزهري لإنكار فضائل أهل البيت يرده روايته الحديث عن علي بن الحسين رحمه الله ، ويرده ما رواه البخاري بإسناده عن معمر ، عن الزهري ، قال : أخبرني عبيدالله بن عبدالله ، قال : قالت عائشة ، لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم واشتد وجعه ، استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي ، فأذن له ، فخرج بين رجلين تخط رجلاه الأرض ، وكان بين العباس ورجل آخر . قال عبيدالله : فذكرت ذلك لابن عباس ما قالت عائشة ، فقال لي : وهل تدري من الرجل الذي لم تسم عائشة ؟ قلت : لا ، قال : هو علي بن أبي طالب !! والشيعة يحتجون ببغض عائشة لعلي رضي الله عنهما بهذا الحديث ؛ بينما يوقعون أنفسهم في مأزق آخر كالعادة ، ألا وهو أن الزهري نفسه صرح باسم علي رضي الله عنه في هذا الحديث !!! ولكن الرافضة يريدون أن يجمعوا النقائض ليؤلفوا منها ديناً .
           ومنها أيضاً ما رواه البخاري بسنده عن الزهري ، قال : أخبرني أبو سلمة بن عبدالرحمن ، أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال : .... وذكر حديث ذي الخويصرة عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من أنه يخرج مع الخوارج ، ويقول أبو سعيد في آخر الحديث : فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم ، وأنا معه .
           وما رواه البخاري بسنده عن الزهري : حدثنا أبو سلمة بن عبدالرحمن ، أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ، ما قبلت منهم أحداً ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : ( من لا رحم ، لا يُرحم ) .
           وما رواه الحاكم عن الزهري أنه قال : قتل من المشركين يوم الخندق : عمرو بن عبد ود ، قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وهذه يعدها الشيعة أكبر فضائل البشر ، إلى درجة أنهم وضعوا حديثاً لها يقول : قال صلى الله عليه وسلم : ( ضربة علي يوم الخندق ؛ خير من عمل الثقلين ) !!!!!!! فالحادثة التي هي خير من عمل الثقلين يرويها الزهري !!!!!! يا للعجب .
           وما رواه الحاكم أيضاً ، عن ابن شهاب،  عن عروة ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال : قالت عائشة لفاطمة رضي الله عنهما بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أبشرك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سيدات أهل الجنة أربع : مريم بنت عمران ، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخديجة بنت خويلد ، وآسية !!!!!
           وما رواه الحاكم في مستدركه عن الزهري ، عن أنس رضي الله عنه أن قال : لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي ، وفاطمة صلوات الله عليهم أجمعين .
           وما رواه الحاكم من الأحاديث الموضوعة ( وما أشد حب الميلاني لهذا النوع من الأحاديث حيث يمره مرور الكرام ، وما أشد بغضه للصحيح من الأحاديث حيث ينقده بكل تعنت وعصبية ) حيث روى الحاكم ، عن شهاب بن حرب ( وهو مجهول ) ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد بن مالك : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام بسفرجلة من الجنة ، فأكلتها ليلة أسري بي ، فعلقت خديجة بفاطمة ، فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة !!!!!!!!!!
           فهل ما ذكرناه من الأحاديث الصحيحة الصريحة يسمى إنكاراً أم إشهاراً ؟؟
           ومتى سعى الزهري لكتمان فضائل أحد ؟؟
           ولكن مقابل نشر الزهري لفضائل أهل البيت ؛ فإن هناك أناساً يسعون سعياً حثيثاً لكتم فضائله هو في نفسه .
           وكم تبجح هؤلاء المتبجحون أن من حاول إخفاء فضائل أهل البيت كمن يحاول إخفاء ضوء الشمس في رابعة النهار ؛ في حين أن كلامهم ينطبق عليهم أنفسهم في محاولاتهم اليائسة لإخفاء فضائل سلف الأمة ، ومنهم الزهري .
           وثالث هذه الاستدلالات عند الميلاني على عداوة الزهري لعلي رضي الله عنه قوله : ( وروايته عن عمر بن سعد اللعين ، قاتل الحسين بن أمير المؤمنين عليهما السلام ، قال الذهبي : عمر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، وعنه : إبراهيم ، وأبو إسحاق ، وأرسل عنه الزهري وقتادة ، قال ابن معين : كيف يكون من قتل الحسين ثقة ) !!
           وانظروا إلى الغباء المتجلي بأوضح صورة : حيث يقول الميلاني عن الزهري : ( وروايته عن عمر بن سعد اللعين ) ، ويستدل بقول الذهبي : ( وأرسل عنه الزهري ) !!!!!!!
وبالنسبة لرواية الزهري رحمه الله عن عمر بن سعد ، فأين هي هذه الروايات ، وأين عثر عليها هذا الميلاني ؟؟!! لقد ذكر الذهبي أنه أرسل عنه ، وهذا يعني أنه لم يرو عنه مباشرة ، ويبدو أن الأمر قد التبس على هذا الميلاني المسكين ؛ حيث روى الزهري عن عامر بن سعد !! وليس عن عمر ابن سعد قاتل الحسين !!
ثم أين هي هذه الروايات حتى يحكم عليها أهل السنة والجماعة ؟ وإذا كانت وثاقة الراوي تعتمد على وثاقة من روى عنه ؛ فلماذا لا يتم توثيق الزهري لأنه قد روى عن علي بن الحسين رحمه الله ؟؟!! وحتى لو ثبتت رواية الزهري عن عمر بن سعد ؛ فإن علماء الشيعة لا يرون بأساً بالرواية عن أصحاب المذاهب الفاسدة أو الضعفاء ، فهم يروون عن الواقفة ، والجارودية ، والغلاة ، والمفوضة ، وغيرهم ، ولم نسمع من علماء الشيعة تضعيفاً لرجل من رجالهم لأنه روى عن واقفي يعادي علي الرضا الإمام الثامن عند الشيعة ومن خلفه من الأئمة !!!
وكذلك بالنسبة للرواية عن الضعفاء ؛ فهذا العياشي الشيعي صاحب التفسيرالمشهور يذكر عنه النجاشي في كتابه الرجال في الترجمة رقم 944 ما نصه : ( محمد بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي أبو النضر ، المعروف بالعياشي ، ثقة ، صدوق ، عين من عيون هذه الطائفة ، وكان يروي عن الضعفاء كثيراً ! ) فإذن في نظر الميلاني أن الراوي إن روى عن الضعفاء وكان سنياً فهذا أمر قادح فيه أشد القدح ، أما إن كان هذا الراوي شيعياً فهذا لا بأس به !!! وهذا هو عين الإنصاف الشيعي المعهود !!!! وهذا هو ما يسمى ( بالكيل بمكيالين ) .
           هذا فيما يتعلق برأي الشيعة في بقاء عدالة المكثر من الرواية عن الضعفاء ، وأما بالنسبة لعلماء الإسلام ؛ فلننظر نظرة بسيطة في ترجمة سليمان بن عبدالرحمن بن عيسى التيمي من كتاب تهذيب التهذيب ، في الترجمة رقم 3021 حيث يقول عنه ابن حجر رحمه الله : ( قال أبو حاتم : سليمان صدوق مستقيم الحديث ، ولكنه أروى الناس عن الضعفاء والمجهولين ... وقال صالح بن محمد : لا بأس به ، ولكنه يحدث عن الضعفاء ، وقال الحاكم : قلت للدارقطني : سليمان بن عبدالرحمن ، قال : ثقة ، قلت : أليس عنده مناكير ؟ قال : حدث بها عن قوم ضعفاء ، فأما هو فثقة ) ، فواضح مما سبق أن مسألة الرواية عن الضعفاء غير مسقطة للعدالة باعتراف علماء الشيعة وعلماء الإسلام ، ولكن العالم الميلاني يُعدّ طفرة جينية خاصة في علم الحديث ؛ حيث شذ عما تعارف عليه الأولون والآخرون ، وخرق إجماع البشرية باستدلالاته الخرقاء .
ورابع هذه الاستدلالات قوله : ( وكونه من عمال بني أمية ومشيدي سلطانهم !!! حتى أنكر عليه ذلك العلماء والزهاد !! فقد ذكر ( العلامة ) عبدالحق الدهلوي بترجمته من رجال المشكاة : أنه قد ابتلي بصحبة الأمراء ، وبقلة الديانة ، وكان أقرانه من العلماء والزهاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه ، وكان يقول : أنا شريك في خيرهم دون شرهم ، فيقولون : ألا ترى ما هم فيه وتسكت ؟ ) ، وأقول رداً عليه :
           الزهري رحمه الله لم يكن مشيداً لسلطان بني أمية بالقدر الذي كان عليه الرضا من تشييد ملك المأمون العباسي الظالم الغاشم ، فإذا ساغ لهم أن علي الرضا يعاشر المأمون ويكون وزيراً له في الخير دون الشر ؛ فالمسألة بالنسبة للزهري أولى وأسهل ، وإن احتجوا لفعل الرضا بالتقية وخزعبلاتها ؛ فهذه حجة عليهم لا لهم ، لأن الزهري لم يستخدم التقية مع عمال بني أمية ، بل شاركهم في الخير ، وامتنع عن الشر .
           وأما ( الموصوف بالعلامة ) عبدالحق الدهلوي ؛ فإن كلامه وطعنه مردود عليه ، وطعنه في الزهري بقلة الديانة يقل على قلة عقله وعقل من يصدقه ، ومن هو الدهلوي في مقابل أعلام الحديث الذين وثقوا الإمام الزهري قاطبة ، ولم يخالف في ذلك أحد منهم ؛ حتى أصبح من يطعن في الزهري فكأنما يطعن في نفسه !!
           وأما العلماء والزهاد الذين أنكروا على الزهري فعله ، فأين هم هؤلاء العلماء والزهاد ؟؟ واذكر لنا بعضاً منهم إن استطعت .
وأما أقرانه من العلماء والزهاد فأقوالهم في مدحه معروفة ، ومنهم أبو الزناد ، حيث يقول : كنا نكتب الحلال والحرام ، وكان ابن شهاب يكتب كلما سمع ، فلما احتيج إليه علمت أنه أعلم الناس !! وصالح بن كيسان أيضاً يقول : كنت أطلب العلم أنا والزهري ، فقال : تعال نكتب السنن ، قال : فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : تعال نكتب ما جاء عن الصحابة ، قال : فكتب ولم نكتب ، فأنجح وضيعت ، وسأل إبراهيم بن سعد بن إبراهيم أباه : بم فاقكم ابن شهاب ؟ قال : كان يأتي المجالس من صدورها ، ولا يلقى في المجلس كهلاً إلا ساءله ، ولا شاباً إلا ساءله ، ثم يأتي الدار من دور الأنصار ، فلا يلقى شاباً إلا ساءله ، ولا كهلاً ولا عجوزاً ولا كهلة إلا ساءله ، حتى يحاول ربات الحجال !!! وأنا لا أدري بعد هذه النصوص : من هم أقران الزهري الذين نقموا عليه ؟؟
وأما مصاحبة الأمراء فلم نسمع من قبل أنها تضعف الحفظ الذي يتهرب الشيعة تبيين حال رواتهم فيه ، أو أنها تسبب الاختلاط على الشخص ؛ خاصة إذا كان مصاحباً للولاة في الخير دون الشر ، ولم يكن الزهري يسكت عن شرهم كما ذكر الدهلوي ؛ بل سيأتي ما يبطله ، إضافة إلى أن علماء الشيعة لا يرون إعانة الحكام الظلمة قادحاً في العدالة ، ومن الأمثلة على ذلك : الحسن بن زيد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ، حيث كان أميراً للمدينة من قبل أبي جعفر المنصور ، وعمل له على غير المدينة أيضاً ، وكان مظاهراً لبني العباس على بني عمه الحسن المثنى ، وهو أول من لبس السواد من العلويين ، وراجع هذه المعلومات في كتاب أعيان الشيعة الجزء الخامس الترجمة رقم 228 ، فهذا الرجل قد تولى الولايات للمنصور ، وصاحب المهدي العباسي أيضاً ، وكان مظاهراً لبني العباس على بني عمه مع أنهم ذوي رحم عنده ، فقام الحسن بن زيد بقطع رحم ماسة له ، وأودى ببني عمه موارد الهلاك من أجل رضا الوالي !!! فيبدو مما مضى أن معاونة الظلمة في جورهم – أيضاً - تقدح في عدالة الرجل إذا كان سنياً !!!! أما إن كان شيعياً فقد يكون هذا مما يزيد وثاقته ، والله أعلم !!!!!!!!!!
