آخر تحديث للموقع :

السبت 10 رمضان 1444هـ الموافق:1 أبريل 2023م 12:04:16 بتوقيت مكة

جديد الموقع

المبهمات في القرآن الكريم - د. سامي عطا حسن ..
الكاتب : د. سامي عطا حسن ..

المبهمات في القرآن الكريم
د. سامي عطا حسن

جامعة آل البيت  - المفرق
المملكة الأردنية الهاشمية


 [ملخص]
تتناول  هذه الدراسة المبهمات في كتاب الله ،  والمبهم :هو ما يصعُب على الحاسة إدراكه إن كان محسوساً ، وعلى الفهم إن كان معقولاً.والمبهم من الكلام :هو الغامض الذي لا يتحدد المقصود منه.  والمبهم من الظروف : هوما ليس له حدود تحصره ، مثل : فوق ، وتحت ، وأمام ، وخلف.
والمبهم في كتاب الله: هو كل ما لم يبين في القرآن من اسم ، أو عدد، أو مكان ، أو نحو ذلك.
ومع أن الله سبحانه أنزل كتابه تبياناً لكل شيء ، وهُدَىً لكل خير ، إلا أنه سبحانه أبهم بعض الأمور في القرآن لأسباب ، فقد يبهم القرآن شيئاً في موضع ، ويبينه في موضع آخر ، أو يبهمه للستر عليه ، أو لتعظيمه ، أو لتحقيره. ولا يجوز البحث في مبهمات استأثر الله بعلمها ، فيجب التوقف عندها ، وعدم الخوضِ فيها.
فكان هذا البحث لإلقاء الضوء على المبهمات في كتاب الله ، فذكرتُ أنواعها ، وأسباب وقوعها ، وبعض المؤلفات فيها ، وبينت فوائد معرفتها ، من خلال أمثلة تطبيقية تدل على ذلك ، والكمال لله وحده.
 
VAGUE in the Holy Qur’an
Dr.SAMI ATA HASSAN
AL  -Albayt university –AlMfrak
The Hashemit Kingdom of Jordan
ABSTRACT
The subject  of  this  study vague in the holy Qur’an , Vague: some things which has difficulty to perceive by senses, if it was sensed, and to understand, if it was reasonable.
Vague text: the text which has ambiguous meaning  Unlimited text.
Vague adverb: the adverb which can not be limited or the adverb which does not have bounds, for example, up, down, behind and if front of.
Vague text in the holy Qur'an: the text which does not explain in the holy
Qur'an, however, it is name, number or place and so on.
Although God sent his book  Holy Qur'an to explain all the sections of life and right guidance of good, God did not detail some text for certain reasons for example to hide certain object. Some Qur'an texts may  be vague in a specific position and detailed in another position to aggrandizing and degrading. 
Working to explain the vague texts are prohibited because God save it's sciences for himself.
Finally, I write this research about vague texts in the holy Qur'an, therefore, I mention its kinds and its references, and why it occurs, and benefits of knowing it though applied examples.
 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على محمد نبي المكرمات، وعلى آله وصحبه النجوم الهداة، وبعد: فقد اهتم كل من النحاة ، والأصوليين ، والمتكلمين ، والمفسرين ، بالمبهمات في الألفاظ والأساليب .
درس النحاةُ  الإبهام  وقسموه إلى قسمين :
ففي القسم الأول درسوا المُبهَم في الألفاظ ، مثل: أسماء الاشارة ، والأسماء الموصولة ، والضمائر ، والمنادى المُبهم ، وما يحتاج إلى تمييز ، والمصدر ، والظروف ، وفاعل المدح والذم ، ثم الحروف.
 ودرسوا في القسم الثاني :  المبهم من الأساليب ، ويتضمن دراسة الابهام في : أسلوب الجزاء ، وأسلوب التعجب ، وأسلوب الاستفهام ، وغيرها.
وقسم الأصوليون اللفظ بحسب ظهور معناه وخفائه ، ومراتب هذا الخفاء إلى : واضح الدلالة ، وخفي الدلالة.
وقالوا بأن  واضح الدلالة  هو: ما دل على معناه بصيغته من غير وقفٍ على أمر خارجي.
وخفي الدلالة : ما استتر معناه لذاته ، أو لأمر آخر ، فلا يُفهم معناه إلا بغيره. وكلٌ من الواضح  والخفي متفاوت في درجة الوضوح والخفاء ، فالواضح بعضه أوضح من بعض ، والخفي بعضه أخفى من بعض ، فيكون للوضوح مراتب ، وللخفاء مراتب.
وبناء على الوضوح والخفاء ، ومقدار التفاوت في كل منهما ، سلك كل من الحنفية والمتكلمين طريقاً في تقسيم واضح الدلالة ، وخفيها على الأحكام.
فقسم علماء الحنفية اللفظ باعتبار الوضوح في دلالته على معناه إلى أريعة أقسام : 
الظاهر ،  والنص ، والمفسر ، والمحكم.
كما قسموه باعتبار الخفاء في دلالته على معناه إلى أربعة أقسام وهي : الخفي ، ثم المشكل ، ثم المجمل ، ثم المتشابه.
وقسم جمهرة المتكلمين : اللفظ الواضح إلى : ظاهر ، ونص. وقسموا المبهم إلى : مجمل ، ومتشابه. أما المفسرون ، فقد اهتموا بدراسة المبهمات في القرآن – وهذا ما يعنينا في هذا البحث - : وقالوا : إنها على نوعين :

  1. نوع ضرب الله عن ذِكرِهِ صَفحاً لعدم تَعَلُّقِ التكليف به ، ولخلوِّ معرفته من  الفائدة  ، ولا طائل في معرفته ، مثل : معرفة أسماء أصحاب الكهف ، ولون كلبهم ، وعصا موسى – عليه السلام – من أي الشجر كانت ، وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم – عليه السلام - ، وتعيين  "  البعض  " الذي ضُرِبَ به المقتول من بقرة بني إسرائيل ، ونوع الشجرة التي كلم الله – سبحانه – منها موسى – عليه السلام – ، ومعرفة اسم كلب أهل الكهف الوارد في قوله تعالى :  ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد..)( الكهف: 18) ، فقال بعضهم اسمه قطمير ، وقال بعضهم الآخر اسمه : حمران ، ([1]) إلى غير ذلك مما أبهمه القرآن ،  ولا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في  دُنياهم ولا  دِينهم .

  2. ونوع أبهمه الله لأسباب كثيرة سأذكر بعضها في ثنايا هذا البحث.

وقد اهتم المؤلفون في هذا العلم بإبراز فائدته وأهميته ، ولا شك أن له أهميته باعتباره علم من علوم الكتاب العزيز ، كما أن معرفة المبهمات ، تُعين المُفَسِّر  في تفسيره ، بل قد تكون وسيلة من وسائل الترجيح بين أقول المفسرين إذا تَعَدَّدَت ، وقد تكون من التدبُّر الذي أمر الله به ،  وربما تُبَين فَضائل ومناقب المُبهَمين أو مَثالِبِهم.
كما أن علم المبهمات علمٌ شريف ، لتعلقه بالقرآن الكريم ، والشيء يَشرُفُ بِشَرَفِ مُتَعَلَّقِه ،  لذا اعتنى به سلفنا الصالح ، وعلماؤنا الأبرار ، فمنهم من تتبع ذلك فَحَصَّلَه ، ومنهم من جَمَعَهُ فَدَوَّنه. وفي هذا دليل على قيمته ، ومعرفة فضله ، وحُسن الاعتناء به. ولم أقف على بحث مُحَكَّم في هذا الموضوع ([2]) ،
- ربما تكون هناك دراسات لم أقف عندها - ،  وهذا مما شجعني على أن يكون الإبهام والمبهمات في القرآن الكريم موضع بحثي  في هذه الدراسة ، التي  جعلتها في مقدمة ، ومبحثين ، وَضَمَّنتُ كل مبحث بضعة مطالب ، وختمتُ  الدراسة بخاتمة ، وأردفتها بهوامش البحث. 
وبينت في المقدمة أهمية الموضوع ، والدراسات السابقة ، وخطة البحث.
وجعلت المبحث الأول تحت عنوان : المبهمات في القرآن ، وضمنته المطالب التالية :
المطلب الأول : المبهمات في اللغة والاصطلاح.
المطلب الثاني : نشأة هذا العلم.
المطلب الثالث: أنواع المبهمات ،  وألقيت الضوءَ  فيها على :
أ- مبهمات الأشخاص.
ب- مبهمات الجموع.
ت- مبهمات الأماكن.
  ث- مبهمات الأزمنة.
المطلب الرابع : المصنفات في المبهمات.
المطلب الخامس : أسباب ورود المبهمات في القرآن.
المطلب السادس : أسباب النزول ودورها في تعيين المبهمات.
وخصصت المبحث الثاني للدراسة التطبيقية لبعض المبهمات في القرآن الكريم.
وختمت البحث بخاتمة – نسأل الله حُسنَها – لخصت  فيها ما توصلت إليه من نتائج.
ثم ذكرت ما رجعت إليه من مصادر ومراجع في  هوامش البحث  ، وعَزَوت الآيات إلى سُوَرها ،
وأوردتها بالرسم العثماني.
 والله أسأل أن يلقى هذا البحث قبولاً لدى علمائنا الأفاضل ، وأن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ،
وأن يجعلني  من الباحثين فيه ، ومن المُبَيِّنين لِمُبهَماته.
 
 
المبحث الأول :
 المُبهمات في القرآن
المطلب الأول : - المبهمات في اللغة والاصطلاح :
أ - : المبهمات في اللغة :
قال ابن فارس ( تـ 395هـ) : الباء والهاء والميم : أن يبقى الشيء لا يُعرَفُ المأتى إليه  ، ومنه : الأمر البهيم ، االذي لا تَأَتِّي له. ومنه : البُهمة : الصخرة التي لا خروق فيها. وبها شُبِّهَ الرجلُ الشجاع الذي لا يُقَدُر عليه من أي ناحية طُلِب. أو الفارس الذي لا يُدرَى من أين يؤتى من شِدَّةِ بأسه.  والبُهمَةُ : جماعة الفرسان ، والجيش يقال له : بُهمَة. والبهيم : اللون الذي لا يُخالطه غيره. سواداً كان أو غيره. ومنه : هذا فرس بهيم ، وهذه فرس بهيم ، أي : مُصمَت : وأبهمتُ الباب : أغلقته.
والبهيمة : ما لا نُطقَ له ، وذلك لما في صوته من الإبهام. ([3])
وقال محمد بن أبي بكر الرازي(  تـ 666هـ )  : المبهم : اسم مفعول مشتق من الإبهام وهو الخفاء ,  يُقال : ليل بَهِيم ، لخفاء ما فيه من الرؤية , وأَبْهم الكلام إبهاماً أي لم يبينه , واستبهم  عليه الكلام إذا استغلق.كما يُقال : أمر مُبْهم : إذا كان ملتبساً لا يُعرف معناه ([4]).
والتحقيق : أن الأصل الواحد في هذه المادة : هو الكيفية التي لا يُعرَفُ لها وَجه ، ولا يَستبينُ أمرها ، ولا مَأتى لها. وهذه الحيثية توجد في موارد مختلفة : كالحجر الصُلب الذي لا يُستكشَف ما فيه ، ولا يُتَصرف فيه. والرجلُ الشجاع الصعب الذي لا يُقدر عليه. والخبرُ أو الأمر الذي لم يَتبين ([5]). 
ب- :  المبهمات في الاصطلاح : عرفها السُّهـيلي (ت518هـ)  بقوله :  ( ما تضمنه كتاب الله العزيز من ذِكرِ من لم يُسَمِّه الله فيه باسمه العَلَم , من نبي ،  أو وليّ ، أو غيرهما ، آدمي ، أو مَلَك , أو بلد ، أو كوكب  ،  أو شجر , أو حيوان له اسم عَلَم , قد عُرف عند نقلة الأخبار , وغيرهم من العلماء الأخيار ) ([6]).
وزاد ابن جماعة (ت 733هـ) على تعريف السهيلي : ( أوعَدَدٍ لم يُحدد , أو زمنٍ لم يُبين , أو مكانٍ لم يُعرف ، وغيرها )([7]) إذ نفوس  طلاب العلم إلى معرفة مثل هذا متشوقة.
وإذا كان أهل الأدب يفرحون بمعرفة شاعرٍ أُبهم اسمه في كتاب ، وكذلك أهل كل صناعة يفرحون بأسماء أهل صناعتهم ،  فيرونه من نفيس بضاعتهم ، - على حد قول كل من :  البلنسي (ت636هـ) ، والإمام السهيلي (581هـ) من قبله  ، فالقارئون لكتاب الله العزيز ، والذكر الحكيم ، أولى أن يتنافسوا في معرفة ما أبهم فيه ، ويَتَحلوا بعلم ذلك. ([8])
 وعليه يمكن القول بأن المبهم هو: ما لم يُنصَّ على ذكره باسمه العَلَم ، أو عدده ، أو زمنه ، أو مكانه.
فمثال العَلَم المبهم : قوله تعالى : ( عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) )(  5 : النجم ) فالضمير في " عَلَمَّه " المراد  به : جبريل عليه السلام ([9]).
ومثال العدد المبهم :قوله تعالى : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)}(  79: الكهف.) قيل : كان عددهم سبعة ، وفي الكشاف : عشرة  ([10]).
ومثال الزمن المبهم :قوله تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)) ( 3  :الدخان) المراد بهذه الليلة : هي ليلة القدر ([11]).
ومثال المكان المبهم :قوله تعالى : ( فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98))( 98: يونس) والمراد : قرية نينوى ([12]).
 
