الزنا بالأم والأخت والعمّة
قال إبن حزم في المحلّى ( 11 : 253 ) : ( قد اختلف الناس في هذا فقالت طائفة : من تزوّج أمّه أو إبنته أو حريمته أو زنى بواحدة منهن فكلّ ذلك سواء , وهو كلّه زنا , والزواج كلا زواج إذا كان عالما بالتحريم , وعليه حدّ الزنا كاملاً ، ولا يلحق الولد في العقد وهو قول الحسن ، ومالك , والشافعي , وأبي ثور ، وأبي يوسف , ومحمّد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة إلاّ أنّ مالكاً فرق بين الوطء في ذلك بعقد النكاح وبين الوطء في بعض ذلك بملك اليمين فقال : فيمن ملك بنت أخيه ، أو بنت أخته ، وعمّته ، وخالته ، وإمرأة أبيه ، وإمرأة إبنه بالولادة ، وأمّه نفسه من الرضاعة ، وإبنته من الرضاعة ، وأخته من الرضاعة ، وهو عارف بتحريمهن وعارف بقرابتهن منه ، ثمّ وطئهن كلّهن عالماً بما عليه في ذلك فإنّ الولد لاحقّ به ولا حدّ عليه ، لكن يعاقب , ورأى إن ملك أمّه التي ولدته ، وابنته وأخته بأنهن حرائر ساعة يملكهن فان وطئهن حدّ حدّ الزنا ، وقال أبو حنيفة لا حدّ عليه في ذلك كلّه ولا حدّ على من تزوّج أمّه التي ولدته ، وإبنته ، وأخته ، وجدّته ، وعمّته ، وخالته ، وبنت أخيه ، وبنت أخته ، عالماً بقرابتهن منه , عالماً بتحريمهن عليه ووطئهن كُلّهن فالولد لاحقّ به , والمهر واجب لهن عليه وليس عليه إلاّ التعزير دون الأربعين فقط وهو قول سفيان الثوري) الجواب : أولا : أورد ابن حزم هذا المبحث تحت عنوان ((مَسْأَلَةٌ من وطء امْرَأَةَ أبيه أو حَرِيمَتَهُ بِعَقْدِ زَوَاجٍ أو بِغَيْرِ عَقْدٍ )) وصدرها بهذا الحديث قال أبو محمد نا حُمَامٌ نا عَبَّاسُ بن أَصْبَغَ نا محمد بن عبد الْمَلِكِ بن أَيْمَنَ نا أَحْمَدُ بن زُهَيْرٍ نا عبد اللَّهِ بن جَعْفَرٍ الرَّقِّيِّ وَإِبْرَاهِيمُ بن عبد اللَّهِ قال الرَّقِّيِّ نا عُتْبَةُ بن عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عن زَيْدِ بن أبي أُنَيْسَةَ عن عَدِيِّ بن ثَابِتٍ عن يَزِيدَ بن الْبَرَاءِ بن عَازِبٍ عن أبيه وقال إبْرَاهِيمُ نا هُشَيْمٌ عن أَشْعَثَ بن سَوَّارٍ عن الْبَرَاءِ بن عَازِبٍ ثُمَّ اتَّفَقَا وَاللَّفْظُ لِهُشَيْمٍ قال مَرَّ بِي عَمِّي الحرث بن عَمْرٍو وقد عَقَدَ له رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقلت له أَيْ عَمِّ أَيْنَ بَعَثَكَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال بَعَثَنِي إلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أبيه فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ ( انظر سنن الترمذي باب فيمن تزوج إمراة أبيه والحديث صححه الألباني ) وعلى هذا الحديث مدار البحث من قبول الموافق له ورد قول المخالف له ، وقد صرح الجمهور بأن من نكح ذات محرم منه فقد استحق الحد وهو قول الحسن البصري ومالك و الشافعي و أبي ثور و أبي يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي أبي حنيفة وسعيد بن المسيب و إبراهيم النخعي وجابر بن زيد و أبو الشعثاء و أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ثم نجد الرافضي يغفل عن نقل أقوال كل هؤلاء عمدا حتى يظهر لنا ان ملفه فعلا كما قال ملف سري يُنشر لأول مرة بهذه الصورة !! أنعم بها من صورة ثانيا : ذكر ابن حزم سبب قول ابو حنيفة وبين فساده فقال (( فَبَدَأْنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ أبو حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَهُ لِقَوْلِهِ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ إنَّ اسْمَ الزِّنَى غَيْرُ اسْمِ النِّكَاحِ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ له غَيْرُ حُكْمِهِ فإذا قُلْتُمْ زَنَى بِأُمِّهِ فَعَلَيْهِ ما على الزَّانِي وإذا قُلْتُمْ تَزَوَّجَ أُمَّهُ فَالزَّوَاجُ غَيْرُ الزِّنَى فَلاَ حَدَّ في ذلك وَإِنَّمَا هو نِكَاحٌ فَاسِدٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ من سُقُوطِ الْحَدِّ وَلِحَاقِ الْوَلَدِ وَوُجُوبِ الْمَهْرِ وما نَعْلَمُ لهم تَمْوِيهًا غير