يضاف في الرد على ما ذكره عبدالحق الدهلوي : أن قوله مردود بتوثيق أقران الزهري له ، وبمدحهم له .
وأما سكوته عن شرور بني أمية فباطل ، فأولاً : قد روي عن الإمام الأوزاعي رحمه الله أن قال : ( ما داهن ابن شهاب ملكاً من الملوك قط ) !!
ومن مواقفه المشهودة أمام ملوك بني أمية ، والتي لا يحب الشيعة ذكرها ما جاء أنه هشام بن عبد الملك قرأ قوله تعالى : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) ، ثم قال هشام لسليمان بن يسار : من الذي تولى كبره منهم ؟ فقال له : عبدالله بن أبي بن سلول ، فقال له : كذبت ، هو علي بن أبي طالب ، قال سليمان : أمير المؤمنين أعلم بما يقول ، فدخل ابن شهاب ، فقال هشام : يابن شهاب ، من الذي تولى كبره منهم ؟ فقال له : عبدالله بن أبي بن سلول المنافق ، فقال له : كذبت ، هو علي بن أبي طالب ، فقال له : أنا أكذب ؟! لا أبا لك !! فوالله لو نادى مناد من السماء : إن الله أحل الكذب ما كذبت ، حدثني عروة بن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، وعبيدالله بن عبدالله ، وعلقمة بن وقاص ، كلهم عن عائشة : أن الذي تولى كبره منهم : عبدالله بن أبي ، فلم يزل القوم يغرون به ، فقال له هشام : ارحل ، فوالله ما كان ينبغي لنا أن نحمل عن مثلك ، فقال له ابن شهاب : ولم ذاك ؟ أنا ما اغتصبتك على نفسي ، أو أنت اغتصبتني على نفسي ، فخل عني ، فقال له : لا ، ولكنك استدنت ألفي ألف ، فقال : قد علمت ، وأبوك من قبلك ، أني ما استدنت هذا المال عليك ، ولا على أبيك ، فقال هشام : إنا إن نُهيّج الشيخ ، يهم الشيخ ، فأمر فقضى عنه من دينه ألف ألف ، فأخبر بذلك ، فقال : الحمد لله الذي هذا هو من عنده !!!!!!!
فكيف يبقى لقول الدهلوي اعتبار ؟؟!!
وخامس هذه الاستدلالات الحمقاء قوله : ( ومن هنا قدح فيه ابن معين ، فقد حكى الحاكم عن ابن معين أنه قال : أجود الأسانيد : الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبدالله ، فقال له إنسان : الأعمش مثل الزهري ؟! فقال : تريد من الأعمش أن يكون مثل الزهري ؟! الزهري يرى العرض والإجازة ، ويعمل لبني أمية ، والأعمش فقير صبور ، مجانب للسلطان ، ورع عالم بالقرآن ) ، وأقول :
حتى لو كان هذا طعنا من ابن معين رحمه الله في الزهري ؛ فإن إجماع بقية علماء الجرح والتعديل على توثيق الزهري يرد طعن الإمام يحيى بن معين ، مع أن تفضيل راوي على آخر لا يدل إطلاقاً على اتهام الراوي الأسبق ، وإلا فما معنى قولهم : ( إن فلاناً أعلم أهل عصره ) ؟ أو : ( إن فلاناً أثبت الناس ) ؟؟ وهل معنى ذلك إسقاط عدالة البقية ؟؟!! ولكن الهوى يعمي ويصم .
           وعين البغض تبرز كل عيب          وعين الحب لا تبدي العيوبا !!!!
           هذا مع العلم أن الإمام يحيى بن معين ممن وثقوا الإمام الزهري ، فكلامه السابق محمول على الأفضلية المطلقة ، وقد وثق الزهري أيضاً جميع علماء الإسلام ، فمنهم : عمر بن عبد العزيز ، ومالك بن أنس ، ويحيى بن سعيد القطان ، ومكحول ، وقتادة ، وأيوب ، وعمرو بن دينار ، وأبو بكر الهذلى ، ومعمر ، وعلي بن المديني ، وأبو زرعة ، وابن سعد ، وأبو الزناد ، وصالح بن كيسان ، والليث ، وعبدالرحمن بن إسحاق ، والنسائي ، وعراك بن مالك ، وبقية علماء الإسلام ، بل قال عنه ابن حجر رحمه الله في تقريب التهذيب : الفقيه الحافظ ، متفق على جلالته وإتقانه وثبته !!!! فرحم الله أهل العقول والإنصاف .
           ثم يصر الميلاني جداً على رأيه الأحمق الأهوج ، ويكمل كلامه السابق في الطعن في الإمام الزهري باستشهاده السادس ، ويقول : ( وبهذه المناسبة ؛ كتب له الإمام زين العابدين عليه السلام كتاباً يعظه فيه ، ويذكره الله والدار الآخرة ، وينبهه على الآثار السيئة المترتبة على كونه في قصور السلاطين ، من ذلك قوله : ( إن أدنى ما كتمت ، وأخف ما احتملت : أن آنست وحشة الظالم ، وسهلت له طريق الغي .. جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم ، وسلما إلى ضلالتهم ، داعياً إلى غيهم ، سالكاً سبيلهم .. احذر فقد نبئت ، وبادر فقد أجلت ... ولا تحسب أني أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك ، لكني أردت أن ينعش الله ما فات من رأيك ، ويرد إليك ما عزب من دينك .. أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرة ، وما الناس فيه من البلاء والفتنة ؟! فأعرض عن كل ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين الذين دفنوا في أسمالهم ، لاصقة بطونهم بظهورهم .. ما لك لا تنتبه من نعستك ، وتستقيل من عثرتك ، فتقول : والله ما قمت لله مقاماً واحداً ما أحييت به له ديناً ، أو أمت له في باطلاً ... )) إلى آخر تلك الرسالة التي يجب على الميلاني أن يرسل منها نسخة إلى علي الرضا وزير المأمون العباسي ، وحفيد حفيد صاحب الرسالة المزعومة ، حيث انطبقت عليه بشكل تام ، وكأنها قد وجهت إليه شخصياًُ !!! ولا ينسى أن يرسل نسخة أخرى إلى الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ؛ فهما بحاجة ماسة إليها .
           ولكن يبدو أن واضع تلك الرسالة كان فترة سابقة لتولي علي الرضا للوزارة في عهد المأمون ، وإلا لما تجرأ على فعل ما فعل !! إضافة إلى أن رسالة الميلاني رسالة يتيمة مقطوعة من شجرة ؛ إذ لم يذكر إسناداً لها لعلمه بعدم وجود الإسناد ، وكل رواية بلا إسناد لا اعتبار لها .
           وحتى لو صحت هذه الرواية ؛ فهي لا تعدو أن تكون رأياً شخصياً من زين العابدين رآه .
           وسابع هذه الاستدلالات المظلمة قوله : ( هذا ، ولقد ورث الزهري العداء للإسلام والنبي وأهل بيته من آبائه ، فقد ذكر ابن خلكان بترجمته : وكان أبو جده عبدالله بن شهاب شهد مع المشركين بدراً ، وكان أحد النفر الذين تعاقدوا يوم أحد لئن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلنه أو ليقتلن دونه ، وروي أنه قيل للزهري : هل شهد جدك بدراً ؟ فقال : نعم ، ولكن من ذلك الجانب ، يعني أنه كان في صف المشركين ، وكان أبوه مسلم مع مصعب بن الزبير ، ولم يزل الزهري مع عبدالملك ، ثم مع هشام بن عبدالملك ، وكان يزيد بن عبدالملك قد استقضاه ) .
           وأقول : أما شهود جد الزهري بدراً مع المشركين ؛ فمتى كان شهود الصحابة في نظر الميلاني لغزوتي بدر وأحد فضيلة ، حتى يكون شهود جد الزهري الغزوة مع الأعداء رذيلة ؟؟!!
           وقد شهد غزوة بدر مع المشركين كل من : عقيل بن أبي طالب ، والعباس بن عبدالمطلب رضوان الله عليهما ، فهل سيعد الميلاني هذا مطعناً أيضاً .
           ثم إن أجداد سلمان الفارسي رضي الله عنه كانوا من قادة المجوس ، ومن أكبر الدعاة إليها ، فهل سيعد الميلاني هذا طعناً في سلمان رضي الله عنه ؟؟
           وقد كان والد إبراهيم عليه السلام كافراً يدعو قومه إلى عبادة الأصنام ، ويصنعها بيديه لهم ؛ فهل سيعد الميلاني هذا مطعناً في إبراهيم عليه السلام أيضاً ؟؟
           والعجيب أن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب قد شهد غزوة بدر مع المشركين ، ثم جاء من ذريته الإمام الشافعي : محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد ، في حين أن الشافعي من الأطهار المطهرين في نظر الشيعة !!!!
           وأما ما ذكره هذا الميلاني المحقق من شهود جد الزهري لغزوة بدر مع المشركين ؛ فقد ذكر رواة السير أن الأخنس بن شريق استوقف قومه بني زهرة أثناء مسيرهم إلى بدر مع المشركين في الجحفة ، وأمرهم بالرجوع ، فعاد بنو زهرة بأجمعهم ، ولم يشهد بدراً مع المشركين زهري واحد !!! راجع سيرة ابن هشام 3/166 ، تاريخ الطبري 2/29 ؛ حتى تعلم من الصادق ومن الكاذب ؟
           وأما ما ذكره الميلاني المحقق الزائف من أن عبدالله بن شهاب كان من النفر الذين تعاقدوا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد ؛ وأنه شجه في جبهته صلوات الله وسلامه عليه ؛ فمرده في الروايات إلى روايتين :
           الأولى : رواها ابن هشام في سيرته ، عن ربيح بن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، عن أبي سعيد : ( أن عبدالله بن شهاب الزهري شجه في جبهته ، يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، وربيح بن عبدالرحمن قال عنه أحمد بن حنبل : ليس بمعروف ، وقال الترمذي : قال البخاري : منكر الحديث ، وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به ، وقال الأزدي : ليس بذاك القوي ، وقال عنه أبو زرعة : شيخ ، وثناء أبي زرعة وابن عدي عليه مجمل غير مفصل ، وطعن البخاري والأزدي وأحمد بن حنبل مقدم على التوثيق هنا ، إلا أن هناك سبباً آخر قوياً لرد هذه الرواية ألا وهو الانقطاع بين ابن هشام صاحب السيرة ، وبين ربيح بن عبدالرحمن .
           والثانية : ما رواه الواقدي ، عن ابن أبي سبرة ، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة ، عن أبي الحويرث ، عن نافع بن جبير ، قال : سمعت رجلاً من المهاجرين يقول : شهدت أحداً ، فنظرت إلى النبل تأتي من كل ناحية ، ورسول الله وسطها ، كل ذلك يصرف عنه ، ولقد رأيت عبدالله بن شهاب الزهري يومئذ يقول : دلوني على محمد ، لا نجوت إن نجا ... إلخ .
           والواقدي وضاع متروك ، وإسحاق بن عبدالله بن أبي فروة يقلب الأسانيد ، ويرفع المراسيل ، وقد اجتنبوا حديثه ، فمتى كانت رواية أمثال هؤلاء حجة للطعن في الأعلام ؟؟!!
           ألم يكن من الأفضل للميلاني أن ينقي التاريخ من أمثال هذه الروايات الموضوعة التي تطعن في علماء الإسلام ؛ بدلاً من أن يضيع الوقت في الاستشهاد بها في الطعن على علماء الإسلام ؟؟!!