 
المطلب الثاني :
نشأة هذا العلم  :
علم المبهمات علم شريف ، اعتنى به السلف كثيراً , فقد اهتم بالبحث فيه الصحابة والتابعون - رضوان الله عليهم - ،  واعتبروا أن الاعتناء به حَسَنٌ لفضلِهِ وشرفِهِ ، وذلك أن هذا العلم من أخص علوم القرآن بالقرآن ،  ولم يمنعهم عن ذلك مانع زماني ، أو مكاني.
ولا أدل على اهتمامهم بهذا العلم من سؤال ابن عباس لعمر - رضي الله عنهم - وبحثه سنة كاملة عن فرصة يسأل بها عمر- رضي الله عنه -  وذلك لمهابته عنده.
 أخرج الإمام البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : (  لم  أزل حريصاً على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – اللتين  تظاهرتا على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، فلبثتُ سنة ما أجد له موضعاً حتى صحبته إلى مكة ، فلما كان ( بمر الظهران) ([13]) ذهب يقضي حاجته ، فقال أَدرِكني بأداوةٍ من ماء ، فأتيته بها ، فلما قضى حاجته ورجع ، ذهبتُ أصُبُّ عليه، فقلت : يا أمير المؤمنين ، من المرأتان من أزواج النبي  – صلى الله عليه وسلم –اللتنان قال الله فيهما :
(إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)) (4 : التحريم).
فقال عمر :  واعجباً يا ابن عباس ، قال الزهري : كره والله ما سأله عنه ، ولم يكتمه..
قال : عائشة وحفصة. قال : ثم أخذ يسوق الحديث. ([14])
وروي عن عكرمة ،مولى ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال : طلبتُ اسمَ الذي خرج من بيته  مُهاجراً إلى الله ورسوله ، ثم أدركه الموت ، أربع عشرة سنة حتى وجدته ) ([15])
وفي هذه الأقوال دليلٌ على شرف هذا العلم قديماً.
 قال السهيلي بعد أن ذكر حديث ابن عباس: (فهذا أوضح دليل على اعتنائهم بهذا العلم ، ونفاسته عندهم) ([16]).
من هنا يتبين حِرصَ السلف والعلماء على  هذا العلم , وحرصهم على معرفته وجَمعه ، ثم أتى مَن بعدهم من العلماء ،  وانتقل أمر العناية بهذا العلم إليهم , لكنه أخذ مَنحىً آخر ،  وهو التأليف فيه كنوعٍ من أنواع علوم القرآن ،  وأفردوه بتصانيف خاصة به ، مما يدل على حِرصِهم عليه .
 
 
المطلب الثالث :
أنواع المبهمات :
تنقسم المبهماتُ  في القرآن الكريم إلى أنواع  ، منها : 
أ - مبهمات الأشخاص : منها :
  1- قوله تعالى : (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129))( 129 : البقرة ). والمراد به : سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم -. ([17])  وهي  دعوة إبراهيـم وإسماعيـل لنبـينا مـحمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة، قال  خالد بن معدان الكلاعي ([18]) : إن نفراً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك قال : (  نعم، أنا دَعْوَةُ أبـي إبْرَاهِيـمَ، وبُشْرَى عِيسَى - صلى الله عليه وسلم - ) ([19]).

  1. وقوله تعالى : (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)) ( 193 :آل عمران). قيل : المنادي محمد – صلى الله عليه وسلم - ، عن ابن عباس وابن مسعود وابن جريج ، وقيل : إنه القرآن.  عن محمد بن كعب القَرظي ، وقتادة ،  واختاره الطبري قال :  لأنه ليس يسمع كل أحد قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يراه ، والقرآن سمعه من رآه ومن لم يره.

 قال الإمام الطبري : اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل الـمنادي الذي ذكره الله تعالـى فـي هذه الآية، فقال مـحمد بن كعب القرظي : الـمنادي فـي هذا الموضع القرآن.لـيس كلهم لقـي النبـي - صلى الله عليه وسلم-.وقال آخرون منهم : ابن جريج ، وابن زيد : بل هو مـحمد - صلى الله عليه وسلم-.
قال الإمام الطبري : وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب ، قول مـحمد بن كعب، وهو أن يكون الـمُنادي القرآن؛ لأن كثـيراً مـمن وصفهم الله بهذه الصفة فـي هذه الآيات ، لـيسوا مـمن رأى النبـي - صلى الله عليه وسلم -  ولا عاينه، فسمعوا دعاءه إلـى الله تبـارك وتعالـى ونداءه، ولكنه القرآن. وهو نظير قوله - جلّ ثناؤه - مخبراً عن الـجن إذ سمعوا كلام الله يتلـى علـيهم ،  أنهم قالوا: (  إنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَبَاً. يَهْدِى إِلَى ٱلرُّشْدِ )  ( 1، 2 :  الجن )
وبنـحو ذلك  عن قتادة، قوله: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ) إلـى قوله:( وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلاْبْرَارِ ) سمعوا دعوة من الله فأجابوها، فأحسنوا الإجابة فـيها، وصبروا علـيها........
فتأويـل الآية إذاً: ربنا سمعنا داعياً يدعو إلـى الإيـمان ، وإلـى التصديق بك، والإقرار بوحدانـيتك، واتبـاع رسولك وطاعته، فـيـما أمرنا به، ونهانا عنه، مـما جاء به من عندك ،  فآمنا ربنا، وصدقنا بذلك يا ربنا، فـاغفر لنا ذنوبنا، واستر علـينا خطايانا، ولا تفضحنا بها فـي القـيامة علـى رؤوس الأشهاد، بعقوبتك إيانا علـيها، ولكن كَفِّرها عنا، وسيئات أعمالنا،  فـامـحها بفضلك ، ورحمتك إيانا، وتَوفنا مع الأبرار، يعنـي بذلك: واقبضنا إلـيك إذا قبضتنا إلـيك فـي عداد الأبرار، واحشرنا مَـحشرهم ومعهم؛ والأبرار جمع برّ، وهم الذين بروا الله تبـارك وتعالـى بطاعتهم إياه ، وخدمتهم له، حتـى أرضوه فرضيَ عنهم.([20])

  • مبهمات الجموع : منها :

1 - قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7) ) ( 7 : الفاتحة)
روى ابن أبي حاتم بسنده عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله – صلى الله  عليه وسلم - :  (المغضوب عليهم : اليهود ، والضالين : النصارى ) ([21])
وقال الماوردي : ( وهو قول جميع المفسرين ). ([22]) وقد ذكر الاجماع على هذا التفسير :   الشوكاني([23]) ، وصديق حسن خان ([24]).
وقد استدلوا على ذلك بجملة من الآيات المبينة أن أخص أوصاف اليهود الغضب ، كما في قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)) ( 90 :  البقرة)  وقوله : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) ) ( 60 :  المائدة ).
وإن أخص أوصاف النصارى الضلال ، كما في قوله تعالى : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)) ( 77 :  المائدة )
إلا أن بعض المفسرين كابن كثير([25]) ، والرازي([26]) ، جعلوا ما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – من تفسيرها باليهود والنصارى من قبيل التفسير بالمثال. وعمموا الآية على كل من شابه الفريقين بجامع الاتحاد في العِلَّة ، وقد رد الآلوسي على ذلك مؤيداً الاجماع على تفسير المغضوب عليهم باليهود ، والضالين بالنصارى ، بقوله : ( وهل بعد قول رسول الله  – صلى الله عليه وسلم – الصادق الأمين قول لقائل ، أو قياس لقائس ، هيهات هيهات ، دون ذلك أهوال..). ([27])
2 - قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77))(77 : النساء ).
قال الرازي في تفسيره :  هذه الآية صفة للمؤمنين أو المنافقين... ؟ فيه قولان:
الأول: أن الآية نزلت في المؤمنين، قال الكلبي: نزلت في عبد الرحمن بن عوف،  والمقداد ، وقدامة بن مظعون ، وسعد بن أبي وقاص، كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -  قبل أن يهاجروا إلى المدينة، ويلقون من المشركين أذى شديداً ،  فيشكون ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ويقولون: إئذن لنا في قتالهم ، ويقول لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : كفوا أيديكم فاني لم أومر بقتالهم، واشتغلوا باقامة دينكم من  الصلاة والزكاة، فلما هاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم-  إلى المدينة  ، وأمروا بقتالهم في وقعة بدر ، كرهه بعضهم، فأنزل الله هذه الآية.
واحتج الذاهبون إلى هذا القول بأن الذين يحتاج الرسول أن يقول لهم: كفوا عن القتال هم الراغبون في القتال، والراغبون في القتال هم المؤمنون، فدل هذا على أن الآية نازلة في حق المؤمنين. ويمكن الجواب عنه بأن المنافقين كانوا يظهرون من أنفسهم أنهم مؤمنون ، وأنهم يريدون  قتال الكفار ومحاربتهم، فلما أمر الله بقتال الكفار أحجم المنافقون عنه ،  وظهر منهم خلاف ما كانوا يقولونه.
القول الثاني: أن الآية نازلة في حق المنافقين، واحتج الذاهبون إلى هذا القول بأن الآية مشتملة على أمور تدل على أنها مختصة بالمنافقين.
فالأول: أنه تعالى قال في وصفهم: ( يَخْشَوْنَ ٱلنَّاسَ كَخَشْيَةِ ٱللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً )  [ 77 :النساء ] ،  ومعلوم أن هذا الوصف لا يليق إلا بالمنافق، لأن المؤمن لا يجوز أن يكون خوفه من الناس أزيد من خوفه من الله تعالى.
 والثاني: أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا: (رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ) ، والاعتراض على الله ليس إلا من صفة الكفار والمنافقين.
والثالث: أنه تعالى قال للرسول: (  قُلْ مَتَـٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ وَٱلأَخِرَةُ خَيْرٌ لّمَنِ ٱتَّقَىٰ )  وهذا الكلام يذكر مع من كانت رغبته في الدنيا أكثر من رغبته في الآخرة، وذلك من صفات المنافقين.
وأجاب القائلون بالقول الأول عن هذه الوجوه :  بأن حُبَّ الحياة والنفرة عن القتل من لوازم الطباع، فالخشية المذكورة في هذه الآية محمولة على هذا المعنى.
 وقولهم: ( لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا ٱلْقِتَالَ ) محمول على التمني لتخفيف التكليف ،  لا على وجه الانكار لايجاب الله تعالى. وقوله تعالى: (  قُلْ مَتَـٰعُ ٱلدُّنْيَا قَلِيلٌ )  مذكور لا لأن القوم كانوا منكرين لذلك، بل لأجل إسماع الله لهم هذا الكلام ،   مما يهون على القلب أمر هذه الحياة، فحينئذ يزول من قلبهم نفرة القتال وحب الحياة ، ويقدمون على الجهاد بقلب قوي، فهذا ما في تقرير هذين القوين والله أعلم.
والأولى : حمل الآية على المنافقين لأنه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله: (  وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُواْ هَـٰذِهِ مِنْ عِندِك ) [ 78 :النساء ]  ولا شك أن هذا  من كلام المنافقين، فاذا كانت هذه الآية معطوفة على الآية التي نحن في  تفسيرها ،  ثم المعطوف في المنافقين ، وجب أن يكون المعطوف عليهم فيهم أيضا.([28])
ت - مبهمات الأماكن : منها :

  1. قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)) ( 63 :  البقرة )

المراد به الجبل الذي كلم الله – عز وجل – عنده موسى – عليه السلام- وهو طور سيناء ، 
وقد جاء ذكره في القرآن عشر مرات ([29])، منها : قوله تعالى : (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80)) ( 80 : طه )
وقوله تعالى. (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)) ( 52 :  الطور )
2 – قوله تعالى : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) ) ( 118 : التوبة ) ( ٱلثَّلَـٰثَةِ )الذين خلفوا هم :  كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية.
 ومعنى (  خُلّفُواْ )  خلفوا عن الغزو ، (  بِمَا رَحُبَتْ )  برحبها، أي: مع سعتها، وهو مثل للحيرة في أمرهم، كأنهم لا يجدون فيها مكاناً يقرّون فيه ، قلقاً وجزعاً مما هم فيه. ( وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ )  أي :  قلوبهم، لا يسعها أُنس ولا سرور؛ لأنها حرجت من فرط الوحشة والغمّ. ( وَظَنُّواْ ) وعلموا ( أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ) سخط ( ٱللَّهِ إِلاَّ إليه ) إلى استغفاره ( ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ )  ثم رجع عليهم بالقبول والرحمة كرّة بعد أخرى، ليستقيموا على توبتهم ويثبتوا ، وليتوبوا أيضاً فيما يستقبل إن فرطت منهم خطيئة، علماً منهم أن الله تواب على من تاب ، ولو عاد في اليوم مائة مرة.
 روي أن ناساً من المؤمنين تخلفوا عن رسول الله -  صلى الله عليه وسلم -. منهم من بَدا لَهُ ،  وكره مكانه فلحق به. عن الحسن: بلغني أنه كان لأحدهم حائط كان خيراً من مائة ألف درهم ، فقال: يا حائطاه، ما خلفني إلاّ ظِلُّك ، وانتظار ثمرك، اذهب فأنت في سبيل الله.
ولم يكن لآخر إلاّ أهله فقال: يا أهلاه ما بطأني ولا خلفني إلاّ الضَّنّ بك ، لا جرمَ والله لأكابدنّ المفاوز حتى ألحق برسول الله  -  صلى الله عليه وسلم  -  ، فركب ولحق به.
ولم يكن لآخر إلاّ نفسه ، لا أهل ولا مال، فقال: يا نفس ما خلفني إلاّ حبّ الحياة لك  ،   والله لأكابدنّ الشدائد حتى ألحق برسول الله، فتأبط زاده ولحق به. قال الحسن: كذلك والله المؤمن يتوب من ذنوبه ولا يصرّ عليها.
عن أبي خيثمة أنه بلغ بستانه وكانت له امرأة حسناء، فرشت له في الظلّ، وبسطت له الحصير، وقرّبت إليه الرطب ،  والماء البارد، فنظر فقال: ظلّ ظليل، ورطب يانع، وماء بارد، وامرأة حسناء، ورسول الله   -  صلى الله عليه وسلم -  في الضِّح والريح ([30]) ،   ما هذا بخير، فقام فرحل ناقته ، وأخذ سيفه ورمحه ومرّ كالريح، فمدّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرفه إلى الطريق، فإذا براكب يزهاه السَّراب ، فقال: ( كن أبا خيثمة ) فكانَهُ .  ففرح به رسول الله  -  صلى الله عليه وسلم - واستغفَرَ له. ومنهم من بقي لم يلحق به.
قال كعب: لما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سَلَّمتُ عليه ،  فردّ عليّ كالمغضب بعد ما ذكرني وقال: ( ليت شعري ما خَلَّف كعباً ؟ )  فَقيلَ له: ما خلفه إلاّ حسن بُرديه ، والنَّظَرَ في عطفيه.  فقال : معاذ الله ما  أعلم إلاّ فضلاً وإسلاماً، ونهى عن كلامنا أيها  الثلاثة، فتنكر لنا الناس ، ولم يكلمنا أحد من قريب ولا بعيد، فلما مضت أربعون ليلة ، أمرنا أن نعتزل نساءنا ولا نقربهنّ، فلما تمت خمسون ليلة ، إذا أنا بنداء من ذِروة سلع: أبشر يا كعب بن مالك، فخررتُ  ساجداً ، وكنت كما وصفني ربي ( ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ ) وتتابعت البشارة، فلبست ثوبي ، وانطلقت إلى رسول الله  - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمين، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله حتى صافحني ،  وقال: لتهنك توبة الله عليك، فلن أنساها لطلحة، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يستنير استنارة القمر: (أبشر يا كعب بخيرِ يومٍ مرّ عليك منذ ولدتك أمّك، ثم تلا علينا الآية).([31])
ث- مبهمات الأزمنة :
1- ومما أبهمه الله – سبحانه – في كتابه من الأزمنة : ( الحين ) :
  أ-  في قوله تعالى : (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)) (25 :  إبراهيم )  ( تُؤْتِيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ) الحين في اللغة وقت غير محدود ، وقد تقترن به قرينة تُحَدّدُِه ، وقيل: في كل حين،  كل سنة ، لأن النخلة تطعم في كل سنة. وقيل: غير ذلك.   ( وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ) هي كلمة الكفر.  وقيل: كل كلمة قبيحة (  كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ) هي الحنظلة عند الجمهور.
 ( ٱجْتُثَّتْ ) أي اقتلعت ، وحقيقة الاجتثاث أخذ الجثة، وهذا في مقابلة قوله: أصلها ثابت ( بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ ) هو لا إله إلا الله، والإقرار بالنبوة ( فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا )  أي إذا فتنوا لم يَزِّلوا ، ( وَفِي ٱلآخِرَةِ )  هو عند السؤال في القبر عند الجمهور.([32])
ب - وفي قوله - جل شأنه - :(فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ(17))( 17 : الروم)  يقول تعالـى ذكره: فسبحوا الله أيها الناس: أي صلوا له حين تـُمسون، وذلك صلاة الـمغرب، وحين تصبحون، وذلك صلاة الصبح (  وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)) ( 18: الروم) يقول: وله الـحمد من جميع خـلقه دون غيره فـي السموات من سكانها من الـملائكة، والأرض من أهلها، من جميع أصناف خـلقه فـيها، (  وَعَشِيًّا ) وسَبِّحوه أيضا عشياً، وذلك صلاة العصر (  وَحِينَ تُظْهِرُونَ)  يقول: وحين تَدْخـلون فـي وقت الظهر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ([33])
 