هذا وهو كَلاَمٌ فَاسِدٌ وَاحْتِجَاجٌ فَاسِدٌ وَعَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ أما قَوْلُهُ إنْ اسْمَ الزِّنَى غَيْرُ اسْمِ الزَّوَاجِ فَحَقٌّ لاَ شَكَّ فيه إِلاَّ أَنَّ الزَّوَاجَ هو الذي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَأَبَاحَهُ وهو الْحَلاَلُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الْمُبَارَكُ وأما كُلُّ عَقْدٍ أو وَطْءٍ لم يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلاَ أَبَاحَهُ بَلْ نهى عنه فَهُوَ الْبَاطِلُ وَالْحَرَامُ وَالْمَعْصِيَةُ وَالضَّلاَلُ وَمَنْ سَمَّى ذلك زَوَاجًا فَهُوَ كَاذِبٌ آفِكٌ مُتَعَدٍّ وَلَيْسَتْ التَّسْمِيَةُ في الشَّرِيعَةِ إلَيْنَا وَلاَ كَرَامَةَ إنَّمَا هِيَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى )) المحلى ج11/ص254 ثالثا : ذكر ابن حزم تفريق الإمام مالك بين نكاح ذات محرم بعقد نكاح وملك يمين وبين بطلانه فقال (( وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ من احْتِجَاجِ بَعْضِ من لَقِينَاهُ من المالكيين بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ قِيلَ لهم إنْ كُنْتُمْ تَعَلَّقْتُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ في إلْحَاقِ الْوَلَدِ بِمَنْ وطىء عَمَّتَهُ وَخَالَتَهُ وَذَوَاتَ مَحَارِمِهِ فَإِنَّهَا من مِلْكِ الْيَمِينِ فَأَبِيحُوا الْوَطْءَ الْمَذْكُورَ وَأَسْقِطُوا عنه الْمَلاَمَةَ جُمْلَةً فَهَذَا هو نَصُّ الْآيَةِ فَلَوْ فَعَلُوا ذلك لَكَفَرُوا بِلاَ خِلاَفٍ من أَحَدٍ وَإِذْ لم يَفْعَلُوا ذلك وَلاَ أَسْقَطُوا الْمَلاَمَةَ وَلاَ أَبَاحُوا له ذلك فقد ظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ في إيرَادِ هذه الْآيَةِ في غَيْرِ مَوْضِعِهَا )) المحلى ج11/ص255 رابعا : جاء في المدونة الكبرى وهو من كتب المذهب المالكي تحت عنوان (( في وَطْءُ الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا من مِلْكِ الْيَمِينِ والنكاح )) ما يفيد بوقوع مثل هذا في عهد الصحابة وعدم إقامة الحد (( وَبَلَغَنِي عن عُمَرَ بن عبد الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أبي بَكْرِ بن حازم يقول تَسْأَلُنِي عن الرَّجُلِ يَجْمَعُ بين الْمَرْأَةِ وَابْنَتِهَا في مِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا تقرن ذلك لا حد فَعَلَهُ فَقَدْ نَزَلَ في الْقُرْآنِ النَّهْيُ- يَعْنِي عنه- وَإِنَّمَا اسْتَحَلَّ ذلك من اسْتَحَلَّهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تعالى إلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وقد كان بَلَغَنَا أَنَّ رَجُلًا من أَسْلَمَ سَأَلَ عُثْمَانَ بن عفان عن ذلك فقال لَا يَحِلُّ لَك وَدَخَلَ عليه عَلِيُّ بن أبي طَالِبٍ وَعَبْدُ الرحمن بن عَوْفٍ في رِجَالٍ من أَصْحَابِ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم فَنَهَوْهُ عن ذلك وَقَالُوا إنَّمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك ما سمي لك سوى هَؤُلَاءِ مما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )) المدونة الكبرى ج4/ص285 خامسا : جميع المذاهب توجب العقوبة على الفاعل المتعمد وإنما كان إختلافهم في تسمية نوع العقوبة بين الحد و التعزير هو بسبب ما أوردناه في ثالثا ورابعا ، فالفعل لم يقل أحد بجوازه ، واما تعليق الرافضي الجاهل على " صحة العقد " فنجعل أحد علماء الرافضة يجيب عليه (( مما انفردت به الإمامية أن من زنى بذات محرم ضربت عنقه محصنا كان أو غير محصن ، ومن عقد على واحدة منهن وهو عارف برحمه منها ووطئها استحق ضرب العنق وحكمه حكم الوطئ لهن بغير عقد ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك )) الإنتصار للمرتضى ص 259 ، فليأتنا الرافضي بقول أحد علماء أهل السنة بأن العقد صحيح !! إنما كان فرض السؤال بإعتبار وقوع العقد لا بإعتبار صحته.
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video