           ولا يظنَّنَّ ظان أني أدافع عن عبدالله بن شهاب الزهري ؛ لا والله ولا كرامة ، ولكن الدفاع عن الأشخاص شيء ، وتبيين الخطأ شيء آخر ، مع أنه في جميع الأحوال ؛ فإن كفر الأب والجد لا يؤثر على واقع الابن شيئاً .
           ثم يقول الميلاني : ( لكنه الزهري ! عندما يضع الحديث على النبي والعترة ومذهبهم ، يضعه على لسان واحد منهم كي يسهل على الناس قبوله !! ) ؛ فأقول : إن الميلاني هنا يقرر أن واضع الحديث هو الزهري بعينه ، ونسي أن هذا الحديث مروي أيضاً من طرق أخرى عن غير الزهري ، وقد طعن هذا الميلاني في ابن أبي مليكة متهماً إياه بوضعها ، ولا أدري كيف يمكن أن يتواطأ الزهري مع ابن أبي مليكة على وضع حديث بدقة بالغة ، بحيث يتفقان في جميع أحداث القصة بلا استثناء ؛ مع أنهما لم يلتقيا في حياتهما أبداً !!!!! فالزهري ولد في المدينة عام 50 ه ، وبقي فيها حتى 82 ه ثم التحق بالشام ، وابن أبي مليكة مكي ، ثم انتقل بعدها إلى الطائف قاضياً لابن الزبير رضي الله عنهما عليها !!!! علماًُ بأن ذلك العصر لم يكن يحتوي على هواتف أو شبكات إنترنت !! فمتى تم اللقاء والتواطؤ ؟؟!
           ثم يقول : ( خذ لذلك مثالاً .. ما وضعه على لسان ابني محمد بن علي عنه ، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لابن عباس – وقد بلغه أنه يقول بالمتعة - : إنك رجل تائه ، إن رسول الله نهى عنها يوم خيبر ، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية ، هذا الحديث الذي حكم ببطلانه كبار أئمتهم كالبيهقي ، وابن عبدالبر ، والسهيلي ، وابن القيم ، والقسطلاني ، وابن حجر العسقلاني ، وغيرهم من شراح الحديث ) !!!!!
           ومشكلة الميلاني أنه ليس ذكياً مثل عبدالحسين الموسوي لكي يراوغ ويحتال كيفما يشاء ، ثم تنطلي أكاذيبه على الآخرين ، لا ... إن الميلاني أقل من ذلك بكثير ؛ فبمجرد ما يحاول المراوغة ينكشف أمره بسرعة ، وهذا ما حدث في الحديث السابق الذي اتفق على إخراجه البخاري ومسلم ، حيث روى البخاري في كتاب النكاح بإسناده أن علياً رضي الله عنه قال لابن عباس : إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة ، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر ، رقم 4825 ، فتحريم المتعة الوارد في الحديث عن علي بن أبي طالب صحيح ، ولكن هناك لفظ معين ضعف العلماء المذكورون الرواية التي ذكرته ، ألا وهو أن تحريم المتعة كان في زمان خيبر ، والصواب أنها حرمت قبل ذلك ، والدليل هو الحديث السابق الذي أخرجه البخاري عن الزهري بإسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، بينما الرواية التي ضعفها العلماء هي التي تقول إن زمن التحريم كان في عام خيبر ، وحاول الميلاني المنصف أن يلبس على القراء المعنى حتى يظنوا أن المقصود هو التحريم بكامله ؛ بينما محل الخلاف هو في زمن التحريم فقط !!!
           وقد أجمع العلماء على صحة جميع ما ورد في صحيح البخاري ، كالبيهقي ، وابن عبد البر ، والسهيلي ، وابن القيم ، القسطلاني ، ابن حجر العسقلاني ، وغيرهم من شراح الحديث !!! فما رأي الميلاني بقولهم هذا ؟؟ أم أن آراءهم محل عناية نظره السديد إذا وافقوا رأيه فقط ؟؟!!
           إضافة إلى أن تحريم المتعة قد رواه مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع ، وسبرة بن معبد رضي الله عنهما بإسنادين لا يوجد في أي منهما اسم الزهري !!! أم أنهما وضاعان أيضاً ؟؟!!
           ثم ما هو المسوغ لمثل الزهري أن يضع حديثاً في تحريم المتعة ؟؟؟ أليس أمراً يحبه الفسقة والفجرة ؟؟!! ألم يكن من صالح الزهري وهو مستشار بني أمية أن يضع الأحاديث في فضل زواج المتعة ترغيباً لملوك بني أمية في اللهو بالمتعة الدورية وأضرابها بدلاً من أن يحجر ما وسعه الله عليهم إن كان قد وسع عليهم أصلاً ؟؟؟!!! إن كان يقدم رضاهم على دينه ؛ فلماذا هنا قدم حديثه على رضاهم ؟؟ إن هذا لا يستقيم عقلاً على الإطلاق !!!!!!!
           أضف إلى ذلك أحاديث غسل الرجلين في الوضوء بدلاً من مسحهما ، والعمل على التفريق بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين صلاتي المغرب والعشاء ؛ حيث إن الشيعة قد أخذوا في جميع هذه الأمور بالجانب الأسهل المحبب إلى النفس ، فهم أولى بتهمة الوضع .
           ثم يذكر أن الزهري لم ينفرد بالكذب على أهل البيت ، بل شاركه غيره ، ويحتج بخبر عن عبدالله بن محمد بن ربيعة بن قدامة القدامي ، لما قال الذهبي وابن حجر رحمهما الله عنه : ( أحد الضعفاء ، أتى عن مالك بمصائب ، منها : عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، قال : توفيت فاطمة رضي الله عنها ليلاً ، فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة ، فقال أبو بكر لعلي : تقدم فصل ، قال : لا والله ، لا تقدمت وأنت خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتقدم أبو بكر ، وكبر أربعاً ) ، وبالطبع ؛ فهذا حديث هالك طعن فيه الأئمة لأنه من رواية عبدالله بن محمد بن ربيعة القدامي ، وبدلاً من أن يكون ما فعله علماء الإسلام من تنقية لحديثهم من الشوائب حسنة في عين الميلاني ؛ تحول إلى جريرة لا تغتفر ، بل وأخذ يبني عليها اتهامه الغبي للإمام الزهري بوضع هذا الحديث .
           ثم يقول بليغ البلغاء : ( إنهم يريدون بتلك المساعي التغطية على ما جنوا ، وإصلاح ما أفسدوا ، ولكن لا يصلح العطار ما أفسده الدهر ) !!!!!!!
           وبغض النظر عن إقحام هذا المثل في غير موضعه ؛ فإن من عجز عن إصلاح ما أفسده الدهر هو الرافضة أنفسهم ، حيث إن من يطلع على نقدهم لأحاديثهم يعلم مدى الجناية التي جنوها على أنفسهم ، ومدى التهريء الذي أصاب مروياتهم عبر القرون . 
           ثم يبدأ طعونه في المسور بن مخرمة رضي الله عنه ، فيقول : ( وبقي الكلام في مسور نفسه ، ويكفينا أن نعلم :
أولاً : إنه ولد بعد الهجرة بسنتين ، فكم كانت سني عمره في وقت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم هذه ؟ وهذا ما سنتكلم عليه بعد أيضاً .
           وثانياً : أنه كان مع ابن الزبير ، وكان ابن الزبير لا يقطع أمراً دونه ، وقد قتل في قضية رمي الكعبة بالمنجنيق بعد أن قاتل الشاميين ، وولي ابن الزبير غسله .
           وثالثاً : أنه كان ممن يلزم عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
           ورابعاً : أنه كان إذا ذكر معاوية صلى عليه .
           وخامساً : أنه كانت الخوارج تخشاه وينتحلونه ) .
           وهذه كلها أوصاف رائعة جليلة ، وكل أهل الإسلام يتمنون الاتصاف بها ، أما أهل البدعة والزندقة كالميلاني وغيره ؛ فيريدون أن يبنوا من هذه الأوصاف الجليلة طعناً !! وإن كانوا على قناعة تامة بهذه الطريقة المعكوسة المنكوسة ؛ فيمكنني وبكل سهولة أن أقول :
           إن رجال الشيعة كلهم ساقطو العدالة ، والدليل على ذلك أنهم كلهم يؤمنون بإمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه المزعومة ، ويعتقدون بعصمة أئمتهم ، وبأنهم يرجعون للحياة في آخر الزمان ، وينتقصون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى رأسهم أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعائشة رضوان الله عليهم ، وغير ذلك من عقائد الكفر والزندقة . 
           ثم يبدأ – رجمه الله – في تأملاته في متن الحديث ومدلوله ، فيقول في بداية تأملاته لا جعله الله يفيق منها : ( وبعد ، فإنه لا بد من التأمل في متن الحديث ومدلوله ، فلا بد من النظر إلى المتن ... إلى أن قال : ولا بد من النظر في الدلالة ... فقد يكون الحديث صحيحاً سنداً ، ولكنه يخالف من حيث الدلالة الضرورة العقلية أو محكم الكتاب أو قطعي السنة أو واقع الحال ) ‍‍‍!!!!
           وأحب أن أقول هنا : إن الحديث الصحيح الإسناد لا يمكن أن يخالف الضرورة العقلية السليمة ، أو محكم الكتاب ، أو قطعي السنة الصحيحة ، أو واقع الحال ، بل إن مخالفة الأحاديث الصحيحة لأحد هذه الأمور لهو مما يخالف الضرورة العقلية ، ويخالف محكم الكتاب ، ويخالف قطعي السنة الصحيحة ، ويخالف واقع الحال !!!
           وذلك أن الضرورة العقلية تقضي أن الحديث الصحيح الإسناد يكون صحيحاً متناً !! فالخبر الذي يرويه الثقة عن مثله من مبدأ السند إلى منتهاه دون شذوذ أو علة قادحة لا يمكن أن يكون خبراً خاطئاً ، أما الشيعة فإنهم يرمون بهذه القاعدة عرض الجدار ؛ لكثرة الأحاديث التي رواها ثقاتهم عن روايات تحريف القرآن ، أو تأليه الأئمة ، أو بقية خزعبلاتهم ، ولا أدري كيف تطمئن قلوبهم إلى التفريق في قبول خبرين إسنادهما واحد ، حيث يعملون بالخبر الأول ، ويهملون الخبر الثاني مع أنهما أتيا من طريق واحد ، ولكنه العقل المنكوس المعكوس .
           إن الراوي لا بد أن يكون : إما ثقة ، وإما غير ثقة ، وإذا كان رواة الإسناد كلهم ثقات ؛ فلا بد : إما أن يكون السند متصلاً أو غير متصل ، فإذا كان متصلاً كان الحديث صحيحاً عند العقلاء ، أما الشيعة ؛ فإن عقولهم التي تجمع النقائض دوماً لا يرون بأساً من تصحيح بعض الأحاديث التي رواها ذلك الإسناد دون غيرها بدون سبب مقنع !!
           وقد قرر علماء الإسلام : أن الحديث الذي يخالف العقل لا يمكن أن يكون إسناده خالياً من قادح فيه ، وأن الحديث الصحيح الإسناد لا يمكن أن يكون متنه مخالفاً للعقل ، وهذا ما كان إلا من كون الروايات عند أهل السنة والجماعة وحدة متكاملة يتآلف بعضها مع بعض ، ولذلك فطريقة قبول الأخبار واحدة لا تتغير ، أما من كانت الروايات والأخبار لديه شاذة متهالكة متداعية الأطراف يسقط بعضها بعضاً ؛ فهذا لا مفر له من الأخذ والترك على مزاجه دون ضابط معقول ‍‍‍‍‍!! ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً ) .
           وكذلك ؛ فإن محكم الكتاب يقول : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ، والحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر عما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فوجب عند ذلك الأخذ به ، فكيف يرده هؤلاء بحجة عقلية سخيفة ؟؟!
           وأود أن أعرف أخيراً : ما هي الأمور التي قام الميلاني بالتوافق معها من هذه ؟؟!! 