 
المطلب الرابع 
 المصنفات في المبهمات
كانت الآيات المبهمة وتفاسيرها مبثوثة في كتب التفسير ،  ولم يكن لهذا العلم مصنف خاص ، حتى جاء :
1- أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الخثعمي الأندلسي السهيلي ( ت581هـ) وألف كتابه [ التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام ] وهو كتاب مختصر وجيز ، ذكر فيه من لم يُسَمَّ باسمه العَلَم في القرآن الكريم ، ولم يتناول مبهمات جميع سور القرآن ، فلم يذكر مبهمات  تسع وعشرين سورة.ويبقى للسهيلي فضل السَّبق في الكتابة في هذا العلم , ولا يُعرف عالم قبله أفرده بمصنف خاص.
وقد ذكر الزركلي في الأعلام : أن للسهيلي كتاباً آخر في المبهمات اسمه [ الإيضاح والتبيين لما أُبهم من تفسير الكتاب المبين ] ([34]).
2 - ألف محمد بن سليمان الزهري (ت617هـ) كتاباً سماه [ البيان فيما أبهم من الأسماء في    القرآن ] ([35])
3-  جاء أبو عبد الله ابن عسكـر : محمد بن علي  بن الخضر بن هرون  الغسّاني الأندلسي (ت636هـ) وألّف كـتابه : [التكميل والإتمام لكتاب التعريف والإعلام] وهذا الكتاب تذييل على كتاب السهيلي , واستدراك لما فاته من مبهمات.وقد ذكر أن هدف تأليفه لهذا الكتاب هو إتمام الفائدة بذكر ما لم يذكره السهيلي ([36]).
4- وفي القرن السابع أيضاً ألّف بن فرتون : أحمد بن يوسف السلمي (ت 660هـ)كتابه [ الاستدراك والإتمام للتعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام ] ([37]).
 وقد نسب هذا الكتاب له : ابن القاضي ([38])، ويتضح من عنوان الكتاب أنه استدراك من المؤلف على كتاب السهيلي أيضاً.
5- ثم جاء بدر الدين ابن جماعة : محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني الحموي ( ت 733هـ) وألف كتابين في مبهمات القرآن : 
الأول : كتاب [ التبيان لمبهمات القرآن]([39]) ويذكر المحققون أنهم لم يقفوا عليه لا مخطوطاً ولا مطبوعاً.
الثاني : كتاب [ غرر البيان لمبهمات القرآن ] وقد أشار في مقدمته إلى كتابه الأول , وبين أنه مختصر  منه.  ([40]).
5- ثم جاء أبو عبد الله الشامي ( تـ 715هـ) وهو : محمد بن علي بن يحيى بن علي الغرناطي ، الأندلسي ، المعروف بالشامي ، الإمام ، الفقيه ، المفسر ، النحوي ، من أهل غرناطة ، بها نشأ وتعلم ، ودفن بالمدينة المنورة ، لهكتاب في مبهمات القرآن وهو :
  ( الاستدراك على التعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام ) [41]
5- ثم جاء البَلنسي : أبو عبد الله محمد بن علي المغربي (ت782هـ) فصنف كتاب [ صلة الجمع وعائد التذييل لموصول كتابي الإعلام والتكميل ] وقد جمع في كتابه بين كتابي السهيلي وابن عسكر , كما ينقل من مبهمات ابن جماعة ، وتفسير الزمخشري , وابن عطية , رامزاً لكل من ينقل عنه برموز اصطلاحية ([42]).
6- وصنف فيه أيضاً : الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت852هـ) وقد سمى كتابه [ الإحكام لبيان ما في القرآن من الإبهام ]([43]) وأغلب الظن أنه  لا يزال مخطوطاً.
7- ثم جاء السيوطي : جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت911هـ) فألّف كتاباً في مبهمات القرآن سماه [ مفحمات الأقران في مبهمات القرآن ] لكنه لم يبين جميع الآيات المبهمة في القرآن ، رغم أنه ذكر في مقدمته أن كتابه يفوق الكتب السابقة ([44]).
8- وألف الشيخ بُحرَق : محمد بن عمر بن مبارك بن الحضرمي (ت930هـ) كتاباً اختصر فيه كتاب السهيلي :التعريف والإعلام , وسماه  [ تلخيص التعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام ] والكتاب صغير جداً يقع في ثلاث عشرة ورقة , ولا يزال مخطوطاً ([45]).
9- كما ألّف الأدكاوي : عبد الله بن عبد الله بن سلامة الأدكاوي (ت1184هـ) كتاباً في المبهمات أسماه : [ ترويح أولي الدماثة بمنتقى الكتب الثلاثة ] جمع فيه بين كتاب السهيلي وكتاب ابن عسكر ، وكتاب البلنسي , وانتقى من فوائد هذه الكتب الثلاثة ما رآه مناسباً ، ولم يضف إليها شيئاً ، والكتاب مطبوع مُتداول.  ([46]).
10- ذكر الدكتور حنيف بن حسن القاسمي أنه عثر أثناء زيارته لتركيا عام (1406هـ) على مخطوط في المبهمات ضمن مجموع لم يقف على مؤلفه ، تحت عنوان : ( أسامي الذين نزل بهم القرآن الكريم ) وهو مرتب على حروف المعجم ، بدأ فيه مؤلفه بذكر أبي بكر الصديق  – رضي الله عنه – ، مُورداً الآيات التي نزلت فيه من مختلف  سور القرآن. ([47])

  1. ومن الكتب المؤلفة في موضوع المبهمات في العصر الحديث :

 كتاب الدكتور عبد الجواد خلف والذي أسماه [ مباحث في مبهمات القرآن الكريم ] جمع فيه كما ذكر في مقدمته ما كتبه جهابذة هذا العلم ، كالسهيلي ، وابن عسكر ، وابن جماعة ، و البلنسي ، والسيوطي , كما اعتنى بشرح المبهم لغوياً , واستنبط لكل مبهم سبب إبهامه ، معتمداً في ذلك على أُمّاتِ كتب التفسير بالمأثور , كما ذكر أنه يقع في ثمانية أجزاء والذي وقفت عليه هو الجزء الأول ،  والذي يضم سورة الفاتحة والبقرة فقط , وستصدر السبعة تباعاً كما يقول في مقدمته ([48]).
 
 
المطلب الخامس : أسباب ورود الإبهام في القرآن :
يُعتبر الزركشي (ت 794هـ )  أول من بحث في أسباب ورود الإبهام في القرآن في كتابه البرهان , فذكر لذلك سبعة أسباب , مع التمثيل لكل سبب منها , وتبعه في ذلك السيوطي (ت911هـ).
ومن هذه الأسباب ما يلي ([49]) :-

  1. أن يبهم الأمر في موضعٍ استغناءً ببيانه في موضعٍ آخر ، مثال ذلك :

قوله تعالى : (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)) ( 4 : الفاتحة ) بينه بقوله : (ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)) ( 18-19 :  الانفطار )
وكقوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ) ( 6-7 : الفاتحة )  أبهم قوله : (الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ )  فالمُنعَم عليهم هنا مبهمون في الفاتحة، ولكن بينهم الله تعالى في الآية الأخرى بقوله : (  وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (69 : النساء ).

  1. أن يبهم الأمر لاشتهاره ، فهو المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق.

مثال ذلك :  قوله تعالى : (  وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35))  (35 :  البقرة )   الزوج  هي حواء – عليها السلام - ، وأبهم اسمها لشهرتها ، ومعرفة الكل لها. ([50])  
ومنه قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)) ( 21 : يوسف)  والمراد : العزيز.([51])
  3- أن يبهم لقصد الستر عليه , ليكون أبلغ في استعطافه.
مثال ذلك : قوله تعالى : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)) ( 108 :  البقرة ). والمراد : رافع بن حريملة ، ووهب بن زيد ، قالا للنبي – صلى الله عليه وسلم – أنزل علينا يا محمد كتاباً من السماء نقرؤه ، وفجر لنا أنهاراً..([52])
وكقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)) ( 204 :  البقرة ).
قال الطبري  : ( اختلف أهل التأويـل فـيـمن نزلت فـيه هذه الآية، قال بعضهم: نزلت فـي الأخنس بن شريق، قَدِمَ علـى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فزعم أنه يريد الإسلام، وحلف أنه ما قدم إلا لذلك، ثم خرج فأفسد أموالاً من أموال الـمسلـمين.
 ذكر من قال ذلك:
حدثنـي موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي : ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِـي الـحيَاة الدُّنـيا ويُشْهِدُ اللَّهَ علـى ما فِـي قَلْبِهِ وَهُوَ ألَدُّ الـخِصامُ ) ،  قال: نزلت فـي الأخنس بن شريق الثقـفـي، وهو حلـيف لبنـي زهرة. وأقبل إلـى النبـي - صلى الله عليه وسلم - بـالـمدينة، فأظهر له الإسلام، فأعجب النبـي - صلى الله عليه وسلم - ذلك منه، وقال: إنـما جئت أريد الإسلام، والله يعلـم أنـي صادق. وذلك قوله: (  وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَـى ما فِـي قَلْبه )  ثم خرج من عند النبـي - صلى الله عليه وسلم- ، فمرّ بزرع لقوم من الـمسلـمين وحُمُر، فأحرقَ الزرع، وعَقَرَ الـحُمر، فأنزل الله عز وجل: ( وَإذَا تَوَلـى سَعَى فِـي الأرْض لِـيُفْسِدَ فِـيها ويُهلِكَ الـحَرْثَ وَالنّسْل ) ( 205 : البقرة ) ([53] ) .   قال السيوطي : إنه أسلم وحسن إسلامه. لكن قول السهيلي أصح ، فقد قتل يوم بدرٍ كافراً([54])

  1. أن يبهم الأمر حيث لا  يكون في تعيينه  كبير فائدة..