           ثم بدأ في تأملاته العميقة في خصوص حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه ، وأول هذه الملاحظات هي قول المسور رضي الله عنه في الحديث : ( وأنا محتلم ) يعني عند وقوع الحادثة ، وقد نقل الميلاني توجيه علماء الإسلام لهذه اللفظة إلى أنها تعني : ( وأنا كالمحتلم ) ، إلا أنه لم يقتنع بها ، حيث قال بعدها : ( فهذا إشكال في المتن ! ولربما أمكن الإشكال من هذه الناحية في السند ) !!!! وأقول : أين الإشكال في المتن يا هذا ؟؟ ولكن يبدو أن الميلاني لا يفهم اللغة العربية ، ولا يفهم المراد من التشبيه ، لأن هذا الأسلوب معروف في اللغة : أن يقول الشخص : وجهك بدر ، بمعنى أن وجهك أبيض كالبدر ، أو شعرك ليل ، بمعنى أن شعرك أسود كالليل ، وهو كثير الورود في اللغة .
           والعجب الذي لا ينتهي أن يستنكر هذا الرافضي على علماء الإسلام هذا التفسير ؛ في حين يصحح هو وبقية علماء الرافضة حديث : ( أنا مدينة العلم ، وعلي بابها ) ، في حين أن يقولون أن معناه : أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كالمدينة ، وعلي كالباب ، ونقول لهم بالمقابل : محتلم أي كالمحتلم ، ولكن الرافضة يريدون أن يحجروا حتى اللغة العربية عليهم وحدهم فقط !!
           ثم إن الرافضة أيضاً من أبعد الناس عن الأخذ بظواهر الألفاظ ، ومن أشد الناس أخذاً بتأويلها إلى معاني أخر ، فظواهر القرآن غير بواطنه ، وللقرآن معنى ظاهر ومعنى باطن ، والخير المذكور في القرآن يعني الأئمة ، والشر المذكور في القرآن يعني أعداءهم ، ويد الله تعني قدرة الله ، وعين الله تعني علم الله ، ومجيء الله يعني مجيء أمر الله ، وهلم جراً حتى جعلوا القرآن كتاباً للألغاز والأحاجي ، ولكن طريقتهم هذه تنقلب رأساً على عقب متى شاءوا ، فتفضيل يحيى بن معين يعني الطعن في الزهري !! ولفظة محتلم ، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تفسر عندهم إلى من قارب الاحتلام ... إلخ .
           ثم أخذ يعرض أقوال العلماء في سبب تحديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه لعلي بن الحسين عند عودته من عند يزيد بن معاوية ، وبما أن الحديث صحيح ؛ فإن محاولة تعليل جميع أحداثه مسألة جانبية ، وسواء استطعنا معرفة سبب كل حدث من الأحداث أم لم نعرفه ؛ فهذه قضية أخرى جانبية ، وليست قضية أساسية يحكم بها على صحة الخبر من عدمها ؟
وكم في القرآن من قصة لم يذكر لنا الحكمة منها ، فمثلاً : لماذا أمر يعقوب عليه السلام أبناءه أن يدخلوا من أبواب متفرقة ؟؟ الجواب : الله أعلم ، ولكن ذكر بعض العلماء أنه خشي عليهم من العين ، وكانوا أولي هيئة حسنة ، ولكن هل السبب الوحيد الحقيقي هو الخوف من العين فقط ؟؟ وكيف يمكن الجزم بذلك ؟؟ ثم إن يعقوب عليه السلام قال لأبنائه لما طلبوا منه أن يستغفر لهم : ( سوف أستغفر لكم ربي ) ، أي أنه لم يستغفر لهم في الحال ، فلماذا أخر الاستغفار لهم ؟؟ هل كان ساخطاً عليهم ؟؟ أم ماذا ؟؟ بعض العلماء يقولون : أخر الاستغفار لهم إلى آخر الليل في وقت السحر ، ولكن : ما هو الدليل على أنهم دخلوا عليه نهاراً أو في غير وقت السحر ؟؟ وهل يصح في العقل أن ننفي هذه القصص لعدم إدراكنا يقيناً لأسبابها ؟؟ مع أن غيرها من القصص كثير .
           والذي أراه في سبب تحديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه لعلي بن الحسين رحمه الله بهذا الحديث إنما كان بعد طلبه منه أن يعطيه سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى لا يغلبه القوم عليه بأخذه ، لأن فقدان علي بن الحسين للسيف سوف يحزنه ، ولهذا ذكر المسور له أنه سيحفظ له هذا السيف حتى لو زهقت نفسه دونه ، وعلل هذه المحبة له بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( فاطمة بضعة مني ... ) ، ولكنه أورد له القصة كاملة ، ليبين منزلة فاطمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، حيث امتنع عن الخطبة ، ولم يتزوج أو يتسرّ عليها حتى توفيت رضوان الله عليها .
           وأما تركه القتال مع الحسين بن علي رضي الله عنهما ؛ فلأن الناس كلهم لم يتوقعوا أن يصل الأمر إلى ما وصل إليه ، وهذا كل ما في الأمر .
           أما قول الميلاني : ( قلت : إذا كان ذكر القصة ليعلم أنه يحب رفاهية خاطره ، أو ليعلم بمحبته في فاطمة ونسلها ... فأي خصوصية للسيف ؟! وهل كانت الرفاهية لخاطره حاصلة من جميع الجهات وهو قادم من العراق مع تلك النسوة والأطفال بتلك الحال ، وبقي خاطره مشوشاً من طرف السيف ، فأراد رفاهية خاطره ، أو إعلامه بمحبته له ، كي يعطيه السيف ) ، فهو كلام يدل على أن الأحاديث في واد ، والميلاني في واد آخر ، لأنه لو أخذ أحد السيف من علي بن الحسين ؛ لتشوش خاطره ، فأحب أن يحفظ السيف عنده حتى لا يتسبب ضياعه في تشويش خاطره فيما بعد .
           ثم قال هذا الميلاني : ( ثم إن ثمة شيئاً آخر ... وهو أن المسور بن مخرمة لما خطب الحسن ابن الحسن ابنته حمد الله عز وجل ، وأثنى عليه ، وقال : أما بعد ، فما من نسب ولا سبب ولا صهر أحب إلي من نسبكم وصهركم ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فاطمة بضعة مني ، يقبضني ما يقبضها ، ويبسطني ما يبسطها ، وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع إلى نسب وسببي وصهري " ، وعندك ابنته ، ولو زوجتك لقبضها ذلك ، فانطلق الحسن عاذراً إليه ) ، ولم ينس أن يذكر مصادر القصة ، وهي : مسند الإمام أحمد ، ومستدرك الحاكم ، وسنن البيهقي ،
           ثم يبني استنتاجاً مهماً عنده حيث يقول : ( ولو كان مسور يروي قصة خطبة أبي جهل لاستشهد بها ، وحكى الحديث كاملاً ، لشدة المناسبة بين خطبة علي ابن أبي جهل وعنده فاطمة ، وخطبة الحسن بن الحسن ابنة المسور وعنده بنت عمه ! فهذه إشكالات حار القوم في حلها الحل المعقول ) !!!!!!!!
           وأقول : الإشكالات التي لم حار القوم في حلها الحل المعقول لا وجود لها في الواقع ، والأمر أيسر بكثير مما يتوهمه الميلاني ، وذلك أن القصة بكاملها ضعيفة الإسناد ، فكيف يعارض بها ما اجتمع على روايته أهل الصحاح ؟؟؟
           ثم إن الميلاني العجيب قد زالت عنده – بقدرة قادر - جميع الإشكالات التي كانت قائمة في ذهنه حول المسور بن مخرمة رضي الله عنه ؛ فصغر سن المسور عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ليس إشكالاً هنا ، وخشية الخوارج منه أيضاً أصبحت مزية من مزايا المسور هنا في حين كانت قبل قليل مذمة !! كما أن رمي الميلاني للمسور بعداء أهل البيت سوف يسقط على رأس الميلاني ، لأن المسور يتحدث هنا عن فضائل فاطمة رضوان الله عليها دون حاجة ماسة لذلك ، بل كانت أقرب ما تكون إلى الحديث بها في السر ، فإما أن يسقط الميلاني هذه الرواية من الاعتبار ، أو أن يسقط اتهامه للمسور رضي الله عنه من الاعتبار ، أما مسألة جمع النقائض ؛ فهذه فوق إمكان بني آدم ، وقد يفعلها غيرهم .
           وقد ذكر هذا الميلاني أن الإمام أحمد والحاكم والبيهقي قد رووا هذه الرواية في كتبهم ، فأما البيهقي فلم يرو هذه الرواية إطلاقاً ، وإقحامه مع غيره في رواية هذه الرواية إما جهل أو كذب ، وأما الحاكم فيرويها عن أحمد بن حنبل نفسه !! إذاً هذه الحادثة ليس لها سوى إسناد يتيم ، وهو كما ورد في المسند : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، ثنا عبدالله بن جعفر ، حدثتنا أم بكر بنت المسور بن مخرمة ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن المسور رضي الله عنه .
           وأبو سعيد مولى بني هاشم هذا ، هو : عبدالرحمن بن عبدالله ، ترجم له ابن حجر في تهذيب التهذيب برقم 4574 ، وقال : قال أحمد بن حنبل عنه : كثير الخطأ ، وقال الساجي : يهم في الحديث ، ونقل القباني أنه جاء عن أحمد أنه كان لا يرضاه .
           إلا أنه قد جاء وصفه بالصدق ، فقد قال أبو حاتم : ما كان به بأس ، وقال أبو القاسم الطبراني : ثقة ، وأقول : إن من يوصف بالصدق دون الحفظ لا يتابع فيما يشذ فيه ، كما حصل في هذا الحديث ، حيث شذ عبدالرحمن بن عبدالله برواية هذا الحديث عن عبدالله بن جعفر ، مع أنه لم يذكر من بين الرواة عنه ، فأين كبار الرواة عن عبدالله بن جعفر عن هذا الحديث ؟؟
           وأما عبدالله بن جعفر : ترجم له الذهبي في ميزان الاعتدال برقم 4248 ، وإن أراد الميلاني أن نحذو حذوه في الحكم على الرجال فإني أقول : قال فيه يحيى بن معين : ليس بثبت .
           ولكن عبدالله بن جعفر قد وثقه جماعة آخرون غير يحيى بن معين رحمه الله ، فتبقى وثاقته على حالها ، ولكن أردت ضرب المثال لهذا الميلاني بأنه إن أراد الحكم على الرجال والروايات ؛ فعليه أن يلزم طريقة واحدة لا يحيد عنها ، أما أن يبتكر طريقة جديدة عند الحكم على كل رواية حسب ما يمليه عليه هواه فهذا أمر لا يقبل .
           وعموماً ؛ فحتى مع بقاء وثاقة عبدالله بن جعفر رحمه الله ؛ فإن الحديث ضعيف لوجود أبي سعيد البصري ، وما أظن الإمام أحمد رحمه الله كناه وأخفى اسمه إلا لضعفه عنده . 
           ثم انطلق الميلاني متأملاً في ألفاظ الحديث ، وتأملاته تدور حول عدة نقاط ، فأولاً : هل خطب علي ابن أبي جهل حقاً ؟ وثانياً : هل وعد علي النكاح ؟ وثالثاً : هل وقع الاستئذان من النبي ؟ ورابعاً : من استأذنه ؟ وخامساً : من الذي أبلغ النبي ؟ ثم قال : ( وهناك أسئلة أخرى ... فألفاظ الحديث متناقضة جداً ، والقضية واحدة ، ولقد تحير الشراح هنا أيضاً ، واضطربت كلماتهم ، ولم يوفقوا للجمع بينها ، وإن حاولوا وتمحلوا ) !!!!!!!!!!!!!!
           فأقول أولاً : إن ألفاظ الحديث غير متناقضة ، وإنما يراها متناقضة من أعمى الله بصيرته عن الاسترشاد بالأحاديث الصحيحة وبأقوال العلماء المعتبرين ، أما من حشد الأحاديث الصحيحة والضعيفة معاً ، ثم حكم ببطلانها جميعاً للتعارض الذي بينها ؛ فإن هذا يُشك في عقله .
           والقصة بمجملها قد أوضحها وفسرها علماء الحديث في كتبهم ، وقد اطلع الميلاني على توجيهاتهم وجمعهم لطرق الحديث ، بل وذكر بعضاً منها ، ولكن المكابرة والمجادلة بالباطل تمنعه من الإذعان ، " فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين " .
           ومن يقرأ كلام الميلاني يظن خطأ أن كتب التشيع قد سلمت من المعارضات ، وأتت بيضاء نقية لا خلاف ولا شقاق فيها ، ولكن الواقع يكذب ذلك ، حيث كتب التشيع محشودة مملوءة بالمعارضات التي تقبلها العقول ، ويكفي من ذلك الشهادة التاريخية لشيخ طائفتهم الطوسي ، حيث يقول في أحد صحاحهم وهو تهذيب الأحكام في مقدمته في الصفحة الأولى من كتابه : ( ذاكرني بعض الأصدقاء أيده الله ، ممن أوجب حقه علينا بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ، ورحم السلف منهم ، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد ، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزارئه ما يضاده !!! ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه !!!! حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا ... إلخ ) !!!!!!!!! ألف مبروك على الميلاني هذه الأحاديث المتناقضة .
           بل حتى الأحاديث التي يحتج بها الرافضة من كتب أهل السنة والجماعة تأتي متناقضة متضادة ، فحديث التصدق بالخاتم متناقض أشد التناقض في كتب السنة والشيعة على سواء ، وحديث الكساء متناقض في كتب السنة لوحدها بشكل يدعو إلى الشك فيه بقوة ، وأحاديث الغدير في كتب الشيعة أيضاً متناقضة متضاربة ، فهل سيكون حكم الميلاني عليهما مشابهاً لحكمه على الأحاديث التي لا تعجبه ؟؟ ولماذا لا يكون تناقض هذه الأحاديث مدعاة للطعن فيها كما فعل الميلاني والرافضة معه في غيرها من الأحاديث ؟؟ أم أن تضعيفه لحديث الخطبة قائم على تعكر مزاجه منه فقط ؟؟!!
           بل إن الكثير من القصص التي وردت في القرآن جاءت بألفاظ وبصيغ وبسرد مختلف ، فهل مسألة تناقضها في الظاهر يدل على بطلانها ؟؟؟ أم أن المجال مفتوح أمام أصحاب العقول السليمة ليقوموا بالجمع بينها ؟؟
           فمن ذلك قصة لوط عليه السلام عند إهلاك قومه في سورة هود ، يقول تعالى : ( ولما جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب . وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد . قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد . قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد . قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح إليس الصبح بقريب ) ، بينما سياق القصة يختلف تماماً في سورة الحجر ، حيث جاء النص كما يلي : ( فلما جاء آل لوط المرسلون . قال إنكم قوم منكرون . قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون . وأتيناك بالحق وإنا لصادقون . فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون . وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين . وجاء أهل المدينة يستبشرون . قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون . واتقوا الله ولا تخزون ) ، فهنا أفصح الملائكة عن أنفسهم قبل قدوم قوم لوط وجدالهم معه ، بينما في النص السابق لم يعلم لوط أنهم ملائكة إلا بعد قدوم قومه ، وبعد الجهد الجهيد الذي بذله لمنعهم من الوصول إلى الملائكة ، فهل التناقض الذي سيفهمه سقماء العقول أمثال الميلاني يعني أن نسقط هذه الآيات الكريمات من الاعتبار من أجل سواد عيونهم ؟؟!!
           وأما قصة موسى عليه السلام مع فرعون ؛ فما أكثر ما جاء فيها مما يسميه الميلاني تناقضاً ، فمرة يعرض السحرة على موسى الخيار في أن يبدأ هو أو أن يبدأوا هم ؟ ( قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى )، ومرة يبادر موسى فوراً آمراً إياهم بالابتداء ( قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون ) .
           ومرة يقول السحرة : آمنا برب موسى وهارون ، ومرة برب هارون وموسى .
           ومرة يقول فرعون لموسى : ( قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين ) ، ومرة يكون موسى هو صاحب العرض ، فيقول : ( قال أولوا جئتك بشيء مبين . قال فأت به إن كنت من الصادقين ) .
           ومرة يأمر فرعون بقتل أبناء بني إسرائيل بعد أن يأتيه موسى بالنبوة ، ومرة تكون سنة فرعون قتل أبناء بني إسرائيل دوماً.
           وعندما ألقى موسى عليه السلام عصاه ، ونزع يده قال فرعون للملأ حوله : ( إن هذا لساحر عليم ) ، ومرة قال الملأ له نفس العبارة : ( إن هذا لساحر عليم ) .
           فهل يسمي الميلاني هذا تناقضاً ؟؟ وهل تحير الشراح والمفسرون من الشيعة في الجمع بين هذه الآيات ؟؟ وهل اضطربت كلماتهم ولم يوفقوا للجمع بينها وإن حاولوا وتمحلوا ؟؟
           أم أن الشيعة فقط هم من يسمح لهم بالجمع بين المتعارضات ؟؟!!
           اللهم إنا نبرأ إليك مما جرنا السفهاء من أمثال الميلاني إلى قوله من الطعن في كتابك . 
           ثم أخذ يبني كلامه مستنداً على عقائد الشيعة ، والتي لا تمثل شيئاً في نقد هذه الرواية ، لأن هذه الرواية من طرق أهل السنة والجماعة ، وأهل السنة والجماعة لا يؤمنون بعصمة علي رضي الله عنه ، ولا بعصمة الزهراء رضي الله عنها ، ولا بإحاطة علي رضي الله عنه بعلوم الأولين والآخرين ، ولا بارتفاع الزهراء عن مستوى النساء الطبيعي الذي جبلهن الله عليه ، فهي تحيض ، وتلد ، وتنفس ، وتغار كغيرة النساء ، كما أن أبوها عليه صلوات الله وسلامه لم يكن مرتفعاً عن مستوى الرجال الطبيعي الذي جبلهم الله عليه ، فكان ينكح النساء ، ويأكل ويشرب ، ويمشي في الأسواق ، ويقضي حاجته في الخلاء ، ويعرق ، وتطول أظافره ، ويقص شاربه ، وينظف شعره ، وغير ذلك مما يجري على الرجال بحكم خلقتهم التي جبلهم الله عليها .
           ومجمل أحكام القصة أن علياً رضي الله عنه أخذ بعموم جواز الزواج من أربع نساء ، فخطب لنفسه ابنة أبي جهل ليتزوجها ، فغارت فاطمة رضوان الله عليها لأنها امرأة ، أما من يقول : إنها لا تغار ؛ فهذا كأنه يقول : إنها ليست امرأة عاقلة سوية .
           ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخبر الناس كلهم بأن أذى فاطمة يؤذيه ، وأن أذيته لا تجوز بأي شكل ، سواء كان بشكل مباشر أم غير مباشر ، وحتى لو كان الأمر المؤدي للأذية مباحاً في أصله مثل الزواج من امرأة أخرى ، ولهذا خطب الناس بتلك الخطبة المعروفة ، حتى يتبين الأمر لجميع الناس .
           ثم يقول الميلاني بوقاحته الشهيرة : ( قد اشتملت خطبته على ما يلي : الثناء على صهر له من بني عبد شمس ، والخوف من أن تفتن فاطمة في دينها ، وأنه ليس يحرم حلالاً ولا يحل حراماً .. ولكن لا يأذن ، وأنه لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله ، وإلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنته ) ، وغفل أعمى البصيرة هذا عامداً عما يلي : ( بضعة مني ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها ) ، ولكن الميلاني يخشى عندما يذكر هذه الكلمات الجميلة أن يعطي القارئ لكلامه الغث دفعة معنوية إيجابية لتصديق هذا الحديث ، بينما هو يسعى بخيله ورجله ليسقط هذا الحديث من الاعتبار بدون وجه حق .
           ثم يذكر أن الشراح قد احتاروا في القول بأن فاطمة تعتريها الغيرة كسائر النساء ، بينما أن الشراح لم يتناولوا هذه القضية أصلاً !!!!!
           وأما قوله : ( وفاطمة الزهراء ليست بالتي تفتن عن دينها ، أو يعتريها ما يعتري النسوة ، وقد نزلت فيها آية التطهير من السماء ) ، فأقول : نحن بانتظار رسالة الميلاني الجديدة : نظرات في أسانيد حديث الكساء ، لتكون الرسالة الحادية عشر في هذه السلسلة .
           وأما قوله : ( والنبي يعترف في خطبته بأن علياً ما فعل حراماً ، ولكن لا يأذن ، فهل إذنه شرط ؟ وهل يجوز حمل الصهر على طلاق زوجته إن تزوج بأخرى عليها ؟! ) ، فأقول : إن عدم إذن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعني حمل الصهر على الطلاق ، وإنما يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لن يرضى بهذا النكاح ، لعدم رضا ابنته به ، ومن هنا سيكون أذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأذيته صلوات ربي وسلامه عليه لا تجوز .
           ثم يقول الميلاني بعد سرد أقوال الأئمة في شرح الأحاديث : ( ولو ذكرنا التناقضات الأخرى الموجودة بينهم لطال بنا المقام ) ، وأقول : وهل بعد هذا الطول من طول ؟ ولكن الأسلوب الدعائي الذي يستعمله الميلاني دوماً قد انكشف أمره ، وأصبح لعبة قديمة ، ولو وجد الميلاني حرفاً واحداً زيادة على ما كتب لما ادخر وسعاً في تدوينه والتهريج به ، ظاناً أنه سيستطيع إسقاط هذا الخبر ، وما درى المسكين أنه يناطح جبلاً .
           ثم شرع يذكر بعض الطرائف التي وجدها أثناء البحث ، فيقول : ( ومن طرائف الأمور جعل البخاري كلام النبي خلعاً ) ، والطريف في أمر الميلاني هذا أنه لا يقيم لذكر النبي صلى الله عليه وسلم وزناً ، ولا يصلي عليه إلا عند ذكر آله ( الطيبين الطاهرين ) .
           وفرح الميلاني باستدراكات شراح صحيح البخاري عليه هذا العنوان ، حيث إن القصة لا تدل على وجود الخلع ، ولكننا نود تذكير الميلاني بأن البخاري غير معصوم ، وأنه فقيه محدث له رأيه واجتهاده ، وإن أخطأ في أمر من الأمور فهذا ليس موضعاً لضمه في كتب النوادر والطرائف ، وإلا لو كان الأمر كذلك ؛ لأمتلأت كتب بالطرائف المجموعة من كتب الشيعة .
           بل وصل الأمر إلى المآسي التي تدمي القلب ، فمن المؤسف جداً أن علماء الإمامية القدامى مجمعون على القول بتحريف القرآن ، ومن المضحك الطريف جداً أو علماء الإمامية المتأخرين يلعنون ويتبرأون ممن قال بتحريف القرآن !!!
           ومن الطريف جداً أن علماء الإمامية يرون جواز إتيان النساء من أدبارهن ! ( قبحهم الله ) .
           والأكثر طرافة : مسألة المتعة الدورية ، واستعارة الفروج ، والتمتع بالرضيعة ، وجواز تلقيح المرأة بنطفة رجل غير الزوج حتى ينسب الطفل المولود للزوج !!!!!
           ثم إن القضية التي وقع في التناقض بشكل فعلي : هي قضية استئذان علي رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة ، والتي وردت عن سويد بن غفلة رحمه الله مرسلة ، والتي رواها عنه الشعبي رحمه الله تعالى ، وهذه الزيادة باطلة موضوعة ، ولم ترد بإسناد مرضي ، بل مخالفة للأسانيد الموصولة الصحيحة الأخرى ، وقد روى هذه الزيادة : عبدالله بن أحمد في الفضائل ، وابن أبي شيبة في المصنف عن زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي ، عن سويد بن غفلة ، والحاكم يرويها في المستدرك عن أحمد ، والمتقي في كنز العمال يرويها مباشرة بدون خطام ولا زمام عن الشعبي ، ويروي جزءاً منها الهيثمي عن ابن عباس بلا إسناد !!!!