 إذ البحث عن اسمه ، أو تعيينه غير مفيد ، وفيه مضيعة للجهد والوقت.  وغالب أمثلة الإبهام ناشئة من هذا السبب.  مثال ذلك :
قوله تعالى : (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73))  ( 73: البقرة )  أي : بأي جزء منها. 
وكقوله تعالى : (  أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259))  (259 :  البقرة.).
 والمراد بالقرية : بيت المقدس ، واسم الذي مر عليها ، اختلفوا في اسمه ، قيل : هو عزير ، وقيل : غيره. ولا حاجة لنا في معرفة اسمه ، إذ لا يتوقف عليه المقصود من الآية ،  ولا فائدة كذلك  في تعيين اسم القرية..([55])
  5- أن يبهم الأمر للتنبيه على عمومه , و أنه غير خاص بمن ورد فيه الإبهام. مثال ذلك : قوله تعالى : (  وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)). (100 : النساء  ).
أخرج ابن أبي حاتم ، عن عكرمة ، عن ابت عباس – رضي الله عنهما - ، قال : خرج
-  ضمرة بن جندب - ، إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وكان من المستضعفين بمكة ،  وكان شيخاً كبيراً ، فمات بالتنعيم([56])  ، قبل أن يصل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فإبهام الاسم في هذا الموضع ، لإفادة عموم الأجر لكل من نوى الهجرة ، فمات دون أن يبلغ ما هاجر إليه.
6- أن يبهم الأمر لقصد تعظيم المُبهَم  بذكر الوصف الكامل له دون اسمه.
مثال ذلك :   قوله تعالى  : (  إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40))  (40 : التوبة )
وقوله : (  وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)) (33 : الزمر ) والمراد بهذه الآيات هو أبو بكر الصديق – رضي الله عنه -, وإنما أُبهم اسمه تعظيماً له.
وكذلك قوله تعالى : (  وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22))  (22  :  النور  ) هو أبو بكر بن الصد يق – رضي الله عنه - ، كان ينفق على مسطح ابن أثاثة ، فلما خاض في الإفك ، حلف أبو بكر الصديق – رضي الله عنه - ، أن لاينفق على  مسطح ، فلما نزلت الآية ، كَفَّرَ عن يمينه ، وعاد إلى الإنفاق عليه. ([57])
7- أن يبهم الأمر لقصد تحقيره بذكر الوصف الناقص له دون اسمه.
مثال ذلك : قوله تعالى ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) )( 3 :  الكوثر ) والمراد به كما ذكره المفسرون هو:العاص بن وائل السهمي([58]).
وكقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6).) ( سورة الحجرات : 6). المراد به : الوليد بن عقبة بن أبي معيط. ([59])
وأما قوله : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) ( 1 : المسد ) فعدل عن الاسم ، وكان اسمه : عبد العزى ،  إلى الكُنية ،  للتنبيه على أن مآله للنار ذات اللهب ([60] ).
 
 
المطلب السادس :
   أسباب النزول ودورها في تعيين المبهمات.
في القرآن الكريم ألفاظ تتحدث أحيانا عن أفراد معينين ، وأحيانا عن جماعات معروفة ، غير أن تلك الألفاظ فيها من الإبهام والعموم ، ما لا يمكن التعرف على أشخاص هؤلاء وأولئك إلا بالرجوع إلى أسباب النزول. ولهذا كان تعيين المبهمات من أهم فوائد معرفة أسباب النزول. فإن السبب يدل على من نزلت فيه الآية أو الآيات بعينه ، فلا يشتبه بغيره ، فينتج عن ذلك اتهام البريء ، وبراءة الجاني.([61])
كما حدث من مروان بن الحكم – رضي الله عنه -  ، حينما اتهم عبد الرحمن بن أبي بكر
–  رضي الله عنهما - ،بأنه هو الذي نزل فيه قوله تعالى : (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)  ) ( 17 : الأحقاف )  فردت عليه أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – نافية ذلك الاتهام ، حيث قالت :  ( كذب والله ، ما نزلت فيه ، والله ما نزلت إلا في فلان بن فلان الفلاني..) ([62])
وهذه أمثلة لبعض المبهمات التي وردت في القرآن الكريم ، نذكرها مع أسباب نزولها لنرى مدى أهمية معرفة السبب  في تعيين هذه الألفاظ وأمثالها ، منها :
1-  ( مَن ) في  قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206))  ( 204-206 : البفرة ) نزلت فـي الأخنس بن شريق الثقـفـي، وهو حلـيف لبنـي زهرة ([63]). أقبل إلـى النبـي -  صلى الله عليه وسلم - بـالـمدينة، فأظهر له الإسلام، فأعجب النبـي - صلى الله عليه  وسلم - ذلك منه، وقال: إنـما جئت أريد الإسلام، والله يعلـم أنـي صادق. وذلك قوله: ( وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَـى ما فِـي قَلْبه ) ،  ثم خرج من عند النبـي - صلى الله عليه وسلم - ، فمرّ بزرع لقوم من الـمسلـمين وحُمُر، فأحرق الزرع، وعَقَرَ الـحمرُ، فأنزل الله عز وجل: (  وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ.....).
2- ومنها : ( مِن ) في قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)  ) ( 207 :  البقرة ). فإن المراد بها : صُهيب الرُّومي – رضي الله عنه -  أقبل مهاجراً نحو رسول الله – صلى الله عليه وسلم -  ،  فاتَّبعه نفرٌ من مشركي قريش ، فنزل عن راحلته ، ونثر ما في كنانته ، وأخذ قوسه ، ثم قال : يامعشر قريش : لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً ، وأيم الله لا تصلون إليَّ حتى أرمي ما في كِنانتي ، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء،  ثم افعلوا ما شئتم. قالوا : دلنا على بيتك ومَالِكَ بمكة ، ونُخَلِّي عنك. وعاهدوه إن دلهم أن يَدَعُوهُ  ، ففعل. فلما قدم على النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : أبا يحيى ، ربح البيع ، ربح البيع ، وأنزل الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) ) ([64])
3- ومنها :  (  الذين ) في قوله تعالى : (  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51)) (51 : النساء ) والمراد بهذا اللفظ اثنان من اليهود ، وهما : حُيَيّ بن أخطب ، وكعب بن الأشرف.. روي أن حُيي بن أخطب وكعب بن الأشرف اليهوديين خرجا الى مكة مع جماعة من اليهود يحالفون قريشاً على محاربة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا: أنتم أهل كتاب، وأنتم أقرب الى محمد منكم إلينا ، فلا نأمن مكركم، فاسجدوا لآلهتنا حتى تطمئن قلوبنا، ففعلوا ذلك. فهذا إيمانهم بالجبت والطاغوت، لأنهم سجدوا للأصنام، فقال أبو سفيان: أنحن أهدى سبيلا أم محمد..؟ فقال كعب: ماذا يقول محمد..؟ يأمر بعبادة الله وحده ، وينهى عن عبادة الأصنام ، وترك دين آبائه، وأوقع الفرقة. قال: وما دينكم..؟ قالوا: نحن ولاة البيت نسقي الحاج ، ونقري الضيف ، ونفك العاني ، وذكروا أفعالهم، فقال: أنتم أهدى سبيلاً. فهذا هو المراد من قولهم: { لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـؤُلاء أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ سَبِيلاً } [النساء: 51]. ([65])  وفي هذه الآيات  حكى الله سبحانه عن اليهود نوعاً آخر من مكرهم ، وهو أنهم كانوا يُفَضلون عبدة الأصنام على المؤمنين،   ولا شك أنهم كانوا عالمين بأن ذلك باطل، فكان إقدامهم على هذا القول  لمحض العناد والتعصب.
  4-  ومنها : ( مَن ) في قوله تعالى : (  وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)) ( 49:  التوبة ). والمراد بها : الجَدّ بن قيس ، أحد المنافقين ، وسيد بني سلمة.  وذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم  - لما أراد أن يخرج إلى غزوة تبوك ، قال للجد بن قيس : يا جد بن قيس ، ما تقول في مجاهدة بني الأصفر..؟
فقال : يا رسول الله ، إني امرؤٌ  صاحب نساء ، ومتى أرى نساء بني الأصفر أفتتن ، فائذن لي ولا تفتني ، فأنزل الله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي..الآية) ([66]).
يريد ائذن لي في القعود ولاتفتني بسبب الأمر بالخروج، وذكروا فيه وجوهاً:
 الأول: لا تَفتِنّي ، أي لا تُوقعني في الفتنة ، وهي الإثم ، بأن لا تأذن لي، فإنك إن منعتني من القعود ، وقعدتُ بغير إذنك ، وقعت في الإثم..
والثاني: لا تفتني ، أي : لا تلقني في الهلاك ، فإن الزمان زمان شدة الحر،  ولا طاقة لي بها.
والثالث: لا تفتني ، فإني إن خرجت معكَ ، هلكَ مالي وعيالي.
والرابع: قال الجدّ بن قيس: قد عَلِمَت الأنصار أنِّي مُغرم بالنساء فلا تفتني ببنات الأصفر، يعني نساء الروم، ولكني أعينك بمال فاتركني.. (  أَلا فِى ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ ) والمعنى:  إنهم يحترزون عن الوقوع في الفتنة  ، وهم في الحال ما وقعوا إلاّ في الفتنة، فإن أعظم أنواع الفتنة الكفر بالله ورسوله، والتمرد عن قبول التكليف.([67])
5- ومنها : ( مَن ) في قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) ) (58 :  التوبة ) .قال أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - : بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم مالاً إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي، وهو حرقوص بن زهير، أصل الخوارج ، فقال: اعدل يا رسول الله، فقال: " ويلك ، ومن يعدل إذا لم أعدل " فنزلت هذه الآية. قوله: (  يَلْمِزُكَ )  قال الليث: اللَّمز كالهمز في الوجه. يقال: رجل لُمَزَة يعيبك في وجهك، ورجل هُمَزَة يعيبك بالـغيب. وقال ابن عباس: يلمزك يغتابك. وقال قتادة:  يطعن عليك.
 وقال الكلبي: يعيبك في أمر ما، ولا تفاوت بين هذه الروايات إلا في الألفاظ.
قال أبو علي الفارسي: ههنا محذوف ، والتقدير: يعيبك في تفريق الصدقات. ([68])
6- ومنها : ( الذي ) في قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)) ( 77-80 :  مريم )  فقد نزلت في العاص بن وائل السهمي ، قال في جامع البيان : (حدثنا أبو السائب وسعيد بن يحيى، قالا: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلـم، عن مسروق، عن خَبّـاب، قال: كنت رجلاً قَـيْنا([69]) ، وكان لـي علـى العاص بن وائل دَين، فأتـيته أتقاضاه، فقال: والله لا أقضيك حتـى تكفر بـمـحمد، فقلت: والله لا أكفر بـمـحمد حتـى تـموت ثم تبعث، قال: فقال: فإذا أنا متّ ثم بُعثت كما تقول، جئتنـي ولـي مال وولد، قال: فأنزل الله تعالـى: { أفَرأيْتَ الَّذِي كَفَرَ بآياتِنا وَقالَ لاَوتَـينَّ مالاً وَوَلَدا أطَّلَعَ الغَيْبَ أمِ اتَّـخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً..)  إلـى قوله:: (  ويَأْتـينا فَرْداً))([70])
ولا بد من التذكير بأن هذه الألفاظ مع كونها نزلت بشأن أُناس معينين ، وبسبب أحوال خاصة ، إلا أنها تتعدى تلك الأسباب إلى غيرها في  الحكم ، فتنطبق على كل الأشخاص المتماثلين ، وعلى كل الحالات المشابهة ،  فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ([71] )
 
 
المبحث الثاني :
دراسة تطبيقية لبعض المبهمات في القرآن الكريم
مبهمات القرآن كثيرة ، منها :

  1. قوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) ) (23 : الأحزاب ).

( عن أنس بن مالك قال : غاب عَمِّي أنس بن النضِّر – وبه سُميتُ أنساً – عن قتال بدر ، فشق عليه لما  قٌدِم ،  وقال : غبت عن أول مشهدشهده رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، والله لئن أشهدني الله سبحانه قتالاُ ليرين ما أصنع ، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون ، فقال : اللهم إني أبرأُ إليك مما جاء به هؤلاء ، يعني المسلمين ، ثم مشى بسيفه فلقيه سعد بن معاذ فقال : أي سعد ، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة  دون أحد ، فقتلهم حتى قُتِل .
قال أنس : فوجدناه بين القتلى ، به بضع وثمانون جراحة ، من بين ضربة بالسيف ، وطعنة بالرمح ، ورمية بالسهم ، وقد مثلوا به ، وما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه ، ونزلت هذه الآية ، " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ " قال : ومنا نقول : أنزلت هذه الآية فيه وفي أصحابه..) ( [72] )
والمقصود بالرجال :  مجموعة من  رجال الصحابة ،  نذروا أنهم إذا لقوا حرباً مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا، وهم: عثمان بن عفان ، وأنس بن النضر، وسعيد بن زيد ، وحمزة، وطلحة بن عبيد الله ، ومصعب بن عمير، وغيرهم ، - رضي الله عنهم -.
ومعنى (صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)  أنهم حققوا ما عاهدوا عليه ، فإن العهد وعد ، وهو إخبار بأنه يفعل شيئاً في المستقبل ، فإذا فعله فقد صدق. وفعل الصدق يستعمل قاصراً وهو الأكثر، ويستعمل متعدياً إلى المخبَر - بفتح الباء - ، يقال: صدقه الخبر، أي قال له الصدق، ولذلك فإن تعديته هنا إلى (مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ) إنما هو على نزع الخافض، أي: صدقوا فيما عاهدوا الله عليه.
 (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ) ، يعني حمزة ، ومصعباً (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) يعني عثمان ، وطلحة.
والنَّحبُ: النذر ، وما يلتزمه الإنسان من عهد ونحوه، أي :  من المؤمنين مَن وَفّى بما عاهد عليه من  الجهاد ، كقول أنس بن النضرْ حين لم يشهد بدراً مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم-  ، فكبُر ذلك عليه ،  وقال: أولُ مشهد شَهده رسول الله غبت عنه، أما والله لئن أراني الله مَشهداً مع رسول الله - صلى الله عليه  وسلم -  فيما بعد ،  ليرَيَّن الله ما أصنع ، فشهد أُحُداً ، وقاتل حتى قُتل) ([73]).
قال في الكشاف : ( فإن قلت: ما قضاء النَّحب.. ؟  قلت: وَقَعَ عبارة عن الموت؛ لأنّ كل حي لا بدّ له من أن يموت. فكأنه نذرٌ لازم في رقبته، فإذا مات فقد قضى نحبه، أي: نذره.
وقوله: (  فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ)  يحتمل موته شهيداً، ويحتمل وفاءه بنذره من الثبات مع رسول الله  - صلى الله عليه وسلم-......ولقد  ثبت  طلحة  - رضي الله عنه - مع رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _  يوم أُحد حتى أصيبت يده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : ( أوجب طلحة ).  وفيه تعريض بمن بدلوا من أهل النفاق ومرضى القلوب)([74])

  1. وقوله تعالى : (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1) ) ( 1 : المجادلة )