           ولهذا نرى الميلاني لما رأى ضعف هذه الزيادة ؛ قام بحشد عدد من المصارد التي ذكرتها ، والتي لم يكن من عادة الميلاني أن ينظر إليها ، ولكن لما رأى أن هذه الزيادة قد تعينه في إسقاط حجية الحديث قام بحشدها من الكتب التي تحمل الغث عند تفردها ، من أمثال : مستدرك الحاكم ، ومصنف ابن أبي شيبة ، وكنز العمال ، والصواعق المحرقة ، وغيرها .
            ثم بدأ يعرض نتيجة تأملاته في الحديث ، وأرى من المناسب أن أعرض نتيجة تأملاتي في الحديث بعد تأملاته ، فيقول هو في البداية :
           ( 1 – إن قول المسور : " وأنا محتلم " يورث الشك في سماعه الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا عدم المناسبة المعقولة بين طلبه للسيف من زين العابدين وإخباره بالقصة ، ثم إلحاحه في طلب السيف ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فاطمة بضعة مني " ! ) .
           والجواب : أننا قلنا أن معنى " وأنا محتلم " هو " وأنا كالمحتلم " ، وأما المناسبة فواضحة ظاهرة للعيان ، وطلبه للسيف كان       لحفظه ، لأن فقده يعز على علي بن الحسين رحمه الله ويكدر خاطره .
           ويقول الميلاني : ( 2 – إن ألفاظ الحديث مختلفة ، ومعانيها متفاوته جداً ، بحيث لم يتمكن شراحه من بيان وجهٍ معقول للجمع بين تلك الألفاظ ، ولما كانت الحال هذه والقصة واحدة ؛ فلا محالة يقع الشك في أصل الحديث ) !!
           وأقول : قد ذكرنا أن القصة ليست متعارضة بالشكل الذي يزعمه الميلاني ، وأن الجمع بين ألفاظها سهل ميسور ، ولكن للعقلاء والمنصفين فقط ، وذلك أولاً بطرح الروايات الضعيفة ، ثم النظر فيما صح من الروايات ، أما من كان على شاكلة الميلاني فيعسر عليهم ذلك ، كما أن هناك الكثير من الآيات ظاهرها متعارض ، ولكن لا وجه للقول بأنها متناقضة متعارضة فعلاً ، فإذا كان تناقض ظاهر الألفاظ قد وقع في القرآن ؛ فوقوعه في غيره أولى ، وليس هو في الحقيقة لا تناقضاً ولا تعارضاً .
           وكذلك ؛ فإن علماء الرافضة يذكرون أن الرافضة لا يملكون خبراً إلا وبإزائه ما يضاده ، ولا يسلم حديث من معارض له ، فعلى رأي الميلاني ؛ يجب إسقاط جميع كتب الشيعة من الاعتبار ، فليقم برمي كتب التشيع كلها في البحر إن كان مقتنعاً بكلامه ، وليرحنا من الغثاء الذي تحمله .
           ثم يقول وما أعجب ما يقول : ( 3 – إن مدلول الحديث لا يتناسب وشأن أمير المؤمنين والزهراء ، وفوق ذلك لا يتناسب وشأن النبي صاحب الشريعة الغراء ، وحتى لو فعل علي ما لا يجوز ، لما ثبت من أنه كان إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل : ما بال فلان يقول ؟ ولكن يقول : ما بال أقوام يقولون : كذا وكذا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلّ ما يواجه رجلاً في وجهه بشيء يكرهه ، وقال : من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا مؤودة .
           وقد التفت ابن حجر إلى هذه الناحية ، حيث قال : وكان النبي صلى الله عليه وسلم قلّ أن يواجه أحداً بما يعاب به ، ثم اعتذر قائلاً : ولعله إنما جهر بمعاتبة علي مبالغة في رضا فاطمة رضي الله عنها .
           لكنه كما ترى ، أما أولاً : فلم يرتكب علي عيباً ، وأما ثانياً : فإن الذي صدر من النبي صلى الله عليه وسلم ما كان معاتبة ، وأما ثالثاً : فإن المبالغة في رضا فاطمة إنما تحسن ما لم تستلزم هتكاً لمؤمن ، فكيف بعلي ، وليس دونها عنده إن لم يكن أعز وأحب ) .
           وسخافاته هذه لا تحتاج إلى رد أصلاً ، فإن كتب الرافضة تصف العلاقة بين علي وفاطمة بأغبى وصف وأشنعه ، وبشكل غريب يثير العجب ، فهذا المجلسي يروي في البحار جزء 43 ص 147 وما بعدها عن علل الشرائع للقمي ، عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : ( كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة ، فأهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم ، فلما قدمنا المدينة أهداها لعلي تخدمه ، فجعلها علي في منزل فاطمة ، فدخلت فاطمة يوماُ فنظرت إلى رأس علي في حجر الجارية ، فقالت : يا أبا الحسن ، فعلتها ؟؟!! فقال : والله يا بنت محمد ما فعلت شيئاً ، فما الذي تريدين ؟ قالت : تأذن لي في المسير إلى منزل أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لها : قد أذنت لك ، فتجلببت بجلبابها ، وتبرقعت ببرقعها ، وأرادت النبي صلى الله عليه وسلم ، فهبط جبريل فقال : يا محمد ، إن الله يقرئك السلام ، ويقول لك : إن هذه فاطمة قد أقبلت تشكو علياً ، فلا تقبل منها في علي شيئاً ، فدخلت فاطمة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : جئت تشكين علياًُ ؟ قال : إي ورب الكعبة ، فقال لها : ارجعي إليه فقولي له : رغم أنفي لرضاك !!!!!! فرجعت إلى علي فقالت له : يا أبا الحسن ، رغم أنفي لرضاك ، تقولها ثلاثاً ) !!!!!!!!!!!!!
           يا للعلاقة الزوجية الحميمة التي تذكرها هذه الرواية ، وليس عليّ من حرج في الاستشهاد برواية دون أن أنظر في إسنادها لأن هذا هو عين ما يفعله الميلاني في رسائله ، وهذه العلاقة الزوجية تجعل فاطمة تغضب على علي ، فكيف سيحلون هذا الإشكال ؟؟؟ ثم تهجر بيت زوجها ، وتذهب إلى أبيها تشكو زوجها الحميم ، فيطيب الأب الرحيم خاطر ابنته التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها بأن يأمر أن تقول لزوجها العزيز : رغم أنفي لرضاك ثلاثاً !!!!!!!!!!!!!!!!!
           ويروي المجلسي أيضاً في نفس الموضع أنه لما انصرفت فاطمة من عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد طلبها ميراثها منه ، أقبلت على أمير المؤمنين ( زوجها الحبيب ) ، فطيبت خاطره بهذه الكلمات التي يرويها المجلسي في بحاره ، والطبرسي في احتجاجه ، حيث يروون أنها رضي الله عنها قالت له : ( يابن أبي طالب ، اشتملت شملة الجنين ، وقعدت حجرة الظنين ، نقضت قادمة الأجدل ، فخانك ريش الأعزل ... أضرعت خدك يوم أضعت حدك !!!!!! افترست الذئاب ، وافترشت التراب ، ما كففت قائلاً ، ولا أغنيت طائلاً !! عذيري الله منك عادياً ، ومنك حامياً ، ويلاي في كل شارق ، ويلاي في كل غارب ، مات العمد ، ووهن العضد ... ) إلى آخر هذا الكلام المعسول ، الذي يفيض رقة وعذوبة ، ومحبة واحتراماً وتقديراً !!!
           ويروي المجلسي أيضاً أن فاطمة قالت : ( يا رسول الله ، زوجتني عائلاً ) !!! يعني أن الأمر وصل إلى حد الغيبة أيضاً والتهكم !!
           ويروي المجلسي عن أمالي الشيخ الطوسي ، عن أبي عبدالله قال : ( أوحى الله تعالى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل لفاطمة : لا تعصي علياً ، فإنه إن غضب غضبت لغضبه ) !!!! دون أن يكون لغضب فاطمة نصيب من الاعتبار !!
           ويروي المجلسي ، عن مصابيح الأنوار ، عن جعفر بن محمد ، قال : ( شكت فاطمة إلى رسول الله علياً ، فقالت : يا رسول الله ، لا يدع شيئاً من رزقه إلا وزعه على المساكين ، فقال لها : يا فاطمة ، أتسخطينني في أخي وابن عمي ؟؟!! إن سخطه سخطي ، وإن سخطي سخط الله عز وجل ) !!!!!!! وهذه الرواية صريحة في أن فاطمة أسخطت الله عز وجل !!!!!!!
           فهل هذه هي العلاقة الزوجية الحميمة ، والمودة القائمة بين علي وفاطمة التي يزعمها الشيعة والمتشيعون ؟؟!!
           على أقل تقدير ، وعلى افتراض أن كل هذه الأحاديث مكذوبة ، بالإضافة إلى كذب حديث خطبة علي رضي الله عنه الذي نحن بصدده ؛ فإن كذابي السنة كانوا أشد احتراماً لأهل البيت من كذابي الشيعة ، حيث قال رواة السنة الذين زعم الشيعة فيهم الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( فاطمة بضعة مني ) ، أما كذابو الشيعة الأشرار ؛ فقد نقلوا ما تشمئز النفوس من ذكره ، وما يأنف أجلف الرجال عن معاملة زوجته به .
           وأما إعلان النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر على الملأ ؛ فليبين الحكم العام للناس ، ألا وهو أن ما كان أصله مباحاً ، وكان فيه أذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه غير جائز .
           ثم يقول : ( 4 – وكما أن هذا الحديث تكذبه أحكام الشريعة الإسلامية ، والسنن النبوية ، والآداب المحمدية ؛ كذلك تكذبه الأخبار الصحيحة ، في أن الله هو الذي اختار علياً لنكاح فاطمة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رد كبار الصحابة وقد خطبوها ، ومن المعلوم أن الله لا يختار لها من يؤذيها بشيء مطلقاً ) !!!!!!
           وأولاً إذا كان الله لا يختار لها من يؤذيها بشيء مطلقاً ؛ فإن الله أيضاً لا يختار لرسوله صلى الله عليه وسلم من تؤذيه أبداً وهي عائشة وحفصة وبقية أمهات المؤمنين ، فكيف يحتج الميلاني بعدم أذية علي لفاطمة لأن الله اختاره لها ؛ في نفس الوقت الذي يطعن فيه في أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها مع أن الله اختارها لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون هي البكر الوحيدة من بين زوجاته رضوان الله عليهن .
وكذلك ؛ فإن الله لا يختار لرسوله صلى الله عليه وسلم من ينكث عهده بعد مماته مطلقاً ليصاحبه طوال حياته ،  ولا يترضى الله في كتابه العزيز على أمثال هذا ، وهذا دارج في ضمن تهافت حجج الرافضة ، حيث إن كل حجة يؤسسونها تهدم حججاً أخرى غيرها قد بنوها من قبل .
ثم إذا كان الله قد اختار لفاطمة علياً ؛ فما تفسير الميلاني للأحاديث التي ذكرناها ؟؟
ثم يقول : ( 5 – وتكذبه أيضاً سيرة الإمام علي وأحواله مع المصطفى عليه الصلاة والسلام منذ نعومة أظفاره ، حتى آخر لحظة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم الكريمة ، فلم ير منه شيء ( هكذا ) يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم أو يكرهه ) .
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يغضب لغضب فاطمة رضوان الله عليها ، بل ويغضب على أتفه شيء تغضب من أجله فاطمة كما يزعم الشيعة ، وقد أغضب علي فاطمة في الأحاديث التي ذكرناها من كتب الشيعة كثيراً ، وهذا يعني أن علياً أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ، فكيف يقول الميلاني : لم ير منه شيء يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم أو يكرهه ؟؟!