والتي كانت تجادل رسول الله - صلى الله عليه وسلم _ في زوجها :  أوس بن الصامت،  امرأة من الأنصار.
واختلف أهل العلم في نسبها واسمها، فقال بعضهم: خولة بنت ثعلبة، وقال بعضهم: اسمها: خُوَيلة بنت ثعلبة. وقال آخرون: هي خويلة بنت خويلد. وقال آخرون: هي خويلة بنت الصامت. وقال آخرون: هي خويلة ابنة الدليج. وكانت مجادلتها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في زوجها، مُراجعتها إياه في أمره، وما كان من قوله لها: أنتِ عليّ كظهر أمي. ومحاورتها إياه في ذلك، وبذلك قال أهل التأويل، وتظاهرت به الرواية ([75]).
افتتحت آيات أحكام الظهار بذكر سبب نزولها ، تنويهاً بالمرأة التي وجَّهت شَكواها إلى الله تعالى ،  بأنها لم تقصّر في طلب العدل في حقها وحق بَنِيها. ولم ترضَ بعُنجهية زوجها وابتداره إلى ما ينثر عقد عائلته دون تبصّر ولا روية، وتعليماً لنساء الأمة الإِسلامية ورجالها واجب الذود عن مصالحها.
تلك هي قضية المرأة خولة أو خُويلة مصغراً أو جميلة بنت مالك بن ثعلبة ، أو بنت دُلَيْج (مصغراً) العَوْفية. وربما قالوا: الخزرجية، وهي من بني عوف بن مالك بن الخزرج، من بطون الأنصار مع زوجها أوس بن الصامت الخزرجي ، أخي عُبادة بن الصامت.
قيل: إن سبب حدوث هذه القضية ، أن زوجها رآها وهي تصلي وكانت حسنة الجسم، فلما سلمت أرادها ، فأبت ،  فغضب ، وكان قد ساء خُلُقُه ،  فقال لها: أنتِ عليّ كظهر أمي.
قال ابن عباس: وكان هذا في الجاهلية تحريماً للمرأة مؤبَّداً ، (أي وعمل به المسلمون في المدينة بعلم من النبي - صلى الله عليه وسلم - وإقراره الناس عليه، فاستقرّ مشروعاً) فجاءت خولة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكرت له ذلك، فقال لها: حَرُمتِ عليه، فقالت للرسول - صلى الله عليه وسلم -  إن لي صِبية صغاراً ، إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، فقال: ( ما عندي في أمركِ شيء) ، فقالت: يا رسول الله ما ذكَر طلاقاً. وإنما هو أبو وَلَدِي ، وأحب الناس إليّ ، فقال: ( حَرُمتِ عليه).
فقالت: أشكو إلى الله فاقتي ووجدي. كلما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-  ( حَرُمتِ عليه)  ، هتفت وشكت إلى الله، فأنزل الله هذه الآيات.([76]).
 و( قد ) أصله حرف تحقيق للخبر، فهو من حروف توكيد الخبر  ، ولكن الخطاب هنا للنبي    - صلى الله عليه وسلم- وهو لا يخامره شك في أن الله يعلم ما قالته المرأة التي جادلت في زوجها.
فتعيّن أن حرف ( قد )  هنا مستعمل في التوقع، أي الإِشعار بحصول ما يتوقعه السامع.
قال في ( الكشاف) : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  والمُجادِلة ، كانا يتوقعان أن يسمع الله لمجادلتها وشكواها ،  وينزل في ذلك ما يفرج عنها. ([77]).
وقد استُحضرت المرأة بعنوان الصلة ، تنويهاً بمجادلتها وشكواها ، لأنها دلت على توكلها الصادق على رحمة ربها بها ، وبأبنائها ،  وبزوجها.
والمجادلة: الاحتجاج والاستدلال، والاشتكاء: مبالغة في الشكوى، وهي ذكر ما آذاه،
يقال: شكا وتشكى واشتكى وأكثرها مبالغة. اشتكى، والأكثر أن تكون الشكاية لقصد طلب إزالة الضرّ الذي يشتكي منه بحكم ، أو نصر ، أو إشارة بحيلةِ خلاص.
 والتحاور تفاعل من حار إذا أجاب. فالتحاور حصول الجواب من جانبين، فاقتضت مراجعةً بين شخصين.
والسماع في قوله: (  والله يسمع تحاوركما )  مستعمل في معناه الحقيقي المناسب لصفات الله ، إذ لا صارف يصرف عن الحقيقة. وكون الله تعالى عالماً بما جرى من المحاورة معلوم لا يراد من الإِخبار به إفادة الحكم، فتعيّن صرف الخبر إلى إرادة الاعتناء بذلك التحاور والتنويه به ، وبعظيم منزلته ، لاشتماله على ترقّب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ينزله عليه من وحي، وترقب المرأة الرحمةَ، وإلا فإن المسلمين يعلمون أن الله عالم بتحاورهما. وجملة (وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا) في موضع الحال من ضمير    ( تُجادلك ).
وجيء بصيغة المضارع لاستحضار حالة مقارنة علم الله لتحاورهما ، زيادة في التنويه بشأن ذلك التحاور. وجملة ( إن الله سميع بصير ) تذييل لجملة (وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا).  أي: أن الله عالم بكل صوت ،  وبكل مرئيّ. ومن ذلك محاورة المجادلة ووقوعها عند النبي - صلى الله عليه وسلم -.  وتكرير اسم الجلالة في موضع إضماره ثلاث مرات ،  لتربية المهابة ، وإثارة تعظيم مِنَّتِهِ تعالى ، ودواعي شكره.([78])

  1. وقوله تعالى : (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112)) ( 112 :  المائدة )

اختلف المفسرون في المائدة التي طلبها الحواريون من عيسى – عليه السلام – ، هل نزلت أم لم تنزل..؟  جاء عن مجاهد ، والحسن ، أنها لم تنزل ، وأنهم أبَوها حين عُرِضَ عليهم العذاب إن كفروا ، وقالوا : لا حاجة لنا بها. ([79]) ولكن الذي عليه الجمهور أنها نزلت ، لأن الله تعالى أخبر بنزولها بقوله تعالى : (قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)) ( 115 : المائدة )
وعلى هذا القول فالمائدة المذكورة مبهمة ، لم تُفصِح الآية عن صفتها ، كما أن ظاهر سؤال الحواريين أنهم لم يشترطوا نوعاً دون آخر. وروي عن جمع من السلف تعيين لهذه المائدة ، ومبالغة في وصفها. فقيل : نزلت المائدة خبزاً وسمكاً. وقيل : سمكة فيها طُعمُ كل طَعام.  وقيل : عليها ثمر من ثمار الجنة. وقيل : كان عليها من كل طعام إلا اللحم. ([80]) وقيل غير ذلك.
ومن أحسن ما قيل في الآية ، ما قاله ابن جرير: (  وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة، فأن يقال: كان عليها مأكول، وجائز أن يكون كان سمكاً وخبزاً، وجائز أن يكون ثمراً من ثمر الجنة ، وغير نافعٍ العلم به ، ولا ضارّ الجهل به ، إذا أقرّ تالي الآية بظاهر ما احتمله التنزيل.) ([81])
4- وقوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) )  ( 77-80،  مريم). المراد بالذي كفر : العاص بن وائل السهمي ، كما ورد في الصحيحين. ([82])
قال في التفسير الوسيط : (  ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما أخرجه البخارى ومسلم عن خباب بن الأرتّ قال: جئت العاص بن وائل السهمي أتقاضاه حقاً لى عنده، فقال لى: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - فقلت له: لا، والله لا أكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - حياً ولا ميتاً ولا إذا بعثت، فقال العاص: فإذا بعثت جئتنى ولي هناك مال وولد فأعطيك حقك، فأنزل الله  - تعالى - هذه الآيات.
وفى رواية :  أن رجالا من أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم - أتوا العاص يتقاضون دَيناً لهم عليه ، فقال: ألستم تزعمون أن فى الجنة ذهباً ، وفضةً ،  وحريراً ، ومن كل الثمرات..؟ قالوا: بلى. قال:   (  موعدكم الآخرة والله لأوتَيَّن مالا وولدا).
والاستفهام فى قوله - سبحانه – ( أَفَرَأَيْتَ.. )  للتعجيب من شأن هذا الكافر الجهول ، والفاء للعطف على مُقَدَّر يستدعيه المقام، والتقدير: أنظرت أيها العاقل فرأيت هذا الجاحد الجهول الذى كفر بآياتنا الدالة على وحدانيتنا، وعلى أن البعث حق، وعلى أن ما جاء به رسولنا - صلى الله عليه وسلم - حق وصدق...
ولم يكتف بهذا الكفر، بل قال بكل تبجح، وإصرار على الباطل، واستهزاء بالدين الحق: والله
 ( لأُوتَيَنَّ ) فى الآخرة (مَالاً وَوَلَداً ) ،  كما هو حالي فى الدنيا. فأنت ترى أن هذا الكافر لم يكتف بكفره،   بل أضاف إليه القول الباطل ، المصحوب بالقسم الكاذب، وبالتهكم بالدين الحق.
وقد رد الله - تعالى - على هذا المتبجح المغرور رداً حكيماً مُلزماً ،  فقال: ( أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً كَلاَّ... ). والاستفهام للإنكار والنفي، والأصل: أأطلع  ، فحذفت همزة الوصل للتخفيف.
والمعنى: إن قول هذا الجاهل إما أن يكون مستنداً إلى اطلاعه على الغيب ، وعلمه بأن الله سيؤتيه فى الآخرة مالاً وولداً، وإما أن يكون مستنداً إلى عهد أعطاه الله - تعالى - له بذلك.
ومما لا شك فيه أن كِلا الأمرين لم يتحققا بالنسبة له، فهو لم يطلع على الغيب، ولم يتخذ عند الله عهداً، فثبت كذبه وافتراؤه، ولذا كذبه الله - تعالى - بقوله (  كَلاَّ ) ،  وهو قول يفيد الزجر ، والردع ، والنفي.
أي: كلاّ لم يطلع على الغيب، ولم يتخذ عند الرحمن عهداً. بل قال ذلك افتراءً على الله.
وقوله - سبحانه -: ( سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدّاً وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً )  بيان للمصير السيىء الذى سيصير إليه هذا الشقي وأمثاله، و ( وَنَمُدُّ )من المَدّ ،  وأكثر ما يُستعمل فى المكروه ، بخلاف أَمَدَّ. أي: سنسجل على هذا الكافر ما قاله، ونحاسبه عليه حساباً عسيراً، ونزيده عذاباً فوق العذاب المُعَدِّ له،  بأن نضاعفه له؛ ونطيله عليه ، ( وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ ) أى: ما يقول إنه يؤتاه يوم القيامة من المال والولد، بأن نسلبه منه، ونجعله يخرج من هذه الدنيا خاليَ الوِفاض منهما، وليس معه فى قبره سوى كفنه،   ( وَيَأْتِينَا فَرْداً ) أى: ويأتينا يوم القيامة بعد مبعثه منفرداً بدون مال ، أو ولد ، أو خدم ، أو غير ذلك مما كان يتفاخر به فى الدنيا هو وأشباهه من المغرورين الجاحدين.([83])
قال صاحب الكشاف (  فإن قلت: كيف قيل: سنتكب بسين التسويف ، وهو كما قاله كتبه من غير تأخير قال - تعالى: ( مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ  ) قلت: فيه وجهان: أحدهما: سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله على طريقة قول الشاعر:
إذا ما انتسبنا لم تلدنى لئيمة.............. ولم تجدي من أن تُقِرّي بها بُدَّا
أى: تَبَيَّنَ ،  وعُلِمَ بالانتساب أني لم تلدني لئيمة.
والثانى: أن المتوعد يقول للجاني: سوف أنتقم منك، يعنى أنه لا يخل بالانتصار ،  وإن تطاول به الزمان واستأخر، فجرد هَاهُنا لمعنى الوعيد. ).([84])
5- و قوله تعالى :  (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)(106 : النحل )
نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر – رضي الله عنه - ، فقد روي " أن قريشاً أكرهوا عماراً وأبويه ياسراً وسُمية على الارتداد ، فأباه أبواه ، فربطوا سُمَيةَ بـين  بعيرين ،  وَوُجِِئَت بِحَربَةٍ في قُبُلِها، وقالوا: إنما أسلمتْ من أجل الرجالِ فقتلوها  ، وقتلوا ياسراً ،  وهما أولُ قتيلين في الإسلام، وأما عمارٌ فأعطاهم بلسانه ما أُكرِهَ عليه..
 فقيل: يا رسول الله إن عماراً كفر، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ( كلا، إن عماراً مُلىء إيماناً من قَرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمانُ بلحمه ودمه) ([85]).
 فأتىٰ عمارٌ رسولَ الله- صلى الله عليه وسلم -  وهو يبكي، فجعل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-  يمسح عينيه وقال: (  إن عادوا لك فعُدْ لهم بما قلت )([86]) ،  وهو دليلُ جواز التكلم بكلمة الكفر عند الإكراهِ المُلجىء ، وإن كان الأفضلُ أن يتجنب عنه إعزازاً للدين كما فعله أبواه. ([87])
عن قتادة: ( مَنْ كَفَرَ بـاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيـمَانِهِ إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئنّ بـالإيـمَانِ ) قال: ذُكر لنا أنها نزلت فـي عمار بن ياسر، أخذه بنو الـمغيرة فغطوه فـي بئر ميـمون ،  وقالوا: اكفُر بـمـحمد ، فتابعهم علـى ذلك وقلبه كاره، فأنزل لله تعالـى ذكره: ( إلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئنّ بـالإيـمَانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بـالكُفْرِ صَدْراً ): أي من أتـى الكفر علـى اختـيار واستـحبـاب ،  (فَعَلَـيهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيـمٌ ). قال الشعبـي:  لـما عذّب الأعبد ، أعطوهم ما سألوا إلا خبـاب بن الأرتّ، كانوا يضجعونه علـى الرُّضُف _ الحجارة المُحَمَّاة - فلـم يستقلوا منه شيئاً.
فتأويـل الكلام إذن: من كفر بـالله من بعد إيـمانه، إلا من أكره علـى الكفر ، فنطق بكلـمة الكفر  بلسانه ، وقلبه مطمئنّ بـالإيـمان، موقنٌ بحقـيقته ، صحيحٌ علـيه عزمه ، غير مفسوح الصدر بـالكفر  لكن من شرح بـالكفر صدراً ، فـاختاره وآثره علـى الإيـمان ، وبـاح به طائعاً، فعلـيهم غضب من الله ، ولهم عذاب عظيـم([88]).
6- وقوله تعالى:  (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ(6) ) ( 6 : لقمان ). والمراد :( النضر بن الحارث ) ، الذي اشترى قَينَة ، وكان لا يسمع أحداً يريد  الدخول في الإسلام ، إلا انطلق به إلى قَينَتِهِ ، فيقول : أَطعميه ، واسقِيه ، وغَنِّيهِ  هذا خير مما يدعوك إليه محمد  من الصلاة ، والصيام ، والقتال بين يديه ، فنزلت هذه الآية. ([89])
قال في التفسير الوسيط : (وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هاتين الآيتين روايات أشهرها، أنهما نزلتا فى النضر بن الحارث. اشترى قينة - أى مغنية -، وكان لا يسمع بأحد يريد الإِسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول لها: أطعميه واسقيه وغنيه، فهذا خير مما يدعوك إليه محمد - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة ،  والصيام، وأن تقاتل بين يديه.. و ( لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ ): باطله، ويُطلق على كل كلام يلهي القلب، ويشغله عن طاعة الله - تعالى - ،  كالغناء، والملاهى، وما يشبه ذلك مما يصد عن ذكر الله - تعالى -وقد فسره كثير من العلماء بالغناء، والأفضل تفسيره بكل حديث لا يثمر خيراً. و ( مِنَ ) فى قوله :  (  وَمِنَ ٱلنَّاسِ ) للتبعيض، أى: ومن الناس من يترك القول الذى ينفعه، ويشترى الأحاديث الباطلة، والخرافات الفاسدة.وقوله: ( لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً.. ) تعليل لاشتراء لهو الحديث. والمراد بسبيل الله - تعالى -: دينه ، وطريقه الذى اختاره لعباده).([90])
وقال في  الكشاف:
(  وقوله: { يَشْتَرِى } إما من الشراء، على ما روي عن النضر: من شراء كتب الأعاجم ، أو من شراء القِيان. وإما من قوله: (  ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بِٱلإيمَـٰنِ )  [177 : آل عمران  ] أي استبدلوه منه ، واختاروه عليه. وعن قتادة: اشتراؤه: استحبابُه، يختار حديث الباطل على حديث الحق. وقرىء: ( لِيُضِلَّ ) بضم الياء وفتحها. و (  سَبِيلِ ٱللَّهِ)  دين الإسلام أو القرآن.
فإن قلت: القراءة بالضم بَيِّنة، لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو: أن يصدّ الناس عن الدخول في الإسلام ، واستماع القرآن ، ويضلهم عنه، فما معنى القراءة بالفتح..؟
قلت: فيه معنيان، أحدهما: ليثبت على ضلاله الذي كان عليه، ولا يصدف عنه، ويزيد فيه ويمدّه، فإن المخذول كان شديد الشكيمة في عداوة الدين ، وصدّ الناس عنه.
 والثاني: أن يوضع ليضل موضع ليضل، من قِبَلِ أن من أضَلَّ كان ضالاً لا محالة، فدل بالرديف على المردوف . ) ([91])
  7- وقوله تعالى : (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32)) ( 32 : الأنفال )
تتحدث الآية  عن بعض رذائل مشركي قريش ،  فتحكي لوناً عجيباً من ألوان عِنادهم ، وجحودهم للحق ، فتقول : (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) ). أخرج البخاري عن أنس بن مالك أن قائل هذا القول هو : أبو جهل بن هشام ([92]). وأخرج ابن جرير عن محمد بن قيس : أن قريشا قال بعضها لبعض : أأكرم الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - من بيننا ، اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء. ([93])
وفي ظني أن مُؤدّى الأقوال  واحد ، فهم جميعاً راضون بهذا القول الذي صدر عن أبي جهل حسب رواية البخاري ، أي : أسند سبحانه قول ( أبو جهل )  إلى جميع المشركين : لأنهم كانوا راضين بقوله ، ولأنه من زعمائهم الذين يقودونهم إلى طريق الغواية.
والمعنى : إن هؤلاء المشركين قد بلغ بهم العناد والجحود أنهم لم يكتفوا بإنكار أن القرآن من عند الله ، وأن محمداً قد جاءهم بالحق ، بل أضافوا إلى ذلك قولهم : اللهم إن كان هذا الذي جاءنا به محمد من قرآن وغيره ، هو الحق المنزل من عندك ، فعاقبنا على إنكاره والكفر به ، بأن تنزل علينا حجارة من السماء تهلكنا ، أو تنزل علينا عذاباً أليماً يقضي علينا. وفي إطلاقهم ( الحق ) على ما جاء به الرسول  - صلى الله عليه وسلم  - ، وجعله من عند الله ،  تهكُّمٌ بمن يقول ذلك. و( أل ) فيه : للعهد ، أي : الحق الذي ادعى محمد أنه جاء به من عند الله. وقوله : (من السماء ) : متعلق بمحذوف ، صفة لقوله ( حجارة ) ، وفائدة هذا الوصف : الدلالة على أن المراد بها حجارة معينة مخصوصة لتعذيب الظالمين.
قال في  الكشاف : ( وهذا أسلوب من الجحود بليغ ، يعني : إن كان القرآن هو الحق فعاقبنا على إنكاره بالسِّجيل ، كما فعلت بأصحاب الفيل. ومرادهم : نفي كونه حقاً.  
 فإن قلت : ما فائدة قوله ( من السماء ) : والأمطار لا تكون إلا منها..؟  
قلت : كأنهم يريدون أن يقولوا : فأمطر علينا السجيل ، وهي الحجارة المُسَوَّمة للعذاب ،
فوضع حجارة من السماء موضع السجيل. ) ([94] )
 8-  و قوله تعالى :  (وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)) (35 :  البقرة ).
المبهمات في الآية قوله تعالى :( وزوجك ) وقوله :( الشجرة ).
أما زوجه فهي ( حواء – عليها السلام - ) ، وأول من سماها بذلك : آدم – عليه السلام - ، حين خلقت من ضلعه ، وقيل له : مَن هذه..؟ قال : امرأة ، قيل : وما اسمها..؟ قال :حواء. قيل : ولم..؟ قال : لأنها خلقت من حي ّ ([95]).
والقرآن لم يحدثنا عن زوج آدم ، وهي التي عرفت بحواء ، وعن كيفية خلقها ، كل الذي أشار إليه القرآن الكريم في هذا المضمار ، وفي سياق غير سياق قصة آدم ، إشارات موجزة من مثل قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1).) ( سورة النساء : 1). وأكثر المفسرين يذهبون إلى أن الله خلقها من ضلع آدم ، وهذا ما أشارت إليه التوراة صَراحةً ، وربما يستأنسون لذلك بحديث لرسول الله   – صلى الله عليه وسلم - : ( استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خُلِقنَ من ضلع أعوج ، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ) ([96]).  وذهب بعض المفسرين إلى أن معنى قول الله تعالى :  ( وخلق منها زوجها ) أي : خلقها من جنسه، حتى لا يكون بينهما تنافر. 
وأما الشجرة التي نهي عنها آدم – عليه السلام – وزوجه ، فهي من المبهمات التي لا ينبغي السؤال عن حقيقتها ، لأنه لا تتوقف على معرفة نوعها فائدة تُذكَر.
لقد أبهم الله تعالى الشجرة التي نهي آدم وزوجه عن الأكل منها ، لعدم توقف حكم على بيان جنسها فضلاً عن تحديد نوعها ، ومع هذا تجد الأقوال تعددت ملتمسة تحديد هذه الشجرة.
 ومما قيل في تحديدها : إنها شجرة السنبلة ، روي هذا عن ابن عباس – رضي الله عنهما -،  وقتادة – رضي الله عنه - ، وغيرهما. وقيل : الكَرمَة ، روي عن ابن عباس أيضا ، وسعيد بن جبير وغيرهما ([97]).. وقيل هي النخلة.  وقيل : التينة ([98]).  ويضاف إلى هذه الأقوال ، ما زعمته يهود من أنها الحنظلة ، وتقول : إنها كانت حلوة  ومَرَّت (أي أصبحت مرة ) من حينئذ.([99])   وعن ابن عباس – رضي الله عنهما -: إنها شجرة العلم فيها ثمرة كل شيء ([100]). والمنهج السليم ما قرره ابن جرير الطبري بقوله :( ولـم يضع الله جل ثناؤه لعبـاده الـمخاطبـين بـالقرآن دلالة علـى أيّ أشجار الـجنة كان نهيه آدم أن يقربها بنصّ علـيها بـاسمها ، ولا بدلالة علـيها. فـالصواب فـي ذلك أن يقال: إن الله جل ثناؤه نهى آدم وزوجه عن أكل شجرة بعينها من أشجار الـجنة دون سائر أشجارها، فخالفـا إلـى ما نهاهما الله عنه، فأكلا منها ، كما وصفهما الله -جل ثناؤه -. ولا علـم عندنا أيّ شجرة كانت علـى التعيـين، لأن الله لـم يضع لعبـاده دلـيلاً علـى ذلك فـي القرآن ، ولا فـي السنة الصحيحة.... وقد قـيـل: كانت شجرة البرّ. وقـيـل: كانت شجرة العنب. وقـيـل: كانت شجرة التـين. وجائز أن تكون واحدة منها، وذلك عِلمٌ إذا عُلِـم لـم ينفع العالـم به عِلـمُه، وإن جهله جاهل لـم يضرّه جهله به. ) ([101])
وقال الفخر الرازي : ( واعلم أنه ليس في الظاهر ما يدل على التعيين ، فلا حاجة أيضا إلى بيانه ، لأنه لبس المقصود أن يعرفنا عين تلك الشجرة ، وما لا يكون مقصوداً في الكلام ، لا يجب على الحكيم أن  يبينه ، بل ربما كان بيانه عبثاً..) ([102]).
وقال القرطبي : ( قال ابن عطية : وليس في شيء من هذا التعيين ما يعضده خبر ، وإنما الصواب : أن يعتقد أن الله نهى آدم عن شجرة ، فخالف هو إليها ، وعصى في الأكل منها ) ([103])
9- وقوله تعالى :   (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)) (22 : النور ). نزلت في أبي بكر الصديق – رضي الله عنه -. قال في جامع البيان : (عُنِـي بذلك أبو بكر الصدّيق - رضي الله عنه - فـي حلفه بـالله لا ينفق علـى مِسْطَح، فقال جلّ ثناؤه: ولا يحلف من كان ذا فضل من مال وسعة منكم أيها الـمؤمنون بـالله ألاَّ يُعْطُوا ذَوِي قَرابتهم ، فـيصِلوا به أرحامهم، كمِسْطح، وهو ابن خالة أبـي بكر.  (وَالْمَسَاكِينَ ): وكان مِسْطح منهم، لأنه كان فقـيراً مـحتاجاً.  (وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وهم الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم فـي جهاد أعداء الله، وكان مِسْطَح منهم ، لأنه كان مـمن هاجر من مكة إلـى الـمدينة، وشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدراً. ( وَلْـيَعْفُوا ) ولـيعفُوا عما كان منهم إلـيهم من جُرم، وذلك كجرم مِسْطح إلـى أبـي بكر فـي إشاعته علـى ابنته عائشة ما أشاع من الإفك. (  وَلْـيَصْفَحُوا ) : ولـيتركوا عقوبتهم علـى ذلك، بحرمانهم ما كانوا يؤتونهم قبل ذلك، ولكن لـيعودوا لهم إلـى مثل الذي كانوا لهم علـيه من الإفضال علـيهم.  (  أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)  ألا تـحبون أن يستر الله علـيكم ذنوبكم بإفضالكم علـيهم، فـيترك عقوبتكم علـيها. ( وَاللّهُ غَفُورٌ ) لذنوب من أطاعه واتبع أمره، رحيـم بهم أن يعذّبهم مع اتبـاعهم أمره ، وطاعتهم إيّاه، علـى ما كان لهم من زلة ، وهفوة ، قد استغفروه منها ، وتابوا إلـيه من فعلها.....
 وعن عائشة، قالت: لـما نزل هذا ، يعنـي قوله:  ( إنَّ الَّذِينَ جاءُوا بـاْلإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) فـي عائشة، وفـيـمن قال لها ما قال ، قال أبو بكر-  وكان ينفق علـى مِسطَح لقرابته وحاجته- : والله لا أُنفِقُ علـى مسطح شيئاً أبداً ، ولا أنفعه بنفعٍ أبداً ، بعد الذي قال لعائشة ما قال ، وأدخـل علـيها ما أدخـل ،  قالت: فأنزل الله فـي ذلك: (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ... الآية ). فقال أبو بكر: والله إنـي لأحبّ أن يغفر الله لـي ، فرجع إلـى مسطح نفقتَه التـي كان يُنفِق علـيه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً. وكان أبو بكر قد حلف أن لا ينفع يتـيـماً فـي حِجْره كان أشاع ذلك. فلـما نزلت هذه الآية قال: بلـى أنا أحبّ أن يغفر الله لـي، فَلأكوننّ لـيتـيـمي خيرَ ما كنت له قطُّ. ([104]).
10- وهناك نوع من المبهمات ضرب الله عن ذِكرِهِ صَفحاً لعدم تعلق التكليف به ، لِخُلُوِّ معرفته من الفائدة ،  مثل تعيين البعض المذكور في قوله تعالى : (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ( البقرة : 73).
أمر الله بني إسرائيل لما قُتِلَ فيهم قتيل ، ولم يهتدوا لقاتله أن يذبحوا بقرة ، ويضربوا القتيل ببعض هذه البقرة ، ولم تُبَين الآية ما هذا البعض..؟
لذلك اختلف المفسرون في تعيين هذا البعض على أقوال  كثيرة :
 قال الطبري : ( ...... عن قتادة، قال: ذكر لنا أنهم ضربوه  بفخذها فأحياه الله، فأنبأ بقاتله الذي قتله وتكلـم، ثم مات.  وقال آخرون: الذي ضرب به منها هو البَضْعة التـي بـين الكتفـين ،  فعاش، فسألوه: من قتلك..؟ فقال لهم: ابن أخي.
وقال آخرون: الذي أمروا أن يضربوه به منها عَظمٌ من عظامها ، عن أبـي العالـية، قال: أمرهم موسى أن يأخذوا عظماً منها فـيضربوا به القتـيـل ففعلوا، فرجع إلـيه روحه، فسمى لهم قاتله ،  ثم عاد ميتاً كما كان. ) ([105])
وقال ابن الجوزي : (   وفي الذي ضُرِبَ به ستة أقوال:
أحدها: أنه ضُرِبَ بالعظم الذي يلي الغضروف، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثاني: أنه ضرب بالفخذ، روي عن ابن عباس أيضاً، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وذكر عكرمة ، ومجاهد أنه الفخذ الأيمن.
والثالث: أنه البَضعة التي بين الكتفين. رواه السدي عن أشياخه.
والرابع: أنه الذنب، رواه ليث عن مجاهد.
والخامس: أنه عَجب الذنب، وهو عظم بني عليه البدن، روي عن سعيد بن جبير.
والسادس: أنه اللسان، قاله الضحاك.
وفي الكلام اختصار تقديره: فقلنا: اضربوه ببعضها ليحيا، فضربوه فحيي، فقام فأخبر بقاتله.)  ([106]). 
وبناء على ذلك ، فالمبهمات التي لم يُفصح القرآن عنها ، لا يصح الاشتغال بها.
كما لا يجوز البحث في مبهمات استأثرَ اللهُ بعلمها ، فيجب التوقف عندها ، وعدم الخوض فيها.   قال الزركشي : ( لا يُبحَثُ عن مبهم  أخبر الله باستئثاره بعلمه ) ،  كقوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا  اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)) ( 60 : الأنفال ) فقد أخبر الله سبحانه اختصاصه بعلم ما تضمنه قوله  : (وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) ونفى ذلك عن الخلق، فمن تَطَلَّبَ معرفة هذه الأمور ، فقد تجرأ على الله تبارك وتعالى ، وتعدَّى الحَدَّ الذي يجب  الوقوف عنده ([107]).
 