 
ثم ذكر تنبيهين في النهاية ، فقال في التنبيه الأول ما معناه : ( أن فاطمة الزهراء كانت بضعة النبي صلى الله عليه وسلم حقاً ، ولقد كرر النبي صلى الله عليه وسلم قوله : فاطمة بضعة مني غير مرة ، وروي عن أمير المؤمنين ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة : إن الله يرضى لرضاك ، ويغضب لغضبك ) ، ثم ذكر أقوال العلماء في تحريم إغضاب فاطمة ، والتي خالفها علي بن أبي طالب بكل جرأة كما مر معنا في الأحاديث الشيعية السابقة .
ثم يكمل ويقول ما معناه : ( وأبو لبابة الأنصاري نزلها منزلة النبي بأمر من النبي ) هكذا دون صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا سلام ، لأن مقام النبي صلى الله عليه وسلم في نفس مدعي المحبة هذا أقل من أن يصلي عليه ، بينما الأئمة من أهل البيت المزعومين ؛ فلا بد من إقحام كلمة وآله في كل صلاة تجمعهم مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يدلل بشكل قاطع أن دعوى الشيعة في اتباعهم الأئمة لأنهم ذرية النبي صلى الله عليه وسلم باطلة قطعاً !! بل إن الشيعة في الواقع ما أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لأنه جد الأئمة !!
ومن شدة حب الشيعة لأئمتهم لم يحبوا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم فحسب ؛ بل أحبوا آباء الأئمة من أبي طالب إلى آدم عليه السلام ، وزعموا فيهم أنهم كلهم مؤمنون ، وأن آباء الأنبياء والأوصياء لابد أن يكونوا مؤمنين ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من نسل إبراهيم عليه السلام ، ووالد إبراهيم عليه السلام كان مشركاً يصنع الأصنام لقومه !!
ثم يكمل الميلاني ويقول ما معناه : ( أنه جاء في الصحيحين من رواية المسور بن مخرمة رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول : ( فاطمة بضعة مني ، يؤذيني ما آذاها ، ويريبني ما رابها ) فقط دون ذكر الخطبة ، وأنهما روياه عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة ) .
ثم يقول : ( والملاحظ أنه لا يوجد في هذا السند المجرد واحد من ابني الزبير ، والزهري ، والشعبي ، والليث ... وأمثالهم ، ونحن نحتج بهذا الحديث ... كسائر الأحاديث ... وإن جرحنا المسور ، وابن أبي مليكة ، لأن الفضل ما شهدت به الأعداء ) .
ثم يصل إلى استنتاج خطير ، يقول فيه : ( ولكن أغلب الظن أن القوم وضعوا قصة الخطبة ، وألصقوها بالمسور وروايته ... لغرض في نفوسهم ، ومرض في قلوبهم !!! حتى جاء ابن تيمية المجدد لآثار الخوارج ، والمشيد للأباطيل على موضوعاتهم ، فيقول : " إن هذا الحديث لم يرو بهذا اللفظ ، بل روي بغيره ، كما ذكر في حديث خطبة علي لابنة أبي جهل ، لما قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً ، فقال : إن بني هشام بن المغيرة ... رواه البخاري ومسلم في الصحيحين ، من رواية علي بن الحسين والمسور بن مخرمة ، فسبب الحديث خطبة علي لابنة أبي جهل " ، ( انظر منهاج السنة النبوية ج2ص170 ) ، ولكن الحقيقة لا تنطلي على أهلها ، والله الموفق ) !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
           فأقول وبالله التوفيق : إن في كلامه السابق من الكذب والمغالطة ما في إحصائه كلفة ، ولكن لعلي ألخصه في النقاط التالية :
           الأولى : احتجاجه بالحديث الذي في الصحيحين عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة ، في ذكر أن فاطمة بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم دون ذكر خبر الخطبة .
           الثانية : عدم وجود أعداء أهل البيت في أسانيد هذا الحديث .
           الثالثة : تحويل رواة الإسلام رواية المسور بن مخرمة لهذا الخبر إلى خبر الخطبة .
الرابعة : زعمه أن ابن تيمية كذب حديث البضعة !!!!!!
                      فأما النقطة الأولى والتي تتعلق باحتجاجه بالحديث المذكور ؛ فقد قام الميلاني نفسه بالطعن في رواته راوياً بعد راوٍ ، إما بتهمة العداء لأهل البيت أو بتهم أخرى ، ففي رأيه السقيم أن المسور كان طفلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان من الخوارج ، ويطعن فيه لأنه كان يلزم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكان إذا ذكر معاوية صلى عليه ، وابن أبي مليكة كان قاضياً لابن الزبير ، وكفى بهذا مطعناً فيه فيه نظره ، وأما عمرو بن دينار فمدلس أيضاً كما احتج الميلاني ، فربما يكون عمرو بن دينار قد سمع حديث الخطبة ؛ فروى خبر البضعة فقط عن طريق رجل من غلاة الرافضة ودلس اسمه ، وما المانع ما دام الميلاني يطلق التهم جزافاً وبلا دليل عقلي أو نقلي ؟؟؟ ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ) .
           وأما النقطة الثانية : فعجيبة غاية العجب ، فالميلاني يرى أنه ما دام ابن أبي مليكة والمسور قد رويا حديث البضعة فقط ، في حين روى الباقون حديث الخطبة ؛ فإن هذا يعني أن الباقين قد وضعوا حديث الخطبة ، وخلطوه بحديث البضعة !!!!!! وهنا عدة إشكالات لن يستطيع الميلاني حلها مهما حاول وتمحل ، فكيف يحتج بحديث ابن أبي مليكة عن المسور رضي الله عنه في الثناء على فاطمة رضوان الله عليها في نفس الوقت الذي يزعم أن هؤلاء أعداء لها ؟؟!!
           وما دام أنهم قد رووا فضائلها ؛ فلماذا لا يعتبرهما الميلاني من أوليائها بدلاً من أن يعتبرهما من أعدائها ؟؟
           وإن احتج بأنهما أعداء أنطق الله ألسنتهما بالفضل رغماً عنهما ؛ فأين الدليل الصحيح على أنهما أعداء لأهل البيت ؟؟
           وما الضير على أحد في معاداته جعفر الصادق ، أو موسى الكاظم ، أو حتى محمد الباقر رحمهم الله ، وهل بغضهم مسقط للعدالة عند السنة أو الشيعة ؟؟ كلا ، فقول أهل السنة معلوم واضح في قبول رواية المبتدع ما لم يكن داعية لبدعته ، مثلاً : الخوارج ، وكذلك الشيعة يروون في كتبهم وعلى رأسها الكليني للكافي عمن يسمونهم بالنواصب !!!!
           وأما النقطة الثالثة : فأعجب من الثانية ، وهي زعمه أن الرواة حولوا حديث البضعة إلى حديث الخطبة ، ولكن السؤال المهم : لنفرض أن الحديث موضوع ؛ ولكن من الذي وضعه ؟؟
           فأما المسور وابن أبي مليكة فسليمان من هذه التهمة في نظر الميلاني بعد الكلام الطويل الذي حشده في طعنهما ، وذلك لأنهما هما الرواة لحديث البضعة ، وكذلك فعبدالله بن الزبير رضي الله عنه بريء من هذه التهمة لأن الحديث وصل إلى ابن أبي مليكة سليماً .
           إذاً لننظر فيمن روى عن ابن أبي مليكة ، وهم : عروة بن الزبير ، وأيوب السختياني ، والليث بن سعد ، فمن هو واضع الحديث في نظر الميلاني من هؤلاء ؟؟
           فعروة بن الزبير مدني ، وأيوب السختياني بصري ، والليث بن سعد مصري ، وكل من هؤلاء حدث بهذا الحديث في بلده ، ولم يرو أحد من هؤلاء عن الآخر ، فيا ترى من الذي وضعه من هؤلاء في ظن الميلاني ؟؟ وهل يستقيم عقلاً أن يتفق شخص في المدينة ، وثاني في البصرة ، وثالث في مصر في قلب حديث واحد ، سمعوه من رجل واحد ، إلى صيغة أخرى متفقة متوحدة ؟؟!! أم أن الهواتف المحمولة والبريد الإلكتروني كانا موجودين في ذلك الوقت ؟؟
           ثم لنفرض جدلاً أن عروة بن الزبير هو واضع هذا الحديث ، لأن المؤلف الميلاني يقول : إن هذا الحديث من وضع ابني الزبير رضي الله عنهما ؛ فلماذا أخذ الميلاني يرغي ويزبد في الطعن في الإمام الزهري بأنه وضع الحديث على علي بن الحسين رحمهما الله ؟؟!!! بل وأخذ يعدد أمثلة قد كذب الزهري فيها ( في ظن الميلاني ) على أهل البيت ، بل وأخذ يضرب أمثلة ببعض من حذو حذوه أيضاً .
           إن هذا كله يدل على تناقض الميلاني ، وعلى عدم تفكيره فيما تسطره يداه !!
           ولكن الليث بن سعد ، وأيوب السختياني قد رويا عن الزهري ، ولكن ما حاجتهما لرواية هذا الحديث عن الزهري ، عن عروة ، عن ابن أبي مليكة ، في الوقت الذي كانوا يروون هذا الحديث عن ابن أبي مليكة مباشرة ؟؟؟!! ولا يخفى حرصهم الشديد في تلك الأزمنة على علو الإسناد .
           وإن كان الميلاني سيتهم الليث بعداء أهل البيت محتجاً بذكره فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه لأهل مصر ؛ فإنه لن يجد مطعناً في أيوب السختياني ، الذي هدى الله على يديه بعض مشاهير الإباضية ، كالخليل بن أحمد الفراهيدي ، كما في ترجمة الخليل من تهذيب الكمال ، في الترجمة رقم 1725 ، حيث كان يرى رأي الإباضية ، حتى منّ الله عليه بمجالسة أيوب السختياني !!!      
           وأما النقطة الرابعة والأخيرة : وهي زعم الميلاني أن ابن تيمية رحمه الله ، مجدد آثار الخوارج على حد قوله الأرعن ؛ قد كذب بحديث (فاطمة بضعة مني ، يؤذيني ما آذاها ، ويريبني ما رابها ) ، وإحالته المرجع إلى منهاج السنة النبوية ، واثقاً من مرور كذبه على القارئ مرور الكرام ، ولكن عند النظر في الكتاب المذكور ؛ يتبين لنا وبكل وضوح كذب الميلاني ، حيث قال إمام الدنيا وشيخ الإسلام ابن تيمية ما نصه :
           ( وأما قوله : رووا جميعاً أن فاطمة بضعة مني ، من آذاها آذاني ، ومن آذاني آذى الله ؛ فإن هذا الحديث لم يرو بهذا اللفظ ، بل روي بغيره ، كما ذكر في حديث خطبة علي لابنة أبي جهل ، لما قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً ، فقال : إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، وإني لا آذن ، ثم لا آذن ، ثم لا آذن ، إنما فاطمة بضعة مني ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها ... إلخ ) !!!!!!!!!!!!
           فالميلاني يكذب هنا بكل بجاحة ، ويتهم شيخ الإسلام بتكذيبه لحديث البضعة ؛ في الوقت الذي يحتج فيه شيخ الإسلام ابن تيمية بحديث البضعة ، ولكن بلادة فهم الميلاني أو كذبه وتزويره أوقعاه في الحفرة .
           ثم إن الميلاني كما كذب على ابن تيمية بكل صراحة وراحة ؛ قد أخطأ أيضاً في تشبيه شيخ الإسلام بالخوارج ، لأن الخوارج لم يكن من عادتهم انتقاص فاطمة الزهراء رضوان الله عليها أو الجيل الأول من الصحابة الذين توفوا قبل خلافة عثمان رضي الله عنه ‍‍‍‍!!!! بل كانوا يترضون عن هؤلاء جميعاً ، وإنما قال الخوارج بفسق إحدى الفرقتين في صفين ، وعادَوا علياً ومعاوية رضوان الله عليهما لتحكيمهما الرجال في دين الله تعالى ، بينما فاطمة الزهراء قد ماتت قبل هذه الحوادث بأكثر من عشرين عاماً !!!!!!! فحتى في التشبيه التاريخي يفشل الميلاني !!
           وبهذا ؛ نجد أن الرافضة في محاولاتهم المستمرة للطعن في أحاديث الصحيحين هم كمن يباري صفيحاً ، أو يستعطي شحيحاً ، أو يسابق ريحاً ، فمهما حاولوا النيل ولو من حديث واحد في صحيحي البخاري ومسلم فلن يرجعوا إلا بالخسار والعثار ، والبوار والدمار ، وضياع الوقت والجهد فيما لا فائدة فيه ، بل كلما وجدوا لهم بصيص أمل في الطعن في حديث من أحاديث الصحيحين ؛ فتحوا على أنفسهم أبواباً من الطعون في كتبهم الحديثية ، وفي نزاهتهم ، وفي مصداقياتهم ، وفي أمانتهم في النقل ، وفي مدى تفكيرهم ، وفي سلامة عقولهم ، ورسائل الميلاني العشر تعبر عن هذا كله خير تعبير .
            ثم ذكر تتمة لكلامه فقال : ( وكأن القوم لم يكفهم وضع حديث خطبة ابنة أبي جهل ، فوضعوا حديثاً آخر ، فيه أن علياً خطب أسماء بنت عميس رضي الله عنها ! لكنه واضح العوار جداً ، فلذا لم يخرجه أصحاب صحاحهم ، بل نص المحققون منهم على سقوطه صحاحهم ، بل نصّ المحققون منهم على سقوطه ) .
           ولم يبين لنا الميلاني دليله على أن هذا السند ساقط واضح العثار إلا بقوله : ( قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وفيهما من لم أعرفه ) !!!!! فقط ، وبدون توسع .
           وكان الميلاني في غنى عن جعل نفسه سخرية للملأ بذكره لهذه الحادثة ، حيث إن القوم الذين وضعوا هذا الحديث معروفون بحمد الله تعالى ، وهو موضوع كما قال الميلاني ، ولكنه أراد أن يلصق وضعه بابني الزبير ، وابن أبي مليكة ، والليث ، والزهري رضي الله عنهم أجمعين ، فكانت المفاجأة الكبرى من نصيبه ، حيث إن رواة هذا الخبر هم : سليمان بن قرم ، عن هارون بن سعد ، عن أبي السفر ، عن حرة ، عن أسماء بنت عميس ، وفي كتب الرجال عند أهل السنة والجماعة : سليمان بن قرم ، وهارون بن سعد : رافضيان مقيتان ، والبقية ثقات !!!!!!
           وفي كتب الشيعة : سليمان بن قرم ثقة إمامي ، وهارون بن سعد : زيدي ضعيف !!!!!!!
           فمن هو الذي يضع الأكاذيب على أهل البيت الآن ؟؟ ومن هو الذي ينتحل في ظاهره الولاء لأهل البيت حتى يدس في دين الإسلام أحاديثه المكذوبة ؟؟؟ بل ويسرق الأخبار ويقلبها حتى لا يفطن الناس إليها ؟؟؟ ومن هو الذي وضع من الروايات المكذوبة ما قام بتصديقه طائفة بأكملها دون أدنى ذرة من عقل أو تفكير ؟؟؟ وحتى أُشربت قلوبهم تلك الأكاذيب ، حتى قاموا يعارضون ما أجمعت عليه الأمة من الأحاديث الصحاح بهذه الأكاذيب الصراح ؟؟؟
            ثم ذكر خاتمته المشؤومة ، والتي ذكر فيها خلاصة بحثه الركيك ، وجهده في البحث عن الباطل ، وسعيه الغير مشكور ، وقتله للحق ، وإنصافه للباطل ، فذكر أن استنتاجاته على الحديث كما يلي :
أنه مختلق من قبل آل الزبير !!!!!! وهما : عبد الله وعروة !! والمسور بن مخرمة الذي كان من الخوارج !!!!! وابن أبي مليكة قاضي الزبير ومؤذنه ، والزهري الذي كان يجلس مع عروة بن الزبير رحمه الله ، وينالان في القصة المكذوبة من علي رضي الله عنه ، وأقحم شعيب بن راشد في الموضوع لأنه راوية الزهري ، ولم يسلم منه أبو اليمان لأنه راوية شعيب ، ثم يقول أخيراً : ( هؤلاء رؤوس الواضعين لهذه الأكذوبة البينة ... وقد عرفتهم واحداً واحداً ) ، وأقول : حتى يكون الخبر أكذوبة بينة ؛ لا بد للميلاني من بينة !!!
           مع أن حديث الشجنة والبضعة تعدى عبدالله بن الزبير سليماً كما يقول الميلاني ، وتجاوز كذلك ابن أبي مليكة ، ثم تفرق الرواة عن ابن أبي مليكة في البصرة ، ومصر ، والمدينة ، وبقيت رواية أيوب السختياني لهذا الحديث حجر عثرة في طريق آمال الميلاني في إسقاط أحاديث الصحيحين .
           ثم أخذ يكيل الشتائم لعبدالله بن الزبير الصحابي رضوان الله عليه ، فيقول : ( وكل هؤلاء على مذهب إمامهم عبدالله بن الزبير ، الذي اشتهر بعدائه لأهل البيت عليهم السلام ، وتلك أخباره في واقعة الجمل وغيرها ، ثم حصره بني هاشم في الشعب بمكة ، فإما البيعة له وإما القتل ، ثم إخراجه محمد بن الحنفية من مكة والمدينة ، وابن عباس إلى الطائف ، وعداؤه للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، حتى قطع ذكره صلى الله عليه وسلم جمعاً كثيرة ، فاستعظم الناس ذلك ، فقال : إني لا أرغب عن ذكره ، ولكن له أهيل سوء ، إذا ذكرته أتلعوا أعناقهم ، فأنا أحب أن أكبتهم !! مذكورة في التاريخ ، وقد قال أمير المؤمنين كلمته القصيرة المعروفة : ما زال الزبير رجلاً منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبدالله ) !!!!!!!
           ثم يقول خاتماً رسالته : ( فليهذب السنة الشريفة حماتها الغيارى من هذه الافتراءات القبيحة ) !!!!!!!!
           وإن كان المؤلف الميلاني قد قام بتأليف رسالته هذه للنظر في رواية الخطبة الصحيح ؛ فكم يحتاج من مجلد لكي يخرج لنا نظراته في هذه الروايات العجيبة الشاذة الموضوعة التي يستشهد بها ؟؟
           فإثبات عداء عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما لأهل البيت دونه خرق القتاد .
           وواقعة الجمل ليست دليلاً على ذلك .
           وحصره بني هاشم بمكة ليس عليه دليل .
           وإخراج محمد بن الحنفية وابن عباس رضي الله عنه دعوى باطلة .
           وعداؤه النبي صلى الله عليه وسلم أمر يثير الشفقة على من يصدقه .
           ثم إن ابن الزبير رضي الله عنهما لم يؤذ أحداً من أهل البيت المزعومين عند الشيعة ، فبني هاشم في مكة لم يكن فيهم أحد من الأئمة الاثني عشر ، ومحمد بن الحنفية وابن عباس رضي الله عنهما ليسا من أهل البيت في قول الشيعة !!! فمتى آذى ابن الزبير رضي الله عنه أحداً من أهل البيت أثناء خلافته ؟؟!!
           والطريف أن احتجاج الميلاني بالقول المزعوم عن ابن الزبير رضي الله عنهما أنه قال : ( ولكن له أهيل سوء ) يبطل قول الشيعة بأن أهل البيت هم الأئمة الاثنا عشر ، ويرجح قول أهل السنة والجماعة بأن أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هم بنو علي ، وبنو العباس ، وبنو جعفر ، وبنو عقيل رضوان الله على الجميع ، حيث إن المقصود بقول ابن الزبير رضي الله عنهما هم عبدالله بن عباس رضي الله عنهما ، ومحمد بن الحنفية ، وبني الحسن رضوان الله عليه !!
           وعجبي يبلغ مداه من هذا الميلاني الذي يحتج على صحة قول ابن الزبير رضي الله عنهما هذه المقولة بأنها ( مذكورة في التاريخ ) ‍‍‍‍‍‍‍‍‍!!!!!! وكأن التاريخ الشيعي سليم من الخرافات والأكاذيب ، والعجب الأكبر أن يقوم بتأليف رسالته هذه في خبر قد انتشر في جميع كتب التواريخ ، لأن خبر خطبة علي رضي الله عنه لابنة أبي جهل لم تذكره كتب الحديث فقط ؛ بل أطبقت على ذكره الكتب التي تذكر السيرة ، فالميلاني يحتج بالتاريخ الذي يعجبه فقط ، دون أمانة علمية أو إنصاف .
           وأما المقولة المزعومة على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : ( ما زال الزبير رجلاً منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبدالله ) ؛ فهي بحاجة إلى رسالة مستقلة من الميلاني يقوم بدراسة أسانيدها وتفنيدها بعد ذلك .
           ويقول الميلاني في الختام : ( فليهذب السنة الشريفة حماتها الغيارى من هذه الافتراءات القبيحة ) .
           وأقول : نعم ، ليهذب الرواة من السنة والشيعة كتبهم من الكذب ، ومن الافتراءات القبيحة المقيتة .
           فأما أهل السنة والجماعة ؛ فقد استفرغوا الجهد والطاقة ، بما لا مزيد عليه ، وكتب علمائهم تنطق بذلك ، فلم يرووا الصحيح فقط ؛ بل خصصوا الكتب لرواية الأحاديث الضعيفة ، ونقدوا رجالهم رجلاً رجلاً ، وغربلوا كتبهم كتاباً كتاباً ، وعلموا أحاديث نبيهم صلوات الله وسلامه عليه وأسانيدها ، وأحوال رواتها ، فما غابت عنهم غائبة ، وما خفيت عليهم خافية .
           وأما علماء الشيعة المهملون ، فإنهم يتهربون دوماً من نقد الأحاديث على أسس موضوعية ، ولذلك تراهم يحتجون بالعبارة الشهيرة المملة المكررة : ( كل عالم له طريقته في قبول الأحاديث ) ، فالحديث يروى بإسناد واحد ، والحكم على الرجال واحد ، ولكن كل عالم من علمائهم يحكم بمزاجه على الحديث .
           ومن قرأ كتب الفقه عند الفريقين يجد البون شاسعاً ، فأهل السنة لا يرجحون قولاً إلا بعد النظر في الحديث الدال عليه إن لم يكن عليه دلالة في القرآن ، فإذا كان الحديث صحيحاً حكموا بالحكم الذي يدل عليه ، وإن كان باطلاً لم يحكموا ، أما الشيعة المنكسو العقول والقلوب والأفهام ؛ فإنهم يصححون الحديث إذا رأوا أحد علمائهم القدامى قد عمل به !!!!!!! أما مسألة الاعتماد على الإسناد فهذا أمر هامشي عندهم تماماً !! وهذا يعني أن العملية عكسية تماماً عندهم ، فأصبحت أقوال الفقهاء عندهم هي المقياس على صحة الأحاديث !! ولا يخفى ما في هذه الطريقة من الانتكاسة الاستدلالية .
           فعلى الشيعة أن يقوموا بعملية صادقة متزنة عاقلة بنقد الكثير من الروايات المشهورة عندهم ، وقد مر الكثير منها في رسالة الميلاني التي أرسلها إرسال المسلمات.

عدد مرات القراءة:
6964
إرسال لصديق طباعة
الخميس 9 شوال 1440هـ الموافق:13 يونيو 2019م 05:06:00 بتوقيت مكة
احمد 
لا احتاج الى احد ليضعف لي هذا الحديث المضووع .. فهو حديث يطعن في سيد البشر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وبغض النظر عن اسانيده فهل يعقل ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حاشاه يحرم حلا لا ؟؟ اين دينكم ؟؟ اين عقولكم .. قدمتم كتبكم التي سميتوها صحاح على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
الخميس 9 شوال 1440هـ الموافق:13 يونيو 2019م 05:06:49 بتوقيت مكة
سامي 
أحببت ان اقرأ الموضوع وما ان بدأت واذا بالسباب والشتائم سودت بها صفحتك . فعلمت جهل كاتبها . فكففت عن اكمال الموضوع وعلقت وخرجت
 
اسمك :  
نص التعليق :