 
الخاتمة
في نهاية هذا البحث الذي تناولت فيه تعريف المبهمات في كتاب الله ، ونشأته ، وعناية السلف به ، وأسباب وقوعه في القرآن ، وأهم مصنفاته ، أذكر أهم ما توصلت إليه في هذا البحث من نتائج ،  وتتلخص  فيما يلي :
1- الإبهام ضد التعيين ، ويراد به ما لم يُبَيَّن في القرآن الكريم من اسم ، أو عدد ، أو مكان ، أو نحو  ذلك.
2- علم المبهمات  هو أحد علوم القرآن التي مَرَدُّها  إلى النقل المحض عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وأصحابه الكرام  الذين شاهدوا الوحي والتنزيل ،  ، فلا مجال للرأي والاجتهاد فيه.
3- علم المبهمات علم تشتاق إليه النفوس ، لأن النفوس مجبولة على التطلع لما أُبهِمَ أو أُخفِيَ عنها.
4- لا يُبحَثُ عن مُبهَمٍ أخبر الله باستئثاره بعلمه.
5- علم المبهمات التي لم يفصح القرآن عنها ، ولم يُعَرِّج على تفصيلها ، من الأمور التي لا يصح الاشتغال بها ، إلا في حالات قليلة جداً ، كدفع تهمة تقع على أحد بسبب الإبهام ، فترفع عنه ، إن كان قد عرف المبهم  أنه غيره.
6- ما ورد من المبهمات عن طريق الاسرائيليات ، كلون كلب أصحاب الكهف ، واسمه ، وكاسم الغلام الذي قتله الخضر ، وكخشب سفينة نوح من أي شجر هو ، ولم يدل على صحته كتاب ولا سنة صحيحة ، يُتَوَقفُ فيه.
7-  معرفة أسباب النزول تعين على معرفة المبهمات.
8- تعتبر كتب التفسير بالمأثور ، وكتب الصحاح والسنن، وكتب أسباب النزول ، من المصادر المهمة التي تعين على معرفة المبهمات.
9- لوقوع الإبهام في القرآن أسباب ، فقد يُبهِمُ القرآن شيئاً في موضع ، ويُبينه في موضعٍ  آخر ، أو يبهمه للستر عليه ، أو لتعظيمه ، أو لتحقيره ,
10- اعتنى بعض السلف بالمبهمات ، حتى أفردها بالتأليف جماعة من العلماء ،كما اعتنى بها الخَلَف ، وللسيوطي فيه تأليف حافل ، فريدٌ في بابه ، أسماه : مفحمات الأقران في مبهمات القرآن.
وفي الختام أسأل الله أن يختم عملي بأحسنه ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
الهوامش 


[1] - انظر : الآلوسي ، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني( تـ 1270هـ) :  روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ،ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت : ج15: ص 225.  ود. محمد سيد طنطاوي ،  التفسير الوسيط للقرآن الكريم ، ط1، مطبعة السعادة ، القاهرة: ج15: ص 41 ، والشنقيطي ، أضواء البيان : ج4:  ص 34.

[2] - نبهني أحد مقومي هذاالبحث إلى أن الباحث محمد عبطان عباس  له  رسالة ماجستير تحت عنوان : (المبهمات في القرآن الكريم ).  ولكن متى وأين نوقشت ، وما مضمونها... ؟  ثم لم  استطع الحصول عليها. 

[3] - انظر : ابن فارس ،أبو الحسين أحمد بن فارس ( تـ 393هـ ) معجم مقاييس اللغة،  تحقيق عبد السلام هارون ، طبع الحلبي بالقاهرة ، 1969م ، ج1: ص311، مادة ( بهم ). والجوهري ، إسماعيل بن حماد ( تـ393هـ) الصحاح ( تاج اللغة وصحاح العربية )  تحقيق أحمد عبد الغفور عطار ، دار العلم للملايين ، ط1، 1376هـ.: ج5: ص 1875. مادة ( بهم ) ، ابن منظور الإفريقي ،أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ( تـ  711هـ  ) لسان العرب ،   دار صادر ، بيروت. 1968م. ج1: ص  523   وما بعدها ، مادة ( بهم ).والراغب الأصفهاني ، أبو القاسم الحسين بن محمد بن الفضل (تـ 502هـ،): المفردات في غريب القرآن تحقيق مص : 149.

[4] - انظر : محمد بن أبي بكر بن عبد القادرالرازي  (تـ666هـ) مختار الصحاح ، المكتبة الأموية ، دمشق ، 1978م.  ص : 27.

[5] - انظر: حسن المصطفوي :  التحقيق في كلمات القرآن الكريم ، ط1، 1371هـ ، إيران . ( 14 جزءاً) ج1: ص 349-350.

[6] - انظر : السهيلي عبد الرحمن بن عبد الله الخثعمي الأندلسي (581هـ) ، التعريف والإعلام فيما أبهم من الأسماء والأعلام في القرآن الكريم ، تحقيق : عبد الله النقراط , ط1 , ط1401هـ , منشورات كلية الدعوة الإسلامية , طرابلس : ص50.

[7] -  ابن جماعة ، بدر الدين الكناني الحموي الشافعي ، ( ت 733هـ)، غرر البيان لمبهمات القرآن : دراسة وتحقيق عبد الجواد خلف ، دار قتيبة ، باكستان  ، كراتشي :   ص38.

[8] - انظر :  التعريف والإعلام للسهيلي :  ص50 , والبلنسي ، أبو عبد الله محمد بن علي المغربي (ت782هـ) صلة الجمع وعائد التذييل لموصول كتابي الإعلام والتكميل ، تحقيق : حنيف القاسمي , دار الغرب الإسلامي: ص101.

[9] - انظر : أبو عبد الله ابن عسكـر : محمد بن علي الغسّاني الأندلسي (ت636هـ )، التكميل والإتمام لكتاب التعريف والإعلام ، تحقيق : حسن إسماعيل مروة , ط1 ، 1418هـ , دار الفكر , بيروت :  ص 399.ود. محمد سيد طنطاوي : تفسير الوسيط : ج 26 : ص  72.

[10] - انظر :  السهيلي ، التعريف والإعلام  : ص191. والزمخشري ، الكشاف : مجلد 2 : ص 495.   

[11] -انظر :  ابن عسكر ، التكميل والإتمام, ص 367  ود. محمد سيد طنطاوي : التفسير الوسيط للقرآن الكريم ، ط1، مطبعة السعادة ، القاهرة: ج 25  :ص 144.

[12] -انظر :  السهيلي  ، التعريف والإعلام : ص135. ود. محمد سيد طنطاوي : التفسير الوسيط للقرآن الكريم ، ط1، مطبعة السعادة ، القاهرة: المجلد السابع ، تفسير سورة يونس : ص 174 .

[13] -  مرّ الظهران : بفتح الميم ، وتشديد الراء المضمومة ، وبينها وبين البيت الحرام ستة عشر ميلا ، وَرَدَّ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – الذي ترك الطواف لوداع البيت من مر الظهران. انظر : البكري  عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي (تـ487هـ) معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع ،  حققه وضبطه مصطفى السقا ، ط3، 1983م ، عالم الكتب ، بيروت. ، ج4: ص1212.

[14] -  صحيح البخاري ، محمد بن إسماعيل البخاري (256هـ) تحقيق ، مصطفى ديب البغا ، دار ابن كثير  بيروت ، 1987م: كتاب التفسير ، تفسير سورة التحريم ،( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما.) ،  ج6: 192.   وأبو زكريا يحيى بن شرف ( تـ 676هـ) شرح صحيح مسلم ، ط المطبعة المصرية ومكتبتها  القاهرة.  : كتاب الطلاق ، بيان أن تخييره امرأته لا يكون طلاقا إلا بالنية ، ج10: ص 89. وانظر : مختصر تفسير ابن كثير ، ج3: ص 520-521. 

[15] - الزركشي ، بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله  ( تـ 794هـ) ، البرهان في علوم القرآن  ،  تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ط دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، ط1، 1988م.،  ج1: ص 206.
والتعريف والاعلام ، للسهيلي ، ص : 16. والسيوطي ،جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر الخضيري  (تـ 911هـ)  مفحمات الأقران في مبهمات القرآن ، تحقيق مصطفى ديب البغا ، مؤسسة علوم القرآن دمشق ، 1983م.: ص 34. لكن أورده السيوطي عن ابن عباس فقال : هذا الكلام مروي عن ابن عباس نفسه ، أخرج ابن مندة في كتابه معرفة الصحابة من طريق ابن أبي حكيم ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة قال : طلبت اسم رجل في القرآن وهو الذي خرج مهاجراً إلى الله ورسوله ، وهو : ( ضَمرة بن العيص )  ، وهذا الرجل وَرَدَ مُبهَماً في قوله تعالى : ( ومن يخرج من بيته مهاجرا...الآية ) (سورة النساء : 100.). وما ذكر هنا ليس من كلام عكرمة ، بل من كلام ابن عباس ، فقد صرح في رواية ابن مندة بسماع عكرمة عن ابن عباس.

[16] - التعريف والإعلام للسهيلي ص 51.

[17] - انظر:السيوطي ، تفسير الجلالين  ، يهامش حاشية الجمل ج1:ص 107. .

[18] - خالد بن معدان ابن أبي كرب ، الإمام ، شيخ أهل الشام، أبو عبد الله الكلاعي ، الحمصي. حدث عن خلق من الصحابة -وأكثر ذلك مرسل- روى عن ثوبان ، وأبي أمامة الباهلي ، ومعاوية ، وأبي هريرة ، والمقدام بن معدي كرب ، وابن عمر ، وعتبة بن عبد ، وعبد الله بن عمرو ، وطائفة. وأرسل عن معاذ بن جبل ، وأبي الدرداء ، وعائشة ، وعبادة بن الصامت ، وأبي عبيدة بن الجراح ، وغيرهم. وهو معدود في أئمة الفقه ، وثَّقَه ابن سعد والعجلي ، ويعقوب بن شيبة ، وابن خراش ، والنسائي قال ابن سعد : أجمعوا على أنه مات سنة ثلاث ومائة .   انظر : ابن سعد : الطبقات الكبرى : ج7: ص 100.

[19] - انظر : الإمام أحمد ، (تـ241هـ) مسند الإمام أحمد بن حنبل ، المكتب الاسلامي  ، دمشق  ، ط1، 1993م.  ، من حديث ( العرباض بن سارية ). ج4: ص 126.

[20] - انظر : الطبري لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ( تـ 310هـ): تفسير الطبري ( جامع البيان عن تأويل آي القرآن )  : مكتبة دار الجيل ، بيروت ، مجلد: 3 ، ج4 ، ص 142.

[21] - انظر : الإمام أحمد بن حنبل ،المسند :ج4:ص 384. وحسنه الحافظ ابن حجرالعسقلاني ، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر الكناني ( تـ 852هـ) في  فتح الباري شرح صحيح البخاري ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي  ، المطبعة السلفية ، 1379هـ : ج8: ص 159.

[22] - الماوردي ، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب ( تـ 450هـ)، تفسير الماوردي ( النكت والعيون في تفسير القرآن الكريم ) ، تحقيق السيد ابن عبد المقصود بن عبد الرحيم ، بيروت. ، ج1: ص 61.

[23] - انظر : الشوكاني ، محمد بن علي بن محمد بن عبد الله (تـ1250هـ) فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ،  ط مصطفى البابي الحلبي ، القاهرة ، 1383هـ. ، ج1: ص 25.

[24] - انظر : صديق حسن خان القنوجي الأنصاري (تـ 1307هـ  ) فتح البيان في مقاصد القرآن ،  تحقيق عبد الله الأنصاري ، المكتبة العصرية ، ط1، 1412هـ. ج1: ص 53.

[25] - انظر : أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ( تـ 774هـ)  ،تفسير القرآن العظيم ، دار الفكر ، بيروت 1971م. : ج1: ص 29.

[26] - انظر : محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين البكري ( تـ 606هـ) ، تفسير الفخر الرازي  ( مفاتيح الغيب – التفسير الكبير ) ، دار الكتب العربية ، طهران : ج1: ص 264.

[27] - الآلوسي : شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني( تـ 1270هـ)  ، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت: ج1: ص 96.  وانظر: محمد بن عبد العزيز بن أحمد الخضيري : الإجماع في التفسير : ط1، 1999م ، الرياض ،  المملكة العربية السعودية. ص 137-141.

[28] - انظر: ابن عاشور :  تفسير التحرير والتنوير ، ج5 ص 127-  129.

[29] - انظر : البقرة : 63. وَ 93. والنساء : 154. ومريم : 52. وَطه: 80 . والمؤمنون : 20. والقصص: 29. وَ 46. والطور : 1. والتين : 2. وانظر : محمد فؤاد عبد الباقي : المعجم المفهرس : ص : 429.

[30] - الضح: يكسر الضاد وتشديد الحاء: الشمس. محمد بن أبي بكر الرازي : مختار الصحاح ، ص : 377.

[31] - الزمخشري ،  جار الله محمود بن عمر الخوارزمي ( تـ  538 هـ)  : الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه  التأويل ،  ط البابي الحلبي ، القاهرة ، 1966م:  ج2، ص 219. بتصرف واختصار.  

[32] - ابن جزي الكلبي ، محمد بن أحمد ، (تـ 741هـ) التسهيل لعلوم التنزيل ، دار الفكر للطباعة والنشر ، ج1 : ص 411.

[33] - انظر : الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن : مجلد 7، ج21 ، ص 20.

[34] - انظر : الزركلي ، الاعلام ، ج3: ص 313.

[35] - - انظر : الزركلي ، خير الدين ،  الأعلام (قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين ) ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1979م. ج5:ص320.

[36] - انظر : ابن عسكر ( تـ 636هـ) ، التكميل والإتمام :  ص 35.

[37] - انظر : الزركلي ، الاعلام ، ج2:ص 247.

[38] - انظر : الشيخ محمد بن محمد بن  مخلوف ، شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان : ص 200.   والزركلي ، الاعلام : ج2، ص 247. وعادل نويهض  : معجم المفسرين من صدر الاسلام حتى العصر الحاضر ، مؤسسة نويهض الثقافية ، بيروت ، 1983م. ، ج2: 756.

[39] - انظر : حاجي خليفة ، مصطفى بن عبد الله ( تـ 1656م ) كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون بيروت ، دار الفكر 1982م.  ، ج1ص 341.

[40] - انظر : ابن جماعة ( تـ 733هـ) ، غرر البيان : ص : 89.  

[41] - انظر : إسماعيل باشا البغدادي : هدية العارفين : ج2: 143. وعادل نويهض : معجم المفسرين : ج2: ص 585.

[42] - انظر : البلنسي ، صلة الجمع... ج 1: ص 56. :

[43] - انظر : حاجي خليفة ، كشف الظنون : ج1: ص21.

[44] -  انظر : السيوطي، مفحمات الأقران ص: 17.

[45] - انظر : البلنسي ، صلة الجمع... ،تحقيق الدكتور : حنيف بن حسن القاسمي :  ج1: ص: 52-53.

[46] -  انظر الأدكاوي ، عبد الله بن عبدالله الأدكاوي الشافعي ( تـ1184هـ) ،: موسوعة الأسماء والأعلام المبهمة في القرآن الكريم ، المسمى (ترويح أولي الدماثة بمنتقى الكتب الثلاثة ) ،  تحقيق وشرح مروان العطية وزميله ، ط1، 2001م ، مكتبة العبيكان ، الرياض ، المملكة العربيةالسعودية.

[47] - انظر : البلنسي ، صلة الجمع... ،تحقيق الدكتور : حنيف بن حسن القاسمي :  ج1: ص: 53.

[48] - انظر : عبد الجواد خلف ، مباحث في مبهمات القرآن , ص 8.وانظر :مقال  الدكتور طه عفان الحمداني : (الإبهام في الكتاب والسنة) ومقال : (المبهمات ) ( لم يُذكَر اسم كاتبه  ) على الشبكة العنكبوتية : google ) ).

[49] - انظر : الزركشي ، البرهان: ج 1 :  ص156. والسيوطي : مفحمات الأقران : ص  20  وَ 21. والسيوطي ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر الخضيري ، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم ، القاهرة ، 1387هـ ، الاتقان في علوم القرآن ، الإتقان : ج4 : ص 79.

[50] - الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله : البرهان ، ج1: ص 203.

[51] - د. محمد  سيد طنظاوي : التفسير الوسيط للقرآن الكريم ، ط1، مطبعة السعادة ، القاهرة ، المجلد السابع ، تفسير سورة يوسف ، ص50.

[52] - انظر : السهيلي : التعريف والإعلام : ص : 63. والزركشي ، بدر الدين محمد بن عبد اللة ، البرهان في علوم القرآن : ج1:ص 205.

[53] - الطبري : جامع البيان : ج2 : ص 316.

[54] - انظر : السيوطي : مفحمات الأقران : ص 37. والسهيلي : التعريف والإعلام : ص 27.

[55] - انظر : ابن عاشور : تفسير التحرير والتنوير ،ج 3   ص 21 .

[56] - مكان بينه وبين مكة المكرمة فرسخان ،يُحرِم منه من أراد العُمرة. انظر : عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي ( تـ 487هـ) معجم ما استعجم، تحقيق مصطفى السقا ، ط3، عالم الكتب ، بيروت ، 1983م. ج1: ص 321.

[57] -  انظر :  د. محمد سيد طنطاوي : التفسير الوسيط : ج18 :ص42 .

[58] - انظر : الطبري،  جامع البيان , : 30: 329 .

[59] - انظر : مسند الإمام أحمد ، ج4: ص 279. والزركشي : البرهان :ج1: ص 156-160. والسيوطي : مفحمات الأقران :ص3، والإتقان : ج2: ص 185.

[60] - الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله : البرهان الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله : البرهان: ج1، ص207، 209.

[61] - انظر " أسباب النزول ، أسانيدها وأثرها في تفسير القرآن الكريم. رسالة دكتوراة غير مطبوعة نوقشت في جامعة أم القرى بمكة المكرمة عام 1982م. ، للشيخ بن جمعة سهل. ص : 5- 6. ومعرفة أسباب النزول ، وأثرها في اختلاف المفسرين : للطالب : عبد الله طاهر محمود ، رسالة ماجستير غير مطبوعة نوقشت بجامعة النجاح عام : 2006م ، ص 6.

[62] - انظر : ابن حجر العسقلاني ، أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن حجر الكناني ( 852هـ) :  فتح الباري شرح صحيح البخاري ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي وآخرون  ، المطبعة السلفية ، 1379هـ  ، ج8: ص 577.

[63] - انظر : السيوطي ، لباب النقول : ص :28. ود. محمد سيد طنطاوي : التفسير الوسيط : المجلد الأول :ص582  .

[64] - انظر : الواحدي النيسابوري ،أبو الحسن علي بن أحمد( 468هـ) ، أسباب النزول ، تحقيق السيد أحمد صقر، القاهرة ، 1389هـ. ص:34. ود. محمد سيد طنطاوي : التفسير الوسيط : المجلد الأول : ص 585 .

[65] - انظر : الفخر الرازي ، تفسير مفاتيح الغيب: مجلد: 10، ص 115. وانظر :  الواحدي ، أسباب النزول ، ص :88.

[66] - السيوطي : لباب النقول : ص 95. ود. محمد سيد طنطاوي : التفسير الوسيط : ج 9 ، تفسير سورة التوبة : ص 183. 

[67] - انظر : الفخر الرازي ، مفاتيح الغيب : ج16: ص73.

[68] - انظر : الفخر الرازي ، مفاتيح الغيب :  ج16: ص85.  وانظر : السيوطي ،  لباب النقول : ص 95

[69] - القين : الحداد. والقين أيضا : العبد. انظر : محمد بن أبي بكر الرازي : مختار الصحاح : ص 560.

[70] -  الطبري ، جامع البيان عن تأويل آي الفرآن_ تـ 310هـ)  ، مجلد 8 ،  ج:  16 ص : 91 . وانظر الواحدي : أسباب النزول ،  ص 173.

[71] - انظر : د. جمعة بن سهل : أسباب النزول ، أسانيدها وأثرها في تفسير الفرآن ، ص 140.

[72] - انظر : الواحدي :  أسباب النزول  : ص 228-229. . والبخاري ، محمد بن إسماعيل ين إبراهيم بن المغيرة   ( تـ 256هـ) ، صحيح البخاري ، طبعة مصطفى البابي الحلبي ، عام 1953م : ج3  : ص 15. 

[73] - انظر : الآلوسي : روح المعاني :  ج 21 ص 173 .

[74] -الزمخشري ،  الكشاف :  ج3: ص 256-257.

[75] - انظر : الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن :  مجلد : 12 ، ج 28 ، ص 2.

[76] - انظر الواحدي النيسابوري ، أسباب النزول ، ص 260. وَ جامع البيان عن تأويل آي القرآن :  مجلد : 12 ،    ج 28 ، ص 2

[77] - انظر الزمخشري : الكشاف ، ج4 ، ص70.

[78] - انظر :  محمد الطاهر بن عاشور( تـ 1973م)  :  تفسير التحرير والتنوير ، الدار التونسية للنشر ، تونس ، 1984م. ، مجلد: 11 ، ج 28 ، ص 9 .

[79] - انظر محمد ابن جرير الطبري : جامع البيان : ج11، ص: 230-231.

[80] - انظر : محمد ابن جريرالطبري  ، جامع البيان : ج11: ص 227-232. والسيوطي : الدر المنثور : ج3: ص 236.

[81] - ابن جرير : جامع البيان : ج1: ص 232. وانظر د. عبد الرحمن بن صالح ، الأقوال الشاذة في التفسير ، ، ط1، 2004م. ص: 317.

[82] - انظر : البخاري ،  صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، ج3  ص : 112-113.  

[83] - انظر : د. محمد السيد طنطاوي ، التفسير الوسيط ، ط2 ، 1985م. ج16، ص: 80- 82.

[84] - انظر : الزمخشري : الكشاف ، المجلد الثاني : ص : 523.

[85] - الهيثمي ، علي بن أبي بكر ( تـ 807هـ) ، مجمع الزوائد ، دار الكتاب العربي ،ط3، 1402هـ.  ج  9 :  ص 157-  158.

[86] - محمد بن سعد بن منيع الزهري ( تـ230هـ)  ، الطبقات الكبرى ،  دار صادر  ، بيروت. 1957م : ج3: ص 189.

[87] - انظر : الواحدي ، أسباب النزول : ص 62. وانظر : الزمخشري ، الكشاف ، مجلد 2 ، ص 430.

[88] - انظر الطبري ، جامع البيان عن تأويل آي الفرآن: مجلد: 7 ، ج14 ، ص 122.

[89] - انظر : السيوطي : لباب النقول ، ص : 135. والآلوسي : روح المعاني ، ج 21 ص67. والقينة هي : المُغنية.

[90] - د. محمد سيد طنطاوي : التفسير الوسيط : ج20: ص 139

[91] - الزمخشري : الكشاف : ج3: ص 230. وقرأها ابن كثير وأبو عمرو : ( لِيَضِلَّ ) بفتح الياء ، ومعناها : أنهم يضلون في أنفسهم من غير أن يضلوا غيرهم. . وقرأ الباقون : ( لِيُضِل ) بضم الياء ، أي : يضلون غيرهم ، وهؤلاء أكثر استحقاقا للذم ، لأنهم لا يضلون غيرهم إلا مهم ضالون.. انظر : الإمام نصر بن علي بن محمد المعروف بابن أبي مريم : الكتاب المُوضَّح  في وجوه القراءات وعللها ، نحقيق الدكتور عمر حمدان الكبيسي ، ط1، عام 1993م ، ج1: ص 498. وَ ج2:ص  1013.

[92] - انظر : البخاري ،  صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، ج3:  ص:95. والآلوسي ، روح المعاني : ج9  ص199 .

[93] - انظر:  الآلوسي ، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني :  روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ،ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت. : ج9/ ص 99.

[94] - انظر :  الزمخشري ،  جار الله محمود بن عمر الخوارزمي : الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه  التأويل ،  ط البابي الحلبي ، القاهرة ، 1966م.: ج2/ ص 216.

[95] - انظر : السهيلي : الأعلام ،ص 19.

[96] - أخرجه البخاري : حديث رقم : 3153. وانظر :أ. د. فضل حسن عباس ، قصص القرآن الكريم : ط1، عام2000م ، ص 137.

[97] - انظر تفسير جامع البيان : ج1: ص 517

[98] - انظر المرجع السابق. نفس الجزء ونفس الصفحة.

[99] - انظر : أبو محمد عبد الحق بن عطية ( تـ 546هـ)  :  المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد ، دار الكتب العلمية ، بيروت : ، ج1:ص128.

[100] - ذكره ابن عطية ، المحرر الوجيز ، ج1: ص 127. وقال : وهذا ضعيف لايصح.

[101] - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : جامع البيان ، ج1 : ص  520.

[102] - الفخر الرازي : التفسير الكبير ، ج3: ص 6.

[103] - تفسير القرطبي ، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري ( تـ 671هـ) :  ( الجامع لأحكام القرآن الكريم ) ،   دار الكتاب العربي ، القاهرة ، 1967م. : ج1: ص 204.

[104] - انظر : الطبري : جامع البيان :  مجلد : 9 ، ج: 8 ،  ص، 74. وانظر : الواحدي : أسباب النزول : ص 185.

[105] - انظر : الطبري : جامع البيان ، ج1: ص229.  والسيوطي ، مفحمات الأقران : ص 14. 

[106] - ابن الجوزي : زاد المسير : ج1: ص 102. والسيوطي ، مفحمات الأقران : ص 14. 

[107] - الزركشي : البرهان في علوم القرآن ، ج1: ص 155. 


عدد مرات القراءة:
559
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :