آخر تحديث للموقع :

الأثنين 16 ذو القعدة 1444هـ الموافق:5 يونيو 2023م 11:06:02 بتوقيت مكة

جديد الموقع

شرح كتاب "كشف الشبهات" لمحمد بن عبدالوهاب ..

شرح كتاب "كشف الشبهات" لمحمد بن عبدالوهاب  ..

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل لله، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أما بعد..
فإن كتاب "كشف الشبهات" للإمام العلامة الشيخ محمد بن عبد الوهاب([1])-رحمة الله تعالى عليه- كتاب نفيس عظيم، ومن أَجَلِّ ما صُنِّف في باب الرد على الشبهات؛ ولهذا كان غصة في حلوق المروجين للشرك قديمًا وحديثًا، فتجد هذا الكتاب من أشد الكتب عليهم؛ ولهذا صوَّبوا إليه سهامهم في أزمنة قريبة من السنوات الأخيرة؛ لأن الشيخ -رحمه الله تعالى- تتبع في هذا الكتاب شُبَهَ القوم جملةً وتفصيلاً.
وكان العهد في شرح هذا الكتاب أن نبدأ مباشرة بالنص، والكلام على ما يتعلق بالكتاب، لكن للوضع الذي تعيشه الدعوة، والحالة التي جَدَّت؛ فلا بد من الكلام عن مسألتين قد تستغرقان منا بعض الوقت، والكتاب بعون الله عز وجل سيُفرغ منه في هذه الأيام، لكن هذه المقدمة لا تقل أهمية عن الكلام عن شرح الكتاب، وهذه المقدمة تتعلق بمسألتين:
المسألة الأولى: تتعلق بالإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله تعالى عليه.
المسألة الثانية: تتعلق بموضوع الشُّبَه وكشفها.
فأما الكلام عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب تعريفًا وتسميةً وعصرًا، فهو من نافلة القول، فالرجل -رحمه الله تعالى- عَلَم في رأسه نار، ولا يُطال في الكلام عن اسمه وولادته.. ونحو ذلك، وإنما يُتكلم عنه -رحمه الله تعالى- من خلال بنود محددة، هي:
البند الأول: أثره -رحمه الله تعالى- في نقل الجزيرة العربية في زمنه من الحال التي كانت عليها، إلى النعمة الكبيرة التي عمَّت الناس في دينهم ودنياهم، فقد كانت الجزيرة العربية -في زمنه وقبل زمنه بدهور- يخيم عليها شيء كثير جدًّا من الجهل، ويعمُّها الشرك.
وهذه مسألة يحاول البعض أن يسقطها قدر ما يستطيع، ويقول: إن الكلام عن الشرك في الجزيرة العربية فيه مبالغة. مما يعني -باختصار شديد- أن الذي يتكلم عن الشرك في الجزيرة العربية ووجوده كذاب. فهذا معنى المبالغة، ويُراد بهذا الكلام هؤلاء الأئمة الكبار، والذي يرجع لتاريخ الجزيرة، ويعي ما فيها من معاقل الشرك ومواضعه، ويتتبع الْمَحَال التي كان أهل هذه الجزيرة يأتونها، والأشخاص الذين يعظمونهم - يعي أن الشرك حقيقة لا إشكال فيها؛ لأنه كان موجودًا، وأن الذي ينفيه إنما ينفي أمرًا مثل الشمس في وَضَح النهار.
ولكن مَن كان على اطلاع على الوضع الذي كانت عليه الجزيرة العربية، بل والوضع الذي كانت فيه الأمة الإسلامية عمومًا، والجزيرة جزء منها في ذلك الوقت - فإنه يعلم -بلا شك- أن الجهل كان عظيمًا، وأن الشرك كان كثيرًا، ولا يعني ذلك البتة -كما نبه الشيخ -رحمه الله- ونبه أئمة الدعوة حين تكلموا عن الشرك في الجزيرة- أن كل الناس مشركون، فهذا ما قال به أحد مطلقًا، لكن يُقال: إن هناك معاقل للشرك، وإن النهي عن هذا المنكر لم يكن موجودًا، وإن مَن يروج لهذا المنكر موجودون. ولهذا كان هذا المنكر شائعًا وكثيرًا منذ دهور.
أما ما يتعلق بدنيا الناس من حيث الأمن، ومن حيث المجاعات الهائلة التي أهلكت الناس، فكانت شيئًا عجيبًا؛ لأن الجزيرة العربية كانت شيئًا متعبًا؛ نظرًا لأنه كان يسودها الجانب القَبَلِي من جهة، ولترامي أطرافها، وكثرة ما بين أهلها من صراعات، مع قلة النفع والعائد منها.
فكان الكثيرون لا يكترثون بها، سواء في زمن الشيخ أو مَن قبله رحمه الله، فكان الوضع في زمن الشيخ ومَن قبل الشيخ هكذا؛ ولهذا كان أهلها يأكل القوي منهم الضعيف دون رادع أو مانع؛ ولهذا شاعت بينهم أشياء كالرعب، والقتل، والثارات، وأكل القوي للضعيف، وهذا أمر شائع وموجود في الجزيرة، ويشبه -للأسف الشديد- بعض ما يجري في بعض البلاد الإسلامية اليوم؛ حيث ينعدم فيها الأمن، ولا يسود فيها حكم قوي راسخ، فالوضع الذي تعيشه هذه البلدان اليوم، كانت الجزيرة تعيشه في ذلك الوقت.
الجانب الثاني الذي نتحدث عنه هو: الحملة على الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، والحملة على الشيخ رحمه الله تعالى كانت على طورين:
أما الطور الأول: فطور قديم تولى كِبْره زعماء الغلو من المتصوفة الذين كانوا ينشرون دعوة غير الله -عز وجل- علنًا، ويدافعون عنها، ويحرضون الناس على الذبح لغير الله، ودعاء غير الله، وإشراك غير الله بالعبادة، فحملوا على الشيخ -رحمه الله- وقالوا: إن هذا الرجل مبغض لأولياء الله؛ بدليل أنه لا يبرر دعاءهم من دون الله، ولا يبرر أن تُصرف لهم أنواع النذور والعبادات كالأدعية وغيرها، وهذا معدود عنده من الذنوب الكبار، وهو ألا يُشرك بهؤلاء الأولياء والصالحين.
وهذه الحملة قديمة في الحقيقة، وأُلِّف حولها، ودفع الشيخ -رحمه الله تعالى- في زمنه شيئًا كثيرًا منها في كتبه ورسائله، وهكذا أئمة الدعوة -رحمهم الله- من بعده وفي زمنه، فكلهم تحدث عن مسألة وصم الشيخ -رحمه الله تعالى- ببغض الصالحين، وبغض النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه يقول فيه كذا وكذا من الخرافات والخزعبلات التي دفعها الشيخ -رحمه الله تعالى- ودفعها أهل العلم عنه من بعده.
كما يلحظ كل أحد أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- يُحمل عليه حملة من أطراف عدة، وبطريقة لا يشك العاقل أن فيها تنسيقًا، وأن فيها ترتيبًا من أكثر من جهة؛ ولهذا لو بحثت في أطراف هذه الحملة لوجدت فيها أشكالاً كثيرة جدًّا من الناس.
أما الحملة الأخيرة فاشترك فيها كثيرون، على رأسهم غير المسلمين من اليهود والنصارى، فغير المسلمين من اليهود والنصارى لم يكونوا في غفلة عن دعوة الشيخ، وتشويهها على يد كذبة المستشرقين، لكن كان تأثيرهم في ذلك الوقت محدودًا.
ولا شك أن الحملة على الشيخ قوية في هذه الفترة؛ لأنهم يرون أن ما يحدث في بلدانهم من أنواع التدمير والتخريب يقولون: إن هذه الأمور إنما استقاها مَن استقاها من فكر ابن عبد الوهاب رحمه الله تعالى. فربطوا هذه الأنواع من التخريب بابن عبد الوهاب، ورأوا أنه لا يمكن القضاء على هذه الأمور التخريبية إلا بالقضاء على المصدر الذي نبعت منه، وهو ابن عبد الوهاب -رحمه الله- في زعمهم الباطل الكاذب.
والحقيقة أن محاولة اليهود والنصارى قديمة في الحملة على الشيخ؛ ولهذا وُجِدت أوراق للغازي الفرنسي المسمى نابليون بونابرت([2]) وهو مَن أسوأ من غزا هذه البلدان؛ لأنه كان داهية ماكرًا جدًّا، فجاء إلى البلدان الإسلامية، وادعى الإسلام والتصوف، وحضر مع الصوفية في الموالد، وصار واحدًا منهم، فلما رأى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يكاتب حكومته الفرنسية، وإنما كاتب بابا الفاتيكان، كما يسمونه؛ لتكون الحملة على دعوة الشيخ؛ لأنه يمثل الحكومة الفرنسية.
والاحتلال في ذلك الوقت كان فيه عدة جهات؛ فكان فيه الإيطاليون من جهة، وفيه الفرنسيون، وفيه البريطانيون، والحملة لكي تكون منظمة لا بد أن تكون من جهة مركزية، وكَتَب محذرًا من دعوة الشيخ بشكل خاص؛ لأنها دعوة تريد من الناس أن يعودوا إلى منبع الإسلام، وهذا أشد ما يخافه أعداء الإسلام.
أما التصوف والخزعبلات فكان ينشرها بنفسه، وكان يحضر الموالد، ويشجع عليها تشجيعًا كبيرًا؛ لعلمه أن مثل هذه الخزعبلات أشد ما يضر الإسلام وأهله، لكن لو عاد الناس إلى الإسلام الصافي الذي يبحث الواحد فيه عن الدليل، فهذه قاصمة الظهر عندهم، كذلك لو اتبعوا أقوال الصحابة والتابعين، فهذه مسائل شديدة للغاية عليهم؛ لأن الدليل والصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- هم الذين حملوا الإسلام وفتحوا البلدان، فالعودة إلى منهجهم غاية في الخطورة عندهم.
وهو كذلك حقيقة، فعودة الأمة إلى منهج السلف الصالح هو عز الأمة ونصرها؛ ولهذا فهم يخافون من مثل هذا، ويشجعون كل التشجيع الفرق الباطلة والضالة التي لا همَّ لها إلا هدم الإسلام من داخله. وهذه الحملة الأخيرة أيضًا اشترك فيها مجموعة من غلاة المتأخرين من الصوفية ونحوهم الذين هم امتداد للسابقين.
وممن اشترك في هذه الحملة على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعداوته: الروافض، بدعوة أن الشيخ محمد -رحمه الله تعالى- رجل يفسد الوحدة الإسلامية، وأنهم هم الحريصون على وحدة الإسلام!
ولهم طرقهم الظاهرة والخفية؛ فالظاهرة حين يتباكون على وحدة المسلمين، وأنهم يريدون وحدتهم، مع أنهم يبدؤون برأس المسلمين بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهم الصحابة، فيتكلمون فيهم تكفيرًا وسبًّا وشتمًا، ثم بالتابعين، ثم بالأئمة من بعدهم، ثم يتباكون على الأمة! ولهم في هذا بعض المواقع في الإنترنت وغيره، ولا تظهر بالضرورة على أنها مواقع رافضية، لكنها تُظْهِر الحقد على الإسلام، وتحمل على الشيخ، وعلى منهج السلف الصالح.
وممن اشترك في الحملة على الشيخ محمد رحمه الله تعالى: بعض المضطربين الذين كان لهم مجموعة من الاضطرابات -نسأل الله العفو والعافية والثبات وحسن العاقبة والختام الحميد- فهؤلاء قد يكون للواحد منهم شيء من العلم، لكنهم ضلُّوا في بعض المسائل، منها مسائل الاعتقاد، وكان من ضمنها أن ضلوا في المنهج، وحملوا على الشيخ -رحمه الله تعالى- ضمن مَن حمل، ولهم في هذا كتابات بعضها موجود في شكل مؤلفات، وكثير منها في شكل مقالات في الصحف، ومقالات في الإنترنت... ونحوه.
من ضمن مَن حمل على الشيخ، كما هو معلوم: الغوغاء الذين يتبعون كل ناعق، ممن لا رسوخ للعلم عندهم، وإنما هم مجموعة ممن يتأثر بما يُلقى في وسائل الإعلام والقنوات الفضائية ومواقع الإنترنت... وغيرها، فيضيعون ضمن مَن ضاع، وهذا سيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى.
المسألة الثالثة: حقيقة خطورة الوضع الذي ينبغي أن يتفطن له الشاب السني الحريص على الدعوة إلى الله على بصيرة، فهذه الحملة على هذا الإمام -رحمه الله- هي أكبر بكثير من أن تكون حملة على رجل اسمه محمد بن عبد الوهاب، بل هي في الحقيقة حملة على منهج السلف في المقام الأول، ممثلة في أشخاص؛ لأنهم يعلمون أن ضرب السلف مباشرة -ورأسهم الصحابة -رضي الله عنهم- وتابعوهم- أمر في غاية الصعوبة؛ إذ يصعب على أفراد الأمة -حتى عند أهل الخزعبلات والخرافات- أن يسمعوا كلمة واحدة في أبي بكر أو عمر أو عثمان أو عليٍّ، أو بقية العشرة، أو المهاجرين والأنصار -رضي الله عنهم- أو التابعين، حتى أئمة الإسلام المشاهير كالسفيانين([3]) ومالك والشافعي وأحمد... وغيرهم.
فيصعب على الأمة كل هذا، فصارت الطريقة أن يُنظر إلى رموز وأئمة وعلماء المذهب السلفي السليم المحض، ويُضرَبُوا في أشخاصهم وصولاً إلى ضرب المنهج نفسه، ولا شك أنه إذا أُسقط مَن يحمل المنهج أُسقط المنهج نفسه؛ ولهذا كان السلف -رحمهم الله تعالى- يقولون: إذا رأيت الرجل من أهل البصرة يحسن الثناء على أيوب([4]) وعلى فلان وعلى فلان، فاعلم أنه على السُّنَّة، وإذا رأيته يسيء القول في أيوب وفلان وفلان، فاعلم أنه على البدعة. وهذا موجود في مصنفات الاعتقاد؛ لأن هؤلاء الأئمة أضحوا محل اختبار للناس.
أيضًا فالحملة على هؤلاء الأئمة؛ كالإمام أحمد وابن تيمية([5]) والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، أو غيرهم من أئمة الإسلام، الحملة عليهم -في الحقيقة- ليست حملة على أشخاصهم، بقدر ما هي حملة على المنهج الذي حملوه؛ تأسيًا بمن سلف قبلهم من أئمة الإسلام، ورأسهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، والتابعون من بعدهم -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
فعلى طالب العلم أن يكون على بصيرة مما يجري، وأن يكون على دراية، وأن يتفطن طلبة العلم بشكل خاص إلى أن الحملة على محمد بن عبد الوهاب ليست أمرًا عفويًّا هكذا؛ ولهذا تلحظ بوضوح التنسيق في هذه الحملات، وتلحظ بجلاء وبما لا يدع أي مجال للشك أن الحملة على الشيخ -رحمه الله تعالى- أبعد بكثير من أن تكون شيئًا عفويًّا، فيلحظ فيها التنسيق.
ولكننا نقول: بؤسًا وتعسًا لمن رضي أن يكون جَنبًا إلى جنب مع اليهود والنصارى في الحملة على هذا الإمام؛ لأنه لو كان لديه شيء من العقل لما رضي أن يحمل على الشيخ مع الغلاة واليهود أعداء الله الذين روجوا الحملة، ولا سيما بعد الأحداث التي كانت في عام 21 للهجرة([6])، فتلك الأحداث المريرة في الحقيقة سببت شيئًا كبيرًا للدعوة وللأمة، كان من ضمنها: أن التفت هؤلاء الأعداء بالأمة، وحاولوا ضرب المنهج السليم الصحيح الذي عليه السلف الصالح -رضي الله عنهم- وحملوه في شكل أشخاص؛ لأن المنهج ليس شيئًا مقطوعًا عن حامله، بل لا بد أن يحمله أناس، وأن تمثله كتب، ويكون له دعاة، فضرب هذه الكتب وهؤلاء الدعاة والأئمة هو ضرب للمنهج في نهاية المطاف.
هذه المقدمة على عجل، وتأتي المقدمة التي بعدها فيما يتعلق بالشُّبَه، وهي موضوع كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهذه مسألة يكثر تكرارها.
ومنهج السلف الصالح -رضي الله عنهم- فيما يتعلق بالشبه: أنهم ينهون الأمة عن تلقيها وتلقفها والبحث عنها. ولهم في هذا مقالات كثيرة، تجدها في "شرح أصول الاعتقاد" لللالكائي([7])، وفي "الشريعة" للآجري([8])، وفي الكتب التي صُنِّفت في السنة عمومًا، وفي الكتب التي صُنِّفت في ذم الكلام وأهله. فتجد السلف -رحمهم الله- يحذرون الناس من تلقي الشبه، أو التنقيب عنها، أو البحث عنها؛ لأن هذه الشبه إذا دخل فيها مَن لا يحسن، فلا شك أنه يتضرر كما تضرر أناس كثيرون، فهذه الشبه لها منهج في التعامل معها عند السلف الصالح، ومن أبرز وأوضح مناهج السلف الصالح في التعامل مع الشبه:
أولاً: التحذير من التصدي لها من قِبَل أي أحد. فلا يتصدى لها أي أحد، وإنما يتصدى لها أهل العلم الذي لديهم -بعد حفظ الله وتثبيته- الوقاية مما يمنع أن يتأثروا بتلك الشبه.
ثانيًا: التضييق على الشُّبَه، وإبعادها عن عامة الناس. بحيث لا تكون شيئًا متداولاً، وحديثًا في المجالس، وشيئًا يُنشر ويوزع وكأنه شيء من الحق والعلم، وإنما الأصل ألا يُرد عليها إلا بالقدر الذي يكون بمثابة الضرورات، فيُتعامل معها كما يُتعامل مع الضرورات بقدرها، فالضرورة تُقدَّر بقدرها، فلا تُفتَح لعوام الناس حتى لمجرد الرد؛ لأنه إذا كان العامة لا يدرون بشبهة من الشبه، فليس لأحد أن يأتي بينهم ويقول: هناك شبهة قيلت وهذا ردها...
قال السلف: إنك لن ترد على هؤلاء بأعظم من السكوت. وهذا في أي شبهة، وفي الشبه التي لم تنتشر ولا تُعرَف؛ لأن أهل الباطل يسعون لأن يروج باطلهم، ويصل إلى الناس؛ حتى يتأثر بهم مَن يتأثر، وهم يسعون إلى هذا سعيًا حثيثًا.
فقد يأتي بعض الناس -بحسن قصد- ليرد على هذه الشبه فينقلها، فإذا نقلها قد يحسن الرد وقد لا يحسن، ثم قد يحسن هو الرد ولا يفهمه العامي المتلقي الفهم، فتبقى الشبهة دون حل! ولهذا فإن منهج السلف في ملمحه الثاني هو: التضييق على الشبه، وحصرها، والسعي ألا تصل إلى عامة المسلمين.
ولهذا ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لما قرأ عمر -رضي الله عنه- في صحيفة من التوراة -وعمر لم يأتِ بكتب الفلاسفة ولا المناطقة ولا الدهريين والملاحدة- لكنه -رضي الله عنه- سُرَّ ببعض ما فيها، فربما سُرَّ بنوع من المواعظ، أو نوع من الأخبار، فكأنه -رضي الله عنه- رأى فيها شيئًا من الحسن فأتى بها. ولم يتفطن -رضي الله عنه- أثناء قراءته لها إلى وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم، حتى قاله له بعض الصحابة بصريح العبارة: ثكلتك أمك يابن الخطاب، ألا ترى ما بوجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟! فرفع عمر -رضي الله عنه- رأسه، فإذا بوجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتلوَّن لمجرد قراءة عمر لصحيفة من التوراة! وقال عليه الصلاة والسلام: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي».
ولذا جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَابْنَ الْخَطَّابِ؟!»([9]). أي: أمتشكك؟ مع أن هذا على سبيل الزجر، وهذا من الأمور المفروغ منها أن هذا ليس إلا من باب الزجر والتعنيف، فإذا كان هذا يقال من قِبَل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قراءة شيء من التوراة، فكيف بعرض شُبَه تتعلق بالله، وباليوم الآخر، وبالرسول صلى الله عليه وسلم، وبمبادئ الإسلام العظيمة؟!
فلا شك أن الأصل في هذا هو التضييق، وألا يصل إلى الناس، وألا يُترك سبيل يصل من خلاله أهل هذا الباطل إلى الناس. فهذا أمر ينبغي أن يعرف في أمر الشبهات.
الملمح الثالث في الشبه، وهو موضوع الكتاب: إذا وصلت الشبه إلى الناس: فإذا وصلت الشبه إلى الناس فلا بد من الرد؛ لأن المحظور الذي كان يُخَاف -وهو أن يكون الرد سببًا في انتشارها- قد تحقق، فسار لا بد من الرد.
وقد ذكر عثمان بن سعيد الدارمي([10]) -رحمه الله تعالى- في "الرد على الجهمية": أنه كان مرة مع شيخه يحيى بن يحيى([11]) -رحمه الله- وبعض أهل العلم، يقول الدارمي: فذكرت لهم بعض كلام الجهمية، لأستخرج منهم ردًّا. قال: فأسكتني يحيى، وزجرني المشايخ([12]). لمجرد أنه قال قول الجهمية؛ لأنهم يريدون ألا ينتشر، فقد يكون في المجلس مَن لا يصلح أن يسمع من العامة. فما دامت العامة في سلامة من تلك الشبه فالأصل عدم نشرها.
ويقول الدارمي -رحمه الله تعالى- في كتابه السابق: قد كنا زمنًا، وقد كان مشايخنا وسلفنا يمنعون من الرد على هذه الشبه، وابتلينا نحن بالرد عليها([13]). ولهذا صنف "الرد على الجهمية"، و"الرد على بشر([14])"، بعد أن شاعت وانتشرت في الناس؛ لأن النهي من الرد عليها هو خوف انتشارها، فلما انتشرت وحصل المحظور أصبح لا بد من الرد عليها، وألا تترك تشيع بين الناس دون رد.
هذا هو المنهج الصحيح، وهذا الذي بنى عليه المصنفون -رحمهم الله تعالى- الكتاب. فإنه رَدَّ على شُبَه واقعة موجودة في الناس، وتأثر بها مَن تأثر؛ فلأجل هذا تصدى -رحمه الله تعالى وغفر له- للرد عليها، فهذا هو الأصل في الشبه.
وبهذه المناسبة نؤكد على كل مسلم أن يحذر غاية الحذر أن يقحم نفسه في الدخول في هذه الشبهات، فإن كثيرًا من الناس اليوم قد خالفوا نهج السلف الصالح -رضي الله عنهم- في التعامل مع الشبه على الوضع الذي ذكرته، فصاروا لا يكترثون بالتنقل بين مواقع الإنترنت -مثلاً- التي فيها مواقع إلحادية بحتة محضة، وهكذا مواقع تنصيرية، ومواقع رافضية، ومواقع تبث الشبه حول منهج السلف الصالح.
وعاقبة مَن دخل في مثل هذه الأمور ممن لم يكن مؤهلاً أنه يتزعزع تزعزعًا شديدًا، وحدث هذا، ورأينا بعض الناس يأتي متزعزعًا، ويسأل عن شبهة، يقول: أنا سمعتها في إحدى القنوات الفضائية، أو اطلعت عليها في موقع للرافضة أو الملاحدة. ويريد حلَّ هذه الشبهة. فيقال: المسألة منهجية من الأساس، فمَن الذي قال لك: إنه يحل أن تدخل في مثل هذه المواقع؟!
فإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ». وهذا الحديث أكرره كثيرًا؛ لأنه يعالج الواقع والوضع الموجود الآن، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ -فليبعد عنه- فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِي يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، ثُمَّ لا يَلْبَثُ أَنْ يَتْبَعَهُ»([15]). نسأل الله العفو والعافية.
فالدجال يدعو إلى ربوبيته، فهل هناك أوضح وأبين من كذب رجل من بني آدم أعور العين اليمنى، يقول: إنني الرب؟! لا شك أن وضوحها جلي، ومع ذلك يقول الرؤوف الرحيم صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ»؛ أي: فليبعد، مع أن الدجال لا يبث شبهًا يمكن أن تروج بسهولة في الناس، فهو يقول للناس: أنا ربكم. عياذًا بالله، وهذه واضحة البطلان، جلية مثل الشمس، ومع ذلك نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإتيان إليه، وبيَّن -صلوات الله وسلامه عليه- السبب، فقال: «فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ». أي يقول: أنا ليس عندي إشكال، سأذهب إلى هذا الخبيث، إما لأناظره في رأيه، أو لمجرد أن أطلع على وضعه، «فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ يَحْسَبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، ثُمَّ لا يَلْبَسُ أَنْ يَتْبَعَهُ لِمَا مَعَهُ مِنَ الشُّبَهِ». أو كما قال -عليه الصلاة والسلام.
فإذا كان هذا يُقَال في الدجال، ففيما دون الدجال أيضًا؛ لأن الدجال هو أكبر فتنة، ففي الحديث الصحيح: «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ»([16]). نسأل الله العافية والسلامة؛ ولهذا يتعوذ بالله منه في كل صلاة في التحيات.
فإذا كانت هذه وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته في أمر واضح البطلان مثل الشمس، فكيف يعرض المسلم نفسه لمثل هذه الشبه؟! ويرى أنها نوع من الثقافة، ونوع من الاطلاع على الآخرين، ونوع من توسيع المدارك، وبعد عن ضيق الأفق وقلة الوعي، يريد أن يستدرج المسلم؛ ولهذا فبعضهم يفخر بأن عنده كتب سارتر([17]) الملحد، وكتب لينين([18])... وغيرهم، ويظن أن هذا أمر يمدح عليه، حتى يقول بعضهم: عندي في مكتبتي صحيح البخاري جنبًا إلى جنب مع كتب سارتر! نسأل الله العفو والعافية والسلامة.
أتظنك تُحْمَد بمثل هذا؟! هذا خلاف منهج السلف، والكتب الضالة التي تحمل الكفر والزيغ والضلال، الأصل منعها وعدم اقتنائها إلا لمن لديه قدرة من أهل العلم للرد عليها، أما أن تكون كلأً، وكل الأفكار تتطلع عليها، فلا شك أن هذا على مخالف لمنهج السلف.
إن مخالفة منهج السلف الصالح -أيها الإخوة- لا يعني أن تؤول الصفات فقط، فمن الناس مَن يظنون أن مخالفة منهج السلف أن تؤول الصفات مثل المعتزلة، ويظن أن مخالفة منهج السلف أن تسب الصحابة الكرام فقط، بل منهج السلف -رضي الله عنهم- منهج متكامل في السلوك، وفي جانب الاعتقاد، وفي جانب العبادة والتعبد والأعمال، فهو منهج متكامل لا يجتزئ بعض منه، إنما يؤخذ متكاملاً؛ لأنهم تلقوه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهذا مما ينبغي أن يفطن له غاية الفطنة في أمر الشبه.
وينبغي أن يطمئن كل مسلم؛ لأن الله -سبحانه وبحمده- لا يترك الشبهات تنتشر دون ردٍّ، بل يعيش لها مَن يبينها ويوضحها إذا احتيج إلى بيانها.
ولا نمل من ذكر ما حدث في زمن الشيخ عبد العزيز بن حمد بن معمر([19]) -رحمة الله تعالى عليه- حيث قدم أحد قساوسة النصارى إلى البحرين، وصنف كتابًا كله شبهات حول الإسلام، فدعا أمير البحرين المشايخ؛ ليردوا على هذا الكتاب الذي يتحدى به القس، دفعه إليهم أمير البحرين وقال: هذا كتاب عن دينكم، ردوا عليه إن كنتم صادقين. فقالوا: والله ما عندنا قدرة. وهذا شيء طيب منهم الحقيقة؛ لأنهم تحدثوا عما يقدرون عليه. فحزن هذا الأمير؛ لأن البلد بأكمله لا يوجد فيه من يَرد على كتاب القس.
فقال بعضهم: أنا رأيت أحد طلبة العلم النجديين بالساحل، سآخذ هذا الكتاب له، لعل عنده شيء من الرد. وإذا بقدر الله -عز وجل- أن الشيخ حمد -رحمه الله تعالى- مَرَّ في تلك الفترة هناك، فدفع الرجل الكتاب إليه، فقال الشيخ رحمه الله: أمهلوني شهرًا. وصنف كتابه المشهور "منحة القريب المجيب في الرد على عُبَّاد الصليب"، ونقد الكتاب حرفًا حرفًا -رحمه الله تعالى- وطبع الكتاب، وهو موجود ومطبوع وحُقق، وهو من أنفس الكتب. ثم دفعه إلى أمير البحرين.
فاستدعى أمير البحرين القس، وقال: هذا ردنا عليك. فتأمله الخبيث قلبه، وقال: هذا ليس من بحركم، هذا من بحر نجد!
فهو قصد أن يأتي البحرين، ولم يأتِ إلى موضع فيه شيء من العلم الذي يمكن أن يُرد به عليه. فقال: هذا ليس من نفس البلد.
وكانت دعوة الشيخ -رحمه الله- في زمن الشيخ محمد؛ لأن الشيخ حمد من أصحاب الشيخ محمد -رحمهما الله- فكانت في كل جانب، وكانت في توضيح حقيقة الإسلام، والرد على الشبه والأباطيل، سواء التي يثيرها اليهود والنصارى، أو غيرهم من كل جهة ومن كل اتجاه.
فهذه الشبه لن تبقى دون حل، لكنها تُترَك لأهل العلم، أما إذا رُدَّ عليها من قِبَل بعض المجتهدين اجتهادًا خاطئًا، ممن يردون ردودًا ضعيفة في الإنترنت أو في غيره؛ فإنهم لا يزيدون الشبه إلا استفحالاً، فتظهر الشبهة كأنها قوية والرد كأنه هزيل ضعيف، مما يجعل الشبهة تتعزز.
وأيضًا لا نمل من ذكر الأثر عن القاسم بن محمد([20])  رحمه الله تعالى، ابن أخت عائشة، وهو من خيار المسلمين، ومن أئمتهم الكبار، وكان ذا سمت ومهابة، وكان إمامًا كبيرًا من أئمة المدينة -رحمه الله وغفر له- فقد روى ابن أبي الزناد([21]) عنه -رحمه الله- أنه كان إذا سمع شبهات أهل الباطل، ضحك ضحك الفتيان([22])! والفتى إذا ضحك يتميز بأنه ينطلق، ويعجز أن يمنع نفسه، فلماذا يضحك القاسم بن محمد؟ يضحك لتفاهة هذه الشبهة.
ففي بعض الأحيان تحمل الشبهة داءها في ردائها، وتحمل حتفها بظلفها، فأحيانًا يكون رد الشبهة فيها، فيعجب كيف أن هذه الشبهة شاعت، وتبع القائلَ عليها أناسٌ، وظنوا أنها شيء من العلم يستحق أن يؤبه به؟! فكان يضحك -رحمه الله تعالى- ولا يستطيع أن يمنع نفسه، فيضحك ضحكًا شديدًا، يقول ابن أبي الزناد: يضحك ضحك الفتيان. لأنها شبهة في غاية الضعف، ومع ذلك يظن أهلها أنهم على شيء.
ولهذا نقول: إن هذه الشبه لها منهج في الرد عليها، لكنها تُتْرَك لأهل العلم، لكن لو رُدَّ عليها ردود ضعيفة فلا شك أن هذا يزيد الشر استفحالاً.
في هذه الفقرة الأخيرة التي نذكرها قبل شرح الكتاب، نذكر المنهج الذي سنسير عليه في الشرح، فسنبدأ بـ: قال -رحمه الله تعالى- مباشرة، لكن مع شرحنا للكتاب على هذه الشاكلة بعون الله -عز وجل- سنأخذ جملة من الشبه والردود التي رد بها أهل الباطل على الكتاب نفسه؛ لأن هناك مَن رد على الكتاب، ورأى في نظره أنه سيُسقط الكتاب، ولهم في هذا مقالات عجيبة وتكثر في غاية الغرابة قد اطلعنا على بعضها.
فحين نسمع كلام الشيخ رحمه الله تعالى، سنذكر بعض ما أورد على كلامه -رحمة الله تعالى عليه- لنجمع أمرين: شرح الكتاب، والرد على ما أثير حول الكتاب وبعض مواضعه.
وسيكون ذلك من أول فقرة، من أول ما أثير على كلامه رحمة الله تعالى عليه، وسنراعي -بإذن الله عز وجل- أن يكون الكتاب فيه شرح، وفيه جواب على ما أثير على كلام الشيخ -رحمه الله تعالى- في الكتاب؛ لأن الكتاب -كما قلت- غصة شديدة جدًّا في حلوق القوم؛ لأنه -رحمه الله تعالى- أعطى قارئ الكتاب مسلكين:
المسلك الأول: في الرد بالإجمال، بحيث إذا لم يكن لديه دراية في المناقشات الموسعة مع صاحب الشبهة، فإنه يعطيه منهجًا إجماليًّا، ويقول: التزم هذا المنهج.
المسلك الثاني: إذا كان لديه قدرة على الجواب المفصل، فإن الشيخ -رحمه الله تعالى- يأخذ هذه الشبه واحدة بعد الأخرى، إلى أن ينهي الكتاب؛ ولهذا يُعدُّ هذا الكتاب من أهم كتب الشيخ رحمه الله.
والحقيقة أنه أظهر قدرة قوية للشيخ -رحمة الله تعالى عليه- على التعامل مع الشبه، لا من حيث ردها، ولكن من حيث المسلك، وطريقة تربية قارئ الكتاب على الرد على الشبه بطريقة فيها نوع من التنظيم والترتيب، وكيف ترد على الشبه برد إجمالي؟ وكيف ترد على الشبه برد تفصيلي؟
هذه مقدمة نقولها بين يدي الكتاب، ونبدأ بحول الله -عز وجل- في القراءة الآن، نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يجزل لهذا الإمام الأجر المثوبة، وأن يغفر له، وينصر السنة وإن أغضبت الكثيرين، وأن يدحض الباطل وأهله، وأن يظهر نوره الذي بعث به نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- على الدين كله.
وطريقتنا هي قراءة الكتاب فقرة فقرة إن شاء الله تعالى، ونبدأ بالقراءة.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد..
قال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى: (اعْلَمْ -رَحِمَكَ اللهُ- أَنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ إِفرَادُ اللهِ سُبْحَانَهُ بِالعِبَادَةِ).
الشيخ:
بدأ -رحمه الله تعالى- بجملة يكثر من ذكرها -رحمه الله- في كتبه، وهي التنبيه إلى الموضع المهم، وتنبيه القارئ قبله بكلمة: (اعلم)؛ حتى يتهيأ لما سيذكر له، و(اعلم) دائمًا تُقال في الشيء الذي له قيمة وأهمية، كما قال الله تعالى في أعظم أمر: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ﴾([23])، فهذا تنبيه.
ولهذا بدأ الشيخ -رحمه الله تعالى- أيضًا في الأصول الثلاثة بكلمة: اعلم رحمك الله. فـ (اعلم) فيها تهيئة للقارئ إلى الاهتمام بالكلام الآتي، وأنه كلام له قيمة.
ثم قال رحمه الله: (اعلمْ رحمكَ اللهُ). وهذا فيه حسن التعامل مع القارئ بالأسلوب المناسب معه، وهذا مما ينبغي أن يلاحظه ويرعاه الداعي إلى الله -عز وجل- في قوله وفي كتابته، وهو أن يلاحظ التلطف بالسامع وبالقارئ، فقد نبهه إلى أهمية ما سيقال له، ثم دعا له بالرحمة قائلاً: (اعلم رحمك الله).
ثم قال: (أنَّ التوحيدَ هو إفرادُ اللهِ بالعبادةِ).
والتوحيد في اللغة هو: مصدر الفعل وحَّد يُوَحد توحيدًا. أي: جعل الشيء واحدًا.
وفي الاصطلاح -بالنظر إلى معنى التوحيد عمومًا- يُقال: إن التوحيد هو إفراد الله تعالى بما يختص به.
والذي يختص به -سبحانه وتعالى- ثلاثة أمور معروفة، وهي: الربوبية، والأسماء والصفات، والعبادة. فلأجل ذلك أيضًا يكون معنى الشرك: جعل شريك مع الله تعالى فيما يختص به من هذه الأمور، سواء أكان الشرك في الربوبية، أو كان الشرك في الألوهية، أو كان الشرك في الأسماء والصفات.
والمصنف -رحمه الله تعالى- عرَّف التوحيد بقوله: (التوحيدُ هو إفرادُ اللهِ بالعبادةِ). فكأنه عرف توحيد العبادة فقط، ولم يعرِّج على تعريف التوحيد من حيث العموم، وإنما عَرَّف توحيد العبادة فقط، وهذا مما نقده بعض الناس على الشيخ -رحمه الله- فقالوا: لماذا يعرف التوحيد ببعض أفراده؟
والجواب على هذا يمكن أن يُقال من أكثر من وجهة، لكن يركز على الآتي:
أولاً: تعريف الشيء ببعض أفراده مسلك صحيح، ألا ترى إلى قول ابن عباس -رضي الله عنهما: الشرك هو الأنداد. ثم قال: والله وحياتك يا فلان وحياتي. ولولا البط لأتانا اللصوص. فهل هذا هو الشرك فقط؟! لا، بل هذا من باب تعريف الشيء ببعض أفراده، وهذا مسلك علمي لا إشكال فيه، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ»([24]).
فالحج ليس عرفة فقط، بل هناك مشاعر كثيرة؛ فهناك منًى، وهناك المزدلفة، وهناك الطواف بالبيت... فلماذا قال عليه الصلاة والسلام: «الْحَجُّ عَرَفَةُ»؟ لأن أعظم الحج هو يوم عرفة؛ ولهذا فمَن أدرك يوم عرفة فقد أدرك الحج، ومَن فاته يوم عرفة لم يدرك الحج، فعرَّف النبي -صلى الله عليه وسلم- الحج ببعضه، ولم يقل: الحج أن تهلَّ من الميقات، وأن تفعل.. وأن تفعل.. حتى تتطوف طواف الوداع.
فهذا مسلك لا إشكال فيه، وهو معروف، وهو تعريف الشيء ببعض أفراده، فلا إشكال في هذا.
ثانيًا: يُقال: انظر إلى مصنفات أهل العلم -رحمهم الله تعالى- السابقة في التوحيد، فقد صنف الأئمة ابن خزيمة([25]) وابن مَنْدَهْ([26])... وغيرهما، مصنفات في التوحيد، فماذا ذكروا في التوحيد؟ ذكروا ما يتعلق بالأسماء والصفات فقط! و"كتاب التوحيد" لابن خزيمة -رحمه الله تعالى- من أشهر كتبه، وقد ركز فيه على ما يتعلق بالصفات، فلماذا ركز على ما يتعلق بالصفات؟ لأن الفتنة في ذلك الوقت كانت من الجهمية، فكان يريد أن يتحدث عن التوحيد الذي صار فيه الخلل في ذلك الوقت؛ فركز على التوحيد من حيث بعض معناه، وهو الأسماء والصفات.
أما الذي ركز عليه ابن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- وغيره من المتأخرين، فهو قولهم: (التوحيدُ هو إفرادُ اللهِ بالعبادةِ). مثل ما فعل أولئك الأئمة بالضبط، فإنهم ركزوا على أهم شيء.
فإن قلت: هذا معناه أن ابن خزيمة لم يركز على توحيد العبادة، فلماذا؟
فالجواب: في نفس كتاب التوحيد لابن خزيمة، وهو أن تلك العصور -زمن ابن خزيمة وما قبله- لم يكن فيها شرك في العبادة من قِبَل المسلمين، وإنما كان الشرك في غير المسلمين، أما أن يكون هناك من يقول: لا إله إلا لله، ويطوف بالقبور ويدعو أهلها، وينذر لأهلها... فحاشا لله أن يكون ذلك موجود في ذلك الزمان، وإن أردت الدليل فانظر في "كتاب التوحيد" لابن خزيمة، لما ذكر -رحمه الله تعالى- ما يتعلق بالاستدلال باستعاذة النبي -صلى الله عليه وسلم- بكلمات الله في قوله صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ»([27]).
قال ابن خزيمة رحمه الله: إن استعاذة النبي -صلى الله عليه وسلم- بكلمات الله يدل على أن كلام الله غير مخلوق، وإلا لَمَا استعاذ -صلى الله عليه وسلم- بمخلوق.
ثم قال -رحمه الله: هل سمعتم يا ذوي الحجى أحدًا يقول: يا كعبة؟! أحدًا يقول: يا صفا يا مروة؟! فهو يقول هذا على سبيل الاستبعاد، أي: هل سمعتم مسلمًا يقول هذا الكلام، ويدعو غير الله؟! ثم يستبعد هذا فيقول: حاشا لله أن يقول مسلم هذا. ويستبعد هذا غاية البعد، إذ لا يمكن أن يقول هذا أحد.
وقد نبه علامة العراق، العلامة السويدي([28])  رحمه الله تعالى، صاحب "العقد الثمين"، وهو من علماء القرن الثاني عشر، نبه إلى هذه الحقيقة، فقال: لماذا لم يتكلم المتقدمون في الشركيات، ولم يتحدثوا عن لزوم توحيد العبادة؟ قال: لأن الشرك لم يكن موجودًا.
فبعد أن فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة، ثم جاءت الوفود عام تسعة من الهجرة، سارع -عليه الصلاة والسلام- يتتبع معاقل الشرك، وهُدمت العزى، وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- جرير بن عبد الله([29]) فهدم ذا الخلصة وحرقه، وقتل مَن عنده -رضي الله عنه- كما في البخاري ومسلم ([30]).
فلم يمت النبي -صلوات الله وسلامه عليه- إلا وقد قطع دابر الشرك، وهدم معاقله؛ فلهذا كان المسلمون لا يوجد فيهم أحد في ذلك الزمن الفاضل يشرك في العبادة. وإنما جاءت الفتنة من الجهمية أتباع الجهم بن صفوان([31]) الذي أنكر الأسماء والصفات، فصار أهل العلم يصنفون مصنفات في التوحيد، ليس فيها إلا الكلام عن الأسماء والصفات، فهل التوحيد عندهم فقط هو الأسماء والصفات؟! لا؛ بل لأن المقام يقتضي أن يُتحدث عن الأسماء والصفات.
والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- أيضًا في آخر كتاب من كتابه الصحيح الذي هو كتاب التوحيد، جعله في الأسماء والصفات؛ ولذلك ففي بعض النسخ الصحيحة: كتاب التوحيد والرد على الجهمية. لأن مقصدهم -رحمهم الله تعالى- الرد على المخالف في التوحيد.
ولأجل هذا ففي كتاب الأم للشافعي -رحمه الله- نص عزيز جدًّا من أنفس النصوص، لما تكلم -رحمه الله تعالى- عن البناء على القبور، وذكر أنه لا يجوز، قال -رحمه الله تعالى- في أسباب منع البناء على القبور: لم تُؤمَن الفتنة على مَن يأتي بعد([32]).
فلاحظ أنه يتحدث ويقول: نخاف إذا ترك البناء على القبور أن يُفْتَن أناس يأتون بعدنا. لأن الفتنة في زمنه غير موجودة بالقبور، فلم يكن هناك قبر؛ ولهذا علق شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في "اقتضاء الصراط المستقيم" على الخبر المكذوب عن الشافعي -رحمه الله تعالى- أنه كان إذا انتابه أمر ذهب إلى قبر أبي حنيفة، فقال -رحمه الله تعالى: هذا معلوم كذبه بالاضطرار؛ لأنه لم يكن في بغداد في ذلك الوقت قبر يُرتاد أصلاً لمثل هذه الأمور، لا قبر أبي حنيفة ولا غيره. فما كانت هناك قبور يُذهب عندها، ويُدعى أهلها؛ ولهذا يقول: هذا معلوم الكذب بالاضطرار أنه غير صحيح البتة.
فلهذا نقول: إن تعريف الشيخ -رحمه الله تعالى- للتوحيد غير منكر؛ لأنه لا يتحدث عن التوحيد هنا من حيث معناه في العموم، وإنما يتحدث عن التوحيد الذي أراده، وهذه مسألة ينبغي التفطن لها.
ثم لاحظ كلامه إذ يقول: (التوحيدُ الذي دعتْ إليهِ الرسلُ). فهذا قيد يقيده، يقول: إن التوحيد الذي أتحدث عنه هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل -وهذا ذكره في أكثر من موضع رحمه الله.
ولا شك أن التوحيد الذي دعت إليه الرسل هو توحيد العبادة، والأدلة على هذا كثيرة جدًّا في القرآن؛ ولهذا بدأ الله بنوح -عليه الصلاة والسلام- فقال: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾([33]). فدعوة نوح -عليه الصلاة والسلام- استمرت ألف سنة إلا خمسين عامًا في تأصيل التوحيد.
وقال تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾([34]). وقال أيضًا: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾([35]). وقال أيضًا: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾([36]).
فهذه هي دعوة الرسل، وهذا هو التوحيد الذي دعوا إليه، فالرسل لم يأتوا ليقولوا: يا قومنا أقروا أن الله ربكم؛ لأن هذا أمر موجود عندهم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾([37]). والطاغوت: ما عُبِد من دون الله.
وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾([38]).
ولا نقول فقط هذه هي دعوة الرسل؛ لأن هذا مثل الشمس في الوضوح، بل نقول: حتى الكفار كانوا يعلمون أن التوحيد الذي دعت إليه الرسل هو هذا؛ ولهذا قال الله تعالى عن عاد قوم هود: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾([39]).
وقال تعالى ذاكرًا ما قالوه: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾([40]).
فالمشركون يعرفون أن الرسل تريد عبادة الله وترك معبوداتهم، فهذا هو التوحيد الذي دعوا إليه؛ ولهذا قال الله أيضًا عن كفار قريش: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ﴾([41]). ففهموا من "لا إله إلا الله" ترك الآلهة وترك معبوداتهم، وإفراد الله بالعبادة.
فالمصنف -رحمه الله تعالى- ذكر صفةً كاشفةً في التوحيد الذي يتحدث عنه، وأنه يتحدث عن التوحيد الذي دعت إليه الرسل، ولا يتحدث عن التوحيد من حيث العموم؛ ولهذا في رسالة له -رحمه الله تعالى- عن التوحيد ذكر: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات؛ لأن هذه الأمور لا تخفى، وتحدث عنها، وعن الذي أقر به الكفار وما جحدوه.
فالمصنف هنا -رحمه الله تعالى- حين يقول: (التوحيدُ هوَ إفرادُ اللهِ بالعبادةِ). فإنه سالك مسلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ذكر الشيء ببعض أفراده، مثل قوله: «الْحَجُّ عَرَفَةُ»([42]). وسالك مسلك ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله: الشرك هو الأنداد.
وذكر -رحمه الله تعالى- أمثلة ذلك، منها: والله وحياتك وحياتي وحياتك يا فلان. يعني: الحلف بغير الله. ولولا البط لأتانا اللصوص. يعني: قول لولا الله وكذا. أو ذكر لولا بغير الله -عز وجل- مجردة، يقول: هذا هو الشرك. فهل معنى ذلك أن ابن عباس يقول: إن عبادة الأصنام ليست شركًا؟
لا، فابن عباس يريد أن يركز على تعريف الشيء ببعض أفراده؛ لأن الذين يخاطبهم ليسوا من عباد الأصنام، لكن هذه الأمور تشيع فيهم، فقولهم: لولا فلان. موجودة بينهم، والحلف بغير الله موجود في المسلمين، فلهذا عرفه ببعض أفراده، فأي منكر في أن يُعرَّف الشيء ببعض أفراده؟!
ولهذا سيأتينا في هذا الكتاب أنه -رحمه الله تعالى- ذكر بتوسع ما يتعلق بإقرار الكفار بتوحيد الربوبية.
فهو -رحمه الله- يعرف أن هناك توحيدًا يُسمَّى توحيد ربوبية، ولا يخفى عليه أن التوحيد يدخل فيه من حيث معناه العام ما يتعلق بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات، فهذا أمر مفروغ منه، وله -رحمه الله تعالى- في التصنيف في هذا أحسن المصنفات.
فمحاولة مَن قال: إن هذا من باب قَصْر معنى التوحيد، وإلغاء الأسماء والصفات. هذا كذب، وهو في الحقيقة من باب محاولة تلمس العثرات التي يترتب عليها -لو أُقرت- أن مَن عَرَّف من أهل العلم الشيء ببعض أفراده يُخطأ، سواء في باب الأحكام العملية أو في باب المسائل العقدية، إذ الكلام عن موضوع محدد بصفة كاشفة تتعلق بالتوحيد الذي دعت إليه الرسل لا شك أنه هو توحيد العبادة، وهذا أمر مفروغ منه -كما ذكرنا في النصوص السابقة.
فالحاصل: أن التخطئة في مثل هذا يترتب عليها لوازم من ضمنها: تخطئة بعض النصوص النبوية، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ». فلو قال إنسان: أين منى؟! أين المزدلفة؟! نقول: هذا من جهلك أنت، إذ ليس معنى قول الرسول: «الْحَجُّ عَرَفَةُ»، أنك تذهب يوم عرفة وترجع، ليس هذا هو المراد، ولا يمكن أن يقول أحد: إن هذا هو المراد. إذ إن هذا من باب تعريف الشيء ببعض أفراده، وهذا مسلك علمي لا إشكال فيه، فهذا التعقب للشيخ لا شك أنه تعقب المتلمس العثرة الذي يريد التخطئة بأي وسيلة.
 
 (وَهُوَ دِينُ الرُّسُلِ الَّذِينَ أَرسَلَهُمُ اللهُ بِهِ إِلَى عِبَادِهِ. فَأَوَّلُهُمْ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ).
----------------------
قوله: (هو دينُ الرسلِ). مثل ما مَرَّ قبل قليل في الآيات الدالة على هذا، وهذا أيضًا صفة كاشفة للتوحيد الذي تحدث عنه، وهو التوحيد الذي بُعثت الرسل للدعوة إليه، وهو توحيد العبادة.
فإن قيل -وهذا مما أورده بعض المتحذلقين من الرافضة: إن فرعون قد أنكر ربوبية رب العالمين، فقال: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾([43])؟ فالجواب في القرآن: فلو تدبروا آيات القرآن لرأوا أن جَحْد فرعون للربوبية جَحْد كذاب يقر في باطنه أن الله تعالى هو ربه؛ ولهذا يتحدث موسى -صلوات الله وسلامه عليه- مع فرعون في مقام المناظرة، ومقام المناظرة يتميز بأن المناظر لو وجد فيمن يناظره شيئًا من الخطأ لأمسكه.
يقول موسى -صلوات الله وسلامه عليه- لفرعون: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاَءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾([44]). فموسى يقول: لقد علمت. أي أنك تقر في الباطن وإن ادعيت كذبًا أنك تجحد، لكن في باطنك أنت تعلم أنك وُلِدت ورُبيت كما يُربَّى الصغار، وأنك تأكل الطعام وتشرب الشراب، وتحتاج إلى الخلاء، فكيف تدعي الربوبية؟!
ولهذا قال الله تعالى مبينًا بطلان دعوى النصارى وقولهم في المسيح -عليه السلام- وأمه، قال: ﴿كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ﴾([45]). فقوله تعالى: ﴿كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ﴾، فيه حجة عظيمة على بطلان مقولة النصارى، وفيه أدب بالغ.
قال ابن كثير([46]) -رحمه الله تعالى: أي: مَن احتاج أكل الطعام احتاج إلى إخراجه، فكيف تُدعى الربوبية فيمن يُخْرِج؟!([47]).
فلا شك أن مقولة فرعون مقولة الذي يجحد في الظاهر، وهو في الباطن مقر؛ ولهذا قال له موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاَءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾([48]).
وقال الله تعالى عن الآيات لما أتت قوم فرعون: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾([49]). فلا يُقال: إنهم يعلمون، بل عندهم يقين؛ وهو درجة عالية جدًّا من العلم، فهم يعلمون أن الله ربهم، وأن هذه الآيات لا يمكن أن تكابر، ولكنهم يكابرونها في الظاهر.
ولهذا لما سلط الله عليهم ما سلط، رجعوا إلى موسى -عليه الصلاة والسلام- وقالوا: ﴿وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ﴾([50]). فلما سلط الله عليهم ما سلط، قالوا: يا موسى أنت لك رب، فادع لنا هذا الرب الذي سلط علينا ما سلط أن يكشفه عنا. فكل هذا يدل على أن جَحْد هذا الرب جَحْد كذاب، ليس جَحْد مَن يجحد الربوبية مقتنعًا بذلك، ولكنه جحد مَن يجحده في الظاهر فقط، مع إقراره به في الباطن؛ ولهذا كانت الرسل -صلى الله عليهم وسلم- يركزون على الأمر الذي جحدته أقوامهم جحدًا حقيقيًّا؛ وهو توحيد العبادة، أما توحيد الربوبية فقد كانوا مقرين به -كما سيأتي في كلام المصنف رحمه الله.
ولهذا لما أراد قوم صالح أن يتعرضوا له بالسوء، قالوا: ﴿تَقَاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾([51]). أي: حلفوا بالله. فهم مقرون بالله سبحانه وتعالى، فلو كانوا يجحدون أن الله ربهم لَمَا حلفوا به سبحانه وتعالى.
الحاصل من هذا كله: أن تعلم أن دعوة الرسل -صلى الله عليهم وسلم- وتركيزهم على توحيد العبادة قد دلت عليه النصوص.
وأمامك أمر ظاهر جلي جدًّا كالشمس في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم؛ فإنه -صلى الله عليه وسلم- مكث في مكة ثلاث عشرة سنة، ولم تُفرض أركان الإسلام كلها؛ كالحج والصوم والزكاة إلا في المدينة، حتى الصلوات الخمس لم تفرض إلا ليلة المعراج، قيل: قبل البعثة بثلاث سنين أو نحوها.
معنى ذلك أنه في تلك الفترة لم تفرض الصلوات الخمس، وإن كان جنس الصلاة مفروضًا، لكن الصلوات الخمس بالوضع الذي نعلمه جميعًا لم يُفرض إلا متأخرًا.
وكذلك الجهاد في سبيل الله، ومعظم الأحكام لم تأتِ إلا في المدينة، فماذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعل في مكة؟ كان يؤصل التوحيد -صلوات الله وسلامه عليه- ويؤصل إفراد الله بالعبادة وهدم الشرك.
فلهذا إن نظرت إلى القرآن في سير الأنبياء جميعًا -صلوات الله وسلامه عليهم- سواء فيما عَدَّ الله في شأن نوح وهود وشعيب وصالح، ممن ذكرهم الله أو في الآيات العامة، مثل: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾([52]). أو قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾([53]).
فكل هذا يدل على أن المنهج والتوحيد الذي دعت إليه الرسل هو توحيد العبادة؛ ولهذا تجد الدعاة إلى الله على بصيرةٍ في كل زمن يهتمون بتوحيد العبادة، كما كان شأن الإمام المصنف الشيخ محمد -رحمه الله- وغيره من أئمة الإسلام؛ لأن توحيد العبادة -كما يقول أهل العلم- هو الذي فيه المعركة بين الرسل -صلى الله عليهم وسلم- وبين أعدائهم، وهو الذي فيه المعركة المستمرة الدائمة بين دعاة التوحيد ودعاة الشرك إلى قيام الساعة؛ فلهذا كان التركيز عليه هو الأساس، كما ركز -صلى الله عليه وسلم- عليه في مكة، ثم بُنِيت الأحكام عليه بعد ذلك.
وليس معنى ذلك أنهم لما انتقلوا إلى المدينة لم يكن هناك عقيدة، حاشا لله، لكن لما أَصَّل النبي الاعتقاد عند الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- جاءت الهجرة إلى المدينة، وانفتح مجال الأحكام المفصلة؛ كإيجاب الصيام، وإيجاب الحج، وإيجاب الزكاة... وغير ذلك من الأحكام التي فرضت في المدينة.
فالحاصل من هذا كله: أن كلام المصنف -رحمه الله تعالى- جاء على منهج الرسل -صلى الله عليهم وسلم- في العناية بالتوحيد الذي دعوا إليه، والتركيز عليه.

السؤال:
هل التوراة والإنجيل الموجودان حاليًا باطلان؟
الإجابة:
التوراة والإنجيل الموجودان الآن وقبل الآن بأيدي اليهود والنصارى فيهما حق وفيهما باطل، ففيهما حق هو حجة عليهم؛ كالنقولات الكثيرة في البشارة بنبي الله -صلى الله عليه وسلم- فهذه حق، ولا يمكن أن يقال: إنها باطل.
وهناك أمور باطلة لا شك فيها، مثل ما كتبوه بأيديهم، وهناك أمور لا يُدرى: هل هي حق أم باطل؟ وقد قال فيها صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلا تُصَدِّقُوهُمْ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ»([54]).
فيختلف الكلام فيما في كتب اليهود والنصارى من التوراة والإنجيل، ولكن ليس لأحدٍ أن يَطَّلِعَ عليها، أو تكون مواضع إهداء، فإهداء التوراة والإنجيل غير صحيح، وإنما يَطَّلِعُ عليها مَن يَطَّلِعُ من أهل العلم لنقاش القوم بما في كتبهم.
قال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب([55]) -رحمه الله تعالى- في كشف الشبهات: (اعْلَمْ -رَحِمَكَ اللهُ- أَنَّ التَّوحِيدَ هُوَ: إِفْرَادُ اللهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بِالعِبَادَةِ، وَهُوَ دِينُ الرُّسُلِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمُ اللهُ بِهِ إِلَى عِبَادِهِ).
--------------
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
ذكر -رحمه الله تعالى- في هذه الجملة أن هذا التوحيد هو دين الرسل، الذين أُرسل به هؤلاء المرسلون -صلوات الله وسلامه عليهم- وتقدَّم أن المصنف -رحمه الله تعالى- أراد نوعًا من التوحيد فبيَّنه بصفة كاشفة، وهي دين الرسل الذي أُرسل به هؤلاء صلى الله عليهم وسلم؛ لأن الرسل -كما سيأتي- لم يكونوا بحاجة إلى أن يقرر هؤلاء الذين يؤمنون بالربوبية أن يطلبوا منهم أن يؤمنوا بالربوبية؛ لعلمهم ولعلم علام الغيوب -سبحانه وتعالى- أن هؤلاء مقرون بالربوبية -كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
وذكر هنا أن الرسل -عليهم الصلاة والسلام- دينهم واحد؛ لأنه أضاف الدين إلى الرسل، ومراده: أنهم متفقون في هذا التوحيد، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعِلاَّتٍ؛ دِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى»([56]). والإخوة لعلات هم الذين أبوهم واحد ومن عدة أمهات، ومراده -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى»، أن الشرائع تتفاوت، فيحل في شريعة ما قد يكون محرمًا في شريعة، وكذلك العكس، فتتفاوت الشرائع.
أما الاعتقاد نفسه فيستحيل أن يتفاوت، فاعتقاد نوح هو اعتقاد محمد هو اعتقاد موسى هو اعتقاد إبراهيم، هو اعتقاد شعيب... -صلى الله عليهم جميعًا وسلم تسليمًا كثيرًا- لأن الدين واحد من حيث الاعتقاد، ومن حيث التوحيد، وإنما تتفاوت الشرائع؛ ولهذا ذكر الله في القرآن أشياء حرمها على مَن قبلنا لم تحرم علينا، فقال الله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾([57]). وليس عندنا شيء محرم من هذا، فهذا عند بني إسرائيل. وحرم ذلك عليهم عقوبة لهم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾([58]).
وقال الله -تعالى- في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾([59]).
فقد كانت بعض الأحكام على مَن قبلنا آصارًا وأغلالاً، جعلها الله -عز وجل- عليهم عقوبة ونكالاً، وهكذا قال عيسى عليه الصلاة والسلام: ﴿وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾([60]).
فالتوحيد ليس فيه اختلاف، ولا يمكن أن يأتي نبي بعقيدة غير عقيدة النبي السابق؛ ولهذا قال ابن القيم([61]) -رحمه الله- في النونية:
فالدين في التوحيد دين واحد *** لم يختلف منهم عليه اثنانِ
دين الإله اختاره لعباده *** ولنفسه هو قيم الأديانِ
فمن المحال بأن يكون لرسله *** في وصفه خبران مختلفانِ
فيستحيل أن نوحًا -عليه السلام- يخبر عن الرب صفة، ثم يأتي نبي آخر فينفي هذه الصفة، فهذا الأمر محال، أو أن يأتي نوح -عليه الصلاة والسلام- بتقرير اليوم الآخر، ويأتي نبي آخر بنفي اليوم الآخر!
إذن فعقيدتهم شيء واحد؛ ولهذا قال: (دينهم -عليهم الصلاة والسلام- هو دينُ الرسلِ الذي أُرسلُوا به).
فالتوحيد واحد؛ ولهذا أُمرْنا باتباع ملة إبراهيم، ومَن لم يلقَ اللهَ بملة إبراهيم يكن هالكًا، وملة إبراهيم هي: ترك الشرك، ولزوم التوحيد؛ ولهذا أنت تقول في كل صباح: «أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلامِ، وَكَلِمَةِ الإِخْلاصِ، وَدِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»([62]).
فهذه الحنيفية مَن لم يلقَ الله بها من قوم موسى، أو من قوم شعيب، أو من قوم هود... إلخ، فهو هالك؛ لأنها تعني التوحيد وترك الشرك.
 
 (فَأَوَّلُهُمْ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ).
--------------
(فأولهم نوح)، هل نوح -عليه الصلاة والسلام- أول الرسل إلى أهل الأرض، أم أن ثمة أنبياء قبله؟
يختار كثيرٌ من أهل العلم أن نوحًا -عليه الصلاة والسلام- هو أول الرسل، واستدلوا بحديث صحيح ثابت، وهو حديث الشفاعة، وفيه: «أَنَّ النَّاسَ يَأْتُونَ نُوحًا -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ» ([63])... الحديث، ومنه أخذ مَن أخذ من أهل العلم أن أول رسول هو نوح.
ويأتي سؤال هنا: ألم يكن قبل نوح -عليه الصلاة والسلام- مَن أوحى الله إليهم؟
والجواب: بلى؛ لأنه لم يكن إلا أبوه آدم، فإن من الأمور المفروغ منها أن آدم -عليه الصلاة والسلام- قبل نوح، وأن الله أوحى إليه، فبِنَاء على هذا إذا قيل: إن نوحًا هو أول الرسل إلى أهل الأرض بهذا الإطلاق. معنى ذلك: أن مَن قبله كانوا أنبياء، ولم يكونوا رسلاً.
واختيار شيخنا عبد العزيز بن باز([64]) رحمه الله، وقد دوَّنْته عنه في عام ألف وأربع مئة وستة عشر، في الخامس عشر من الشهر الحادي عشر، قال -رحمه الله: آدم هو أول الرسل مطلقًا، ونوح أول الرسل بعد وقوع الشرك.
إذن فالأولية هنا نسبية، يعني أن نوحًا -عليه الصلاة والسلام- هو أول الرسل، لكن بعد أن حدث الشرك، أما قبل حدوث الشرك فهناك رسل قبله، ومنهم آدم -عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
فالحاصل أنه لا بد من الأولية لنوح في هذا، سواء قيل: إنه أول الرسل مطلقًا، أو قيل: إنه أول الرسل بعد أن وقع الشرك؛ لأن الفترة التي بين آدم ونوح لم يكن فيها شرك بلا ريب، وأول ما وقع الشرك -كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- كان في قوم نوح.
 
 (فَأَوَّلُهُمْ نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلامُ، أَرْسَلَهُ اللهُ إِلَى قَوْمِهِ لَمَّا غَلَوْا فِي الصَّالِحِينَ).
----------------
الغلو في اللغة هو: مجاوزة الحد. يُقال: غلا الماء في القدر. إذا ارتفع وتجاوز حد الإناء، هذا معنى الغُلُو.
أما في الشرع فالمراد به: مجاوزة الحد، والإفراط في التعظيم؛ إما بالقول أو بالاعتقاد، بحيث يتجاوز الإنسان المسلك الشرعي الرشيد في مثل هذه الأمور، فيُقال: غلا.
وقد حذر الله -عز وجل- من الغلو، ونهى عنه، فقال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾([65]).
وإذا نهى الله -عز وجل- أهل الكتاب عن الغلو في الدين، فليس معنى ذلك أنه يبيح الغلو لهذه الأمة، فمن باب أولى أن ينهانا عنه، كما قال بعض السلف: مضى القوم ولم يُرِد إلا أنتم. فنحن المقصودون، فإذا بُيِّنَ شيء مما يتعلق بالأمم السابقة، فلا ينبغي أن يقرأه المسلم غافلاً عن أنه مخاطب به في الوقت نفسه، فالنهي عن الغلو مطلق.
فنهى الله -عز وجل- أهل الكتاب عن الغلو، ومن غلوهم: غلوهم في عيسى -عليه الصلاة والسلام -كما سيأتي.
فالحاصل: أن الغلو مسلك مذموم باطل لا يحل، لا لمن قبلنا ولا لهذه الأمة؛ ولهذا ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- النهي عن الغلو، وعما يدخل تحت مسماه، وإن لم يكن بنفس اللفظ، فقال -عليه الصلاة والسلام- فيما ثبت عنه: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ»([66]). فالغلو هو السبب في هلاك الأمم -كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في بيان الآيات.
وسبب وقوع الشرك هو الغلو في الصالحين، ومن العجائب أن هذا السبب متكرر، فالغلو هو السبب في وقوع الشرك في قوم نوح -كما سيأتي- وكل شرك يقع مما فيه صرف العبادة لغير الله فإنك تجد فيه نوعًا من الغلو، والخروج عن القصد الصحيح.
 
 (أَرْسَلَهُ اللهُ إلَى قَومِهِ لَمَّا غَلَوْا فِي الصَّالِحِينَ: وَدٍّ، وَسُوَاعٍ، وَيَغُوثَ، وَيَعُوقَ، وَنَسْرٍ. وَآخِرُ الرُّسُلِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
----------------
في الفترة الأولى بيَّن -رحمه الله تعالى- أمر الغلو، وأنه كان في قوم نوح، وكان في الصالحين، فلا ريب أن الفترة التي بين آدم -كما تقدم- وبين نوح كانت فترة إسلام، ولم يكن فيها شرك؛ ولهذا أنكر أهل العلم تلك الروايات الفارغة التي فيها أن أحد ابني آدم الذي قتل أخاه قام أبناؤه بوضع الهياكل والأصنام، وأنهم عبدوا غير الله... فهذا كلام باطل؛ لأن الله تعالى لا يترك الأمة في هذه الحال، ولا يتركها خلوًا من نبي يوحي إليه بشرع وبدين يغيِّر هذا الباطل.
فكانت الفترة -كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما- بين آدم ونوح عشرة قرون، هذه الفترة لم يكن فيها شرك، فقال -رضي الله عنه: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام([67]).
فكل هذه الفترة من القرون كانت على الإسلام، فكيف وقع الشرك؟
وقع الشرك في هؤلاء القوم الخمسة، وقد ذكرهم الله -تعالى- في شكاية نوح -عليه الصلاة والسلام- لربه لما اشتكى قومه، فقال:  ﴿وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيعُوقَ وَنَسْرًا﴾([68]).
وفي البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- من رواية عطاء([69]) أن ابن عباس -رضي الله عنهما- ذكر أن الأصنام التي كانت في قوم نوح صارت في العرب بعد ذلك، وذكر كلَّ قبيلة وما كان عندها من هذه الأصنام، وقال في خاتمته أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلما هلك أولئك ونُسِخ العلم عُبدت([70]).
وهذا الأثر رواه عطاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وتكلم أهل الحديث: هل عطاء هنا هو عطاء الخراساني([71]) أم عطاء ابن أبي رباح؟ فإن كان هو الخراساني فالحديث ضعيف، وإن كان ابن أبي رباح فهو من الأئمة المعروفين، وممن لقي ابن عباس -رضي الله عنهما.
واختيار البخاري -رحمه الله تعالى- يدل على تصحيحه للأثر، وعلى أنه يرى أن عطاء هو ابن أبي رباح، وهو الذي مال إليه الحافظ ابن حجر([72]) وهو أن عطاء هو ابن أبي رباح، وإن كان بعض المحدثين قال: إن عطاء هنا هو الخراساني. فاختيار البخاري -رحمه الله- لهذا الأثر وإخراجه له في كتابه "الصحيح" يدل على أنه يختار أن عطاء هذا هو ابن أبي رباح -رحم الله الجميع.
يقول ابن عباس عن هؤلاء: أسماء رجال صالحين في قوم نوح، وهؤلاء الصالحون هلكوا، فلما هلكوا أوحى الشيطان ووسوس إلى قومهم في بدعة من البدع؛ لأنهم كانوا على دين صحيح، فقال: انصبوا في المجالس التي كان يجلس فيها هؤلاء الصالحون، انصبوا نصبًا -كالذي يُسمى: النصب التذكاري- يجعل في الموضع الذي كان يجلس فيه ودٌّ، حتى تتذكروا ودًّا وعبادته، وكان هؤلاء من العُبَّاد، وانصبوا نصبًا آخر في مجلس يغوث، وآخر في مجلس نسر... وهكذا.
يقول ابن عباس: فلم تُعبَد. أي: لم تُعبَد أول ما وضعت؛ لأنها كانت في أناس يعلمون حرمة عبادة غير الله، فلما هلك أولئك، أي: هلك ذلك الجيل، ونُسخ العلم وقَلَّ عُبِدَت، وذلك في الأجيال التي أتت بعدهم، وهذا يدل على خطورة الابتداع، وأن البدعة قد تتدرج في الناس إلى أن تعظم، كما يقول ابن تيمية([73]) -رحمه الله تعالى: تكون البدع شبرًا، ثم تكون ذراعًا وأميالاً... فتكبر وتعظم وتتفاقم، مثل: التشيع.
فالتشيع كانت بدايته بتفضيل عليٍّ على عثمان فقط، دون أن يفضل عليٌّ -رضي الله عنه- على أبي بكر وعمر، ولم يُفضل أحدٌ عليًّا على أبي بكر وعمر، ثم إن الأمر تجاوز أمر التفضيل المجرد إلى أن يُقال: ما دام علي أفضل من عثمان، فلماذا تَقَدَّم عثمان على علي.
ثم فُتِح باب آخر: لماذا اختير عثمان من قِبَل الصحابة ليتقدم على عليٍّ؟
ثم انفتح باب آخر بتفضيل علي على أبي بكر وعمر، وهذا لم يكن معروفًا في المسلمين الأوائل، فلما فُضِّل انفتح الباب مرة أخرى، فقيل: إذن لماذا تقدم أبو بكر وعمر على علي؟ فبدأ السب، ثم بدأ التكفير -عياذًا بالله- للصحابة.
ولهذا يقول بعض السلف: مَن فضل عليًّا على عثمان فقد أذزرى بالمهاجرين والأنصار([74])؛ لأن عثمان -رضي الله عنه- اختاره المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد، واختاره الناس اختيارًا، حتى قال الإمام أحمد: لم يُبايع أحد كما بويع عثمان -رضي الله عنهم جميعًا.
فالبدع تبدأ هكذا، فوضع هذه الصور لا شك أنه ابتداع، ثم إن الأمر تفاقم إلى أن عُبدت.
وهو يدل أيضًا على خطورة هذه الأصنام، وعلى خطورة النحت والرسوم، وأنها تؤدي إلى أن تُعظم في نهاية المطاف؛ ولهذا تسمع بعض أهل العلم يقولون: السبب في الشرك التصوير. والكلام متلازم، والمقصود: أن صور أولئك الصالحين هي سبب الغلو والتعظيم.
فالحاصل: أن وضع هذه النصب خطير جدًّا؛ لأنه يؤدي إلى ما يؤدي إليه، وهذا -كما سيأتي في الفقرة الآتية- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كسر هذه الصور.
 
(وَآخِرُ الرُّسُلِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
--------------
وهذا محل إجماع المسلمين كلهم، فلا يوجد أحدٌ من المسلمين يقول: إن ثمة رسولاً سيأتي بعد محمد -صلى الله عليه وسلم.
فمن الأمور المجمع عليها أن محمدًا -صلوات الله وسلامه عليه- هو آخر الرسل؛ ولهذا جعل الله -عز وجل- دينه خاتمًا، وجعله عامًّا لأهل الأرض؛ لأن الرسل قبله -صلى الله عليه وعليهم أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا- كان النبي يُبعث إلى قومه خاصة، فقال -عليه الصلاة والسلام: «وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً»([75]).
فكانت الأنبياء قبله كل نبي يُبعث إلى قومه، قال تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا﴾([76]). وقال: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾([77]). وقال: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا﴾([78]).
فكل قوم يبعث لهم نبي منهم، أما محمد -صلوات الله وسلامه عليه- فهو رسول الله إلى الناس كافة، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾([79]). وقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً للنَّاسِ﴾([80]). فهو آخر الرسل -صلى الله عليه وسلم- ولا يوجد رسول بعده صلوات الله وسلامه عليه.
 
(وَهُوَ الَّذِي كَسَّرَ صُوَرَ هَؤُلاَءِ الصَّالِحِينَ).
--------------
وذلك عام الفتح، فلما فتح الله -عز وجل- مكة عام ثمانية دخل -صلوات الله وسلامه عليه- منصورًا، فكسر -صلى الله عليه وسلم- تلك الأصنام التي جعلها المشركون عند الكعبة، وعددها ثلاث مئة وستون صنمًا قد أحاطوها بالكعبة، ولما فتح الله -عز وجل- عليه مكة أذعنت العرب، وجاءت وفود العرب في العام التاسع -الذي سُمِّي عام الوفود- من أرجاء الجزيرة تبايع على الإسلام؛ لأن انتصار النبي -صلى الله عليه وسلم- على أهل مكة أظهر قوة الإسلام؛ فجاءت الوفود مبايعة.
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- كسر هذه الأصنام الموجودة في مكة، ولم يترك البقية، بل سار -صلى الله عليه وسلم- إلى الأصنام الموجودة خارج مكة، وأرسل لها مَن يكسرها، فأرسل خالدًا([81]) -رضي الله عنه- لتكسير العُزَّى، وكانت من معبوداتهم التي يعظمونها([82])، وهي التي قال فيها أبو سفيان([83]) -رضي الله عنه- قبل أن يسلم: لنا العزى، ولا عزى لكم([84]).
فكانوا يعظمونها جدًّا، فكسرها خالد -رضي الله عنه- وأرسل -صلى الله عليه وسلم- جرير بن عبد الله([85]) لهدم ذي الخلصة، وكان معبودًا تعظمه دوس في جنوب الجزيرة، فحرَّقها -رضي الله عنه وأرضاه- وقتل مَن عندها-كما في الصحيح-([86]) فالأصنام إذن خطيرة جدًّا.
وبعض الناس يقول: الناس تثقفوا وفهموا، فليس هناك خطورة من الأصنام ولا من بقائها. وهذا غير صحيح لا شرعًا ولا واقعًا، أما شرعًا فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللاَّتُ وَالْعُزَّى»([87]). فستعود عبادة اللات والعزى مرة أخرى -عياذًا بالله- وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال -كما في الصحيحين: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ، وَذُو الْخَلَصَةِ: طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ»([88]). يعني: لا تقوم الساعة حتى تعود عبادة ذي الخلصة مرة أخرى، وهذا وقع، وذلك في القرن الثاني عشر.
وهذه من الأمور التي يقل الكلام عنها في التاريخ مع ارتباطها بعلامة من علامات النبوة، وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن دوسًا ستعود لعبادة ذي الخلصة التي كانوا يعبدونها في الجاهلية، فذو الخلصة أُعيدت عبادتها، ودمرها أتباع الشيخ محمد -رحمه الله- في القرن الثاني عشر، وبقيت منه بقايا؛ لأنها كانت بمثابة البيت الذي كان يُعظم وله سدنة في الجاهلية، فبقيت هذه البقية منها، فكانوا يعظمونها.
وهذا من الدلالات -كما قلنا- على أن الشرك موجود في جزيرة العرب، وعلى أنه يعود إلى جزيرة العرب، وأن الذين يقولون: أنه ليس هناك شرك في الجزيرة العربية. يرد عليهم ويكذبهم هذا الحديث والذي وقع تصديقه في القرن الثاني عشر، فدُمر، وقد بقيت منه بقايا لا يمكن أن تدمر بالفؤوس وبالآلات القديمة، ففي عام خمس وعشرين وثلاث مئة وألف من القرن الماضي، أي: منذ نحو مئة وخمس سنوات، كتب ابن إبراهيم([89]) للملك عبد العزيز([90]) -رحمهما الله- بأنه توجد بقايا لذي الخلصة، ففُجِّر بالديناميت، وهذا مثبت مقرر في عام خمس وعشرين وثلاث مئة وألف؛ لأنه بالديناميت يمكن تكسير البقية، فكسرت، وانتهى أمر ذي الخلصة.
والقول بأنه لا يوجد شرك في الجزيرة العربية، وأنه لا يمكن أن يكون هناك شرك وأن هناك مبالغة - هذا كلام يرده مثل هذا الحديث، وهو في الحقيقة من دلائل النبوة، فمن دلائل النبوة أن يخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشيء، فيقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
والحاصل من هذا: أن هذه الأصنام خطيرة، وأنها في نهاية المطاف ستُعبَد، وأنها لا تزال تُعبَد الآن، فعبادة الأصنام أقدم دين باطل على الإطلاق، فأقدم دين باطل على الإطلاق هو عبادة هذه الصور وهذه الأصنام؛ لأنها بدأت في قوم نوح؛ لأن هذه الصور التي وضعوها جعلوها على هيئة تماثيل، والتماثيل هي الأصنام، وثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند مسلم- أنه قال: «ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا كَرِيحِ الْمِسْكِ، مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ، فَلاَ تَتْرُكُ نَفْسًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنَ الإِيمَانِ إِلاَّ قَبَضَتْهُ، ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، عَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ»([91]). فشرار الناس يبقون، كأنهم بهائم، وهم الذين تقوم عليهم الساعة، «فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلامِ السِّبَاعِ، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ: أَلا تَسْتَمِعُونُ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِِبَادَةِ الأَوْثَانِ»([92]). وزاد الإمام أحمد في "المسند": «فَيَعْبُدُونَهَا، فَعَلَى أُولَئِكَ تَقُومُ السَّاعَةُ»([93]).
فالذي يزعم أن الأصنام ليس منها خطر، وأن الناس تثقفوا، فهو جاهل بوضع الناس في الحقيقة، وجاهل بحقيقة النصوص الدالة على وجود الشرك، وعلى وقوعه وتحققه -عياذًَا بالله- ولهذا جاء في الحديث: «نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَيْعِ الأَصْنَامِ»([94]). فليس لأحدٍ أن يتاجر فيها، ولو كانت تمثالاً -كما يسمونه: تمثال نادر- يمكن أن يجني منه أموالاً، لا تحل التجارة فيها، فليس لأحد أن يتاجر بها، ولا أن تبقى أصلاً؛ لأن بقاءها مخالف للشرع المطهر الذي جاء بتكسير الأصنام، والذي فعله -صلى الله عليه وسلم- من إرسال مجموعة من أصحابه لتكسر الأصنام حتى هدمت وكسرت، وكسر النبي -صلى الله عليه وسلم- بيده الأصنام الموجودة في مكة، وأرسل مَن يكسرها في بقية البلاد العربية.
 
(أَرْسَلَهُ اللهُ إِلَى قَوْمٍ يَتَعَبَّدُونَ وَيَحُجُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَيَذْكُرُونَ اللهَ كَثِيرًا).
--------------
مراده -رحمه الله تعالى- أن الذين بُعِث لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكونوا جاحدين لرب العالمين، بل كانوا مقرين به، وهذا سيأتي الكلام المفصل عنه -إن شاء الله -عز وجل- وليس هذا وحسب، بل كانوا يتعبدون بأنواع من العبادات، فمن ذلك مثلاً: كانوا يصومون يوم عاشوراء كما ثبت، فكان يومًا تعظمه قريش وكانت تصومه، هذا نموذج على الصيام.
ومن ذلك: أنهم كانوا يطوفون بالبيت، وإذا وقع الطواف من مسلم مؤمن فلا شك أنه عبادة، فكانوا يطوفون بالبيت، ويقولون في طوافهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك. كما سيأتي -إن شاء الله تعالى.
ومن ذلك: أنهم كانوا ينذرون، مثلما نذر عمر -رضي الله تعالى عنه- أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هذا النذر كان في الجاهلية([95])... فهذا من النذر الذي كان معروفًا عندهم، وكانوا يعتكفون، وفهموا أن معناه: الانقطاع والبقاء فترة يتعبد فيها في مسجد.
كذلك كانوا يتصدقون، من ذلك: ما ثبت عن حكيم بن حزام([96]) -رضي الله عنه- لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أشياء كان يتحنث بها في الجاهلية، يقول: من صدقة وعتاقة وصلة رحم. فكان –رضي الله عنه- يتصدق، وكان يعتق، وقد أعتق في الجاهلية مئة رقبة، وكان يصل رحمه. فكانوا يتعبدون بلا شك لله؛ فلهذا سأل حكيم -رضي الله عنه- عن هذه الأشياء التي عملها في الجاهلية، هل تنفعه بعد أن أسلم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ»([97]).
فالحاصل: أنهم كانوا يتعبدون بلا شك بأنواع من العبادات، وكانوا يخلصون إخلاصًا ينسون معه الشرك عند الضرورة، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾([98]). وقال تعالى عنهم إذا جاءتهم الضرورة: ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾([99]).
فإذا جاءت الضرورات نسوا الشرك وأخلصوا لله، وهذا سبب إسلام عكرمة بن أبي جهل([100]) -رضي الله عنه- فإنه لما فتح الله مكة على نبيه -صلى الله عليه وسلم- فرَّ إلى الحبشة، وركب سفينة، فلما ركب السفينة ضربتها الأمواج، فتنادى أصحاب السفينة وقالوا: لا تهلكنا، لا تدعُ إلا الله في هذه الحالة؛ فإنه لا ينجي من هذا الحال إلا الله. يقول عكرمة -رضي الله عنه: والله لأن كان لا ينجي من ظلمات البحر إلا الله، فلا ينجي من ظلمات البر إلا الله. أي يقول: لا أدعو اللات ولا العزى ولا أي معبود، بل أدعو الله وحده. ثم قال: اللهم إن لك عليَّ عهدًا إن أنجيتنا من هذه أن أرجع إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- فأضع يدي في يده، فأجده برًّا رحيمًا. وفعلاً رجع -رضي الله عنه- بعد أن كتب الله لهذه السفينة النجاة، ثم أسلم([101]).
فالحاصل: أنهم كانوا يعبدون الله، ولم يكونوا -بالتعبير الموجود اليوم- ملاحدة ولا زنادقة، ولا يؤمنون البتة بالله، بل هذا أمر معروف أنهم كانوا ليسوا على هذا الحال -كما سيأتي إن شاء الله عند الكلام عن التوحيد الربوبية.
 
(وَلَكِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ بَعْضَ الْمَخْلُوقَاتِ وَسَائِطَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللهِ).
--------------
سيأتي ذكر المخلوقات -إن شاء الله تعالى- من ملائكة ومن أنبياء ومن صالحين... فيجعلونها وسائط بينهم وبين الله، ولكن لماذا جعلوا الوسائط؟ لسببين:
السبب الأول: لأنهم مشركون يقيسون الرب على ملوك الدنيا، فيقولون: إن الملك من ملوك الدنيا لا تستطيع الوصول إليه مباشرة، بل لا بد أن تتعرف على بعض مَن يقتربون عنده من وزراء أو حواشي أو أصحابه أو جلسائه أو ندمائه... أو غيرهم، وهم يرفعون حاجتك إلى هذا الملك من ملوك الدنيا. قالوا: فكذلك الله، نحن لا نرفع حاجاتنا إليه -سبحانه وتعالى- وإنما نرفع حاجاتنا من خلال مَن هم مقربون عنده كالملائكة والأنبياء والصالحين... ونحوهم. فهذا هو السبب الأول.
السبب الثاني: أنهم يقولون: هؤلاء الذين اخترناهم كالملائكة والأنبياء والصالحين... لهم مقام، ولهم درجة عالية، ونحن نُذري بأنفسنا، ونحن أهل ذنوب ومعاصي؛ فلا نسأل مباشرة، وإنما نسأل من طريقهم.
وشرك الوسائط هذا من أكثر الشرك انتشارًا، فجعلوا هؤلاء الوسائط من المخلوقات بينهم وبين الله؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾([102]).
وحذر -تعالى- غاية التحذير من عدم دعائه، وبيَّن -سبحانه وتعالى- أن الاستكبار عن عبادته من سبل الهلاك، فقال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾([103]). فالعبادة في الآية هنا معناها: الدعاء، فأمر الله أن يُدعى؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ»([104]). لأن العبد غاية في الافتقار، والرب -سبحانه وتعالى- هو الغني الحميد، والأمور كلها بيديه، فإذا لم يسأل العبد المحتاج ربه الغني الحميد غضب الله -سبحانه وتعالى- عليه.
فشرك الوسائط يتناسب مع فهوم أهل الجاهلية الذين يقيسون الرب على خلقه -سبحانه وتعالى- فيقولون: هو مثل ملوك الدنيا، ولا نصل إليه مباشرة، ويتناسب مع تعظيمهم ومبالغتهم في المخلوقات برفعها إلى مقام الرب سبحانه وتعالى.
 
(يَقُولُونَ: نُرِيدُ مِنْهُمُ التَّقَرُّبَ إِلَى اللهِ، وَنُرِيدُ شَفَاعَتَهُمْ عِنْدَهُ).
--------------
ذكر -رحمه الله تعالى- مقصدهم من جعل الوسائط، ففي البداية ذكر أنهم يطلبون أن يقربوهم إلى الله، ودلَّ على ذلك قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾([105]). قال البغوي([106]) -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ﴾. قال: في الكلام حذف، وتقديره: يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى([107]). أي: هذه مقولتهم: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى.
والمتأخرون من المشركين عندهم نفس المقصد، لكنهم يعبرون عنه بالتوسل، ويريدون بالتوسل مفهومًا خاصًّا بهم، هو عين ما أراده المشركون المتقدمون، ويسمونه: التوسل بالصالحين، ويقولون: نحن لا نعبدهم، لكننا نتوسل بهم.
نقول: حدد لنا ما التوسل بالصالحين؟ وماذا تريد به؟
يقول: أن آتي عند قبره، وأحلق رأسي، وآكل من ترابه، وأدعوه، وأسجد...
نقول: هذا عين ما فعل المشركون، لكن بدلاً من أن تقول: إنني أعبدهم، قلت: أنا أتوسل بهم فقط. فتبقى الحقائق كما هي، والتغيير في الألفاظ لا يغير من الأمر شيئًا، كما ورد أنه يأتي في الأمة أناس يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها، فيسمون الخمر الآن مشروبات روحية... فإذا رُفِع إلى القاضي الشرعي مَن شرب مشروبات روحية بزعمه، فإنه يقيم عليه الحد ويفسقه، فإذا قال: أنا لم أشرب الخمر. يُقال: شربت الخمر، ولكن غيَّرت اسمها. فتبقى العبرة بالحقيقة، أما تغيير الاسم لا يغيِّر من الحقيقة شيئًا.
فكونهم يقولون: نحن نتوسل بالصالحين.
يُقال: لماذا التوسل بالصالحين؟ فإذا ذكروا ما ذكرناه، نقول: هذا عين ما فعله المشركون، لكن بدلاً من أن تقولوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا، قلتم: إننا نتوسل بهم فقط.
والتوسل لا شك أن مَنه ما هو توسل شرعي، مثل: التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، ومثل: التوسل بصالح العمل... قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا﴾([108]). فذكروا إيمانهم، ورتبوا عليه الدعاء بالمغفرة.
ومنه حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار، وسألوا الله بصالح أعمالهم([109])، فأخذوا هذه الكلمة التي تحتمل هذه المعاني، وسموا شركهم بالتوسل، وهذا لا يغيِّر من الحقيقة شيئًا.
فقوله -رحمه الله: (يَقُولُونَ: نُرِيدُ مِنْهُمُ التَّقَرُّبَ إِلَى اللهِ). هذا هو المقصد الأول، ودل عليه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾([110]).
ثم قال -رحمه الله- مبينًا المقصد الثاني لهم: (وَنُرِيدُ الشَّفَاعَةَ عِنْدَهُ). ودلَّ على طلب الشفاعة قوله تعالى: ﴿وَيعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ﴾([111]).
فلاحظ في الآيتين أن الله سمى ما فعلوا عبادة، فقال عنهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا﴾. وقال في الآية الثانية: ﴿وَيعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ﴾؛ لأن حقيقة ما صنعوه هو أنهم عبدوا غير الله؛ ففي الآية الأولى طلبوا التقرب، وفي الآية الثانية طلبوا الشفاعة، وعبادتهم -كما قلنا- هي ما ذكرناه من الدعاء والذبح والنذر... ونحوه مما كانوا يفعلونه في الجاهلية، ومما قد يطلق عليه المتأخرون اسم التوسل أو أي اسم آخر.
إذ العبرة بالمضمون وبالحقيقة التي رُبط بها الحكم الشرعي، فأما مجرد تغيير الاسم فإنه لا يغيِّر من الحقيقة شيئًا.
 
(يَقُولُونَ: نُرِيدُ مِنْهُمُ التَّقَرُّبَ إِلَى اللهِ، وَنُرِيدُ شَفَاعَتَهُمْ عِنْدَهُ؛ مِثْلَ: الْمَلائِكَةِ، وَعِيسَى، وَمَرْيَمَ، وَأُنَاسٍ غَيرِهِمْ مِنَ الصَّالِحِينَ).
--------------
ذكر -رحمه الله- بعض أصناف مَن يتقربون لهم، فذكر من الأصناف الملائكة، وذكر من الأصناف الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وذكر أيضًا الصالحين، فقال: (مِثْلَ: المَلائِكَةِ وَعِيسَى وَأُنَاسٍ مِنَ الصَّالحِينَ). وعيسى من الأنبياء، وسيأتي -بإذن الله- الكلام عن هذه الفقرة مدلَّلاً عليها لاحقًا.
 
(فَبَعَثَ اللهُ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُجَدِّدُ لَهُمْ دِينَ أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ).
--------------
دين إبراهيم أبيه، وبعض الناس يقول: أبيهم؛ لأن إبراهيم -عليه السلام- هو أبوهم، فهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
بعث الله محمدًا يجدد هذه الملة الحنيفية التي أمرنا باتباعها، فمحمد -صلى الله عليه وسلم- أُمر بأن يتبع ملة إبراهيم، قال تعالى: ﴿أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾([112]).
وقد تقدم في الذكر السابق أنك تقول في الصباح: «أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلامِ، وَكَلِمَةِ الإِخْلاصِ، وَدِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا، وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»([113]).
فمحمد -صلى الله عليه وسلم- في جانب التوحيد جدَّد لهم ما كان عليه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام.
 
(فَبَعَثَ اللهُ إِلَيْهِمْ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُجَدِّدُ لَهُمْ دِينَ أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ هَذَا التَّقَرُّبَ وَالاعْتِقَادَ مَحْضُ حَقِّ اللهِ).
--------------
محض حق الله؛ لأنه عين العبادة، فهذا التقرب الذي يتقربون به لغير الله -عز وجل- وهذا الاعتقاد الذي اعتقدوه في هؤلاء المعبودين هو محض حق لله؛ لأنه هو العبادة، وحق الله كما في حديث معاذ([114]): «أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟». فلما جاء ذكر حق الله، قال: «حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»([115]). فهذا الذي يفعلونه هو حق لله؛ ولهذا سمى ما فعلوه شركًا.
 
(لا يَصْلُحُ مِنْهُ شَيْءٌ لِغَيْرِ اللهِ؛ لا لِمَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلا لِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ؛ فَضْلاً عَنْ غَيْرِهِمَا).
--------------
خص -رحمه الله تعالى- الملك المقرب والنبي المرسل لهذه الغاية، فقال: (لا يَصْلُحُ مِنْهُ شَيْءٌ لِغَيْرِ اللهِ)، لا لملك من الملائكة، حتى ولو كان مقربًا من المقربين مثل: جبريل، ولا لنبي مرسل؛ لأن الرسل هم أفضل الأنبياء، فقد يكون نبيًّا ولا يكون رسولاً بالرسالة العامة، وإذا كان رسولاً فلا بد أن يكون نبيًّا، فيكون رسولاً نبيًّا، فخص هؤلاء؛ لأن من الناس مَن يقول: هؤلاء الملائكة الذين ذكر الله عنهم ما ذكر من أنهم: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ﴾([116]). ﴿لاَ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾([117]).
نقول: إذا نُهِيت أن تعبد هؤلاء، فغيرهم من باب أولى، فالملائكة والأنبياء إذا نُهِيَ عن عبادتهم -كما سيأتي إن شاء الله في الآيات التي ستذكر لاحقًا- فغيرهم من باب أولى؛ ولهذا قال: (لا لملكٍ مقربٍ ولا لنبيٍّ مرسلٍ، فضلاً عن غيرِهِما).
 
(وَإِلاَّ؛ فَهَؤُلاَءِ الْمُشْرِكُونَ مُقِرُّونَ، يَشهَدُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّهُ لا يَرزُقُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُحْيِي إِلاَّ هُوَ، وَلا يُمِيتُ إِلاَّ هُوَ، وَلا يُدَبِّرُ الأَمْرَ إِلاَّ هُوَ، وَأَنَّ جَمِيعَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَالأَرَاضِينَ السَّبعِ وَمَنْ فِيهَا كُلَّهُمْ عَبِيدُهُ، وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ وَقَهْرِهِ).
--------------
ذكر -رحمه الله تعالى- في هذا الموضع أن المشركين يشهدون أن الله تعالى هو الخالق، وأنه هو الرازق، وأن كل شيء فهو تحت تصرفه تعالى وتحت قهره، ولا يخرج شيء عن قهره تعالى وعن قَدَرِه؛ ولهذا كانوا يقرون بالقدر، لماذا؟ لأن القدر يدخل في الربوبية، فكانوا يقرون بالقدر، فالشيء المرتبط بالربوبية يقرون به، وسيأتي تفصيل هذه المسألة إن شاء الله تعالى.
فهم يشهدون أن الله هو الخالق، وأنه هو الرازق، وأن كل شيء يدخل تحت ملكه وتحت قهره، بما في ذلك أصنامهم، فالأصنام التي كانوا يعبدونها كانوا يقرون أنها ملك لله؛ ولهذا كانوا يقولون -كما في صحيح مسلم في طوافهم: لبيك لا شريك لك. فيقول عليه الصلاة والسلام: «قَدْ قَدْ»([118]). أي: حسبكم، فهذا هو التوحيد. فلو وقفوا وقالوا: لبيك لا شريك لك. لكان هذا توحيدًا.
ولهذا في حديث جابر([119]) الطويل في صفة الحج، يقول: فأهَلَّ -صلى الله عليه وسلم- بالتوحيد. لبيك لا شريك لك([120])، لكنهم كانوا يواصلون فيقولون: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا.. ثم يقولون: هو لك، تملكه وما ملك.
ولهذا فالمصنف -رحمه الله تعالى- يقول: إنهم يعتقدون أن كل شيء تحت تدبيره تعالى وقهره، ولا شك في هذا، فالمعبودات التي كانوا يعبدونها كانوا يعتقدون أنها ملك لله، والله يملكها وهي تحت قهره تعالى، فما كانوا يصنعون الصنم من أحجار، ثم يقولون: هذا الصنم يدبر السماوات والأرض، وبيده ملكوت السماوات والأرض... لم يقولوا هذا.
ولهذا جاء عن عمر -رضي الله عنه- أنه ربما صنع الصنم من تمر ثم أكله إذا جاع؛ لأنهم يعلمون أن هذه الأصنام التي نحتوها بأيديهم يستحيل بعد أن صنعوها بأيديهم أن تكون هي التي تدبر السماوات والأرض، فيقولون: إنها مملوكة لله تعالى.
فذكروا أن هذه الأصنام تنحت -في زعمهم- على صور مَن يتقربون إليهم، فيزعمون أن هذا الملك الذي يتقربون إليه ولا يستطيعون الوصول إليه يرضى منهم أن ينحتوا صنمًا على شكله -في زعمهم- وعلى هيئته، فإذا أرادوا عبادة الملك ليقربهم إلى الله في حاجة من حاجاتهم فلا يجدون هذا الملك، فيأتون عند الصنم الممثل على ذلك الملك -في زعمهم- فيتقربون إليه؛ ولهذا يزعمون أنهم يتقربون إلى الملائكة من خلال الصور التي نحتوها كأنها هي الملائكة -عليهم الصلاة والسلام- وهكذا المعظمون للآخرين في زعمهم.
فهذه خرافات وخزعبلات للمشركين، وهذا أمر مفروغ منه، لكن هذا حقيقة حالهم أنهم لم يكونوا يعتقدون أن هذه الأصنام تخلق وترزق وتحيي وتميت وتدبر الأمر، ومن قال هذا فقد افترى ولم يصدق -كما سيأتي في الآيات؛ لأنهم يعتقدون أن الذي يخلق ويرزق هو الله، وقد يكون عندهم -كما سيأتي- شيء من الشرك بها؛ من حيث اعتقاد أن لها قدرة معينة جُعلت فيها، كما يعتقدون مثلاً في النجوم أنها هي التي تتصرف في الأمطار، لكن ينبغي أن تعرف أن هذا وفق هذا الاعتقاد عندهم، وهو أن أمر الخلق والرزق والتدبير أنه بيد الله -سبحانه وتعالى- كما سيأتي في الآيات.
فإذا وجد شيء من شركهم من جهة النجوم... ونحوها، أو الشرك المتعلق عندهم بالذات بالطيرة... ونحوها، فلا يخرج عن هذا الأصل لا يعتقدون أن لله شريكًا يساميه في خلقه وتدبيره، وأن الأمور تكون على يده دون الله، وهذا غير موجود عندهم بلا أدنى شك، وسيأتي الدليل على هذا إن شاء الله.
 
(فَإِذَا أَرَدْتَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ هَؤُلاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَشْهَدُونَ للهِ هَذِهِ الشَّهَادَةَ؛ فَاقْرَأْ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾([121]). وَقَوْلَهُ: ﴿قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾([122])).
--------------
ذكر -رحمه الله- هاتين الآيتين، وذكر في غير هذا الكتاب آيات أخرى، وهذه الآية الجامعة الشاملة في سورة المؤمنون، وهي قول الله: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾. فقال لهم الله: ومَن يدبر الأمر كله؟ فسيقولون: الله.
ففي الآية ذكر الرزق، وذكر ملك السمع والأبصار، وذكر إخراج الحي من الميت، وإخراج الميت من الحي، وذكر الأمر الجامع وهو تدبير الأمر، وهم لا يذكرون أحدًا إلا الله وحده لا شريك له، فسيقولون: الله. ولهذا في الآية الأخرى في سورة المؤمنون يقول تعالى: ﴿قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾([123]). أي: مَن يملكها ويملك ما فيها؟ إنه الله سبحانه وتعالى. ﴿قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾([124]). ﴿قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾([125]). وملكوت على صيغة: فعلوت، من الملك، وهي صيغة مبالغة، مثل: رهبوت، مبالغة من الملك. أي: مَن الذي بيده الملكوت؟ مَن الذي بيده الملك؟ إنه الله سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ﴾. أي: إذا أجار أحدًا سَلِم، ولكن إذا أراد أحدًا فيستحيل أن يُجار إذا طلبه الله تعالى، وما عندهم إلا جواب واحد، وهو أن الذي يدير كل هذه الأمور هو الله؛ ولهذا تأمل الآيات هذه وما ماثلها من الآيات، تجد أنها تُختم باستفهام استنكاري: ﴿فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾([126]). ﴿قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾([127]). ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾([128]). ﴿قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾([129]). فهذا الاستفهام للإنكار.
قال أهل العلم من المفسرين: إن الإنكار هنا مرده أن مَن أقر أن هذه الأمور لله فقد لزمه ألا يعبد إلا هو؛ ولهذا من أساليب القرآن الاستدلال بتوحيد الربوبية الذي أقروا به على التوحيد الذي جحدوه وهو توحيد العبادة، فإذا كنت تعتقد أن رزقك، وملك السمع والأبصار، وإخراج الحي من الميت، وإخراج الميت من الحي، وتدبير الأمر كله، وما في السماوات وما في الأرض، وأنه رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، وأنه الذي يملك الأرض وما فيها، والذي بيده الملكوت سبحانه، والذي يجير، والذي لا يجار عليه هو الله، فقد أقررت أن ما سواه عَبْدٌ؛ لأن المتصرف في كل هذا هو الله، فكيف يا عبد تعبد عبدًا مثلك؟! هذا وجه الإنكار في هذه الآيات.
فإذا كان ما سوى الله عبدًا، وكل شيء هو ملكه، فكيف تصرف العبادة إلى عبد مثلك؟! ولهذا جاء الاستفهام الإنكاري في مثل هذه المواطن إنكارًا عليهم، إذ كيف يعبدون غير الله تعالى، مع يقينهم بأن تصريف هذه الأمور إنما هو لله رب العالمين؟! ولهذا ختمت الآيات بالاستفهام الإنكاري.
 
(وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ).
--------------
الآيات كثيرة، وأحال -رحمه الله تعالى- إلى آيات كثيرة، ومنها آيات في القرآن استهلت بقوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾([130]). وقوله: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾([131]). وقوله: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾([132]). وقوله: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾([133]).
فلاحظ أن هذه الأمور كلها تعود إلى الرب وأفعاله -عز وجل- وما يتعلق بربوبيته، ولئن سألتهم: مَن خلقهم هم؟ يقولون: الله الذي خلقنا! ولئن سألتهم: مَن خلق السماوات والأرض؟ يجيبون: إنه الله! ولئن سألتهم: مَن الذي ينزل المطر من السماء فيحيي به الأرض من بعد موتها؟ فجوابهم في كل هذه الأمور واحد، والآيات في هذا كثيرة كثيرة، ولهذا تُختم بالإنكار.
ولهذا يقول أهل العلم: إن الله تعالى يعجب من فعلهم، أي: يبين أن فعلهم موضع عجب، وهو أن يقروا أن الله -عز وجل- هو الذي عنده هذه الأمور كلها سبحانه ثم يعبدون غيره، وهذا معنى الاستدلال على ما نفوه بما أثبتوه، فالذي نفوه هو توحيد العبادة، والذي أثبتوه هو توحيد الربوبية، فاستدل الله عليهم بالذي أثبتوه على الذي نفوه؛ ولهذا تنقطع حججهم ما داموا يقرون أن الله تعالى هو الخالق.
لكن لو أنهم إذا قيل لهم: مَن خلقكم؟ فقالوا: اللات والعزى. لكان الكلام معهم بأسلوب آخر. لكنهم يقولون: الذي خلقنا ويملكنا، ويملك اللات والعزى ومعبوداتنا هو الله تعالى.
وهذه مسائل في القرآن جلية واضحة لا تخفى؛ ولهذا أتت الرسل -صلى الله عليهم وسلم- لا لتناقشهم في هذه المسائل؛ لأنهم يقرون بها، وإنما لتستدل بهذه الأمور التي آمنوا بها على الأمر العظيم الذي نفوه؛ وهو إفراد الله تعالى بالعبادة.
 
(فَإِذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِهَذَا، وَأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُمْ فِي التَّوْحِيدِ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
--------------
هذا أيضًا قيد، ولما ذكرنا موضوع التوحيد، قلنا: إن بعض الناس قال: لماذا يقول الشيخ رحمه الله: (التَّوْحِيدُ هُوَ إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ)؟ فقيَّد وقال: لم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا الكلام هو في هذا النوع من التوحيد، أما موضوع الربوبية فهم لا شك -كما قلنا مرات- مقرون به، فإذا أقر أحد بالربوبية ولم يقر بتوحيد الله -عز وجل- فإنه يصدق عليه أنه مشرك، وهل يجتمع في العبد في وقت واحد شرك أكبر مع الإيمان؟
نعم، ودل على هذا القرآن، قال الله تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم باللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ﴾([134]). وهذه الآية ينبغي أن تستوقف طالب العلم، وتفسيرها: أن الله تعالى يخبر أن عندهم شيء من الإيمان مع الشرك.
ومن أحسن مَن تكلم في هذه الآية أبو جعفر محمد بن جرير الطبري([135]) -أجزل الله له المثوبة وغفر له- فقد أطال النَّفَس في هذا الموضع إطالة بيِّنَة، ونقل عن ثمانية من المفسرين، مثل: ابن عباس وقتادة([136]) ومجاهد([137]) وابن زيد([138]) -رحمهم الله- ما يبين هذه الآية([139])، وأن الإيمان الذي أقروا به يتعلق بالربوبية، وأن الشرك الذي نسبته إليهم الآية هو في العبادة؛ لهذا قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في هذه الآية فيما رواه ابن جرير، قال: إذا سُئِلوا مَن خلق السماء؟ مَن خلق الأرض؟ مَن خلق الجبال؟ قالوا: الله! وهم مشركون ([140]).
وهذا يصح في مشركي أهل الجاهلية ككفار قريش، فهل يُقال هذا في النصارى واليهود؟
نعم؛ لأنهم مشركون في الحقيقة؛ ولهذا قال ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضًا في هذه الآية: هم النصارى؛ يقرون لله -عز وجل- بالخلق والرزق، ولكن يسجدون لغيره تعالى؛([141]) لأن النصارى معروف عنهم أنهم يسجدون تعظيمًا لمعظميهم.
فذكر أن هذه الآية تصح أن يُقال: إنها شاملة لليهود والنصارى ومشركي أهل الجاهلية؛ لأن الجميع مشركون، ولهذا فإن هذا النوع من الإيمان لا ينفعهم جميعًا، الإيمان بالربوبية فقط لا ينفع؛ لأن مَن آتى بنوع من التوحيد ولم يأتِ ببقية الأنواع؛ فإنه لا ينفعه إقرار وإن سمى نفسه مؤمنًا.
فلا يصح أن يطلق على هذا أنه مؤمن ولو أقر بالربوبية، لكنه مشرك؛ لأن الشرك مأخوذ من الشركة، أي: أشرك بين الله وبين غيره، فلما جعل مع الله -عز وجل- شريكًا في مثل هذه الأمور، صح أنه مشرك؛ لأنه آمن بالله -عز وجل- من جهة، وكفر به من جهة؛ ولهذا جاءت في الآيات وصمهم بالكفر ووصمهم بالشرك، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾([142])، فوصمهم تعالى بالكفر.
ووصمهم تعالى بالشرك أيضًا، فقال: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ﴾([143]).
فإذا اتخذ أحد مع الله -عز وجل- ربًّا فهو مشرك؛ لذا قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([144]). فجعلهم مشركين، وقوله تعالى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾([145]).
فذكر الله -عز وجل- أن الجميع كفار، لكن جعل أهل الكتاب في نوع، وجعل المشركين في نوع، وهذا لا يتنافى مع بعضه، فهؤلاء أظهر في شركهم وأكثر وضوحًا، ولكن لا يعني ذلك أن أهل الكتاب لا يسمون مشركين، وإن كان بعض أهل العلم يقول: إنهم لا يطلق عليهم الشرك، وإنما يُطلق عليهم الكفر.
والجميع متفق على أنهم هالكون جميعًا، لكن هل يقال: إن هؤلاء مشركون؟ دلت الآية في سورة التوبة على أنهم مشركون؛ لأن الله ختم الآية بقوله: ﴿سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾. وهذه في اليهود والنصارى، فلا شك أنهم مشركون، ولا شك أنهم كفار، فيصح أن يطلق عليهم هذين الإطلاقين.
أما أن يقال: إنهم مؤمنون. فهذا ليس بصحيح مطلقًا؛ لأن مَن آمن بمجرد وجود الله، أو أن الله خالقه ورازقه، فلا يصح أن يقال: إنه مؤمن. وإلا لقيل: إن أبا جهل مؤمن، وإن أبا لهب مؤمن... لأنهم من الذين قال الله فيهم: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾([146]). فهم يؤمنون أن الله هو الخالق، وأن الله هو الرازق -كما تقدمت الآيات، ومع ذلك عاملهم النبي -صلى الله عليه وسلم- معاملة المشركين وقاتلهم، وهم بنو العم والعشيرة، وحكم بأنهم كفار، وأنهم هالكون، وأنهم من أهل النار، كل هذا فعله بهم -عليه الصلاة والسلام- لأنهم مشركون وكفار.
فالقول بأنهم مؤمنون قول عظيم الخطورة؛ لأن من أقله أن يقال -كما كتب بعض المتهوكين قاتلهم الله- قال: إنه ما وُجِد أصلاً شرك في جزيرة العرب، حتى في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم! وهذا كلام خطير جدًّا جدًّا؛ لأن معنى ذلك أن النبي -وحاشاه صلوات الله عليه وسلامه عليه- قد قتل المؤمنين، وحكم بأنهم في النار! وهم بنو عمه وعشيرته، وأقرب الناس إليه، وكانوا أولى ببره وإحسانه، فكيف يفعل بهم هذا؟!
وهذا من التَّهَوُّك والفوضى العظيمة التي ترتبت على كتابة مَن هب ودب دون علم ودون بصر، حتى قال فيما قاله أخزاه الله: لا يوجد شرك مطلقًا، لا زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يوجد شرك عند العرب! إذن لماذا قاتلهم النبي -صلى الله عليه وسلم؟
أتدري أن هذا يعني -عياذًا بالله- تخطئة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووصفه بالظلم! فلا شك أن الشرك وفهمه ومعرفته مترتبة على فهم التوحيد، فمَن لم يعرف التوحيد لن يعرف الشرك، ومَن لم يعرف الإيمان لم يعرف الكفر، فإذا وُجد عنده خلل في معنى التوحيد أو في معنى الإيمان، فلن يفهم شيئًا، ولن يفهم الكفر.
فالحاصل: أن قوله رحمه الله: (إِذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّهُمْ يُقِرُّونَ بِهَذِهِ الأُمُورِ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُمْ فِي التَّوحِيدِ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؛ أي أنهم لا ينتفعون ولا يستفيدون من هذا الإيمان الذي يزعمونه؛ لأنهم آمنوا بالذي اشتهوه فقط، فاشتهوا أن يؤمنوا بأن الله ربهم؛ لأن المسألة فطرية.
ولهذا قال بعض أهل العلم في معنى الفطرة: إذا سألت الإنسان: مَن خلقك؟ قال: الله. فهو مفطور على هذا، فالرسل أتت إليهم لتستدل عليهم بهذا الذي فُطِروا عليه، أما أن تأتي الرسل لتقول لهم: أقروا أن الله ربكم. فإنهم يقولون: نحن مقرون، وآباؤنا من قبل، فكيف تدعوننا لشيء قد أقررنا به؟!
ولهذا سيأتي -إن شاء الله- عند الكلام على قوله تعالى: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾([147]). ما يدل على أنهم قد ردوا هذه الكلمة رَدَّ العارف بمعناها.
 
(فَإِذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّهُمْ مُقِرُّونَ بِهَذَا، وَأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُمْ فِي التَّوْحِيدِ الَّذِي دَعَاهُمْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَرَفْتَ أَنَّ التَّوْحِيدَ الَّذِي جَحَدُوهُ هُوَ تَوحِيدُ الْعِبَادَةِ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْمُشْرِكُونَ فِي زَمَانِنَا: الاعْتِقَادَ).
--------------
من قَلْب القلوب -عياذًا بالله- أن يُجعل الشرك توحيدًا، وأن يجعل التوحيد سيئة! فيجعلون هذه الشركيات التي يعتقدونها في هؤلاء الذين يعظمونهم من الأحجار ومن الأوثان ومن الصالحين ومن القبور... وغيرها، يقولون: هذا الاعتقاد هو الذي ينجو به العبد. والاعتقاد مِن: اعتقد الأمر يعتقده اعتقادًا، إذا عقد عليه القلب، فسموا شركهم: اعتقادًا.
ونبه شيخ الإسلام -رحمه الله- إلى أن من طرائق أهل الضلال أن يجعلوا ما يبتدعونه تحت اسم، مثل: أصول الدين. فإذا خالف أحد بدعتهم يقولون: هذا خالف أصول الدين! حتى يعظموا مخالفته في نظرهم، وما جعلوه أصولاً للدين هي بدع وضلالات أطلقوا عليها هذا الاسم من تلقاء أنفسهم، وليست من أصول الدين في قليل ولا كثير؛ لأن أصول الدين لا تكون إلا من خلال الدين نفسه، فأتوا إلى هذه البدع التي ابتدعوها واخترعوها، وسموها: أصول الدين. من تلقاء أنفسهم.
 
(كَمَا كَانُوا يَدْعُونَ اللهَ سُبحَانَهُ لَيْلاً وَنَهَارًا، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو الْمَلائِكَةَ لأَجْلِ صَلاحِهِمْ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللهِ؛ لِيَشْفَعُوا لَهُ، أَو يَدْعُو رَجُلاً صَالِحًا مِثْلَ اللاَّتِ، أَو نَبِيًّا مِثْلَ عِيسَى).
--------------
أراد الشيخ -رحمه الله- في هذا الموضع الذي ذكره في المواضع الأربع الرد على مَن زعم أن المشركين الأولين إنما يعبدون الأصنام، وهذا سيأتي الكلام عنه عند الشُّبَه؛ لأن الشبه التي أوردها -رحمه الله تعالى- وناقشها -كما سيأتي لاحقًا- بضع عشرة شبهة، وذكرها مفصلة، فيذكر -رحمه الله تعالى- أنهم يقولون: نحن نعبد الصالحين، ونتقرب إليهم، والمشركون الأولون لم يعبدوا الصالحين ولا الملائكة ولا الأنبياء، بل كانوا يعبدون الأصنام ويعبدون الأحجار، فالذي يعبد الأحجار ليس مثل الذي يعبد الملائكة، فأين الملك من الحجر؟! وأين الصالح من الحجر؟!... هكذا يريدون أن يجعلوا المسألة، فأراد -رحمه الله- أن يبين أن المشركين الأولين منهم مَن كان يعبد الملائكة ويدعوهم من دون الله، ومنهم من كان يدعو الأنبياء، ومنهم من كان يدعو الصالحين.
وقد ذكر الله تعالى عبادة الملائكة في قوله: ﴿وَيوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ﴾([148]). وذلك لأنهم أمروهم بعبادة الملائكة، فكانوا يعبدون الملائكة ويزعمون أن الملائكة بنات الله أخزاهم الله.
فذكر -تبارك وتعالى- عبادة الملائكة، وأن منهم مَن يعبد الملائكة، فمَن قال: إنهم لا يعبدون إلا الله -سبحانه وتعالى. غير صحيح، بل كانوا يعبدون الملائكة.
وذكر تعالى عبادتهم للأنبياء، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ﴾([149]).
فذكر تعالى أن منهم مَن يدعو ويعبد الأنبياء، والنصارى كفرهم أتى من جهة أنهم قالوا في عيسى -عليه السلام- القول العظيم -عياذًا بالله- وأن عيسى -عليه الصلاة والسلام- ابن الله، أو الله، أو ثالث ثلاثة. فعظموا عيسى -عليه الصلاة والسلام- ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ»؛ لأنهم أخرجوه عن نطاق العبودية وعبدوه، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ»([150]).
فحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمة من أن تفعل كما فعلت النصارى؛ لأنهم أخرجوا عيسى -عليه الصلاة والسلام- عن نطاق العبودية، وجعلوه معبودًا.
فحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من هذا؛ ولهذا ذكر الله -عز وجل- النهي عن عبادة الملائكة والأنبياء معًا، وبيَّن أن عبادة الأنبياء والملائكة كفر، فقال تعالى: ﴿وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾([151]).
فدل على أن عبادة الملائكة كفر، وعلى أن عبادة الأنبياء كفر؛ لأن الشرك إذا وقع بأن صرفت العبادة لغير الله، فإنه لا يؤبه ولا ينظر إلى الذي أشرك به، فلا يقال: الذي يعبد الشجر والحجر هذا مشرك، لكن لا تقارنه بالذي يعبد عيسى! بل كلهم مشركون؛ لأنهم صرفوا العبادة لغير الله، فإذا صرفت العبادة لغير الله تعالى تحقق الشرك؛ لأن كلَّ من في السماوات ومن في الأرض عبيد لله -عز وجل- مهما علت رتبتهم.
وأعظم بني آدم على الإطلاق مكانة هو محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- ولهذا قال: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ». ثم قال: «وَلا فَخْرَ»([152]). أي: أنا لا أفخر، ولكن أخبركم بواقع الحال، وهو أنه خير بني آدم -عليه الصلاة والسلام- ومع ذلك سماه الله عبدًا، فقال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾([153]). وقال: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾([154]). ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ﴾([155]). وذلك حتى يُعلم أن الجميع عبيد لله تعالى.
وعن أنس([156]) أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم: يا سيدنا وابن سيدنا، ويا خيرنا وابن خيرنا. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ قُولُوا بِقَوْلِكُمْ وَلا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولُ اللهِ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَا رَفَعَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلًَّ»([157]).
فمنزلته أنه عبد الله ورسوله، فلا يُبَالغ فيه هذه المبالغة، وكان يأبى -عليه الصلاة والسلام- ما هو أقل من الموجود في حقه من المبالغات، فأبى -عليه الصلاة والسلام- أن يُرفع فوق قدره؛ لأنه أتى أصلاً لمحو الشرك، وفعل ذلك -صلى الله عليه وسلم- لا أن يكون مقرًّا لهذه الشركيات.
ولهذا دعا -عليه الصلاة والسلام- ربه فقال: «اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ»([158]). وكان ينازع الموت -عليه الصلاة والسلام- وكان قد شُدد عليه -صلوات الله وسلامه عليه- في الوعك والموت؛ لأن أجره كأجر اثنين -صلى الله عليه وسلم- وكان معه خميصة -كساؤه الأعلى- فكان يضعه على وجهه من شدة النزع، فإذا اغتم بها واشتد عليه أمر النَّفَس كشفها، وقال وهو يموت صلى الله عليه وسلم: «لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». قالت عائشة في بقية الحديث: يُحَذِّرُ ما صنعوا([159]). أي: يحذر أن يُصنع به مثلما فعلت اليهود والنصارى.
فهل أحد أبلغ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في البيان والوضوح؟! وهو يموت يحذر الأمة -صلى الله عليه وسلم- وقبل أن يموت حذر الأمة من أن يتخذوا قبره مسجدًا -صلوات الله وسلامه عليه- فبلَّغ البلاغ المبين، وأبرأ ذمته -صلى الله عليه وسلم- وقطع المعذرة.
فكون الناس يبالغون فهذا ذنبهم هم، أما هو -صلى الله عليه وسلم- فقد أبان الحق، فإن أبى المشركون إلا عبادته فهذا صنيعهم الخبيث، فقد صنعوه مع غيره ممن قبله، فهم الملومون، أما هو -صلوات الله وسلامه عليه- فقد أدى ما  عليه. ولا عجب في ذلك؛ فقد عُبِد غيره، فعُبِد عيسى -صلوات الله وسلامه عليه- وقد تبرأ من عابديه بين يدي رب العالمين يوم القيامة. فعبادة الأنبياء أو الملائكة موجودة، وهكذا عبادة الصالحين.
وقد وردت عبادة الصالحين في قوله تعالى في سورة الإسراء: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾([160]). أي أن هؤلاء الذين يدعون من دون الله أسلموا، وصاروا يبتغون إلى ربهم الوسيلة، ويرجون رحمته، ويخافون عذابه، والمشركون يشركون به؛ ولهذا قال ابن مسعود -رضي الله عنه- كما في البخاري: إن هذه الآية نزلت في نفر من الجن أسلموا، وكان المشركون في الجاهلية يعبدونهم من دون الله، فأسلم الجن وبقي المشركون يعبدونهم([161]).
فنبه الله -عز وجل- في الآية أن أولئك الذين يدعون ممن كانوا يدعونهم في الجاهلية قد أسلموا وصاروا صالحين، والدليل على أنهم صالحون بقية الآية، قال تعالى: ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيخَافُونَ عَذَابَهُ﴾([162]). أي: صار عندهم خوف ورجاء، ويتقربون إلى الله؛ فهم من الصالحين، وبقي هؤلاء المشركون من مشركي الإنس يعبدونهم ولا يشعرون أنهم أسلموا.
ومن عبادة الصالحين: عبادة مريم، فإن مريم ذكرها الله -عز وجل- بأنها صِدِّيقة، وهي لا شك مؤمنة قانتة حافظة لفرجها، وهي من الصالحات بلا شك، وهي تُعبَد إلى يومنا، فمن يقول: إن عبادة الصالحين غير موجودة؟!
وقال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى﴾([163]).
في البخاري قال ابن عباس: اللات رجل صالح، كان يَلُتُّ سويق الحاج. وفي بعض القراءات: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَّ﴾. بتشديد التاء؛ لأنه كان يلت السويق؛ فهو من الصالحين في نظرهم، فلما مات عكفوا على قبره.
وأراد الشيخ -رحمه لله- بهذا الكلام أن يبين أن عبادة الصالحين كانت موجودة.
وقد نبه الإمام الجليل الشافعي -رحمه الله تعالى- في كتابه "الرسالة" في موضع نفيس جدًّا إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما خرج على الناس وهم على معتقدات شتى؛ فالقسم الأول: هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى. والقسم الثاني: مَن يعبدون غير الله، بأنواع العبادات. فجعل الشافعي -رحمه الله- جميع المشركين كلهم في قسم، ولم يختلف منهم مَن يعبد النبي، أو الذي يعبد الملك، أو الذي يعبد الحجر، أو الذي يعبد الصالح، أو الذي يعبد الشجر، أو الذي يعبد الكوكب... جعلهم جميعًا مشركين، وهذا من واقع الحال([164]).
فإذا وقعت عبادة غير الله بأي شكل كانت؛ فإن هذا هو الشرك المحض؛ ولهذا قال: القسم الأول: مَن كانوا من أهل الوثنية. والقسم الثاني: مَن كانوا من أهل الكتاب من اليهود والنصارى.

السؤال:
يقول الأخ: هل سجود التحية شرك أكبر أم شرك أصغر؟ فإذا كان أحدهما، فقد قررنا أن عقيدة الأنبياء واحدة، فلماذا جاز في شريعة دون أخرى؟
الجواب:
هذه المسألة ينبغي أن تُضبط؛ لأن بعض الناس يقول: إن يوسف -وهو نبي من أنبياء الله- قد سجد له يعقوب -وهو نبي من أنبياء الله، فلماذا يكون السجود شركًا في شريعة النبي -صلى الله عليه وسلم؟  ولماذا يمنع النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذًا أن يسجد له ونهاه، وكان في السابق موجودًا؟! بل لماذا أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم؟!
فيقال: شرك السجود بأن يُسجد لغير الله عبادة، وهذا عند جميع الأنبياء شرك مخرج من الملة بلا أدنى ريب، ولا تختلف في هذا الشرائع. أما السجود: فنص القرآن على أن الذي وقع لآدم كان على سبيل التكريم وليس عبادة، قال تعالى عن إبليس: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾([165]).
فسجود العبادة عند الجميع شرك؛ لأن الناس يسجدون لله -عز وجل- عبادة، لكن في الشرائع قبل ذلك كان يُباح أن يُسجد لغير الله على سبيل التحية، وإن كان بعض أهل العلم قال: إن السجود السابق لم يكن سجودًا بمعنى وضع الجبهة على الأرض، وإنما المراد به: مجرد الانحناء. وهذا اختاره بعضهم، فقال: ولم يكن السجود الذي هو وضع الجبهة على الأرض.
وأيًّا كان الأمر، فما دام على سبيل التحية فقط، فإنه لا يمكن أن يقال: إنه شرك، لكن في هذه الشريعة جاءت الشريعة الكاملة بمنع الانحناء، حتى مجرد الانحناء أثناء لقاء أي أحد، فضلاً عن السجود.
إذن الذي يجتمع عليه جميع الأنبياء: المنع من سجود العبادة، وهذا مفروغ منه، لكن في شرائع قبله كان هناك نوع من التكريم، وهو السجود، كما أنه قد يوجد أن تأتي إلى رجل فتقبل بين عينيه، فهذا من التكريم.
السؤال:
ذكرتم أن الأصنام ستعبد في جزيرة العرب، فكيف بحديث: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ؟»([166]).
الجواب:
هذا الحديث صحيح، وقد أجاب عنه أهل العلم بما يجمعه من بقية الأحاديث؛ لأنه ينبغي أن تجمع الأحاديث، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن الشيطان قد يَئِس، قال أهل العلم -وهو من أقوى الوجوه: إن المراد: أن الشيطان قد يئس أن يعبده أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كان ورد: «الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ». وذلك لأن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- قد أحسن تربيتهم، وهم من أعظم الناس إيمانًا بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر عن يأس الشيطان، وليس إخباره عن يأس الشيطان دليل على أنه لا يقع.
قالوا: والدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللاَّتُ وَالْعُزَّى»([167]). وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- قوله: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ»([168]). ومعنى الأليات أي: المقاعد، ففي أثناء الطواف حين يطوف الناس تصطك إلية هذا بإلية هذا، يعني أنهم يطوفون.
وكذا إخباره-عليه الصلاة والسلام- في آخر الزمان، بأن الأصنام ستُعبد، وهكذا قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ حَيٌّ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ»([169]). فكيف نترك هذه الأحاديث الصحيحة الثابتة؟!
بل يقال: يجمع بين هذا الحديث -بما ذكرناه- وبين الأحاديث الأخرى: بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- إما أنه يتحدث عن الصحابة فيخبرهم بالفعل، ولا يمكن أن يوجد في الصحابة مشرك قطعًا، بل لم يوجد بين الصحابة بدعة واحدة، فلا يقال: إن في الصحابة خارجي. ولا إن في الصحابة قدري. فلم يكن فيهم -رضي الله عنهم- أحد عنده هذا الابتداع، فضلاً عن أن يكون عنده شرك.
أما وقوع الشرك، ففي زمن عليٍّ -رضي الله عنه- أتى السبئيون ودعوه من دون الله، وقالوا: أنت ربنا. وفي البخاري أن عليًّا -رضي الله عنه- أتى بقوم من الزنادقة فأحرقهم، ([170]) وبسند حسنه الحافظ: أن هؤلاء أتوا إلى علي -رضي الله عنه- لما خرج إلى الصلاة، فقالوا: أنت ربنا. فقال: ويحكم أنا عبد، أمرض وآكل وأشرب! وظن أن موعظته -رضي الله عنه- كافية، فذهب إلى المسجد، وظن أن الأمر انتهى، فلما أتى قيل له: إنهم عند الباب. فقال: ويحكم، وما تقولون؟! قالوا: نقول: إنك ربنا. فخرج إليهم وقال: إن لم تعودوا لأقتلنكم قتلة ما قتلها أحد. أو كما قال -رضي الله عنه- فأبوا، فخد الأخاديد -رضي الله عنه- وهذا أمر معروف وثابت عنه، وأضرم النار، وقال: إما أن تعودوا، وإما أن أقذفكم فيها. فرفضوا -عياذًا بالله- فرماهم فيها([171]).
فهل يقول قائل: إن هؤلاء ليسوا بمشركين؟! وعلي -رضي الله عنه- أحرقهم حرقًا، وهم يقولون له: أنت ربنا. فلا يقال: إن الشرك لا يقع مطلقًا. بل الشرك يقع.
ولهذا فالشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وضع بابًا بعنوان: باب ما جاء في بعض هذه الأمة، ذكر البخاري قبله -رحمه الله: باب تغير الزمان حتى تُعبد الأوثان. في الصحيح، في كتاب الفتن، وذكر حديث: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ»([172]).
وهكذا الباب الذي وضعه الإمام الشيخ محمد -رحمه الله تعالى- أن الشرك يقع في هذه الأمة، وذكر العديد من الأدلة؛ من ضمنها هذا الحديث، ومن ضمنها حديث ([173])ثوبان وغيره([174]).

السؤال:
يقول البعض: إن الأصنام التي تكسر هي التي يُخشى من عبادتها، والدليل أن الصحابة لما فتحوا البلدان لم يكسروا الأصنام، والدليل أنها موجودة حتى الآن.
الجواب:
تريدهم أن يكسروا أصنام مصر يا أخي! تريدهم أن يكسروا تلك الأصنام التي لا يمكن أن تُحَطَّم بالفؤوس! فهؤلاء الذين يقولون: إن الصحابة لم يكسروا الأوثان، يستدلون بالموجودة الآن في مصر، فهذه جبال، ولو ظلوا يكسرونها بفؤوسهم الأيام المتوالية، بل السنين المتوالية ما استطاعوا.
فالمقصود: أن الشيء الذي باليد يقدر عليه، ولهذا قلنا: إن ذي الخلصة الموجود في جزيرة العرب في الجنوب، كسره أتباع الشيخ محمد -رحمه الله- في القرن الثاني عشر بالفؤوس، ولم يتمكنوا من إكماله إلا لما أتت الآلات الحديثة، فأُكمل تدميره بالديناميت.
السؤال:
يسأل عن سب الصحابة؟
الجواب:
سب الصحابة -رضي الله عنهم- بلية عظيمة، والواقع فيها لا شك أنه قد وقع في خلاف جلي صريح للقرآن الذي فيه الثناء الجلي على الصحابة -رضي الله عنهم- فساب الصحابة ومكفرهم لا شك أنه مضاد للقرآن مضادة صريحة، هذا أمر مفروغ منه.
السؤال:
يسأل عن الألعاب التي تكون على شكل دب أو إنسان؟
الجواب:
تكلم أهل العلم عما يُسمى: بألعاب الأطفال، هل فيها شيء؟ فمنهم من رأى الترخيص فيها؛ لأن عائشة -رضي الله عنها- كان عندها شيء من هذا وهي صغيرة، فكان عندها خيل لها أجنحة، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقره وابتسم وقال: «مَا هَذَا؟». قالت: خيل. قال: «وَمَا هَذِهِ الأَجْنِحَةُ؟!». قالت: أما علمت أن سليمان كانت له خيل لها أجنحة. فتبسم -صلى الله عليه سلم- من كلامها([175]).
قالوا: إن إقرار النبي -صلى الله عليه وسلم- لها يدل على أن الأطفال وضعهم خاص، ومنهم من قال: بل الأدلة تدل على عموم النهي، وهذا كان في البداية. فينبغي الحذر، فإذا وجدت ألعاب يمكن أن تُزال الرؤوس منها، وتبقى الألعاب بدون هذه الرؤوس.
السؤال:
هل مراد المشركين بالشفاعة: الشفاعة في الآخرة؟
الجواب:
الذي يظهر -والله أعلم- أنهم يقصدون شفاعة الأوثان، وشفاعة المعبودات في حاجاتهم؛ لأنهم لم يكونوا يقرون بالآخرة، والمشركون على نوعين: النوع الأكثر والأغلب: الذين يجحدون الآخرة. والقلة منهم: مَن كانوا يقرون بالآخرة. كما قال زهير([176]):
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر *** ليوم الحساب أو يعجل فينتقم
فكان منهم مَن يؤمن بالآخرة، لكن الأكثر منهم على عدم الإيمان بالآخرة؛ ولهذا قيل: إن الشفاعة المقصودة شفاعة الدنيا لا الآخرة.
السؤال:
كيف يقول كفار قريش: إن الذين ندعوهم لعبادة الأصنام هو طلب الشفاعة منهم عند الله، وهم لا يؤمنون باليوم الآخر أصلاً؟
الجواب:
الذي لا يؤمن باليوم الآخر منهم يقصد بشفاعتهم: شفاعتهم في الأمور الدنيوية؛ كالرزق والمطر والأولاد... ونحوها، والذي يقصد بالشفاعة في الآخرة قد يقول هي الشفاعة الأخروية.
السؤال:
هل كل الكفار مشركون؟
الجواب:
يمكن أن يطلق على الكافر أنه مشرك، ويطلق على المشرك أنه كافر، أي: كافر من جهة أنه جعل مع الله شريكًا فكفر، ومشرك من جهة أنه لو لم يكن منه إلا طاعة الشيطان، وطاعة الشيطان عبادة، قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾([177]).
السؤال:
يسأل عن قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- لماذا هو في المسجد؟
الجواب:
هذا ليس اليوم يا أخي، ولماذا هو اليوم في المسجد؟ لما أتت التوسعة في زمن الوليد بن عبد الملك بن مروان([178]) -رضي الله عنه- أدخل حجرات النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن ضمنها حجرة عائشة، وكان فيها قبره -عليه الصلاة والسلام- ولهذا اعترض مَن اعترض من التابعين، ومنهم خبيب بن عبد الله بن الزبير([179]) الذي أُقيم في البرد حتى مات -رضي الله عنه وعفا عنه- فإنهم أَبَوْا أن تُدخل الحجرات، وأن تهدم حجرات أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا الفعل منه -رضي الله عنه- أراد به التوسعة.
ولاحظ أن التوسعة من قبل عثمان -رضي الله عنه- تجنب أن يدخل فيها الحجرات. فهذا لم يكن من فعل الصحابة -رضي الله عنهم- بل دُفن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجرة عائشة؛ ولهذا قالت -كما في الصحيح: ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خُشي أن يُتخذ مسجدًا([180]). فالنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يدفن في البقيع، بل دفن حيث مات -صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيح أن عمر -رضي الله عنه- لما طعن، استأذن عائشة أن يدفن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ومع أبي بكر، ولماذا يستأذن عائشة؟ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- دفن في حجرتها، فقالت -رضي الله عنها: كنت أريده لنفسي -تعني: هذا الموضع- ولأوثرنه به اليوم على نفسي([181]). وهذا في البخاري.
فلما جاءت التوسعة زمن الوليد أدخل هذه الحجرات، فظن بعض الناس أن هذا القبر أدخله الصحابة، ومستحيل أن يفعل ذلك الصحابة بعد نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم قبل أن يموت.
السؤال:
يوجد في بلادنا تماثيل وجدت، ويزورها الناس كل عيد، فهل تجوز هذه الزيارة؟
الجواب:
قطعًا لا تجوز زيارة هذه التماثيل؛ لأنها مقاربة لأهل الشرك، وإذا قلت لهم: إن هذه التماثيل أصنام. يقولون: لا، ليست بأصنام! نقول: إذا وُضِعت على هيئة الصور فهي لا شك أصنام، وهذا هو الصنيع الأول الذي صنعه قوم نوح؛ لأنهم في البداية كانوا يتخذونها على سبيل تذكيرهم بالعبادة، ثم عُبِدَت.
قال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب([182]) -رحمه الله تعالى- في "كشف الشبهات": (ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو الْمَلاَئِكَةَ لأَجْلِ صَلاَحِهِمْ وَقُرْبِهِمِ مِنَ اللهِ؛ لِيَشْفَعُوا لَهُ، أَوْ يَدْعُو رَجُلاً صَالِحًا مِثلَ اللاَّتِ، أَو نَبِيًّا مِثلَ عِيسَى.
وَعَرَفْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاتَلَهُمْ عَلَى هَذَا الشِّرْكِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى إِخْلاَصِ الْعِبَادَةِ للهِ وَحْدَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾([183])).
-------------------
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
أما بعد..
فنسأل الله بأسمائه وصفاته أن يُعَوِّض أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فقيدها الشيخ العلامة شيخنا الشيخ عبد الله بن جبرين([184]) -رحمة الله تعالى عليه- وأن يجزل له الأجر على ما قدم.
وما يحدث في مثل هذه الأمور ينبغي أن يُقَابل بالرضا والتسليم، وهي مسألة أجراها الله -سبحانه وتعالى- على الخلائق، ومثل هذه الأمور تنبه طلبة العلم المتمسكين بالسنة إلى أهمية لزوم العلم؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- جعل أهل العلم منارات، فينبغي الحرص على العلم؛ لأن الناس لا يهلكون إلا إذا لم يكن لهم رؤوس من العلم، كما قال -صلى الله عليه وسلم- في خبر هلاك الناس: «اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ»([185]).
فيحرص الإنسان على أن يتعلم العلم ويبذل ما استطاع، فالأمر كما قال السلف: فإن أحدكم لا يدري: متى يحتاجه؟ فقد يحتاج إليه لاحقًا، ولا سيما مع غربة الدين، وقلة المتمسكين بالسنة، فيحرص طلبة العلم على أن يبذلوا وسعهم؛ حتى يكونوا خلفًا لسلفهم.
نسأل الله أن يرفع السنة وأهلها، ويخذل البدعة وأهلها.
نعود إلى ما ذكره الإمام المجدد الشيخ محمد -رحمه الله تعالى- في كلامه، يقول: (عَرَفْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاتَلَهُمْ عَلَى هَذَا الشِّرْكِ، وَدَعَاهُمْ إِلَى إِخْلاصِ الْعِبَادَةِ للهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾([186]).
يوضح -رحمه الله- سبب قتال النبي -صلى الله عليه وسلم- للمشركين، وأن سببه هو صرفهم العبادة لغير الله، فهذا هو سبب قتال النبي -صلى الله عليه وسلم- لبني العم والعشيرة هو أنهم صرفوا العبادة لغير الله -عز وجل- هذا هو السبب الحقيقي.
وهذا كله يؤكد على أن أمر الربوبية ليس هو الأمر الذي فيه النقاش؛ لأنهم مقرون بها، وإنما السبب في قتالهم هو هذا الشرك الذي كانوا متحلين به في أمر العبادة، ثم ذكر قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾([187]). ذكر بعض المفسرين أنها المساجد المعروفة. ومنهم من يقول: إن المساجد هي: مواضع السجود. فيكون المعنى: لا تسجدوا لغير لله. فتكون الآية دليلاً على منع السجود لغير الله.
وإذا تأملت هذه الآيات التي فيها التحذير من الشرك تجد فيها التعميم، ﴿فلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾([188])، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾([189]). و"أحدًا" نكرة في سياق النهي في الآية الأولى، وفي الآية الثانية: نكرة في السياق النفي، فتفيد العموم. فيكون المعنى: فلا تدعو مع الله أحدًا أيًّا كان، لا ملكًا ولا نبيًّا ولا صالحًا ولا جنًّا ولا إنسًا... فهذا من دلائل عدم جواز صرف العبادة لغير الله عز وجل.
وسيأتي -إن شاء الله تعالى- التعبير عن العبادة بالدعاء؛ لأن ذلك أعظم العبادة.
ثم ذكر بعد ذلك قوله تعالى: ﴿لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ﴾([190]). فأوردها المصنف رحمه الله تعالى، وجاء تفسيرها عن عليٍّ رضي الله عنه: أن المراد بدعوة الحق: التوحيد([191]). وجاء عن ابن عباس([192])، وعن قتادة([193]): أن دعوة الحق المراد بها: لا إله إلا الله([194]).
ولهذا استدل -رحمه الله تعالى- بالآية في هذا الموطن، وهو أن الدعاء لا يكون إلا لله، فلله دعوة الحق؛ فلا يُدعى إلا الله وحده لا شريك له، وهذا هو التوحيد، وهو معنى: لا إله إلا الله، كما سيأتي إن شاء الله.
 
(وَتَحَقَّقْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاتَلَهُمْ؛ لِيَكُونَ الدُّعَاءُ كُلُّهُ للهِ).
-------------------
بدأ -رحمه الله تعالى- بالدعاء، قال: (لِيَكُونَ الدُّعَاءُ كُلُّهُ للهِ). وسيأتي إن شاء الله تعالى: ليكون الذبح لله، وليكون النذر لله، ولتكون جميع العبادات لله.
فبدأ -رحمه الله- بالدعاء لعظم أمر الدعاء، قال صلوات الله وسلامه عليه: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ»([195]). وهذا مثل ما تقدم؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ»([196]). فكأن الدعاء لعظم شأنه هو العبادة؛ ولهذا جاء عن أنس([197]) -رضي الله عنه- أنه قيل له: الدعاء نصف العبادة. فقال رضي الله عنه: هو العبادة كلها([198]).
فالدعاء شأنه عظيم؛ لأن الداعي لا يرفع حاجته إلى المدعو في الأمور التي لا يُقدر عليها، إلا إذا كان مبنيًّا على اعتقاد النفع والضر، فإذا جاء عند قبر، وقال: يا سيدي فعلت قبيحة. وأزال العمامة عن رأسه كأنه في العمرة أو الحج -فالإنسان في العمرة والحج يلقي عن رأسه العمامة وغيرها، ولا يلبس الطاقية أو القلنسوة أو غيرهما، وكل هذا من باب التواضع وإظهار الضعف- فيأتي هكذا عند أصحاب القبور، ويقول: يا سيدي، اشفِ مريضي! ثم يُقال: هذا ليس بشرك! إذن ما هو الشرك؟! نسأل الله العافية والسلامة.
فشفاء المريض يكون من الله تعالى، كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾([199]). فيطلب حاجة لا يقدر عليها إلا الله رب العالمين، ولا شك أنه بهذا قد أشرك.
والمؤلف -رحمه الله- بدأ بالدعاء كما قلنا؛ لأن الدعاء عظيم الشأن في العبادة؛ ولهذا جاء في القرآن آيات كثيرة أُطلق الدعاء فيها على العبادة، كما قال الله -عز وجل- عن إبراهيم: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ﴾([200]). فأطلق على الدعاء العبادة، وذلك لعظم شأن الدعاء، وكبر قدره في العبادة، فبدأ به رحمه الله تعالى.
أيضًا بدأ به؛ لأنه أكثر أنواع الشرك انتشارًا، فأكثر ما يكون انتشارًا من أنواع الشرك هو الدعاء؛ لأنه لا يحتاج من الداعي إلا إلى مجرد النطق، بخلاف الذبح مثلاً؛ فإذا أراد أن يذبح فلا بد أن يكون لديه مال، وأن يتجه بالذبيحة إلى الموضع الذي يريد ذبحها عند أصحاب القبور... ونحوها، فالذبح بالنسبة إلى الدعاء قليل، وهكذا النذور وغيرها، أما الدعاء فهو فقط مجرد تحريك الشفتين؛ فإذا حرك الشفتين بالدعاء صار داعيًا.
يقول الشيخ حمد بن معمر([201]) -رحمة الله تعالى عليه- وهو من أئمة الدعوة المشاهير: لا نعلم في النصوص شيئًا ورد التحذير والوعيد على صرفه لغير الله مثلما ورد في الدعاء. فالدعاء لغير الله -عز وجل- أكثر ما يكون النهي عنه في النصوص، فقد نُهِي عنه في النصوص نهيًا شديدًا، وعظَّم الله -عز وجل- من شأنه؛ فبدأ به -رحمه الله تعالى- لما ذكرناه من عظم شأن الدعاء، وكثرة انتشاره في العابدين لغير الله تعالى.
 
(وَالنَّذْرُ كُلُّهُ للهِ).
-------------------
النذر في الشرع: أن يلزم المكلف نفسه شيئًا لم يجب عليه بأصل الشرع. فقد تكون هناك سنة من السنن، مثل: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فيقول: لله عليَّ أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر. فصيام ثلاثة أيام صار واجبًا؛ لأنه أوجبه على نفسه، فهذا معنى النذر. أو أن ينذر لله -عز وجل- أن يعكتف ليلة في المسجد، فالاعتكاف ليس واجبًا، لكنه صار واجبًا بالنذر، فكيف يصرفون النذور لغير الله تعالى؟!
هم يصرفون النذور لغير الله تعالى؛ لأنهم يعتقدون أن أصحاب هذه القبور يسمعون، ولديهم تصريف، فيأتي أحدهم ويقول: يا شيخ فلان، أو يا سيدي فلان، إن رددت عليَّ غائبي، أو إن ربحت تجارتي، فلك عليَّ أن أضيء القبر بالشموع أو بالكهرباء. ولهذا تجدها مضاءة دائمًا! ويقفون عليها الأوقاف -عياذًا بالله- فهذا مما كانوا يفعلونه.
فالمصنف -رحمه الله- يؤكد هنا على أن يكون الدعاء كله لله، وعلى أن يكون النذر لله.
 
(وَالذَّبْحُ كُلُّهُ للهِ).
-------------------
الذبح الذي هو ذبح العبادة، وذبح العبادة كثير، منه: الأضاحي، والذبح المشروع منه: العقيقة، ومنه: الهدايا في الحج، والإهداء إلى البيت حتى في غير حج ولا عمرة... فكل هذه من أنواع الذبح؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ»([202]).
وقد رأيت بعضهم انتقد الشيخ العلامة محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- فقال: كيف يقول الذبح، والذبح له أنواع؟!
وهذا من الحذلقة العجيبة، إذن فقد انتقد قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ». ومعلوم أن المقصود: الذبح الذي هو على خلاف الذبح المعتاد، فإذا قال إنسان: أنا سأذبح للضيف. هل يقصد أن يتقرب للضيف؟! أو يقول: انتهى اللحم من بيتي؛ فسأذبح هذا الخروف أو هذا العجل... فهل يذبح ليتقرب لأطفاله؟! معلوم أن المقصود هنا: الذبح الذي يتقرب به الذابح لغير الله، وهذا معروف من سياق الكلام.
فيقول: (وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ كَلِّهَا للهِ). وكلامه في أمور العبادة، أما الأمور العادية المعتادة فلا شك أنها ليست مراده هنا، وهكذا حذلقة بعضهم بقوله: الدعاء أنواع؛ منه دعاء جائز: كأن تدعو أخاك ليأتي لك بالماء! وسبحان الله! فهذه محاولة تلمس عثرات فقط، ومعلوم أن هذا ليس من أمور العبادة؛ كأن تقول: يا فلان هات ماءً. يا فلان أحضر كذا... فهذا يُسمى في اللغة: دعاء، لكن هل هو دعاء عبادة؟
فالشيخ يتحدث عن الدعاء في العبادة، لكن محاولة تلمس العثرات -في الحقيقة- توصل إلى أن يُقال هذا في النصوص، فقوله صلى الله عليه وسلم: «لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ». معلوم أن المقصود: ذبحها لغير الله. وهذا على أحوال: فإما أن يذبح متقربًا إليه، أو أن يذبح باسمه، كأن يقول: باسم المسيح، أو: باسم عليٍّ، أو: باسم السيد البدوي([203])... حتى لو كان في الأضحية، فتكون مما أُهِلَّ به لغير الله، فالذبح لغير الله إما أن يكون بالتقرب إلى غير الله؛ كأن يذبح ويقول: أذبح هذه إلى صاحب هذا القبر ليرد لي غائبي. فيكون قد قصده، وإما أن يأتي بالذبيحة فيسمي عليها غير اسم الله، فيقول: باسم علي، أو: باسم الحسين، أو: باسم الشيخ عبد القادر الجيلاني([204])، أو: باسم السيد البدوي... حتى ولو كانت في فترة الأضحية أو عقيقة، فهنا صارت مما أُهِلَّ به لغير الله.
وأصل الإهلال معناه: رفع الصوت، ومنه قيل: الهلال؛ لأنهم إذا رأوه أهلوا ورفعوا أصواتهم؛ فسُمي إهلالاً. فكانوا يرفعون، كما أنك إذا أردت أن تذبح لله تقول: باسم الله، والله أكبر. فترفع صوتك بالتسمية هنا، فهذا هو معنى الإهلال، فإذا أُهِلَّ بها لغير الله -عز وجل- بذكر اسم غير الله، أو بأن قصد بها غير الله، فهذا من الشرك الذي لا ريب فيه، وتكون في هذه الحالة لا يحل الأكل منها.
فمراده: أن الذبح يكون لله -عز وجل- وقد عظم الله من شأن الذبح؛ حتى قرنه -سبحانه وتعالى- بالصلاة، وهي أعظم شعائر الإسلام الظاهرة، وهي أجلُّ ما في الإسلام بعد التوحيد، فقرن الله الذبح بها في قوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾([205]). وفي قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾([206]).
قال أهل العلم: قرن الذبح بالصلاة يدل على عظم شأن الذبح؛ لأن الصلاة عظمها من الدين أمر مفروغ منه، فلما قُرِن الذبح بها دلَّ على عظم الذبح الذي قرنت به.
فالحاصل: أن هذا كله يدل على ما أراده المصنف -رحمه الله تعالى- من جعل الذبح لله تعالى وحده دون شريك.
 
(وَالاسْتِغَاثَةُ كُلُّهَا بِاللهِ).
-------------------
الاستغاثة أصلها: طلب الغوث، وأن يطلب من غيره أن يغيثه، ومعلوم أن المقصود الاستغاثة: فيما لا يقدر عليه إلا الله، سواء كانت في أمور الدنيا أو كانت في أمور الآخرة. ولهذا قال: (والاستغاثةُ كلهَا). فقد تكون في أمور الدنيا، كأن تغرق السفينة وتتحطم في أثناء البحر، وليس حولك مَن ينجدك، فالاستغاثة هنا لا تكون إلا بالله، لكن لو استغاث برجل في المشرق، وقال: يا فلان. فهذا شرك أكبر؛ لأنه استغاث بغير حاضر، وغير قادر، وهكذا إذا استغاث فيه في أمور الآخرة، كما فعل صاحب البردة البوصيري([207])، حين استغاث بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ليأخذ بيده يوم القيامة في المحشر.
فالاستغاثة لا تكون في مثل هذه الأمور إلا بالله وحده لا شريك له، أما الاستغاثة المعتادة التي قال الله -عز وجل- فيها عن صاحب موسى: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾([208]). فهذه استغاثة عادية، كأن تطلب من أحد أن يغيثك لو غرق أحد أو احترق المنزل، فتقول: يا فلان، أغثني أنا أغرق. أو تقول: يا فلان، أعني على إطفاء الحريق.
وهذا ليس داخل نطاق الكلام أصلاً؛ لأن هذه ليست من العبادة، وإنما الكلام على الاستغاثة التعبدية، والذبح التعبدي، فالكلام هنا مقيد بما يتعلق به؛ ولهذا فصل الشيخ -رحمه الله- وغيره من أئمة الدعوة أنواع الاستغاثة، وبينوا أن الاستغاثة الجائزة وهكذا الدعاء الجائز ما يكون متوفرًا فيه الشروط الثلاثة، وهي: أن يكون بحي، حاضر، قادر. فإن كانت بميت سقط الشرط الأول والثاني والثالث؛ لأنه لا يكون حيًّا ولا حاضرًا ولا قادرًا. وإن كانت بحي غير حاضر أيضًا فهي استغاثة غير جائزة؛ لأنها استغاثة بمن لا يعلم الغيب، ولا يستطيع أن يطلع عليه، فلا يستطيع أن يطلع على ما أنت فيه حتى يغيثك.
وهكذا إن استُغِيث بحي حاضر غير قادر، كأن يُستغاث بطفل رضيع، فهذا نوع من العبث والاستهزاء؛ لأنه معلوم أنه لن يستطيع أن يفعل شيئًا، لكن ما يظنه العامة في بعض البلاد أن فيه سرًّا -كما يقولون- أي: قدرة على أن ينجي، وعلى أن يغيث... وإن كان في طفولته!
ولهذا قال أهل العلم: لا بد من توفر الشروط الثلاثة معًا، فإذا استغاث بحي حاضر قادر، فهذا بلا شك معتاد وجائز، وليس محلاً للنقاش، كما يستغيث المجاهدون بعضهم ببعض، كأن يكثر العدو في جهة، فيطلب أهل الجناح الأيمن -مثلاً- من أهل الجناح الأيسر، أو من الذين في الخلف أو المقدمة أن يغيثوهم، فهذا أمر معتاد ومعروف.
فالكلام عن الاستغاثة التي هي نوع من أنواع العبادة التي لا تصرف إلا لله كلها لا تكون إلا لله تعالى.
 
(وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا للهِ).
-------------------
الذي سبق كان نوعًا من التخصيص، لكثرة ما يكون فيه من الشرك، ثم أجمل العبارة -رحمه الله- فقال: (وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا للهِ). وسواء قُسِّمت العبادات إلى مالية وبدنية، أو إلى ظاهرة وباطنة، أو إلى اعتقادية وقولية وعملية، فإذا كان الإطلاق الشرعي عبادة فإنها لا تكون إلا لله تعالى.
 
(وَعَرَفْتَ أَنَّ إِقْرَارَهُمْ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ لَمْ يُدْخِلْهُمْ فِي الإِسْلامِ، وَأَنَّ قَصْدَهُمُ الْمَلائِكَةَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ أَوِ الأَوْلِيَاءَ؛ يُرِيدُونَ شَفَاعَتَهُمْ، وَالتَّقَرُّبَ إِلَى اللهِ بِذَلِكَ، هُوَ الَّذِي أَحَلَّ دِمَاءَهُم وَأَموَالَهُمْ).
-------------------
هذا كله تأكيد على ما تقدم، والشيء الذي تقدم لا نعيد شرحه مرة أخرى، فكل ما ذكره الشيخ من قضية إقرار القوم بتوحيد الربوبية، وأن هذا هو السبب في استحلال دمائهم وأموالهم، هذا كله مما تقدم.
 
(عَرَفْتَ حِينَئِذٍ التَّوْحِيدَ الَّذِي دَعَتْ إِلَيْهِ الرُّسُلُ، وَأَبَى عَنِ الإِقْرَارِ بِهِ الْمُشْرِكُونَ، وَهَذَا التَّوْحِيدُ هُوَ مَعْنَى قَوْلِكَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ).
-------------------
قوله: (عرفتَ) جواب الشرط، فالفعل الأول (عرفتَ) فعل الشرط، ثم قال: (عرفتَ). فهذا جواب الشرط، أي: إذا عرفت ما تقدم من إقرارهم بالتوحيد، وأن الذي أباح دماءهم وأموالهم هو شركهم في العبادة، عرفت عند ذلك -وهذا جواب الشرط- التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وهذا التوحيد الذي دعت إليه الرسل هو معنى قولنا: لا إله إلا الله. لأن هذه الكلمة لا شك أنها كلمة عظيمة، ولها مدلول ومفهوم محدد، وواضح في الشرع.
وهذه الكلمة بينت النصوص معناها، لم تترك النصوص هذه الكلمة لأهواء الناس ولظنونهم؛ ولهذا جاء تفسيرها في القرآن نفسه في أكثر من موطن، يقول الله تعالى: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾([209]). والعروة الوثقى هي: لا إله إلا الله. فبيَّن تعالى أنها تتضمن نفيًا وإثباتًا؛ ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ﴾هذا النفي، ﴿وَيُؤْمِن بِاللهِ﴾هذا الإثبات.
فالذي يتحقق له هذا يكون قد استمسك ﴿بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾، والطاغوت في هذا الموطن -كما بيَّن المفسرون- المراد به: ما عُبِد من دون الله من الأوثان والأنداد. فمَن كَفَر بما عُبِد من دون الله -عز وجل- أيًّا كان المعبود، وآمن بالله وحده إيمان الموحد، فهو الذي استمسك بالعروة الوثقى.
وهذا معنى قول الله -عز وجل- أيضًا، فقد ذكر الله الركنين هذين في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي﴾([210]). فقوله: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾ هذا ركن النفي، أي: لا إله. وقوله: ﴿إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي﴾. هذا ركن الإثبات، أي: إلا الله.
وقولنا: لا إله إلا الله، "لا" نافية للجنس، وكلمة "إله" اسم لا منصوب وعلامة نصبه الفتح، وخبرها مقدر بقولك: "حق". أي: لا إله حق إلا الله. أي: لا معبود حق إلا الله. وهذا التقدير قد دل عليه القرآن في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾([211]). وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ﴾. تقدم معناه، أي: ما يعبدون، فأطلق على العبادة الدعاء.
فهذ الموطن يبين المحذوف المقدر في قولنا: لا إله إلا الله. أما مَن قدرها -والعياذ بالله- بكلمة: موجود، بمعنى: أنه لا موجود إلا الله، فهذا مذهب أهل وحدانية الوجود الذين يقولون: لا موجود إلا الله! نسأل الله العافية والسلامة.
وبذلك تعلم أن التقدير الصحيح قد دل عليه القرآن؛ أي: لا إله حق، ومعنى الإله: المعبود، مِن أله يأله إلاهةً، بمعنى: عبد يعبد عبادةً. فـ "لا إله حق إلا الله"، أي: لا معبود حق إلا الله وحده لا شريك له، وهذا التقدير يعني: أن ما عُبِد على نوعين:
النوع الأول: معبود بالحق، وهو الله وحده لا شريك له.
النوع الثاني: ما عُبِد بالباطل، وهو كل ما سوى الله.
فكل ما سوى الله مما عُبِد من المخلوقات العلوية أو الأرضية، فإن عبادته عبادة بالباطل، وهذا هو معنى: لا إله إلا الله.
 
(وَهَذَا التَّوْحِيدُ هُوَ مَعْنَى قَوْلِكَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَإِنَّ الإِلَهَ عِنْدَهُمْ هُوَ الَّذِي يُقْصَدُ لأَجْلِ هَذِهِ الأُمُورِ، سَوَاءٌ كَانَ مَلَكًا، أَوْ نَبِيًّا، أَوْ وَلِيًّا، أَوْ شَجَرَةً، أَوْ قَبْرًا، أَو جِنِّيًّا).
-------------------
هذا هو المعروف، فالإله الذي يقصد لهذه العبادات هذا معنى الإله المعبود، سواء كان هذا المعبود -مثلما تقدم- من الملائكة، أو من الجن، أو من الصالحين، أو من الأنبياء، وتقدم أن المعبودات متفاوتة، فالإله عندهم الذي يقصد بهذه الأمور، أي: يقصد بالعبادة، ويتقرب إليه لأجل هذه الأمور.
 
(لَمْ يُرِيدُوا أَنَّ الإِلَهَ هُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ الْمُدَبِّرُ، فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ للهِ وَحْدَهُ، كَمَا قَدَّمْتُ لَكَ).
-------------------
لا يريدون أن الإله هو الخالق، ولو كان معنى الإله في كلمة التوحيد: الخالق، لأقر بها المشركون، ولو كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى ليقول الناس: لا إله إلا الله. أي: لا خالق إلا الله. لأقروا بها، بدليل القرآن، قال تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾([212]). وقال تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾([213]). ففي كل ذلك يجيبون بجواب واحد: ﴿لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾. فدل على أن الإله هنا لو كان معناه الخالق لأقروا به.
فالذين فسروا الإله في كلمة التوحيد: بالخالق، أو القادر على الاختراع -كما يقوله أهل الكلام من المعتزلة وأضرابهم، ومَن تأثر بهم- لو كان معناه: القادر على الاختراع، لما رفض المشركون هذه الكلمة؛ لأنهم يقرون أن الله تعالى هو الخالق.
فعدم التفسير الصحيح لكلمة التوحيد يترتب عليه إشكالات كثيرة، فإذا فُسِّرَت بأن معناها: لا خالق إلا الله. ترتب إشكال، إذ كيف يقول المشركون: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾؟ فيجيبون بالجواب الصحيح "لا إله إلا الله" ثم لا يُقبل منهم! وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أُرسِل ليقروا أن الله هو الخالق، فها هم قد أقروا أن الله هو الخالق، قال تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾. فدل على أن الإله ليس معناه: الخالق، أو القادر على الاختراع، كما يقوله مَن يقوله من المتكلمين الذين لم يعرفوا حق هذه الكلمة.
ولهذا جاءت الآيات التي فيها البدء بقوله تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم﴾.. وفيها دلالة على أن الله الخالق، مما يؤكد أن الإله في هذا الموطن ليس معناه بلا ريب: الخالق، فلا إله أي: لا معبود حق إلا الله. ولأجل هذا رده كما سيأتي إن شاء الله.
 
(وَإِنَّمَا يَعْنُونَ بِالإِلَهِ مَا يَعْنِي الْمُشْرِكُونَ فِي زَمَانِنَا بِلَفْظِ السَّيِّدِ).
-------------------
فالمشركون يطلقون على مَن يعبدونه ألفاظًا، ومن أشهرها وأظهرها: لفظ السيد. ولهذا يُطلَق على البدوي في مصر لفظ "السيد". وقال الشيخ: (السيد). لأن السيد في اللغة من السؤدد، والمصنف -رحمه الله- يتكلم من واقع الناس قديمًا وإلى اليوم؛ فهم يطلقون على مَن يذهبون إليهم لفظ: "السادة"، وهم الذين يصرفون لهم أنواعًا من العبادة، وقد يطلقون السيد -بلا شك- بالإطلاق اللغوي، لكن الكلام هنا على عُبَّاد القبور الذين إذا ذهب الواحد منهم ليتقرب إلى صاحب القبر، قال: ذهبت إلى السيد.. ويفعل عنده نفس ما كان يفعله المشركون في السابق.
وماذا يعتقد فيهم؟ يقول: السيد يعلم الغيب! السيد يسمع الإنسان حتى لو كان نائيًا عنه! السيد يملك الضر والنفع! السيد عنده جاه ومكانة عند الله -عز وجل! وقد قال بعضهم: إذا أنا مت فليس بيني وبينكم إلا ذراع، فإذا طلبتم حاجة فأتوني، فلا يفصلكم عني إلا مقدار هذا القبر! فهو يطلب منهم أن يعبدوه لاحقًا!
فالشيخ يقول: إن المشركين لا يسمون معبوداتهم بالرب، لكن يصرفون لهم نفس ما يُصرف للرب -سبحانه وتعالى- ويطلقون عليهم لفظ: "السيد" و"السادة"، كما يطلق على البدوي مثلاً، كما أنهم يحجون قبره حجًّا، ويطوفون به، وينذرون له، ويذبحون عنده، ويهتفون باسمه، ويدعونه من دون الله، فهذا بلا شك أمر شائع وكثير ومشتهر.
 
(فَأَتَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوهُمْ إِلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَهِيَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَعْنَاهَا، لا مُجَرَّدَ لَفْظِهَا).
-------------------
النبي -صلى الله عليه وسلم- أتاهم بكلمة التوحيد، وطلب منهم -عليه الصلاة والسلام- هذه الكلمة، ولم يرد -عليه الصلاة والسلام- أن يتلفظوا بها فقط، دون أن يعملوا بموجبها؛ ولهذا -كما سيأتي- ردوها رَدَّ الجاحد بعد العلم بها، فلا شك أنهم لا يريدون هذه الكلمة، لا بألفاظها كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- ولا يقرون معناها.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أتاهم ودعاهم إلى لا إله إلا الله، ولم يرد أن يتلفظوا بها فقط، وإنما أراد أن يتلفظوا بها ويمتثلوها واقعًا، فتعيش بها الدول، وتعيش بها البيوت، وتعيش بها أمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة... وكل شيء. فكلمة "لا إله إلا الله" أعظم بكثير مما يظن بعض الناس؛ لأنها تعني أن العبد يخضع لرب العالمين -سبحانه وتعالى- بحيث يتقرب إليه -سبحانه وتعالى- في عبادته، وكل أمر من الأمور الآتية من رب العالمين يتلقاها تلقي العبد من الرب، فيقيم كل أموره على هذا الأساس، وبذلك تكون العبادة الحقيقية.
ولما كان المشركون لا يريدون أن تذهب زعاماتهم الباطلة، ولا يريدون أن يتركوا معبوداتهم؛ رفضوا هذه الكلمة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أراد هذه الكلمة بلفظها وبمعناها.
 
(وَالْكُفَّارُ الْجُهَّالُ يَعْلَمُونَ أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ- بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ هُوَ: إِفْرَادُ اللهِ تَعَالَى بِالتَّعَلُّقِ، وَالْكُفْرُ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُمْ: «قُولُوا لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ»([214]). قَالُوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾([215])).
-------------------
المصنف يقرر هنا أمرًا دل عليه القرآن، وهو أن الكفار حين ردوا كلمة التوحيد ردوها ردَّ العارف بمعناها، أي: الذي جحدها بعد أن عرف، لا رد الجاهل المسكين الذي ردَّ وهو لا يعرف؛ لأنهم لو كانوا جهالاً لعلمتهم الرسل حتى يعلموا، لكنهم ردوها رد المنابذ لها، المستكبر عنها، وقد دل على هذا القرآن؛ ففيه أكثر من موطن، وقد تقدمت بعض الآيات، ولا بأس بإعادتها مرة أخرى بإيجاز.
الدليل على أن الكفار يعرفون معنى "لا إله إلا الله": ما أورده المصنف -رحمه الله تعالى- هنا، وسبب نزول هذه الآية: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اشتكاه قومه إلى عمه أبي طالب، فقالوا: إن ابن أخيك يشتم آلهتنا، ويسفه أحلامنا... إلى آخر الحديث، فاستدعاه أبو طالب عمه، وقال: يابن أخي، ما بال قومك يشتكونك؟ وكان المجلس قد امتلأ بهم، وبقي موضع قريب من أبي طالب، فخشي عدو الله أبو جهل أن يجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه؛ فيكون لقربه من أبي طالب شيء من الرقة عليه، فجلس عدو الله فيه؛ حتى يسد على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وإذا بالمجلس قد امتلأ.
فقال: يابن أخي، ما بالك قومك يشتكونك؟ فقال صلوات الله وسلامه عليه: «يَا عَمِّ، إِنِّي أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهَمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتَدْفَعُ لَهَمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ». فقالوا: كلمة واحدة لنعطيكها وأبيك وعشر كلمات معها، ما بيننا وبينك إلا كلمة نطلقها ونصلح حالنا معك. أي: سنعطيك هذه الكلمة ونزيدك عشرًا. فقال عليه الصلاة والسلام: «قُولُوا: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ». فقاموا ينفضون ثيابهم -ونفض الثوب يدل على الغضب- غضابًا، وقالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾([216])([217]).
فهذا معنى: لا إله إلا الله. وأنها ستلغي جميع الآلهة، وسيكون الإله واحدًا، أليس هذا دالاًّ على علمهم أن "لا إله إلا الله" تعني: أن تدمر جميع المعبودات وتصرف العبادة لله؟! ولهذا قالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا﴾؟! وهكذا قول الله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ﴾([218]). ففهموا من "لا إله إلا الله" أنه لا بد معها من ترك الآلهة.
فلا بد أن تترك الآلهة المعبودة من دون الله، وهذه مقولة الفاهم للمعنى، لا الذي يجهل المعنى، وهكذا مثل ما قدمنا مما ذكر الله -عز وجل- عن قوم هود، قال تعالى: ﴿وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْم اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾([219]). فقالوا في الرد عليه: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾([220]). أي: أجئتنا لتكون العبادة لله وحده، ونذر -أي ونترك- ما كان يعبد آباؤنا؟! أليس هذا كلام مَن يعلم معنى: لا إله إلا الله؟!
فمعنى "لا إله إلا الله": أن يُعبد الله وحده، وأن يترك ما يُعبد من دونه، وأن يُكفر به، ويُبرأ إلا الله منه، كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ﴾([221]). وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ﴾([222]). فيُبرأ إلى الله، ويُكفر بما عُبد من دون الله، كما قال تعالى: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ﴾([223]). يعني: المعبود من دون الله، ويترك ما عبد. كما قال قوم هود: ﴿وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾([224]). فلا شك أنهم يعرفون معنى الكلمة؛ ولهذا قالوا ما قالوا في هذه الآيات.
 
(فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ جُهَّالَ الْكُفَّارِ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ، فَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَدَّعِي الإِسْلامَ وَهُوَ لا يَعْرِفُ مِنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مَا عَرَفَهُ جُهَّالُ الْكَفَرَةِ! بَلْ يَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ: التَّلَفُّظُ بِحُرُوفِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ الْقَلْبِ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَعَانِي، وَالْحَاذِقُ مِنْهُمْ يَظُنُّ أَنَّ مَعْنَاهَا: لا يَخْلُقُ وَلا يَرْزُقُ وَلا يُدَبِّرُ الأَمْرَ إِلاَّ اللهُ. فَلا خَيْرَ فِي رَجُلٍ جُهَّالُ الْكُفَّارِ أَعَلَمُ مِنْهُ بِمَعْنَى: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ).
-------------------
ذكر -رحمه الله تعالى- أن الجاهلين بكلمة التوحيد قسمان:
القسم الأول: مَن يظن أن المقصود من كلمة التوحيد: أن يتلفظ بحروفها فقط، وأنها كلمة بركة، وقد يرددونها عدة مرات، أو يرددون: الله الله الله... أو: هو هو هو... ثم يقولون: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله... ويكررونها، ويظنون إن المقصود التلفظ بالحروف، لكنهم لا يعرفون المعنى ولا يعتقدونه، وفي الوقت نفسه يعملون بخلاف هذا المعنى، فهذا هو القسم الأول.
القسم الثاني: الحاذق، والحاذق الفاهم منهم يظن أن معنى "لا إله إلا الله" أي: لا خالق ولا رازق إلا الله.
وتقدم أن هذا كلام المتكلمين من المعتزلة، ومَن سار على نهجهم من الأشعرية... ونحوهم. فيقولون: لا إله إلا الله معناها: لا خالق إلا الله.
وسبحان الله! كأن هؤلاء لا يقرؤون القرآن! فإذا كان معنى "لا إله إلا الله" هو: لا خالق إلا الله، ولا رازق إلا الله... والله تعالى يقول: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾([225]). فكيف كانوا ينظرون إلى الكفار؟!
وتفسير الرازي([226]) -وهو من كبار المتكلمين- فيه من الأغلاط شيء عظيم جدًّا، لا يدركه إلا مَن عرف عقيدة الرجل؛ ولهذا لا يُنصح به إلا لمن كان يعرفه، فعندما أتى عند تفسير هذه الآية لم يتمكن إلا أن ينتقد هذا التفسير، ففي تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾([227]). قال في هذا الموطن: لا يمكن أن نقول: إن الإله معناه القادر على الاختراع، كما يقوله المتكلمون؛ لأن الآية سيكون معناها: وقادركم قادر واحد. يقول: ومعلوم أنه ركيك، فتعين أن يكون المعنى: المعبود، فيكون المعنى: ومعبودكم معبود واحد. فيتضح المعنى ويتسق الكلام([228])، وهذا من المواطن التي ذكرها، على أنه قد أخل بالمعنى في مواطن أخرى.
فالحاصل: أن الحاذق منهم يظن أن هذا هو المعنى، وهو أنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله، وهذا أكبر ظنه، مع وضوح الآية وجلائها وما سقناه من الآيات الدالة على تفسير كلمة التوحيد؛ لأن رب العالمين -سبحانه وتعالى- لا يترك كلمة التوحيد شيئًا مجهولاً غير معلوم، بل بيَّنها -سبحانه وتعالى- في كتابه، وبينها المبين عن ربه -صلى الله عليه وسلم- في أحاديثه، وفي سنته، وفي عمله، وفي حياته كلها صلوات الله وسلامه عليه؛ ولهذا كانت سيرته وحياته تبيانًا لكلمة التوحيد ومعناها، وهكذا النصوص التي سقناها، والنصوص أكثر من أن تُحصى على معنى "لا إله إلا الله".
 
(إِذَا عَرَفْتَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مَعْرِفَةَ قَلْبٍ، وَعَرْفَتَ الشِّرْكَ بِاللهِ الَّذِي قَالَ اللهُ فِيهِ: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾([229]). وَعَرَفْتَ دِينَ اللهِ -الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ- الَّذِي لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا سِوَاهُ، وَعَرَفْتَ مَا أَصْبَحَ غَالِبُ النَّاسِ عَلَيْهِ مِنَ الْجَهْلِ بِهَذَا، أَفَادَكَ فَائِدَتَيْنِ:
الأُولَى: الْفَرَحَ بِفَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾([230]).
وَأَفَادَكَ أَيْضًا: الْخَوْفَ الْعَظِيمَ).
-------------------
يقول رحمه الله تعالى: إذا عرفت ما تقدم معرفة القلب، وتبينت لك نعمة الله -عز وجل- عليك بأن علمت معنى "لا إله إلا الله" من خلال النصوص التي إذا شهدت للعبد فهو الصادق، وهو الذي على الصواب، وإذا كانت حجة عليه فهو على الباطل، فالويل لمن كان القرآن حجة عليه، وإذا كان القرآن حجة عليك بأن يكون لـ "لا إله إلا الله" في القرآن معنى، وعندك معنى آخر. فهل ستغلب حجة القرآن؟! لا، بل أنت المغلوب.
فلهذا يقول رحمه الله تعالى: إذا عرفتَ هذا المتقدم، وكنت فاهمًا لـ "لا إله إلا الله" على مقتضى ما أفهمه الله لعباده، وما أفهمه الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأمته، وسلكت المسلك الصحيح في معنى "لا إله إلا الله" فإنك ستستفيد فائدتين، كل فائدة مستقلة عن الأخرى:
الأولى: الفرح بنعمة الله تعالى، ونعمة الله -عز وجل- الدينية هي أعظم النعم على الإطلاق، كما قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾([231]). لأن ما نجمع في هذه الدنيا حطام كاسمها، ثم إنه زائل، أما النعمة الدينية فهي باقية، والعبد هو الناجي، وهو الذي له السعادة الأبدية المطلقة، أما ما يُجمع في الدنيا فإنه يزول بزوالها، أو يذهب عن العبد ويضمحل، فيفرح العبد بهذه النعمة العظيمة.
وهذه مسألة لا شك أنه يغفل عنها كثير من الناس، فكثير من الناس يعرف أن يحمد الله إذا أكل وشبع، وإذا شرب وارتوى، ويغفل عن هذه النعمة العظيمة الكبيرة؛ وهي نعمة التوحيد؛ ولهذا فهذه النعمة لا يقدر قدرها إلا مَن كان له قلب، أما الباقون -ففي أحيان كثيرة، وليس الجميع إن شاء الله- لا يستشعرون نعمة التوحيد، ولا يستشعرون نعمة السنة، وأن الإنسان يموت على السنة، ويموت موحدًا.
فلا شك أنها من النعم العظيمة الجليلة التي يكون من فضل الله ومنته ورحمته أن الله -تبارك وتعالى- يجعل لمن مات عليها الدخول في الجنة، وإن كان متلبسًا بما تلبس به من المعاصي، وإن كان قد عُذِّب عليها في قبره، أو في المحشر، أو حتى في النار، لكن مرده بفضل الله -عز وجل- إلى الجنة.
لكن مَن كان لديه ضلال في التوحيد، وظن الشرك هو التوحيد فهذا هو المغبون، وهذا هو الهالك الخاسر، فيفرح العبد بهذه النعمة العظيمة؛ بنعمة التوحيد، ويفرح بالعافية والسلامة من الشرك، وهي نعمة لا يقدرها إلا مَن أحيا الله قلبه.
الفائدة الثانية: الخوف، فلما كانت النعمة عظيمة جدًّا وفرحت بها، أفادك هذا الخوف، فهذه النعمة العظيمة التي معك تخاف عليها، وتخاف أن تزيغ عنها، وأن تضل، وقد رأينا من أُزيغ عنها، نسأل الله الثبات، وحسن العاقبة، والختام الحميد.
رأينا مَن كان على سُنَّة وانقلب إلى بدعة، ورأينا مَن كان على هدى وصلاح وحفاظ على الصلاة، ثم انقلب القهقرى إلى الفساد وترك الصلوات، وسلك مسالك الضلال من مناهج كفرة الغرب أو الشرق. فالإنسان يخاف أن يزيغ؛ ولهذا كان السلف -رضي الله عنهم- يخافون خوفًا شديدًا على ما أنعم الله -عز وجل- عليهم به.
وقد بَوَّب البخاري -رحمه الله- في كتاب الإيمان: باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر([232]). فالإنسان قد يُمكر به -عياذًا بالله- وقد يزل، وقد يزيغ؛ ولهذا يُكثِر العبد من سؤال الله -عز وجل- العافية، وسؤال العفو؛ فمن أعظم ما تسأل به ربك أن تسأله العفو والعافية، بأن يعفو عنك، وأن يعافيك، ومن أعظم العافية: العافية في الدين.
يقول ابن القيم([233]) -رحمه الله تعالى- بعد أن ذكر أقوالاً عظيمة جدًّا عن أهل الباطل:
واجعل لوجهك مقلتين كلاهما *** من خشية الرحمن باكيتان
لو شاء ربك كنت أيضًا مثلهم *** فالقلب بين أصابع الرحمن
والمعنى: هؤلاء الذين يضلون وينقلبون، لو شاء الله لكنت واحدًا منهم. فيفيدك هذا الخوف، ويفيدك أمرًا آخر مرتبطًا بهاتين النعمتين، وهو: أن تحرص على الأسباب التي تثبتك، وأن تتجنب الأسباب التي يمكن أن تزيغك، فإذا كنت تفرح بنعمة الله -عز وجل- فاحرص على ما يثبتك على هذه النعمة، وإذا كنت تخاف عليها؛ فاحرص على تجنب ما قد يزيغك عنها.
 
(فَإِنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ أَنَّ الإِنْسَانَ يَكْفُرُ بِكَلِمَةٍ يُخْرِجُهَا مِنْ لِسَانَهِ، وَهُوَ قَدْ يَقُولُهَا وَهُوَ جَاهِلٌ، فَلا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ).
-------------------
هذا الموطن يحتاج إلى شيء من التفصيل، فالمصنف -رحمه الله تعالى- ذكر هنا أن الإنسان قد يطلق كلمة، هذه الكلمة يكفر بها، أين الدليل على أن الإنسان قد يكفر بالكلمة؟ قال تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾([234]). فالإنسان قد يكفر بالكلمة، فكما أنه قد يكفر بالاعتقاد فقد يكفر بالكلمة، وقد يكفر بالفعل.
والكفر بالكلمة أو بالفعل لو كان له عذر كالإكراه يمكن أن يُعذر؛ لأنه يُتصور الإكراه بالفعل وبالقول، أما بالاعتقاد فلا يتصور الإكراه أبدًا؛ ولهذا قال تعالى: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾([235]).
ويمكن أن يُتصور أن يقول كلمة فيكفر بها، فيُعذر إذا كان مخطئًا، أي: أراد كلمة، فسبق على لسانه سواها؛ كما في حديث الذي قال: «اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا رَبُّكَ»([236]). فالكلمة كفر بلا شك، يقول: إن الله عبدي، وأني رب الله! فهذا كفر، لكن قال النبي -صلى الله عليه وسلم- مبينًا السبب: «أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ». كما أن بعض الناس قد يذهل، فيريد أن يقول: اللهم إني أسألك الجنة. فمن الذهول يقول: اللهم إني أسألك النار، وأعوذ بك من الجنة. وقطعًا هو لا يريد هذا، ولكن زلَّ لسانه، فهذا ليس من الكفر بلا ريب، وهو لم يرد أن يدخل النار، وأن يُبعد عن الجنة، وهذا الموطن من المواطن التي ينبغي ضبطها.
فالمصنف -رحمه الله- يقول: (قَدْ يَكْفُرُ بِالْكَلِمَةِ). ولا شك في ذلك؛ فالإنسان قد يلقي الكلمة فيكفر، ثم قال: (فَلا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ). هنا لا بد من التفصيل، وهذا التفصيل في الأمور الآتية:
الأمر الأول: المسائل التي يُذكر عندها العذر نوعان:
النوع الأول: مسائل كبرى لا يتصور فيها العذر لأحد، ومن أشهرها وأظهرها: سب الله ورسوله. فلو سب أحد رب العالمين، وسب رسوله -صلى الله عليه وسلم- وقال: والله أنا لم أكن أدري أن هذا حرام. نقول: لا والله لا نعذرك. بل عند الإمام مالك وأهل المدينة: إن هذا لا يُستتاب. ومالك -رحمه الله- وأهل المدينة يفرقون بين الزنديق والمرتد، فالزنديق عندهم لا يُستتاب، والمرتد يستتاب، والجمهور على أن الزنديق والمرتد حكمهما واحد، وأن الجميع يُستتاب.
فالمسائل الكبرى كأن يسب الله، ثم يقول: لم أكن أعلم أن سب الله حرام. فهذا بهتان، ونقول: لا شك أن هذا كفر لا تعذر به. أو كأن يسب الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويقول: أشهد أنه رسول الله، لكن لم أكن أعلم أن الشرع حرم أن أتكلم في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما لا يليق.
نقول: هذا لا يمكن أن تعذر به. فيُستتاب عند الجمهور، وعند مالك -رحمه الله- لا يستتاب.
النوع الثاني: المسائل التي تخفى، وهي المسائل الخفية التي يمكن أن يجهلها الإنسان، بحسب البيئة، وبحسب الزمان، وبحسب حاله هو؛ من حداثة عهده بالإسلام، ومن شدة جهله وعدمه.
وهذه المسائل يُتصور أن تُجهل، ويتفاوت هذا، فقد لا يُجهل في هذا الزمن أمر الصلاة، فلو قال الإنسان: الصلاة غير واجبة. ففي هذا الوقت لا يمكن أن يُعذر، لكن في آخر الزمان ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يُسْرَى عَلَى الْقُرْآنِ؛ فَلا تَبْقَى مِنْهُ كَلِمَةٌ فِي السُّطُورِ وَلا فِي الصُّدُورِ، وَيَبْقَى الرَّجُلُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْعَجُوزُ، يَقُولُونَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، كَلِمَةٌ أَدْرَكْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا فَنَحْنُ نَقُولُهَا». يقول صلى الله عليه وسلم: «لا يُدْرَى صِيَامٌ وَلا نُسُكٌ وَلا صَلاةٌ»([237]). فلا يعرف في ذلك الوقت -نسأل الله العفو والعافية- هذه الأمور، وهذا الوقت في آخر الزمان، فجهلوا أمورًا لا يجهل مثلها، لكن يختلف الحال بحسب الزمان.
ففي ذلك الوقت لا يعرفون إلا هذه الكلمة؛ ولهذا قال صلة([238]) لحذيفة([239]) -رضي الله عنه- لما روى الحديث: ما تنفعهم "لا إله إلا الله" وهم بلا صيام ولا صلاة؟! قال: تنجيهم من النار([240]). فلماذا قال: تنجيهم من النار؟ لأن هذا هو ما في مقدورهم، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، لكن لو قال إنسان الآن: إن "لا إله إلا الله" تنجي من النار. ثم ترك الصلاة والصيام والأعمال كلها، فهذا غير صحيح.
فالحال يتفاوت؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن السبب، فقال: «يُسْرَى عَلَى الْقُرْآنِ». أي: كما أن السري يكون في الليل، لا تبقى كلمة في الصدور، ولا في السطور، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولم يبقَ للقرآن أي وجود في الأرض، فهنا لا يعرف الناس أن هناك صلاة، فقد رُفِع الأمر رفعًا تامًّا -عياذًا بالله، فلا يبقى عندهم إلا كلمة كانوا يسمعونها من آبائهم؛ فاستمسكوا بها، وهي كلمة التوحيد، وهذا يدل على عظم شأن كلمة التوحيد، كما قال حذيفة: تنجيهم من النار. لأن هذا هو فرضهم، وهذا هو الذي يتمكنون منه، فحال ووضع الناس في مثل هذه الأزمنة مختلف عن الآن.
إذن المسائل التي يعذر الناس بها هي المسائل التي تخفى، أما أن يقول الإنسان: لم يتحرر عندي أن محمدًا رسول الله. أي أن هذه المسألة خفيت عليه. فلا عذر في هذا، فهو رسول الله رغم أنفك، أو يقول: لا أعلم أن هذا محرم، وأنا أشهد أنه رسول الله، ولكن أسبه. فلا يعذر في مثل هذا، ولو ادعى العذر فلا يمكن أن يُقبل منه؛ لأن هذه المسائل لا تجهل. هذا فيما يتعلق بالمسائل.
الأمر الثاني: ما يتعلق بالجهل، فيُقال: الجهل أيضًا ليس واحدًا، بل الجهل على نوعين:
النوع الأول: جهل مكتسب، أوصل الإنسان إليه إعراضُهُ، فلا يتعلم، ولا يرفع رأسًا بأحكام الله، ولا يكترث بكلام الله ولا بكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا يلتفت مطلقًا إلى ما أوجب الله عليه. فهذا لا بد أن يجهل، يقينًا سيجهل؛ لأنه معرض. يقول أهل العلم: لو عُذر هذا لأعرض الناس. وقالوا: الإعراض سبيل من سبل إسقاط التكاليف؛ لأننا إذا أعرضنا لم يجب علينا شيء. قالوا: فهذا الجهل المكتسب لا يعذر الإنسان به.
النوع الثاني -وهو الذي فيه الكلام: وهو الجهل الذي لا حيلة للجاهل في دفعه، فهو في بيئة ليس فيها علماء الحق والسنة، وليس عنده قدرة على التعلم، كأن يكون عاميًّا، أو ليس عنده قدرة للوصول إلى علماء السنة في غير بيئته.
قالوا: جهل هذا غير جهل السابق؛ لأن هذا الجاهل قد يعجز عن أن يصل إلى الحق، وقد يظن أن ما في بيئته هو الصواب، بينما الأول -الذي جهله مكتسب- يجد الوسيلة للتعلم، ويجد علماء الحق، ولو اتصل بجواله دون أن يسافر، ودون أن يرحل، ودون أن يذهب لتعلم بالهاتف، لكنه يجهل مثل هذه الأمور. قالوا: فجهل هذا لا يمكن أن يكون مثل جهل الآخر.
والسؤال: هل الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- يفصل في الجهل، أم أنه يقول: إنه لا يعذر بالجهل مطلقًا؟
لا شك أن الشيخ -رحمه الله- على منهاج أهل العلم والسنة، فهو يفصِّل بلا ريب في الجهل، فلا يمكن أن يقول: الجاهل لا يُعذر. لكن على التفصيل الذي ذكرناه لك، سواء في المسائل التي تفطن إلى أن الجهل من جهة المسائل نفسها، فمن المسائل ما لا يُجهل، ومن المسائل ما يخفى فيكون فيه العذر، ثم إن الجهل نفسه على نوعين:
فهناك جهل المتسبب فيه إعراض الإنسان، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر مثال ما بعثه الله به: «وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ»([241]). فمن الناس مَن لا يرفع رأسه، ولا يكترث بالأحكام، ولا يهتم بأن يعرف ما أوجب الله عليه، فلو عُذِر مثل هذا لأعرض إعراضًا تامًّا، وقال: أنا معذور! فعندنا مسائل، وعندنا جهل، والمسائل على نوعين، والجهل على نوعين، والشيخ محمد -رحمه الله تعالى- لا شك أنه يفصل في الجهل.
والدليل على أنه يفصِّل في الجهل: ما سيأتي في هذا الكتاب -إن شاء الله تعالى- فقد تكلم فيه الشيخ عن موضوع العذر بالجهل.
وكان -رحمه الله- وهذا في "الدرر السنية"، يقول: إذا كنا نعذر مَن يعبد الصنم الذي على قبر البدوي لجهل... يعني: الوثن الموجود والقبور الموجودة هناك، فإذا عُظم المكان صح أن يجعل عليه وثن، كما ورد: «اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا»([242]). فليس معنى الوثن هو فقط النصب، فالنصب إذا كان فيه صورة فهذا يُسمى صنمًا، لكن الوثن أعم، فإذا بُنِيَت القباب والمباني على القبور سُميت أوثانًا.
يقول: إذا كنا نعذرهم بجهلهم، وعدم مَن يعلِّمُهم، فيتصور في بعض الجهات وفي بعض الأزمنة أن يُجهل؛ ولهذا كان الناس في بلد الشيخ -رحمه الله- في أول دعوته يقولون: يا زيد. يعني: زيد بن الخطاب([243]) الذي قُتِل في حروب الردة، وكان له قبر يُعظم في نجد هنا، فكان الشيخ يتدرج بهم -رحمه الله- ويقول: الله خير من زيد. فلا يستطيع أحد أن يقول: لا، بل زيد خير من الله! ثم تدرج بهم -رحمه الله- بحكمته، فهو من الدعاة الحكماء -رحمه الله تعالى- حتى بيَّن لهم أن عبادة زيد لا تصلح، وألا يُعبد إلا الله، ثم كانت العاقبة أن هُدِم ذلك البناء الذي بُني على قبره.
فالحاصل: لا شك أنه -رحمه الله تعالى- يفصِّل، لكن ينبغي أن يُفهم الأمر، وسمعنا من بعض الناس في هذه الأزمنة مَن يقول: إن ثلثي الناس معذورون! وهذا خطأ يا إخوة، وإياك أن يوقفك الله -عز وجل- فيقول: من أين علمت أن ثلث مَن في هذه الأرض -التي أنا أعلم بمن فيها- أو ربعهم أو نصفهم أو أقل أو أكثر معذورون؟!
فالكلام ليس بالحقيقة، فلا تضع نسبة، فالله تعالى أعلم بعباده، بل أنت تتحدث حديثًا عامًّا، إما أن يكون ثلث الناس أو ثلثاهم أو ربعهم أو عشرهم أو أقل أو أكثر... فلا تتدخل أنت.
وفي الحقيقة هذا درب من دروب القول على الله بلا علم، ورجم بالغيب، فهذا لا ينبغي أن يُقال؛ لأن هذا لا يمكن أن يكون إلا من خلال السبر التام لأحوال هذه المليارات من الناس، فلا يتعجل الإنسان، بل يتكلم كما تكلم أهل العلم، مثل ما قدمت المسائل، وأنواع الجهل.
أما أن تأتي إلى الأرض فتصنفها إلى أن كذا منها يعذرون، فهذا لا يصلح، وقد يسألك الله عز وجل: لِمَ قلت هذا الأمر؟ وذلك لأن كلمة "يُعذَرون" يترتب عليها أحكام، وكلمة "لا يُعذَرون" يترتب عليها أحكام. فأنت تكلم عن المسألة ووضحها وجلِّها هكذا، أما أن تتكلم عن أعداد مَن يُعذَرون فهذا ليس لك، وهذا -في الحقيقة- غيب لا يعلمه إلا علاَّم الغيوب سبحانه وتعالى.
فالحاصل: أن هذا الموطن احتيج فيه إلى التفصيل، وأيضًا بيَّن المصنف -رحمه الله تعالى- هذا الموطن وأجلاه في مواضع أخرى. ومن الغلط البين التوسع الشديد في العذر؛ لأن الأحوال تتفاوت، ولهذا فهذه الأمور العظام تُرد إلى أهل العلم الكبار المبرزين الذين يَعُون مثل هذه المسائل.
فمثلاً لما كانت البلاد المسماة بـ "الاتحاد السوفيتي" تمنع وجود المصاحف، فضلاً عن أن يوجد كتاب من كتب الإسلام، فهل الوضع الآن مثل الوضع سابقًا؟ لا، بل توجد وسائل مثل: الإنترنت... وغيره، فيستطيع الإنسان أن يتعلم دينه من خلالها، كما أن الإنسان إذا أراد أن يشتري سيارة فإنه يبحث في المواقع، وإذا أراد الناس البحث عن علاج سألوا، فلِمَ لا يسألون عن دينهم؟!
الآن كثير من الناس تفقه لما عرف حقيقة مثل هذه الأجهزة، وما ينبغي أن تُستعمل فيه، فتفقه وعرف شيئًا كثيرًا من دينه من خلال هذه المواقع.
فالآن العذر يضيق ولا يتسع، لكن لما كان أولئك الشياطين لو وجدوا مع إنسان مصحفًا لأهلكوه، حتى حدثنا بعض مَن ذهب إلى تلك المواطن إبان ثورة الشيوعيين فقال: إنه خرج مرة بالليل فلقيه بعض المسلمين وقال: أليس معك مصحف؟ ومن عجائب ما فعل أنه قال: كان عندي مصحف ففرقت أوراقه بينهم؛ لقلة المصاحف ولصعوبة الحصول عليها. فهل الحال الآن مثل ذلك الحال؟ لا، بل تتفاوت الأمور؛ ولهذا نقول: هذه الأمور غيب في الحقيقة، ويمكن أن يتحدث عنها بإجمال شيء من العمومية، أما أن تأتي إلى بني آدم -الذين لا يعلم أعدادهم وأحوالهم إلا رب العالمين- وتعطي نسبة مئوية، فهذا خطأ.
 
(وَقَدْ يَقُولُهَا وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهَا تُقَرِّبُهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى كَمَا كَانَ يَظُنُّ الْمُشْرِكُونَ، خُصُوصًا إِنْ أَلْهَمَكَ اللهُ مَا قَصَّ عَنْ قَوْمِ مُوسَى مَعَ صَلاحِهِمْ وَعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ أَتَوْهُ قَائِلِينَ: ﴿اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾([244]). فَحِينَئِذٍ يَعْظُمُ حِرْصُكَ وَخَوْفُكَ عَلَى مَا يُخَلِّصُكَ مِنْ هَذَا وَأَمْثَالِهِ).
-------------------
هذا منه -رحمه الله تعالى- يؤكد الاهتمام بالحرص على المعتقد والتأكد منه، أما ما ذكر عن قوم موسى -عليه الصلاة والسلام- فسيأتي -إن شاء الله- الكلام عليه موسعًا عند الكلام على الرد على شبههم؛ لأنهم احتجوا بما ذكر الله -عز وجل- عن موسى وقومه.
 
(وَاعْلَمْ أَنَّهُ -سُبْحَانَهُ- مِنْ حِكْمَتِهِ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا بَهَذَا التَّوْحِيدِ إِلاَّ جَعَلَ لَهُ أَعْدَاءً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾([245])).
-------------------
يريد -رحمه الله تعالى- أن يقول: إن صاحب الحق عليه أن يتهيأ لهذا الأمر، فإذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد عاداه المشركون، فالذي سيسلك منهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيعاديه ورثة المشركين، كما قيل: لكل قوم وارث. فالأنبياء ورثتهم العلماء، فكما عودي الأنبياء فسيُعَادى العلماء، ومَن الذي يعادي العلماء؟ ورثة أعداء الرسل.
فكما أن الرسل عاداهم مَن عاداهم من شياطين الإنس والجن الذين ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾([246]).
فالمستمسك بهدي الرسل -صلى الله عليهم وسلم- لا بد أن يجد معاداة؛ ولهذا فالمصنف -رحمه الله تعالى- أكد على أمر سورة "العصر"، وقال: إنها دلت على أمور أربعة، آخرها: أنه على الإنسان الحرص على التواصي بالصبر؛ لأن مَن آمن، وعمل، ودعا فلا بد أن يُعادى؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾([247]). فلا بد أن يُتكلم عن الصبر؛ لأنه سيُعادى ولا بد.
 
(وَقَدْ يَكُونُ لأَعْدَاءِ التَّوْحِيدِ عُلُومٌ كَثِيرَةٌ وَكُتُبٌ وَحُجَجٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾([248]). إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ، وَعَرَفْتَ أَنَّ الطَّرِيقَ إِلَى اللهِ لا بُدَّ لَهُ مِنْ أَعْدَاءَ قَاعِدِينَ عَلَيْهِ أَهْلِ فَصَاحَةٍ وَعِلْمٍ وَحُجَجٍ؛ فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَعَلَّمَ مِنْ دِينِ اللهِ مَا يَصِيرُ لَكَ سِلاحًا تُقَاتِلُ بِهِ هَؤُلاءِ الشَّيَاطِينَ).
-------------------
ما أشبه الليلة بالبارحة، وهذا الكلام منه -رحمه الله- يؤكد فيه على أن الموحد والملتزم بالسنة يجب أن يتفطن إلى ما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه: «أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي: كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ»([249]). لأنه يوجد هناك أناس قد باعوا دينهم بدنياهم، وأرادوا أن ينظِّرُوا للشرك لما فيه من المصالح التي يجلبونها لأنفسهم، كما ذكر الله -عز وجل- عن الرهبان، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾([250]). لأنه لو لم يصد عن سبيل الله ما أكل بالباطل، ولكان عالمًا سنيًّا، يُعَلِّم الناس ما أوجب الله عليهم، فتفقهوا وتنوروا وتَبَصَّروا، فمن أين يعطوهم المال؟!
ولهذا تجد العالم السني لا يتأكل بدعوته، بل ربما يبذل هو في الدعوة، أما علماء البدعة فتجد أن صدهم عن سبيل الله مربوط بأكلهم للأموال بالباطل؛ لأن الناس إذا تبصروا ووعوا؛ فإنهم لا يعطون هؤلاء الأموال بالباطل.
وانظر إلى زعماء الباطنية، فإنهم وما يعظمون به معظميهم، وكثرة ما يفرض عليهم زعماؤهم من الضرائب، فإذا ولد لأحدهم ولد فإنه يدفع لشيخ الطائفة مالاً. وإذا تُوُفي أحد وأراد أن يدفن في مقبرته فإنه يدفع لشيخه أموالاً... وأشكال كثيرة من أشكال الصد عن سبيل الله.
وقد قال شيطانهم الكبير لما سُئل: كيف ترضى لهؤلاء أن يعبدوك؟! فضحك -أخزاه الله- وقال: أليسوا يعبدون البقر؟! أنا أحسن من البقرة! هكذا يبرر المسألة، فيقول: هم يعبدون في الهند البقر، وأنا أفضل من البقر، فالأفضل أن يعبدوني ويعطوني هذه الأموال! هكذا يصد عن سبيل الله حتى يأكل!
فهؤلاء الذين يصدون عن سبيل الله، يصدون عن سبيل الله لِمَا في الصد عن سبيل الله من أكل أموال الناس بالباطل، ومن الزعامات الباطلة التي تظهر فيهم باعتقاد البركة فيهم، وأن فيهم كذا وكذا، ويستمر هذا فيهم؛ ولهذا تجدها سلاسل متوالية منذ قرون في تعظيم أناس على هذا المنوال.
يقول الشيخ: فعليك أن تتفطن لهؤلاء؛ لأنهم لما أرادوا الصد عن سبيل الله اتخذوا أنواعًا من العلوم، وصاروا يأخذون المتشابه مثلاً، ويجلبون به على أهل الحق -كما سيأتينا إن شاء الله تعالى في الشبهات التي ستُذكر بعون الله عز وجل مُفَصَّلة، وعددها بضعة عشرة شبهة- لأنهم يريدون أن يستمر الناس على جهالاتهم، وعلى ضلالهم، وعلى ما هم فيه من الباطل؛ حتى يتأكلوا بهذا الباطل، ويطفئوا نور الله -عز وجل- بأفواههم والله متم نوره.
ولهذا يقول: عليك أن تأخذ سلاحًا تقاتل به هؤلاء الشياطين، وسيذكر -رحمه الله تعالى- لاحقًا الجواب المجمل والجواب المفصل.
 
(فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَعَلَّمَ مِنْ دِينِ اللهِ مَا يَصِيرُ لَكَ سِلاحًا تُقَاتِلُ بِهِ هَؤُلاءِ الشَّيَاطِينَ، الَّذِينَ قَالَ إِمَامُهُمْ وَمُقَدَّمُهُمْ لِرَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾([251]). وَلَكِنْ إِذَا أَقْبَلْتَ عَلَى اللهِ، وَأَصْغَيْتَ إِلَى حُجَجِهِ وَبَيِّنَاتِهِ، فَلا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ، ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾([252])).
-------------------
هذا أمر عظيم أن يقرر أنه ينبغي أن يُقَال لكل مسلم: يجب اعتقاد أن كل شبهة يجلبها أهل الباطل من اليهود والنصارى والملاحدة وأهل الشرك وأهل الرفض وأهل الاعتزال... لا شك أنه يُرَد عليها، ويُجَاب عنها، فيوجد جواب عنها بلا شك، ولا يجوز اعتقاد أن هناك شبهة يصعب الرد عليها، فهذا لا يجوز؛ لأن معناه أن الإسلام -وحاشا لله- أخطأ في ذلك،  فهذا يمكن أن يفهم -عياذًا بالله- من معتقدي السوء، وهذا أمر محال، فكل شبهة لا شك أنه يمكن الرد عليها.
لكن قد يكون من الحكمة أن يرد عليها -كما قلنا- إذا انتشرت واشتهرت، وقد يكون من الحكمة أن تُترك؛ لأنها غير منتشرة وغير مشتهرة، والرد عليها هو الذي يشهرها؛ ولهذا نقرر أنه لا يوجد شبهة -بحمد الله- ليس لها جواب، بل أجيب عنها أيًّا كانت الشبهة وبأي باب.
ولهذا يقول الشيخ: أقبل على الله، وتعلم العلم الشرعي؛ ستتضح لك هذه الشبه، وقد ترد الشبهات على طالب العلم نفسه منذ خمس سنوات أو ست سنوات وهو لا يفهم، ولما تزود وأكثر من الاطلاع والدراسة على أهل العلم، تبين له أنها أتفه وأضعف مما كان يتصور لك في السابق. فهذا بلا شك، ولكن يتفاوت الناس في النظر إليها.
وقد جعل الله -عز وجل- بعض أهل العلم منارات، كما جعل الإمام العلامة المجاهد شيخ الإسلام ابن تيمية([253]) -رحمه الله تعالى- منارة في الرد على أهل الباطل، فلم يبقِ ولم يذر -رحمه الله تعالى- فقد ردَّ على المتكلمين، ورد على الروافض، ورد على النصارى، ورد على المناطقة، ورد على الفلاسفة... وأفحمهم إفحامًا عظيمًا.
فما من شبهة يقال فيها: توقف العلماء ولم يستطيعوا أن يجيبوا عنها، ولا يجوز اعتقاد ذلك، فقد يظهر أنها قوية، لكنها في الواقع ليست كذلك؛ ولهذا مثلما قلنا عن القاسم بن محمد([254]) -رحمه الله تعالى- على سمته وهديه العظيم، كان يضحك ضحكًا من تلك الشبه؛ لسخافة وتفاهة ما فيها.
 
(وَالْعَامِّيُّ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ يَغْلِبُ أَلْفًا مِنْ عُلَمَاءِ هَؤُلاءِ الْمُشْرِكِينَ).
-------------------
ذكر -رحمه الله تعالى- أن العامي الموحد الذي بنى أموره على فطرته السوية، وعلى ما عليه المجتمع السني الموحد، يغلب ألفًا من علماء هؤلاء المشركين، ولاحظ يا أخي أنه قال: (مِنْ عُلَمَاءِ هَؤُلاءِ الْمُشْرِكِينَ). ولم يقل: إنه يغلب العلماء، فهذا لا يقوله عاقل، لكن يقول: علماء الشرك، وعلماء الضلالة الذين يقولون للناس: ادعوا غير الله، واعبدوا غير الله!
فالعامي الموحد بفطرته السوية يستطيع أن يرد عليهم، كما سيأتي في الجواب الآتي -إن شاء الله تعالى- المجمل والمفصل، ولا عجب.
وقد انتقد بعض الناس الشيخ -رحمه الله- في هذا، ولا عجب، وإن أغضبهم هذا، فليعلموا أن عمر بن عبد العزيز([255]) -رحمه الله تعالى- ثبت عنه أنه سُئل عن شيء من الأهواء، فقال: عليك بدين الأعرابي، والصبي في الكُتَّاب، وَالْهَ عما سواه([256]). والأعرابي عامي، والصبي في الكتاب عامي، فيقول: عليك بالاعتقاد النظيف الفطري السليم الذي ليس فيه هذه الشبهات.
وهكذا قال غيره؛ كسفيان الثوري([257])... ونحوها من العبارات الواردة في هذا الموضع، وهو أن العامي السني ذا المعتقد السليم يغلب الألوف من علماء هؤلاء المشركين.
وقد ذكر اللالكائي([258]) وابن بطة([259]) وغيرهما قصة عجيبة، وهي أن رجلاً أعرابيًّا دخل المسجد، يبحث عن عالم أو شيخ يدعو له؛ لأن ناقته سُرقت، فأتى إلى رجل مُعَمَّم، وحوله أناس يدرسون، هو عمرو بن عبيد([260]) رأس المعتزلة، فقال: يا شيخ، إن ناقتي سُرقت؛ فادعو الله أن يعيدها. وعمرو بن عبيد -قاتله الله- على طريقة المعتزلة، قال: اللهم إنك لم تُرِد سرقتها فسرقت؛ فارددها عليه. فقال الأعرابي: اكفف عني دعاءك هذا، فلا أريد هذا الدعاء! قال: لماذا؟! قال: لأنه إن كان لم يرد السرقة فسُرقت، فأخشى أن يريد أن تُرد فلا يستطيع أيضًا!([261]).
فكانت هذه من عجائب الردود، وقد ذكرها أهل العلم في كتب الاعتقاد، قالوا: فأفهم هذا العامي عمرو بن عبيد وهو رأس، فقال: كف عني دعاءك! رب يعجز وصار في ملكه أن سرقت من غير أن يريد، فيحتمل أن يريد ردها فلا يستطيع! فهذه حجة عامية مبنية على عقيدة سوية في القدر. ولهذا ذكرها أهل العلم في مصنفاتهم في القدر.
وقد ذكر اللالكائي أن رجلاً من المعتزلة كان عنده جارية، فأراد بعض أهل السنة أن يشتريها، فلما أراد أن يشتريها قال: لا يأتيكم بالماء أو بالطعام إلا مَن تريدون شراءها. فأتت، وطلب سيدها منها قدحًا من الماء، ثم وضع قدح الماء على يدها، وقال -وكان من المعتزلة الذين يقولون: إن إرادتنا هي النافذة، وأن ما أردناه يقع، وأن الله لا تتعلق مشيئته بمراداتنا- فوضع الماء على يدها وقال: يزعم قوم أني لا أستطيع أن أشرب هذا الماء! إن لم أشربه فهي حرة لوجه الله. فلطمت الكأس من يده، فسقط على الأرض؛ فأعتقها. فسماها أهل العلم: مولاة السنة([262])، أي: الذي أخرجها السنة والاعتقاد الصحيح. فما صار لها مولى الآن، وكان هذا يريد أن يشتريها، فهذه من عوام الناس، فهذا مصداق ما قاله -رحمه الله تعالى: إن العامي الذي جعل منهجه منهجًا سليمًا يغلب رؤوس هؤلاء المبتدعة والضلال.
السؤال:
يسأل عن تكفير جميع المعتزلة والمعطلة؛ لأنهم تأولوا، فهل يُقال ذلك في علماء الصوفية؟
الجواب:
التكفير أمر لعله يأتي الكلام عليه، وله ضوابط في مسألة الفرق بين التكفير بالمعين، والتكفير بالعموم، وهكذا ما يتعلق بموضوع التأول ونحوه، وهذا سيأتي -إن شاء الله عز وجل.
السؤال:
طلب الدعاء من صاحب القبر، لماذا هو بدعة وليس بشرك؟
الجواب:
بل هو شرك، ومَن قال: إننا نقول: إنه بدعة؟!
السؤال:
ما معنى قول الشيخ رحمه الله تعالى: (لا نُكَفِّرُ مَنْ عَبَدَ قُبَّةَ الحُسَينِ، وَالْبَدَوِيِّ، وَابْنِ فَارِضٍ([263])؟).
الجواب:
يعني: الذين لديهم جهل يعذرون به. هذا هو المراد.
السؤال:
يسأل عن تارك العمل عمومًا عند أهل السنة، هل يكفر؟
الجواب:
يكفر بترك الصلاة، لو ترك الصلاة فقط لكفر بذلك.
السؤال:
يسأل عن الذين يَعْذِرُون بالجهل مطلقًا، وينسبون ذلك إلى شيخ الإسلام، هل هذا صحيح؟
الجواب:
غير صحيح، الشيخ -رحمه الله- فَصَّل موضوع العذر، والقول بالعذر مطلقًا هذا لا يمكن أن يقول به شيخ الإسلام ولا غيره من أهل العلم.
السؤال:
يسأل عن فعل الإنسان الشرك جاهلاً.
الجواب:
يجعلنا لا نسميه مشركًا على ما ذكرناه، فالوقوع في الشرك شرك، لكن هل يقال: إنه يعذر بما فعل أول لا؟ هذا هو موطن الكلام.
السؤال:
نرجو إعادة أقسام الجهل الثلاثة.
الجواب:
الجهل نوعان يا أخي:
الأول: جهل مكتسب، أي: السبب فيه تفريط صاحبه في التعلم، فهو موجود في هذه البيئة مثلاً، وعنده علماء، وعنده قدرة على التعلم، فهذا مفرط.
الثاني: جهل غير مكتسب، ويكون عند مَن يعيش في بيئة ليس بها علماء الحق من جهة، وليس عنده قدرة على التعلم، ولا يستطيع الوصول إلى علماء الحق.
السؤال:
تدريس كتب العقيدة قليل، فلماذا لا يُهتم بهذا الأصل الذي هو حق الله تعالى على عباده؟
الجواب:
لله الحمد، هذا كثير -إن شاء الله تعالى- ولنعلم أن تدريس كتب العقيدة كثير -ولله الحمد- وقد يكون هناك إقبال على كتب الفقه، لكن دراسة العقيدة كثيرة -ولله الحمد- ولا نستطيع أن نقول: إنها قليلة، أو نادرة، أو غير موجودة، خاصة أنني أتكلم عن البلد هذا.
السؤال:
قول عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- ما سنده؟
الجواب:
رواه الآجري([264]) في "الشريعة" وغيره بسند صحيح. فقد سُئِل عن شيء من الأهواء، فقال: عليك بدين الأعرابي، والصبي في الكُتَّاب، واللهو عما سواه؛ لأنهم على الفطرة السوية.
فقال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب([265]) -رحمه الله تعالى- في "كشف الشبهات": (قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾([266]). فَجُنْدُ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ بِالْحُجَّةِ وَاللِّسَانِ، كَمَا أَنَّهُمُ الْغُالِبُونَ بِالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ).
-------------
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين..
ذكر المصنف هذه الآية، وفيها إضاف الله -عز وجل- الجند إليه بنون العظمة، وفيها التأكيد بـ "إن" و"اللام" في خبرها، بأن الغلبة لجند الله عز وجل.
وهذه الغلبة كما ذكر المصنف -رحمة الله تعالى عليه- من طريقين:
الطريق الأول: الغلبة بالحجة العلمية.
الطريق الثاني: الغلبة بالنصر في ميادين الجهاد.
أما الحجة العلمية فهي لهم إلى قيام الساعة؛ لأنهم يلتزمون النص الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والملتزم بالنص غالب لا مغلوب، ولا يمكن أن يُغلب النص، وقد جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال لكعب بن مالك([267]) رضي الله عنه: «إِنَّ اللهَ شَكَرَ لَكَ هَذَا الْبَيْتَ:
زَعَمَتْ سَخِينَةُ أَنْ سَتَغْلِبُ رَبَّهَا *** وَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلاَّبِ»([268]).
وسخينة كانت مما تُعَيِّر بها العرب قريشًا، فكان يذمهم ذلك قبل أن تسلم قريش، فيقول:
زعمت سخينة أن ستغلب ربها *** وليغلبن مغالب الغلاب
أي: رب العالمين لا يغلبه أحد سبحانه وبحمده.
فالحجة العلمية باقية إلى قيام الساعة في جميع الفترات، وبها تقوم الحجة على العباد، ولا تزال هذه الطائفة المباركة باقية إلى قيام الساعة، وتقيم الحجة على الخلق.
أما النصر في ميادين الجهاد؛ فإنه قد يتخلف بسبب عصيان الناس، ولكن وَعَد رب العالمين بأن العاقبة في نهاية المطاف لجنده ولأوليائه، فمتى عادوا إلى نصر دينهم عاد الله -عز وجل- عليهم بالنصر.
وعليه: فلهم النصر من الجهتين:
أما الأولى: فلا يتخلف إلى قيام الساعة وهو النصر بالحجة.
وأما الثاني: فإن تخلف فبسبب الذنوب، فمتى رجعوا إلى الله -عز وجل- رجع الله -عز وجل- عليهم بنصره.
وبه تعلم: أن الطائفة المنصورة هي الناجية إلى قيام الساعة، فأهل السنة هم الطائفة المنصورة، وهم الطائفة الناجية.
ومِن هنا يُعلم خَطَل قول القائلين: إن أهل السنة ثلاث فرق: أهل الأثر من المحدثين، والأشاعرة، والماتريدية. وهذا قول باطل لا يشك في بطلانه مَن لديه أدنى معرفة بمنهج السلف الصالح رضي الله عنهم.
أولاً: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ»([269]). ولم يقل: طوائف.
ثانيًا: أن الطوائف التي يُزعم أنها على الحق ويُراد إدخالها في الطائفة المحقة هم الكُلاَّبِية، أتباع عبد الله بن سعيد بن كُلاَّب([270])، وله أناس من ضئضئه، ومن أظهرهم الحارث المحاسبي([271]) ونحوه، وهذه الطائفة -الكلابية- نشأت زمن قوة السلف -رضي الله عنهم- وهي خيرٌ من الطائفتين، وأفضل منهما بكثير، ومع ذلك وقف منها السلف وقفة عظيمة، حتى إن الحارث المحاسبي اختفى من الإمام أحمد حتى مات، فلم يتمكن من الخروج في بغداد إلى أن توفي، وهو من الكلابية، وهو أفضل بكثير من متأخري الأشاعرة والماتريدية، بل لا قياس! فكيف يُقال: إن هؤلاء يدخلون في الطائفة التي تمثل الحق؟!
ثالثًا: أن الفروق في أبواب الاعتقاد بين الأشاعرة والماتريدية من جهة، وبين الملتزمين بمنهج السلف: فروق ظاهرة للعيان، يعرفها المرء بأدنى تأمل، فالفرق بين الملتزمين بمنهج السلف وبين الطائفتين في أبواب واضحة مثل الشمس؛ ففي الإيمان هم مرجئة، وفي الصفات هم من نفات الصفات، والأشعرية في القدر من الجبرية، وإن مالت الماتريدية إلى شيء من قول المعتزلة في القدر، فكيف يُقال بعد ذلك: إنها داخلة في أهل الحق؟!
وما هذا في الحقيقة إلا من خلط الأوراق، ومَن صنف ممن صنف في هذا فسيسأله الله -عز وجل- عما صنف، ممن أراد أن يعبث بمثل هذه الأمور العظام؛ لأنه إذا قيل بمثل هذا الكلام، فأول سؤال يُقال: هل الحق أن الإيمان قول واعتقاد وعمل، أو أن الإيمان اعتقاد فقط؟ لأن الطائفتين تقولان: إن الإيمان هو الاعتقاد. على طريقة المرجئة، فيخلط الحق بالباطل في مثل هذا، وهكذا فيما يتعلق بالصفات.
وهل الحق إقرار الصفات كما جاءت في القرآن والسنة على منهج السلف، أو التشهي واختيار ما شاء الناس من الصفات سبعًا أو ثمانٍ؟ فهؤلاء يتشهون ويختارون من الصفات ما يريدون، والملتزمون بمنهج السلف يقولون: أي صفة تثبت في القرآن أو تثبت في السنة فإن الواجب إقرارها. فالفرق بيِّن.
وهكذا القدر، فأهل السنة ليسوا قدرية (معتزلة) وليسوا جبرية، لكن الأشعرية جبرية، والماتريدية يميلون إلى قول القدرية، فالفرق بَيِّن.
فيجب تقوى الله -عز وجل- في مثل هذه الأمور وعدم العبث؛ فهذه أمور اعتقاد ليست من مسائل العبث التي تُخلط فيها الأمور، وخلط الأمور لا يصلح لا في أمور الاعتقاد ولا في غيره، والواجب الوضوح والصراحة، والبعد عن الغموض والعبث والمجاملة في دين الله.
 
(وَإِنَّمَا الْخَوْفُ عَلَى الْمُوَحِّدِ الَّذِي يَسْلُكُ الطَّرِيقَ وَلَيْسَ مَعَهُ سِلاحٌ).
-------------
وهذا واضح، والمراد بالسلاح هنا: سلاح العلم، فكما أن الإنسان إذا سلك طريقًا فيه قُطَّاع طريق ولم يتسلح فقد يأخذونه، فكذلك الموحد الذي ليس لديه علم، فلا شك أنه قد يتضرر ضررًا بالغًا جدًّا؛ لأنه إذا لم يكن لديه علم فقد يغوونه ويضلونه.
 
(وَقَدْ مَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا بِكِتَابِهِ الَّذِي جَعَلَهُ ﴿تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾([272]). فَلا يَأْتِي صَاحِبُ بَاطِلٍ بِحُجَّةٍ إِلاَّ وَفِي الْقُرْآنِ مَا يَنْقُضُهَا وَيُبَيِّنُ بُطْلانَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾([273]). قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: هَذِهِ الآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ حُجَّةٍ يَأْتِي بِهَا أَهْلُ الْبَاطِلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).
-------------
هكذا قال أهل العلم، وأحسن ما يرد على أهل الباطل النصوص، فأكبر جرم وأعظم بدعة يمكن أن يُدان بها أحد؛ أن يقال له: خالفتَ قول الله، وخالفتَ ما ثبت في الصحيحين. ولهذا كان مالك وأحمد يقولان: اقرأ عليهم النصوص. أي: اقرأ عليهم النصوص، وكفى بها ردًّا؛ لأن الإنسان إذا خالف كلام الله؛ فلا شك أنه مبطل، وإذا خالف ما ثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا شك أنه مبطل؛ ولهذا بيَّن -تبارك وتعالى- أن هؤلاء لا يأتون بمثل -يعني: بشبهة من الشبه- إلا جاء هو بالحق. فهم يأتون بالشُّبَه، والله يأتي بالحق.
ولهذا قال الشعبي([274]) رحمه الله تعالى: ما ابتُدع في الإسلام بدعة إلا وفي كتاب الله ما يكذبها([275]). يعني: في القرآن نفسه الدليل، ولكن قد تقصر الأفهام عن فهمه.
بل قال ابن تيمية([276]) -رحمه الله- كما في "مجموع الفتاوى" المجلد السادس، صفحة ثماني وثمانين ومئتين، يقول رحمه الله: الدليل الذي يحتج به المبطل إذا أُعطي حقه، وتميز ما فيه من حق وباطل، وبُيِّنَ ما يدل عليه، تبيَّن أنه يدل على فساد قول المبطل المحتج به. فنفس الدليل الذي يأتي به الشيعي فرحًا مسرورًا ليطعن في عثمان بن عفان -رضي الله عنه- هو نفس الدليل على فضله رضي الله عنه.
كما فعل ابن عمر -رضي الله عنهما- لما جاءه أحد الخوارج -كما عند البخاري- وقال له: أتشهد أن عثمان فَرَّ يوم أحد؟ قال: نعم. قال: أتشهد أنه تخلف عن بدر؟ قال: نعم. قال: أتشهد أنه تخلف عن بيعة الرضوان؟ قال: نعم. فقال الخارجي: الله أكبر. وفرح، فقال ابن عمر: تعالَ أُبِيِّن لك؛ أما تخلفه يوم بدر فقد تخلف بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليمرض زوجته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما تخلفه يوم أحد فأشهد أن الله قد عفا عنه. ولكن من أين عرف ابن عمر أن الله عفا عنه؟ من قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ﴾([277])([278]).
فصار هذا الدليل الذي فرح به دليلاً عليه؛ لأننا نجزم أن عثمان قد حصل له شيء كبير؛ ألا وهو عفو الله تعالى؛ ولهذا فهذه الأمور التي يريدونها مثالب هي في الواقع مدائح إذا أُعطيت حقها من الدليل.
وأما بيعة الرضوان فلمَ تخلف عنها عثمان؟ هذا من التعنت العجيب الغريب! فبيعة الرضوان لم تكن إلا لأجل عثمان؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث عثمان إلى مكة، فجاء خبر أن عثمان قد قتلته قريش، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالبيعة بعد أن بلغه خبر مقتل عثمان، فكيف يبايع عثمان وهو في مكة، وما كانت البيعة إلا لأجله رضي الله عنه وأرضاه؟!
فهذا نموذج أن الدليل إذا دققت فيه وتأملته صار حجة على المبطل ودليلاً عليه لا دليلاً له؛ ولهذا ينبغي أن تُؤصَّل أمور الردود على أهل البدع، وعلى أهل الضلال من المتقدمين والمتأخرين من نصوص القرآن والسنة في المقام الأول، ففي المقام الأول أعظم ما يُرد به عليهم النصوص من القرآن والسنة.
 
(وَأَنَا أَذْكُرُ لَكَ أَشْيَاءَ مِمَّا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ جَوَابًا لِكَلامٍ احْتَجَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ فِي زَمَانِنِا عَلَيْنَا، فَنَقُولُ: جَوَابُ أَهْلِ الْبَاطِلِ مِنْ طَرِيقَيْنِ: مُجْمَلٍ، وَمُفَصَّلٍ).
-------------
رسم الشيخ -رحمه الله- الجواب هنا على شبه القوم إلى جواب مجمل، ومزية الجواب المجمل أنه يكفي برأسه في رد كل شبهة، يعني: لو تلقنه العامي الذي لا يستطيع النقاش والحجاج، فإنه هذا الجواب المجمل يكفي ليستمسك به، ويرد كل شبهة -كما سيأتي- حتى لو لم يكن يعرف ما يقوله المبطل.
أما الجواب المفصل -وكلها ستأتي بعون الله- فإنه يعني: تتبع كل شبهة بالنقض والإبطال، وبنى الرد على هذين الجوابين.
وهذا الكتاب -في الحقيقة- يُعد من أدلة نباهة وحذق الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- لأنه جعل الكتاب للعامي الذي لا يملك إلا معرفة الجواب المجمل، ولطالب العلم الذي يريد التفصيل في الرد. فالجواب المجمل يكفي برأسه كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في رد أي شبهة، عرف أصلها العامي أو لم يعرف. أما المفصل فيه يأخذ كل شبهة على حدة.
 
(أَمَّا الْمُجْمَلُ: فَهُوَ الأَمْرُ الْعَظِيمُ وَالْفَائِدَةُ الْكَبِيرَةُ لِمَنْ عَقَلَهَا؛ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ﴾([279]). وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ؛ فَاحْذَرُوهُمْ»).
-------------
في الآية ذكر الله -عز وجل- أن آياته على نوعين:
النوع الأول: آيات محكمة، والمراد بالمحكمة: الآية البينة الواضحة، الجلية المعنى.
النوع الثاني: آيات متشابهة، لا تُفهم وحدها إلا إذا رُدَّت إلى الآيات التي سماها الله: بأم الكتاب، وهي الآيات المحكمات، وجعل الله علامة من علامات أهل الزيغ أنهم يتركون الآيات المحكمة الجلية البينة، وهكذا أيضًا النصوص من السنة البينة الجلية، ويذهبون لتتبع النصوص المتشابهة غير البينة، فهذه العلامة تُعرَف فيهم إلى قيام الساعة.
وقد ذكر ابن جرير([280]) في التفسير والشوكاني([281]) وابن كثير([282]) وابن سعدي([283])، ونقل ابن جرير -رحمه الله تعالى- هذا عن محمد بن إسحاق([284]) وعن غيره، أن هذه العلامة مزيتها أنها في كل مبتدع إلى يوم القيامة، حتى قال ابن جرير رحمه الله: هذه العلامة توجد في اليهود، وفي النصارى، وفي السبئية، وفي الخوارج، وفي الجهمية، وفي المعتزلة، وفي الرافضة. وقال: تجد أنهم يبحثون ويركزون على النصوص المتشابهة غير البينة التي لا تُفهم إلا بردها إلى النصوص المحكمة([285]).
والصادق الذي يريد الحق يجعل النصوص التي سماها الله عز وجل: أمَّ الكتاب، يجعل إليها المرد، ويجعلها في المقام الأول، والنصوص المتشابهة يفهمها بردها إلى النصوص المحكمة؛ لأنها، كما سماها الله، متشابهة، ثم إن أهل العلم قالوا: إن هذا التشابه تارة يكون تشابهًا نسبيًّا. يعني: هذه الآية متشابهة بالنسبة إلى مَن قلَّ علمه، لكنها بالنسبة إلى ذوي العلم والبصيرة غير متشابهة، بل واضحة وجلية المعنى.
فالتشابه يكون في بعض الأحيان نسبيًّا؛ ولهذا قال بعض أهل العلم: إنه إذا رُد المتشابه إلى المحكم صار المتشابه بينًا واضحًا؛ لأن هذا هو الأسلوب الصحيح في فهم الآيات المتشابهات، والنصوص المتشابهة.
فمثلاً قول الله تعالى: ﴿وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾([286]). إذا قال الجهمي: إن هذه الآية دالة على أن الله في الأرض. نقول: لم تصدق، وهذا ليس بصحيح، والآية هنا في هذا الموضع لا تدل على أن الله في الأرض أصلاً. قال بعض أهل العلم: الآية تُقرأ هكذا: ﴿وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ﴾. وتقف هنا، ثم تقرأ: ﴿وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾. فهذا جوابهم.
وقال آخرون: هذه الآية تُفهم بالآية التي قال الله فيها: ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ﴾([287]). ومعنى الإله: المعبود، أي: وهو معبود أهل السماوات، ومعبود أهل الأرض. ثم هذا النص إذا عُرِض على قوله تعالى: ﴿أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ﴾([288]). وقوله: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ﴾([289]). وقوله: ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾([290]). وقوله: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾([291]). فإذا عُرِض على هذه الآيات فإنه لا يخالفها؛ لأنها نصوص محكمة.
ولما خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- في مئة ألف من أصحابه، قال: «إِنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ عَنِّي، فَمَاذَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟». قالوا: نشهد أنك قد بلغت، وأديت، ونصحت. فقال أمام مئة ألف فيهم الجاهل، وفيهم حديث العهد، وفيهم الأعرابي، وفيهم العامي، وفيهم الصحابي العالم الفقيه، قال: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ([292]). على مئة ألف، يرفع أصبعه يشير إلى الله. ولما قال للجارية: «أَيْنَ اللهُ؟». قالت: في السماء. قال: «مَنْ أَنَا؟». قالت: رسول الله. قال: «أَعْتِقْهَا؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ»([293]). فكل هذه الآيات والنصوص دالة بوضوح على أن الله تعالى في السماء.
وهكذا آيات الاستواء على العرش كلها دالة على أن الله تعالى في السماء؛ لأن العرش هو سقف وأعلى المخلوقات، كما في الحديث: «إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ؛ فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَسَقْفُهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ»([294]). يعني: عرش الرحمن فوق الفردوس، والله مستوٍٍ على العرش.
فكل هذا دليل واضح على أن الله -سبحانه وتعالى- في العلو، وقوله: ﴿وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ﴾([295]). لا يعني أن الله في الأرض، وهذا واضح، لكن يأتي المبتدع ويستمسك بمثل هذه الآيات، ويقول: هذا يدل على أن الله في الأرض. نقول: هذه الآية برأسها لا تدل على أن الله في الأرض، ومع ذلك لما استمسك بها وقال: إنها تدل على أن الله تعالى في الأرض. وإذا رددتها إلى النصوص المحكمة وجدتها جلية؛ ولهذا تجد أنه يستمسك بهذه النصوص، ويترك تلك النصوص التي قال أهل العلم: إنها تزيد على ألف نص كلها دالة على أن الله تعالى في العلو.
فهذه علامة؛ ولهذا قال الشيخ رحمه الله: إن هذه العلامة يمكن أن يُعطاها الشخص، وهي الجواب المجمل، فيقال لهذا المبطل: إن الله تعالى أخبرنا أن هناك أناس يتبعون المتشابه، ويتركون المحكم، وحذرنا منهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «فَإِذَا رَأَيْتَ أُولَئِكَ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ؛ فَاحْذَرُوهُمْ»([296]). فأمر الأمة أن يحذروا هؤلاء، فأنا أَحْذَرُك؛ لأن ما تذكره لي يدل على أنك تتبع المتشابه، وتترك المحكم.
 
(مِثَالُ ذَلِكَ: إِذَا قَالَ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ: ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([297])، وَأَنَّ الشَّفَاعَةَ حَقٌّ، وَأَنَّ الأَنْبِيَاءَ لَهُمْ جَاهٌ عِنْدَ اللهِ، أَوْ ذَكَرَ كَلامًا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ بَاطِلِهِ، وَأَنْتَ لاَ تَفْهَمُ مَعْنَى الْكَلامِ الَّذِي ذَكَرَهُ، فَجَاوِبْهُ بِقَولِكَ: إِنَّ اللهَ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ يَتْرُكُونَ الْمُحْكَمَ، وَيَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ، وَمَا ذَكَرْتُهُ لَكَ مِن أَنَّ اللهَ تَعَالَى ذَكَرَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يُقِرُّونَ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَأَنَّ كُفْرَهُمْ بِتَعَلُّقِهِمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ وَالأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ مَعَ قَوْلِهِمْ: ﴿هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ﴾([298]). هَذَا أَمرٌ مُحْكَمٌ بَيِّنٌ لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُغَيِّرَ مَعْنَاهُ.
وَمَا ذَكَرْتَ لِي -أَيُّهَا الْمُشْرِكُ- مِنَ القُرْآنِ أَوْ كَلاَمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ أَعْرِفُ مَعْنَاهُ، وَلَكِنْ أَقْطَعُ أَنَّ كَلاَمَ اللهِ لاَ يَتَنَاقَضُ، وَأَنَّ كَلاَمَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يُخَالِفُ كَلاَمَ اللهِ.
وَهَذَا جَوَابٌ جَيِّدٌ سَدِيدٌ، وَلَكِنْ لاَ يَفْهَمُهُ إِلاَّ مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ، فَلاَ تَسْتَهِنْ بِهِ، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾([299])).
-------------
هذا هو الجواب المجمل، يقول: إذا قال لك كلامًا، فربما لا تفهمه، فإذا قال لك: قال تعالى: ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([300]). وقال لك: إن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لهم جاه. أو تكلم معك عن الشفاعة، وربما أورد لك كلامًا، وقال إنه للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأنت لا تدري: هل هو من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- أو ليس من كلام النبي؟ أو قال لك كلامًا لا تفهم معناه... يقول الشيخ: التزم الأمر العام المحكم، وهو ما ذكرناه مرات عديدة، وهو أن القرآن دلَّ بجلاء ووضوح على القاعدتين العظيمتين، وهما: أن المشركين مقرون بأن الله هو خالقهم وهو رازقهم. وثانيًا: دلَّ القرآن أن شركهم كان بصرف العبادة لغير الله تعالى.
وقل له: ما تذكره لي الآن من هذه النصوص التي ربما لا أعلمها، وما تورده من الأحاديث، أقطع أنا أن كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حق، وأن كلام الله حق، وأنه لا يمكن أن يناقض بعضه بعضًا.
فأنت تركت الأمر المحكم البيِّن الجلي في هاتين القاعدتين الكبيرتين: أن المشركين مقرون بالربوبية.
وثانيًا: أن الشرك الذي وقعوا فيه كان لصرفهم العبادة لغير الله، فأنت تركت هذا البيِّن، وبدأت تذكر لي أمر الشفاعة وغيره.
ومزية هذا الجواب:
أولاً: أنه لا يمكن جحده، إذ لا يمكن أن يجحد أحد أن المشركين يقرون أن الله هو الخالق، وأن الله هو الرازق.
ثانيًا: لا يمكن لأحد أن يجحد ما تقرر من أن شرك المشركين دلت النصوص على أنه كان بصرف العبادة لغير الله من الدعاء والذبح... وغيرهما.
فيكون هذا الجواب، أولاً: لا يمكن نقضه، إذ لا يستطيع أن يقول: لا، ما قلته غير صحيح.
ثانيًا: ما دام هذا الكلام مرتكزًا على هاتين القاعدتين العظيمتين؛ فإنه يتميز بأنه جواب يعمُّ الشبه التي يوردها المبطل بطريقة إجمالية، وهذا من المناسب جدًّا لمن يُعطى الجواب المجمل. فتقول: أنا أعلم أن هذا الأمر واضح جدًّا في القرآن والسنة، حتى لو لم أفهم ما قلته. وبالتالي فأنت تترك المحكم -وهو الذي في هاتين القاعدتين- وتتبع المتشابه، وهذه علامة الزيغ الذي حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- وبيَّن تعالى أنها علامة الذين في قلوبهم زيغ.
 
(وَأَمَّا الْجَوَابُ الْمُفَصَّلُ: فَإِنَّ أَعْدَاءَ اللهِ لَهُمُ اعْتِرَاضَاتٌ كَثِيرَةٌ عَلَى دِينِ الرُّسُلِ؛ يَصُدُّونَ بِهَا النَّاسَ عَنْهُ، مِنْهَا قَوْلُهُمْ: نَحْنُ لا نُشْرِكُ بِاللهِ، بَلْ نَشْهَدُ أَنَّهُ لا يَخْلُقُ، وَلا يَرْزُقُ، وَلا يَنْفَعُ، وَلا يَضُرُّ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلا ضَرًّا، فَضْلاً عَنْ عَبْدِ الْقَادِرِ([301]) أَوْ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ أَنَا مُذْنِبٌ، وَالصَّالِحُونَ لَهُمْ جَاهٌ عِنْدَ اللهِ، وَأَطْلُبُ مِنَ اللهِ بِهِمْ.
فَجَاوِبْهُ بِمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ: أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُقِرُّونَ بِمَا ذَكَرْتَ، وَمُقِرُّونَ أَنَّ أَوْثَانَهُمْ لا تُدَبِّرُ شَيْئًَا، وَإِنَّمَا أَرَادُوا الْجَاهَ وَالشَّفَاعَةَ. وَاقْرَأْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَوَضَّحَهُ).
-------------
الجواب المفصل: يعني: تتبع كل شبهة على حدة، والمصنف -رحمة الله عليه- ذكر بضع عشرة شبهة، وبيَّن أن أهم هذه الشبه: الشبه الثلاث الأولى؛ فهي أهم شبههم، وسيجيب عنها.
وكثير من الكلام تقدم؛ لأن الكلام على هذه الشبه تفريع عن الكلام في السابق، فرأيت أن أضيف أمرًا مهمًّا جدًّا يُحتاج إليه كثيرًا في هذا الوقت؛ ذلك أن بعض الناس يقول: قصارَى ما عند ابن عبد الوهاب أن يقول: هذا قول أحمد، ونحن على قول الشافعي؛ فليترك كلٌّ منا الآخر في حاله، وتكون المسألة مثل المسائل الفقهية الأخرى! فهذه مقولة الشافعي، وهذه مقولة أحمد... وليعذر كلٌّ الآخر!
وهذا مما عُرِض على ابن تيمية -رحمة الله تعالى عليه- لما امتُحِن، واجتمع عليه منكرو الصفات، فأراد الوالي أن يتوسط، فقال: هذا القول الذي يقوله ابن تيمية هو قول أحمد، وأحمد إمام معتبر؛ فاتركوه في حاله. يقول ابن تيمية: فقلت له: ليس هذا قول أحمد، بل أقول: هذا قول أحمد والشافعي ومالك وأبي حنيفة، ولا أقول إنه قول أحمد، وأقول: إن مذهب السلف كان قبل أن يُخلق أحمد ومالك والشافعي وأبو حنيفة.
فمذهب السلف وُجِد قبلهم، وهم لم يكن لهم الإمامة في الدين إلا بحسب التزامهم بمنهج السلف الصالح، فأما أن يقال: هذه مقولة أحمد. فهذا من الفتنة العظيمة؛ لأنه يراد أن تكون المسألة فيها نوع من المزايدة، فاتركونا ونترككم في حالكم، واتركونا نعتقد هذه الأمور الشركية، وكونوا أنتم على ما ترون أنه من أمور التوحيد.
ولهذا رأيت أن أضيف عبارات أنقلها عن عدد من المتقدمين؛ منهم مَن هم من علماء السلف المتقدمين، ومنهم مَن هم ليسوا من الحنابلة -وهذا أهم شيء؛ حتى لا يُقال: إن هذا قول أحمد. وهذا منهج سلكه ابن القيم([302]) -رحمه الله- في "النونية" لما ذكر نقولات كثيرة في إثبات الصفات، قال:
ما في الذين نقلت عنهم آنفًا *** من حنبلي واحد بضمان
فابن القيم -رحمه الله- يقول: لن أنقل عن الحنابلة؛ حتى لا يقول قائل: هؤلاء من الحنابلة. بل أنا أضمن لك أنه ليس فيهم حنبلي واحد، وأنا أنقل هذا الكلام عن غير الحنابلة قصدًا؛ حتى يُعلم أن هذا الاعتقاد ليس اعتقاد أحمد. ولهذا قال ابن تيمية كلمة جليلة، قال: لم يأخذ أهل السنة من أحمد حرفًا واحدًا في العقيدة.
وهذا الكلام يعني: أن أحمد لم يؤسس لأهل السنة اعتقادًا، بل يُقال: أين الدليل؟ فما عندنا من دليل لكن قاله أحمد، لكن أحمد لم يؤسس لهم مذهبًا لا هو ولا غيره؛ لأن الاعتقاد تلقاه أهل السنة من النصوص، ومن السلف الصالح -رضي الله عنه.
فمن هنا كان من المفيد أن تُنْقل أقوال عن غير الحنابلة؛ حتى يعلم الذين يريدون أن يجعلوا المسألة نوعًا من المزايدة، وأن القضية قضية حنابلة، يخالفهم غيرهم من الشافعية أو المالكية أو الحنفية... أن المسألة ليست هكذا، وأن الأمر أمر توحيد وبدعة وشرك وسنة، وليس الأمر بالأمر الهين؛ فلهذا سننقل -إن شاء الله تعالى- من الكلام الذي ذكره -رحمه الله تعالى- هنا في الجواب المفصل، وقد مضى جزء منه؛ لأن المصنف يريد أن يقول لهم في جوابه على هذه الشبه: حالكم مثل حال المتأخرين بالضبط، فالمتأخرون يقرون بالخلق والرزق والنفع والضر لله، وهي شبه المتأخرين من المشركين، وكذلك المتقدمون كما دلت النصوص، وكما ساقها رحمه الله.
فالمتأخرون يطلبون ممن عظموهم الجاه والشفاعة، وكذلك المتقدمون، كما دلت النصوص أيضًا، إذن ما الفرق بين هؤلاء وهؤلاء؟ الفرق في التسميات، فقد يسمونه توسلاً، وقد يسمونه أشياء أخرى؛ ولهذا سننقل -إن شاء الله تعالى- من أقوال أهل العلم، ونحن نحرص على النقل عن أهل السنة في المقام الأول، ولكن نتعمد أن ننقل حتى عن الذين ليسوا على منهج السلف، حتى يُعلم أيضًا أن هذه المقولات الفظيعة في الشرك، حتى بعض المتكلمين -رغم ما عندهم من بدعة وضلال- قد خالفوا فيها هؤلاء المشركين.
وهذا ما سلكه ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في "الحموية"، فقد قسمها -رحمه الله تعالى- إلى قسمين: القسم الأول: المقدمة، والقسم الثاني: نقولات عن السلف؛ عن الصحابة، وعن التابعين، بعد أن ذكر الآيات وذكر الأحاديث، ثم بدأ يذكر نقولات عن علماء السنة المعروفين، ثم أدخل نقولات عن المتكلمين، وذكر في الرسالة -رحمه الله- أنه ينقل عن هؤلاء لكلام مفاده: أنه يريد الرد على سلفهم ممن يزعمون أنهم على نهجهم.
وهكذا ابن القيم -رحمه الله- في "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة الجهمية"، فإنه نقل نقولات كثيرة عن السلف، وعن الصحابة، وعن التابعين، وعن الحنفية، وعن المالكية، وعن الشافعية، ثم عن الحنابلة... ثم نقل عن المتكلمين؛ لأنه أراد -كما سماه- أن يكون جيوشًا يغزو بهم الجهمية.
وهذا مسلك سلكه الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وعدد من أئمة الدعوة، والمراد ليس تقرير العقيدة من كلام الناس، ولكن المراد: إزالة الوهم؛ لأن هذه مقولة الحنابلة، أو مقولة ابن تيمية، أو مقولة أحمد، أو مقولة ابن عبد الوهاب نفسه... وهكذا أئمة الدعوة الآخرين؛ تجدهم ينقلون كثيرًا عن مثل هؤلاء.
ولهم في تقدمة الشافعي -رحمه الله- في "الأم" قدوة، فلما ذكر بعض المسائل التي دلت عليها النصوص، نقل نقولات عن السلف وأقوالاً فقهية، ثم قال كلامًا من أنفس الكلام، قال: ونحن ننقل هذه الأقوال احتسابًا للأجر؛ لأن هؤلاء لا يقبلون إلا إذا نُقل لهم عن الناس.
قال -رحمه الله: ولو كانوا مثلنا -أي: في حسن المنهج- يكتفون بما في النصوص؛ لما احتاجوا أن يُنقل لهم كلام الناس. لكن هذه بلية من البلايا ابتلوا بها، فإذا قيل: قال الله، أو قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فعنده استعداد لتأويله، لكن إذا قيل: قال فلان، توقف، وإذا قيل: قال فلان، توقف أخرى! فهذا هو السبب في النقل عن العلماء؛ لأنه من الفتنة العظيمة أن يُقال: إن ابن عبد الوهاب في هذا وحده، أو أن هذا قول الحنابلة؛ لأن هذا في الحقيقة يُحَجِّم العقيدة، ويجعلها ذات نطاق ضيق جدًّا قائم على قول الحنابلة، ثم إنه يهمش -إلى حد كبير- الخلافات العظيمة في أمور التوحيد.
وسننقل الآن -بشكل عاجل- نقولات عن بعض أهل العلم السائرين على منهج السنة؛ كمحمد بن نصر([303]) -رحمه الله تعالى- وغيره، وسننقل أيضًا عن غيرهم -كما قلنا- ممن إذا سمع هؤلاء الضلال أسماءهم أرعوا لها أسماعهم، وأعادوا في قبول مثل هذه الأمور؛ حتى يعلموا أن المسألة ليست مسألة قال بها فلان، وتبعه عليها الناس بعمًى وعدم بصيرة، كما يقول بعض مَن لا يستحي: إن علماء هذه البلاد تبعوا ابن عبد الوهاب هكذا، مجرد تقليد. مع أن ابن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- هو الذي حارب التقليد الأعمى، وهو الذي أكد على الأمة بضرورة الاجتهاد في المسائل التي نزلت، وعدم جعل النصوص بمثابة ما يسمونه: بالبركة فقط، بل جعلها واقعًا.
والإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- هو الذي أقام الله له دولة أقر الله بها عينه -رحمه الله- في وقته، واستمرت، وأقامت الشرع بشكل جلي واضح، والدولة السعودية الأولى كانت عجبًا في الأمن، ومضربًا للمثل في إقامة الشرع، ثم يسر الله -عز وجل- إقامة الدولة السعودية الثانية والثالثة... وهكذا. فالمسألة ليست مسألة اتباع لابن عبد الوهاب، ولا لغيره، ولا لأحمد.
ولهذا فأهل العلم إذا قال ابن عبد الوهاب، أو قال غير ابن عبد الوهاب فلا يرون أنه بصواب إلا إذا كان كذلك، وليس ابن عبد الوهاب بأعز عليهم من أبي بكر وعمر، والأمر كما قال ابن عباس: أقول لكم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وتقولوا: قال أبو بكر وعمر؟! وذلك في مسألة التمتع بالحج([304]).
فهذا أمر معروف ومفروغ منه؛ ولهذا تجد العلماء ممن شرحوا "كتاب التوحيد" في بعض مسائل الكتاب، تجدهم يقولون: المسألة محل نظر، وغير واضحة، وهذه المسألة غير واضحة، واستنباط الشيخ -رحمه الله تعالى- غير واضح! أو يقولون: الصواب في غير ما استنبطه الشيخ! وهذا أمر ليس بعجيب، وليس بغريب؛ لأنه لا يمكن أن يكون هناك إنسان يُقرُّ ويُتابع مطلقًا إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
فالحاصل: سنسوق بشكل عاجل -إن شاء الله تعالى- على هذه المسائل أقوالاً من كلام أهل العلم في إقرار المشركين بالربوبية؛ لأن بعضهم زايد وقال: المشركون لا يقرون بالربوبية!
فهذا محمد بن نصر -رحمه الله- في كتابه الجليل "تعظيم قدر الصلاة"، قال عن الكافر: إن ما عليه: أن ينفي الشريك، وليس عليه أن يقر بالخالق؛ لأنه مقر بذلك.
والبغوي([305]) -رحمه الله- صاحب التفسير، بيَّن أن كل أحد مقر بأن له صانعًا مدبرًا، وإن عَبد ما سواه ظنًّا منه أنه يقربه إليه.
أبو المظفر السمعاني([306]) -رحمه الله- لما تكلم عن الفطرة، اختار أن الصحيح في معنى الفطرة: أن كل إنسان يُولد على أنه متى سُئِل: مَن خلقك؟ قال: الله خلقني. وهو المعرفة التي تقع في أصل الخلقة.
والرازي([307]) -على ما لديه من الخلل في الاعتقاد- لما قَسَّم عموم المشركين في الأرض قسمهم إلى أربعة أصناف، ثم قال: فهؤلاء هم فرق المشركين، وكلهم معترفون أن الله خالق الكل... إلى قوله: فثبت بما ذكرنا أن طوائف المشركين أطبقوا واتفقوا على أن الله هو خالق هؤلاء الشركاء.
والأقوال كثيرة جدًّا في إثبات أن هؤلاء المشركين يقرون أن الله هو الخالق الرازق... وهذه نماذج لها، وإلا فالأقوال كثيرة عن الحنفية، وعن المالكية، وعن الشافعية، وعن غيرهم.
 
(فَإِنْ قَالَ: إِنَّ هَؤُلاءِ الآيَاتِ نَزَلَتْ فِيمَنْ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ، كَيْفَ تَجْعَلُونَ الصَّالِحِينَ مِثْلَ الأَصْنَامِ؟! أَمْ كَيْفَ تَجْعَلُونَ الأَنْبِيَاءَ أَصْنَامًا؟! فَجَاوِبْهُ بِمَا تَقَدَّمَ. فَإِنَّهُ إِذَا أَقَرَّ أَنَّ الْكُفَّارَ يَشْهَدُونَ بِالرُّبُوبِيَّةِ كُلِّهَا، وَأَنَّهُمْ مَا أَرَادُوا مِمَّنْ قَصَدُوا إِلاَّ الشَّفَاعَةَ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ فِعْلِهِ وَفِعْلِهِمْ بِمَا ذَكَرَ، فَاذْكُرْ لَهُ أَنَّ الْكُفَّارَ مِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو الأَصْنَامَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدْعُو الأَوْلِيَاءَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾([308]). وَيَدْعُونَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾([309]).
وَاذْكُرْ لَهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَيوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ﴾([310]). وَقَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ﴾([311]).
فَقُلْ لَهُ: أَعَرَفْتَ أَنَّ اللهَ كَفَّرَ مَنْ قَصَدَ الأَصْنَامَ، وَكَفَّرَ أَيْضًا مَنْ قَصَدَ الصَّالِحِينَ، وَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟).
-------------
المراد هنا دحض شبهة مَن زعم أن هناك فرقًا بين عبادة الأصنام وعبادة الصالحين، يعني: يريد أن يقول: الآيات التي نزلت في القرآن تذم المشركين؛ لأنهم عبدوا الأصنام. وكأنه يقول: لا يوجد فرق بين الذين يعبدون الأصنام، وبين الذين يعبدون الصالحين، فأولئك يعبدون أحجارًا لا خير فيها، وهؤلاء يعبدون صالحين، زهادًا، أولياء لله، صوَّامًا، قوامًا، مطيعون لله، مجاهدون في سبيله... فكيف تجعل عبادة الصالحين مثل عبادة الأصنام؟! فأراد هنا دحض قولهم؛ بأن هناك فرقًا بين عبادة الأصنام وعبادة الصالحين.
يقول ابن القيم -رحمه الله- عن رب العالمين:
بل كل معبود سواه فباطل *** من عرشه حتى الحضيض الداني
والعرش أعلى المخلوقات، فمَن عَبَد الكواكب، أو الملائكة، أو الأشجار، أو الأحجار، أو الصالحين، أو الأنبياء، أو الجن... حتى الحضيض الداني؛ فهذا المعبود عبادته باطلة بلا شك، وتقدمت الآيات وذكرناها؛ والآيات دالة على أن هناك مَن يعبد الملائكة، وأن هناك مَن يعبد الصالحين، وأن هناك مَن يعبد الأنبياء...
المهم في الموضوع: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفرق في سيرته، فقاتلهم جميعًا، فقاتل -صلى الله عليه وسلم- جميع الذين يعبدون غير الله، ولم يقل: الذين يعبدون الصالحين أو الأنبياء وضعهم مختلف. وهذا تعامله -صلى الله عليه وسلم- مع اليهود، وكيف فعل بهم؛ لقد أجلاهم، وقتل بني قريظة -وعددهم سبعمئة إنسان- في يوم واحد -صلوات الله وسلامه عليه- مع أن بني قريظة لم يكونوا يعبدون الأصنام قطعًا، فكفرهم وشركهم أتاهم من جهة عقيدتهم اليهودية، وهكذا مَن يعبدون اللات من مشركي العرب، وهكذا مَن يعبدون الجن الذين أسلموا، وهكذا مَن يعبدون مريم، وهي ليست نبية، بل هي من الصالحين، وهكذا مَن يعبدون الأنبياء.
ألم يقاتل النبي -صلى الله عليه وسلم- الروم، ويرسل إليهم -صلى الله عليه وسلم- مَن قاتلهم، ثم استمر المسلمون يقاتلونهم إلى أن أجلوهم من مصر والشام وغيرهما؟! وهم نصارى عباد للمسيح، فالزعم بأن هناك فرقًا بين مَن يعبد الأصنام، ومَن يعبد الصالحين، أو الأنبياء، أو الملائكة زعم باطل، وهذا تقدم تقريره في النصوص.
فمراده -رحمه الله- أن يقول: إذا كانت عبادة غير الله باطلة، فما الفرق بيْن مَن عبد الصنم، أو مَن عَبَد النبي أو الملك؟!
هنا نضيف أقوالاً مثل ما أضفنا قبل قليل في سبب وقوع الشرك، بما يتبين به قلب المسألة، وهو: أن عبادة الأصنام -في واقع الأمر- لم تنشأ إلا بسبب عبادة الصالحين، فقولهم: عبادة الصالحين غير عبادة الأصنام. كلام فارغ؛ لأن الأصنام أصلاً إنما نُصبت على صور الصالحين في المقام الأول. ثم قال بعضهم: إن منها ما نصب على صور الملائكة -في زعمهم- أو على صور الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ونذكر بعض النقول في هذا.
لما ذكر البغوي -رحمه الله- في سورة نوح قولَ الله عز وجل: ﴿وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيعُوقَ وَنَسْرًا﴾([312]). أورد الآثار الواردة عن السلف في فعل قوم نوح، ثم قال: فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك. يعني: كانت بسبب عبادة الصالحين. ولاحظ أن عبادة الأوثان هي الفرع؛ لأنها تفرعت على عبادة الصالحين، فابتداء عبادة الأوثان كان بسبب عبادة الصالحين([313]).
والبيضاوي([314]) -على ما عنده من المسلك المنحرف في الاعتقاد- أقرَّ أن عبادة الصالحين هي سبب الشرك، فقال: عبادة الصالحين هي السبب في الشرك([315]).
والحافظ ابن حجر([316]) في "فتح الباري" ذكر أن الغلو في تعظيم قبور الأنبياء هو السبب في عبادتهم([317]).
وذكر السيوطي([318]) في كتاب قيم له يُدعى: "الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع"، أن سبب عبادة اللات هو تعظيم قبره، وبيَّن أن هذه العلة أوقعت كثيرًا من الأمم في الشرك؛ لأن المسألة مسألة تعظيم للأنبياء أو للصالحين([319]).
ونقل بعض أئمة الدعوة عن أبي شامة الدمشقي([320]) أنه بيَّن سبب الشرك، حين ذكر البدع التي يظنها أهلها طاعات، ومنها: الغلو في مشايخ الضلال، وقال بالحرف: وبهذه الطرق وأمثالها كان مبادئ ظهور الكفر من عبادة الأصنام وغيرها. وهذه الطرق أي: بالغلو في الصالحين نشأت عبادة الأصنام([321]).
والنووي([322]) -رحمه الله- في شرحه على "صحيح مسلم" كثيرًا ما يورد عبارة: قال العلماء، مقرًّا وقابلاً لها؛ لأنه يتكلم وينقل عن العلماء، فقال -رحمه الله: قال العلماء: إنما نهى -صلى الله عليه وسلم- عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدًا؛ خوفًا من المبالغة في تعظيمه، والافتتان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر؛ كما جرى لكثير من الأمم الخالية، وهو أن الغلو في القبور هو الذي سبب للأمم الخالية والسابقة الكفر([323]).
والسويدي([324]) -رحمه الله- عالم العراق في القرن الثاني عشر، وهو مِن خيار علماء ذلك القرن، ذكر أنه لما كان منشأ عبادة الأصنام من جهة القبور؛ نهى -صلى الله عليه وسلم- في أول الأمر عن زيارتها سدًّا لذريعة الشرك، يقول: لماذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن زيارة القبور في أول الأمر؟ يقول: سدًّا لذريعة الشرك؛ لأن عبادة الأصنام إنما نشأت من جهة القبور، وبه تَعْرف أن عبادة الأصنام في الواقع لم تنشأ إلا بسبب الغلو في الأنبياء والصالحين.
فعبادة الأصنام هي الفرع عن الأصل الأول؛ وهو الغلو في الصالحين، وبذلك تسقط هذه الشبهة وهي قولهم: إن عبادة الصالحين غير عبادة الأصنام، وإن الذي يعبد الصالحين ليس مثل الذي يعبد الأصنام! يُقال: لم يعبدوا الأصنام ولم يقيموها، إلا بعد أن غلوا في الصالحين، فما الفرق إذن؟!
وإذا سمع بعض الناس مثل هذه الأسماء -وأعني بعض مَن يكون خارج المملكة ممن لا يقنعه أن يُقال: أحمد، أو قال: ابن تيمية، على الإنترنت وغيره- إذا سمع مثل هذا الكلام، علم أن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- لم يكن يقول هذا الكلام خرصًا من تلقاء نفسه، بل قال -رحمه الله- هذا، وقال هذا قبله أهل العلم؛ سواء من شُرَّاح الحديث، أو من علماء السلف، أو غيرهم.
 
(فَإِنْ قَالَ: الْكُفَّارُ يُرِيدُونَ مِنْهُمْ، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّ اللهَ هُوَ النَّافِعُ الضَّارُّ، وَالْمُدَبِّرُ لا أُرِيدُ إِلاَّ مِنْهُ، وَالصَّالِحُونَ لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ، وَلَكِنْ أَقْصُدُهُمْ أَرْجُو مِنَ اللهِ شَفَاعَتَهُمْ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْكُفَّارِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَاقْرَأْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾([325]). وَقَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَيقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ﴾([326])).
-------------
ذكر -رحمه الله تعالى- الشبهة الثالثة، فقال: قد يقول: الكفار يريدون من معبوديهم مباشرة، وأنا غير الكفار؛ فأنا أشهد أن الذي ينفع ويضر هو الله -عز وجل، ولكن أنا أرجو بذبحي للصالحين، ودعائي لهم، وطوافي بقبورهم، وأنواع الدعاء التي أفعلها عند قبورهم... أرجو شفاعتهم، فأنا أختلف عن الكفار؛ لأن الكفار -في زعمه- يقولون: هؤلاء هم الذين ينفعون ويضرون استقلالاً. وهذا كلام باطل بلا شك، وقد مر عدة مرات أن الكفار يعتقدون أن الله يملك حتى المعبودات، وذلك في قولهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك. فيرون أن المعبودات كاللات والعزى مملوكة لله -عز وجل، وأن الله هو الذي يملكها، فهذه المسألة معروفة.
حتى ما قد يوجد عندهم من بعض المسائل -في ظنهم- مثل: أن النجوم لها تأثير في الأمطار، وأنها قد تستقل بنفسها... حتى لو ظنوا أن النجوم هي التي تؤثر فورًا في الأمطار، نقول: هذا لا يخرج عن الإطار العام، وهو أنهم يعتقدون أن الله -عز وجل- هو الخالق الرازق، ولو لم تأتك إلا هذه الآية العظيمة التي يكفي منها قوله -تعالى: ﴿وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ﴾([327]). فتدبير الأمر يعتقدون أنه عند الله -عز وجل- بلا شك، وتدبير الأمر فيه عموم، فالله ذكر الله الخلق والرزق والملك وإخراج الحي من الميت، ثم قال: ﴿وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ﴾([328]). فهم يعتقدون أن تدبير الأمر من عند الله بلا شك.
فهذا جواب أن الكفار يطلبون الشفاعة، ودلت عليه آية سورة يونس، وهكذا يطلبون القرب من الله بواسطتهم؛ لأن هؤلاء لديهم منزلة وجاه عند الله -عز وجل- فنريدهم أن يقربونا، وهذا كثير، وتقدم في كلامنا.
وننقل أيضًا -إن شاء الله تعالى- بعض كلام أهل العلم؛ سواء من المفسرين، أو من غيرهم، ومن بعض المتكلمين... ونحوهم، ممن يعظمهم أولئك القوم، ويرون أنهم هم الذين يُصدر عن كلامهم.
قال ابن كثير -رحمه الله- وتأمل دقته في العبارة، في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾([329]).
قال رحمه الله: هذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثه. أي: شبهة طلب القربى موجودة عند المتقدمين من المشركين. ويشير -رحمه الله تعالى- إلى المتأخرين، فيقول: في قديم الدهر وفي حديثه أيضًا من المشركين، حتى لو كانوا يزعمون الانتماء إلى الإسلام([330]).
وجعل المقريزي([331]) -وهو من الشافعية أيضًا رحمه الله- هذه الشبهة شبهة كل مشرك، فقال -رحمه الله- في موضوع التقرب إلى الصالحين: هو شرك عُبَّاد الأصنام، وعُبَّاد الملائكة، وعُبَّاد الجن، وعُبَّاد المشايخ والصالحين الأحياء والأموات الذين قالوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، ويشفعوا لنا عنده.
فذكر -رحمه الله تعالى- أن هذه موجودة حتى عند عباد المشايخ، أي: من المخرفين الذين يعبدون الزهاد والصالحين.
وننقل أيضًا عن الرازي؛ لأن هناك الكثير ممن يعظمه، فقد تكلم عن مقاصد المشركين من معبوداتهم، فالمشركون يكون لهم مقاصد من معبوداتهم، فذكر أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل؛ فإن أولئك الأكابر يشفعون لهم عند الله.
ثم قال -وتأمل ما قال، فهذا الكلام للرازي، ولم يقله ابن عبد الوهاب؛ وذلك للرد على مَن يقول: إن ابن عبد الوهاب شَدَّ على المسلمين، وابن عبد الوهاب أسرف في الكلام على أهل القبور- يقول الرازي لما ذكر أن المشركين يشتغلون بعبادة التماثيل لأجل أن يشفع الأكابر: ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر؛ لاعتقاد أنهم إذا عَظَّموا قبورهم كانوا شفعاء لهم عند الله([332]).
فهذا الكلام الذي ينقمونه على ابن عبد الوهاب بأن يقال: كيف يقرن هؤلاء بهؤلاء؟! فلما ذكر -رحمه الله- مقاصد المشركين والمتقدمين وقسمهم، وبيَّن مقاصدهم، قاس تعظيم المتأخرين للقبور عليه، ثم قال: ونظيره في هذا الزمان: اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر؛ على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم يكونون شفعاء لهم عند الله.
وهذا أبو يحيى الأنصاري([333]) ذكر أن الشبهة عند كافة عباد الأصنام هي: التقرب إلى الله، ولكن بطرق مختلفة، منها قولهم -التي ذكرها الأنصاري: الملائكة ذوو جاه ومنزلة؛ فاتخذوا الأصنام على هيئتهم ليقربوهم إلى الله.
والسويدي -رحمه الله- بيَّن أن المشركين يتقربون لمعبوداتهم؛ لتقبرهم إلى الله، ولكونهم شفعاء لهم عند الله. ثم يقول رحمه الله: وشفاعتهم بسبب أنهم رسل الله أو ملائكة الله أو أولياء الله.
وهذا كلام واضح جلي بأن الشبهة واحدة عند عباد الأصنام، وعند مَن يعظم الأنبياء، وعند مَن يعظم الملائكة، وعند مَن يعظم الصالحين من أولياء الله، يقول: يتقربون لمعبوداتهم لتقربهم إلى الله؛ لكونهم شفعاء عند الله. ولكن لماذا هم شفعاء عند الله لهم؟ يقول: شفاعتهم بسبب أنهم إما رسل أو ملائكة أو أولياء لله..
فإذا كان هذا كلام مَن تقدم، فليعمم الكلام على ابن عبد الوهاب وعليهم جميعًا، ولا يُخَصُّ هو وحده. فإن كان هذا الكلام غير صحيح، فلماذا يكون أولئك أئمة وسادة وهداة وعلماء، وابن عبد الوهاب -الذي قال عين ما قالوه- يكون هو المغرض والمكفِّر للمسلمين؟!
فهذا الكلام واحد، ومؤداه واحد، فكونه يُخص -رحمه الله- بالذم، فيُقال: إما أن الكلام باطل في كلامه وفي كلام أولئك، فعموهم جميعًا، وابدؤوا بهم؛ لأنهم قبله، وإما أن تقولوا: إنهم أئمة وهو المبطل وحده! وهذا من التناقض البين!
 
(وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الشُّبَهَ الثَّلاثَ هِيَ أَكْبَرُ مَا عِنْدَهُمْ، فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ وَضَّحَهَا فِي كِتَابِهِ، وَفَهِمْتَهَا فَهْمًا جَيِّدًا، فَمَا بَعْدَهَا أَيْسَرُ مِنْهَا).
-------------
هذه الشبهات الثلاثة التي مرت هي أكبر الشبه، والحقيقة أنه إذا كانت هذه هي أكبر الشبه فهذا تدل على ضحالة علمهم؛ لأنها من الوضوح والضعف بمكان بيِّن، وهو سيأتي بشبه أخرى، وهذه الشبه الآتية إما أنها متفرعة عن هذه الشبه؛ فتُبطل ببطلان الشبه الثلاثة الماضية، أو أنها فهم خاطئ لبعض النصوص، وأرادوا أن يفرضوه على النصوص، وسيُجلى بإذن الله -عز وجل- هذا الخطأ في الفهم.
وسأنقل بعون الله -عز وجل- عن غير الشيخ -رحمه الله- عن شراح الحديث ما يؤكد أن فهمه للنصوص هو الفهم الصحيح، وأن فهم أولئك القوم هو الفهم البعيد عن الصواب، أو أن الشبه المتبقية محاولة لتغيير معنى العبادة، فيحاول أن يغير معنى العبادة، ويحاول أن يغير معنى الشرك والكفر، من باب الجهل أو التجاهل، وستأتي إن شاء الله عز وجل.
 
(فَإِنْ قَالَ: أَنَا لا أَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ، وَهَذَا الالْتِجَاءُ إِلَيْهِمْ وَدُعَاؤُهُمْ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ).
-------------
هذا هو الموضع الأول، وهنا محاولة -إما جهلاً من هذا القائل أو تجاهلاً- لضرب معنى العبادة؛ لأنه إذا ضُرب معنى العبادة أمكن أن تُسمى أنواع من العبادة باسم غير العبادة. وتقدم أن أعظم العبادة هو الدعاء، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ»([334]). ولما سُئل أنس([335])  رضي الله عنه: هل الدعاء نصف العبادة؟ يعني: هل يبلغ إلى حد النصف؟ قال: هو العبادة كلها([336]). وذلك لعظم شأن الدعاء.
فقائل هذا من البداية كلامه متهافت، وتقدم أن الله تعالى في مواضع من القرآن أطلق على الدعاء العبادة، كما في قول إبراهيم عليه السلام: ﴿وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ﴾([337]). ثم قال تعالى: ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ﴾([338]).
قال أهل العلم والمفسرون: إنما أطلق على الدعاء اسم العبادة هكذا، مثلما أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ». لعظم شأن الدعاء، فقوله: (دُعَاؤُهُمْ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ). هذا واضح البطلان بجلاء من خلال النص النبوي الذي ذكره، ومن خلال النصوص القرآنية التي أطلقت على الدعاء اسم: العبادة.
 
(فَإِنْ قَالَ: أَنَا لا أَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ، وَهَذَا الالْتِجَاءُ إِلَيْهِمْ وَدُعَاؤُهُمْ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ. فَقُلْ لَهُ: أَنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْكَ إِخْلاصَ الْعِبَادَةِ للهِ، وَهُوَ حَقُّهُ عَلَيْكَ. فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ. فَقُلْ لَهُ: تُبَيِّنُ لِي هَذَا الَّذِي فُرِضَ عَلَيْكَ؛ وَهُوَ إِخْلاصُ الْعِبَادَةِ للهِ وَحْدَهُ وَهُوَ حَقُّهُ عَلَيْكَ. فَإِنْ كَانَ لا يَعْرِفُ الْعِبَادَةَ وَلا أَنْوَاعَهَا، فَبَيِّنْهَا لَهُ بِقَوْلِكَ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾([339]). فَإِذَا أَعْلَمْتَهُ بِهَذَا فَقُلْ لَهُ: هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا عِبَادَةٌ للهِ؟ فَلا بُدَّ أَنْ يَقُولَ لَكَ: نَعَمْ. وَالدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ).
-------------
يقول رحمه الله تعالى: اسأله أنت وابدأه بالسؤال، وقل له: الله فرض عليك إخلاص العبادة، فبيِّن لي: كيف تخلص العبادة؟ هو لا يعرف العبادة، فالشخص الذي يقول: إن دعاء غير الله ليس بعبادة. لا شك أنه لا يعرف العبادة بل يقينًا، فقل له: إذن عرفني هذا الإخلاص، وعرفني هذه العبادة. فإن قال: إن دعاء غير الله ليس من العبادة. فلا بد أنه لا يعرف العبادة. يقول الشيخ: فيبينها له أنت، واقرأ له النصوص الدالة على أن الدعاء عبادة، وأن الدعاء من العبادة بمكان عظيم جليل كبير؛ حتى أُطلق عليه كما تقدم: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ».
 
(فَقُلْ لَهُ: إِذَا أَقْرَرْتَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ للهِ، وَدَعَوْتَ اللهَ لَيْلاً وَنَهَارًا خَوْفًا وَطَمَعًا، ثُمَّ دَعَوْتَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ نَبِيًّا أَوْ غَيْرَهُ، هَلْ أَشْرَكْتَ فِي عِبَادَةِ اللهِ غَيْرَهُ؟ فَلاَ بُدَّ أَنَّهُ يَقُولُ: نَعَمْ).
-------------
إذا قال: هذه عبادة، والدعاء من العبادة، وأنا لا أخالف النصوص الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- التي يقول فيها: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ». ثم أقول أنا: الدعاء ليس بعبادة! فهذا رد لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثلما تقدم في الآيات: حيث سَمَّى الله -عز وجل- الدعاء بالعبادة.
يقول الشيخ: فإذا أقر -وهو المفترض إن كان منصفًا، أو كان جاهلاً- فبيَّن له أنت العبادة ومعناها. وقل له: أنت تقر أن الله فرض عليك إخلاص العبادة، وأنت أقررت الآن أن ما أوجب الله -عز وجل- من الدعاء وإخلاص العبادة له هو ضرب من ضروب العبادة، فلو أنك دعوت غير الله في تلك الحاجة -نبيًّا أو غيره- هل تكون مشركًا؟ فلا بد أن يقول: نعم. فإن قال: نعم. فقد انقطع الكلام، إذن عليه أن يترك الشرك، ويترك عبادة الدعاء لغير الله عز وجل.
لكن لو قال: لا. فعليه جوابان:
الجواب الأول: كيف يكون الدعاء إذا صُرِف لله عبادة، وإذا صرف لغيره ليس بعبادة؟! إن قلت: إنه إذا صرف لغير الله فليس بعبادة، فإذا صرفته لله فليس بعبادة. فإما أن تقول: إن الدعاء عبادة فيُتقرب إلى الله به، ويؤجر الداعي. وإما أن تقول: الدعاء ليس بعبادة. إذن ماذا يكون الدعاء حين تدعو الله؟ إما أن يكون دعاء غير الله شركًا؛ لأن دعاء الله عبادة، وإن قلت: إن دعاء غير الله ليس بشرك. إذن دعاء الله ليس بعبادة، فهذا جواب.
الجواب الثاني: لو تعنت -كما قال بعضهم: الدعاء ليس بعبادة، فذكرنا مسلك الشافعي -رحمه الله- وغيره، وهو أن يُساق له كلام لأهل العلم ولغيرهم مما يبين أن الدعاء عبادة، مع أن هذه المسألة من الجلاء بوضوح، لكن نذكرها مرة أخرى؛ ليَقَرَّ في أذنه إلى أن يسمع كلام الناس حتى يسمعه.
والشافعي -رحمه الله تعالى- في كتاب "الأم" فصل في أمر الساحر: هل يكفر أو لا يكفر؟ ورأى التفصيل، واختار الجمهور أن الساحر يكفر مطلقًا، والشافعي -رحمه الله- رأى التفصيل، فقال: هناك صور يكفر بها، وهناك صور لا يكفر بها. يهمنا كلامه عن الصورة التي يكفر بها الساحر، فلما تكلم واختار التفصيل قال: إن وصف الساحر ما يوجب الكفر فهذا كفر واضح. ثم ذكر المثال عليه بدعاء غير الله، فقال: مثلما اعتقد أهل بابل من التقرب إلى الكواكب، وأنها تفعل ما يُلتمس منها فهو كافر. وتفعل ما يُلتمس منها، أي: إذا دُعيت.
والشافعي -رحمه الله- لا يكفر مَن يدعو الكواكب؛ لأنه دعا الكواكب فقط، بل لأنه دعا غير الله، فكلامه هذا بمثابة القاعدة فيمَن دعا غير الله من الملائكة ومن الجن ومن الإنس وممن التمس منه ما لا يُلتمس إلا من الله، وإلا فلا يعني هذا الإمام الجهبذ -رحمه الله- أن الإنسان يكفر إذا دعا الكواكب، وإذا دعا غير الكواكب لا يكفر، وإنما ذكر هذا مثالاً؛ لأن السحرة يتقربون إلى الكواكب، فذكره في هذا السياق.
وقال: إذا اعتقد أنها تفعل ما يُلتمس منها فهو كافر. وقوله: يُلتمس منها. أي أن السحرة يتقربون لها، ويلبسون ملابس معينة يوم السبت، ويتقربون لذلك الكوكب ويدعونه، ويتقربون يوم الأحد ويلبسون ملابس معينة، ولهم شعارات معينة، ويلبسون يوم الأحد لكوكب آخر... وهكذا. فيقول: هذه عبادات، والدعاء إذا صُرِف للكواكب فإن صاحبه كافر.
قال ابن خزيمة([340]) -وهذا الموضع سبق وذكرناه لما ذكر مسألة تعوذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بكلمات الله، قال: إن تعوذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بكلمات الله دالٌّ على أن كلام الله غير مخلوق؛ لأنه لو قيل: إن كلام الله مخلوق. لكان معنى ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تعوذ بمخلوق، والتعوذ بالمخلوق شرك.
ثم قال: أفليس العلم محيطًا يا ذوي الحجا؟! أنه غير جائز أن يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتعوذ بخلق الله مِن شر خلقه! هل سمعتم عالمًا يقول: أعوذ بالكعبة من شر ما خلق الله؟! أو يجوز أن يقول: أعوذ بالصفا والمروة؟! ثم قال -وتأمل ما قال: هذا لا يُجِيز القولَ به مسلم يعرف دين الله. فمحال أن يستعيذ مسلم بخلق الله من شر خلقه، وخلق الله شامل، فكما قال تعالى: ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾([341]). فالله خلق الملائكة والأنبياء والشجر والحجر؛ فمحال أن يستعيذ مسلم بخلق الله من شر خلقه.
والإمام الجليل عثمان بن سعيد الدارمي([342]) أيضًا قال: لا يجوز أن يُستعاذ بوجه شيء غير وجه الله، وبكلماته، ولا يُستعاذ بوجه مخلوق، والأنبياء والصالحون والملائكة مخلوقون([343]).
وقال الخطابي([344]) -رحمه الله تعالى: الاستعاذة بالمخلوق شرك منافٍ لتوحيد الخالق. فلم يقل: هو منافٍ لكمال التوحيد، بل قال: منافٍ للتوحيد. أي: من أصله. فالاستعاذة بالمخلوق شرك منافٍ لتوحيد الخالق؛ لما فيه من تعطيل معاملته تعالى الواجبة له على عبيده.
قال السويدي -رحمه الله: مَن استعاذ بغير الله على وجه التخلص من الشرور التي لا يدفعها إلا علام الغيوب، فهو بمن استعاذ به مشرك. يعني: الاستعاذة متى تكون شركًا؟ إذا كانت بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
وقال الذهبي([345]) -رحمه الله تعالى- في "السير" في ترجمته لنفيسة بنت الحسن([346]) في مصر: ولجهالة المصريين فيها اعتقاد يتجاوز الوصف، ولا يجوز مما فيه من الشرك، ويسجدون لها، ويلتمسون منها المغفرة -أي: يدعونها- وكان ذلك من دسائس الدولة العبيدية. يقول: هذا الأمر الذي وقع في مصر وغيرها أتاهم من الدولة الخبيثة المسماة خطأ: الدولة الفاطمية([347]).
قال أهل العلم: لا ينبغي أن تُسمى بالدولة الفاطمية؛ لأنهم يزعمون أنهم منتمون إلى فاطمة -رضي الله عنها، وهم ليسوا من نسل فاطمة لا في قليل ولا في كثير، بل أبناء عبيد القداح، ويرجح الباقلاني([348]) وابن تيمية أن أصله يهودي جاء من مصر، لكن انتسبوا إلى فاطمة، وادعوا أنهم من نسلها، فسموا أنفسهم بالفاطميين، ونص أهل العلم على عدم صحة تسميتهم بالفاطميين، كأنك تقرر أنهم من نسل فاطمة، بل يُقال: العبيديون، نسبة إلى عبيد جدهم.
يقول الذهبي -رحمه الله: هذه الأمور التي بقيت في مصر وغيرها هي من دسائس تلك الدولة الباطينة([349]).
 
(فَقُلْ لَهُ: فَإِذَا عَمِلْتَ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾([350]). وَأَطَعْتَ اللهَ وَنَحَرْتَ لَهُ، هَلْ هَذَا عِبَادَةٌ؟ فَلا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ).
-------------
إذا قال: إن النحر لله عبادة، وإن التقرب إلى الله -عز وجل- بالذبح عبادة. فقل له: إذن التقرب لغير الله بالذبح يكون من صرف العبادة لغير الله، فكما أنك تتقرب إلى الله بالأضاحي، وبالهدايا في الحج... وغيرها، عبادةً له -عز وجل- فإذا كان هذا عبادة لله، وصُرِف لغير الله، فلا يحتاج الإنسان أن يكون فاهمًا نبيهًا حتى يعلم إنه شرك؛ لأنه إذا كان عبادة تصرف لله، ثم صُرِفت لغير الله، فهذا شرك بلا شك.
 
(فَقُلْ لَهُ: إِذَا نَحَرْتَ لِمَخْلُوقٍ: نَبِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ... أَوْ غَيْرِهِمَا، هَلْ أَشْرَكْتَ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ غَيْرَ اللهِ؟ فَلا بُدَّ أَنْ يُقِرَّ وَيَقُولَ: نَعَمْ. وَقُلْ لَهُ أَيْضًا: الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ، هَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْمَلائِكَةَ وَالصَّالِحِينَ وَاللاَّتَ... وَغَيْرَ ذَلِكَ؟ فَلا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ. فَقُلْ لَهُ: وَهَلْ كَانَتْ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ إِلاَّ فِي الدُّعَاءِ وَالذَّبْحِ وَالالْتِجَاءِ... وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُمْ عَبِيدُهُ وَتَحْتَ قَهْرِهِ، وَأَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يُدَبِّرُ الأَمْرَ، وَلَكِنْ دَعَوْهُمْ وَالْتَجَؤُوا إِلَيْهِمْ لِلْجَاهِ وَالشَّفَاعَةِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ جدًّا).
-------------
هذا كله تفريع على ما تقدم، والمراد منه: تساوي فعل المتقدمين والمتأخرين، وبالتالي يكون الحكم واحدًا، إما أن يقال: إذا صدر هذا من المتقدمين فهو شرك، وإذا صدر من المتأخرين فليس بشرك. فهذا من العجب، ومن التفريق بين متماثلات، إذا كان ما صرفه المتقدمون شركًا من الذبح والدعاء... فإذا صرف المتأخرون نفس العبادات لغير الله فلا بد أن يكون شركًا، ولا سيما مع قولنا: إن صرفهم العبادة لغير الله -تبارك وتعالى- كان على أنواع: فمنهم مَن يصرف للملائكة، ومنهم مَن يصرف للأنبياء، ومنهم مَن يصرف للصالحين؛ فصار الحكم واحدًا، وإلا فهذا من التفريق بين المتماثلات.
 
(فَإِنْ قَالَ: أَتُنْكِرُ شَفَاعَةَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَبْرَأُ مِنْهَا؟! فَقُلْ: لا أُنْكِرُهَا وَلا أَتَبَرَّأُ مِنْهَا، بَلْ هُوَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الشَّافِعُ وَالْمُشَفَّعُ، وَأَرْجُو شَفَاعَتَهُ، وَلَكِنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّهَا للهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾([351]). وَلا تَكُونُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِ اللهِ، كَمَا قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾([352]). وَلا يَشْفَعُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي أَحَدٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ فِيهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى﴾([353]). وَهُوَ لا يَرْضَى إِلاَّ التَّوْحِيدَ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾([354])).
-------------
هذه مسألة الشفاعة، وهي من المسائل الكبار التي شُنَّ على الإمام -رحمه الله تعالى- زورًا وبهتانًا بسببها حملة؛ بسبب زعمهم أن ابن عبد الوهاب كالمعتزلة ينكر الشفاعة، ولاحظ الأسلوب -وهذا مما ابتُلي به الشيخ -رحمه الله- يقولون: أتنكر شفاعة رسول الله؟ فيريدون أن يجعلوه في الموقف الضعيف؛ لأن منكر شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منكر للنصوص، ولا شك أن قوله باطل. وانظر رد الشيخ، فإنه رد بهدوء، وهذا فيه تنبيه السني إلى ما قلناه -كما قال ابن القيم:
وإذا تكاثرت الخصوم وصيحوا *** فاثبت فصيحتهم كمثل دخان
بل كل معبود سواه فباطل *** من عرشه حتى الحضيض الداني
فلا تكترث بالتهم الواسعة الطويلة واثبت، وخذ الأمور مأخذ المفصل -كما ذكر الشيخ هنا، والشيخ -رحمه الله- قد لجأ إلى طريقة عظيمة في التفصيل.
قال: لا ننكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينكر شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا الضال المضل، الذي رد النصوص في القرآن وفي السنة؛ لأن نصوصها متواترة جلية واضحة، وهي أنواع -كما هو معلوم- فلا ينكر شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا الضال، لكن تعالَ خذ الأمور واحدة واحدة:
الأمر الأول: الشفاعة لمن؟
الشفاعة أول ما يجب أن يُقرر أنها لله، فهي ملك الله -عز وجل- وليست ملك أحد، لا من الأنبياء ولا من الملائكة، والدليل: ﴿قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾([355]). ولهذا فإن الرب -سبحانه وتعالى- لا يأذن في الشفاعة إلا بعد مضي مدة عظيمة في الموقف، لماذا؟ لأنها ملكه، وإنما يتصرف المالك في ملكه كما شاء -سبحانه وتعالى، حتى يأتي الناس آدم فيقولون: «أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، أَلا تَرَى مَا بِنَا؟!»... إلى آخر الحديث([356]).
فلأنها ملك الله -عز وجل- فإنها لا تكون إلا إذا شاء، فيعظم الموقف، ويطول بالناس حتى يشتد الكرب عليهم، والله لم يأذن بالشفاعة بعد؛ لأنها ملكه، وإنما يأذن إذا شاء.
الأمر الثاني: اذكر له شرطي الشفاعة.
وشرطا الشفاعة:
الشرط الأول: أن يأذن الله، والنصوص في هذا جلية وواضحة، قال تعالى: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾([357]). وللشافعي في هذا كلام في غاية الحسن -رحمه الله- لما ذكر هذه الآية، قال: تدبرتُ البارحة آيتين -ومن ضمنهما هذه الآية- قال: تعطل الشفعاء إلا بإذنه سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يكون هناك شفعاء إلا بإذنه سبحانه وتعالى، فهذا هو الشرط الأول.
الشرط الثاني: أن يرضى الله عن المشفوع له، قال تعالى: ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى﴾([358]). والذي يرضى الله -عز وجل- عنه هو الموحد، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: يا رسول الله، مَن أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال: «لَقَدْ ظَنَنْتُ أَلاَّ يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلَ مِنْكَ؛ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ. أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ»([359]). فعاد الموضوع من جديد إلى التوحيد، فالشفاعة للموحد، ولا تُقبل الشفاعة في المشرك.
وثبت عند البخاري أن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- يلقى أباه -أبوه مات على الكفر كما هو معلوم- فيأتي إلى ابنه إبراهيم -عليه السلام- ليطلب منه أن يخلصه مما هو فيه بشفاعته لله. فيقول إبراهيم: «يَا رَبِّ، أَلَمْ تَعِدْنِي أَلاَّ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ؟! وَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ؟!»([360]). فيُخبر أن الشفاعة لا تكون للمشركين، ثم يُقال: يا إبراهيم انظر! فينظر إلى أبيه، فإذا به -والعياذ بالله- قد مُسِخ في هيئة ضبع ملتطخ -أي: بعذرته- فيؤخذ بقوائمه الأربع، فيُلقى في النار. فإبراهيم خليل الله -عليه الصلاة والسلام- لو كانت الشفاعة تُقبَل في المشرك؛ لقُبِلَت في مثل هذا.
فالحاصل: أن الشفاعة ليست بالأسلوب الذي يريدونه ويهوونه، إنما الشفاعة ملك الله في المقام الأول، ثم لا تكون إلا بإذن الله، ثم لا تكون إلا لمن رضي الله -تعالى- عنه، والله لا يرضى إلا عن أهل التوحيد؛ فعادت المسألة من جديد ضدًّا للشرك وإعزازًا للتوحيد.
السؤال:
يقول: بسم الله، هل يوجد فرق بين الكفر والشرك في الشرع؟
الجواب:
يوجد من الجهة الاصطلاحية، فإذا قيل: هذا الشخص وقع في الشرك الأكبر. فقد كفر، وهذا معروف، وهل الكافر مشرك؟ يقول أهل العلم: نعم، مشرك من جهة أنه قد عطَّل حق الله -سبحانه وتعالى- وهو العبادة، وأطاع الشيطان. لكن يقول أهل العلم: الشرك صار -من حيث الاصطلاح- يُطلَق على عبادة غير الله -تبارك وتعالى، لكن لو جحد نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- لقيل: إنه كافر. ويصح أيضًا أن يقال: إنه مشرك.
السؤال:
يسأل عما يتعلق بالله -عز وجل- من جهة السمع؟
الجواب:
يُقال: يُثبت له ما أثبت لنفسه -سبحانه- من صفة السمع، ويُوقف عند هذا، إلا أن يأتي نص يدل عليه.
السؤال:
نسمع من بعض العوام قولهم: إن الأمطار التي كانت في يوم كذا وكذا كانت بسبب استمطارها من قِبَل البشر، فما حكم هذا القول والقطع به؟
الجواب:
هذا أسلوب وطريقة قد تنفع وقد لا تنفع، فينبغي أن يُعرف هذا، والله -عز وجل- هو الذي يسوق السحب، فقد يريدونها أن تمطر على هذا الموضع، فيسوقها -عز وجل- رغمًا عن البشر فتمطر على موضع آخر؛ ولهذا فبعض الدول التي طُبِّقت فيها انساقت السحب إلى مواضع أخرى لا يُراد أن تمطر فيها، فأمطرت على أناس وأضرت بهم بإذن الله.
فهو أسلوب قد يجدي وقد لا يجدي؛ لأن الذي يأمرها بالمطر هو الله عز وجل، ثم إنه يُرَاد أن تمطر على موضع في دولة، فيسوقها الله خارج حدود الدولة، وتمطر على دولة أخرى؛ لأنه هو الذي يسوق الريح التي تسوقها.
قال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب([361]) -رحمه الله تعالى- في "كشف الشبهات":
(فَإِذَا كَانَتِ الشَّفَاعَةُ كُلُّهَا للهِ، وَلا تَكُونُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ، وَلا يَشْفَعُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلا غَيْرُهُ فِي أَحَدٍ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ فِيهِ، وَلا يَأْذَنُ اللهُ تَعَالَى إِلاَّ لأَهْلِ التَّوْحِيدِ؛ تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّهَا للهِ، فَاطْلُبْهَا مِنْهُ، وَقُلْ: اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنِي شَفَاعَتَهُ، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ... وَأَمْثَالَ هَذَا).
--------------
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين..
بعد أن ذكر -رحمه الله تعالى- حقيقة الشفاعة، وأنها ملك لله تعالى، وأنها لا تكون إلا بإذنه، وأنها لا تكون إلا لمن يرضى الله عنه -ذكر المسلك الصحيح الذي ينبغي أن يسلكه المسلم فيما يتعلق بالشفاعة، وبناها على أنها أولاً لله، فإذا كانت لله فإنها تُطلب من الله، فأيُّ شيء ملك لله فإنه يُطلب منه -سبحانه وتعالى- كالمغفرة والرحمة ودخول الجنة... فكلها من عنده تعالى، وكذلك الشفاعة بنص القرآن هي ملك لله تعالى، فالمسلك الصحيح للحصول عليها أو التماسها هو أن تطلبها من الله تعالى؛ ولهذا بيَّن هنا المسلك الصحيح بعد أن بيَّن الاعتقاد الصحيح في الشفاعة وما يتعلق بشروطها، وهذا من أحسن ما يكون في البيان والتوضيح؛ حتى تنجلي الشبهة، ويتضح الحق من الباطل.
 
(فَإِنْ قَالَ: النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ، وَأَنَا أَطْلُبُهَا مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ. فَالْجَوَابُ: أَنَّ اللهَ أَعْطَاهُ الشَّفَاعَةَ، وَنَهَاكَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: ﴿فلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾([362]). وَطَلَبُكَ مِنَ اللهِ شَفَاعَةَ نَبِيِّهِ عِبَادَةٌ، وَاللهُ نَهَاكَ أَنْ تُشْرِكَ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ أَحَدًا).
--------------
هذا أيضًا من الشُّبَه التي يدلون بها، فيقولون: الله -عز وجل- أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- الشفاعة، فهي ملك لله، لكن أعطى الرب الشفاعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- فنحن نطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أعطاه الله.. فيقول الشيخ في عبارة موجزة مختصرة: الله أعطاه الشفاعة ونهاك عنها -سبحانه وتعالى- لأن طلب الشفاعة نوع من العبادة. فكما أنك تقول: اللهم شَفِّع فيَّ نبيك -صلى الله عليه وسلم- فهذا دعاء.
وإذا قُبلت شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- في العبد غُفِر له، أو أن يُتاب عليه فلا يدخل النار، فيكون هذا نوع من أنواع الدعاء؛ لأنه طلب، والطلب لا يكون إلا من الله تعالى، لاسيما والنبي -صلى الله عليه وسلم- ميت. فيختلف الحال -كما سيأتي- عما لو كان الأمر في القيامة إذا بُعث الناس والتقى الناس بالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وهذا سيأتي -إن شاء الله تعالى- الكلام عنه. لكن بعد أن تُوفي النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنما تطلب الشفاعة من رب العالمين -سبحانه وتعالى.
أمر آخر يتعلق بما ذُكِر هنا، وهو ما ذكر الشافعي -رحمه الله- فيما نقل عنه البيهقي([363]) -رحمه الله تعالى- في كتابه "أحكام القرآن" عن الشفاعة، فقال: استنبطت البارحة آيتين فما اشتهي باستنباطهما الدنيا وما فيها: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ﴾([364]). وفي كتاب الله هذا كثير، قال تعالى: ﴿مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾([365]). فتعطل الشفعاء إلا بإذن الله([366]).
ولاحظ عبارة الشافعي، فقد قال: فتعطل الشفعاء إلا بإذن الله. وانظر الفهم السوي الصحيح؛ فإن الشفاعة متعطلة، وأنها لا تكون إلا بإذن الله، ولأن الله لا يأذن إلا في القيامة بها، فإنها لا تكون إلا إذا أَذِن الله -عز وجل- فيها.
وأوضح ما يبين لك هذا: أن الذين أُذِن لهم في الشفاعة لا يشفعون ابتداءً، بل يبقى الناس مدة طويلة مديدة في المحشر، ويصيبهم ما يصيبهم من الشدة والكرب العظيم، فلا يأذن الله في الشفاعة ابتداءً.
وأعلم الناس بربه -صلى الله عليه وسلم- فإذا طلبوا منه الشفاعة -الشفاعة العظمى- وهو الذي سيأذن الله له بالشفاعة العظمى، لا يشفع ابتداءً؛ لأنه أعلم بالله من أن يشفع مباشرة؛ لأن الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله، ولهذا قلنا: إنه يذهب فيخر تحت العرش ساجدًّا، جاء في بعض الروايات: أنه يخر جمعة -صلى الله عليه وسلم- يعني: يخر مدة أسبوع، ويفتح الله -عز وجل- عليه بمحامد لم يكن يعرفها من قبل، كما قال -عليه الصلاة والسلام- بعد ذلك يأتيه الإذن: «ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ»([367]). وستأتي -بإذن الله- الشفاعة.
قال المصنف -رحمه الله: (اللهُ أعطَاه الشفاعةَ ونهاكَ عنْ هذَا). هذا هو المسلك السليم الرشيد في هذه المسألة، والأمر كما قال -رحمه الله تعالى- في سؤال الشفاعة من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ميت.
فكيف يُسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ميت؟!
وثبت في البخاري: أن الصحابة -رضي الله عنهم- إذا أجدبوا وحصل القحط، كما حصل في زمان عمر -رضي الله عنه- فاستسقوا بالعباس([368]) عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا استسقيناك بنبينا -صلى الله عليه وسلم- وإنا نطلب منك اليوم بالعباس عم نبينا. ثم قال: يا عباس، قم فاسأل ربك. فرفع العباس يديه ودعا وأمَّنُوا([369]).
ويأتي السؤال الآن: بدون أدنى شك وبلا أدنى تردد أن العباس ليس أفضل من النبي -صلى الله عليه وسلم- وقبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عندهم في المدينة، فلماذا عدلوا عن الذهاب إلى قبره وسؤاله، وأتوا إلى عمه ليدعو لهم؟! لولا أنه لا يُسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- في قبره، لا يطلب منه أن يدعو الله برفع الجدب، والذي هو أعظم من رفع الجدب وهو النجاة في الآخرة، فهم أعلم بالله من أن يأتوا إلى القبر، فيقولوا: يا رسول الله، ادعُ الله لأمتك فقد أجدبت.
وفي عام الرمادة اشتد الكرب على الناس، حتى روى ابن سعد([370]) في "الطبقات" أن عمر -رضي الله عنه- هَمَّ أن يدخل على أهل كل بيت مثلَه؛ من شدة الجوع، فإذا كان أهل البيت أربعة أدخل عليهم أربعة يأكلون معهم؛ لأن الناس يموتون، ولم يدعُ النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدعو الله لهم([371]).
ولما أتى الاستسقاء طلبوا من العباس أن يدعو وأمَّنُوا على دعائه.. فكل هذا دالٌّ على أنه لا يُطلَب من النبي -صلى الله عليه وسلم- لا أمر الشفاعة ولا غيره.
وأيضًا لما وقع بينهم -رضي الله عنهم- الخلاف في مسائل علمية، أو في بعض المسائل التي وقعت بينهم -عليهم رضوان الله ورحماته ومغفرته- ووصل بهم الأمر إلى حد القتال -كما وقع في صفين، وكما وقع في الجمل- والقتال في صفين كان بين أناس من أهل الجنة؛، بين علي من جهة -وهو من أهل الجنة- وبين طلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين، والجميع من أهل الجنة -رضي الله عنهم وأرضاهم- ومع ذلك لم يأتوا إلى القبر ولم يقولوا: تُحل المسألة من خلال سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجلي لنا هذا الأمر.
فكل هذا دال على أن الآتين إلى القبور والسائلين لها لا شك أنهم أساؤوا؛ ولهذا جاء في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين يرد يوم القيامة حوضه المعروف -صلوات الله وسلامه عليه- الناس، فإذا ورد أناس يعرفهم، قال: «أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونَنِي». ثم تحول الملائكة بينهم وبين الحوض، فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «أَصْحَابِي أَصْحَابِي». وهذا الحديث في المرتدين الذين وفدوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأسلموا، ومات النبي -صلى الله عليه وسلم- والظاهر منهم الإسلام.
فلما قال -عليه الصلاة والسلام- هذه المقولة، قالت الملائكة: «إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ»([372]). وهذا يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدري الغيوب ولا يعرف الأحوال حتى تُرفع له ويُطلب منه أن يحل الأمور.
وهكذا قال عيسى -عليه الصلاة والسلام- حين تكون المسألة يوم القيامة؛ لبيان بطلان ما يدعيه النصارى فيه من أنه يرضى أن يُعبَد من دون الله، فقال تعالى: ﴿أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ﴾([373]). فقال -عليه الصلاة والسلام: ﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾([374]). يقول: أنا شهدت لأني كنت فيهم، ﴿فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾([375]).
والتوفي في الآية معناه: الرفع إلى السماء، لأن أصل التوفي الاستيفاء؛ لأن عيسى -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه عند أهل السنة قد رُفع إلى السماء، وأنه ينزل في آخر الزمان -كما دلت الأحاديث الصحيحة- فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويقيم الشريعة المحمدية، ويحكم بشرع محمد -صلى الله عليه وسلم-([376]) لا يدري بالذي بعد ذلك، وإنما يشهد بما كان معايِنًا له ومشاهدًا.
فكل هذا دال على أن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- لا يطلعون على الأمور حتى تُرفع إليهم؛ ولهذا جعل الله في سيرهم عبرة.
ويوسف -عليه الصلاة والسلام- ملك مصر المهيب، بلغ مبلغًا عظيمًا في الملك، وأبوه يعقوب -عليه الصلاة والسلام- لا يفصله عنه إلا أميال، ولا يدري أنه هو ملك مصر حتى بكى لفقده، قال تعالى: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾([377]). لا يدري أين هو وهو ملك مصر!
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- اتُّهِمت أحب النساء إليه أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- ويمكث شهرًا، ويستشير في طلاقها -عليه الصلاة والسلام- ويقول لها: «إِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللهَ»([378]). ولا يدري أنها بريئة حتى نزل أمر براءتها في القرآن؛ لأنهم لا يعلمون الغيب حتى تُرفع إليهم المسائل.
فالحاصل: أن مثل هذه الأمور دالة على أن الأمور إنما تُرفع إلى علام الغيوب -سبحانه وتعالى- الذي إليه كشف كروب الدنيا والآخرة.
 
(فَإِذَا كُنْتَ تَدْعُو اللهَ أَنْ يُشَفِّعَ نَبِيَّهُ فِيكَ، فَأَطِعْهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا﴾([379]). وَأَيْضًا، فَإنَّ الشَّفَاعَةَ أُعْطِيهَا غَيْرُ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَحَّ أَنَّ الْمَلائِكَةَ يَشْفَعُونَ، وَالأَفْرَاطَ يَشْفَعُونَ، وَالأَوْلِيَاءَ يَشْفَعُونَ، أَتَقُولُ: إِنَّ اللهَ أَعْطَاهُمُ الشَّفَاعَةَ فَأَطْلُبُهَا مِنْهُمْ؟! فَإِنْ قُلْتَ هَذَا، رَجَعْتَ إِلَى عِبَادَةِ الصَّالِحِينَ).
--------------
يقول: على مفهومك هذا، وعلى نفس المنطق الذي تسير عليه، وتقول: النبي أُعْطِي الشفاعة، وأنا أسأله مما أُعطي، يقول الشيخ: فالصالحون أعطوا الشفاعة أيضًا، كما ثبت في الحديث الصحيح، والأفراط -وهم الصغار الذين يموتون صغارًا- كذلك، والملائكة أيضًا أعطوا الشفاعة؛ فبناء على قولك: إني سأسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يشفع لي؛ لأن الشفاعة قد أعطيها. يقول: أيضًا الصالحون.. وسينفتح عليك الباب، فالصالحون أعطوا الشفاعة، فهل معنى ذلك أنك ستطلب من الصالحين أن يشفعوا لك أيضًا؟! فإن قلت ذلك فقد عدنا إلى عبادة الصالحين.
فإن قلت: لا، أنا أخص النبي -صلى الله عليه وسلم- فقط. يُقال: هذا تفريق بين المتماثلات، فأنت تقول: النبي -صلى الله عليه وسلم- أُعطِي الشفاعة، وأنا أطلب منهم ما أعطوا. فيقال: أيضًا الصالحون والملائكة أعطوا الشفاعة، فهل ستطلب من الملائكة ومن الصالحين؟! فإن قلت ذلك، فقد عدنا إلى الطلب من الصالحين كما طلب قوم نوح من ودٍّ وسواعٍ ويغوث... وكما طلب كفار قريش من اللات.. وهكذا.
وكما عند البخاري: قال ابن مسعود -رضي الله عنه- في قول الله تعالى في الذين أسلموا: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾([380]).([381]) يقول: نعود من جديد إلى عبادة الصالحين، وإن فرقت فرقت بين متماثلات.
 
(فَإِنْ قُلْتَ هَذَا؛ رَجَعْتَ إِلَى عِبَادَةِ الصَّالِحِينَ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَإِنْ قُلْتَ: لا. بَطَلَ قَولُكَ: أَعْطَاهُ اللهُ الشَّفَاعَةَ، وَأَنَا أَطْلُبُهَا مِمَّا أَعَطَاهُ اللهُ. فَإِنْ قَالَ: أَنَا لا أُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، حَاشَا وَكَلاَّ. وَلَكِنَّ الالْتِجَاءَ إِلَى الصَّالِحِينَ لَيْسَ بِشِرْكٍ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا كُنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ الشِّرْكَ أَعْظَمَ مِنْ تَحْرِيمِ الزِّنَا، وَتُقِرُّ أَنَّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ، فَمَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُهُ؟ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي. فَقُلْ لَهُ: كَيْفَ تُبَرِّئُ نَفْسَكَ مِنَ الشِّرْكِ وَأَنْتَ لاَ تَعْرِفُهُ؟! أَمْ كَيْفَ يُحَرِّمُ اللهُ عَلَيْكَ هَذَا، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُهُ، وَلا تَسْأَلُ عَنْهُ، وَلاَ تَعْرِفُهُ؟! أَتَظُنُّ أَنَّ اللهَ يُحَرِّمُهُ، وَلا يُبَيِّنُهُ لَنَا؟!).
--------------
تضمَّن كلامه -رحمه الله تعالى- الآتي:
أولاً: أن أقبح الذنوب وأعظمها وأفظعها الشرك، وقد دلت على هذا النصوص الكثيرة، فالشرك أشد من الزنا ومن قطع الطريق ومن سائر المعاصي.. وهذا في الجملة، والناس يسلِّمُون بهذا، إذا قيل: الشرك أعظم من الزنا، أو شرب الخمر... لكن عند التفصيل: إذا قيل: الذي يفعل عند القبور من دعاء أهلها والذبح لهم... أشد من شرب الخمور والزنا. يأتيك بعض الناس ويقول: هؤلاء أناس صالحون لهم مقاصد، ولهم نية، وعندهم عبادة وصلاة! فعند التفصيل يتضح الجهل بحقيقة الشرك، فالشرك أعظم الذنوب؛ ولذلك فإنه لا يُغفَر مطلقًا، فالله قَنَّط المشرك الشرك الأكبر من المغفرة -عياذًا بالله- فلا نصيب له في المغفرة، قال تعالى: ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾([382]). وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾([383]).
والزنا والسرقة على ما فيهما من الشر وعلى أن أصحابهما مُعَرَّضون للوعيد، إلا أنه يمكن أن يُغفَر لهما، والحاصل: أن كلام الشيخ تضمن سؤالاً لهذا الذي يتحدث في هذا الموضوع ويناقش، يقول له: الشرك أشد من الزنا، وحرمه الله -عز وجل- عليك، فعَرِّف لي الشرك، ما الشرك؟ يقول: لا يعرفه. لأن هذا النقاش نقاش مَن لا يعرف.
ثانيًا: ما يتعلق بهذه المصطلحات العقدية، فيعلم طالب العلم قاعدة، وقد ألمحنا إليها سابقًا، أن فهم التوحيد مرتبط به فهم الشرك، وفهم الإيمان مرتبط به فهم الكفر، فمَن لم يفهم التوحيد لم يفهم الشرك، ومَن لم يفهم الإيمان لم يفهم الكفر، وهذه الأمور الخلط فيها كبير، التوحيد الذي دعت إليه الرسل إذا ظن إنسان أنه مجرد الإقرار بأن الله هو الخالق الرازق -يعني توحيد الربوبية- سيقول: إن الشرك هو اعتقاد أن هناك خالقًا مع الله مباشرة.
أما إذا قال: إن حقيقة التوحيد الذي بُعثَت به الرسل هو عبادة الله وحده. فسيعلم أن الشرك الذي نهت عنه الرسل تحديدًا هو جعل شريك مع الله في العبادة، وإن كان بلا شك أن التوحيد من حيث العموم يتضمن توحيد الألوهية والربوبية، فيقال: هو إفراد الله بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات. لكن الكلام عن التوحيد الذي دعت إليه الرسل.
فالرسل إنما دعت إلى توحيد العبادة بلا شك، فلهذا مَن خلط في أمر التوحيد فسيخلط في أمر الشرك، ومَن خلط في أمر الإيمان سيخلط في أمر الكفر؛ ولهذا لما خلطت المرجئة في أمر الإيمان وأخرجت العمل، رأت أن الكفر لا يكون إلا بالاعتقاد؛ لأنهم يظنون أن الإيمان هو التصديق، ويترتب عليه مباشرة أن الكفر هو الجحود.
ومعنى ذلك: أن الذي يمكن أن يمارس فعلاً كرمي المصحف -عياذًا بالله- في المواضع الخبيثة المرغوب عن الذكر فيها، أو السجود لغير الله دون إكراه.. لن يكون كافرًا؛ لأنه يقول: الإيمان هو التصديق، والكفر هو الجحود. ولهذا يقول: دخل من طريق القلب فلا يخرج من الإيمان إلا من طريق القلب! أما إذا قال: إنه قول واعتقاد وعمل. فإن الكفر يكون بالقول وبالاعتقاد وبالعمل بلا شك -وهذا سيأتي الكلام إن شاء الله في كلام المصنف -رحمه الله تعالى.
نفس الوضع بالنسبة لمصطلح العبادة، فالعبادة معروف معناها، وأنها تتضمن في أصل اللغة: الخضوع والتذلل لله -عز وجل- وتشمل الظاهر والباطن من الأقوال والأفعال، سواء أكانت أقوالاً باللسان أم كانت من أعمال القلوب أم كانت من الأعمال الظاهرة، فكلها عبادة.
فإذا ظن أن معنى العبادة: صرف العبادة لغير الله، مقرونًا باعتقاد أن الله هو الخالق، فسيظن أن صرف العبادة لغير الله -مع اعتقاد أن الله هو الخالق- لن يفهم أن هذا شرك.
فالحاصل: أن هذه المصطلحات عظيم شأنها، جليل قدرها، وينبغي أن تُضبط وتُعرف وتُفهم؛ حتى يكون الإنسان على بصيرة، بل وتُفْهَم الأدلة التي تدل على المعنى، فإذا قلت: التوحيد معناه كذا. مثلما ذكرنا في معنى: لا إله إلا الله. فتضبط الآيات التي دلت على النفي والإثبات، مثل قوله تعالى: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾([384]). ومثل قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾([385])... إلى آخر الآيات.
يقول ابن القيم([386]) -رحمه الله تعالى- معلِّقًا على قول عمر -رضي الله تعالى عنه: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام مَن لا يعرف الجاهلية([387]).
يقول -رحمه الله: وهذا لأنه إذا لم يعرف الجاهلية والشرك وما عابه القرآن وذمه وقع فيه وأقره، ودعا إليه وصوبه وحسنه، وهو لا يعرف أنه هو الذي كان عليه أهل الجاهلية أو نظيره أو شر منه أو دونه، فتُنقَض بذلك عرى الإسلام عن قلبه، ويعود المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، والبدعة سنة، والسنة بدعة، ويُكفَّر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد؛ لأنه لا يفهم ما هي العبادة؟ ولا يفهم حقيقة الشرك وحقيقة الجاهلية، فإذا لم يفهم حقيقة الشرك وحقيقة الجاهلية وأَلِف ما وجد عليه الناس من الشرك والخزعبلات والخرافات.. وظن أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بُعِث بهذا، فإن الذي يجرد التوحيد يقولون عنه: هذا هو المشرك! هذا هو الكافر! فتنقلب المسألة؛ فيكون المعروف منكرًا والمنكر معروفًا.
يقول ابن القيم في آخر كلامه: ومَن له بصيرة وقلب حي يرى ذلك عيانًا -والله المستعان([388]).
 
(فَإِنْ قَالَ: الشِّرْكُ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، وَنَحْنُ لا نَعْبُدُ الأَصْنَامَ. فَقُلْ لَهُ: مَا مَعْنَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ؟ أَتَظُنُّ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ تِلْكَ الأَخْشَابَ وَالأَحْجَارَ تَخْلُقُ وَتَرْزُقُ وَتُدَبِّرُ أَمْرَ مَنْ دَعَاهَا؟! فَهَذَا يُكَذِّبُهُ الْقُرْآنُ).
--------------
إذا قال: الشرك عبادة الأصنام فقط. يقول الإمام -رحمه الله: فقل له: (ما معنَى عبادةِ الأصنامِ؟). فالآن اترك الكلام معه في الشرك، وقل له: ما معنى عبادة الأصنام؟ هل كانوا يعتقدون أن تلك الأحجار التي كانوا يصنعونها بأيديهم هي التي تخلق وتدبر، وأنها هي التي إليها الأمر؟ (هذَا يكذبُهُ القرآنُ)، وهذا واضح وتقدم مرارًا.
ونحتاج الآن أن ننقل كلام غير الإمام؛ لأن هذه المسألة أجلب بها بعض الناس على الشيخ -رحمه الله- وقالوا: إن هذا غير صحيح، بل عبادة الأصنام هي الشرك. وتقدم الكلام بالأمس من كلام أهل العلم: أن عبادة الأصنام ليست هي التي ظهرت أولاً، بل ظهرت أولاً عبادة الصالحين؛ ولأجل ذلك وُضِعَت عبادة الأصنام عليها.
ولكن ننقل بعض عبارات مَن يستريحون لهم من المتكلمين وغيرهم؛ ليُعلم بها أنه ليس المقصود بعبادة الأصنام: اعتقاد أنها تضر وتنفع وتجلب... وإنما كانوا مثلما قلنا: يتعبدون لها على الوضع الجاهلي.
فالشَّهْرسْتَانِي([389]) يقول: نعلم قطعًا أن عاقلاً ما لا ينحت جسمًا بيده، ثم يعتقد أنه إلهه وخالقه! ولكن القوم لما عكفوا على التوجه إليها كان عكوفهم ذلك عبادة، وطلبهم الحوائج منها إثبات إلهية لها، وعن هذا كانوا يقولون: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى ([390]) ([391]).
فتضمن كلامه إبطال قول المتأخرين من المشركين، وهو: أن المشركين الأولين يعتقدون في مخلوقاتهم الربوبية. فيقول: لا يمكن لعاقل أن يجمع الأحجار والأخشاب ويصنع منها تمثالاً، ثم يقول: هذا الذي خلق السماوات والأرض! بل هو الذي صنعه بيده! يقول: لا يوجد أحد يعتقد هذا.
فتضمن كلامه أن طلب الحوائج من غير الله -عز وجل- يعني: إثبات العبادة لمن طُلِبت منه تلك الحاجة. وذلك إذا كانت مما لا يقدر عليه، ولا تطلب إلا من الله تعالى.
وتضمن كلامه أيضًا: إبطال قول المشركين في معنى العبادة؛ حيث عَدَّ العكوف عند المعبودات نوع عبادة. فالعكوف عندها والمكث والملازمة لها نوع عبادة.
والبغوي([392]) -رحمه الله تعالى- في التفسير أوضح أن المشركين يقرون أن الذي يدعونه عند الشدائد هو الذي ينجيهم، ثم يشركون معه الأصنام التي قد علموا أنها لا تضر ولا تنفع، وليس منها ضر ونفع استقلالي، ولكن -مثلما تقدم- يجعلونها على هيئة مَن يزعمون أنها تقربهم إلى الله.
أيضًا ننقل عن الرازي([393]) -على ما عنده- فنحن نعلم أن مثل الرازي والشهرستاني لهم مكانة كبيرة عند كثير ممن يُنَظِّر لمثل هذه المسائل. فقد ذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين سأل المشركين عن مدبر الأحوال. قالوا: الله! يقول: وهذا يدل على أن المخاطبين بهذا الكلام يعرفون الله ويقرون به، وهم الذين قالوا في عبادتهم للأصنام: إنها تقربنا إلى الله. وإنهم شفعاؤنا. وكانوا يعلمون أن هذه الأصنام لا تضر ولا تنفع، فعند ذلك قال الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم: ﴿فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾([394]). يعني: أفلا تتقون أن تجعلوا هذه الأوثان شركاء لله في العبودية. فهم كانوا يشركون بها مع الله -عز وجل- في العبادة، مع اعترافهم بأن هذه الأوثان لا تنفع ولا تضر البتة([395]).
فكل هذا دال على ما ذكره المصنف -رحمه الله- مِن أنه ينبغي أن تعرف حقيقة معنى عبادة الأصنام، وأنها ليست الاستقلال بالتدبير والنفع والضر، وإنما كانوا يجعلونها شركاء مع الله في العبادة.
ولهذا قال: إذا قال لك: الشرك هو عبادة الأصنام. فقل له: ما معنى عبادة الأصنام؟ وهذا كله منه -رحمه الله- من نقل النقاش من نقطة إلى نقطة، بحيث يضيق على المناقش في أمور الشرك؛ حتى تتضح له الأمور، أو أن يُصرَّ على ما هو عليه. فإن كان عنده خلل في معنى العبادة فوَضِّح له، أو خلل في معنى التوحيد فوضِّح له، أو خلل في معنى الشرك فوضِّح له؛ حتى تتجلى الأمور.
ونحن ننقل هذه الأقوال -مثلما قلنا عدة مرات- لأنها ترد على الذين يزعمون أن الشيخ انفرد بهذا المفهوم، وأن هذه فقط من بنات أفكاره التي تلقاها من ابن تيمية([396]). نقول: هذه الأشياء قبله بقرون، وقال بها حتى بعض مَن تستريحون لكلامهم، فقال بها الأئمة الكبار الكرام من السلف الصالح -رضي الله عنهم- وقال بها أئمة من علماء السنة كالشافعي وغيره ممن ننقل عنهم، وقال بها حتى بعض المائلين إلى مقولات المتكلمين وغيرهم؛ حتى يُعرف أن هذه المقولة مقولة لا يمكن أن يثبت عليها أحد إلا إذا أصر على ما هو عليه من الشرك والضلال.
 
(وَإِنْ قَالَ: هُوَ مَنْ قَصَدَ خَشَبَةً).
--------------
(هُوَ مَنْ قَصَدَ خَشَبَةً) يعني: الشرك، فأراد أن يعرِّف الشرك بأنه هو الذي يقصد خشبة أو حجرًا أو غيرهما.
 
(وَإِنْ قَالَ: هَوَ مَنْ قَصَدَ خَشَبَةً أَوْ حَجَرًا أَوْ أَبْنِيَةً عَلَى قَبْرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَدْعُونَ ذَلِكَ، وَيَذْبَحُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يُقَرِّبُنَا إِلَى اللهِ زُلْفَى، وَيَدْفَعُ اللهُ عَنَّا بِبَرَكَتِهِ، أَوْ يُعْطِينَا بِبَرَكَتِهِ. فَقُلْ: صَدَقْتَ، وَهَذَا هُوَ فِعْلُكُمْ عِنْدَ الأَحْجَارِ وَالأَبْنِيَةِ الَّتِي عَلَـى الْقُبُورِ وَغَيْرِهَا).
--------------
يقول: إذا قال: الشرك هو قصدُ أيِّ شيء من خشبة أو حجر أو أبنية، فقصدها وصَرَف لها العبادة؛ ولهذا قال: (وَغَيْرِهَا). حتى تشمل أيَّ شيء تُصرف له العبادة من دون الله تعالى.
يقول: (فقل له: صدقت). لماذا؟
يقول أهل العلم: لأن حقيقة الشرك هي تسوية غير الله بالله فيما هو من خصائص الله. فإذا كان التوحيد هو الإفراد، بأن تفرد الله بما يختص به، فحقيقة الشرك أن تجعل مع الله فيما اختص به -سبحانه وتعالى- شريكًا، بأن تسويه به، وسواء أصرفت العبادة للإنس أم للجن أم للملائكة أم لغيرهم.. يحصل الشرك، وتقدمت الآيات مثل قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا﴾([397]). فنص عليهم -سبحانه وتعالى- تحديدًا. ثم بيَّن أن اتخاذهم أندادًا كفر، فقال: ﴿أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾([398]). وفي هذا ننقل أيضًا بعض كلام أهل العلم الدال على حقيقة الشرك.
فالمقريزي([399]) -رحمه الله- وهو من مشاهير الشافعية، اختار أن قول الله تعالى: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾([400]). معنى قوله: ﴿يعدلون﴾: يعدلون به غيره في العبادة. فهذا معنى العدل المذكور في الآية.
وهكذا قوله تعالى: ﴿تَاللهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُم برَبِّ الْعَالَمِينَ﴾([401]). لأن التسوية هي: أن تعدل غير الله بالله. أي أن الشرك هو أن تعدل غير الله بالله، وأن تسوي غير الله بالله. يُقال: هذا الشرك.
ولهذا وُضِعَت علامة على الإخلاص، وهي الإشارة في الصلاة، فإن الإشارة بالأصبع في الصلاة إشارة إلى الإخلاص كما ذكر السلف؛ ولهذا تُرفع في الصلاة إشارة إلى الإخلاص إفراد الله -سبحانه وتعالى.
ولهذا لما مَرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- وهو يصلي، وكان يرفع أصبعيه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «أَحِّدْ أَحِّدْ»([402]). يعني: أَشِر بأصبع واحد؛ لأن معنى "أشهد ألا إله إلا الله": أن تشير إلى رب واحد، فلا تشر بأصبعين، بل أشر بواحد. وهذا يدل على ما ذكرناه من أن المقصود بالتوحيد: إفراد الله -عز وجل- فيكون الشرك معناه: ألا تفرد الله، بل تضيف معه غيره -سبحانه وتعالى.
وقال السمعاني أبو المظفر([403]) -رحمه الله تعالى- صاحب "التفسير" وصاحب "الانتصاف" وغيرهما: الإشراك بالله هو أن يُجمَع مع الله غير الله فيما لا يجوز إلا لله. ولا شك أن العبادة لا تجوز إلا لله، وأن كلمة: يجمع مع الله غير الله، تشمل كل معبود.
والماوَرْدِي([404]) من الذين صنفوا في الفقه الشافعي، وكتابه "الحاوي" مشهور جدًّا، شرح فيه "مختصر المُزني([405])" -رحمه الله- يبين لماذا اختار الشافعي -رحمه الله- أن أهل الكتاب مشركون؟ ويرجح -وهو الصحيح- أن أهل الكتاب معدودون في المشركين. يقول: لماذا اختار الشافعي أن أهل الكتاب مشركون، مع أن أهل الكتاب ليسوا من ذوي الأصنام التي يعبدونها، وإن كانوا يضعون تماثيل لعيسى ولأمه، لكن أصل عبادتهم لعيسى ولأمه؟
يقول: سبب إدخال الشافعي أهل الكتاب ضمن المشركين: أن اسم الشرك يُطلَق على مَن جعل لله شريكًا معبودًا. هذه حقيقة الشرك، وهذا كلام الماوردي.
كذلك البيضاوي([406]) قال في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْل الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا﴾([407]). قال: لا نجعل غيره شريكًا في استحقاق العبادة([408]).
السويدي([409]) -رحمه الله- عالم العراق أوضح أن الشرك الذي أرسلت الرسل لهدمه تحديدًا هو أن يجعل حق الله الخاص به -وهو العبادة- لغيره.
فكل هذا دليل على ما ذكره المصنف -رحمه الله تعالى- من حقيقة الشرك، وبيان ما الذي أُرسِلَت الرسل به من التوحيد، وما الذي أرسلت الرسل لهدمه.
 
(فَهَذَا أَقَرَّ أَنَّ فِعْلَهُمْ هَذَا هُوَ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، فَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: قَولُكَ: الشِّرْكُ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، هَلْ مُرَادُكَ: أَنَّ الشِّرْكَ مَخْصُوصٌ بِهَذَا، وَأَنَّ الاعْتِمَادَ عَلَى الصَّالِحِينَ وَدُعَاءَهُمْ لا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ؟ فَهَذَا يَرُدُّهُ مَا ذَكَرَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ كُفْرِ مَنْ تَعَلَّقَ عَلَى الْمَلائِكَةِ، أَوْ عِيسَى، أَوِ الصَّالِحِينَ.. فَلا بُدَّ أَنْ يُقرَّ لَكَ أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَةِ اللهِ أَحَدًا مِنَ الصَّالِحِينَ فَهَذَا هُوَ الشِّرْكُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ. وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ).
--------------
مثلما تقدم مرات عديدة؛ أن صرف العبادة سواء لملك أو لنبي أو لصالح داخل في الشرك، فإذا أقر أن الشرك عام، وأنه يعني: أن يُصرف حق الله لغير الله، أيًّا كان الذي صرفت له، فقد أقر بحقيقة الشرك. يقول: هذا هو المطلوب. وتقدمت الآيات الدالة على وقوع الشرك بالملائكة، وعلى وقوع الشرك بالأنبياء، وعلى وقوع الشرك بالصالحين.
 
(وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّهُ إِذَا قَالَ: أَنَا لا أُشْرِكُ بِاللهِ. فَقُلْ لَهُ: وَمَا الشِّرْكُ بِاللهِ؟ فَسِّرْهُ لِي. فَإِنْ قَالَ: هُوَ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ. فَقُلْ: وَمَا مَعْنَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ؟ فَسِّرْهَا لِي. فَإِنْ قَالَ: أَنَا لا أَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ. فَقُلْ: مَا مَعْنَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ؟ فَسِّرْهَا لِي. فَإِنْ فَسَّرَهَا بِمَا بَيَّنَهُ الْقُرْآنُ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ، فَكَيْفَ يَدَّعِي شَيْئًا وَهُوَ لا يَعْرِفُهُ؟!
وَإِنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِغَيْرِ مَعْنَاهُ بَيَّنْتَ لَهُ الآيَاتِ الْوَاضِحَاتِ فِي مَعْنَى الشِّرْكِ بِاللهِ وَعِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَأَنَّهُ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِعَيْنِهِ، وَأَنَّ عِبَادَةَ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ هِيَ الَّتِي يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا، وَيَصِيحُونَ فِيهِ، كَمَا صَاحَ إِخْوَانُهُمْ، حَيْثُ قَالُوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾([410])).
--------------
يقول -رحمه الله تعالى: (سِرُّ المَسْأَلَةِ)، أي: لب المسألة، وخلاصة المسألة، وحقيقة المسألة. فإذا تكلم معك في الشرك، فقل له: ما معنى الشرك؟ فإذا قال: هو عبادة الأصنام. فقل: ما معنى عبادة الأصنام؟ وإذا ذكر عبادة الله، فقل: ما معنى عبادة الله؟ والاحتمالات ثلاثة:
فإما أن يفسر هذه الاصطلاحات بما هو مبيَّن في القرآن فهذا هو المطلوب، فإذا بينها اتضحت حقيقة الشرك من حقيقة التوحيد.
وإن لم يعرف فقل له: أنت الآن تدعي دعوى تتعلق بالشرك والتوحيد والعبادة، وهي أمور عظيمة جدًّا، ويترتب عليها دخول الجنة، ويترتب عليها النجاة من النار أو العكس، وتتكلم في الشرك وفي التوحيد وفي العبادة وأنت لا تدري حقيقتها! فكيف تتكلم فيها وأنت لا تدري حقيقتها؟!
الاحتمال الثالث: أن يفسرها بغير معناها، فعند ذلك بيِّن له أنت معاني هذه الاصطلاحات العظيمة: الشرك، والعبادة، والتوحيد.
وكذلك عبادة الأصنام، فإذا قال: هو عبادة الأصنام. فقل له: بيِّن لي ما عبادة الأصنام؟ فلا بد أن يبينها بما هو واقع من حال المشركين من صرف العبادة لها، وهو الذي يفعلونه تمامًا لكن مع غير الأصنام، أي: يفعله المتأخرون مع غير الأصنام، فالحكم واحد، وإما أن يبينها بغير المطلوب فتبين أنت له الحقيقة في مثل هذه الأمور.
 
(فَإِنْ قَالَ: إِنَّهُمْ لا يَكْفُرُونَ بِدُعَاءِ الْمَلائِكَةِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّمَا يَكْفُرُونَ لَمَّا قَالُوا: الْمَلائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ. فَإِنَّا لَمْ نَقُلْ: عَبْدُ الْقَادِرِ ابْنُ اللهِ، وَلا غَيْرُهُ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ نِسْبَةَ الْوَلَدِ إِلَى اللهِ كُفْرٌ مُسْتَقِلٌّ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ﴾([411]). وَالأَحَدُ: الَّذِي لا نَظِيرَ لَهُ. وَالصَّمَدُ: الْمَقْصُودُ فِي الْحَوَائِجِ. فَمَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ، وَلَوْ لَمْ يَجْحَدِ السُّورَةَ).
--------------
الآن نقل الكلام إلى الاحتمال الذي يمكن أن يقولوه، فيقول: الآن سلَّمْنا لك أنهم كانوا يدعون الملائكة، لكن أنا عندي اعتراض على قولك: إن دعاء الملائكة كفر. لماذا؟ يقول: هم لم يكفروا لأنهم دعوا الملائكة، لماذا يقولون هذا؟ لأنه اتضح أنهم متشابهون، فأولئك يدعون الملائكة، وأنتم تدعون الصالحين، بل قد يدعون الصالحين وأنتم تدعون الصالحين، وأولئك يدعون الأنبياء، وأنتم تدعون الأنبياء! فلما حُصِر في هذه الزاوية، قال: دعاء الملائكة ليس هو الذي بسببه كفروا، بل كفروا لأنهم قالوا: إن الملائكة بنات الله، ولم يكفروا لأنهم دعوا الملائكة! فكيف هذا؟! والله -عز وجل- يقول: ﴿وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ﴾([412]).
نقول: سنناقشك بنفس الأسلوب الذي قلته الآن.
القول بأن الملائكة بنات الله هذا كفر مستقل، فيمكن أن يكفر الإنسان من أكثر من وجه، فمثلاً: كفار الجاهلية كفروا من عدة وجوه؛ فكفروا بجحدهم توحيد الله، وكفروا بردهم رسالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكفروا لأنهم أبوا الإيمان باليوم الآخر... فإذا قال إنسان: إنهم كفروا من هذه الزاوية. يقال: هذه إحدى الزوايا التي كفروا من خلالها؛ لأنه يمكن أن يكفر الإنسان من عدة جهات، مثل: الملاحدة الآن -على سبيل المثال- فالملاحدة الذين لا يقرون بالله كفروا من جميع الجهات، فلا يقرون بالله، ولا بجميع الرسل، ولا بجميع الكتب، ولا باليوم الآخر، ولا بالقدر... فيكفرون من جميع هذه الجهات، ولهذا كان الكفر دركات، وبعضها أشد من بعض.
فقولك: إن الكفر الذي وقعوا فيه كان من جهة الملائكة، وليس بسبب دعاء الملائكة. والذي ألجأه إلى هذا: أنه اتضح له أنه متفق معهم في صرف الدعاء لغير الله، فأراد أن يجعل كفرهم من زاوية ليس هو واقع فيها! فقال الشيخ: الكفر الذي وقعوا فيه من جهة دعواهم بأن الملائكة بنات الله هذا نوع من الكفر، والكفر جنسٌ تحته عدة أنواع، فكونك تحصر الكفر في نوع ليس فيك، فالغرض منه التلبيس حتى تخرج نفسك من مدلول الكفر.
إذن فجواب الشيخ أن نسبة الولد إلى الله -عز وجل- كفر مستقل، وما أنتم فيه أيضًا كفر مستقل، ويأتي لهذا بقية -إن شاء الله تعالى- ونرد عليهم بأكثر من وجه.
 
(وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾([413]). فَفَرَّقَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، وَجَعَلَ كُلاًّ مِنْهُمَا كُفْرًا مُسْتَقِلاًّ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾([414]). فَفَرَّقَ بَيْنَ كُفْرَيْنِ).
--------------
ذكر قوله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾([415]). ففرق الله -عز وجل- بين الأمرين؛ فدعوى أن الله -عز وجل- اتخذ الولد هذا كفر مستقل، ودعوى أن مع الله إلهًا هذا أيضًا كفر مستقل، قال: والدليل أن الآيات فرقت بين الكفرين، فقال تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ﴾([416]).  فلو قال أحد: إن الله اتخذ الله ولدًا. لكان كافرًا كما كفرت النصارى وكما كفرت اليهود، فقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾([417]). وقال -عز وجل: ﴿مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾([418]). وقال: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ﴾([419]).
وفي الآية الأخرى أيضًا نفس الوضع، فقد ذكر الله أن الكفرين مستقلان، وجعلوا لله شركاء، وهذا كفر، فقال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾([420]). فهذا كفر مستقل. فذكر الله جرائمهم:
الجريمة الأولى: أنهم زعموا لله الشريك.
الجريمة الثانية: أنهم جعلوا لله البنين والبنات ﴿سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([421]).
يقول: فقولك: إنهم كفروا لأنهم اعتقدوا فقط أن الملائكة بنات الله ليس بصحيح، بل كفروا من الجهتين.
 
(وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَيْضًا: أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِدُعَاءِ اللاَّتِ مَعَ كَوْنِهِ رَجُلاً صَالِحًا لَمْ يَجْعَلُوهُ ابْنَ اللهِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِعِبَادَةِ الْجِنِّ لَمْ يَجْعَلُوهُمْ كَذَلِكَ).
--------------
ذكرها من جهة أخرى، فقاس المسألة قياسًا آخر -رحمه الله تعالى- فقال: الذين كفروا بعبادتهم باللات، كفروا بعبادتهم باللات مع أنهم لا يعتقدون أن اللات ابن لله، فتحقق الكفر دون اعتقاد أن اللات ابن لله، وهكذا الذين يعبدون الجن، فتحقق أنهم كفار مع أنهم لا يعتقدون أن الجن بنات الله. فدل هذا على أنهم يكفرون بعبادة غير الله -عز وجل- وإن لم يعتقدوا أن هؤلاء الذين عبدوهم أبناء لله أو بنات الله.
 
(وَكَذَلِكَ أَيْضًا الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ يَذْكُرُونَ فِي بَابِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ: أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا زَعَمَ أَنَّ للهِ وَلَدًا فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ).
--------------
الفقهاء من جميع المذاهب: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، يجعلون بابًا يذكرون فيه أحكام المرتد، ومعنى أحكام المرتد: أحكام الذي انسلخ -عياذًا بالله- من الإسلام بعد أن كان من أهله. يقول: انظر إلى ما ذكروه في هذا الباب، هل قالوا: إن المرتد هو مَن اعتقد أن لله ابنًا، أم يذكرون مكفرات أخرى؟ لا شك أنهم يذكرون أكثر من مكفِّر، ومن ضمن المكفرات التي يذكرونها: مَن اعتقد أن لله ابنًا، فهذه يذكرونها ضمن المكفرات، ويذكرون معها أيضًا مكفرات أخرى، وهذا يدل على أن حصرك للكفر في اعتقاد أن لله البنات حصر غير صحيح، وإلا لانتهى باب المرتد.
فالعلماء يذكرون عدة أنواع، وهناك أشياء اتفقوا عليها وأجمعوا عليها، وهناك أشياء اختلفوا فيها: هل تكون من الأمور التي يرتد بها العبد أم لا؟ وهناك أمور اتفقوا عليها، وصرف العبادة لغير الله -تبارك وتعالى- لا شك أنه مما اتفق عليه أهل العلم، فمن صرف العبادة لغير الله -عز وجل- فإنه يكون مشركًا كافرًا.
 
(وَإِنْ قَالَ: ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([422]). فَقُلْ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ وَلَكِنْ لا يُعْبَدُونَ، وَنَحْنُ لَمْ نُنْكِرْ إِلاَّ عِبَادَتَهُمْ مَعَ اللهِ وَشِرْكَهُمْ مَعَهُ، وَإِلاَّ فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ حُبُّهُمْ وَاتِّبَاعُهُمْ وَالإِقْرَارُ بِكَرَامَتِهِمْ).
--------------
أورد الشيخ هنا هذا لجهل القوم بحقيقة الكرامة، فقول الله: ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([423]). أورده المناظر هنا ليستدِل به، ويقول: هل تنكر الكرامة، والآية من الأدلة الدالة على أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟!
ويذكر أهل العلم هنا ما يتعلق بمعنى قوله تعالى: ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾([424]).
وما يتعلق بأولياء الله: ما حقيقتهم؟ وحقيقتهم باختصار في الآية نفسها، ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([425]). ثم عرَّفَهم الله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾([426]). فهؤلاء هم أولياء الله، فأهل الإيمان هم أولياء الله الذين يؤمنون ويتقون. ولهذا قال مَن قال من أهل العلم: كل مؤمن تقي فهو لله ولي. وولاية الله تعني: أن تؤمن به تعالى وتتقيه، فتكون وليًّا لله -عز وجل.
فهذه الآية يقبلها أهل العلم على الرأس والعين، وكرامات الأولياء وردت، مثلما ذكر الله -عز وجل- عن مريم: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾([427]). ومثلما ذكر الله -تبارك وتعالى- عن أهل الكهف الذين بَقَوا هذه المدة الطويلة، وكيف أن الله -عز وجل- يميل الشمس عنهم حتى لا تصيبهم وهم في فجوة، ومع ذلك لا تصيبهم الشمس. كل هذه من الأمور الخارقة للعادة التي أجراها الله -عز وجل- ووقعت لأولياء له -سبحانه وتعالى.
يقول الشيخ: نحن نقر بكراماتهم، وما عندنا في هذا إشكال، لكن الذي ننكره وننفيه هو عبادتهم من دون الله، ولكن ما الذي جعل الموضوع يُثار هنا؟ هو المفارقة الغريبة جدًّا؛ فالكفر يُرَاد حصره في بعض معانيه، والشرك يريدون حصره في بعض معانيه، ولما أتوا إلى الكرامة أرادوا أن يفتحوا أبوابها، فقالوا: إن الكرامة واسعة المعنى، فتعني: ما يجريه الله -عز وجل- من خوارق العادات. هذا نوع، وتعني: أن للأولياء في قبورهم تصرفًا، فيستطيعون من خلاله أن ينفعوك وأن يضروك. فمَن قال: لا يمكن أن يتمكنوا من هذا. قالوا: أنت تجحد الكرامة! فلماذا وَسَّع مدلول الكرامة حسب هواه؟!
وهذه من المفارقات الغريبة الدالة على أن القوم لا يضبطون المصطلحات الشرعية، فضبط المصطلحات الشرعية في غاية الأهمية؛ لأنك حين تتكلم على شيء وتدلل عليه، ويكون فهمك له غير سوي، فمعناه أنك ستأتي بالنصوص من القرآن والسنة، وتدلل بها على غير ما أراد الله، فالكرامة وضحها أهل العلم وهي تعني في العموم الأغلب: ما يجريه الله -عز وجل- على يدي الصالح من عباده الملتزم بالسنة من أمور تخرق العادات بإذن الله -تبارك وتعالى.
وهذا مثلما ذكرنا في أمر مريم، ومثلما وقع لعدد من الصحابة -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم- واعتنى بها أهل العلم -رحمهم الله- وللالكائي([428]) -رحمه الله تعالى- في آخر "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" قسم صنَّفه فيما يتعلق بكرامات الأولياء، وكذلك صنف غيره -رحم الله الجميع.
فيقول -رحمه الله: أنت توسع بهذا دائرة الكرامة، حتى تدخل الذين ينفون الشرك في نفي الكرامة، فتقول: كرامات الأولياء لا تعني خرق العادة لهم وهم أحياء، بل إنهم يتصرفون ويجرون الأمور وهم أحياء، وينفعون وهم أموات، وينفعون ويضرون وهم في قبورهم! فإذا قيل: إن هذا غير صحيح. قيل: أنت أنكرت الكرامة. لأنه وسع مدلول الكرامة حتى جعل إنكار مثل هذه الأمور إنكار للكرامة.
هذا له مثال ونموذج الآن؛ فكلمة المؤمن لا يجوز أن تطلق إلا على المسلم فقط، وإذا فُتِح الباب لأن تُطلَق على اليهودي والنصراني فالأمر خطير جدًّا؛ لأن معنى ذلك أنهم ينجون، بل معنى ذلك أن مشركي قريش من المؤمنين؛ لأنه إذا كان معنى المؤمن المقر بوجود الله فقط. فكفار قريش -بنص القرآن- قد أقروا بوجود الله، ويترتب على ذلك أن قتال النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم كان قتالاً للمؤمنين، وهذا من أعظم الخطر، والخطل الكبير، فإذا قيل: هذا رجل مؤمن. فمعناه أنه كما قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾([429]). يعني: لزم الشرع الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- فإن آمن بوجود الله ولم يتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليس بمؤمن، بل اسمه الكافر المشرك. فهذا مثل ونموذج من مسألة توسيع المدلول.
وإذا قال: الكرامة معناها: أن تُخرق العادة للولي في حياته، وأن يتصرف بعد مماته. فمعنى ذلك أن مَن أنكر هذه الشركيات التي تُعمَل عند القبور، وقال: إن أهل القبور لا يجوز أن تصرف لهم عبادة. قالوا: أنت أنكرت الكرامة! فمن المهم ضبط المصطلحات الشرعية، بحيث تُنزل النصوص من الكتاب والسنة على المفهوم الذي أراد الله، وأراد رسوله -صلى الله عليه وسلم.
 
(وَلاَ يَجْحَدُ كَرَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ إِلاَّ أَهْلُ الْبِدَعِ وَالضَّلاَلِ).
--------------
مراده بالذين يجحدون كرامات الأولياء: المعتزلة ومَن نحى نحوهم ممن تأثر بهم من متأخري الفرق الضالة، فالمعتزلة من أشهر مَن نفى كرامات الأولياء، ونفيهم لكرامات الأولياء لمجرد شيء عقلي محض، يقولون: لا بد أن نقر بخرق هذه العادات للأنبياء فقط، أما أن نقر أنه يمكن أن تُخرق العادة لغير النبي فهذا لا يصلح، لماذا؟ قالوا: لأنه لا ينبغي أن يقر بمثل هذا إلا لنبي فقط.
قال أهل العلم: لدينا النصوص الجلية الكثيرة الدالة على خرق العادة المسمى بالكرامة لغير الأنبياء، ثم إن كرامة الولي في الواقع هي آية للنبي، كيف ذلك؟ إنه لم تُخرق له العادة ولم يُكرم بهذه الكرامة إلا باتباعه النبي، فتكون جميع كرامات الأولياء دالة على صدق النبي.
وعلى أن هذا الولي الذي خُرِقت له العادة بأمر الله -تبارك وتعالى- على منهج، لم تُخرق له العادة إلا لأنه لزم منهج النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يمكن أن يكون فيه نوع من التضارب بين كرامات الأولياء وبين آيات الأنبياء كما توهمت المعتزلة، بل كل كرامات الأولياء تدل في الحقيقة على صدق الأنبياء الذين ما صار هؤلاء أولياء إلا باتباعهم، ولا خُرقت لهم العادة وصارت لهم هذه الكرامة إلا باتباعهم الأنبياء.
 
(وَدِينُ اللهِ وَسَطٌ بَيْنَ طَرَفَيْنِ، وَهُدًى بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ، وَحَقٌّ بَيْنَ بَاطِلَيْنِ).
--------------
هذه مسألة عظيمة جدًّا؛ لأن كل أحد في زماننا هذا يتكلم عن الوسط والوسطية، فدين الله وسط بين الطرفين دائمًا، حتى نعرف الوسط: هو حقيقة ما في النصوص، وما خالف ما في النصوص فهو طرف إلى الإفراط أو التفريط. فلا يمكن أن يكون الوسط إلا ما كان عليه محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو الوسط وهو الحق وهو النجاة وهو السبيل لدخول الجنة، أما أن يكون الوسط ألعوبة إذا أراد الإنسان أن يعبث بأحكام الشرع ويحل ما حرم الله، قال: ينبغي أن نُيَسِّر وأن نتوسط.
فالوسط هو ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما خالفه فهو طرف إلى الجفاء والتفريط، أو طرف آخر إلى الإفراط والغلو.
فهذا أمر في غاية الأهمية، وهو أن الإسلام هدى بين ضلالتين، فالإسلام هدى وما خالفه ضلالة من جهة اليمين، وما خالفه من جهة الشمال فهو ضلالة أيضًا، والحق هو فيما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم.
ولهذا لا يستطيع أحد أن يتحدث عن الوسط إلا إذا كان عارفًا بالنصوص، فلا بد أن تعرف ما الذي في النصوص، فإذا عرفت ما الذي أصَّلَتْه النصوص في هذه المسألة، فتحدث بعد ذلك عن أن ما سواها ليس بوسط.
أما أن يظن الإنسان أن الوسط هو التخفيف. فهذا غير صحيح، والتخفيف حسب أمزجة الناس ليس بصواب، بل الوسط هو ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو العدل وهو الخير وهو الصواب وهو النجاة، وما خالفه فهو الإفراط، وما يقابله هو التفريط. وهذا أمر ابتُلِيت به الأمة منذ قرون، فهدي الصحابة الذين استمسكوا به من القرآن والسنة في الصفات بإقرارها على ما أراد الله تعالى هو الوسط.
والضلالة جاءت من الممَثِّلة الذين مَثَّلُوا صفات الله بصفات خلقه، ولم يروا قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾([430]). والضلالة الأخرى أتت من المعطلة الذين نفوا ما أثبت الله، وهكذا ما يتعلق بأمور الوعد والوعيد، فالمعتزلة والخوارج ركزوا على الوعيد، وصاروا لا هَمَّ لهم إلا التركيز على الذنوب؛ ولهذا بالغوا، فكفرت الخوارج صاحب الكبيرة، وأخرجته المعتزلة من اسم الإسلام ومن اسم الكفر وجعلوه -في زعمهم- في منزلة بين منزلتين، وقالوا جميعًا: إنه في الآخرة مخلد في النار. عكس هؤلاء المرجئة الذين خففوا من شأن المعاصي، حتى قال قائلهم -عياذًا بالله:
فأكثر ما استطعت من المعاصي *** إذا كان القدوم على كريم
فكأنه يقول -عياذًا بالله: في الدنيا افعل ما شئت من المعاصي؛ فربك كريم! وهذه وجهة خطيرة جدًّا تؤدي إلى إقبال الناس على الذنوب.
فأهل السنة وسط، فيقولون: الذنوب والمعاصي ضارة، وقد تورد العبد النار، فقد يدخل الموحد النار بسبب ذنب، وسيدخل من هذه الأمة من الموحدين النار بلا شك كما دلت النصوص، ولكن في الوقت نفسه لا يكون الموحد العاصي مثل: فرعون، وأبي جهل، وإبليس، فإنهم لا يُخلَّدون خلود الكفار.
فقول أهل السنة هو الوسط المأخوذ من النصوص؛ ولهذا قال تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ﴾([431]). وفي هذه الآية رد على الطرفين: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾([432])، حتى لا يقنط الناس، ﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ﴾([433])، حتى لا يُشَجِّع الناس على المعاصي، وهو الوسط.
ولهذا أُمِرْنا أن نكون بين خوف ورجاء، قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾([434]). فيكون الإنسان بين الرغبة والرهبة، ما بين الخوف والرجاء.
فحقيقة الوسط باب عظيم جدًّا لا يُعرَف إلا من النصوص، فلا تكون حقيقة الوسط بحسب مزاج الإنسان، يرى الشيء البسيط السهل، فيقول: هذا هو الوسط. وإذا أتته النصوص الجلية يقول: هذا تشديد! فلا يصح أن يقال في شيء: تشديد، إلا إذا كان زائدًا عن النصوص، ولا يقال في شيء: هذا نوع عبث وتساهل، إلا إذا كان بخلاف النصوص نحو إغفالها وإهمالها، فيكون الوسط هو ما دلت عليه النصوص، وما خالفه هو الإفراط أو التفريط.
 
(فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا الَّذِي يُسَمِّيهِ الْمُشْرِكُونَ فِي زَمَانِنَا: كَبِيرُ الاعْتِقَادِ هُوَ الشِّرْكُ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، وَقَاتَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّاسَ عَلَيْهِ؛ فَاعْلَمْ أَنَّ شِرْكَ الأَوَّلِينَ أَخَفُّ مِنْ شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الأَوَّلِينَ لاَ يُشْرِكُونَ، وَلا يَدْعُونَ الْمَلاَئِكَةَ وَالأَوْلِيَاءَ وَالأَوْثَانَ مَعَ اللهِ إِلاَّ فِي الرَّخَاءِ، وَأَمَّا فِي الشِّدَّةِ فَيُخْلِصُونَ للهِ الدُّعَاءَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾([435]). وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنسَانُ كَفُورًا﴾([436]). وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾([437]).
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ﴾([438]). إِلَى قَوْلِهِ: ﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ﴾([439]). وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾([440]).
فَمَنْ فَهِمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي وَضَّحَهَا اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَهِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُونَ اللهَ تَعَالَى وَيَدْعُونَ غَيْرَهُ فِي الرَّخَاءِ، وَأَمَّا فِي الضَّرَّاءِ وَالشِّدَّةِ فَلا يَدْعُونَ إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَيَنْسَونَ سَادَتَهُمْ؛ تَبَيَّنَ لَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا وَشِرْكِ الأَوَّلِينَ.
وَلَكِنْ أَيْنَ مَنْ يَفْهَمُ قَلْبُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَهْمًا رَاسِخًا؟ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ).
--------------
ذكر -رحمه الله تعالى- مقارنة بين المشركين المتقدمين وبين المشركين المتأخرين، فقال: إذا عرفت حقيقة الشرك الذي عليه المتأخرون، فهناك فرق بين المتقدمين وبين المتأخرين، ما وجه الفرق؟
يقول: المشركون المتقدمون إنما يشركون في حال الرخاء، فإذا جاؤوا في حال الشدائد فإنهم لا يذكرون معبوداتهم البتة، ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾([441]).
فانظر شهادة رب العالمين الذي يعلم الإخلاص، وهذا فارق كبير بين مَن يدعو الله -عز وجل- وإن كان الشرك حاصلاً للجميع، لكن مَن يشرك في الرخاء والشدة حاله أسوأ ممن يشرك في حال الرخاء فقط، ففي حال الرخاء حين يكون الإنسان مطمئنًّا في البر؛ ولهذا قال تعالى: ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ﴾([442]).
فهم الآن خرجوا من ظلمات البحر وهي الشدائد التي كانوا يُخلِصُون فيها، فلما أتوا إلى البر حيث الأمن والسلامة رجعوا إلى شركهم؛ ولهذا قال تعالى مبينًا أن تلك المعبودات تُنسى أصلاً: ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾([443]). فينسون الشرك ويعودون خلصًا؛ لأنهم يعلمون أنه لا ينجي إلا الله -سبحانه وتعالى- والآيات في هذا كثيرة جدًّا دالة على هذا المعنى.
أما المتأخرون فإنهم يشركون في الحالين؛ في حال الرخاء وفي حال الشدة؛ ولهذا لما أتى التتار وغزوا المسلمين، وكانوا من أشد ما وقع على الأمة الإسلامية، وقتل مَن قتل من الناس، صاح صائح المشركين يقول:
يا خائفين من التتر *** لوذوا بقبر أبي عمر!
انظر -نسأل الله العافية- فالتتر أهلكوا عددًا غفيرًا جدًّا من المسلمين، وكانوا يُقتَلون قتل البهائم، كأنهم ليسوا من البشر، وكان في التتار شيء من الفوضى العارمة، فلا دين عندهم، وإنما هم أمة فوضوية، فكانوا يقتلون الناس قتلاً ذريعًا؛ لهذا قال أهل العلم: إنهم قتلوا في بغداد أكثر من مليون، المليون قديمًا رقم كبير؛ لهذا قال ابن القيم -رحمه الله:
فغدا على سيف التتار الألف في *** مثل لها مضروبة بوزان
وكذا ثمان مئينها في ألفها *** مضروبة بالعد والحسبان
يعني: مليون وثمان مئة ألف قتلهم التتار على يد الخائن الوزير الرافضي ابن العلقمي([444]) الذي كان يكاتبهم سرًّا، ورغَّبهم في قتل المسلمين! فلما ورد التتار واقتربوا قال الخليفة: اجمع الفقهاء واجمع العلماء والوجهاء، واذهب وسلِّم بغداد، فلما اجتمع صفوة الناس قتلهم هؤلاء الهمج تحت قوائم الخيل، وضربوا الخليفة ضربًا شديدًا حتى يموت بدون سيف، ثم دخلوا بغداد وأهلكوا مَن فيها، وهذه شدة عظيمة جدًّا.
فيقول قائل المشركين: يا خائفين من التتر. فبدلاً من أن يقول: اتقوا الله، أو: عودوا إلى الله -عز وجل... قال: لوذوا بقبر أبي عمر! أي: اذهبوا لقبر شخص يدعى أبا عمر ينجيكم من التتار!
ولهذا يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في معركة شقحب: إنه لما رجع المسلمون إلى الله رجوعًا حقيقيًّا، وطلبت إليهم ألا يدعوا إلا الله وحده لا شريك له، ويخلصوا الدعاء لله -عز وجل- وعاد الناس إلى التوحيد، وتركوا دعاء غير الله. يقول ابن تيمية -رحمه الله: فقلت: الآن تُنصَرون عليهم. قالوا: قل: إن شاء الله. قال: أقول: إن شاء الله تحقيقًا؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- وعد بالنصر، فقد عدتم إلى التوحيد من الشرك، وتركتم المظالم وتركتم الفساد.. وبالفعل هُزِم التتار هزيمة منكرة في تلك الموقعة.
فالحاصل: أن المشركين هذا واقعهم للأسف، إذا جاءتهم الأمور العِظام مثل الغرق في البحار، أو مثل الأمور المخيفة كالزلازل والبراكين... صاروا يصيحون، ونسوا الله -عز وجل- بينما المشركون المتقدمون ينسون ما يُشركون، وينسون المعبودات ويوحِّدُون الله تعالى.
 
(الأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ الأَوَّلِينَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاسًا مُقَرَّبِينَ عِنْدَ اللهِ؛ إِمَّا أَنْبِيَاءَ، وَإِمَّا أَوْلِيَاءَ، وَإمَّا مَلائِكَةً. أَوْ يَدْعُونَ أَشْجَارًا، أَوْ أَحْجَارًا، مُطِيعَةً للهِ لَيْسَتْ عَاصِيَةً، وَأَهْلُ زَمَانِنَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاسًا مِنْ أَفْسَقِ النَّاسِ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَحْكُونَ عَنْهُمُ الْفُجُورَ مِنَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَتَرْكِ الصَّلاةِ.. وَغَيْرِ ذَلِكَ).
--------------
هذا هو الفرق الثاني بين المشركين المتقدمين والمشركين المتأخرين، فالمشركون المتقدمون يعبدون أحد صنفين:
إما من فيه إيمان وخير وصلاح في نظرهم؛ كالأنبياء والملائكة والصالحين، ولا يعبدون أهل الفجور، وهذا لا يستحق أن يُعبَد في نظرهم؛ لأن العبادة -كما قلنا- لا تصلح أن تكون إلا لله وحده.
أو يعبدون أشجارًا أو صخورًا أو أحجارًا هي في نهاية المطاف عابدة لله -سبحانه وتعالى.
يقول: أما المتأخرون فيعبدون أناسًا تتعجب مما يذكرون في تراجمهم، لا تقل: قال فلان من أهل السنة عن فلان منهم أبدًا، بل ارجع إلى ما ترجموا هم بأيديهم وتكلموا عنه تجد العجب، ولولا المقام مقام المسجد لذكرت لكم عجائب وغرائب مما ذكروه في مصنفاتهم مما ينبو السمع عنها، واللسان عن نطقها.
ثم يقول: هؤلاء هم أولياء الله! وهؤلاء هم الذين يُستغاث بهم من دون الله!
لكن نذكر نماذج يمكن أن تُقَال منها: ما ذكر الشعراني([445]) -وهو من كبار المخرفين- في "الطبقات الكبرى" في الجزء الثاني في صفحة مئة وخمسين، عن شخص يُدعى الشريف المجذوب. والشيخ -رحمه الله- يقول: إنهم يذكرون عنه من أنواع المعاصي وترك الصلاة وترك الصوم... وهذا من كتب القوم مما يدل على صحة ما قاله -رحمه الله تعالى- ويدل على أنه لم يكذب عليهم.
يتكلم الشعراني عن الشريف المجذوب فيقول: كان يأكل في نهار رمضان، ويبلع الحشيش. عياذًا بالله كان يجمع الشرين؛ أكل المحرم وهو الحشيش، والفطر في نهار رمضان! ويضيف الثالثة وهي الأسوأ من هذا كله ويقول: أنا معتوق أعتقني ربي! يعني: أعتقني من وجوب الصوم!
وفي "تكميل الصلحاء والأعيان" صفحة سبعين وواحد وسبعين نقل عن علي الوحيشي أنه -عياذًا بالله- فعل الفاحشة على مَن في السوق أمام الناس، وعدُّوا هذا الذي فعله نوعًا من أنواع الكرامات! وما لا أذكر أشد وأنكى.
وفي كتاب النبهاني([446]) الذي جَرَّد الحرب على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وَرَدَّ ردودًا كثيرة على أهل التوحيد، وصنف كتابًا في غاية السوء واسمه "جامع كرامات الأولياء"، جمع فيه العجائب، وذكر فيه أشياء من الفواحش ومن ترك الصلاة... فيقول في ترجمة شخص: إنه كان لا يصلي. لا يقول ذلك سبًّا له وشتمًا، ولكن يقصد أنه بلغ ما يسمونه برتبة قبيحة جدًّا عندهم يسمونها "سقوط التكاليف"!
وسقوط التكاليف مثلما يقول المسمى الشريف المجذوب، يقول: أنا معتوق أعتقني ربي! أي: أن الواجب لم يعد عليَّ واجبًا، والمحرم صار بالنسبة لي حلالاً! ثم يذكرون هذه الكرامات.
ولما ذكر النَّبْهَاني القصة التي سقناها عن الوحيشي -وأنا سقتها باختصار لأنها قبيحة جدًّا، لكن أجملت الكلام بأن فيها فاحشة- قال النبهاني: وقد تقدم نظير مثل هذه الكرامات! فيرى أن فعل الفاحشة أمام الناس كرامة،؛ لأنه يرى أن هذا منه ما حصل إلا لأن الله أباح له ما حرم على الناس.
فكلام الشيخ في محله، والذين نقدوا الشيخ لا يفهمون؛ لأن هذا واقع كتبهم، وإذا رجع الإنسان إلى كتبهم وجد العجائب التي فيها جملة من المحرمات العجيبة، حتى يقول أثناء الثناء عليه: كان لا يصلي! ويثني عليه بأنه كذا وكذا... وكان لا يصلي! ولا تظن أنه يسبه، بل يعتقد أنه يسعه الخروج من شرع محمد -صلى الله عليه وسلم- لما بلغ منزلة سقوط التكاليف. ثم يقولون: إن هؤلاء الذين يُستغاث بهم.
ولهذا -عياذًا بالله ونسأل الله العافية- يوجد في تراجمهم شيء في غاية القبح وهو التعري، ويرون أن تعريهم خاص بهم هم، وأنه يحرم التعري على غيرهم، أما هم فهم أولياء الله الذين يصح لهم أن يفعلوا ما لا يفعله غيرهم! وأشياء كثيرة جدًّا جدًّا من هذا القبيل!
فيقول الشيخ: أنتم تقولون: إنه يجوز أن يُستغاث به، وتجوزون الاستغاثة بمثل هؤلاء الفُسَّاق الفجار، وأما المشركون فكانوا يستغيثون بنبي أو بملك أو بصالح، وإن كان هذا غلط بلا أدنى شك وهو شرك أوردهم النار، لكن هو أخف من شركك بمن على هذه الحال الذين يجب تأديبهم الشرعي، وحقهم أن يُحَاسبوا أمام القضاء الشرعي حين يجهرون بمثل هذه المنكرات.
فكلام الشيخ ليس فيه ظلم أبدًا، لكن بعض الناس قد يقول: هذه مبالغة، كيف يقول الشيخ هذا الكلام؟! نقول: ارجع إلى تراجم القوم لتعرف ماذا قالوا، ومما هو أشد منه مما يُجلُّ المسجد عن أن يُقال فيه.
 
(وَالَّذِي يَعْتَقِدُ فِي الصَّالِحِ أَوِ الَّذِي لا يَعْصِي -مِثْلَ: الْخَشَبِ وَالْحَجَرِ- أَهْوَنُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فِيمَنْ يُشَاهِدُ فِسْقَهُ وَفَسَادَهُ وَيَشْهَدُ بِهِ.
فَإِذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصَحُّ عُقُولاً، وَأَخَفُّ شِرْكًا مِنْ هَؤُلاَءِ، فَاعْلَمْ أَنَّ لِهَؤُلاءِ شُبْهَةً يُورِدُونَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ شُبَهِهِمْ، فَأَصْغِ سَمْعَكَ لِجَوَابِهَا.
وَهِيَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ لا يَشْهَدُونَ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُكَذِّبُونَ الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُنْكِرُونَ الْبَعْثَ، وَيُكَذِّبُونَ الْقُرْآنَ، وَيَجْعَلُونَهُ سِحْرًا، وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَنُصَدِّقُ الْقُرْآنَ، وَنُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ، وَنُصَلِّي، وَنَصُومُ، فَكَيْفَ تَجْعَلُونَنَا مِثْلَ أُولَئِكَ؟!).
--------------
هذه من أكثر الشبهات التي يثيرونها، يقول: كيف تجعلني مثل المشرك، وأنت تراني وأنا أقر باليوم الآخر وهو لا يقر، وأنا أقر بشهادة أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو لا يقر، وأنا أصلي وهو لا يصلي، وأنا أزكي وهو لا يزكي، وأنا أصوم وهو لا يصوم؟!
وهذه الشبهة من أكثر ما أجلبوا به على أهل الحق، ومرادهم بها -قبل أن نرد عليها: أن يجعلوا قائل كلمة "لا إله إلا الله" الآتي بالواجبات الظاهرة إذا قال فقط: لا إله إلا الله. دون النظر هل عمل بمقتضاها أم لا؟ ولو أتى بما ينافي التوحيد، فمجرد نطقه بـ "لا إله إلا الله" يكفي.. مرادهم من هذا: لا يجوز أن تجعله مثل المشرك، فضلاً على أن تقول: إن شركه أغلظ من شرك المتقدمين. هذا هو المقصود بهذه الشبه، وسيأتي الكلام عليها في كلامه -رحمه الله.
 
(فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لا خِلافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ كُلِّهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَدَّقَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَيْءٍ وَكَذَّبَهُ فِي شَيْءٍ أَنَّهُ كَافِرٌ لَمْ يَدْخُلْ فِي الإِسْلامِ، وَكَذَلِكَ إِذَا آمَنَ بِبَعْضِ الْقُرْآنِ وَجَحَدَ بَعْضَهُ، كَمَنْ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الصَّلاةِ، أَوْ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ وَالصَّلاةِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ الصَّوْمَ، أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الْحَجِّ.
وَلَمَّا لَمْ يَنْقَدْ أُنَاسٌ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلْحَجِّ أَنْزَلَ اللهُ فِي حَقِّهِمْ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾([447]). وَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ الْبَعْثَ كَفَرَ بِالإِجْمَاعِ، وَحَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ، كَمَا قَالَ -جَلَّ وَعَلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا﴾([448]).
فَإِذَا كَانَ اللهُ قَدْ صَرَّحَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ مَنْ آمَنَ بِبَعْضٍ، وَكَفَرَ بِبَعْضٍ، فَهُوَ الْكَافِرُ حَقًّا، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا ذَكَرَ؛ زَالَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ).
--------------
مراده -رحمه الله تعالى- هنا أن يرد عليهم، فيقول: أنتم تريدون أن تأخذوا من الشرع ما تريدون فقط، تريدون أن تقولوا: لا إله إلا الله، بالأسلوب الذي تفهمونه أنتم، وهو نطق هذه الكلمة دون العمل بمقتضاها، وتضيفون إليها الصوم والصلاة والزكاة والحج، فيقول: أرأيتم أن شخصًا صدَّق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كل شيء، ولكن كذبه في شيء واحد، أفلا يكون كافرًا؟! بلا شك، أرأيتم مَن أقر بالتوحيد وجحد وجوب الصلاة، ألا يكون كافرًا؟! أرأيتم مَن أقر بالتوحيد والصلاة والصوم والزكاة وجحد الحج، ألا يكون كافرًا؟! أرأيتم من أقر بالتوحيد وشهادة أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصلاة والصوم والزكاة والحج وأتى بأركان الإسلام، وجحد اليوم الآخر، ألا يكون كافرًا؟! يقول: قال الله تعالى: ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾([449]). فيؤخذ الإسلام كله.
فدعواهم أن مجرد قول: "لا إله إلا الله" دون الالتزام بقيودها وشروطها كافٍ، لا شك أنه على خلاف ما دلت عليه النصوص، فقد جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. دَخَلَ الْجَنَّةَ»([450]). وقد استمسكت المرجئة بهذا الحديث.
وقال أهل العلم: الذي قال -بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه: «مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. دَخَلَ الْجَنَّةَ». هو الذي قال: «مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ؛ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ»([451]).
وهو الذي قال لأبي هريرة: «مَنْ لَقِيتَ وَرَاءَ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ مُسْتَيْقِنًا بَهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ باِلْجَنَّةِ»([452]).
وهو الذي قال: «حَرُمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ»([453]).
وهو الذي قال -عليه الصلاة والسلام: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ»([454]).
فالشروط التي لا تنفع هذه الكلمة إلا بها هي: العلم واليقين والإخلاص والانقياد.. إلى آخره.
فيقول -رحمه الله تعالى: لا شك أن مَن قال: لا إله إلا الله. فعليه أن يلتزم ما تقتضيه هذه الكلمة من ترك الشرك والإقرار لله بالتوحيد، أما مجرد أن يقول: لا إله إلا الله. فيكون من أهل الإسلام، فلا شك أن هذه النصوص دالة على هذه القيود، فقال -عليه الصلاة والسلام: «مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ»([455]). فهذا قيد مهم جدًّا، والحديث عند مسلم.
فمن قالها وكفر بما يُعبَد من دون الله أيًّا كان المعبود من دون الله حَرُمَ ماله ودمه.
أما لو قال: لا إله إلا الله. ولم يكفر بما يُعبَد من دون الله، فلم يحقق الكلمة؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾([456]). والمستمسك بالعروة الوثقى هو الذي جمع الأمرين، وهما: قول لا إله إلا الله، والكفر بالطاغوت -وهو المعبود من دون الله تعالى.
فهكذا ينبغي أن تُفهم الأمور؛ ولهذا يقول لهم السؤال المؤكد جوابه: لو أنه قال: لا إله إلا الله، وجحد الصلاة، فما حكمه؟ يقولون: كافر. يقول: فكذلك الحال إذا قال: لا إله إلا الله، باللسان، وعَبَدَ من دون الله -عز وجل- غيره، فلا يكون قد حقق قول: لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبد من دون الله. ولا يكون قد حقق: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾([457]).
ونظرًا لأهمية هذه الكلمة سأسوق بعض الكلام لبعض أهل العلم الدال على أن مجرد قول "لا إله إلا الله" فقط لا يكفي، وإنه يمكن أن يقول الإنسان: لا إله إلا الله، ولا تنفعه، فالإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- في كتاب "الأم"، فيما رواه ابن عبد البر([458]) في "الانتقاء" يقول في المعتزلي الجلد المشهور إبراهيم بن إسماعيل بن علية([459]): أنا مخالف له في كل شيء. يقول الشافعي: وفي قول: لا إله إلا الله، فأنا لست أقول كما يقول؛ فأنا أقول: لا إله إلا الله، الذي كلم موسى تكليمًا من وراء حجاب، وذاك يقول: لا إله إلا الله الذي خلق كلامًا أسمعه موسى من وراء حجاب! يعني: حتى قول "لا إله إلا الله" أنا أختلف معه فيها([460]).
وهكذا قال ابن خزيمة([461])، فقد أطال كثيرًا -رحمه الله- في كتاب التوحيد في المجلد الثاني من صفحة ثمان مئة وخمسة عشر إلى ثمان مئة اثنين وثلاثين، فقال ما موجزه: يعلم كل عالم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يريد بالأخبار المطلقة -يقصد مثل قوله: «مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. دَخَلَ الْجَنَّةَ»- أن مَن قال: لا إله إلا الله، ولم يؤمن بشيء من الكتب أو الجنة والنار أو البعث والحساب أنه من أهل الجنة، مثلما قال الشيخ، يعني: أن مَن قال: لا إله إلا الله، وكفر بالبعث، لا يمكن أن تنفعه لا إله إلا الله([462]). فهذا كلام ابن خزيمة، فالأخبار المطلقة في قول "لا إله إلا الله" إذا قالها الإنسان، ولم يؤمن بشيء من الكتب أو الجنة والنار أو البعث والحساب، فيعلم كل عالم أنه لا يمكن أن يكون مراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه من أهل الجنة.
ثم ذكر عدة أحاديث فيها إطلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- دخول الجنة لِمَن عمل عملاً، مثل: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ»([463]). ومثل: «مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَوَاقَ نَاقَةٍ»([464]). فذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضًا أنه من أهل الجنة، وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من عَلِم أن الصلاة حق عليه فهو من أهل الجنة([465]).. فيقول: هذه الأحاديث إذا أردنا أن نفهمها بهذا الفهم غير السوي، فمعنى ذلك أن مَن صلى البردين فقط دخل الجنة، وإن لم يعمل بالأحاديث الأخرى، فإذا قيل: لا، بل لا بد أن يأتي بجميع الصلوات، ولا بد أن يأتي بجميع ما أمر الله. قيل: فكذلك الحال بالنسبة للتوحيد، فإن النصوص الدالة على أن الصلوات خمس وليست هذين الفرضين، فلو قال إنسان: سأصلي العصر والفجر وسأدخل الجنة بناء على هذا الحديث. وترك الأحاديث الأخرى، والنصوص الأخرى الدالة على أن الصلوات خمس، والدالة على وجوب الزكاة والحج.. وغيرهما.
فيقول الإمام -رحمه الله تعالى: لا خلاف بين أهل العلم أن من قال: لا إله إلا الله، فقط باللسان ولم يعمل بمقتضاها وما يجب عليه مما أوجب الله من ترك الشرك، أنها لا تنفعه.
ولهذا قال البقاعي([466]) -رحمه الله تعالى- بعد بيانه معنى كلمة التوحيد، وأن معناها: لا معبود حق إلا الله، قال: هذا العلم أعظم الذكرى المنجية من أهوال الساعة، فلا يكون علمًا إلا إذا كان نافعًا، وإنما يكون نافعًا إذا كان مع الإذعان والعمل بما تقتضيه، العمل بما تقتضيه لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله، والمعنى: أن ما عُبِد من دون الله -عز وجل- فهو باطل؛ فتترك المعبودات من دون الله. يقول: وإلا فهو جهل صرف([467]). فهذا مجمل ما قالوا -رحمهم الله تعالى- في الموضوع.
السؤال:
ما تقول في الأشخاص الذين لا يُبَدِّعون الجماعات الضالة، وإنما يقول: لكل جماعة أسلوبها في الدعوة، وهم على خير، ولا بد أن نجمع الأمة دون تفريق فيما بينهم؟
الجواب:
لا شك أنه ينبغي على المسلمين أن يكونوا أمة واحدة، وأن يعودوا إلى منهج السلف الصالح -رضي الله عنهم- في سائر أمورهم، وأن يصدروا عن علم وبصيرة، بحيث تكون هذه الأمور يحدث فيها ما أراد الله من الوفاق وعلى منهج الرسول -صلى الله عليه وسلم. أما أن يُقال: إن كل أحد يعمل على شاكلته. فليس بصحيح، بل لا بد أن تكون الأمور التي تُعمَل منطلقة من الدليل، ومن خلال كلام أهل العلم. أما أن يقول: كل أحد يعمل بما يريد، فهذا ليس بصحيح.

السؤال:
ما معنى القول أن الله يسمع بسمع ويرى بعين؟
الجواب:
يعني أنه شيء حقيقي، ليس فقط كما يريد البعض أن يقول: يسمع، ولا يقول: إنه يسمع المسموعات، بل يسمع سماعًا، فلله السمع، وهو يسمع -سبحانه وتعالى- حقًّا.
السؤال:
هل التأويل مانع من موانع التكفير، وإذا كان مانعًا، فهل هو مطلق أم توجد قيود، بحيث أن أشخاص عندهم دليل على تأويلهم، ولكن هذا الدليل غير سليم؟
الجواب:
التأويل أنواع؛ ومنه تأويل بعيد جدًّا، وأبعد ما يكون عن الصواب، فهذا لو فتح للناس لأقررنا بما عند الباطنية. وقد تكون بعض الأمور فيها تأويل مما يخفى، فهناك مسائل تخفى وغير واضحة، وقد تخفى على الإنسان، وأيضًا لو أخطأ إنسان وبُيِّن له خطأه وأُزيلت شبهته، فإن رجع كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- فحسن، وإن لم يرجع فلا يقال: إنهم تائبون.
السؤال:
هل يقال: اختلاف العلماء في مسائل العقيدة اجتهاد منهم، أم الاجتهاد خاص بالفقه؟
الجواب:
الاجتهاد -كما تعلم- يكون في الأمور التي لا نص فيها، أما الأمور المنصوص عليها فلا اجتهاد فيها، وأما ما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- في النصوص وما كان عليه السلف الصالح فهذا ليس محل اجتهاد اليوم.
السؤال:
يقول بعض المبتدعة: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمعنا، فنطلب منه الدعاء؟
الجواب:
هذا غير صحيح، كما في الحديث: «إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ»([468]). إلى غير ذلك من النصوص التي سقناها.
السؤال:
يسأل عن حديث: «اخْتِلافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ»([469])، ما صحته؟
الجواب:
هذا ليس بسليم، وليس بصحيح.
السؤال:
سمعت بعض المشايخ يقول: لا يجوز اسم "عزوز" لعبد العزيز، و"الرحمي" لعبد الرحمن؛ لأنه تصغير، فهل هذا صحيح؟
الجواب:
من أهل العلم مَن قال هذا، وقال: فيه إشكال؛ لأن التصغير صار للاسم نفسه، فإذا أراد أحدهم أن يصغر فليقل: عبيد الله، عبيد العزيز. حتى يكون التصغير في الاسم الأول، ويبعد عن الإشكال.
السؤال:
هل طلب الدعاء من شخص ممنوع، كأن أقول: ادعُ لي بالنجاح؟
الجواب:
إن كان الشخص حيًّا فلا إشكال مطلقًا، وهو ضرب من ضروب الأمور المشروعة؛ ولهذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عمر -رضي الله عنه- أن يطلب من أُويس القُرَني([470]) أن يستغفر له([471])، وهذا لا إشكال فيه، لكن الإشكال أن يطلب هذا من ميت.
السؤال:
هل قولنا: إن أهل الكتاب مشركون، يمنعنا من أكل طعامهم والزواج من نسائهم؟
الجواب:
لا؛ لأن الله -تبارك وتعالى- استثناهم من هذا استثناءً بينًا، فَذَكر -سبحانه وتعالى- أن نساء أهل الكتاب حل لنا، فقال تعالى: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ﴾([472]). وهذا خاص بأهل الكتاب فقط من اليهود والنصارى.
والنساء اللاتي يجوز الزواج منهم يُشترط أن يكن عفيفات، وأن يكن ملتزمات بالفعل بما هن عليه من يهودية أو نصرانية، لا أن يكن ملحدات مثلاً، ففي هذه الحالة لسن يهوديات ولا نصرانيات.
السؤال:
يسأل عن التصوير بالفيديو والكاميرا وتوسع الناس فيه؟
الجواب:
هذه مسألة محل خلاف بلا شك بين أهل العلم، ولاسيما التصوير بالفيديو بشكل خاص؛ فبعض المشايخ يرى أنها لا إشكال فيها، ولاسيما مع كثير نفعها، ولهذا يرى الكثير من المشايخ المشتركين الآن في الدورة التصوير بالكاميرا، وذلك بالنظر إلى أنهم يرون أن الحديث لا يشمل مثل هذا النوع، قالوا: لأن التصوير تفعيل، من جعل الشيء على هيئة معينة مضاهاة لخلق الله تعالى، والأقوال كثيرة من المشايخ.
ومنهم مَن يقول: إن الأمور على عمومها كالمشايخ الأولين -رحمهم الله- والذي يريد البُعد والسلامة لنفسه في مثل هذه الأمور له ذلك، والذي يصور من إخواننا ويرى أن ذلك يسعه فلا نرى أنه قد أتى منكرًا، وأن هذه المسألة اجتهدوا فيها، فليس مثل التصوير باليد قطعًا؛ لأنه محرم لا ينبغي النقاش فيه، وليس مثل النحت للتماثيل، فهذا أيضًا نفس الوضع محرم.
لكن يبقى الكلام في مثل هذه المسألة؛ هل تلحق بالتصوير الذي فيه عموم النهي من قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- فيُقال يشمل التصوير جميع أنواع التصوير، أو يقال: إنه لا يشمله.
هذا فيه كلام لأهل العلم -رحمهم الله- وما نرى التثريب، يقول: الذين يصوِّرُون عندهم تساهل في دينهم، وهذا لا يصلح، فهذه مسألة اجتهدوا فيها، وأيضًا رأوا أن مثل هذه المواضع كوسائل الإعلام وغيرها أنها لو تُرِكت لأهل الباطل ولأهل الفساد ولأهل التصوف والرفض لحدثت مشكلة كبيرة؛ لأنه إذا أُرِيد طرح موضوع شرعي ولم يأتِ أهل العلم والخير ليتكلموا فيها انفتح باب شر عظيم، قالوا: حتى لو كان الأمر فيه ما فيه من الخلاف، إلا أن المفسدة أعظم، ومن أهل العلم وطلبة العلم مَن يرى البعد.
فلا أرى أن تكون هذه المسألة مسألة تثريب، بحيث تكون ضابطًا عنده في دينه التساهل وعنده مداهنة، لا يصلح هذا أبدًا، فالمسألة يجتهد فيها إخواننا، والذي يريد العافية والبُعدَ فهذا شأنه.
قال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب([473]) -رحمه الله تعالى- في "كشف الشبهات": (فَإِذَا كَانَ اللهُ قَدْ صَرَّحَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ مَنْ آمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ فَهُوَ الْكَافِرُ حَقًّا، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا ذَكَرَ؛ زَالَتِ الشُّبْهَةُ. وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ الإِحْسَاءِ فِي كِتَابِهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَيْنَا).
-------------
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين..
ذُكر أن الرجل المقصود هنا بقوله: (بَعْضُ أَهْلِ الإِحْسَاءِ)، يُدعى أحمد بن عبد الكريم، وفي ذلك الوقت كان قد راسل الشيخ بحاصل الشبهة السابقة المتعلقة بكلمة التوحيد التي جهلوا معناها، والعبرة ليست في كون الشخص هو فلان أو غيره، بل العبرة في أن هذه المسألة كُوتِب فيها ورُوسِل، ووُجِدَ مَن يدافع عنها.
وبمناسبة ذكر رسائل الشيخ يقال: هذه الرسائل نفع الله -عز وجل- بها أيما نفع، وهدى الله بها كثيرًا ممن كتب لهم الشيخ، ومنهم أناس كان لديهم سوء تصور وسوء فهم، فأزالت تلك الرسائل تلك الغشاوة التي عن الشيخ -رحمه الله تعالى- من معاصريه، وكان الشيخ كثير المراسلات جدًّا، وقد جُمعت رسائله وهي كثيرة، وتدل على عنايته وحرصه على الدعوة إلى الله -عز وجل- فقد كاتب عددًا كبيرًا من الناس، ومن الحكام ورؤساء العشائر، وبعض أهل العلم. وكاتبه أيضًا عدد من الناس في ذلك الوقت؛ منهم مَن يستجدي أمر دعوته؛ سواءً من داخل الجزيرة أم خارجها، ومنهم مَن يعرض عليه معتقده، ويقول: إن رأيت فيه شيئًا من الخطأ فنبهني إليه... إلى غير ذلك.
فرسائله -رحمه الله- نفع الله بها كثيرًا، وهذا من دلائل حرصه -رحمه الله- على الدعوة ونشرها بأساليب عدة، وكان من ضمنها المكاتبات -رحمه الله.
 
(وَيُقَالُ أَيْضًا: إِنْ كُنْتَ تُقِرُّ أَنَّ مَنْ صَدَّقَ الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَجَحَدَ وُجُوبَ الصَّلاةِ أَنَّهُ كَافِرٌ حَلالُ الدَّمِ وَالْمَالِ بِالإِجْمَاعِ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَقَرَّ بِكُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ الْبَعْثَ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَحَدَ وُجُوبَ صَوْمِ رَمَضَانَ وَصَدَّقَ بِذَلِكَ كُلِّهِ، لا تَخْتَلِفُ الْمَذَاهِبُ فِيهِ، وَقَدْ نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ كَمَا قَدَّمْنَا).
-------------
هذا امتداد للكلام السابق وتأكيد عليه، (فَإِنْ كُنْتَ تُقِرُّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَنْ صَدَّقَ الرَّسُولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَيْءٍ، وَجَحَدَ وُجُوبَ الصَّلاةِ)، أو أي أمر أتى به الشرع من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، فسيأتي الآن جواب الشرط، في قوله: (إِنْ كُنْتَ تُقِرُّ فَمَعْلُومٌ...).
 
(فَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّوْحِيدَ هُوَ أَعْظَمُ فَرِيضَةٍ جَاءَ بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ أَعْظَمُ مِنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، فَكَيْفَ إِذَا جَحَدَ الإِنْسَانُ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ كَفَرَ، وَلَوْ عَمِلَ بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِذَا جَحَدَ التَّوْحِيدَ الَّذِي هُوَ دِينُ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ لا يَكْفُرُ؟! سُبْحَانَ اللهِ! مَا أَعْجَبَ هَذَا الْجَهْلَ!).
-------------
أراد -رحمه الله- أن يبين أنه إذا كنت تقر أن جَحْد الصلاة كُفر، ولا يتردد في هذا أحد، فلا يتردد أحد في أن مَن قال: إن الصلاة ليست فرضًا. أنه كافر، لا من الموحدين ولا حتى من هؤلاء المشركين. فإذا كان جحد الصلاة أو الصوم.. أو غيرهما من الفرائض كفرًا، فكيف لا يكون جحد التوحيد الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- وجاءت به الرسل جميعًا كفرًا؟! هذا من باب أولى.
فإذا كان جحد فرض هو في غاية الأهمية؛ كالصلاة أو الصوم أو الزكاة أو الحج، لكنه لا يكون أهم من التوحيد، إذا كان جَحْد واحد من هذه الفروض كفرًا، فكيف لا يكون جحد أصل الاعتقاد، والأساس الذي يُبنَى عليه كل شيء من الأعمال من الكفر، سيما وهو التوحيد الذي أجمعت عليه الرسل -كما تقدم.
 
(وَيُقَالُ أَيْضًا: هَؤُلاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاتَلُوا بَنِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ أَسْلَمُوا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ يَشْهَدُونَ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُؤَذِّنُونَ وَيُصَلُّونَ).
-------------
ثبت في البخاري([474]) أن وفد بني حنيفة من ضمن الوفد الذين وفدوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان فيهم عدو الله مسيلمة الكذاب([475])، وخبرهم معروف، فهم ممن وَفَد على النبي -صلى الله عليه وسلم- من العرب الذين وفدوا لما فتح الله على النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة، وفدت وفود العرب للمبايعة على الإسلام.
وهنا كلام قد يستغربه بعضهم، يقول: كيف يقول الشيخ: إن بني حنيفة كانوا يصلون، وكانوا يؤذنون، هم -كما سيأتي- لما أقروا بأن مسيلمة رسول الله انسلخوا من ذلك كله. فالجواب: إن هذا غير صحيح، فقد كان المرتدون على نوعين:
النوع الأول: مَن زعموا أن هناك رسولاً غير محمد -صلى الله عليه وسلم- سواء أكان في اليمن كجماعة الأسود العنسي([476])، أم من بني حنيفة الذين زعموا أن مسيلمة رسول الله، أم مَن سَفِه نفسه من بني تميم والتف حول سجاح([477])، أو الأسديين الذين التفوا حول طليحة([478]).. فقد تنبأ عدد كبير، وهؤلاء كفرهم واضح جدًّا.
النوع الثاني: هم الذين كان فيهم الجدال بين الصحابة -رضي الله عنهم. وهم الذين قالوا: لا نؤدي الزكاة. واعلم أن قولهم: لا نؤدي الزكاة. معناه: أنهم نصبوا القتال دونها، وهذا كفر.
وهذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم. فلو أن إنسانًا امتنع عن الزكاة، فيقول أهل العلم: إذا امتنع غير جاحد ولم يؤدِ الزكاة، فهذا من السهل أن يُقبَض عليه، وتُؤخَذ منه الزكاة قهرًا بالقوة، وقد يُؤدَّب وقد يُعذَّر. وهل يعذر بشطر ماله كما جاء في الحديث: «فَأَنَا آخُذُهَا وَشِطْرَ مَالِهِ»([479]). هذا أمر آخر.
المهم أنه إن لم يقاتل فهو من المسلمين، لكن إذا نصب القتال دونها وعَرَّض نفسه لأن تُزهق ولا يؤدي الزكاة، فالصحيح أن هذا كافر، وهو الذي أصر عليه أبو بكر -رضي الله عنه- في قتال أهل الردة.
أما الذين تنبؤوا، فلم يختلف أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- والصحابة فيهم، فلا يوجد أحد يقول: إنهم مسلمون. ولم يكن الخلاف في هذا الصنف الذي تنبأ بعضهم، فإن بعضهم تنبأ زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثل: مسيلمة والأسود، ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيهم رؤيا أهَمَّتْه، فقد رأى كأن في يديه سوارين من ذهب، فأهمه شأنهما، فقيل: انفخهما. فنفخهما فطارا. فأَوَّلَهُما -صلى الله عليه وسلم- بأنهما كذابان يخرجان([480]).
وبنو حنيفة لما زعموا أن مسيلمة رسول من رسل الله، لم يكفروا برسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- ووُجد في بني حنيفة رجل صار فتنة عظيمة جدًّا عليهم وهو الرجَّال بن عنفوه([481])، وكان ممن وفد وأسلم، وذكروا أنه قرأ القرآن، وكان يظهر منه شيء من التخشع والتعبد، وخرج من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- والظاهر من حاله الإسلام، وكان هذا الرجل هو وأبو هريرة وبعض الصحابة في مجلس، وورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ لأَحَدِهِمْ ضِرْسًا فِي جَهَنَّمَ كَجَبَلِ أُحُدٍ»([482]). وكان فيهم أبو هريرة -رضي الله عنه- وبعض الصحابة، فقُتل في سبيل الله عدد من الذين كانوا في ذلك المجلس، وبقي أبو هريرة وصحابي آخر وهذا الرجل.
ولهذا لما ورد خبر الرجَّال، وأنه قُتِل -والعياذ بالله- مع مسيلمة، خَرَّ أبو هريرة ساجدًّا؛ لأن أبا هريرة خاف أن يكون هو المقصود؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن أحد الموجودين له ضرس في جهنم كجبل أحد -عياذًا بالله- لأن الكافر يُعظم في جهنم، وورد أن غلظ جلده مسيرة ثلاثة -نسأل الله العافية والسلامة، فخشي أبو هريرة ذلك، فلما ارتد الرجّال علم أبو هريرة أنه هو المقصود.
فالرجَّال جاءت الفتنة منه عندما شهد زورًا وبهتانًا عند بني حنيفة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن مسيلمة أُشرك في النبوة معه! فافتتن به ناس كثيرون من بني حنيفة، وحملهم على ذلك أيضًا الجانب القَبَلي، وحبهم أن يكون فيهم نبي، فصدقوه.
وعند الطبري([483]) أنهم كانوا يؤذنون ويتشهدون في الآذان: أشهد ألا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله. وكانوا يصلون. وذكر ابن سعد([484]) في "الطبقات"([485]) خبر الرجَّال، وفيه -قاتله الله وأخزاه- شهادته بالزور عند جماعته من بني حنيفة أن مسيلمة أُشرك مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في النبوة، وتكلم أيضًا ابن حجر([486]) في "الإصابة" على الرجَّال وترجم له([487]).
فالحاصل: أن هذا فتن الناس فتنة عظيمة، فكان بنو حنيفة يصلون ويؤذنون، بل ويشهدون ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ولكن كانوا يزعمون أن مسيلمة رسول أُشرِك مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في رسالته.
يقول المصنف هنا: الصحابة -رضي الله عنهم- لم يأبهوا بصلاة بني حنيفة، ولا بأذانهم، ولا بشهادتهم ألا إله إلا الله، لماذا؟ سيأتي بيانه في كلام المصنف -إن شاء الله.
 
(فَإِنْ قَالَ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مُسَيْلِمَةَ نَبِيٌّ. فَقُلْ: هَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ، إِذَا كَانَ مَنْ رَفَعَ رَجُلاً إِلَى رُتْبَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَفَرَ، وَحَلَّ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَلَمْ تَنْفَعْهُ الشَّهَادَتَانِ، وَلا الصَّلاةُ، فَكَيْفَ بِمَنْ رَفَعَ شَمْسَانَ([488]) أَوْ يُوسُفَ([489])، أَو صَحابيًّا، أَو نَبيًّا إِلَى مَرْتَبَةِ جَبَّارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ؟! سُبْحَانَ اللهِ! مَا أَعْظَمَ شَأْنَهُ! ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾([490]).
-------------
هذا الموضع من أدلة نباهة المصنف -رحمه الله- وحذقه وفهمه، يقول -رحمه الله: بنو حنيفة رفعوا رجلاً غير نبي إلى رتبة النبوة، وهذا هو المطلوب، فإذا كان الشخص إذا رُفِع من رتبة لا يستحقها إلى رتبة النبوة التي تكون للبشر، فكيف بمن رفع شخصًا إلى رتبة الرب -سبحانه ويتعالى؟! فصاروا يدعونه ويذبحون له وينذرون له.. يقول: هذا هو المطلوب، فأنا أريدك أن تقر بهذا، إذا كان كفر بني حنيفة أتى وهم يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويؤذنون، ويصلون ومع ذلك كفروا.
كذلك أنتم أوصلتم شمسان ويوسف وتاج([491]) إلى أين؟! أنتم تجاوزتم بهم رتبة الرسل، ورفعتموهم إلى رتبة الله تعالى، ولا أعلم بتاتًا أن بني حنيفة ولا غيرهم ممن ظهر فيهم المتنبؤون كانوا يعبدون هؤلاء المتنبئين.
وقد قرأت كثيرًا في هذا، ولاسيما في بني حنيفة، فما كانوا يرون أن مسيلمة ممن تُصرف لهم العبادة، فما كانوا يدعونه وينذرون له ويعاملونه معاملة مَن يُعبَد من دون الله، وإنما قالوا: إنه أُشرك مع النبي. وغلبتهم الحمية الجاهلية، حتى قال بعضهم: نريد أن يكون في جماعتنا متنبئ. حتى لو كان لديه ما كان من الكذب، حتى قال بعضهم: كاذب ربيعة ولا صادق مضر! فهم يعرفون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صادق، لكن حملتهم الحمية الجاهلية على أن يصدقوا مثل هذا.
فيقول الشيخ: إذا كان كفر بني حنيفة أتى من هذا الباب، وهو أنهم رفعوا شخصًا إلى رتبة الرسل، فكيف بمن رفع هؤلاء إلى رتبة رب العالمين؟! وكان شمسان هذا من المعظمين في وقت الشيخ -رحمه الله.
ويذكر الشيخ محمد بن إبراهيم([492]) -رحمه الله- أن الذي يظهر من رسائل الإمام محمد بن عبد الوهاب أن شمسان هذا لا يَبْعد عن منطقة العارض، وكان له أولاد يُعتقد فيهم العقائد الباطلة.
أما يوسف فكان له قبر معظم يُعتقد فيه، وكان وثنًا يُجلُّ.. ويظهر من عبارات الشيخ أنه إما في الإحساء أو الكويت، أي: في شرق الجزيرة، وهناك شخص آخر سيأتي اسمه لاحقًا -إن شاء الله- اسمه تاج، وهذا الشخص من أهل الخرج -بلد معروف- وكان يُعظم تعظيمًا شديدًا جدًّا، وكانت تُصرف له النذور، وكان يُدعى من دون الله -عز وجل- وكان يأتي إلى الدرعية من الخرج؛ ليحصل النذور من أهل الدرعية، كان الناس يخافونه جدًّا بسبب الهالة التي جُعلت حوله، وكان له حاشية وأعوان لا يتعرض لهم أحد بسوء، وكان فيه ما يظن المشركون من الخرافات، هو رجل أعمى، فكان مما يشيعون عنه: أنه يأتي من الخرج إلى الدرعية بدون قائد، وهو أعمى!
كل هذا من الخزعبلات والخرافات التي يُهول بها من شأن هؤلاء، وكانت تُصرف لهم أنواع من العبادة؛ كالنذور والدعاء.. ويُطلب منهم ما لا يُطلَب إلا من الله، وكذلك بالنسبة لقبورهم.
فيقول الشيخ: أنتم تفعلون هذا مع شمسان ومع تاج ومع يوسف، فعلتم فعلاً هو أشد من فعل بني حنيفة الذين رفعوا مسيلمة إلى مرتبة النبوة، فأنتم رفعتم هؤلاء إلى مرتبة الرب! فإن قلتم: إننا نقول: لا إله إلا الله، ونصلي. نقول: فبنو حنيفة يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله. ويصلون، ويؤذنون، ولم يكترث الصحابة لا بصلاتهم ولا بصوت أذانهم، ولا بدعواهم الشهادة لله بالوحدانية، ولمحمد -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة بعد أن رفعوا مسيلمة إلى مرتبة الرسالة.
ولهذا يُقال: إنه من العجائب والغرائب: كيف يدعي إنسان في مسيلمة أنه رسول الله في الوقت الذي يُقر فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رسول الله، وهو يقرأ قول الله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾([493])؟! فهذه الآية وأمثالها تقتضي أن مسيلمة لا بد أن يكون كاذبًا، ولكن الجهل الغالب على كثير منهم ممن لعله لا يقرأ القرآن أصلاً، والحمية الجاهلية حملتهم على أن يُزعم أن مسيلمة أُشرِك مع النبي، خاصة من داعية السوء وإمامة الضلالة الرجَّال بن عنفويه الذي شهد زورًا أن مسيلمة صار مع النبي -صلى الله عليه وسلم- شريكًا في النبوة -عياذًا بالله.
 
(وَيُقَالُ أَيْضًا: الَّذِينَ حَرَّقَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالنَّارِ كُلُّهُمْ يَدَّعُونَ الإِسْلامَ، وَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ، وَتَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَكِنِ اعْتَقَدُوا فِي عَلِيٍّ مِثْلَ الاعْتِقَادِ فِي يُوسُفَ وَشَمْسَانَ وَأَمْثَالِهِمَا، فَكَيْفَ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَتْلِهِمْ وَكُفْرِهِمْ؟! أَتَظُنُّونَ أَنَّ الصَّحَابَةَ يُكَفِّرُونَ الْمُسْلِمِينَ؟ أَمْ تَظُنُّونَ أَنَّ الاعْتِقَادَ فِي تَاجٍ وَأَمْثَالِهِ لا يَضُرُّ، وَالاعْتِقَادَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يُكَفِّرُ؟!).
-------------
فيما يتعلق بهؤلاء الذين كانوا مع عليٍّ، ذكرناهم سابقًا، فقد ثبت عند البخاري أنه أُوتِي بقوم من الزنادقة فأحرقهم بالنار، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما: لو كنت أنا لما أحرقتهم ولقتلتهم بالسيف؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلاَّ اللهُ». ولقتلهم بالسيف؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ([494]).
فعليٌّ -رضي الله عنه وأرضاه- حرقهم غضبًا لله -عز وجل- ولما بلغه كلام ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ويح ابن أم الفضل! ما أسقطه على الهنات!([495]) وأكثر أهل العلم على عدم الحرق، لكن عليًّا -رضي الله عنه- رأى ما فعلوه عظيمًا؛ لذلك قال: سأقتلكم أخبث قتلة. لأن ما قالوه عظيم جدًّا.
وقد حسَّنَ ابن حجر في "الفتح" أن هؤلاء هم الذين أتوا عند عليٍّ -رضي الله عنه- وقالوا: أنت ربنا وخالقنا ورازقنا! -عياذًا بالله-([496]) والمبالغة في تعظيم الأشخاص أكثر من اللازم يؤدي إلى مثل هذا، كما أدى قبلُ إلى تعظيم المسيح حتى قيل فيه ما قيل؛ ولهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُطرَى، فقال: «لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ؛ فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ»([497]). فقال: ويحكم أنا بشر، وشأني شأن البشر، أمرض وأموت.. وظن أن النصح كافٍ لهم، فلما أتى من الغد قيل له: إنهم عند الباب، ويقولون نفس المقالة. فهددهم أن يقتلهم أخبث قتلة إن لم يرجعوا، فلما أبوا خَدَّ الأخاديد -كما هو مشهور- وأضرمها بالنار، وأحرقهم حرقًا -رضي الله عنه- غضبًا لله -عز وجل.
فاعتقاد هؤلاء في عليٍّ تناول أمر الربوبية أكثر من مسألة أنهم يدعونه من دون الله، والحق أن ثمة شبهًا؛ لأن عددًا غير قليل من المتأخرين وقع فيهم للأسف شرك الربوبية، والشرك في الإلهية قد يجر إلى الشرك في الربوبية. فالشرك في الإلهية بأن يُذبح لأحد من دون الله، ويُدعى من دون الله، ويُسجد له من دون الله، وقد يجر إلى اعتقاد بعض أمور الربوبية فيه، وذلك واضح عند كثير من المتأخرين الذين تجاوزوا الحد فيمن يعظمونهم.
فمثلاً قولهم: إن الأولياء يعلمون الغيب.. فعلم الغيب أمر مرتبط بالربوبية مباشرة، وهكذا قولهم: القدرة على الضر والنفع. وقولهم: إن الأولياء يستطيعون أن يضروك أو ينفعوك، سواء أكانوا غائبين أم حاضرين، كأن تكون في لجج البحر وتتوارد الخطوب على السفينة، يقولون: ادع الأولياء! فإنهم يستطيعون أن يرسلوا إليك النفع وهم بعيدون! وهذا في الحقيقة شرك في الربوبية، ودعاؤهم إياهم شرك في الألوهية، واعتقادهم القدرة على الضر والنفع هذا شرك في الربوبية -نسأل الله العافية.
فهذه المبالغة في التعظيم التي وُجدت عند السبئية -أتباع عبد الله بن سبأ([498])- الذين حرقهم عليٌّ، وعبد الله بن سبأ أول من قال بعقائد الرافضة الموجودة اليوم، بشهادة الرافضة؛ القمي([499]) والنوبختي([500])... فكل هؤلاء يشهدون أن أول من قال بالرجعة والوصية وأظهر سب الثلاثة ابن سبأ، هكذا منصوص في كتبهم. ولهذا يقول أهل العلم: هؤلاء هم سلف الرافضة، فهم أول وسلف الرافضة وبئس السلف!
فالحاصل: أن المتأخرين وُجد فيهم مثلما وجد في أولئك الذين ادعوا في عليٍّ الربوبية، وأنا أعطي مثالاً واحدًا وإذا أردنا أن ننقل عمن يكون لديهم شيء من الباطل فإنا نحيل إلى كتبهم، أما إذا نقلنا عن أهل العلم فجميع النقول التي أنقلها عن أهل العلم من كتاب لي اسمه "جهود الشافعية في تقرير توحيد العبادة"، ولا أطيل بكثرة ذكر الصفحات وغيرها، أما إذا نقلت عن هؤلاء فإني أنقلها من كتبهم.
فقد وُجد عند هؤلاء المفتونين ما يؤكد قربهم من أولئك الذين كانوا زمن عليٍّ -رضي الله عنه- ويعتقدون فيه الضر والنفع، ووجد عندهم بلية كبيرة وهي ادعاء علم الغيب. والدعوة الثانية: زعمهم أنهم يستطيعون التصرف في الكون! فيقولون: إن كلمة "كن" التي لله أعطاهم الله إياها! وهذا كثير في كلامهم، وسأعطيك بعض النماذج:
فالنبهاني([501]) -عدو أئمة الدعوة، وله الكتاب الذي نبهنا إليه سابقًا، واسمه "جامع كرامات الأولياء"- في كثير من مصنفاته يقول: تصريف الكون أصل الكرامات. يعني: أصل الكرامات عند الأولياء أنهم أُعطُوا تصريف الكون، فلما أعطوا تصريف الكون صاروا يستطيعون أن يفعلوا الأفاعيل الكثيرة. وهذا موجود في الجزء الأول صفحة اثنين وعشرين.
والشعراني([502]) صاحب كتاب "لطائف المنن" في صفحة ثلاثمئة وتسعة وستين ادعى رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- من قِبَل شخص، وكان عنده عليٌّ، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر عليًّا -رضي الله عنه- أن يلبسه الطاقية -وهي عندهم شعار من الشعارات- وقال: يا عبد الوهاب، تصرف في الكون ليس دونك مانع! نسأل الله العافية والسلامة.
وأحمد الرفاعي([503]) -صاحب الطريقة المشهورة- ينقل عنه أيضًا الشعراني في "قلادة الجوهر" في صفحة مئة وسبعة وأربعين وثمانية وأربعين، والشعراني في "الطبقات" أيضًا في المجلد الأول في صفحة مئة ثلاثة وأربعين أمر التصرف في الكون -عياذًا بالله.
هذا يؤكد صلة هؤلاء بأولئك، وأن قياس الشيخ -رحمه الله- بهؤلاء على أولئك قياس في محله؛ لأن الشرك في الألوهية سيجر الإنسان إلى الشرك في الربوبية، فالمبالغة في التعظيم على هذا النحو بالذبح والدعاء وزعم أنه يجيب المضطر... تجر إلى شرك الربوبية.
ثم انظر في كلام الشيخ، فهم دائمًا يقولون للشيخ: أنت تكفر المسلمين. فيقول الشيخ لهم بأسلوبهم: الصحابة -رضي الله عنهم- كَفَّروا هؤلاء، أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين؟! ثم يستعمل معهم نفس أسلوبهم لما قالوا: إن الاعتقاد في تاج اعتقاد صحيح. قال: إذن لماذا حرَّق عليٌّ -رضي الله عنه- هؤلاء الكفرة لما اعتقدوا فيه هذا الاعتقاد؟! أتظنون الاعتقاد في تاج وأمثاله لا يضر، والاعتقاد في عليٍّ الصحابي الجليل -رضي الله عنه- يضر؟! فإذا اعتقدوا هذا في عليٍّ ضرهم؛ لأنه لا يصلح أن يكون في عليٍّ، لكن إذا كان في تاج وفي شمسان فإنه يصلح! فاستعمل الشيخ معهم أسلوبًا هم يستعملونه.
 
(وَيُقَالُ أَيْضًا: بَنُو عُبَيْدٍ الْقَدَّاحِ([504]) الَّذِينَ مَلَكُوا الْمَغْرِبَ وَمِصْرَ فِي زَمَانِ بَنِي الْعَبَّاسِ كُلُّهُمْ يَشْهَدُونَ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيَدَّعُونَ الإِسْلامَ، وَيُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ، فَلَمَّا أَظْهَرُوا مُخَالَفَةَ الشَّرِيعَةِ فِي أَشْيَاءَ دُونَ مَا نَحْنُ فِيهِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كُفْرِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَأَنَّ بِلادَهُمْ بِلادُ حَرْبٍ، وَغَزَاهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى اسْتَنْقَذُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ بُلْدَانِ الْمُسْلِمِينَ).
-------------
بنو عبيد القداح زعموا أنهم من نسل فاطمة -رضي الله عنها- ولهذا تسموا بالفاطميين، وأهل العلم يسمونهم بالعبيديين نسبة إلى عُبَيد هذا، ويؤكد عدد من أهل العلم كابن تيمية([505]) والباقلاني([506]) وغيرهما أن هؤلاء في واقع الأمر ليسوا مطلقًا من نسل فاطمة لا من قريب ولا من بعيد، وهذا أمر مفروغ منه، بل من أهل العلم مَن يقول: إن أصولهم يهودية، وأنهم وفدوا من المغرب، وأنهم يقولون: نحن من نسل فاطمة؛ لأنه من المعلوم عند المسلمين أن آل النبي -صلى الله عليه وسلم- مكرمون محبوبون، فيحب هؤلاء أن ينتسبوا إليهم ليقولوا: إننا من نسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جهة الحسن أو الحسين -رضي الله عنهما.
ولا شك ولا ريب أن هناك من تُضبط أنسابهم، ومعروفون أنهم من أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا إشكال في هذا. لكن مثل هؤلاء الذين أتوا من المغرب أصولهم -كما رجح الباقلاني وابن تيمية وغيرهما- ليست من هذه الجهات لا من قريب ولا بعيد، ثم ينتمون إلى فاطمة، والمقصود أن تجري شهرتهم في المسلمين، فيظن الناس أن هؤلاء جدهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جهة الأم؛ فيُعظمونهم وتنتشر كثير من أباطيلهم.
وهؤلاء كانوا يظهرون الشهادتين، ويظهرون الصلاة إظهارًا، وإلا فالواقع أنهم باطنية، والباطني هو الذي يرى أن القرآن والنصوص لها معنى غير المعنى الظاهر، وأن لها باطنًا لا يحيط به إلا هو وأمثاله من طائفته، فلهذا يُسمون بالباطنية؛ حيث يدعون أن هناك معانٍ لهذه النصوص غير المعاني التي لا يعرفها إلا العوام والجهال الذين لا يفهمون، هكذا يقررون -قاتلهم الله.
وابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى في المجلد الخامس والثلاثين، في صفحة مئة ثمانية وعشرين تكلم عنهم، وقال ما مفاده: إن إظهار الإسلام والتزام الشرائع لا يلزم أن يقع من مؤمن في الباطن، إذ عُرِف في المظهرين للإسلام لأن منهم المؤمن والمنافق.
فالشاهد لبني عبيد وأمثالهم بالإيمان شاهد بما لا يعلمه، إذ ليس معه شيء يدل على إيمانهم، مثل ما مع منازعيه مما يدل على نفاقهم وزندقتهم؛ لأنهم وإن كانوا يظهرون الصلاة والأذان، إلا أن أفعالهم السيئة هي التي جعلت أهل الإسلام يجعلون دارهم دار حرب؛ لأنهم زنادقة مرتدون مع أنهم يقولون: لا إله إلا الله. واستنقذ المسلمون البلاد من أيديهم بالغزو والجهاد، وقد مكثت محنتهم وفتنتهم أكثر من قرنين، وسيطروا على مناطق شاسعة في المغرب وفي مصر وفي الشام، وكان شرهم مستطيرًا وكبيرًا، وبقيت للأسف جملة من آثارهم في عدد من البلدان التي خرجوا منها؛ كتعظيم القبور.. ونحو ذلك، فهذه كانت من مخلفاتهم.
ويذكر بعض أهل العلم أن أول من أحدث الاحتفال بالمولد النبوي هؤلاء القوم؛ ولهذا لا تجد صحابيًّا ولا تابعيًّا ولا تابع تابعي ولا أحد من المتقدمين من أهل العلم يتحدث عن احتفال في الثاني عشر، فأول مَن أحدثه وزير نصراني عند هؤلاء، قالوا: ومِن خُبث هذا الوزير أنه اختار الثاني عشر للاحتفال بمولد النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أن الجزم بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وُلِد في الثاني عشر من ربيع الأول ليس بسديد ولا يُعلم على سبيل القطع، بل المعلوم أنه وُلِد يوم الإثنين كما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام([507]).
والمجزوم به أنه -صلى الله عليه وسلم- تُوفِّي في الثاني عشر من ربيع الأول، قالوا: فكان هذا الخبيث يظهر الفرح بموت النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنه يظهر الفرح بمولده! ولا تُعرَف هذه البدعة إلا على يدي هؤلاء، وأظهروا بدعًا كثيرة على رأسها: بدعة القبور وتعظيمها -كما ذكرنا في كلام الذهبي([508]) سلفا، وكما تكلمنا عن قبر السيدة نفيسة([509])، وأن بقاء هذا التعظيم إنما كان من دسائس الدولة العبيدية.
فيقول المصنف -رحمه الله: إذا كنت تقول: إن من أظهر الشهادة وصلى وصام فإنه يُكف عنه مطلقًا. فلماذا لم يكف المسلمون عن العبيديين، وأجمع أهل العلم على أن دولتهم دولة كفر، وأن بلادهم بلاد حرب، وقاتلهم المسلمون، وكان نصرًا مشهودًا وفرحة غامرة لأمة الإسلام أن قضى الله على هذه الدولة الخبيثة -دولة بني عبيد القداح المسماة بالدولة الفاطمية- مع أنهم كانوا يصلون، ويزعمون أنهم يظهرون الشهادتين، وكانوا يظهرون شعائر الإسلام.
فهذه كلها أمثلة ونماذج يذكرها المصنف لبيان أن "لا إله إلا الله" ليست مجرد قول، بل قول له معنى لا بد أن يلتزمه العبد، ولا بد أن يترك الشرك بالله -عز وجل- فإن قاله مع تلبسه بالشرك لم ينفعه ما أظهره من شعائر الإسلام.
 
(وَيُقَالُ أَيْضًا: إِذَا كَانَ الأَوَّلُونَ لَمْ يَكْفُرُوا إِلاَّ لأَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الشِّرْكِ وَتَكْذِيبِ الرَّسُولِ وَالْقُرْآنِ وَإِنْكَارِ الْبَعْثِ.. وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَمَا مَعْنَى الْبَابِ الَّذِي ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي كُلِّ مَذْهَبٍ: "بَابُ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ". وَهُوَ الْمُسْلِمُ الَّذِي يَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلامِهِ؟ ثُمَّ ذَكَرُوا أَنَوْاعًا كَثِيرَةً؛ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا يُكَفِّرُ، وَيُحِلُّ دَمَ الرَّجُلِ وَمالَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ ذَكَرُوا أَشْيَاءَ يَسِيرَةً عِنْدَ مَنْ فَعَلَهَا، مِثْلَ: كَلِمَةٍ يَذْكُرُهَا بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ؛ أَوْ كَلِمَةٍ يَذْكُرُهَا عَلَى وَجْهِ الْمَزْحِ وَاللَّعِبِ).
-------------
تقدم هذا، لكن من باب التأكيد يقول -رحمه الله: ما معنى الباب إذا كنت تقول: إنه لا يمكن أن يكفر الإنسان حتى يجمع جملة من الأمور يكفر بها؛ كجحد "لا إله إلا الله"، إنكار اليوم الآخر، وإنكار كذا وإنكار كذا، يقول الشيخ: لماذا جَعَل الفقهاء بابًا اسمه "باب حكم المرتد"، وذكروا في هذا الباب أنواعًا من المكفرات، يكفر كل نوع منها برأسه، حتى قالوا: إن الإنسان قد يكفر -عياذًا بالله- بكلمة يخرجها على سبيل المزاح، كأن يسخر -والعياذ بالله ونسأل الله العافية والسلامة- بالدين، أو بشعيرة من شعائر الله، أو يسخر بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أو يسخر بحكم من الأحكام الثابتة، أو يسخر بأمر من أمور القيامة.
فلهذا ذكر أهل العلم أنه يكفر، وليس يوجد أدنى تردد في كفره، ولو كان يقول: لا إله إلا الله. ولو قال: إنما كنت أمزح، وأريد السلوى وإضحاك الناس. فإن هذا لا يعد في قليل ولا كثير من العذر.
فيقول -رحمه الله: الفقهاء تكلموا عن هذا النوع، وأخبروا عن هذه الأنواع مجتمعة، وقالوا: إن هذه الأنواع وهذه المكفرات يرتد الإنسان عن الدين بأحدها، وليس إذا اجتمعت كلها فيه، ولكن قد يكفر بشيء واحد منها، بل قد يكفر بكلمة يزعم أنه ما قالها إلا بلسانه، ولم تكن من قلبه -كما سيأتي في الذين قالوا: ﴿إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنلْعَبُ﴾([510]). يقول: فما معنى هذا الباب؟!
وهذه الأنواع كلها يذكرها المصنف -رحمه الله- كأدلة على بطلان مقولتهم بالكفِّ عمن قال: لا إله إلا الله. مطلقًا.
 
(وَيُقَالُ أَيْضًا: الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ﴾([511]). أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ اللهَ كَفَّرَهُمْ بِكَلِمَةٍ، مَعَ كَوْنِهِمْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُجَاهِدُونَ مَعَهُ، وَيُصَلُّونَ، وَيُزَكُّونَ، وَيَحُجُّونَ، وَيُوَحِّدُونَ؟!).
-------------
هذا لبيان أن كلمة الكفر قد تقع ممن يقيم الشعائر، فقد تقع من إنسان يصلي ويحج، بل -والعياذ بالله- قد يقولها وهو يحج، فقد يكون حاجًّا ويسخر بشعيرة من الشعائر! وأنا أنبه الجميع إلى خطورة أمر المزاح فيما يتعلق بالشرع، أو إطلاق الطرائف فيه، فإن هذا باب خطير للغاية، لا بالكلام فيه ولا حتى بالضحك عليه، فهذا أمر خطير للغاية، وقد وُجد بعض الأشقياء المفسدين الذين يتتبعون شعائر الإسلام؛ كالحج أو الصلاة، أو بعض السور... ويخرجون عليها طرائف، والله أعلم بهم، هل هم من المسلمين أم من اليهود أم من غيرهم؟
وهناك بعض المواقع الخبيثة التي فيها إضحاك للناس من خلال هذه الأمور، فيأتي السفيه الذي لا يعقل؛ لأن بعض الناس -نسأل الله العافية- مُغرم بأن يُقال: فلان خفيف الظل، فلان هذا ما شاء الله مجلسه مجلس فيه سعة صدر وفيه...! فيحرص على أن يضحك الناس بأي سبيل، فقد يحمل الشقي هذا المسلك على أن يضحك الناس بشيء يتعلق بشعيرة من شعائر الله، أو بأمر يرتبط باليوم الآخر، أو بالقبر، أو بآية، أو بحركة في الصلاة، أو في الحج.. ولا شك أن هذا باب خطير جدًّا، وأن المستهزئ كافر إذا استهزأ بأمر واضح معلوم، حتى وإن كان يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإن كان يصلي، وإن كان يحج، بل وإن كان في أثناء الحج وقال كلمة حول الحج مثل الطواف أو غيره يسخر به.
فيقول المصنف -رحمه الله: الإنسان قد يكفر بكلمة، أما سمعت الله يقول: ﴿وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾([512]). فالإنسان يكفر بكلمة، حتى وإن كان مقيمًا للشعائر الأخرى، وقائلاً لا إله إلا الله. ومَن وقع منه هذا فعليه التوبة، وإلا لقي الله -عز وجل- وهو على مثل هذا.
والواجب على المسلمين ألا ينطقوا مثل هذه الكلمات، وألا يقروا أحدًا عليها أيضًا، فإن هذه مسائل ليست مسائل مجاملات، فالمزح والسخرية بالله أو بالرسول -صلى الله عليه وسلم- أو بشيء من الأحكام الشرعية أو بالنعيم أو بالعقاب في القبر أو في الآخرة، هذه مسائل ليست مسائل مزاح وليست مسائل مجاملة، والواجب ألا يجامل أحدًا فيها، وأن يسكت، وأن يُرد عليه في موضعه، ويقول: اتقِ الله؛ فهذه كلمة عظيمة جدًّا، وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا»([513]).
فالغرض أن من الناس -لا سيما للأسف الشديد بعض الشباب- مَن يحرصون على الضحك، ويحرصون على إضحاك الناس بأي سبيل، مع أنه يصلي، ويشهد ألا إله إلا الله، فإذا كانت السخرية بأمر مرتبط بالله أو بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أو بالقرآن أو بالنعيم أو بالعذاب، فلا شك أن هذا ضرب من ضروب الكفر، حتى وإن كان قائله يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
وهذه كلها أمثلة يقرر بها المصنف -رحمه الله- القاعدة التي تهدم ما قاله هؤلاء الذين لا يفقهون؛ ولهذا يقول: (ما أعجب هؤلاء!). وما أعجب الطبع على قلوبهم؟! إذا كانت كل هذه الأمور أحكام ثابتة حتى فيمن قال: لا إله إلا الله، سواء فيمن ذكر من بني عبيد أو مَن ذكره قبلهم من قوم بني حنيفة، أو ما ذكره الفقهاء في باب حكم المرتد، أو مَن ذكر في موضوع المزاح أو الكلمات التي تخرج ويكون قائلها من المسلمين، ومع ذلك فإن هذه الكلمة تُعد منه ضربًا من ضروب الردة؛ لأنه مع قوله "لا إله إلا الله" لم يلتزم ما يجب أن يكون عليه قائل "لا إله إلا الله".
 
(وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: ﴿قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾([514]). فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ صَرَّحَ اللهُ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ، وَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالُوا كَلِمَةً ذَكَرُوا أَنَّهُمْ قَالُوهَا عَلَى وَجْهِ الْمَزْحِ. فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الشُّبْهَةَ، وَهِيَ قَوْلُهُمْ: تُكَفِّرُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أُنَاسًا يَشْهَدُونَ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ؛ ثُمَّ تَأَمَّلْ جَوَابَهَا؛ فَإِنَّهُ مِنْ أَنْفَعِ مَا فِي هَذِهِ الأَوْرَاقِ).
-------------
لأن التكفير في هذه المرة قد جاء من الله صريحًا؛ ولهذا فهو من أنفس وأقوى الأدلة، فالتكفير هنا صريح، والذي كفَّر ليس فلانًا، بل الذي كفر هو الله، قال تعالى: ﴿لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾([515]).
ليس هذا فحسب، بل قال: ﴿إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ﴾([516]). وهو أحدهم فقط الذي قال: قعد بي يا رسول الله اسمي واسم أبي. لأن اسمه كان سيئًا واسم أبيه، وخَطَّأ نفسه واستغفر، فقال تعالى: ﴿إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ﴾([517]). وهو هذا الشخص فقط، ﴿نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾([518]). وهم البقية.
فالظاهر من هؤلاء الإسلام، والدليل على أن الظاهر منهم الإسلام: أنهم كانوا في غزوة تبوك مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا الكلمة القبيحة، ويقصدون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فقالوا: ما رأينا مثل قرَّائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا ولا أجبن عند اللقاء! فلما نزلت الآية جاؤوا يعتذرون، وقالوا: ﴿إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنلْعَبُ﴾([519]). أي: إنما كان حديث الركب نقطع به عناء الطريق. وكأنهم يقولون: يا رسول الله، نحن الآن متجهون من المدينة إلى تبوك مسيرة شهر في الحر، فنحب أن نروح عن أنفسنا فقط، وليس هذا من قلوبنا، وإنما كلمة قلناها نقطع عنا بها عناء الطريق؛ لأن المسافر يحب أن يسلي نفسه بشيء يخفف عنه عناء السفر. فما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يزيد على أن يقرأ الآية: ﴿قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾([520]). يقول ابن عمر -رضي الله عنهما: رأيت المنافق وهو يعتذر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان حافي القدمين، مستمسكًا بخطام ناقة النبي -صلى الله عليه وسلم- والحجارة تنكب قدميه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- متجه بناقته وهو يتعذر، يقول: ليس قصدي، ولم تخرج الكلمة من قلبي، إنما كلمة لسان أمزح بها. فهذا معنى كلامه.
فلم يرى النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا عذرًا، وما كان يجيبه إلا بالوحي: ﴿قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾([521])([522]).
فالظاهر منهم شهادة ألا إله إلا الله، والظاهر منهم الصلاة، والظاهر منهم الغزو في سبيل الله، هذا الظاهر الذي يظهر منهم؛ ولهذا عاملهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا الأساس، ثم مع كل ذلك لا يستطيع أحد أن يقول: إن هؤلاء ليسوا من الكفار المرتدين. بل هم كفار بدليل القرآن، قال تعالى: ﴿قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾([523]).
ولهذا يقول الشيخ: إن هذا من أحسن ما في الأوراق؛ لأنه لم يترك كلمة لنقولها في تكفير فلان أو غيره، فهذا تكفير مباشر من رب العالمين -سبحانه- مع أنهم يعتذرون، ويقولون: نحن مِن أهل لا إله إلا الله يا رسول الله، ونصلي معك، ونحج معك، وها نحن ذاهبون إلى الغزو في سبيل الله! ومع ذلك لم يؤبه لكلامهم.
فدل هذا كله على أن من قال: لا إله إلا الله. وأتى بما ينقضها، لا يمكن أن يكون من الموحدين.
 
(وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا: مَا حَكَى اللهُ تَعَالَى عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ -مَعَ إِسْلامِهِمْ وَعِلْمِهِمْ وَصَلاحِهِمْ- أَنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى: ﴿اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾([524]). وَقَوْلُ أُنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ. فَحَلَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ هَذَا مِثْلَ قَوْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ: ﴿اجْعَل لَّنَا إِلَهًا﴾).
-------------
المقصود هنا: أن بني إسرائيل قد أنجاهم الله -عز وجل- من فرعون، فمروا على قوم يعكفون على أصنام لهم، فهذا شرك بلا خلاف، فلما مروا ورأوا هذه الأصنام قالوا: ﴿يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾([525]). فطلبوا الشرك طلبًا صريحًا، فرد عليهم -عليه الصلاة والسلام: ﴿قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَؤُلاَءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾([526]). فمن الجهالة ومن رداءة الفهم ومن سوء التصور أن تطلب الشرك طلبًا.
أما ما يتعلق بالذي وقع من الصحابة -رضي الله عنهم- لما مروا بسدرة كبيرة يعظمها المشركون -كما أن من المتأخرين مَن يعظم بعض الأشجار- هذه السدرة كانت في الجاهلية، وكانوا ينوطون بها أسلحتهم، أي: يعلقون السلاح عليها، فيرى أنه إذا علق السيف يكون ماضيًا قويًّا، أي أن في هذه السدرة بركة!
وقد وقع هذا والنبي -صلى الله عليه وسلم- ذاهب إلى حنين، وكان معه بعض حديثي العهد بالكفر -وليس كبار الصحابة، فحاشاهم ذلك. فكما في حديث أبي واقد الليثي([527]) -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم... ثم بيَّن عذره فقال: ونحن حدثو عهد بالكفر. وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة، ومكث بها أيامًا، ثم اتجه إلى حنين، فأسلم أهل مكة، والإنسان إذا أسلم قد يكون عنده بعض الرواسب، فلما مروا بالسدرة، تذكروا ما كانوا فيه في الجاهلية، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط! أي: اجعل لنا شجرة نتبرك بها، ونعلق بها الأسلحة، كما أن للمشركين مثل هذه الشجرة.
فقاس النبي -صلى الله عليه وسلم- حالهم على حال الذين طلبوا الصنم، فقال: «اللهُ أَكْبَرُ! إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى: ﴿اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾([528])». فقال: «إِنَّهَا السُّنَنُ»([529]). بحيث يتأسى أناس في هذه الأمة بأناس ممن سبقوا.
فهذا فيما يتعلق بما حكى الله عن بني إسرائيل، وما حكى الله عن هؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم- وما حكى أبو واقد عن الصحابة حديثي العهد بالكفر -رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم- ولا شك أنها ذَلَّة وخطأ من بني إسرائيل، وخطأ من حديثي العهد بالكفر -رضي الله عنهم- وسيأتي لها بقية كلام -إن شاء الله.
 
(وَلَكِنْ لِلْمُشْرِكِينَ شُبْهَةٌ يُدْلُونَ بِهَا عِنْدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَهِيَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَكْفُرُوا بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ. لَمْ يَكْفُرُوا.
فَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ سَأَلُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ. وَلا خِلافَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَكَفَرُوا).
-------------
هنا شبهة يدلي بها هؤلاء القوم فيقولون: ألا ترى أن بني إسرائيل طلبوا طلبًا شركيًّا واضحًا، ومع ذلك لم يكفرهم موسى، وهكذا حديثو العهد بالكفر -رضي الله عنهم- الذين طلبوا هذا الطلب من النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكفرهم، ولا نستطيع أن نقول: إن هؤلاء كفار.
يقول المصنف: هذا صحيح، فلا يُقال: إنهم كفار. لكن هؤلاء طلبوا أم فعلوا؟ هم طلبوا طلبًا، وظنوا أن هذا الطلب صالح، وأن فيه نوعًا من المصلحة والفائدة، سواء بطلب القربى، أو بأن في هذا نوعًا من الفائدة أو البركة... لذلك طلبوه طلبًا.
يقول: لكن لا خلاف أنهم لو أصرُّوا وفعلوا لكفروا. فلو أن بني إسرائيل اتخذوا هذا الصنم إلهًا ألا يكفرون؟! يكفرون بلا شك. وهكذا حديثو العهد بالكفر لو قالوا: كلامك يا رسول الله لن نطيعك فيه، وسنتخذ ذات الأنواط على الاعتقاد الشركي. فلا شك أن مَن فعل هذا يكفر، فهم طلبوا طلبًا وهم حديثو عهد بالكفر، وأخطؤوا خطئًا، لكنَّهم لما نُبِّهُوا من قِبَل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يفعلوا، ولم يعيدوا الطلب؛ لأنه اتضح لهم أن طلبهم كان خطئًا.
 
(وَكَذَلِكَ لا خِلافَ فِي أَنَّ الَّذِينَ نَهَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَوْ لَمْ يُطِيعُوهُ، وَاتَّخَذُوا ذَاتَ أَنْوَاطٍ بَعْدَ نَهْيِهِ لَكَفَرُوا، وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ).
-------------
فيوجد فرق بين الطلب وبين الفعل نفسه، وسيأتي الكلام عنه -إن شاء الله.
 
(وَلَكِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ تُفِيدُ: أَنَّ الْمُسْلِمَ -بَلِ الْعَالِمَ- قَدْ يَقَعُ فِي أَنْوَاعٍ مِنَ الشِّرْكِ لا يَدْرِي عَنْهَا، فَتُفِيدُ التَّعَلُّمَ وَالتَّحَرُّزَ، وَمَعْرِفَةَ أَنَّ قَوْلَ الْجَاهِلِ: التَّوْحِيدُ فَهِمْنَاهُ. أَنَّ هَذَا مِنْ أَكْبَرِ الْجَهْلِ وَمَكَائِدِ الشَّيْطَانِ).
-------------
هذه القصة فيها فائدة، وهي: أن المسلم قد يقع في ضرب من الشرك وهو لا يدري، وقد جاء في الحديث: «إِنَّ الشِّرْكَ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ»([530]). فيكون الشرك خفيًّا في بعض الأشياء، فيقتضي فهم نية تعلم التوحيد، وضرورة أن يصرف المسلم همته في المقام الأول، ويبدأ طالب العلم في المقام الأول بأمور الاعتقاد، ويحرص على تحقيقها؛ لأن المسلم -بل مَن قد يكون لديه علم- قد يقع في بعض أمور الشرك وهو لا يدري.
والدليل: قصة هؤلاء الصحابة -رضي الله عنهم- أليسوا عربًا خلصًا؟ أليسوا يعرفون أن كلمة "لا إله إلا الله" تعني نفي المعبود المستحق؟! ومع ذلك خفي عليهم أن الشجرة لو تبركوا بها أن ذلك يخالف "لا إله إلا الله".
فهذا من المسائل التي قد تخفى، وهذا يدل على أن قول الجاهل -ولم يقل الشيخ: قول العالم- لأن العالم إذا قال: التوحيد بحمد الله وضح. لا يُنكر عليه؛ لأنه ليس غريبًا أن يكون على دراية بالتوحيد. ولكن قول الجاهل ممن كانوا زمن الشيخ؛ كابن مويس وأمثاله ممن كانوا يقولون: التوحيد يعرفه صبيان أهل بلدنا، وهو شيء سهل وواضح. وإذا قيل له: ما التوحيد؟ لا يعرف! ما الشرك؟ لا يعرف! ما العبادة؟ لا يعرف! فيقول الشيخ: إن هذه من مكائد الشيطان؛ ولهذا فتهوين بعض الناس من التوحيد، والقول بأن التوحيد أمره واضح... نقول: التوحيد أمره واضح لمن كان من أهل العلم وتعلَّمه.
ومثل ما ذكرنا بالأمس: فكثير من الناس عند التفصيل يتبين عدم علمه بالشرك وخطورته، فلو قيل له: إن الشرك أعظم من الزنا. يقول: صحيح، الشرك أعظم من الذنوب. لكن إذا قيل: هؤلاء الذين عند القبور يطوفون بها، ويحسرون عن رؤوسهم كما يحسر المحرم الغطاء عن رأسه، ويأكلون ترابها، ويقبلون عتباتها، ويذبحون لأهلها، ويدعونهم.. لو قلت: إن عملهم من شرك. يقول: لا، فهؤلاء قصدهم طيب، وترى فيهم الصلاح، وترى فيهم التدين! سبحان الله العظيم!
أنت الآن تقول: إن الشرك أعظم من الزنا، وعند التفصيل بدأت تقول فيهم وفيهم... فصلاحهم الذي تزعمه وصلاتهم التي تزعمها لا تستر قبح الشرك؛ ولهذا نقول لك: إن كثيرًا من مسائل الشرك يهون منها بعض الناس لا خبثًا وسوء منهج، لكن يهون منها؛ لأنه لا يعي خطورتها.
خذ على سبيل المثال: الحلف بغير الله، فبعض الناس يقول: المسألة سهلة. نقول: أتدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حلف سعد -رضي الله عنه- باللات والعزى واعتذر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا رسول الله، إن العهد كان قريبًا. يعني: ما أسلمت إلا منذ أيام، وإني حلفت باللات والعزى. قال له -صلى الله عليه وسلم: «قُلْ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ»([531]).
وجاء عند النسائي أن سعدًا -رضي الله عنه- لما حلف باللات والعزى، قال: فقال لي بعض أصحابي: ما نراك إلا كفرت؛ حلفت باللات والعزى! فلما أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يقول: لا إله إلا الله.([532]) والأمر كما قال سعد -رضي الله عنه- إن العهد كان قريبًا. يعني: حداثة العهد، واللسان قد اعتاد هذا الكلام، فلا ينبغي التساهل في الحلف بغير الله، أو أن يُقال: الحلف بغير الله أمر اعتادت عليه الألسنة، وليس فيه مشكلة.. فلا ينبغي التساهل في مثل هذه الأمور، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «مَنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ دُونَ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ»([533]). وكل شيء فهو دون الله، والنبي -صلى الله عليه وسلم- حين يقول: «فَقَدْ أَشْرَكَ». فإنه يعظِّم ويشنِّع من أمره.
والصحابي الجليل ابن مسعود الذي تخرج في مدرسة محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول: لأن أحلف بالله كاذبًا -وهي كبيرة من الكبائر- أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا([534]). أي: لو خُيِّرْت بين أمرين: أن أحلف بالله كاذبًا، أو أن أحلف بغير الله وأنا صادق. مع أن ابن مسعود هو الذي روى حديث اليمين الغموس([535])، ومع ذلك يقول: لكن أن أحلف بالله وأنا أكذب أفضل من أن أحلف بغير الله وأنا صادق! هكذا ينبغي فهم الشرك وخطورته، وفهم التوحيد وأهميته.
 
(وَتُفِيدُ أَيْضًا: أَنَّ الْمُسْلِمَ الْمُجْتَهِدَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلامِ كُفْرٍ وَهُوَ لا يَدْرِي، فَنُبِّهَ عَلَى ذَلِكَ، فَتَابَ مِنْ سَاعَتِهِ: أَنَّهُ لا يَكْفُرُ، كَمَا فَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَالَّذِينَ سَأَلُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
-------------
هذا الموضع في الحقيقة فيه فوائد وليس فائدة، ومن أهم ما في هذا الموضع: أنه ينبغي أن يُعرض هذا الموضع على الموضع السابق، الذي قال فيه المصنف -رحمه الله: (إنَّ الشخصَ قد يتكلمُ بالكفرِ ولا يُعذرُ بالجهلِ). فهنا المصنف -رحمه الله تعالى- يفيد أن المسلم إذا تكلم بكلام كُفْر ونُبِّه من ساعته فتنبه، فإنه لا يكفر بسبب أنه جاهل، فهذا يدل على أن المصنف -رحمه الله- يُفصِّل في أمر العذر بالجهل.
وهذا أيضًا يعطي طالب العلم فائدة كبيرة، وهي: أنه يجمع كلام أهل العلم بعضه إلى بعض، وألا يجتزئ، وألا يأخذ بعض الكلام دون بعض؛ لأن هذا فيه فتنة كبيرة تؤدي إلى سوء فهم مراد المصنف. فينبغي أن يُعرف أن المصنف -رحمه الله تعالى- إذا ضُمَّ كلامه بعضه إلى بعض تبينت الأمور، وإلا فهو هنا يقول: هذا فيه فائدة، أي: يؤخذ من الحديث فائدة، وهي: أن الإنسان إذا أخطأ وطَلَب مثل هذا الطلب الشركي، ثم نُبِّه من ساعته فتنبه واستغفر فإنه لا يكفر، ولا يُستعجل عليه بالتكفير؛ لأنه وقع منه جهلاً، فإذا لم يصر فإنه لا يكون كافرًا، فهذه فائدة من جهة بيان منهج المصنف -رحمه الله- في أمر العذر بالجهل.
وأهمية أخرى نكتسبها، وهي: جمع كلام أهل العلم بعضه إلى بعض، وأهم من ذلك جمع النصوص؛ فتُجمع نصوص القرآن والسنة بعضها إلى بعض؛ حتى لا يركز الإنسان على بعض ويترك بعضًا؛ لأن الذي ينتقي في النصوص انتقاءً، ويرغب في نصوص ويترك نصوصًا أخرى هذا لا شك أنه من أهل الهوى.
 
(وَتُفِيدُ أَيْضًا: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْفُرْ، فَإِنَّهُ يُغَلَّظُ عَلَيْهِ الْكَلامُ تَغْلِيظًا شَدِيدًا، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
-------------
هذه فائدة أخرى؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هل غلظ عليهم؟ إي والله غلظ تغليظًا ليس بالهين، فقال: «قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى».. ماذا قال قوم موسى؟ طلبوا صنمًا وطلبوا إلهًا! والمعنى: أنكم قلتم مقولة مثل هذه، ثم كبَّر -عليه الصلاة والسلام- متعجبًا مستعظمًا، فقال: «إِنَّهَا السُّنَنُ».([536]) فهذا كله تغليظ؛ لأنه قاس هذا الفعل على فعل أولئك.
يقول المصنف: تفيد هذه فائدة أنه حتى لو أخطأ وكان غير متعمد، فإن يُغلظ عليه في الكلام حتى يعي ويفهم خطورة الكلمة التي قالها، فتقول: لقد قلت كلمة عظيمة جدًّا، فعليك أن تتقي الله، ثم تتوب منها. ولهذا فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما قال له رجل: يا رسول الله، ما شاء الله وشئت. فلم يسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- بل قال أمام الناس: «أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا! قُلْ: مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ»([537]).
فمثل هذه الأمور ليست مسائل مجاملة، بل مسائل عظيمة خطيرة جدًّا تتعلق بالتوحيد وبالشرك. فهؤلاء مع أنهم حديثو عهد بالكفر، ومع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعي الجهل الذي كانوا فيه، إلا أنه غَلَّظ عليهم، فإذا غُلظ على مَن عنده هذا الجهل ألا يغلظ على المصر؟!
وقد يقول قائل: أنا جاهل، وما كنت أعلم، وأستغفر الله! أفلا يُغلظ على المصر المعاند، الذي يصنف الكتب، ويطبعها بالألوف ويوزعها، ويحرض على الشرك ويدعو إليه، ويبذل في ذلك الأموال الكثيرة؟! فلا يُتعجب إذا غُلِّظ عليه.
وإذا غلظ النبي -صلى الله عليه وسلم- على هؤلاء الأصحاب وهم متوجهون في جهاد للقتال مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولهم شرف الصحبة -رضي الله عنهم- ومع ذلك غلظ عليهم، فكيف بهؤلاء الذين يصرون على الشرك ويبررونه؟!
 
(وَلِلْمُشْرِكِينَ شُبْهَةٌ أُخْرَى، يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْكَرَ عَلَى أُسَامَةَ([538]) -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَتْلَ مَنْ قَالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ. وَقَالَ: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟!»([539]). وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ»([540]). وَأَحَادِيثُ أُخْرَى فِي الْكَفِّ عَمَّنْ قَالََهَا).
-------------
هنا مسألة أحب أن أنبه طالب العلم لها، فالمصنف -رحمه الله تعالى- يذكر أن هناك شُبَهًا يوردونها، ومن أكثر ما يوردون: حديث أسامة -رضي الله عنه- الذي قتل رجلاً بعدما قال: لا إله إلا الله.
 
(وَلِلْمُشْرِكِينَ شُبْهَةٌ أُخْرَى، يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْكَرَ عَلَى أُسَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- قَتْلَ مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. وَقَالَ: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟!». وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ». وَأَحَادِيثُ أُخْرَى فِي الْكَفِّ عَمَّنْ قَالَهَا.
وَمُرَادُ هَؤُلاءِ الْجَهَلَةِ: أَنَّ مَنْ قَالَهَا لا يَكْفُرُ، وَلا يُقْتَلُ، وَلَو فَعَلَ مَا فَعَلَ.
فَيُقَالُ لِهَؤُلاءِ الْمُشْرِكِينَ الْجُهَّالِ: مَعْلُومٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاتَلَ الْيَهُودَ وَسَبَاهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ).
-------------
سيأتي الكلام كله -إن شاء الله- مفصلاً عن موضوع حديث أسامة وغيره، وقد يستغرب طالب العلم ويقول: هل اليهود يقولون: "لا إله إلا الله"؟! ذكر الشافعي -رحمه الله- في "الأم" أن في اليهود ليس فقط مَن يشهد "ألا إله إلا الله"، بل يشهد "ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله" أيضًا! ولكن لا يُكفُّ عنهم؛ لأنهم يقولون: محمد رسول الله، لكنه فقط لبني إسماعيل، ونحن على ديننا، وهو صادق -صلى الله عليه وسلم، ويرون أن المسلمين ناجون!
وظهر في زمن أبي جعفر المنصور([541]) أناس يُنسبون إلى رجل يُدعى أبا عيسى من اليهود، وذكر أن القرآن حق، وأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رسول حق، وأن متبعيه ناجون، قال: لكن هم على اتباع هذا الرسول الصادق، ونحن على ديننا الأول.
ولقي ابن القيم([542]) -رحمه الله تعالى- أحد هؤلاء اليهود، وذكر قصته معه مفصلة في كتاب "هداية الحيارى"، وفي "الصواعق"، يقول كلامًا ملخصه: قلت: إنكم تسبون الله مسبة ما سبها أحد! فقال لي: تقول هذا وأنت رجل من أهل العلم، وتعرف أنني من أهل الكتاب؟! قال له ابن القيم: تعالَ أبيِّن لك، أنتم تقولون: إن الله بعث كذابًا، وادعى هذا الكذاب أن الله أنزل عليه كتابًا، والتف حوله أناس، وظل ثلاثًا وعشرين سنة يدعو الناس، والله يؤيده ويظهر الآيات على يديه حتى مكنه ومكن لأصحابه، وقتل أتباع الأنبياء السابقين الذين كانوا من الكفار من اليهود والنصارى، ثم ظهر أصحابه على البلاد، والأمر يتفاقم بشأن هذا الذي ادَّعى ما ادعى، وأنتم تقولون: إنه كذاب! فأنتم تسبون الله لا الرسول -صلى الله عليه وسلم- بفعلكم هذا، واعتقادكم هذا أن الله ينصر ويؤيد بالآيات ولا يظهر كذب هذا الذي ما ادعاه.
فقال: معاذ الله أن نقول هذا، بل هو والله رسول الله، وكتابه حق، وأنتم ناجون، ولكن نحن على دين من قبلنا، وأنتم استمروا على دينكم، فأنتم ناجون ونحن ناجون يوم القيامة. يقول: فقلت له: غلبت كل الغلب، الآن هُزمت أعظم هزيمة، كيف ذلك؟ قال: أتقول إنه صادق؟ فقد أخبر أن الله بعثه للعالمين، وأنه على أتباع الأنبياء قبله أن يتبعوه، وأن يتركوا الدين الذي هم عليه. يقول: فازداد وجهه احمرارًا إلى احمراره، ثم قال: حدثنا بغيرها! أي يقول: ابحث لنا عن موضوع آخر؛ لأنه شعر بأنه لا يستطيع أن يجيب؛ لأنه إذا قال: إنه رسول الله. فيقال: هو صادق، وقد أخبر أنه رسول الله إلى العالمين، وأن عليكم أن تتبعوه، وأخبر أن الله قال: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾([543]).
فهذه الطائفة موجودة في اليهود وفي النصارى على حد سواء، وذكرها الشافعي، وذكرها ابن حزم([544]). وذكر ابن تيمية أنه لقي منهم أناسًا كثيرين، وأن منهم عددًا غير قليل أسلموا على يديه، ورجعوا إلى قومهم وأسلم على أيديهم أناس؛ لأنه إذا شهد أن محمدًا رسول الله، فلا بد أن يصدقه في كل شيء، أما أن يقول: هو رسول الله لكن ليس إلى العالمين فإنه يتناقض.
والخطابي([545]) -رحمه الله- عند قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ». يقول: المراد: أهل الأوثان دون أهل الكتاب؛ لأنهم يقولون: لا إله إلا الله. فأهل الكتاب -الذين هم اليهود والنصارى- يقولون: لا إله إلا الله، ثم يقاتلون ولا يُرفع عنهم السيف([546]).
وقد نقلت هذه النقول حتى يُعرف أن كلام المصنف: (قاتلَهُم الرسولُ -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وسبَاهُم وهم يقولون: لا إلهَ إلاَّ اللهُ). كلام صحيح، فإنهم يقولون: لا إله إلا الله، لكنهم لا يلتزمون هذه الكلمة العظيمة.
 
(وَأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَاتَلُوا بَنِي حَنِيفَةَ وَهُمْ يَشْهَدُونَ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُصَلُّونَ، وَيَدَّعُونَ الإِسْلامَ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ حَرَّقَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِالنَّارِ. وَهَؤُلاءِ الْجَهَلَةُ مُقِرُّونَ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ كُفِّرَ، وَقُتِلَ، وَلَوْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ كُفِّرَ وَقُتِلَ، وَلَوْ قَالَهَا).
-------------
هذا كله تقدم، سواء ما يتعلق ببني حنيفة، أو ما يتعلق بمن حرقهم عليٌّ، أو ما يتعلق بمن جحد شيئًا معلومًا من الدين بالضرورة مع قوله: لا إله إلا الله، فإنهم يُقتلون، ولو قالوا: لا إله إلا الله.
 
(فَكَيْفَ لا تَنْفَعُهُ إِذَا جَحَدَ فَرْعًا مِنَ الْفُرُوعِ، وَتَنْفَعُهُ إِذَا جَحَدَ التَّوْحِيدَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ دِينِ الرُّسُلِ وَرَأْسُهُ؟! وَلَكِنَّ أَعْدَاءَ اللهِ مَا فَهِمُوا مَعْنَى الأَحَادِيثِ. فَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ؛ فَإِنَّهُ قَتَلَ رَجُلاً ادَّعَى الإِسْلامَ بِسَبَبِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ مَا ادَّعَى الإِسْلامَ إِلاَّ خَوْفًا عَلَى دَمِهِ وَمَالِهِ.
وَالرَّجُلُ إِذَا أَظْهَرَ الإِسْلامَ وَجَبَ الكَفُّ عَنْهُ حَتَّى يُتَبيَّنَ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ. وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا﴾([547]). أَيْ: فَتَثَبَّتُوا. فَالآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُ وَالتَّثَبُّتُ. فَإِذَا تَبَيَّنَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُخَالِفُ الإِسْلامَ قُتِلَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ وَلَوْ كَانَ لا يُقْتَلُ إِذَا قَالَهَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّثَبُّتِ مَعْنًى).
-------------
حديث أسامة -رضي الله عنه- في الصحيحين، وهو أن أسامة -رضي الله عنه- صبح الْحُرَقَة من جهينة، فحمل على رجل هو وأحد الأنصار، يقول: فلما غشيناه لنقتله قال: لا إله إلا الله. فأمسك الأنصاري، وقتله أسامة. فأُخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فعظَّم -صلى الله عليه وسلم- هذا الفعل، وقال: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟!». قال: يا رسول الله، إنما قالها متعوذًا. أي: يخاف فقط من السلاح وليس صادقًا؟ فقال: «هَلاَّ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ!». فقال: يا رسول الله، استغفر لي. فجعل لا يزيدني إلا على قوله: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟!»([548]). وهذا يدل على أن قائل "لا إله إلا الله" يجب الكف عنه.
ونزل في ذلك وفي أمثاله قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا﴾([549]). وفي قراءة حمزة([550]):﴿فَتَثَبَّتُوا﴾. وسيأتي الكلام -إن شاء الله تعالى- عن الآية.
وفي حديث أسامة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنكر عليه أن يقتل رجلاً قال: لا إله إلا الله. فهل معنى ذلك أن كل مَن قال: لا إله إلا الله، يُكفُّ عنه مطلقًا؟ أو أنه في حال الضيق وفي حال القتال فقط، مثل الحال الذي كان فيه أسامة. فكما يقرر المصنف، ولا شك أن هذا هو الصواب، ولكن ننقل أيضًا من كلام أهل العلم ما يدل على أن هذا هو المراد.
يقول الخطابي -رحمه الله- في الحديث الذي فيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُغِير عند الصبح، فإن سمع أذانًا أمسك. فكان إذا سمعهم يؤذنون أمسك؛ لأنهم من المسلمين وإلا أغار. يقول -رحمه الله: فيه من الفقه: أن إظهار شعائر الإسلام في القتال وعند شدة الغارة يُحقن به الدم، وليس كذلك حال السلامة والطمأنينة التي يتسع فيها معرفة الأمور على حقائقها واستيفاء الشروط اللازمة فيها([551]). أي: الكف عمَّن قال: لا إله إلا الله، هو في هذا الحال الضيق وحال القتال الذي لا تستطيع أن تتأكد هل: التزم ببقية الأحكام؟ وهل شهد أصلاً مع لا إله إلا الله بمحمد رسول الله؟ هل أيضًا يقر بالصلاة والصوم وغيرها أم لا؟
وابن حجر -رحمه الله- عند حديثه في الكلام على حديث أسامة أوضح أن قول: لا إله إلا الله، ينفع نفعًا مقيَّدًا، بأنه يجب الكف عنه حتى يُختبر أمره، هل قال ذلك خالصًا من قلبه أم خشية القتل؟([552]) فيُكف عنه في حال القتال؛ لأنه حال ضيق، فالكف عنه مقيد وليس مطلقًا، حتى يُقال: كفوا عمن قال: لا إله إلا الله. كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أسامة أن يكف. فحال أسامة ليس حالاً موسعًا.
وقال ابن حجر أيضًا تعليقًا على ما دار بين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- من النقاش حول قتال المرتدين: أُخِذ من هذا النقاش أن قائل "لا إله إلا الله" لا يُقتل، بل يجب الكف عنه حتى يُختبر حاله، فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حُكم بإسلامه، وإلا فلا؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ»([553]). فهذا يؤكد ما قاله المصنف -رحمه الله تعالى- وأن الاستدلال بحديث أسامة قياس في غير محله، فحديث أسامة حال ضيق، لكن لا يُقال: كُفُّوا عمن قال "لا إله إلا الله" حتى لو أنكر البعث؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟!». فلا يقال: كفوا عنه حتى لو أنكر شهادة أن محمدًا رسول الله! فلا يقول هذا عاقل؟ ولكن حال أسامة حال الضيق -كما قرر الخطابي وابن حجر.
لهذا أمر الله في الآية بالتبين، فقال: ﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا﴾([554]). قال البغوي([555]) -رحمه الله: قرأ حمزة والكسائي([556]):﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَثَبَّتُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾([557]).
وكان بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في القتال، فأتوا إلى رجل كان معه بعض الغنم فلما رآهم سلَّم عليهم، والسلام شعار يدل على أن الرجل مسلم، فقال الرجل: السلام عليكم. فأجهز عليه أحدهم فقتله، فأنزل الله: ﴿إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا﴾([558]). يقول البغوي في معنى قراءة حمزة: ﴿فتثبتوا﴾. أي: قفوا حتى تعرفوا المؤمن من الكافر. فالأمر بالتبين والتثبت يدل على ضرورة اختبار الحال إذا كان الحال حال ضيق؛ ولهذا قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا﴾([559]). لأنهم لما قتلوه -رضي الله عنهم- أخذوا الغنم التي كانت معه، فبيَّن لهم الرب النعمة، فقال: ﴿كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ﴾([560]). أي: فأنتم من قبل كنتم كفارًا فمَنَّ الله -عز وجل- عليكم بهذه المنة؛ وهي منة الإسلام، ﴿كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا﴾([561]). مرة أخرى، فالآية تأمر بالتبين، وليس فيها الكف عمن قال: لا إله إلا الله، وإن كان يعتقد أن محمدًا -كما قال الشافعي- رسول إلى العرب.
يقول الشافعي: هذا لا يكف عنه حتى يقر أن دين محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الدين الشامل الذي يلزم كل أحد، وكررها -رحمه الله- في "الرسالة" وفي "الأم" عدة مرات، ويبرأ من كل دين غير الإسلام. فلا بد أن ينص على هذا، وهو أن يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، مثل المسلمين. لكن لا تنفعه حتى يبرأ من الدين الذي هو عليه، ويدخل في الإسلام، ويترك ما كان عليه.
 
(وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الآخَرُ وَأَمْثَالُهُ. مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ التَّوْحِيدَ وَالإِسْلامَ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُ إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ. وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَمَا قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ الله؟!». وَقَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ».
وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِي الْخَوَارِجِ: «أَيْنَمَا لَقِيْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ»([562]). مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ عِبَادَةً وَتَهْلِيلاً وَتَسْبِيحًا. حَتَّى إِنَّ الصَّحَابَةَ يَحْقِرُونَ صَلاتَهُمْ عِنْدَهُمْ. وَهُمْ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَلَمْ تَنْفَعُهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَلا كَثْرَةُ الْعِبَادَةِ، وَلا ادِّعَاءُ الإِسْلامِ، لَمَّا ظَهَرَ مِنْهُمْ مُخَالَفَةُ الشَّرِيعَةِ. وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قِتَالِ الْيَهُودِ).
-------------
ذكر هنا أمرًا بينًا جدًّا، يقول: إذا كنت تقول: إن لا إله إلا الله، وإظهار الشعائر يكفي. فانظر إلى الخوارج، فالخوارج ليسوا فقط يقولون: لا إله إلا الله، ويظهرون الشعائر، بل هم من أشد الناس إظهارًا للشعائر، حتى إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال موجهًا الكلام للصحابة -وهم مَن هم في العبادة: «تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ». أي أنهم يصلون صلاة طويلة جدًّا، «وَقِرَاءَتَكُمْ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ»([563]). مع أن الصحابة -رضي الله عنهم- عندهم صلاة النوافل طويلة للغاية، وقراءتهم -رضي الله عنهم- وأرضاهم طويلة؛ فكانوا يختمون القرآن -رضي الله عنهم- كل سبع، وكانوا يقرؤون ثلاث سور: البقرة وآل عمران والنساء، وخمس سور: المائدة والأنعام وهكذا... وسبعًا، وتسعًا، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، إلى المفصل. فكانوا يقرؤون المفصل في ليلة، وكانوا يختمون القرآن كل أسبوع.
فيقول -صلى الله عليه وسلم- عن هؤلاء الخوارج: «وَقِرَاءَتَكُمْ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ». لأنهم يقرؤون أكثر من الصحابة.. فهم ليسوا فقط يقولون: لا إله إلا الله، ويظهرون الشعائر، بل عندهم مبالغة في العبادة. ومع ذلك أمر -عليه الصلاة والسلام- بقتلهم، فقال: «أَيْنَمَا لَقِيْتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ». وهم مِن أهل لا إله إلا الله، وممن يقولون: لا إله إلا الله، وهم ممن تعلموا من الصحابة -رضي الله عنهم... ومع ذلك يقول -عليه الصلاة والسلام: «لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ».
يقول الشيخ: فهؤلاء الخوارج أظهروا "لا إله إلا الله"، فلو كان معنى حديث أسامة: الكف عمن قال: لا إله إلا الله، بالكلية، حتى لو أتى بناقض من نواقضها، فما معنى أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتال الخوارج؟! وكل هذا دليل على ما أَصَّلَه في البداية -رحمه الله.
 
(وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قِتَالِ الْيَهُودِ، وَقِتَالِ الصَّحَابَةِ بَنِي حَنِيفَةَ. وَكَذَلِكَ أَرَادَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَغْزُوَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ لَمَّا أَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّهُمْ مَنَعُوا الزَّكَاةَ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾([564]). وَكَانَ الرَّجُلُ كَاذِبًا عَلَيْهِمْ. وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ).
-------------
كل هذا لبيان أن مَن أظهر "لا إله إلا الله"، إذا عمل ما يستوجب معه العقوبة لكونه ناقضها في قول أو فعل فإنه لا يُكفُّ عنه؛ ولهذا ذكر الآية: ﴿إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾([565]). قيل: إنها نزلت في بني المصطلق، لما أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم رجلاً لأخذ الزكاة منهم، فقيل: إنه خاف في الطريق، أو أنهم لما رأوا رسولَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يريد أخذ الزكاة قرروا أن يظهروا إليه نوعًا من الحفاوة والفرح، فرآهم ففر، وقال للنبي -صلى الله عليه وسلم: إنهم أرادوا قتلي. فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يشن عليهم الحرب مع أن الظاهر منهم أنهم يقولون: لا إله إلا الله.
يقول الشيخ: فهذا نموذج آخر، أنه لا يُكفُّ عمن قال: لا إله إلا الله. مطلقًا.
 
(وَلَهُمْ شُبْهَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ مَا ذَكَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَسْتَغِيثُونَ بِآدَمَ، ثُمَّ بِنُوحٍ، ثُمَّ بِإِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ بِمُوسَى، ثُمَّ بِعِيسَى، فَكُلُّهُمْ يَعْتَذِرُونَ، حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الاسْتِغَاثَةَ بِغَيْرِ اللهِ لَيْسَتْ شِرْكًا.
وَالْجَوَابُ أَنْ نَقولَ: سُبْحَانَ مَنْ طَبَعَ عَلَى قُلُوبِ أَعْدَائِهِ! فَإِنَّ الاسْتِغَاثَةَ بِالْمَخْلُوقِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لا نُنْكِرُهَا. كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ مُوسَى: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾([566]). وَكَمَا يَسْتَغِيثُ الإِنْسَانُ بِأَصْحَابِهِ فِي الْحَرْبِ أَوْ غَيْرِهَا فِي الأَشْيَاءِ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَيْهَا الْمَخْلُوقُ... وَنَحْنُ أَنْكَرْنَا اسْتِغَاثَةَ الْعِبَادَةِ الَّتِي يَفْعَلُونَهَا عِنْدَ قُبُورِ الأَوْلِيَاءِ، أَوْ فِي غَيْبَتِهِمْ فِي الأَشْيَاءِ الَّتِي لا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلاَّ اللهُ.
إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ: فَاسْتِغَاثَتُهُمْ بِالأَنْبِيَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرِيدُونَ مِنْهُمْ أَنْ يَدْعُوا اللهَ أَنْ يُحَاسِبَ النَّاسَ؛ حَتَّى يَسْتَرِيحَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ كَرْبِ الْمَوقِفِ. وَهَذَا جَائِزٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ).
-------------
هذه الشبهة يقولون فيها: ثبت في الحديث أن الناس يأتون النبي -عليه الصلاة والسلام- ويأتون الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ويطلبون منهم أن يشفعوا عند الله لإغاثتهم من كرب الموقف. فالمصنف -رحمه الله- غضب، وقال: (سُبحانَ منْ طبعَ على قلوبِ هؤلاءِ!). أي: هل أنكر أنا مثل هذه الاستغاثة؟! هذه الاستغاثة بالأنبياء -صلى الله عليهم وسلم- غير منكرة، ولا يمكن أن يقول أحد إنها استغاثة منكرة، بل هي استغاثة جائزة؛ لأنها استغاثة على وفق الشرط الشرعي.
يقول: فالذي ننكره هو استغاثة العبادة التي تفعلونها عند القبور، وتطلبون من أصحابها ما لا يُطلب إلا من الله -تبارك وتعالى- فهذه هي الاستغاثة التي ننكرها، أما أن يذهب الناس إلى الأنبياء بعد أن بعثهم الله -تبارك وتعالى- ويطلبون منهم أن يريحوا الناس من كرب الموقف، وفيهم سيد ولد آدم -صلى الله عليه وسلم- الذي أذن الله -عز وجل- له بالشفاعة، يقول: فلا ينكر هذه الشفاعة أحد من أهل الحق.
فالذي ننكره هو الشفاعة الشركية التي تطلبون فيها من غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله، أما طلب هذا من الأنبياء فهو طلب في محله؛ لأن الله جعل الشفاعة لسيدهم -صلى الله عليه وسلم.
إذن المصنف -رحمه الله- حرص على التمييز بين الذي يجوز والذي لا يجوز من الاستغاثة، وبيَّن أن المنْكَر من الاستغاثة استغاثة العبادة، أما الاستغاثة المعتادة فلا تُمنع، وكذلك الاستغاثة في الآخرة بعد أن يلقى الناس الأنبياء ويطلبون منهم الدعاء لا يُمنع منها، وهذا يكون في حال القتال، فقد يستغيث المسلم بإخوانه في القتال، فربما تكثر الأعداء على جهة من جهات الجيش، فيطلب وينادي: اتجهوا نحونا؛ لأنه داهمنا الأعداء. فهذه استغاثة جائزة.
ومراده: أن الاستغاثة على نوعين: استغاثة جائزة بالحي القادر الحاضر، فهذه تجوز في الدنيا، وتجوز إذا بُعث الناس في القيامة. واستغاثة شركية بأن يُطلب من غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله. وهذه هي التي ننكرها.
 
(إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ: فَاسْتِغَاثَتُهُمْ بِالأَنْبِيَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرِيدُونَ مِنْهُمْ أَنْ يَدْعُوا اللهَ أَنْ يُحَاسِبَ النَّاسَ حَتَّى يَسْتَرِيحَ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ كَرْبِ الْمَوْقِفِ.
وَهَذَا جَائِزٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَذَلِكَ أَنْ تَأْتِيَ عِنْدَ رَجُلٍ صَالِحٍ حَيٍّ يُجَالِسُكَ، وَيَسْمَعُ كَلامَكَ، فَتَقُولُ لَهُ: ادْعُ اللهَ لِي. كَمَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُونَهُ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ. وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، فَحَاشَا وَكَلاَّ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ ذَلِكَ عِنْدَ قَبْرِهِ. بَلْ أَنْكَرَ السَّلَفُ الصَّالِحُ عَلَى مَنْ قَصَدَ دُعَاءَ اللهِ عِنْدَ قَبْرِهِ. فَكَيْفَ بِدُعَائِهِ نَفْسِهِ؟!).
-------------
(فَكَيْفَ بِدُعَائِهِ نَفْسِهِ) على سبيل البدل والتأكيد، وهنا مسائل ذكرها -رحمه الله- في هذا الموضع، مثل: طلب الدعاء من الرجل الصالح الحي الملازم للسنة لا يُنكَر، وذكرنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرشد عمر -رضي الله عنه- إلى أن يطلب الدعاء من ([567]) أُوَيْس القرني([568]). أيضًا ثبت عن الشافعي -رحمه الله- أنه أرسل إلى رجل يُدعى إدريس بن يحيى([569]) وكان من العُبَّاد -رحمه الله- يقول له: ادعُ الله لي. لأنه -رضي الله عنه- كان مصابًا بقذف الدم([570]).
فكل هذا معروف عند السلف، ولا إشكال أن تطلب من حي حاضر صالح ملازم للسنة أن يدعو لك. وبعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكونوا يفعلون هذا، فلم يأتوا لقبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ليطلبوا منه مثل هذا، مثلما ذكرنا في استسقائهم بدعاء العباس([571])، مع أن قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- موجود([572]). فقد أنكر السلف دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه لا يجوز صرف العبادة لغير الله.
وقد أنكر الصحابة دعاء الله عند قبر النبي، كأن يأتي إنسان ويقول: سأدعو الله، لكن سأقترب من القبر؛ لأنه موضع شريف وسأدعو الله عنده. وفي هذا خبر عليِّ بن الحسين([573]) الذي حَسَّنه أكثر من واحد، فإنه لما رأى رجلاً يجيء إلى فرجة عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ويدخل فيها ويدعو، فنهاه، وروى له حديث: «لا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا»([574]).
 
(وَلَهُمْ شُبْهَةٌ أُخْرَى: وَهِيَ قِصَّةُ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ اعْتَرضَ لَهُ جِبْرِيلُ فِي الْهَوَاءِ، فَقَالَ لَهُ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَمَا إِلَيْكَ فَلا. قَالُوا: فَلَوْ كَانَتِ الاسْتِغَاثَةُ بِجِبْرِيلَ شِرْكًا لَمْ يَعْرِضْهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ الشُّبْهَةِ الأُولَى، فَإِنَّ جِبْرِيلَ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفَعَهُ بِأَمْرٍ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ اللهُ فِيهِ: ﴿شَدِيدُ الْقُوَى﴾([575]). فَلَوْ أَذِنَ اللهُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ نَارَ إِبْرَاهِيمَ وَمَا حَوْلَهَا مِنَ الأَرْضِ وَالْجِبَالِ، وَيُلْقِيَهَا فِي الْمَشْرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَضَعَ إِبْرَاهِيمَ فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ عَنْهُمْ لَفَعَلَ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ لَفَعَلَ.
وَهَذَا كَرَجُلٍ غَنِيٍّ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يَرَى رَجُلاً مُحْتَاجًا، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ أَنْ يُقْرِضَهُ، أَوْ أَنْ يَهِبَهُ شَيْئًا يَقْضِي بِهِ حَاجَتَهُ، فَيَأْبَى ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُحْتَاجُ أَنْ يَأْخُذَ، وَيَصْبِرُ إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُ اللهُ بِرِزْقٍ لا مِنَّةَ فِيهِ لأَحَدٍ. فَأَيْنَ هَذَا مِنِ اسْتِغَاثَةِ الْعِبَادَةِ وَالشِّرْكِ لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ؟!).
-------------
أوردوا أن جبريل -عليه السلام- لما قُذف إبراهيم في النار لقيه جبريل في الهواء، وقال: (ألكَ حاجةٌ؟ قالَ: أما إليكَ فلاَ). قالوا: فهذا جبريل عرض على إبراهيم أمر الإغاثة، لو كانت شركًا لَمَا فعلها الملك مع النبي. يقول الشيخ -رحمه الله: جبريل شديد القوى ويستطيع أن يغيث إبراهيم، فهذا أمر في إمكانه، ولم يعرض عليه شيئًا لا يقدر عليه، بل عرض عليه أمرًا يقدر عليه؛ فإنه شديد القوى. فلو أمره الله أن يأخذ نار إبراهيم ويرميها في المشرق لفعل، ولو أمره الله أن يأخذ إبراهيم ويضعه بعيدًا لفعل.
نضيف: إن الخبر لا يثبت مع كل هذا. فهذا الجواب سديد جدًّا من الشيخ، لكن نقول: ومع ذلك الخبر غير صحيح. فبذلك يُستراح من كثرة الرد عليهم.
يقول المصنف: لو أن رجلاً غنيًّا أتى إلى إنسان فقير يستحق الزكاة، وقال: أنا أسدد عنك الدين. فقال الفقير: لا أريد، أنا مستغنٍ بالله -عز وجل. فهل الغني عرض عليه شركًا أم عرض عليه أمرًا يستطيعه؟ فهكذا جبريل.
 
(وَلْنَخْتِمِ الْكَلامَ -إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى- بِمَسْأَلَةٍ عَظِيمَةٍ مُهِمَّةٍ جِدًّا تُفْهَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ، وَلَكِنْ نُفْرِدُ لَهَا الْكَلامَ لِعِظَمِ شَأْنِهَا، وَلِكَثْرَةِ الْغَلَطِ فِيهَا، فَنَقُولُ: لا خِلافَ أَنَّ التَّوْحِيدَ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْعَمَلِ).
-------------
هذا معتقد أهل السنة، فتوحيد العبادة يكون بالقول وباللسان وبالعمل بالجوارح والاعتقاد بالقلب.
 
(فَإِنِ اخْتَلَّ شَيْءٌ مِنْ هَذَا لَمْ يَكُنِ الرَّجُلُ مُسْلِمًا، فَإِنْ عَرَفَ التَّوحيدَ، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ مُعَانِدٌ كَفِرْعَوْنَ وَإِبْلِيسَ وَأَمْثَالِهِمَا).
-------------
هذه الحال الأولى: الذي يعرف ولا يعمل، فعنده معرفة لكن ليس لديه استعداد للانقياد، فهذا مثل إبليس، فإنه يعرف أن الله ربه، فقال: ﴿رَبِّ بِمَا أَغْوَيتَنِي﴾([576]). وفرعون يعرف أن الله تعالى ربه، وإن ادعى كذبًا أنه لا يعرف رب العالمين، قال تعالى عن موسى في كلامه لفرعون: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاَءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ﴾([577]). فهذا هو الذي يعرف ولكن لا يعمل.
 
(وَهَذَا يَغْلَطُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، يَقُولُونَ: هَذَا حَقٌّ. وَنَحْنُ نَفْهَمُ هَذَا. وَنَشْهَدُ أَنَّهُ الْحَقُّ، وَلَكِنَّا لا نَقْدِرُ أَنْ نَفْعَلَهُ، وَلا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ بَلَدِنَا إِلاَّ مَنْ وَافَقَهُمْ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأَعْذَارِ. وَلَمْ يَدْرِ الْمِسْكِينُ أَنَّ غَالِبَ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَلَمْ يَتْرُكُوهُ إِلاَّ لِشَيْءٍ مِنَ الأَعْذَارِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاَ﴾([578]). وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ، كَقَوْلِهِ: ﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾([579]).
-------------
يقول: هذه المسألة يغلط فيها كثير من الناس، فيقولون: نحن نعرف الحق، وإن كان بعضهم يقول للشيخ: نحن نعرف أن ما أنت عليه حق ولا يخفى علينا، لكن أهل بلدنا لا يطاوعوننا على ذلك، فيقول: كثير من رؤوس الكفر وغيرهم كانوا يظهرون أعذارًا، فالتعذر بفعل أهل البلد وغيره لا يُعدُّ عذرًا، فإذا عرف الحق ولم يعمل به فإنه لا شك ملوم، وتعلله بأهل بلده أو غير ذلك لا يمكن أن يكون عذرًا.
 
(فَإِنْ عَمِلَ بِالتَّوْحِيدِ عَمَلاً ظَاهِرًا وَهُوَ لا يَفْهَمُهُ، أَوْ لا يَعْتَقِدُهُ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْكَافِرِ الْخَالِصِ: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾([580])).
-------------
هذه الحال الثانية: فقد يجاري أهل الحق ويماشيهم ويقول: أعمل ظاهرًا حتى ولو في الباطن كنت على خلاف ذلك. فهذه هي الحال الثانية؛ وهي: مَن يجاري أهل الحق، لكنه في الواقع وفي الباطن لا يقر بهذا، سواء أكان جاهلاً ويجاريهم ليأمن ويسلم أم كان منافقًا في الباطن.
 
(وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَسْأَلَةٌ كَبِيرَةٌ طَوِيلَةٌ، تَتَبَيَّنُ لَكَ إِذَا تَأَمَّلْتَهَا فِي أَلْسِنَةِ النَّاسِ؛ تَرَى مَنْ يَعْرِفُ الْحَقَّ، وَيَتْرُكُ الْعَمَلَ بِهِ؛ لِخَوْفِ نَقْصِ دُنْيَا أَوْ جَاهٍ، أَوْ مُدَارَاةٍ لأَحَدٍ، وَتَرَى مَنْ يَعْمَلُ بِهِ ظَاهِرًا لا بَاطِنًا، فَإِذَا سَأَلْتَهُ عَمَّا يَعْتَقِدُهُ بِقَلْبِهِ، فَإِذَا هُوَ لا يَعْرِفُهُ. وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِفَهْمِ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ؛ أُولاهُمَا: قَولُهُ تَعَالَى: ﴿لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾([581]). فَإِذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ غَزَوْا الرُّومَ مَعَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَفَرُوا بِسَبَبِ كَلِمَةٍ قَالُوهَا عَلَى وَجْهِ الْمَزْحِ وَاللَّعِبِ، تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِالْكُفْرِ، أَوْ يَعْمَلُ بِهِ خَوْفًا مِنْ نَقْصِ مَالٍ أَوْ جَاهٍ، أَوْ مُدَارَاةً لأَحَدٍ أَعْظَمُ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ يَمْزَحُ بِهَا).
-------------
لأنه نافق لأجل هذه الأمور الثلاثة؛ نقص المال، أو الجاه، أو المداراة لأحد.
 
(وَالآيَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾([582]). فَلَمْ يَعْذُرِ اللهُ مِنْ هَؤُلاءِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ، مَعَ كَوْنِ قَلْبِهِ مُطْمَئِنًا بِالإِيمَانِ.
وَأَمَّا غَيْرُ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ، سَوَاءٌ فَعَلَهُ خَوْفًا أَوْ طَمَعًا أَوْ مُدَارَاةً أَوْ مَشَحَّةً بِوَطَنِهِ، أَوْ أَهْلِهِ، أَوْ عَشِيرَتِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَزْحِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَغْرَاضِ إِلاَّ الْمُكْرَهَ).
-------------
لا يُعذر إلا المكره الذي اطمئن قلبه بالإيمان، أما غير المكره فإنه لا يُعذر حتى لو كان خائفًا، فقد يخاف على منصبه أو على ماله أو يشح بوطنه أو يشحَّ بعشيرته أو المازح.. يقول الشيخ: هؤلاء كلهم لا عذر لهم، ولن يعذر الله -سبحانه وتعالى- إلا المكره فقط، إذا أُكرِه مع اطمئنان قلبه بالإيمان.
 
(فَالآيَةُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا مِن جِهَتَيْنِ:
الأُولَى: قَوْلُهُ: ﴿إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ﴾([583]). فَلَمْ يَسْتَثْنِ اللهُ تَعَالَى إِلاَّ الْمُكْرَهَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الإِنْسَانَ لا يُكْرَهُ إِلاَّ عَلَى الْكَلامِ أَوِ الْفِعْلِ، وَأَمَّا عَقِيدَةُ الْقَلْبِ فَلا يُكْرَهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ).
-------------
لأنها أمر باطن، فلا يستطيع أحد أن يكرهك حتى تغير عقيدتك، لكن قد يتكلم بكلام تحت الإكراه، ويفعل الفعل بالإلجاء وبالقوة، فلم تستثنِ الآية إلا المكره الذي اطمئن قلبه بالإيمان، والإكراه لا يكون بالقلب، لكن الإكراه يكون بالنطق أو بالفعل فقط.
 
(وَالثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ﴾([584]). فَصَرَّحَ أَنَّ هَذَا الْكُفْرَ وَالْعَذَابَ لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ الاعْتِِقَادِ أَوِ الْجَهْلِ أَوِ الْبُغْضِ لِلدِّينِ أَوْ مَحَبَّةِ الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا سَبَبُهُ أَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ حَظًّا مِنْ حُظُوظِ الدُّنْيَا فَآثَرَهُ عَلَى الدِّينِ.
وَاللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَعْلَمُ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ).
ليس بالضرورة أن يكون كارهًا للدين ومبغضًا وعدوًّا له، فقد يقَدِّم هذه الأمور وهو غير مبغض للدين، لكنه استحب الدنيا، كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ﴾([585]). فيكون له غرض من أغراض الدنيا؛ كحب وطنه أو ماله أو جاهه؛ فيقدمه على دينه.


([1]) هو: الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن على بن محمد بن أحمد بن راشد، التميمي، الحنبلي، النجدي، المصلح الكبير. ولد ونشأ وتعلم في بلدة العيينة، ورحل في طلب العلم إلى نواحي نجد ومكة، حتى صار عالما. أنكر المنكر، وقمع الله به البدع، اتحد مع آل سعود في توحيد الجزيرة العربية، وتوحيد الرب تعالى حتى أيدهما الله. له "كتاب التوحيد"، و"الأصول الثلاثة" وغيرهما كثير. ولد سنة خمس عشرة بعد المئة والألف، وتوفي سنة ست ومئتين بعد الألف. انظر: إسلامية لا وهابية للدكتور/ ناصر بن عبد الكريم العقل (ص: 23)، والأعلام للزركلي (6/257).

([2]) نابليون بونابرت، أو نابليون الأول، قائد فرنسي، ولد في 15 أغسطس عام 1769م في أجاكسيو بجزيرة كورسيكا الفرنسية، وتلقى تعليمه وتدريبه العسكري في فرنسا، تدرج في الرتب العسكرية حتى أصبح قائدًا للجيش الفرنسي عام 1794م، قاد الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م، وبعد فشل حملته عاد إلى فرنسا وأحدث بها انقلابًا تولى بعده السلطة وأصبح إمبراطورًا في مايو 1804م، ساهم في وضع القانون الفرنسي، واحتل معظم القارة الأوربية في فترة قصيرة من الزمن، ودخل في حروب مع عدد من الدول الأوربية انتهت بهزيمته عام 1815م وتنازله عن العرش، ونفي إلى جزيرة سانت هيلانة بجنوب المحيط الأطلنطي، والتي توفي بها في 5 مايو 1821م مسمومًا، انظر: "نابليون بونابرت" لفليكس ماركوم وإميل لودفج، و"نابليون بونابرت" لمحمد كامل حسن المحامي.

([3]) يعني: سفيان الثوري وسفيان بن عيينة:
وسفيان الثوري هو: سفيان بن سعيد بن مسروق، الثوري، أبو عبد الله، الكوفي، من ثور. إمام الحفاظ، وسيد العلماء العاملين في زمانه، ولد سنة سبع وتسعين. قال ابن حجر في التقريب: "ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، وكان ربما دلس". مات بالبصرة سنة إحدى وستين ومئة. انظر: تهذيب الكمال (11/ 154 ترجمة 2407)، وسير أعلام النبلاء (7/ 229 ترجمة 82).
وسفيان بن عيينة هو: سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون، أبو محمد، الهلالي، الكوفي، ثم المكي، الإمام الكبير، حافظ العصر، شيخ الإسلام. مولده بالكوفة في سنة سبع ومئة. طلب الحديث وهو حدث، بل غلام، ولقي الكبار، وحمل عنهم علمًا جمًّا، وأتقن، وجود، وجمع، وصنف، وعمَّر دهرًا، وازدحم الخلقُ عليه، وانتهى إليه علو الإسناد، ورُحِلَ إليه من البلاد، وألحق الأحفاد بالأجداد. قال ابن حجر في التقريب: "ثقة حافظ، إلا أنه تغير حفظه بأخرة، وكان ربما دلس لكن عن الثقات". وتوفي سنة ثمان وتسعين ومئة بالْحَجُونِ -جبل بأعلى مكة. انظر: تهذيب الكمال (11/ 177 ترجمة 2413)، وسير أعلام النبلاء (8/ 454 ترجمة 120).

([4]) هو: أيوب ابن أبي تميمة كيسان السختياني، العنزي مولاهم، أبو بكر، البصري، الأَدَمِيّ ويقال: ولاؤه لطهية، وقيل: لجهينة. الإمام الحافظ سيد العلماء، عداده في صغار التابعين. مولده عام توفي ابن عباس، سنة ثمان وستين، قال ابن حجر في التقريب: "ثقة ثبت حجة، من كبار الفقهاء العباد". توفي سنة إحدى وثلاثين ومئة بالبصرة زمن الطاعون، وله ثلاث وستون سنة. انظر: تهذيب الكمال (3/ 457 ترجمة 607)، وسير أعلام النبلاء (6/ 15 ترجمة 7).

([5]) هو: تقي الدين، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن تيميَّة، الحرَّاني، ثم الدمشقي، الحنبلي، الإمام الفقيه، المجتهد، المحدث، الحافظ، المفسر، الأصولي، الزاهد. برع في العلوم الإسلامية والآلية، وقمع الله به أهل الضلال، ونصر به أهل السنة. ولد سنة إحدى وستين وست مئة، وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبع مئة. وله من المؤلفات: "الواسطية"، و"منهاج السنة". انظر: الذيل على طبقات الحنابلة (4/ 491 ترجمة 531)، والوافي بالوفيات (7/ 10 ترجمة 619).

([6]) هكذا قيل.

([7]) هو: هبة الله بن الحسن بن منصور، أبو القاسم، الطبري، الرازي، الشافعي، اللالكائي، مفيد بغداد في وقته، برع في المذهب الحنبلي، روى عنه الخطيب البغدادي، صنف كتابًا في السنن، وكتابًا في معرفة أسماء من في الصحيحين، وكتابًا في شرح السنة، وغير ذلك، عاجلته المنية فلم يُنشر عنه كثير شيء من الحديث، توفي في شهر رمضان سنة ثمان عشرة وأربعمئة. انظر: تاريخ بغداد (14/ 70 ترجمة 7418)، وسير أعلام النبلاء (17/ 419 ترجمة 274).

([8]) هو: محمد بن الحسين بن عبد الله، أبو بكر، البغدادي، الآجري، الإمام، المُحَدِّث، القدوة، شيخ الحرم الشريف، صاحب التصانيف الحسان؛ منها: "الشريعة"، و"الأربعين". توفي سنة ستين وثلاث مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 133 ترجمة 92)، والوافي بالوفيات (2/ 267 ترجمة 847).

([9]) حسن: أخرجه أحمد في المسند (15156)، قال الألباني في الإرواء (1589): حسن.

([10]) هو: أبو سعيد، عثمان بن سعيد بن خالد، السجستاني، الحافظ، الإمام، الحجة، صاحب التصانيف، ولد قبل المئتين بيسير، أكثر من الترحال والتطواف في طلب الحديث، أخذ علم الحديث وعلله على علي بن المديني، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وفاق أهل زمانه، وكان لهجًا بالسنة، بصيرًا بالمناظرة، جذعًا في أعين المبتدعة. توفي -رحمه الله- سنة ثمانين ومئتين. له مصنفات؛ منها: "السنن"، و"الرد على المريسي"، وكتاب "الرد على الجهمية". انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 319 ترجمة 148)، وتذكرة الحفاظ (2/ 621 ترجمة 648).

([11]) هو: يحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرحمن بن يحيى بن حماد، أبو زكريا، التميمي، الحنظلي، المنقري، النيسابوري، ريحانة أهل خراسان، الحافظ، كتب ببلده وبالحجاز والعراق والشام ومصر، لقي صغارًا من التابعين، ولد سنة اثنتين وأربعين ومئة، قال عنه الإمام أحمد: ما رأى يحيى بن يحيى مثل نفسه، وما رأى الناس مثله. مات في أول ربيع الأول سنة ست وعشرين ومئتين. انظر: تهذيب الكمال (32/ 31 ترجمة 6943)، وسير أعلام النبلاء (10/ 512 ترجمة 167).

([12]) الدارمي في الرد على الجهمية (396).

([13]) الدارمي في الرد على الجهمية (ص23).

([14]) هو: بشر بن غياث بن أبي كريمة، أبو عبد الرحمن، العدوي مولاهم، البغدادي، المريسي، من موالي آل زيد بن الخطاب -رضي الله عنه- كان من كبار الفقهاء، نظر في الكلام، فغلب عليه، وانسلخ من الورع والتقوى، وجرد القول بخلق القرآن، ودعا إليه، حتى كان عين الجهمية في عصره وعالمهم، فمقته أهل العلم، وكفَّره عدة، كان أبوه يهوديًّا، مات في آخر سنة ثماني عشرة ومئتين وقد قارب الثمانين. انظر: تاريخ بغداد (7/ 56 ترجمة 3516)، وسير أعلام النبلاء (10/ 200 ترجمة 45).

([15]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (19875، 19968)، أبو داود: كتاب الملاحم، باب خروج الدجال (4319)، من حديث عمران بن حصين، قال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح.

([16]) أخرجه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في بقية من أحاديث الدجال (2946)، عمران بن حصين به.

([17]) هو: جان بول شارل إيمارد سارتر، فيلسوف، وروائي، ومؤلف مسرحي، فرنسي، ولد في 21 يونيو 1905م، درس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وحين احتلت ألمانيا النازية فرنسا انخرط في صفوف المقاومة الفرنسية السرية، وبعد الحرب أصبح رائدًا لمجموعة من المثقفين الفرنسيين، يعتبر رأس الفلسفة الوجودية، منح جائزة نوبل للآداب عام 1964م ولكنه اعتذر عن قبولها، توفي في 15 إبريل 1980 بباريس، له عدد من المؤلفات، منها: مسرحية "الذباب"، ومسرحية "اللامخرج"، ورواية "الغثيان"، ورواية "الحائط"، وغيرها. انظر: الكلمات (مذاكراته) ترجمة خليل صابات، وفلسفة جان بول سارتر (المقدمة).

([18]) هو: فلاديمير أليتش أوليانوف لينين، ثوري روسي، ولد في 22 إبريل 1870م بمدينة سيميرسك في روسيا، التحق عام 1887م بجامعة قازان لدراسة القانون، تحول إلى ثوري بعد إعدام شقيقه الأكبر بتهمة الاشتراك في مؤامرة لاغتيال القيصر، طرد من الجامعة بسبب نشاطه الثوري، ولكنه تمكن من إكمال دراسته في جامعة بطرسبورغ، نفي إلى سيبيريا فترة، ثم عاد إلى روسيا وتزعم الحزب البلشفي، وتم اختياره لزعامة حزب العمل الاشتراكي الاجتماعي عام 1906م، قام بثورة اشتراكية بلشفية في روسيا في أكتوبر 1917م، من مؤلفاته: "من هم أصدقاء الشعب؟"، "تطور الرأسمالية في روسيا"، توفي في 21 يناير 1924م إثر إصابته بعدة جلطات. انظر: حياة لينين لماريا بريليجايفا.

([19]) هو: عبد العزيز بن حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر، النجدي، التميمي، ولد سنة 1203هـ في الدرعية، وتعلم فيها على أئمة الدعوة، وكان أبوه من كبارهم، ذهب إلى البحرين بعد سقوط الدرعية على يد إبراهيم باشا، ومات فيها سنة 1244هـ، من مؤلفاته: "منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب"، "اختصار نظم ابن عبد القوي للمقنع ومنتقى عقد الفرائد وكنز الفوائد"، وله مرثية للدرعية مشهورة يسميها علماء نجد "الطنانة". انظر: الأعلام للزركلي (4/ 17)، ومشاهير علماء نجد وغيرهم (2/ 170).

([20]) هو: القاسم بن محمد بن خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة، الإمام، القدوة، الحافظ، الحجة، عالم وقته بالمدينة مع سالم وعكرمة، أبو محمد، وأبو عبد الرحمن، القرشي، التيمي، البكري، المدني، قال ابن سعد: أمه أم ولد يُقال لها: سودة، وكان ثقة، عالمًا، رفيعًا، فقيهًا، إمامًا، ورعًا، كثير الحديث، قال ابن حجر في التقريب: ثقة أحد الفقهاء بالمدينة. مات سنة ثمان ومئة. انظر: تهذيب الكمال (23/ 427 ترجمة 4819)، وسير أعلام النبلاء (5/ 53 ترجمة 18).

([21]) عبد الرحمن ابن الفقيه أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، ابن أبي الزناد، القرشي مولاهم، الإمام، الفقيه، الحافظ، أبو محمد، المدني، ولد بعد المئة، كان من أوعية العلم، توفي في سنة أربع وسبعين ومئة، قال ابن حجر في التقريب: صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيهًا من السابعة. انظر: تهذيب الكمال (17/ 95 ترجمة 3816)، وسير أعلام النبلاء (8/ 167 ترجمة 16).

([22]) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (49/173 ترجمة 5680).

([23]) محمد: 19.

([24]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (18774)، أبو داود: كتاب الحج، باب من لم يدرك عرفة (1949)، الترمذي: كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج (889)، النسائي: كتاب مناسك الحج، باب فرض الوقوف بعرفة (3016، 3044)، ابن ماجه: كتاب مناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع (3015)، من حديث عبد الرحمن بن يعمر به، قال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح.

([25]) هو: محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر، أبو بكر، النيسابوري، الشافعي، السلمي، الحافظ، الحجة، الفقيه، صاحب التصانيف، ولد سنة ثلاث وعشرين ومئتين، وعني في حداثته بالحديث والفقه حتى صار يُضرب به المثل في سعة العلم والإتقان، حدث عنه البخاري ومسلم، توفي في ثاني ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاثمئة، عاش تسعًا وثمانين سنة. انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 365 ترجمة 214)، والتقييد لمعرفة رواة السنن والأسانيد (ص11 ترجمة 13).

([26]) هو: محمد ابن المحدث أبي يعقوب إسحاق ابن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يحيى بن مندة، واسم مندة: إبراهيم بن الوليد بن سندة بن بطة بن أستندار بن جهار بخت، وقيل: إن اسم أستندار هذا فيرزان، العبدي، الأصبهاني، الحافظ، صاحب التصانيف، مولده في سنة عشر وثلاثمئة، أو إحدى عشرة، قال الذهبي: ولم أعلم أحدًا كان أوسع رحلة منه، ولا أكثر حديثًا منه، مع الحفظ والثقة، فبلغنا أن عدة شيوخه ألف وسبع مئة شيخ. مات في سلخ ذي القعدة سنة خمس وتسعين وثلاث مئة، عاش أربعًا وثمانين سنةً. انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 28 ترجمة 13)، والتقييد لمعرفة رواة السنن والأسانيد (ص14 ترجمة 16).

([27]) أخرجه مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره (2708)، من حديث خولة بنت حكيم السلمية.وفي الباب عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص.

([28]) هو: عبد الله بن حسين بن مرعي بن ناصر الدين، أبو البركات، الدوري، السويدي، فقيه، متأدب، من أعيان العراق، وهو أول من عرف بالسويدي من هذا البيت، ولد في كرخ بغداد عام أربع ومئة وألف، وتوفي يوم السبت حادي عشر من شوال سنة أربع وسبعين ومئة وألف، من مصنفاته: "شرح صحيح البخاري"، "الجمانة في الاستعارات"، "أنفع الوسائل". انظر: الأعلام للزركلي (4/ 80).

([29]) هو: الصحابي الجليل جرير بن عبد الله بن جابر وهو الشليل بن مالك بن نضر بن ثعلبة بن جشم بن عوف بن حزيمة بن حرب بن علي بن مالك بن سعد بن نذير بن قسر بن عبقر بن أنمار بن إراش، البجلي، يكنى: أبا عمرو، وقيل: يكنى أبا عبد الله، اختلف في وقت إسلامه، كان جميلاً، قال عنه عمر -رضي الله عنه: هو يوسف هذه الأمة. وقدمه عمر في حروب العراق على جميع بجيلة، ثم سكن الكوفة وأرسله علي رسولاً إلى معاوية، ثم اعتزل الفريقين وسكن قرقيسيا حتى مات سنة إحدى، وقيل: أربع وخمسين. انظر: أسد الغابة (1/ 333 ترجمة 730)، والإصابة (1/ 475 ترجمة 1138).

([30]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب حرق الدور والنخيل (3020، 3076، 3823، 4355، 4356، 4357، 6333)، مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه (2476) من حديث جرير بن عبد الله.

([31]) هو: جهم بن صفوان، أبو محرز، الراسبي مولاهم، السمرقندي، المتكلم، الضال، المبتدع، رأس الجهمية، هلك في زمان صغار التابعين، زرع شرًّا عظيمًا، وظهرت بدعته بترمذ، وكان ينكر الصفات، ويقول بخلق القرآن، قتله سالم بن أحوز المازني سنة ثمان وعشرين ومئة، وقيل بعد ذلك، وكان قد ترك الصلاة أربعين يومًا فأنكر عليه الوالي، فقال: إذا ثبت عندي من أعبده صليتُ له؛ فضرب عنقه. انظر: سير أعلام النبلاء (6/ 26 ترجمة 8)، والوافي بالوفيات (11/ 160 ترجمة 2947).

([32]) الشافعي في الأم (1/277، 278).

([33]) الأعراف: 59.

([34]) الأعراف: 65.

([35]) الأعراف: 73.

([36]) الأعراف: 85.

([37]) النحل: 36.

([38]) الأنبياء: 25.

([39]) الأعراف: 65.

([40]) الأعراف: 70.

([41]) الصافات: 35 - 36.

([42]) سبق تخريجه.

([43]) الشعراء: 23.

([44]) الإسراء: 102.

([45]) المائدة: 75.

([46]) هو: إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن درع، القرشي، البصري، ثم الدمشقي، الشافعي، أبو الفداء، عماد الدين، الحافظ، المؤرخ، الفقيه، ولد في قرية من أعمال بصرى الشام سنة إحدى وسبع مئة، وتوفي بدمشق سنة أربع وسبعين وسبع مئة، له العديد من التصانيف؛ منها: "البداية والنهاية"، و"التفسير"، وغيرها من المصنفات. انظر: ذيل تذكرة الحفاظ (1/ 38)، وطبقات المفسرين (1/260 ترجمة 313).

([47]) ابن كثير في تفسيره (3/159).

([48]) الإسراء: 102.

([49]) النمل: 14.

([50]) الزخرف: 49.

([51]) النمل: 49.

([52]) النحل: 36.

([53]) الأنبياء: 25.

([54]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (17225)، أبو داود: كتاب العلم، باب رواية حديث أهل الكتاب (3644)، من حديث أبي نملة الأنصاري به، صححه الألباني في السلسة الصحيحة (2800). وأصله في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة.

([55]) هو: الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن على بن محمد بن أحمد بن راشد، التميمي، الحنبلي، النجدي، المصلح الكبير، ولد ونشأ وتعلم في بلدة العيينة، ورحل في طلب العلم إلى نواحي نجد ومكة، حتى صار عالما، أنكر المنكر، وقمع الله به البدع، اتحد مع آل سعود في توحيد الجزيرة العربية، وتوحيد الرب تعالى حتى أيدهما الله. له "كتاب التوحيد"، و"الأصول الثلاثة"، وغيرهما كثير. ولد سنة خمس عشرة بعد المئة والألف، وتوفي سنة ست ومئتين بعد الألف. انظر: إسلامية لا وهابية للدكتور/ ناصر بن عبد الكريم العقل (ص: 23)، والأعلام للزركلي (6/ 257).

([56]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء باب قول الله ﴿واذكر في الكتاب مريم...﴾(3442)، مسلم: كتاب الفضائل، باب فضائل عيسى عليه السلام (2365)، واللفظ له، من حديث أبي هريرة.

([57]) الأنعام: 146.

([58]) الأنعام: 146.

([59]) الأعراف: 157.

([60]) آل عمران: 50.

([61]) هو: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز، شمس الدين، أبو عبد الله، الزرعي، ثم الدمشقي، الفقيه، الأصولي، المفسر، النحوي، العارف، ابن قيم الجوزية، تفقه في المذهب الحنبلي، وبرع وأفتى، ولازم شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وكان ذا عبادة وتهجد، وطول صلاة، ولهج بالذكر، له تواليف حسان؛ منها: "زاد المعاد"، و"بدائع الفوائد". ولد سنة إحدى وتسعين وست مئة، وتوفي سنة إحدى وخمسين وسبع مئة. انظر: البداية والنهاية (18/ 523 - دار هجر)، والذيل على طبقات الحنابلة (5/ 170 ترجمة 600).

([62]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (15360، 15363، 15364، 15367)، من حديث عبد الرحمن بن أبزى، صححه الألباني في السلسة الصحيحة (2989). وفي الباب من حديث أبي بن كعب.

([63]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى﴿إنا أرسلنا نوحا إلى قومه..﴾ (3340، 4712)، مسلم:كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة (194) من حديث أبي هريرة به.

([64]) هو: عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن باز، الشيخ العلامة، الداعية، الفقيه، الزاهد، ولد في الثاني عشر من ذي الحجة سنة ثلاثين وثلاث مئة وألف بمدينة الرياض، وكان بصيرًا ثم أصابه مرض الجدري المنتشر في تلك الفترة، وضعف بصره، ثم فقده عام خمسين وثلاث مئة وألف، حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ، ثم جد في طلب العلم على العلماء في الرياض، ولما برز في العلوم الشرعية واللغة؛ عُين في القضاء، وشغل الإفتاء إلى أن مات -رحمه الله- قبيل فجر الخميس في السابع والعشرين من المحرم سنة عشرين وأربع مئة وألف. من مؤلفاته: "الفوائد الجلية في المباحث الفرضية"، و"التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة والزيارة"، وغيرها كثير. انظر: علماء ومفكرون عرفتهم لمحمد المجذوب (1/ 77)، وله ترجمة موعبة في موقعه على الشبكة العنكبوتية.

([65]) المائدة: 77.

([66]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (3248)، النسائي: كتاب مناسك الحج، باب التقاط الحصى (3057)، ابن ماجه: كتاب المناسك، باب قدر حصى الرمي (3029)، من حديث ابن عباس، قال الألباني في صحيح النسائي: صحيح.

([67]) صحيح: أخرج الطبري في تفسيره (4048)، البزار في مسنده (4815)، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3289).

([68]) نوح: 23.

([69]) هو: عطاء بن أبي رباح، واسمه أسلم، الإمام، شيخ الإسلام، مفتي الحرم، أبو محمد، القرشي مولاهم، المكي، يقال: ولاؤه لبني جمح، ثقة، كثير الإرسال، نشأ بمكة، وولد في أثناء خلافة عثمان، قال ابن حجر في التقريب: ثقة فقيه فاضل، لكنه كثير الإرسال. توفي سنة أربع عشرة ومئة. انظر: تهذيب الكمال (20/ 69 ترجمة 3933)، وسير أعلام النبلاء (5/ 78 ترجمة 29).

([70]) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب ﴿ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق﴾(4920).

([71]) هو: عطاء بن أبي مسلم، الخراساني، أبو أيوب، ويقال: أبو عثمان، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو صالح، البلخي، نزيل الشام، مولى الملهب بن أبي صفرة، الأزدي، اسم أبيه عبد الله، ويقال: ميسرة، المحدث، الواعظ، نزيل دمشق والقدس، ولد سنة خمسين، أرسل عن: أبي الدرداء، وابن عباس، والمغيرة بن شعبة وطائفة، وروى عن: ابن المسيب، وعروة، وعطاء بن أبي رباح، وعدة، روى عنه: معمر، وشعبة، وسفيان، ومالك، وحماد بن سلمة، وعدد كثير، قال ابن حجر في التقريب: صدوق يهم كثيرًا، ويُرسل ويُدَلِّس، من الخامسة،... لم يصح أن البخاري أخرج له. توفي بأريحا ودفن ببيت المقدس سنة خمس وثلاثين ومئة. انظر: سير أعلام النبلاء (6/ 140 ترجمة 52)، وتهذيب التهذيب (7/ 190 ترجمة 395).

([72]) هو: أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن حجر، شهاب الدين، أبو الفضل، الكناني، العسقلاني، الشافعي، قاضي القضاة، حافظ زمانه، نشأ يتيمًا، وأكمل حفظ القرآن في التاسعة من عمره، وصلى التراويح بالناس في الحرم المكي وله اثنا عشر عامًا، رحل حبًّا في العلم وتطلُّبًا للشيوخ، له مؤلفات حسان؛ أهمها: "فتح الباري"، و"لسان الميزان"، و"الدرر الكامنة". ولد سنة ثلاث وسبعين وسبع مئة، وتوفي سنة اثنتين وخمسين وثمان مئة. انظر: الضوء اللامع (2/ 36 ترجمة 104)، وحسن المحاضرة (1/ 363 ترجمة 102)، وله ترجمة موعبة في الجواهر والدرر لتلميذه السخاوي.

([73]) هو: تقي الدين، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن تيميَّة، الحرَّاني، ثم الدمشقي، الحنبلي، الإمام الفقيه، المجتهد، المحدث، الحافظ، المفسر، الأصولي، الزاهد. برع في العلوم الإسلامية والآلية، وقمع الله به أهل الضلال، ونصر به أهل السنة. ولد سنة إحدى وستين وست مئة، وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبع مئة. وله من المؤلفات: "الواسطية"، و"منهاج السنة". انظر: الذيل على طبقات الحنابلة (4/ 491 ترجمة 531)، والوافي بالوفيات (7/ 10 ترجمة 619).

([74]) أخرجه الخلال في السنة (558)، أبو نعيم في الحلية (7/27)، الخطيب في تاريخ بغداد (4/29)، ابن عساكر في تاريخ دمشق (39/506)، عن محمد بن عبيد، وسفيان الثوري

([75]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب التيمم باب وقول الله تعالى﴿ ولم تجدوا ماء..﴾(335، 438)، واللفظ له، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة (521)، من حديث جابر بن عبد الله.

([76]) الأعراف: 65.

([77]) الأعراف: 73.

([78]) الأعراف: 85.

([79]) الأعراف: 158.

([80]) سبأ: 28.

([81]) هو: الصحابي الجليل خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كعب، سيف الله تعالى، وفارس الإسلام، وليث المشاهد، السيد الإمام الأمير الكبير، قائد المجاهدين، أبو سليمان، القرشي، المخزومي، المكي، وابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، هاجر مسلمًا في صفر سنة ثمان، ثم سار غازيًا، سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- سيف الله، فقال: «إن خالدًا سيف سله الله على المشركين». شهد الفتح وحنينًا، وتأمَّر في أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- واحتبس أدراعه ولأمته في سبيل الله، وحارب أهل الردة، ومسيلمة، وغزا العراق، وشهد حروب الشام، ولم يبق في جسده قيد شبر إلا وعليه طابع الشهداء، وقتل جماعة من الأبطال، ومات على فراشه، فلا قرت أعين الجبناء. توفي بحمص سنة إحدى وعشرين، وهو ابن ستين سنة. انظر: الاستيعاب (ص197 ترجمة 610)، والإصابة (2/ 251 ترجمة 2203).

([82]) أخرجه الطبري في تفسيره (21/294)، ابن أبي حاتم في تفسيره (18394).

([83]) هو: الصحابي صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو سفيان، القرشي، الأموي، مشهور باسمه وكنيته، وكان يكنى أيضًا: أبا حنظلة، وأمه صفية بنت حزن الهلالية عمة ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان أسن من النبي -صلى الله عليه وسلم- بعشر سنين، وقيل غير ذلك، أسلم عام الفتح، وشهد حنينًا والطائف، يقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- استعمله على نجران؛ ولا يثبت، تزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته أم حبيبة قبل أن يُسلم، أهدى إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- تمر عجوة، أصيبت عينه يوم الطائف فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هذه عيني أصيبت في سبيل الله. قال: إن شئتَ دعوتُ فردَّتْ عليك، وإن شئتَ فالجنة. قال: الجنة، مات لست خلون من خلافة عثمان. وقيل: لتسع خلون. وقيل: في آخر خلافة عثمان. وقيل: مات سنة أربع وثلاثين. وقيل: مات سنة إحدى. وقيل: اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان. وقيل: مات سنة أربع وثلاثين. قيل: عاش ثلاثًا وتسعين سنة. وقيل: وهو ابن ثمان وثمانين. وقيل غير ذلك. انظر: أسد الغابة (2/ 392 ترجمة 2484)، والإصابة (3/ 412 ترجمة 4050).

([84]) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب (3039، 4043) من حديث البراء بن عازب.

([85]) هو: الصحابي الجليل جرير بن عبد الله بن جابر وهو الشليل بن مالك بن نضر بن ثعلبة بن جشم بن عوف بن حزيمة بن حرب بن علي بن مالك بن سعد بن نذير بن قسر بن عبقر بن أنمار بن إراش، البجلي، يكنى: أبا عمرو، وقيل: يكنى أبا عبد الله، اختلف في وقت إسلامه، كان جميلاً، قال عنه عمر -رضي الله عنه: هو يوسف هذه الأمة. وقدمه عمر في حروب العراق على جميع بجيلة، ثم سكن الكوفة وأرسله علي رسولاً إلى معاوية، ثم اعتزل الفريقين وسكن قرقيسيا حتى مات سنة إحدى، وقيل: أربع وخمسين. انظر: أسد الغابة (1/ 333 ترجمة 730)، والإصابة (1/ 475 ترجمة 1138).

([86]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب حرق الدور والنخيل (3020، 3076، 3823، 4355، 4356، 4357، 6333)، مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنه (2476) من حديث جرير بن عبد الله.

([87]) أخرجه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذي الخلصة (2907) من حديث عائشة به.

([88]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الفتن، باب تغيير الزمان حتى نعبد الأوثان (7116)، مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذي الخلصة (2906) من حديث أبي هريرة به.

([89]) هو: محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، من آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، العلامة، الفقيه، الأصولي، المحدث، المفسر، مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها في حياته، ولد في مدينة الرياض في السابع عشر من شهر محرم سنة ألف وثلاث مئة وإحدى عشرة، طرأ عليه العمى وهو في الرابعة عشرة من عمره، قرأ على عدد من علماء الوقت إذ ذاك، ولم يزل مجدًّا في طلب العلم إلى أن توفي عمه الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف سنة 1339هـ فعينه الملك عبد العزيز آل سعود خلفًا لعمه في الفتيا وإمامة المسجد -بحي دخنة- والتدريس، وفي عام 1373هـ أنشئت دار الإفتاء والإشراف على الشؤون الدينية تحت رئاسة سماحته، ثم صار رئيس قضاة المملكة العربية السعودية عامة، توفي ظهر يوم الأربعاء في الرابع والعشرين من شهر رمضان سنة ألف وثلاث مئة وتسع وثمانين عن عمر بلغ ثمان وسبعين سنة وثمانية شهور وثمانية أيام. انظر: الأعلام للزركلي (5/ 306)، ومشاهير علماء نجد وغيرهم (ص133).

([90]) هو: عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل ابن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود، من آل مقرن، من ربيعة بن مانع، من ذهل بن شيبان. ملك المملكة العربية السعودية الأول، ومنشئها، وأحد رجالات الدهر. ولد عام ثلاثة وتسعين ومئتين وألف في الرياض، ودولة آبائه في ضعف وانحلال، شن الغارات على آل رشيد وأنصارهم، قضى على دولة الهاشميين في الحجاز، وأصبحت مكة عاصمة آل سعود. ونودي به ملكًا على الحجاز ونجد. فاض البترول في بلاده، وكانت فقيرةً، فانتعشت واتجهت إلى العمران، وحل الأمن محل الخوف في الصحاري والحواضر، كان موفَّقًا، ملهمًا، محبوبًا، عمَّر ما بينه وبين ربه، وما بينه وبين شعبه، شجاعًا، بطلاً، انتهى به عهد الفروسية في شبه الجزيرة، كريمًا لا يجارى، خطيبًا، لا يبرم أمرًا قبل إعمال الروية فيه، يستشير، ويُناقش، ويكره الملق والرياء، توفي بالطائف عام ثلاثة وسبعين وثلاث مئة وألف، ودفن في الرياض. انظر: الأعلام (4/ 19)، والوجيز في سيرة الملك عبد العزيز، كلاهما للزركلي.

([91]) أخرجه مسلم: كتاب الإمارة، باب قول النبي صلى اله عليه وسلم لا تزال طائفة.. (1924) من حديث عبد الله بن عمرو به.

([92]) أخرجه مسلم: كتاب الفت وأشراط الساعة، باب في خروج الدجال ومكثه في الأرض.... (2940) من حديث عبد الله بن عمرو به.

([93]) أخرجه أحمد في المسند (6555).

([94]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام (2236)، مسلم: كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام (1581) من حديث جابر بن عبد الله به.

([95]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف ليلا (2032، 2042، 6697)، مسلم: كتاب الأيمان، باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا أسلم (1656)، من حديث ابن عمر به.

([96]) هو: الصحابي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، القرشي، الأسدي، ابن أخي خديجة بنت خويلد، وابن عم الزبير بن العوام، ولد في الكعبة، وهو من مسلمة الفتح، وكان من أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام، وكان من المؤلفة قلوبهم، أعطاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين مئة بعير، ثم حسن إسلامه، وعاش مئة وعشرين سنة؛ ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام، قال البخاري في التاريخ: مات سنة ستين. انظر: الاستيعاب (ص156 ترجمة 488)، والإصابة (2/ 112 ترجمة 1802).

([97]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب من تصدق في الشرك ثم أسلم (1436)، مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان حكم الكافر إذا أسلم بعده..(123)، واللفظ له، من حديث حكيم بن حزام.

([98]) العنكبوت: 65.

([99]) الأنعام: 41.

([100]) عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، القرشي، المخزومي، كان فارسًا مشهورًا، وكان كأبيه من أشد الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم أسلم عام الفتح، قام إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما جاء مسلمًا فاعتنقه وقال: «مرحبًا بالراكب المهاجر». قال يوم أسلم: "يا رسول الله، لا أدع مالاً أنفقتُ عليك إلا أنفقتُ في سبيل الله مثله". خرج إلى قتال أهل الردة، ووجهه أبو بكر الصديق إلى جيش عمان فظهر عليهم، ثم خرج إلى اليمن، ثم رجع فخرج إلى الجهاد عام استشهد، استعمله النبي -صلى الله عليه وسلم- عام حجَّ على صدقات هوازن، قتل -رضي الله عنه- بأجنادين ولم يعقب، وقيل: يوم اليرموك. وقيل: يوم الصفر. انظر: أسد الغابة (3/ 567 ترجمة 3735)، الإصابة (4/ 538 ترجمة 5642).

([101]) صحيح: أخرجه النسائي: كتاب تحريم الدم، باب الحكم في المرتد (4067)، من حديث سعد بن أبي وقاص بنحوه، قال الألباني في صحيح النسائي: صحيح.

([102]) البقرة: 186.

([103]) غافر: 60.

([104]) حسن: أخرجه الترمذي: كتاب الدعوات، (3373)، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء (3827)، من حديث أبي هريرة، قال الألباني في صحيح الترمذي: حسن.

([105]) الزمر: 3.

([106]) هو: الشيخ الإمام، العلامة، القدوة، الحافظ، شيخ الإسلام، محيي السنة، أبو محمد، الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء، البغوي، الشافعي، المفسر، يلقب بمحيي السنة وبركن الدين، وكان سيدًا إمامًا، عالمًا علامة، زاهدًا قانعًا باليسير. وكان أبوه يعمل الفراء ويبيعها. بورك له في تصانيفه، ورزق فيها القبول التام؛ لحسن قصده، وصدق نيته، وتنافس العلماء في تحصيلها، وكان لا يلقي الدرس إلا على طهارة، وكان مقتصدًا في لباسه، من تواليفه الحسان: "شرح السنة"، و"معالم التنزيل". توفي سنة ست عشرة وخمس مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 439 ترجمة 258)، وطبقات الشافعية الكبرى (7/ 75 ترجمة 767).

([107])تفسير البغوي (7/107، 108).

([108]) آل عمران: 16.

([109]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي (2215، 2272،2333، 3465، 5974)، مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح... (2743)، من حديث ابن عمر.

([110]) الزمر: 3.

([111]) يونس: 18.

([112]) النحل: 123.

([113]) سبق تخريجه.

([114]) هو: الصحابي الجليل معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج، أبو عبد الرحمن، الأنصاري، الخزرجي، ثم الجشمي، أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار، وآخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين عبد الله بن مسعود، توفي في طاعون عَمَوَاس سنة ثماني عشرة. انظر: الاستيعاب (ص650 ترجمة 2270)، وأسد الغابة (5/ 187 ترجمة 4960).

([115]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب اسم الفرس والحمار (2856، 5967، 6267، 6500، 7373)، مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة (30).

([116]) الأنبياء: 20.

([117]) التحريم: 6.

([118])أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها (1185)، من حديث ابن عباس.

([119]) هو: الصحابي الجليل جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة، أبو عبد الله، وأبو عبد الرحمن، الأنصاري، الخزرجي، السلمي، المدني، الفقيه، الإمام الكبير، المجتهد، الحافظ، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان مفتي المدينة في زمانه، شهد ليلة العقبة مع والده، وأطاع أباه يوم أحد، وقعد لأجل أخواته، ثم شهد الخندق وبيعة الشجرة، وقد ورد أنه شهد بدرًا، شاخ، وذهب بصره، وقارب التسعين، توفي بالمدينة سنة أربع وتسعين، وقيل: سنة سبع وتسعين. انظر: الاستيعاب (ص114 ترجمة 296)، وأسد الغابة (1/ 492 ترجمة 647).

([120]) أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1218).

([121]) يونس: 31.

([122]) المؤمنون: 84 - 89.

([123]) المؤمنون: 84.

([124]) المؤمنون: 86.

([125]) المؤمنون: 88.

([126]) يونس: 31.

([127]) المؤمنون: 89.

([128]) الصافات: 155.

([129]) المؤمنون: 87.

([130]) العنكبوت: 61.

([131]) الزخرف: 9.

([132]) العنكبوت: 63.

([133]) الزخرف: 87.

([134]) يوسف: 106.

([135]) هو: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير، الإمام العلم المحتهد، عالم العصر، أبو جعفر الطبري، صاحب التصانيف البديعة، من أهل آمل طبرستان، مولده سنة أربع وعشرين ومئتين، وطلب العلم بعد الأربعين ومئتين، وأكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الدهر علمًا، وذكاءً، وكثرة تصانيف. قلَّ أن ترى العيون مثله. كان ثقة، صادقًا، حافظًا، رأسًا في التفسير، إمامًا في الفقه والإجماع والاختلاف، علامة في التاريخ وأيام الناس، عارفًا بالقراءات وباللغة، وغير ذلك. وكان ممن لا تأخذه في الله لومة لائمٍ، مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات من جاهل، وحاسد، وملحد، فأما أهل الدين والعلم فغير منكرين علمه، وزهده في الدنيا، ورفضه لها، وقناعته. له مؤلفات جياد؛ منها: "جامع البيان"، و"تهذيب الآثار". مات سنة عشر وثلاث مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 267 ترجمة 175)، ووفيات الأعيان (4/ 191 ترجمة 570).

([136]) هو: قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز، وقيل: قتادة بن دعامة بن عكابة، حافظ العصر، قدوة المفسرين والمحدثين، أبو الخطاب، السدوسي، البصري، الضرير، الأكمه، وسدوس: هو ابن شيبان بن ذهل بن ثعلبة من بكر بن وائل. كان من أوعية العلم، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ. كان يقول: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئًا، وعنه قال: ما سمعت شيئًا إلا وحفظته. قال ابن حجر في التقريب: ثقة ثبت. مات سنة سبع عشرة ومئة. انظر: تهذيب الكمال (23/ 498 ترجمة 4848)، وسير أعلام النبلاء (5/ 269 ترجمة 132).

([137]) هو: مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المكي، الأسود، مولى السائب ابن أبي السائب المخزومي، الإمام، شيخ القراء والمفسرين. روى عن: ابن عباس فأكثر وأطاب، وعنه أخذ القرآن، والتفسير، والفقه. كان يقول: "عرضت القرآن ثلاث عرضات على ابن عباس، أقفه عند كل آية، أسأله: فيم نزلت؟ وكيف كانت؟". وكان من أعلم التابعين بالتفسير. قال ابن حجر في التقريب: ثقة إمام في التفسير. توفي سنة ثلاث ومئة وقد نيف على الثمانين. انظر: تهذيب الكمال (27/ 228 ترجمة 5783)، وسير أعلام النبلاء (4/ 449 ترجمة 175).

([138]) هو: جابر بن زيد، الأزدي، اليحمدي، مولاهم، البصري، الخوفي، أبو الشعثاء. والخوف ناحية من عمان. كان عالم أهل البصرة في زمانه، ويعد من كبار تلامذة ابن عباس. كان يقول: لو ابتليت بالقضاء لركبت راحلتي وهربت. قال ابن حجر في التقريب: ثقة فقيه. توفي سنة ثلاث وتسعين. انظر: تهذيب الكمال (4/ 434 ترجمة 866)، وسير أعلام النبلاء (4/ 481 ترجمة 184).

([139]) أخرجه الطبري في تفسيره (16/286-289) عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وعكرمة، وعطاء، وعامر، والضحاك، وابن زيد.

([140]) أخرجه الطبري في تفسيره (16/286) عن ابن عباس به.

([141]) أخرجه الطبري في تفسيره (16/288) عن ابن عباس به.

([142]) المائدة: 17.

([143]) التوبة: 31.

([144]) التوبة: 31.

([145]) البينة: 1.

([146]) الزخرف: 87.

([147]) ص: 5.

([148]) سبأ: 40 - 41.

([149]) المائدة: 116.

([150]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله ﴿واذكر في الكتاب مريم...﴾(3445، 6830)، واللفظ له، مسلم: كتاب الحدود، باب رجم الثيب في الزنى (1691) من حديث عمر بن الخطاب به.

([151]) آل عمران: 80.

([152]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (10987)، الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة بني إسرائيل (3148، 3615)، قال الترمذي: حسن، ابن ماجه: كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة (4308)، قال الألباني في صحيح الترمذي: صحيح. وفي الباب من حديث ابن عباس، أنس وغيرهما.

([153]) الإسراء: 1.

([154]) الزمر: 36.

([155]) الجن: 19.

([156]) هو: الصحابي الجليل أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، الإمام، المفتي، المقرئ، المحدث، راوية الإسلام، أبو حمزة، الأنصاري، الخزرجي، النجاري، المدني، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقرابته من النساء، وتلميذه، وتبعه، وآخر أصحابه موتًا، وروى عنه علمًا جمًّا، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة، دعا له النبي بالبركة، فرأى من ولَده وولَدِ ولَدِه نحوًا من مئة نَفْسٍ. مات سنة إحدى وتسعين. انظر: الاستيعاب (ص53 ترجمة 43)، والإصابة (1/ 126 ترجمة 277).

([157]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (12551، 13529)، صححه الألباني في السلسة الصحيحة (1572).

([158]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (7358)، من حديث أبي هريرة، صححه الألباني في الثمر المستطاب (360). وأصل الحديث متفق عليه.

([159]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة (436، 3454، 4444، 5816)، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور... (531).

([160]) الإسراء: 56- 57.

([161]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب قوله ﴿ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة...﴾(4714، 4715)، مسلم: كتاب التفسير، باب في قوله تعالى ﴿أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة...﴾(3030).

([162]) الإسراء: 57.

([163]) النجم: 19.

([164]) الرسالة (ص8-13) بمعناه.

([165]) الإسراء: 62.

([166]) أخرجه مسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه... (2812)، من حديث جابر بن عبد الله به.

([167]) سبق تخريجه.

([168]) سبق تخريجه.

([169]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (22395، 22452)، أبو داود: كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن ودلائلها (4252)، الترمذي: كتاب الفتن، باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون (2219)، قال الترمذي: حسن صحيح، ابن ماجه: كتاب الفتن، باب ما يكون في الفتن (3952)، من حديث ثوبان، قال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح.

([170]) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله (3017،6922).

([171]) حسن: أخرجه أبو طاهر المخلص-كما في فتح الباري (12/270)، قال ابن حجر في الفتح : إسناده حسن.

([172]) سبق تخريجه.

([173]) هو: الصحابي ثوبان بن بُجْدُد، أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن، مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان من السبي، فاشتراه رسول الله وأعتقه. فلم يزل معه حضرًا وسفرًا، إلى أن مات -عليه السلام- حفظ عنه، وأدى ما وعى. توفي سنة أربع وخمسين -رضي الله عنه. انظر: الاستيعاب (ص108 ترجمة 286)، والأسد (1/ 480 ترجمة 624).

([174]) سبق تخريجه.

([175]) صحيح: أخرجه أبو داود: كتاب الأدب، باب في اللعب بالبنات (4932)، قال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح.

([176]) هو: زهير بن أبي سلمى -واسمه ربيعة- ابن رياح بن قرة بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن ثور بن هرمة بن الأصم بن عثمان بن عمرو بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار، وهو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء، وهما: امرؤ القيس، والنابغة الذبياني، عاصر الحروب التي نشبت بين عبس وذبيان، وقد أسهمت عشيرة أخواله في تلك الحروب وصليت نارها. وكان شاعرًا مجيدًا، وسيدًا شريفًا ثريًّا. لم يدرك الإسلام على الصحيح، وابنه هو الصحابي الجليل كعب بن زهير. انظر: الأغاني (10/ 288) ط: دار الكتب، وطبقات فحول الشعراء (1/ 63).

([177]) يس: 60.

([178]) هو: الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، الأموي، الدمشقي، أبو العباس، منشئ مسجد بني أمية، من ملوك الدولة الأموية في الشام، ولي بعد وفاة أبيه سنة ست وثمانين، وامتدت في زمنه حدود الدولة الإسلامية إلى بلاد الهند، فتركستان، فأطراف الصين شرقًا. مات في جمادى الآخرة سنة ست وتسعين، وله إحدى وخمسون سنة. ومدة خلافته تسع سنين وثمانية أشهر. انظر: تاريخ الطبري (6/ 495)، وسير أعلام النبلاء (4/ 347 ترجمة 120).

([179]) هو خبيب بن عبد الله بن الزبير بن العوام، القرشي، الأسدي، المدني، روى عن: أبيه وعائشة وكعب الأحبار، وعنه: ابنه الزبير والزهري وسليمان بن عطاء وغيرهم، كان أسن ولد عبد الله، وكان من أهل العلم والنسك، عالمًا بقريش، طويل الصلاة، قليل الكلام، وكان الوليد بن عبد الملك قد كتب إلى عمر بن عبد العزيز -إذ كان واليًا له على المدينة- يأمره بجلده مئة سوطٍ وبحبسه، فجلده عمر مئة سوطٍ، وبرَّد له ماء في جرة ثم صبَّها عليه في غداة باردة؛ فكز فمات فيها، وكان عمر قد أخرجه من السجن حين اشتد وجعه وندم على ما صنع، واستعفى من المدينة، وامتنع من الولاية، قال ابن حجر في التقريب: ثقة عابد من الثالثة. مات سنة 93هـ. انظر: تهذيب الكمال (8/ 223 ترجمة 1677)، وتهذيب التهذيب (3/ 116 ترجمة 257).

([180]) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته (4441)، واللفظ له، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد على القبور... (531) من حديث عائشة به.

([181]) أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم (1392، 3700).

([182]) هو: الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن على بن محمد بن أحمد بن راشد، التميمي، الحنبلي، النجدي، المصلح الكبير، ولد ونشأ وتعلم في بلدة العيينة، ورحل في طلب العلم إلى نواحي نجد ومكة، حتى صار عالمًا، أنكر المنكر، وقمع الله به البدع، اتحد مع آل سعود في توحيد الجزيرة العربية، وتوحيد الرب تعالى حتى أيدهما الله، له "كتاب التوحيد"، و"الأصول الثلاثة" وغيرهما كثير. ولد سنة خمس عشرة بعد المئة والألف، وتوفي سنة ست ومئتين بعد الألف. انظر: إسلامية لا وهابية للدكتور/ ناصر بن عبد الكريم العقل (ص23)، والأعلام للزركلي (6/ 257).

([183]) الجن: 18.

([184]) هو: عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم بن فهد بن حمد بن جبرين، من آل رشيد، وهم فخذ من عطية بن زيد، ولد سنة 1352هـ في إحدى قرى القويعية، ونشأ في بلدة الرين، أتقن القرآن وسنه اثنا عشر عاما، قرأ على أبيه ثم على الشيخ عبد العزيز بن محمد الشتري المعروف بأبي حبيب، حصل على شهادة الثانوية من معهد إمام الدعوة العلمي عام 1377هـ، ومنح الشهادة الجامعية عام 1381هـ، ومنح شهادة الماجستير عام 1390هـ بتقدير جيد جدًّا، وحصل على شهادة الدكتوراه من كلية الشريعة بالرياض في عام 1407هـ بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وأثناء هذه المدة وقبلها كان يقرأ على أكابر العلماء، دَرَّس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة، ثم عُيِّن مدرسًا في معهد إمام الدعوة في شعبان عام 1381هـ إلى عام 1395هـ، ثم في عام 1402هـ انتقل إلى رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد باسم عضو إفتاء، من مؤلفاته: البحث المقدم لنيل درجة الماجستير في عام 1390هـ بعنوان (أخبار الآحاد في الحديث النبوي)، و(التعليقات على متن اللمعة)، وبحث (التدخين مادته وحكمه في الإسلام)، توفى يوم الإثنين الموافق 20/ 7/ 1430هـ الساعة الثانية ظهرًا في مستشفى الملك "فيصل" التخصصي بالرياض بعد معاناة طويلة مع المرض. له -رحمه الله- ترجمة مفصلة في موقعه الرسمي على الشبكة العنكبوتية.

([185]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم (100)، مسلم: كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن...(2673)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.

([186]) الجن: 18.

([187]) الجن: 18.

([188]) الجن: 18.

([189]) الإخلاص: 4.

([190]) الرعد: 14.

([191]) أخرجه الطبري في تفسيره (20282)

([192]) أخرجه الطبري في تفسيره (20280، 20281، 20284).

([193]) هو: قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز، وقيل: قتادة بن دعامة بن عكابة، حافظ العصر، قدوة المفسرين والمحدثين، أبو الخطاب، السدوسي، البصري، الضرير، الأكمه، وسدوس: هو ابن شيبان بن ذهل بن ثعلبة من بكر بن وائل. كان من أوعية العلم، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ. كان يقول: ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئًا، وعنه قال: ما سمعت شيئًا إلا وحفظته. قال ابن حجر في التقريب: ثقة ثبت. مات سنة سبع عشرة ومئة. انظر: تهذيب الكمال (23/ 498 ترجمة 4848)، وسير أعلام النبلاء (5/ 269 ترجمة 132).

([194]) أخرجه الطبري في تفسيره (20283)

([195]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (18352، 18386، 18391، 18432، 18436)، أبو داود: كتاب الصلاة، باب الدعاء (1479)، الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة (2969، 3247، 3372)، قال الترمذي: حسن صحيح، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء (3828)، من حديث النعمان بن بشير، قال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح.

([196]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (18774)، أبو داود: كتاب الحج، باب من لم يدرك عرفة (1949)، الترمذي: كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج (889)، النسائي: كتاب مناسك الحج، باب فرض الوقوف بعرفة (3016، 3044)، ابن ماجه: كتاب مناسك، باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع (3015)، من حديث عبد الرحمن بن يعمر به، قال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح.

([197]) هو: الصحابي الجليل أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، الإمام، المفتي، المقرئ، المحدث، راوية الإسلام، أبو حمزة، الأنصاري، الخزرجي، النجاري، المدني، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقرابته من النساء، وتلميذه، وتبعه، وآخر أصحابه موتًا، وروى عنه علمًا جمًّا، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة، دعا له النبي بالبركة، فرأى من ولَده وولَدِ ولَدِه نحوًا من مئة نَفْسٍ. مات سنة إحدى وتسعين. انظر: الاستيعاب (ص53 ترجمة 43)، والإصابة (1/ 126 ترجمة 277).

([198]) أخرجه الطبري في تفسيره (21/408).

([199]) الشعراء: 80.

([200]) مريم: 48 - 49.

([201]) هو: حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر، النجدي التميمي من أهل العُيَيْنَة، نزح منها واستوطن مدينة الدرعية وقرأ فيها على شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وغيره، جلس للتدريس بمدينة الدرعية، وفي سنة ألف ومئتين وإحدى عشرة بعثه الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود على رأس ركب من العلماء لمناظرة علماء مكة، فناظرهم وظهر عليهم بالحجة فسلموا له وأذعنوا، ولاه الإمام سعود بن عبد العزيز قضاء الدرعية من جملة قضاتها الكثيرين، وبعثه بعدما استولى على الحجاز سنة 1220هـ إلى مكة عند الشريف غالب مشرفًا على أحكام قضاة مكة المكرمة، فأقام بمكة نحو أربع سنوات، ثم توفي بها -رحمه الله- سنة ألف ومئتين وخمس وعشرين من الهجرة، في أول شهر ذي الحجة. انظر: الأعلام للزركلي (2/ 273)، ومشاهير علماء نجد (2/ 156).

([202]) أخرجه مسلم: كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله (1978)، من حديث علي بن ابي طالب به.

([203]) هو: أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر، الحسيني، أبو العباس، البدوي، المتصوف، صاحب الشهرة في الديار المصرية، أصله من المغرب، ولد بزقاق الحجر ببلدة فاس سنة 596هـ، وطاف البلاد وأقام بمكة والمدينة، ودخل مصر في أيام الملك الظاهر بيبرس، فخرج لاستقباله هو وعسكره، عظم شأنه في بلاد مصر فانتسب إلى طريقته جمهور كبير بينهم الملك الظاهر، توفي في 12 ربيع الأول سنة 675هـ ودفن في طنطا حيث تقام في كل عام سوق عظيمة يفد إليها الناس من جميع أنحاء القطر المصري احتفاءًا بمولده. انظر: الأعلام للزركلي (1/ 175)، وحياة السيد البدوي للسيد أحمد طعيمة.

([204]) هو: محيي الدين، أبو محمد، عبد القادر ابن أبي صالح عبد الله ابن جنكي دوست الجيلي، الحنبلي، شيخ بغداد، مولده بجيلان سنة إحدى وسبعين وأربع مئة، قدم بغداد شابًّا، فتفقه على أبي سعد المخرمي، كان فقيهًا، صالحًا، دينًا، خيرًا، كثير الذكر، دائم الفكر، سريع الدمعة. قال الذهبي: الشيخ عبد القادر كبير الشان، وعليه مآخذ في بعض أقاويله ودعاويه، والله الموعد، وبعض ذلك مكذوب عليه. من مصنفاته: "الغنية لطالب طريق الحق"، و"الفتح الرباني". توفي عاشر ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمس مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (20/ 439 ترجمة 286)، والذيل على طبقات الحنابلة (2/ 187 ترجمة 144).

([205]) الكوثر: 2.

([206]) الأنعام: 162.

([207]) هو: محمد بن سعيد بن حماد بن محسن بن عبد الله، الصنهاجي، البوصيري، المصري، شرف الدين، أبو عبد الله، شاعر، حسن الديباجة، مليح المعاني، نسبته إلى بوصير من أعمال بني سويف بمصر، أمه منها، وأصله من المغرب من قلعة حماد من قبيلة يعرفون ببني حبنون، ومولده في بهشيم من أعمال البهنساوية سنة 608هـ، ووفاته بالإسكندرية سنة 696هـ، له (ديوان شعر)، وأشهر شعره البردة، شرحها وعارضها كثيرون. انظر: الأعلام للزركلي (6/ 139)، وفوات الوفيات (3/ 362 ترجمة 456).

([208]) القصص: 15.

([209]) البقرة: 256.

([210]) الزخرف: 26 - 27.

([211]) الحج: 62.

([212]) الزخرف: 87.

([213]) العنكبوت: 61.

([214]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (16023، 19004)، الحاكم في المستدرك (1/61)، من حديث ربيعة بن عباد الدؤلي به، صححه الألباني في صحيح السنة النبوية (ص:143)، وفي الباب من حديث طارق المحاربي وغيره.

([215]) ص: 5.

([216]) ص: 5.

([217]) ضعيف: أخرجه أحمد في المسند (2008)، الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سوة ص (3232)، قال الترمذي: حسن صحيح، من حديث ابن عباس به، قال الألباني في ضعيف الترمذي: ضعيف.

([218]) الصافات: 35 - 36.

([219]) الأعراف: 65.

([220]) الأعراف: 70.

([221]) الممتحنة: 4.

([222]) الزخرف: 26.

([223]) البقرة: 256.

([224]) الأعراف: 70.

([225]) الزخرف: 87.

([226]) هو: محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين، فخر الدين، أبو عبد الله، الرازي، القرشي، البكري، الأصولي، المفسر، كبير الأذكياء والحكماء والمصنفين، ولد سنة أربع وأربعين وخمس مئة. اشتغل على أبيه الإمام ضياء الدين خطيب الري، وانتشرت تواليفه في البلاد شرقًا وغربًا، وكان يتوقد ذكاء، من أهم مصنفاته: "مفاتيح الغيب"، و"المحصول". مات بهراة يوم عيد الفطر سنة ست وست مئة، وله بضع وستون سنة. انظر: سير أعلام النبلاء (21/ 500 ترجمة 261)، وطبقات الشافعية الكبرى (8/ 81 ترجمة 1089).

([227]) البقرة: 163.

([228]) تفسير مفاتيح الغيب (4/157)

([229]) النساء: 48.

([230]) يونس: 58.

([231]) يونس: 58.

([232]) البخاري: كتاب الإيمان (1/18).

([233]) هو: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز، شمس الدين، أبو عبد الله، الزرعي، ثم الدمشقي، الفقيه، الأصولي، المفسر، النحوي، العارف، ابن قيم الجوزية، تفقه في المذهب الحنبلي، وبرع وأفتى، ولازم شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وكان ذا عبادة وتهجد، وطول صلاة، ولهج بالذكر، له تواليف حسان؛ منها: "زاد المعاد"، و"بدائع الفوائد". ولد سنة إحدى وتسعين وست مئة، وتوفي سنة إحدى وخمسين وسبع مئة. انظر: البداية والنهاية (18/ 523 - دار هجر)، والذيل على طبقات الحنابلة (5/ 170 ترجمة 600).

([234]) التوبة: 74.

([235]) النحل: 106.

([236]) متفق عليه: أخرجه اتلبخاري: كتاب الدعوات، باب التوبة (6309)، مسلم: كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها (2747)، واللفظ له، من حديث أنس.

([237]) صحيح: أخرجه ابن ماجه: كتاب الفتن، باب ذهاب القرآن والعلم (4049)، من حديث حذيفة به، قال الألباني في صحيح ابن ماجه: صحيح.

([238]) هو: صلة بن زفر، العبسي، الكوفي، أبو العلاء، ويقال: أبو بكر، تابعي كبير، ثقة، فاضل، مخرج له في الكتب كلها، يروي عن: حذيفة بن اليمان، وعلي، وابن مسعود، وعمار، حدث عنه: شتير بن شكل، وأبو إسحاق، وأيوب السختياني، وإبراهيم النخعي، مات في ولاية مصعب بن الزبير، قال ابن حجر في التقريب: تابعي كبير من الثانية ثقة جليل مات في حدود السبعين. انظر: تهذيب الكمال (13/ 233 ترجمة 2902)، وسير أعلام النبلاء (4/ 517 ترجمة 210).

([239]) هو: الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان بن جابر، العبسي، من نجباء أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو صاحب السر، واسم اليمان: حِسْل -ويقال: حُسَيْل- ابن جابر العبسي، اليماني، أبو عبد الله، حليف الأنصار، من أعيان المهاجرين، وأمه الرباب بنت كعب بن عدي الأنصارية. توفي سنة ست وثلاثين بعد مقتل عثمان. انظر: الاستيعاب (ص138 ترجمة 390)، وأسد الغابة (1/ 706 ترجمة 1113)، والإصابة (2/44 ترجمة 1649).

([240]) سبق تخريجه.

([241]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب فضل من علم وعلم (79)، مسلم: كتاب الغضائل، باب بيان مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم (2282)، من حديث أبي موسى الأشعري.

([242]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (7358)، من حديث أبي هريرة، صححه الألباني في الثمر المستطاب (360). وأصل الحديث متفق عليه.

([243]) هو: الصحابي زيد بن الخطاب بن نفيل العدوي، أمه أسماء بنت وهب من بني أسد، وكان أسنَّ من عمر، وأسلم قبله، وشهد بدرًا والمشاهد، واستشهد باليمامة، وكانت راية المسلمين معه سنة اثنتي عشرة في خلافة أبي بكر، وحزن عليه عمر حزنًا شديدًا، ولما قُتل قال عمر: سبقني إلى الحُسنيين؛ أسلم قبلي واستشهد قبلي. انظر: الاستيعاب (ص241 ترجمة 799)، والإصابة (2/ 604 ترجمة 2899).

([244]) الأعراف: 138.

([245]) الأنعام: 112.

([246]) الأنعام: 112.

([247]) العصر: 3.

([248]) غافر: 83.

([249]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (143، 310)، من حديث عمر بن الخطاب به، صححه الألباني في السلسة الصحيحة (1013).

([250]) التوبة: 34.

([251]) الأعراف: 16 - 17.

([252]) النساء: 76.

([253]) هو: تقي الدين، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن تيميَّة، الحرَّاني، ثم الدمشقي، الحنبلي، الإمام الفقيه، المجتهد، المحدث، الحافظ، المفسر، الأصولي، الزاهد. برع في العلوم الإسلامية والآلية، وقمع الله به أهل الضلال، ونصر به أهل السنة. ولد سنة إحدى وستين وست مئة، وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبع مئة. وله من المؤلفات: "الواسطية"، و"منهاج السنة". انظر: الذيل على طبقات الحنابلة (4/ 491 ترجمة 531)، والوافي بالوفيات (7/ 10 ترجمة 619).

([254]) هو: القاسم بن محمد بن خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة، الإمام، القدوة، الحافظ، الحجة، عالم وقته بالمدينة مع سالم وعكرمة، أبو محمد، وأبو عبد الرحمن، القرشي، التيمي، البكري، المدني، قال ابن سعد: أمه أم ولد يُقال لها: سودة، وكان ثقة، عالمًا، رفيعًا، فقيهًا، إمامًا، ورعًا، كثير الحديث، قال ابن حجر في التقريب: ثقة أحد الفقهاء بالمدينة. مات سنة ثمان ومئة. انظر: تهذيب الكمال (23/ 427 ترجمة 4819)، وسير أعلام النبلاء (5/ 53 ترجمة 18).

([255]) هو: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، القرشي، الأموي، أبو حفص، المدني، ثم الدمشقي، أمير المؤمنين، الإمام العادل، والخليفة الصالح، وأمه أم عاصم حفصة، وقيل: ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. وَلِيَ الخلافة بعد ابن عمه سليمان بن عبد الملك بن مروان، وكان من أئمة العدل، وأهل الدين والفضل، وكانت ولايته تسعة وعشرين شهرًا مثل ولاية أبي بكر الصديق. قال ابن حجر في التقريب: عُد مع الخلفاء الراشدين. ولد سنة ثلاث وستين، ومات يوم الجمعة لعشر بقين من رجب سنة إحدى ومئة. انظر: تهذيب الكمال (21/ 432 ترجمة 4277)، وسير أعلام النبلاء (5/ 114 ترجمة 48).

([256]) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (84).

([257]) هو: سفيان بن سعيد بن مسروق، الثوري، أبو عبد الله، الكوفي، من ثور. إمام الحفاظ، وسيد العلماء العاملين في زمانه، ولد سنة سبع وتسعين. قال ابن حجر في التقريب: "ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، وكان ربما دلس". مات بالبصرة سنة إحدى وستين ومئة. انظر: تهذيب الكمال (11/ 154 ترجمة 2407)، وسير أعلام النبلاء (7/ 229 ترجمة 82).

([258]) هو: هبة الله بن الحسن بن منصور، أبو القاسم، الطبري، الرازي، الشافعي، اللالكائي، مفيد بغداد في وقته، برع في المذهب الحنبلي، روى عنه الخطيب البغدادي، صنف كتابًا في السنن، وكتابًا في معرفة أسماء من في الصحيحين، وكتابًا في شرح السنة، وغير ذلك، عاجلته المنية فلم يُنشر عنه كثير شيء من الحديث، توفي في شهر رمضان سنة ثمان عشرة وأربعمئة. انظر: تاريخ بغداد (14/ 70 ترجمة 7418)، وسير أعلام النبلاء (17/ 419 ترجمة 274).

([259]) هو: الإمام القدوة، العابد، الفقيه، المحدث، شيخ العراق، عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان، أبو عبد الله، العكبري، الحنبلي، ابن بطة، إمام لكنه ذو أوهام، لحق البغوي، وابن صاعد، كان أمَّارًا بالمعروف، ولم يبلغه خبر منكر إلا غيره، من تصانيفه: "الإبانة الكبرى"، و"الإبانة الصغرى"، مات سنة سبع وثمانين وثلاث مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 529 ترجمة 389)، وميزان الاعتدال (3/ 15 ترجمة 5394).

([260]) هو: عمرو بن عبيد بن باب، ويقال: ابن كيسان، الزاهد، العابد، القدري، كبير المعتزلة وأولهم، أبو عثمان، البصري، مولى بني تميم من أبناء فارس، له عن: أبي العالية، وأبي قلابة، والحسن البصري، وعنه: الحمادان، وابن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان، وغيرهم، ثم تركه القطان، قال ابن حجر في التقريب: كان داعية إلى بدعته اتهمه جماعة مع أنه كان عابدًا من السابعة. مات بطريق مكة سنة ثلاث، وقيل: سنة أربع وأربعين ومئة. انظر: تهذيب الكمال (22/ 123 ترجمة 4406)، وسير أعلام النبلاء (6/ 104 ترجمة 27).

([261]) أخرجه اللالكائي في أعتقاد أهل السنة (1376)، الإبانة لابن بطة (1914).

([262]) أخرجه اللالكائي في أعتقاد أهل السنة (1340).

([263]) هو: عمر بن علي بن مرشد بن علي، شرف الدين، ابن الفارض، الحموي، ثم المصري، شاعر متصوف، صاحب الاتحاد الذي قد ملا به التائية، ولد سنة ست وسبعين وخمس مئة، توفي في جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وست مئة، وله ست وخمسون سنة، روى عن القاسم بن عساكر، حدث عنه المنذري، انظر: سير أعلام النبلاء (22/ 368 ترجمة 232)، والأعلام للزركلي (5/ 55).

([264]) هو: محمد بن الحسين بن عبد الله، أبو بكر، البغدادي، الآجري، الإمام، المحدث، القدوة، شيخ الحرم الشريف، صاحب التصانيف الحسان؛ منها: "الشريعة"، و"الأربعين". توفي سنة ستين وثلاث مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 133 ترجمة 92)، والوافي بالوفيات (2/ 267 ترجمة 847).

([265]) هو: الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن على بن محمد بن أحمد بن راشد، التميمي، الحنبلي، النجدي، المصلح الكبير، ولد ونشأ وتعلم في بلدة العيينة، ورحل في طلب العلم إلى نواحي نجد ومكة، حتى صار عالما، أنكر المنكر، وقمع الله به البدع، اتحد مع آل سعود في توحيد الجزيرة العربية، وتوحيد الرب تعالى حتى أيدهما الله. له "كتاب التوحيد"، و"الأصول الثلاثة"، وغيرهما كثير. ولد سنة خمس عشرة بعد المئة والألف، وتوفي سنة ست ومئتين بعد الألف. انظر: إسلامية لا وهابية للدكتور/ ناصر بن عبد الكريم العقل (ص: 23)، والأعلام للزركلي (6/ 257).

([266]) الصافات: 173.

([267]) هو: الصحابي الجليل كعب بن مالك بن القين عمرو، أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: كانت كنيته في الجاهلية أبا بشير، الأنصاري، الخزرجي، العقبي، الأحدي. شاعر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه، وأحد الثلاثة الذين خلفوا، فتاب الله عليهم. شهد العقبة، وآخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين الزبير. أمه ليلى بنت زيد بن ثعلبة. عَمِيَ وذهب بصره في آخر حياته، توفي سنة ثلاث وخمسين في زمن معاوية. انظر الاستيعاب (ص625 ترجمة 2170)، وأسد الغابة (4/ 461 ترجمة 4484).

([268]) أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (3/75 ترجمة 1029).

([269]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (71، 3116، 3641، 7312، 7460)، مسلم: كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة (156)، من حديث معاوية، وفي الباب من حديث جابر بن عبد الله، ثوبانوغيرهما.

([270]) هو: رأس المتكلمين بالبصرة في زمانه، أبو محمد، عبد الله بن سعيد بن كلاب، القطان، البصري، صاحب التصانيف في الرد على المعتزلة، وربما وافقهم، أخذ عنه الكلام داودُ الظاهري، وكان يُلَقَّب كلابًا؛ لأنه كان يجر الخصم إلى نفسه ببيانه وبلاغته، وأصحابه هم الكلابية، لحق بعضهم أبو الحسن الأشعري، وكان يرد على الجهمية، صنف في التوحيد، وإثبات الصفات، وأن علو الباري على خلقه معلوم بالفطرة والعقل على وفق النص، من مصنفاته: كتاب "الصفات"، و"خلق الأفعال". كان حيًّا قبل الأربعين ومئتين. انظر: سير أعلام النبلاء (11/ 174 ترجمة 76)، وطبقات الشافعية الكبرى (2/ 299 ترجمة 65).

([271]) هو: الحارث بن أسد، المحاسبي، أبو عبد الله، الزاهد، البغدادي، شيخ الصوفية، أحد الأئمة المشهورين، قال الحافظ أبو بكر الخطيب: كان عالمًا فهمًا وله مصنفات في أصول الديانات وكتب في الزهد. وله كتب في الرد على المعتزلة والرافضة، أخذ عنه الجنيد، قال ابن حجر في التقريب: مقبول من الحادية عشرة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئتين. انظر: تهذيب الكمال (5/ 208 ترجمة 1007)، وسير أعلام النبلاء (12/ 110 ترجمة 35).

([272]) النحل: 89.

([273]) الفرقان: 33.

([274]) هو: عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار -وذو كبار: قيل من أقيال اليمن- الإمام، علامة العصر، أبو عمرو، الهمداني، ثم الشعبي، ولد لست سنين خلت من خلافة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على المشهور. رأى عليًّا -رضي الله عنه- وصلى خلفه، وسمع من عدة من كبراء الصحابة. قال ابن حجر في التقريب: ثقة مشهور فقيه فاضل. مات سنة أربع ومئة. انظر: تهذيب الكمال (14/ 28 ترجمة 3042)، وسير أعلام النبلاء (4/ 294 ترجمة 113).

([275]) أخرجه الخلال في السنة (914).

([276]) هو: تقي الدين، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن تيميَّة، الحرَّاني، ثم الدمشقي، الحنبلي، الإمام الفقيه، المجتهد، المحدث، الحافظ، المفسر، الأصولي، الزاهد. برع في العلوم الإسلامية والآلية، وقمع الله به أهل الضلال، ونصر به أهل السنة. ولد سنة إحدى وستين وست مئة، وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبع مئة. وله من المؤلفات: "الواسطية"، و"منهاج السنة". انظر: الذيل على طبقات الحنابلة (4/ 491 ترجمة 531)، والوافي بالوفيات (7/ 10 ترجمة 619).

([277]) آل عمران: 155.

([278]) أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي (3698،4066).

([279]) آل عمران: 7.

([280]) هو: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير، الإمام العلم المحتهد، عالم العصر، أبو جعفر الطبري، صاحب التصانيف البديعة، من أهل آمل طبرستان. مولده سنة أربع وعشرين ومئتين، وطلب العلم بعد الأربعين ومئتين، وأكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الدهر علما، وذكاء، وكثرة تصانيف. منها: "جامع البيان"، و"تهذيب الآثار". مات سنة عشر وثلاث مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (14/267 ترجمة 175)، ووفيات الأعيان (4/ 191 ترجمة 570).

([281]) هو: محمد بن على بن محمد بن عبد الله، الشوكاني، ثم الصنعاني، الإمام الفقيه، الأصولي. ولد سنة ثلاث وسبعين، انتقل والده إلى صنعاء واستوطنها، وقرأ القرآن، وحفظ المتون المختصرات، وأتقن الحديث وعلومه، وكان كثير الاشتغال بكتب التواريخ والأدب، من مصنفاته: "نيل الأوطار"، و"السيل الجرار". توفي سنة خمسين ومئتين وألف. انظر : البدر الطالع (2/214) الأعلام للزركلي (6/298).

([282])) هو: إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن درع، القرشي، البصري، ثم الدمشقي، الشافعي، أبو الفداء عماد الدين، الحافظ المؤرخ الفقيه. ولد في قرية من أعمال بصرى الشام، سنة إحدى وسبع مئة، وتوفي بدمشق سنة أربع وسبعين وسبع مئة. له العديد من التصانيف؛ منها: "البداية والنهاية"، و"التفسير"، وغيرها من المصنفات. انظر: ذيل تذكرة الحفاظ (1/ 38)، طبقات المفسرين (1/260 ترجمة 313).

([283]) هو: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر آل سعدي من قبيلة تميم، ولد في القصيم في الثاني عشر من محرم عام سبعة وثلاث مئة وألف، نشأ يتيمًا، وقرأ القرآن وأتقنه وعمره أحد عشر عامًا، ثم اشتغل في التعلم على علماء بلده، فجد حتى نال الحظ الأوفر من كل فن من فنون العلم، من تلاميذه الشيخ محمد بن صالح العثيمين. له مؤلفات حسان؛ منها: "تيسير الكريم الرحمن"، و"القواعد الحسان لتفسير القرآن". توفي سنة ست وسبعين وثلاث مئة وألف. انظر: الشيخ عبدالرحمن السعدي حياته وعلمه، رسالة ماجستير لعبد العزيز العمار.

([284]) هو: الإمام محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار، ويقال: ابن كوثان، المدني، أبو بكر، ويقال: أبو عبد الله القرشي المطلبي. مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، وكان جده يسار من سبي عين التمر، قال علي بن المديني: مدار حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ستة، فذكرهم، ثم قال: فصار علم الستة عند اثني عشر؛ أحدهم محمد بن إسحاق، وكان أولَ من جمع مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم. مات سنة خمسين مئة، وقيل: سنة إحدى، وقيل: اثنتين، وقيل: ثلاث وخمسين. قال ابن حجر في التقريب: صدوق، يدلس، ورُمي بالتشيع والقدر. انظر: تهذيب الكمال (24/ 405 ترجمة 5057)، وسير أعلام النبلاء (7/ 33 ترجمة 15).

([285]) انظر الطبري في تفسيره (6/187).

([286]) الأنعام: 3.

([287]) الزخرف: 84.

([288]) الملك: 16.

([289]) النحل: 50.

([290]) المعارج: 4.

([291]) فاطر: 10.

([292]) أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1218) من حديث جابر بن عبد الله بنحوه.

([293]) أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب تحريم الكلام في الصلاة.... (537) من حديث معاوية بن الحكم السلمي.

([294]) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم (7423) من حديث أبي هريرة به.

([295]) الأنعام: 3.

([296]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب منه آيات محكمات... (4547)، مسلم: كتاب العلم، باب النهي عن اتباع متشابه القرآن والتحذير... (2665) من حديث عائشة به.

([297]) يونس: 62.

([298]) يونس: 18.

([299]) فصلت: 35.

([300]) يونس: 62.

([301]) هو: محيي الدين، أبو محمد، عبد القادر ابن أبي صالح عبد الله ابن جنكي دوست الجيلي، الحنبلي، شيخ بغداد، مولده بجيلان سنة إحدى وسبعين وأربع مئة، قدم بغداد شابًّا، فتفقه على أبي سعد المخرمي، كان فقيهًا، صالحًا، دينًا، خيرًا، كثير الذكر، دائم الفكر، سريع الدمعة. قال الذهبي: الشيخ عبد القادر كبير الشان، وعليه مآخذ في بعض أقاويله ودعاويه، والله الموعد، وبعض ذلك مكذوب عليه. من مصنفاته: "الغنية لطالب طريق الحق"، و"الفتح الرباني". توفي عاشر ربيع الآخر سنة إحدى وستين وخمس مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (20/ 439 ترجمة 286)، والذيل على طبقات الحنابلة (2/ 187 ترجمة 144).

([302]) هو: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز، شمس الدين، أبو عبد الله، الزرعي، ثم الدمشقي، الفقيه، الأصولي، المفسر، النحوي، العارف، ابن قيم الجوزية، تفقه في المذهب الحنبلي، وبرع وأفتى، ولازم شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وكان ذا عبادة وتهجد، وطول صلاة، ولهج بالذكر، له تواليف حسان؛ منها: "زاد المعاد"، و"بدائع الفوائد". ولد سنة إحدى وتسعين وست مئة، وتوفي سنة إحدى وخمسين وسبع مئة. انظر: البداية والنهاية (18/ 523)، والذيل على طبقات الحنابلة (5/ 170 ترجمة 600).

([303]) هو: محمد بن نصر، أبو عبد الله المروزي الفقيه، صاحب التصانيف الكثيرة، والكتب الجمة. ولد سنة اثنتين ومئتين ببغداد ونشأ بنيسابور. كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام. كان من أحسن الناس خلقا، كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، وعلى خديه كالورد، ولحيته بيضاء. له كتاب: "تعظيم قدر الصلاة"، وكتاب: "رفع اليدين"، وغيرهما من الكتب المعجزة. مات سنة أربع وتسعين ومئتين. انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 33 ترجمة 13)، وطبقات الشيرازي (ص106).

([304]) أخرجه أحمد في المسند (3121)، الخطيب في الفقيه والمتفقه (373، 374).

([305]) هو: الشيخ الإمام، العلامة، القدوة، الحافظ، شيخ الإسلام، محيي السنة، أبو محمد، الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء، البغوي، الشافعي، المفسر، يلقب بمحيي السنة وبركن الدين، وكان سيدًا إمامًا، عالمًا علامة، زاهدًا قانعًا باليسير، وكان أبوه يعمل الفراء ويبيعها. بورك له في تصانيفه، ورزق فيها القبول التام، وكان لا يلقي الدرس إلا على طهارة. من تواليفه الحسان: "شرح السنة"، و"معالم التنزيل". توفي سنة ست عشرة وخمس مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 439 ترجمة 258)، وطبقات الشافعية الكبرى (7/ 75 ترجمة 767).

([306]) هو منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر بن أحمد بن عبد الجبار بن الفضل بن الربيع بن مسلم بن عبد الله، التميمي، السمعاني، المروزي، الحنفي، ثم الشافعي، الزاهد، الورع، المفسر، من العلماء بالحديث، من أهل مرو مولدًا ووفاةً، كان مفتى خراسان، ولد في ذي الحجة سنة ست وعشرين وأربع مئة، من مصنفاته: "تفسير السمعاني"، و"المنهاج لأهل السنة"، و"الانتصار لأصحاب الحديث" توفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربع مئة، عاش ثلاثًا وستين سنة. انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 115 ترجمة 62)، وطبقات الشافعية الكبرى (5/ 335 ترجمة 546).

([307]) هو: محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين، فخر الدين، أبو عبد الله، الرازي، القرشي، البكري، الأصولي، المفسر، كبير الأذكياء، والحكماء والمصنفين، ولد سنة أربع وأربعين وخمس مئة. اشتغل على أبيه الإمام ضياء الدين خطيب الري، وانتشرت تواليفه في البلاد شرقًا وغربًا، وكان يتوقد ذكاء، من أهم مصنفاته: "مفاتيح الغيب"، و"المحصول". مات بهراة يوم عيد الفطر سنة ست وست مئة، وله بضع وستون سنة. انظر: سير أعلام النبلاء (21/ 500 ترجمة 261)، وطبقات الشافعية الكبرى (8/ 81 ترجمة 1089).

([308]) الإسراء: 57.

([309]) المائدة: 75 - 76.

([310]) سبأ: 40 - 41.

([311]) المائدة: 116.

([312]) نوح: 23.

([313]) انظر تفسير البغوي (8/232-233).

([314]) هو: عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن البيضاوي، الفارسي، ثم البغدادي، الحنفي، البيضاوي، الإمام، القاضي، أبو الفتح، أخو قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي لأمه، سمع: أبا جعفر بن المسلمة، وأبا الغنائم بن المأمون، وأبا محمد الصريفيني، وطائفة. وعنه: السمعاني، وابن عساكر، وابن الجوزي، والكندي، وآخرون، مولده سنة تسع وخمسين وأربع مئة، توفي في نصف جمادى الأولى ببغداد سنة سبع وثلاثين وخمس مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (20/ 182 ترجمة 117)، وطبقات الشافعية الكبرى (7/ 132 ترجمة 832).

([315]) انظر تفسير البيضاوي (ص 395).

([316]) هو: أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن حجر، شهاب الدين، أبو الفضل، الكناني، العسقلاني، الشافعي، قاضي القضاة، حافظ زمانه، نشأ يتيمًا، وأكمل حفظ القرآن في التاسعة من عمره، وصلى التراويح بالناس في الحرم المكي وله اثنا عشر عامًا، رحل حبًّا في العلم وتطلبًا للشيوخ، من أبرز شيوخه: ابن الملقن، والسراج البلقيني، وأبو الحسن الهيثمي. من أبرز تلاميذه: السخاوي، وابن قاضي شهبة، وابن تغري بردي. له مؤلفات حسان؛ أهمها: "فتح الباري"، و"لسان الميزان"، و"الدرر الكامنة". ولد سنة ثلاث وسبعين وسبع مئة، وتوفي سنة ثنتين وخمسين وثمان مئة. انظر: الضوء اللامع (2/ 36 ترجمة 104)، وحسن المحاضرة (1/ 363 ترجمة 102)، وله ترجمة موعبة في الجواهر والدرر لتلميذه السخاوي.

([317]) انظر فتح الباري لابن حجر (1/524).

([318]) هو: عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن خليل بن نصر بن الخضر بن الهمام، أبو الفضل، جلال الدين، السيوطي. ولد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمان مئة. أصله من أسيوط، ونشأ بالقاهرة. شافعيًّا، كان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه والفقه واللغة. ومؤلفاته بلغت المئات؛ منها: "همع الهوامع"، و"الأشباه والنظائر" في فروع الشافعية، و"تدريب الراوي". مات سنة إحدى عشرة وتسع مئة. انظر: حسن المحاضرة له (1/ 335 ترجمة 77)، والبدر الطالع (ص367 ترجمة 229).

([319]) السيوطي في الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (ص12).

([320]) هو: عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عثمان، الشيخ، الإمام، المفنن، شهاب الدين، المقدسي، الدمشقي، أبو شامة، كان فوق حاجبه الأيسر شامة كبيرة فلهذا قيل له: أبو شامة، ولد سنة تسع وتسعين وخمس مئة، عني بالحديث، وبرع في فنون العلم، وقيل: بلغ رتبة الاجتهاد، وولي مشيخة دار الحديث الأشرفية ومشيخة الإقراء، واختصر تاريخ الحافظ ابن عساكر، وصنف كتاب "الروضتين"، ومن محاسنه كتاب "البسملة الأكبر"، وكتاب "البسملة الأصغر"، توفي في تاسع عشر رمضان من السنة. انظر: معرفة القراء الكبار (2/ 673 ترجمة 641)، طبقات الشافعية الكبرى (8/ 163 ترجمة 1161).

([321]) انظر الباعث على إنكار البدع (ص25، 26).

([322]) هو: يحيى بن شرف بن مُرِّي بن حسن ين حسين، أبو زكريا، الحزامي، النووي، الشافعي، الدمشقي، الحافظ، الزاهد، أحد أعلام الشافعية، ولد في المحرم سنة إحدى وثلاثين وست مئة، صرف أوقاته في العلم والعمل به، وتبحر في الحديث والفقه واللغة، كان في لحيته شعرات بيض، وكان عليه سكينة ووقار في البحث مع الفقهاء، له مؤلفات جياد أثنى عليها الموافق والمخالف؛ منها: "المجموع"، و"روضة الطالبين". توفي ليلة الأربعاء الرابع والعشرين من رجب سنة ست وسبعين وست مئة. انظر: "تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين" لابن العطار.

([323]) انظر شرح صحيح مسلم للنووي (5/13).

([324]) هو: عبد الله بن حسين بن مرعي بن ناصر الدين، أبو البركات، الدوري، السويدي، فقيه، متأدب، من أعيان العراق، وهو أول من عرف بالسويدي من هذا البيت، ولد في كرخ بغداد عام أربع ومئة وألف، وتوفي يوم السبت حادي عشر من شوال سنة أربع وسبعين ومئة وألف، من مصنفاته: "شرح صحيح البخاري"، "الجمانة في الاستعارات"، "أنفع الوسائل". انظر: الأعلام للزركلي (4/ 80).

([325]) الزمر: 3.

([326]) يونس: 18.

([327]) يونس: 31.

([328]) يونس: 31.

([329]) الزمر: 3.

([330]) تفسير ابن كثير (7/85).

([331]) هو: أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد بن أبى الحسن بن عبد الصمد بن تميم، التقي، أبو العباس، الحسيني، العبيدي، البعلي الأصل، القاهري، المقريزي، مؤرخ الديار المصرية، أصله من بعلبك، ونسبته إلى حارة المقارزة من حارات بعلبك في أيامه، ولد سنة ست وستين وسبع مئة بالقاهرة، ونشأ ومات بها، وولي فيها الحسبة والخطابة والإمامة مرات، واتصل بالملك الظاهر برقوق، فدخل دمشق مع ولده الناصر سنة 810 هـ، وعُرض عليه قضاؤها فأبى، وعاد إلى مصر، من تآليفه: "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" ويعرف بخطط المقريزي، و"السلوك في معرفة دول الملوك"، و"اتعاظ الحنفاء في أخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء"، مات سنة خمس وأربعين وثمان مئة. انظر: شذرات الذهب (7/ 254)، الأعلام للزركلي (1/ 177).

([332]) تفسير مفاتيح الغيب (17/228).

([333]) هو: زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا، أبو يحيى، الزين، الأنصاري، السنبكي، القاهري، الأزهري، الشافعي، القاضي، ولد في سنة ست وعشرين وثمان مئة بسنيكة من الشرقية، ولد سنة ثلاث وعشرين وثمان مئة، تحول إلى القاهرة فقطن الأزهر وأكمل دراسته، كف بصره، نشأ فقيرًا معدمًا، كان يجوع في الجامع، فيخرج بالليل يلتقط قشور البطيخ، فيغسلها ويأكلها، ولما ظهر فضله تتابعت إليه الهدايا والعطايا، ولاه السلطان قايتباي الجركسي قضاء القضاة، ثم عزله السلطان، توفي سنة ست وثلاثين وتسع مئة، له تصانيف كثيره منها: "فتح الرحمن" في التفسير، و"تحفة الباري على صحيح البخاري"، و"فتح الجليل". انظر: شذرات الذهب (8/ 133)، والأعلام للزركلي (3/ 46).

([334]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (18352، 18386، 18391، 18432، 18436)، أبو داود: كتاب الصلاة، باب الدعاء (1479)، الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة (2969، 3247، 3372)، قال الترمذي: حسن صحيح، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب فضل الدعاء (3828)، من حديث النعمان بن بشير، قال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح.

([335]) هو: الصحابي الجليل أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار. الإمام، المفتي، المقرئ، المحدث، راوية الإسلام، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقرابته من النساء، وتلميذه، وتبعه، وآخر أصحابه موتا، وروى عنه علما جما، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة. دعا له النبي بالبركة، فرأى من ولَده وولَدِ ولَدِه نحوا من مئة نفْس. مات سنة إحدى وتسعين. انظر: الاستيعاب (ص53 ترجمة 43)، والإصابة (1/ 126 ترجمة 277).

([336]) أخرجه الطبري في تفسيره (21/408).

([337]) مريم: 48.

([338]) مريم: 49.

([339]) الأعراف: 55.

([340]) هو: محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر، أبو بكر، النيسابوري، الشافعي، السلمي، الحافظ، الحجة، الفقيه، صاحب التصانيف، ولد سنة ثلاث وعشرين ومئتين، وعني في حداثته بالحديث والفقه حتى صار يُضرب به المثل في سعة العلم والإتقان، سمع من إسحاق بن راهويه وغيره، وحدث عنه البخاري ومسلم -في غير الصحيحين- وغيرهما، توفي في ثاني ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاثمئة، عاش تسعًا وثمانين سنة. انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 365 ترجمة 214)، والتقييد لمعرفة رواة السنن والأسانيد (ص11 ترجمة 13).

([341]) الرعد: 16.

([342]) هو: أبو سعيد، عثمان بن سعيد بن خالد، السجستاني، الحافظ، الإمام، الحجة، صاحب التصانيف، ولد قبل المئتين بيسير، أكثر من الترحال والتطواف في طلب الحديث، أخذ علم الحديث وعلله، وفاق أهل زمانه، وكان لهجًا بالسنة، بصيرًا بالمناظرة، جذعًا في أعين المبتدعة. توفي -رحمه الله- سنة ثمانين ومئتين. له مصنفات؛ منها: "السنن"، و"الرد على المريسي"، وكتاب "الرد على الجهمية". انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 319 ترجمة 148)، وتذكرة الحفاظ (2/ 621 ترجمة 648).

([343]) انظر نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي....(2/713).

([344]) هو: حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب، أبو سليمان، البستي، الخطابي، الإمام، العلامة، الحافظ، اللغوي، صاحب التصانيف، ولد سنة بضع عشرة وثلاث مئة، عني بفن الحديث متنًا وإسنادًا، أخذ الفقه على مذهب الشافعي، وكان قد رحل في الحديث وقراءة العلوم، وطوَّف، من تصانيفه: "شرح السنن"، و"غريب الحديث"، و"شرح الأسماء الحسنى"، توفي ببست في شهر ربيع الآخر، سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة. انظر: التقييد (ص254 ترجمة 310)، وسير أعلام النبلاء (17/ 23 ترجمة 12).

([345]) هو: محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز، شمس الدين، أبو عبد الله، الذهبي، الإمام، المحدث، مؤرخ الإسلام، صاحب العبارة الرشيقة، والجملة الأنيقة، من شيوخه: ابن دقيق العيد، وابن تيمية. مولده في سنة ثلاث وسبعين وست مئة، ووفاته سنة ثمان وأربعين وسبع مئة، له مؤلفات حسان جياد؛ منها: "سير أعلام النبلاء"، و"معرفة القراء الكبار". انظر: طبقات الشافعية الكبرى (9/ 100 ترجمة 1306)، وانظر مقدمة الدكتور/ بشار للجزء الأول من كتابه السير.

([346]) هي: نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي، العلوية، الحسنية، صاحبة المشهد الكبير المعمول بين مصر والقاهرة، تحولت هي من المدينة إلى مصر مع زوجها الشريف إسحاق بن جعفر بن محمد الصادق -فيما قيل- ثم توفيت بمصر في شهر رمضان سنة ثمان ومئتين، وكانت من الصالحات، سمع عليها الشافعي وحملت جنازته يوم مات فصلت عليه. انظر: سير أعلام النبلاء (10/ 106 ترجمة 6)، وشذرات الذهب (2/ 20).

([347]) انظر سير أعلام النبلاء (10/106).

([348]) هو: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم، البصري، ثم البغدادي، ابن الباقلاني، أوحد المتكلمين، مقدم الأصوليين، صاحب التصانيف، ولد سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة، وكان يضرب المثل بفهمه وذكائه، كان ثقة إمامًا بارعًا، صنف في الرد على الرافضة، والمعتزلة، والخوارج، والجهمية، والكرامية، وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق، فإنه من نظرائه، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه، إليه انتهت رئاسة المالكية في وقته، وكان له بجامع البصرة حلقة عظيمة، قال أبو بكر الخطيب:كان ورده في كل ليلة عشرين ترويحة في الحضر والسفر، فإذا فرغ منها، كتب خمسًا وثلاثين ورقة من تصنيفه، مات يوم السبت لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربع مئة. انظر: تاريخ بغداد (5/ 379 ترجمة 2906)، سير أعلام النبلاء (17/ 190 ترجمة 110).

([349]) انظر سير أعلام النبلاء (10/106).

([350]) الكوثر: 2.

([351]) الزمر: 44.

([352]) البقرة: 255.

([353]) الأنبياء: 28.

([354]) آل عمران: 85.

([355]) الزمر: 44.

([356]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى ﴿إنا أرسلنا نوحا إلى قومه...﴾ (3340، 4712)، مسلم: كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (194) من حديث أبي هريرة، وفي الباب من حديث أنس.

([357]) البقرة: 255.

([358]) الأنبياء: 28.

([359]) أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار (6570).

([360]) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى ﴿واتخذ الله إبراهيم خليلا﴾ (3350) من حديث أبي هريرة به.

([361]) هو: الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن على بن محمد بن أحمد بن راشد، التميمي، الحنبلي، النجدي، المصلح الكبير، ولد ونشأ وتعلم في بلدة العيينة، ورحل في طلب العلم إلى نواحي نجد ومكة، حتى صار عالما، أنكر المنكر، وقمع الله به البدع، اتحد مع آل سعود في توحيد الجزيرة العربية، وتوحيد الرب تعالى حتى أيدهما الله. له "كتاب التوحيد"، و"الأصول الثلاثة"، وغيرهما كثير. ولد سنة خمس عشرة بعد المئة والألف، وتوفي سنة ست ومئتين بعد الألف. انظر: إسلامية لا وهابية للدكتور/ ناصر بن عبد الكريم العقل (ص: 23)، والأعلام للزركلي (6/ 257).

([362]) الجن: 18.

([363]) هو: الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي، صاحب التصانيف، ولد سنة أربع وثمانين وثلاث مئة في شعبان، ومات في عاشر جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وأربع مئة بنيسابور، ونقل في تابوت إلى بيهق مسيرة يومين. من تصانيفه: "السنن الكبرى"، و"الخلافيات". انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 163 ترجمة 86)، وطبقات الحفاظ (ص87).

([364]) يونس: 3.

([365]) البقرة: 255.

([366]) أحكام القرآن للشافعي (ص258).

([367]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى﴿إنا أرسلنا نوحا إلى قومه﴾ (3340، 4712)، مسلم: كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة في الجنة (194) من حديث أبي هريرة. وفي الباب من حديث أنس.

([368]) هو: الصحابي الجليل عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، القرشي، الهاشمي، أبو الفضل، المكي، عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان أسنَّ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسنتين أو ثلاث، وأمه أم ضرار نتيلة بنت جناب من النمر بن قاسط، شهد بدرًا مع المشركين، وكان خرج إليها مُكْرَهًا، وأُسِرَ يومئذ، ثم أسلم بعد ذلك. مات سنة ثلاث وثلاثين. انظر: الاستيعاب (ص556 ترجمة 1890)، وأسد الغابة (3/ 163 ترجمة 2799).

([369]) أخرجه البخاري: كتاب الجمعة، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا (1010، 3710) من حديث أنس بنحوه.

([370]) هو: محمد بن سعد بن منيع، أبو عبد الله، البغدادي، كاتب الواقدي، طلب العلم في صباه، ولحق الكبار، وكان من أوعية العلم، ولد بعد الستين ومئة، توفي ببغداد سنة ثلاثين ومئتين، وهو ابن اثنتين وستين سنة. قال ابن حجر في التقريب: صدوق فاضل. له: "الطبقات الكبير"، و"الطبقات الصغير"، وغير ذلك. انظر: سير أعلام النبلاء (10/ 664 ترجمة 242)، وميزان الاعتدال (3/ 560 ترجمة 7588).

([371]) انظر الطبقات الكبرى (3/310-316).

([372]) متفق عليه: أخرجه البخاري كتب تفسير القرآن، باب ﴿وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم....﴾ (4625، 4740، 6526)، مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة (2860) من حديث ابن عباس. وفي الباب من حديث أم سلمة، وعبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخدري، وأنس وغيرهم.

([373]) المائدة: 116.

([374]) المائدة: 117.

([375]) المائدة: 117.

([376]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب البيوع، باب قتل الخنزير (2222، 2476، 3448)، مسلم: كتاب الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا (155) من حديث أبي هريرة.

([377]) يوسف: 84.

([378]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضا (2661، 4141، 4690، 4750)، مسلم: كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف (2770) من حديث عائشة.

([379]) الجن: 18.

([380]) الإسراء: 57.

([381]) أخرجه البخاري: كتاب تفسير القرآن، باب ﴿قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا﴾ (4714، 4715).

([382]) المائدة: 72.

([383]) النساء: 48.

([384]) البقرة: 256.

([385]) الحج: 62.

([386]) هو: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز، شمس الدين، أبو عبد الله، الزرعي، ثم الدمشقي، الفقيه، الأصولي، المفسر، النحوي، العارف، ابن قيم، الجوزية. تفقه في المذهب الحنبلي، وبرع وأفتى، ولازم شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وكان ذا عبادة وتهجد، وطول صلاة، ولهج بالذكر، له تواليف حسان؛ منها: "زاد المعاد"، و"بدائع الفوائد". ولد سنة إحدى وتسعين وست مئة، وتوفي سنة إحدى وخمسين وسبع مئة. انظر: البداية والنهاية (18/ 523)، والذيل على طبقات الحنابلة (5/ 170 ترجمة 600).

([387]) ذكره ابن القيم في الجواب الكافي (ص152).

([388]) مدارج السالكين (1/343- 344).

([389]) هو: الأفضل محمد بن عبد الكريم بن أحمد، الشهرستاني، أبو الفتح، شيخ أهل الكلام والحكمة، وصاحب التصانيف، برع في الفقه على الإمام أحمد الخوافي الشافعي، صنف كتاب "نهاية الإقدام"، و"الملل والنحل"، وكان كثير المحفوظ، قوي الفهم، مليح الوعظ، ولد سنة سبع وستين وأربع مئة، ومات في شعبان سنة ثمان وأربعين وخمس مئة، وقيل: سنة تسع وأربعين وخمس مئة، قال ابن أرسلان في "تاريخ خوارزم": عالم كيس متفنن، ولولا ميله إلى أهل الإلحاد وتخبطه في الاعتقاد؛ لكان هو الإمام. انظر: سير أعلام النبلاء (20/ 286 ترجمة 194)، وشذرات الذهب (4/ 148).

([390]) الزمر: 3.

([391]) انظر الملل والنحل (2/258).

([392]) هو: الشيخ الإمام، العلامة، القدوة، الحافظ، شيخ الإسلام، محيي السنة، أبو محمد، الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء، البغوي، الشافعي، المفسر، يلقب بمحيي السنة وبركن الدين، وكان سيدًا إمامًا، عالمًا علامة، زاهدًا، وكان أبوه يعمل الفراء ويبيعها. بورك له في تصانيفه، ورزق فيها القبول التام؛ من تواليفه الحسان: "شرح السنة"، و"معالم التنزيل". توفي سنة ست عشرة وخمس مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 439 ترجمة 258)، وطبقات الشافعية الكبرى (7/ 75 ترجمة 767).

([393]) هو: محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين، فخر الدين، أبو عبد الله، الرازي، القرشي، البكري، الأصولي، المفسر، كبير الأذكياء، والحكماء والمصنفين، ولد سنة أربع وأربعين وخمس مئة. اشتغل على أبيه الإمام ضياء الدين خطيب الري، وانتشرت تواليفه في البلاد شرقًا وغربًا، وكان يتوقد ذكاء، من أهم مصنفاته: "مفاتيح الغيب"، و"المحصول". مات بهراة يوم عيد الفطر سنة ست وست مئة، وله بضع وستون سنة. انظر: سير أعلام النبلاء (21/ 500 ترجمة 261)، وطبقات الشافعية الكبرى (8/ 81 ترجمة 1089).

([394]) يونس: 31.

([395]) تفسير مفاتيح الغيب (17/247-248).

([396]) هو: تقي الدين، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن تيميَّة، الحرَّاني، ثم الدمشقي، الحنبلي، الإمام الفقيه، المجتهد، المحدث، الحافظ، المفسر، الأصولي، الزاهد. برع في العلوم الإسلامية والآلية، وقمع الله به أهل الضلال، ونصر به أهل السنة. ولد سنة إحدى وستين وست مئة، وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبع مئة. وله من المؤلفات: "الواسطية"، و"منهاج السنة". انظر: الذيل على طبقات الحنابلة (4/ 491 ترجمة 531)، والوافي بالوفيات (7/ 10 ترجمة 619).

([397]) آل عمران: 80.

([398]) آل عمران: 80.

([399]) هو: أحمد بن على بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد بن أبى الحسن بن عبد الصمد بن تميم، التقي، أبو العباس، الحسيني، العبيدي، البعلي الأصل، القاهري، المقريزي، مؤرخ الديار المصرية، أصله من بعلبك، ونسبته إلى حارة المقارزة من حارات بعلبك في أيامه، ولد سنة ست وستين وسبع مئة بالقاهرة، ونشأ ومات بها، وولي فيها الحسبة والخطابة والإمامة مرات، من تآليفه: "المواعظ والاعتبار" ويعرف بخطط المقريزي، و"السلوك"، و"اتعاظ الحنفاء"، مات سنة خمس وأربعين وثمان مئة. انظر: شذرات الذهب (7/ 254)، والأعلام للزركلي (1/ 177).

([400]) الأنعام: 1.

([401]) الشعراء: 97 - 98.

([402]) صحيح: أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة، باب الدعاء (1499)، النسائي: كتاب السهو، باب النهي عن الإشارة بأصبعين وبأي أصبع (1273) من حديث سعد بن أبي وقاص به، قال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح. وفي الباب من حديث أبي هريرة.

([403]) هو: منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر بن أحمد بن عبد الجبار بن الفضل بن الربيع بن مسلم بن عبد الله، التميمي، السمعاني، المروزي، الحنفي، ثم الشافعي، الزاهد، الورع، المفسر، من العلماء بالحديث، من أهل مرو مولدًا ووفاةً، كان مفتى خراسان، ولد في ذي الحجة سنة ست وعشرين وأربع مئة، من مصنفاته: "تفسير السمعاني"، و"المنهاج لأهل السنة"، و"الانتصار لأصحاب الحديث"، توفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربع مئة، عاش ثلاثًا وستين سنة. انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 115 ترجمة 62)، وطبقات الشافعية الكبرى (5/ 335 ترجمة 546).

([404]) هو: أبو الحسن، علي بن محمد بن حبيب، البصري، الماوردي، الشافعي، الإمام، العلامة، صاحب التصانيف، ولي القضاء ببلدان شتى، مات في ربيع الأول سنة خمسين وأربع مئة ببغداد، وقد بلغ ستًّا وثمانين سنة، من مصنفاته: "الحاوي"، و"أدب الدنيا والدين"، و"الأحكام السلطانية"، انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 64 ترجمة 29)، والوافي بالوفيات (21/ 297 ترجمة 310).

([405]) هو: إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو بن مسلم، أبو إبراهيم، المزني، المصري، الإمام، العلامة، فقيه الملة، علم الزهاد، تلميذ الشافعي، مولده في سنة خمس وسبعين ومئة، قليل الرواية، ولكنه كان رأسًا في الفقه. امتلأت البلاد بـ"مختصره" في الفقه، وشرحه عدة من الكبار؛ مات بمصر في سنة أربع وستين ومئتين، صنف كتبًا كثيرةً غير المختصر قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي. كان من أشد الناس تضييقًا على نفسه في الورع، وأوسعه في ذلك على الناس، وكان يقول: أنا خلق من أخلاق الشافعي. وكان مجاب الدعوة، وكان يغسل الموتى تعبدًا واحتسابًا. وهو الذي غسَّل الشافعي رحمه الله. توفي في رمضان لست بقين منه سنة أربع وستين ومئتين، وله تسع وثمانون سنة. انظر: سير أعلام النبلاء (12/ 492 ترجمة 180)، وطبقات الشافعية الكبرى (2/ 93 ترجمة 20).

([406]) هو: عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن البيضاوي، الفارسي، ثم البغدادي، الحنفي، البيضاوي، الإمام، القاضي، أبو الفتح، أخو قاضي القضاة أبي القاسم الزينبي لأمه، مولده سنة تسع وخمسين وأربع مئة، توفي في نصف جمادى الأولى ببغداد سنة سبع وثلاثين وخمس مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (20/ 182 ترجمة 117)، وطبقات الشافعية الكبرى (7/ 132 ترجمة 832).

([407]) آل عمران: 64.

([408]) انظر تفسير البيضاوي (ص48).

([409]) هو: عبد الله بن حسين بن مرعي بن ناصر الدين، أبو البركات، الدوري، السويدي، فقيه، متأدب، من أعيان العراق، وهو أول من عرف بالسويدي من هذا البيت، ولد في كرخ بغداد عام أربع ومئة وألف، وتوفي يوم السبت حادي عشر من شوال سنة أربع وسبعين ومئة وألف، من مصنفاته: "شرح صحيح البخاري"، و"الجمانة في الاستعارات"، و"أنفع الوسائل". انظر: الأعلام للزركلي (4/ 80).

([410]) ص: 5.

([411]) الإخلاص: 1 - 2.

([412]) آل عمران: 80.

([413]) المؤمنون: 91.

([414]) الأنعام: 100.

([415]) المؤمنون: 91.

([416]) المؤمنون: 91.

([417]) المائدة: 17.

([418]) المؤمنون: 91.

([419]) المائدة: 73.

([420]) الأنعام: 100.

([421]) القصص: 68.

([422]) يونس: 62.

([423]) يونس: 62.

([424]) يونس: 64.

([425]) يونس: 62.

([426]) يونس: 63.

([427]) مريم: 25.

([428]) هو: هبة الله بن الحسن بن منصور، أبو القاسم، الطبري، الرازي، الشافعي، اللالكائي، مفيد بغداد في وقته، برع في المذهب الحنبلي، روى عنه الخطيب البغدادي، صنف كتابًا في السنن، وكتابًا في معرفة أسماء من في الصحيحين، وكتابًا في شرح السنة، وغير ذلك، عاجلته المنية فلم يُنشر عنه كثير شيء من الحديث، توفي في شهر رمضان سنة ثمان عشرة وأربع مئة. انظر: تاريخ بغداد (14/ 70 ترجمة 7418)، وسير أعلام النبلاء (17/ 419 ترجمة 274).

([429]) آل عمران: 85.

([430]) الشورى: 11.

([431]) الحجر: 49 - 50.

([432]) الحجر: 49.

([433]) الحجر: 50.

([434]) الأنبياء: 90.

([435]) العنكبوت: 65.

([436]) الإسراء: 67.

([437]) الأنعام: 40 - 41.

([438]) الزمر: 8.

([439]) الزمر: 8.

([440]) لقمان: 32.

([441]) العنكبوت: 65.

([442]) الإسراء: 67.

([443]) الأنعام: 41.

([444]) هو: محمد بن محمد بن أحمد بن علي، أبو طالب، مؤيد الدين، الأسدي، البغدادي، الرافضي، المعروف بابن العلقمي، وزير المستعصم العباسي، وصاحب الجريمة النكراء في ممالأة هولاكو على غزو بغداد في رواية أكثر المؤرخين، مولده في شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وخمس مئة، اشتغل في صباه بالأدب، وارتقى إلى رتبة الوزارة فوليها أربعة عشر عامًا، ووثق به "المستعصم" فألقى إليه زمام أموره، وكان حازمًا خبيرا بسياسة الملك، كاتبًا فصيح الإنشاء، اشتملت خزانته على عشرة آلاف مجلد، وصنف له الصغاني "العباب"، وابن أبي الحديد "شرح نهج البلاغة"، وولي الوزارة لهولاكو مدة قصيرة، مات في أوائل سنة سبع وخمسين وست مئة ودفن في مشهد موسى بن جعفر بالكاظمية ببغداد، روي أنه أهين على أيدي التتار بعد دخولهم، ومات غمًّا في قلةٍ وذلةٍ. انظر: الوافي بالوفيات (1/ 151 ترجمة 116)، والأعلام للزركلي (5/ 321).

([445]) هو: عبد الوهاب بن أحمد بن علي، الحنفي، نسبة إلى محمد ابن الحنفية، الشعراني، أبو محمد، من علماء المتصوفين، ولد في قلقشندة بمصر سنة ثمان وتسعين وثمان مئة، ونشأ بساقية أبي شعرة من قرى المنوفية، وإليها نسبته الشعراني، ويقال الشعراوي، وتوفي في القاهرة، له تصانيف منها: "الأجوبة المرضية عن أئمة الفقهاء والصوفية"، و"أدب القضاة"، و"لواقح الأنوار في طبقات الأخيار" يعرف بطبقات الشعراني الكبرى، توفي سنة ثلاث وسبعين وتسع مئة. انظر: الأعلام للزركلي (4/ 180).

([446]) هو: يوسف بن إسماعيل بن يوسف، النبهاني، شاعر، أديب، من رجال القضاء، نسبته إلى بني نبهان من عرب البادية بفلسطين، استوطنوا قرية "اجزم" -بصيغة الأمر- التابعة لحيفا في شمالي فلسطين، وبها ولد ونشأ سنة خمس وستين ومئتين وألف، وتعلم بالأزهر بمصر، وذهب إلى الأستانة فعمل في تحرير جريدة "الجوائب" وتصحيح ما يطبع في مطبعتها، ورجع إلى بلاد الشام فتنقل في أعمال القضاء إلى أن كان رئيسًا لمحكمة الحقوق ببيروت، وأقام زيادة على عشرين سنة، وسافر إلى المدينة مجاورًا، ونشبت الحرب العالمية الأولى فعاد إلى قريته وتوفي بها سنة خمسين وثلاث مئة وألف، له كتب كثيرة منها: "جامع كرامات الأولياء"، و"رياض الجنة في أذكار الكتاب والسنة"، و"المجموعة النبهانية في المدائح النبوية"، قال صاحب "معجم الشيوخ": خلط فيها الصالح بالطالح، وحمل على أعلام الإسلام -كابن تيمية وابن قيم الجوزية- حملات شعواء، وتناول بمثلها الإمام الألوسي المفسر. انظر: الأعلام للزركلي (8/ 218).

([447]) آل عمران: 97.

([448]) النساء: 150 - 151.

([449]) البقرة: 208.

([450]) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة (26) من حديث عثمان بن عفان بنحوه. وفي الباب من حديث معاذ بن جبل وغيره.

([451]) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله... (23) من حديث طارق بن أشيم به.

([452]) أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة (31) من حديث أبي هريرة به.

([453]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت (425، 1186، 5401، 6938)، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر.. (33) من حديث عتبان بن مالك به.

([454]) سبق تخريجه من حديث عثمان بن عفان.

([455]) سبق تخريجه.

([456]) البقرة: 256.

([457]) البقرة: 256.

([458]) هو: الإمام، العلامة، حافظ المغرب، شيخ الإسلام، أبو عمر، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم، النمري، الأندلسي، القرطبي، المالكي، صاحب التصانيف الفائقة، مولده في سنة ثمان وستين وثلاث مئة في شهر ربيع الآخر، أدرك الكبار، وطال عمره، وعلا سنده، وتكاثر عليه الطلبة، سارت بتصانيفه الركبان، وخضع لعلمه علماء الزمان، من مصنفاته: "التمهيد"، و"الاستيعاب". مات بشاطبة سنة ثلاث وستين وأربع مئة، وعاش خمسة وتسعين عامًا. انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 153 ترجمة 85)، والديباج المذهب (2/ 367 ترجمة 19).

([459]) هو: إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، الأسدي، أبو إسحاق، ابن علية، من رجال الحديث، مصري، ولد سنة إحدى وخمسين ومئة، كان جهميًّا يقول بخلق القرآن، قال ابن عبد البر: له شذوذ كثير، ومذاهبه عند أهل السنة مهجورة. جرت له مع الإمام الشافعي مناظرات، وله مصنفات في الفقه شبيهة بالجدل، منها: "الرد على مالك"، نقضه عليه أبو جعفر الأبهري. توفي ببغداد وقيل بمصر سنة ثمان عشرة ومئتين. انظر: ميزان الاعتدال (1/ 20 ترجمة 42)، والأعلام للزركلي (1/ 32).

([460]) الانتقاء لابن عبد البر (ص78-79).

([461]) هو: محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر، أبو بكر، النيسابوري، الشافعي، السلمي، الحافظ، الحجة، الفقيه، صاحب التصانيف، ولد سنة ثلاث وعشرين ومئتين، وعني في حداثته بالحديث والفقه حتى صار يُضرب به المثل في سعة العلم والإتقان، سمع من إسحاق بن راهويه وغيره، وحدث عنه البخاري ومسلم -في غير الصحيحين- وغيرهما، توفي في ثاني ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاث مئة، عاش تسعًا وثمانين سنة. انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 365 ترجمة 214)، والتقييد لمعرفة رواة السنن والأسانيد (ص11 ترجمة 13).

([462]) انظر التوحيد لابن خزيمة (2/816-817).

([463]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة الفجر (574)، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما (635) من حديث أبي موسى الأشعري به.

([464]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (22050، 22110، 22116)، أبو داود: كتاب الجهاد، باب فيمن سأل الله تعالى الشهادة (2541)، الترمذي: كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء فيمن يكلم في سيل الله (1657)، النسائي: كتاب الجهاد، باب ثواب من قاتل في سبيل الله فواق ناقة (3141)، ابن ماجه: كتاب الجهاد، باب القتال في سبيل الله سبحانه وتعالى (2792) من حديث معاذ بن جبل، قال الألباني في صحيح أبي داود: صحيح، وفي الباب من حديث أبي هريرة وغيره.

([465]) أخرجه أحمد في المسند (423) من حديث عثمان بن عفان، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/15): رجاله موثقون.

([466]) هو: إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط -بضم الراء وتخفيف الباء- ابن علي بن أبي بكر، البقاعي، أبو الحسن، برهان الدين، مؤرخ، أديب، ولد سنة تسع وثمان مئة، أصله من البقاع في سورية، وسكن دمشق، ورحل إلى بيت المقدس والقاهرة، وتوفي بدمشق سنة خمس وثمانين وثمان مئة، له: "عنوان الزمان في تراجم الشيوخ والأقران"، و"أسواق الأشواق". انظر: طبقات المفسرين (ص347 ترجمة 454)، والأعلام للزركلي (1/ 56).

([467]) نظم الدرر للبقاعي (7/164).

([468]) سبق تخريجه.

([469]) قال السخاوي في المقاصد الحسنة (1/69-70): البيهقي في المدخل من حديث سليمان بن أبي كريمة عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله «مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لأحد في تركه فإن لم يكن في كتاب الله فسنة مني ماضية فإن لم تكن سنة مني فما قال أصحابي إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيما أخذتم به اهتديتم واختلاف أصحابي لكم رحمة» ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني والديلمي في مسنده بلفظه سواء وجويبر ضعيف جدا والضحاك عن ابن عباس منقطع.
وقد عزاه الزركشي إلى كتاب الحجة لنصر المقدسي مرفوعا من غير بيان لسنده ولا صحابيه وكذا عزاه العراقي لآدم بن أبي إياس في كتاب العلم والحكم بدون بيان بلفظ «اختلاف أصحابي رحمة لأمتي» قال وهو مرسل ضعيف. وبهذا اللفظ ذكره البيهقي في رسالته الأشعرية بغير إسناد وفي المدخل له من حديث سفيان عن أفلح بن حميد عن القاسم بن محمد قال: اختلاف أصحاب محمد رحمة لعباد الله. ومن حديث قتادة أن عمر بن عبد العزيز كان يقول: ما سرني لو أن أصحاب محمد لم يختلفوا لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة.
ومن حديث الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد قال أهل العلم: أهل توسعة وما برح المفتون يختلفون فيحل هذا ويحرم هذا فلا يعيب هذا على هذا إذا علم هذا. وقد قرأت بخط شيخنا إنه يعني هذا الحديث حديث مشهور على الألسنة وقد أورده ابن الحاجب في المختصر في مباحث القياس بلفظ «اختلاف أمتي رحمة للناس» وكثر السؤال عنه وزعم كثير من الأئمة أنه لا أصل له لكن ذكره الخطابي في غريب الحديث مستطردا وقال: اعترض على هذا الحديث رجلان أحدهما ماجن والآخر ملحد وهما إسحاق الموصلي وعمرو بن بحر الجاحظ وقالا جميعا: لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق عذابا ثم تشاغل الخطابي برد هذا الكلام ولم يقع في كلامه شفاء في عزو الحديث ولكنه أشعر بأن له أصلا عنده ثم ذكر شيخنا شيئا مما تقدم في عزوه.

([470]) هو: أويس بن عامر -وقيل: عمرو- بن جزء بن مالك بن عمرو بن مسعدة بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، المرادي، ثم القَرَني، الزاهد المشهور، أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يره، فقد منعه من القدوم بره بأمه، وسكن الكوفة وهو من كبار تابعيها، استشهد بصفين مع علي وكان من خيار المسلمين. انظر: أسد الغابة (1/ 179 ترجمة 331)، والإصابة (1/ 219 ترجمة 500).

([471]) أخرجه مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه (2542) من حديث عمر بن الخطاب به.

([472]) المائدة: 5.

([473]) هو: الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن على بن محمد بن أحمد بن راشد، التميمي، الحنبلي، النجدي، المصلح الكبير، ولد ونشأ وتعلم في بلدة العيينة، ورحل في طلب العلم إلى نواحي نجد ومكة، حتى صار عالما، أنكر المنكر، وقمع الله به البدع، اتحد مع آل سعود في توحيد الجزيرة العربية، وتوحيد الرب تعالى حتى أيدهما الله. له "كتاب التوحيد"، و"الأصول الثلاثة"، وغيرهما كثير. ولد سنة خمس عشرة بعد المئة والألف، وتوفي سنة ست ومئتين بعد الألف. انظر: إسلامية لا وهابية للدكتور/ ناصر بن عبد الكريم العقل (ص: 23)، والأعلام للزركلي (6/ 257).

([474]) أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة وحديث ثمامة بن إثال (4373) من حديث ابن عباس.

([475]) هو: مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب، الحنفي، الوائلي، أبو ثمامة، متنبئ، من المعمرين، وفي الأمثال: أكذب من مسيلمة. ولد ونشأ باليمامة في القرية المسماة اليوم بالجبيلة بقرب العيينة بوادي حنيفة في نجد، وتلقب في الجاهلية بالرحمن، وعرف برحمان اليمامة، وهو شيخ هرم، ولما رجع الوفد كتب مسيلمة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعي النبوة، توفي النبي قبل القضاء على فتنته، فلما انتظم الأمر لأبي بكر انتدب له جيشًا على رأسه خالد بن الوليد فظفر عليه وقتل مسيلمة سنة اثنتي عشرة. انظر: الأعلام للزركلي (7/ 226).

([476]) هو: عيهلة بن كعب بن عوف، الأسود، العنسي، المذحجي، ذو الخمار، متنبئ مشعوذ، من أهل اليمن، كان بطَّاشًا جبَّارًا، أسلم لما أسلمت اليمن، وارتد في أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان أول مرتد في الإسلام، وادعى النبوة، وكان له شيطان يُخبره بالمغيبات فضَلَّ به كثيرٌ من الناس، اتبعته مذحج، وتغلب على نجران وصنعاء، واتسع سلطانه حتى غلب على ما بين مفازة حضرموت إلى الطائف إلى البحرين والإحساء إلى عدن، وجاءت كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى من بقي على الإسلام في اليمن بالتحريض على قتله، فاغتاله أحدهم وكان مقتله قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بشهر واحد سنة إحدى عشرة للهجرة، وكان بين ظهوره وقتله نحو من أربعة أشهر. انظر: شذرات الذهب (1/ 7)، والأعلام للزركلي (5/ 111).

([477]) هي: سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان، التميمية، من بني يربوع، أم صادر، متنبئة مشهورة، كانت شاعرة أديبة عارفة بالأخبار، رفيعة الشأن في قومها، نبغت في عهد الردة وادعت النبوة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وكانت في بني تغلب بالجزيرة، وكان لها علم بالكتاب أخذته عن نصارى تغلب، فتبعها جمع من عشيرتها بينهم بعض كبار تميم، فأقبلت بهم من الجزيرة تريد غزو أبي بكر، فنزلت باليمامة، فبلغ خبرها مسيلمة، فأقبل عليها في جماعة من قومه وتزوج بها، ثم انصرفت راجعة إلى أخوالها بالجزيرة، ثم بلغها مقتل مسيلمة، فأسلمت وهاجرت إلى البصرة وتوفيت فيها سنة خمس وخمسين. انظر: الإصابة (7/ 723 ترجمة 11361).

([478]) هو: طليحة بن خويلد بن نوفل بن نضلة بن الأشتر بن حجوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قعين بن ثعلبة بن الحارث بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، الأسدي، الفقعسي، يقال له: الكذاب. كان من أشجع العرب، وكان ممن شهد مع الأحزاب الخندق، ثم قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنة تسع فأسلم، ثم ارتد وادعى النبوة في عهد أبي بكر الصديق، ثم هزم فهرب حتى لحق بأعمال دمشق، ثم أسلم وقدم مكة معتمرًا، ثم خرج إلى الشام مجاهدًا، وشهد اليرموك، وشهد بعض حروب الفرس، استشهد بنهاوند سنة إحدى وعشرين. انظر: أسد الغابة (2/ 477 ترجمة 2639)، والإصابة (3/ 542 ترجمة 4294).

([479]) حسن: أخرجه أحمد في المسند (20041)، أبو داود: كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة (1575)، من حديث معاوية بن حيدة، قال الألباني في صحيح أبي داود: حسن.

([480]) سبق تخريجه.

([481]) هو: رجال -بتشديد الجيم- بن عنفوة -بنون وفاء- الحنفي، قدم على النبي r في وفد بني حنيفة وكانوا بضعة عشر رجلاً فأسلموا، كان في الرجال هذا من الخشوع واللزوم لقراءة القرآن والخير فلما ارتدت بنو حنيفة افتتن وشهد لمسيلمة، وقتل على ذلك. انظر: الإصابة (2/ 539 ترجمة 2763).

([482]) أخرجه سيف بن عمر في الفتوح – كما في الإصابة (2/539)، الخصائص الكبرى للسيوطي (2/217).

([483]) هو: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير، الإمام العلم المجتهد، عالم العصر، أبو جعفر، الطبري، صاحب التصانيف البديعة، من أهل آمل طبرستان. مولده سنة أربع وعشرين ومئتين، وطلب العلم بعد الأربعين ومئتين، وأكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الدهر علمًا، وذكاءً، وكثرة تصانيف. قل أن ترى العيون مثله. كان ثقة، صادقًا، حافظًا، رأسًا في التفسير، إمامًا في الفقه والإجماع والاختلاف، علامة في التاريخ وأيام الناس، عارفًا بالقراءات وباللغة، وغير ذلك. له مؤلفات جياد؛ منها: "جامع البيان"، و"تهذيب الآثار". مات سنة عشر وثلاث مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (14/267 ترجمة 175)، ووفيات الأعيان (4/ 191 ترجمة 570).

([484]) هو: محمد بن سعد بن منيع، أبو عبد الله، البغدادي، كاتب الواقدي، طلب العلم في صباه، ولحق الكبار، وكان من أوعية العلم، ولد بعد الستين ومئة، توفي ببغداد سنة ثلاثين ومئتين، وهو ابن اثنتين وستين سنة، قال ابن حجر في التقريب: صدوق فاضل. له: "الطبقات الكبير"، و"الطبقات الصغير"، وغير ذلك. انظر: تهذيب الكمال (25/ 255 ترجمة 5237)، وسير أعلام النبلاء (10/ 664 ترجمة 242).

([485]) الطبقات الكبرى (1/317).

([486]) هو: أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن حجر، شهاب الدين، أبو الفضل، الكناني، العسقلاني، الشافعي، قاضي القضاة، حافظ زمانه، نشأ يتيمًا، وأكمل حفظ القرآن في التاسعة من عمر، وصلى التراويح بالناس في الحرم المكي وله اثنا عشر عامًا، رحل حبًّا في العلم وتطلبُّا للشيوخ، له مؤلفات حسان؛ أهمها: "فتح الباري"، و"لسان الميزان"، و"الدرر الكامنة". ولد سنة ثلاث وسبعين وسبع مئة، وتوفي سنة ثنتين وخمسين وثمان مئة. انظر: الضوء اللامع (2/ 36 ترجمة 104)، وحسن المحاضرة (1/ 363 ترجمة 102)، وله ترجمة موعبة في الجواهر والدرر لتلميذه السخاوي.

([487]) سبقت ترجمته.

([488]) شمسان الذي يظهر من رسائل إمام الدعوة -رحمه الله- أنه لا يبعد عن العارض، وله أولاد يُعتقَد فيهم. انظر: شرح كتاب كشف الشبهات للشيخ محمد بن إبراهيم (ص96).

([489]) على قبره وثن يُعتَقد فيه، ويظهر أن قبره في الكويت أو الإحساء. انظر: شرح كتاب كشف الشبهات للشيخ محمد بن إبراهيم (ص96).

([490]) الروم: 59.

([491]) هو من أهل الخرج، كانت تُصرف إليه النذور، ويُدعى ويُعتقَد فيه النفع والضر، وكان يأتي إلى أهل الدرعية من بلده الخرج لتحصيل ما له من النذور، وقد كان يخافه كثير من الناس الذين يعتقدون فيه، وقد كان له أعوان وحاشية لا يُتعَرَّض لهم بمكروه، بل يُدَّعى فيهم الدعاوى الكاذبة وتنسب إليهم الحكايات القبيحة؛ ومما ينسب إلى تاج هذا أنه أعمى ويأتي من بلده الخرج من غير قائد يقوده. انظر: شرح كتاب كشف الشبهات للشيخ محمد بن إبراهيم (ص96).

([492]) هو: محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، من آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، العلامة، الفقيه، الأصولي، المحدث، المفسر، مفتي الديار السعودية ورئيس قضاتها في حياته، ولد في مدينة الرياض في السابع عشر من شهر محرم سنة ألف وثلاث مئة وإحدى عشرة، طرأ عليه العمى وهو في الرابعة عشرة من عمره، قرأ على عدد من علماء الوقت إذ ذاك، ولم يزل مجدًّا في طلب العلم إلى أن توفي عمه الشيخ عبد الله ابن الشيخ عبد اللطيف سنة 1339هـ فعينه الملك عبد العزيز آل سعود خلفًا لعمه في الفتيا وإمامة المسجد -بحي دخنة- والتدريس، وفي عام 1373هـ أنشئت دار الإفتاء والإشراف على الشؤون الدينية تحت رئاسة سماحته، ثم صار رئيس قضاة المملكة العربية السعودية عامة، توفي ظهر يوم الأربعاء في الرابع والعشرين من شهر رمضان سنة ألف وثلاث مئة وتسع وثمانين عن عمر بلغ ثمان وسبعين سنة وثمانية شهور وثمانية أيام. انظر: الأعلام للزركلي (5/ 306)، ومشاهير علماء نجد وغيرهم (ص133).

([493]) الأحزاب: 40.

([494]) أخرجه البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب لا يعذب بعذاب الله (3017،6922).

([495]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (1871)، أبو داود: كتاب الحدود، باب الحكم فيمن ارتد (4351)، قال الألباني في صحيح أبي داود صحيح.

([496]) انظر فتح الباري لابن حجر (12/270).

([497]) أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله﴿واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت...﴾(3445، 6830) من حديث ابن عباس.

([498]) هو: عبدالله بن سبأ الذي ينسب إليه السبئية وهم من غلاة الرافضة، أصله من أهل اليمن، أمه أمة سوداء، كان يهوديًّا وأظهر الإسلام، وهو أول من أظهر القول بالرفض وبإمامة علي، وأنه خاتم الأوصياء،و هو صاحب القول بالبراءة من الصحابة، ومنه تشعبت فرق الضلال من الرافضة، وألب الناس على عثمان t حتى قتل t، ولما قتل علي t زعم أنه لم يمت لأن فيه جزءًا إلهيًّا. انظر: تاريخ دمشق (29/ 3 ترجمة 3306)، والوافي بالوفيات (17/ 100 ترجمة 6137).

([499]) هو: سعد بن عبدالله بن أبي خلف، الأشعري، القمي، أبو القاسم، شيخ الطائفة الإمامية، وفقيهها، ووجهها، صنف كتبًا كثيرةً منها: "الرحمة"، و"الضياء في الرد على المحمدية والجعفرية"، و"مقالات الإمامية". توفى سنة إحدى وثلاث مئة، وقيل: سنة تسع وتسعين ومئتين. وقيل: سنة ثلاث مئة. انظر: رجال النجاشي (ص177 ترجمة 467)، والفهرست للطوسي (ص135 ترجمة 316).

([500]) هو: الحسن بن موسى بن الحسن، أبو محمد، النوبختي، متكلم، فيلسوف، أحد علماء الإمامية، ولد في القرن الثالث الهجري، توفي في أوائل القرن الرابع الهجري، من أشهر كتبه: "الآراء والديانات"، و"فرق الشيعة"، و"الجامع في الإمامة". انظر: رجال النجاشي (ص63 ترجمة 148)، والفهرست للطوسي (96 ترجمة 161).

([501]) هو: يوسف بن إسماعيل بن يوسف، النبهاني، شاعر، أديب، من رجال القضاء، نسبته إلى بني نبهان من عرب البادية بفلسطين، استوطنوا قرية "اجزم" -بصيغة الأمر- التابعة لحيفا في شمالي فلسطين، وبها ولد ونشأ سنة خمس وستين ومئتين وألف، وتعلم بالأزهر بمصر، وذهب إلى الأستانة فعمل في تحرير جريدة "الجوائب" وتصحيح ما يطبع في مطبعتها، ورجع إلى بلاد الشام فتنقل في أعمال القضاء إلى أن كان رئيسًا لمحكمة الحقوق ببيروت، وأقام زيادة على عشرين سنة، وسافر إلى المدينة مجاورًا، ونشبت الحرب العالمية الأولى فعاد إلى قريته وتوفي بها سنة خمسين وثلاث مئة وألف، له كتب كثيرة، قال صاحب "معجم الشيوخ": خلط فيها الصالح بالطالح، وحمل على أعلام الإسلام -كابن تيمية وابن قيم الجوزية- حملات شعواء، وتناول بمثلها الإمام الألوسي المفسر. انظر: الأعلام للزركلي (8/ 218).

([502]) هو: عبد الوهاب بن أحمد بن علي، الحنفي، نسبة إلى محمد ابن الحنفية، الشعراني، أبو محمد، من علماء المتصوفين، ولد في قلقشندة بمصر سنة ثمان وتسعين وثمان مئة، ونشأ بساقية أبي شعرة من قرى المنوفية، وإليها نسبته الشعراني، ويقال الشعراوي، وتوفي في القاهرة، له تصانيف منها: "الأجوبة المرضية عن أئمة الفقهاء والصوفية"، و"أدب القضاة"، و"لواقح الأنوار في طبقات الأخيار" يعرف بطبقات الشعراني الكبرى، توفي سنة ثلاث وسبعين وتسع مئة. انظر: الأعلام للزركلي (4/ 180).

([503]) هو: أحمد ابن أبي الحسن علي بن أحمد بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة، أبو العباس، الرفاعي، المغربي، ثم البطائحي، الإمام، القدوة، العابد، الزاهد، شيخ العارفين، كان مولده سنة اثنتي عشرة وخمس مئة، قيل: كان شافعيًّا يعرف الفقه. وقيل: كان يجمع الحطب ويجيء به إلى بيوت الأرامل، ويملأ لهم بالجرة. توفي سنة ثمان وسبعين وخمس مئة في جمادى الأولى. انظر: سير أعلام النبلاء (21/ 77 ترجمة 28)، وطبقات الشافعية الكبرى (6/ 23 ترجمة 578).

([504]) هو: عبيدالله، أبو محمد، أول من قام من الخلفاء الخوارج العبيدية الباطنية الذين قلبوا الإسلام، وأعلنوا بالرفض، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية، وبثوا الدعاة يستغوون الجبلية والجهلة. وادعى هذا المدبر أنه فاطمي من ذرية جعفر الصادق، وقيل: لم يكن اسمه عبيدالله، بل إنما هو سعيد بن أحمد. وقيل: سعيد بن الحسين. وقيل: كان أبوه يهوديًّا. وقيل: من أولاد ديصان الذي ألف في الزندقة. والمحققون على أنه دعي، وفي نسبه أقوال: حاصلها أنه ليس بهاشمي ولا فاطمي. وكان موته في نصف ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة، وله اثنتان وستون سنة، وكانت دولته خمسًا وعشرين سنة وأشهرًا. انظر: سير أعلام النبلاء (15/ 141 ترجمة 65)، واتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا.

([505]) هو: تقي الدين، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن تيميَّة، الحرَّاني، ثم الدمشقي، الحنبلي، الإمام الفقيه، المجتهد، المحدث، الحافظ، المفسر، الأصولي، الزاهد. برع في العلوم الإسلامية والآلية، وقمع الله به أهل الضلال، ونصر به أهل السنة. ولد سنة إحدى وستين وست مئة، وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبع مئة. وله من المؤلفات: "الواسطية"، و"منهاج السنة". انظر: الذيل على طبقات الحنابلة (4/ 491 ترجمة 531)، والوافي بالوفيات (7/ 10 ترجمة 619).

([506]) هو: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم، الإمام، العلامة، أوحد المتكلمين، مقدم الأصوليين، القاضي أبو بكر، البصري، ثم البغدادي، ابن الباقلاني، صاحب التصانيف، وكان يضرب المثل بفهمه وذكائه، وكان ثقة، إمامًا، بارعًا، صنف في الرد على الرافضة، والمعتزلة، والخوارج، والجهمية، والكرامية، وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق؛ فإنه من نظرائه، وإليه انتهت رئاسة المالكية في وقته، وغالب قواعده على السنة، ولد سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة، ومات في ذي القعدة سنة ثلاث وأربع مئة. انظر: تاريخ بغداد (5/ 379 ترجمة 2906)، وسير أعلام النبلاء (17/ 190 ترجمة 110).

([507]) أخرجه مسلم: كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر... (1162) من حديث أبي قتادة.

([508]) هو: محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز، شمس الدين، أبو عبدالله، الذهبي، الإمام، المحدث، مؤرخ الإسلام، صاحب العبارة الرشيقة، والجملة الأنيقة، من شيوخه: ابن دقيق العيد، وابن تيمية. مولده في سنة ثلاث وسبعين وست مئة، ووفاته سنة ثمان وأربعين وسبع مئة. له مؤلفات حسان جياد؛ منها: "سير أعلام النبلاء"، و"معرفة القراء الكبار". انظر: طبقات الشافعية الكبرى (9/ 100 ترجمة 1306)، والوافي بالوفيات (2/ 114 ترجمة 525).

([509]) هي نفيسة، السيدة المكرمة الصالحة، ابنة أمير المؤمنين الحسن بن زيد ابن السيد سبط النبي r الحسن بن علي رضي الله عنهما، العلوية، الحسنية، صاحبة المشهد الكبير المعمول بمصر، تحولت من المدينة إلى مصر مع زوجها الشريف إسحاق بن جعفر بن محمد الصادق فيما قيل، سمع عليها الشافعي وحملت جنازته يوم مات فصلت عليه، ولما ماتت هم زوجها إسحاق بحملها إلى المدينة فأبى آل مصر فدفنت بمصر، توفيت في شهر رمضان سنة ثمان ومئتين. انظر: سير أعلام النبلاء (10/ 106 ترجمة 6)، وشذرات الذهب (2/ 21).

([510]) التوبة: 65.

([511]) التوبة: 74.

([512]) التوبة: 74.

([513]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان وقول... (6478)، مسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب التكلم بالكلمة يهوي بها في النار (2988) من حديث أبي هريرة بنحوه.

([514]) التوبة: 65 - 66.

([515]) التوبة: 66.

([516]) التوبة: 66.

([517]) التوبة: 66.

([518]) التوبة: 66.

([519]) التوبة: 65.

([520]) التوبة: 65 - 66.

([521]) التوبة: 65 - 66.

([522]) أخرجه الطبري في تفسيره (16911، 16912، 16916)، ابن أبي حاتم في تفسيره (10045)

([523]) التوبة: 66.

([524]) الأعراف: 138.

([525]) الأعراف: 138.

([526]) الأعراف: 138 - 139.

([527]) هو: الصحابي أبو واقد الليثي، صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم- سماه البخاري وغيره: الحارث بن عوف، وقيل: عوف بن الحارث. وقيل غير ذلك. شهد بدرًا وفتح مكة. توفي سنة ثمان -وقيل: خمس- وستين. انظر: الاستيعاب (ص865 ترجمة 3190)، وأسد الغابة (6/ 320 ترجمة 6335).

([528]) الأعراف: 138.

([529]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (21897، 21900)، الترمذي: كتاب الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم (2180) قال الترمذي: حسن صحيح، قال الألباني في صحيح الترمذي: صحيح.

([530]) حسن لغيره: أخرجه أحمد في المسند (19606) من حديث أبي موسى الأشعري، حسنه الألباني في صحي الترغيب (36)، وفي الباب من حديث ابن عباس، معقل بن يسار.

([531]) ضعيف: أخرجه أحمد في المسند (1590، 1622)، النسائي: كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف باللات والعزى (3777)، ابن ماجه: كتاب الكفارات، باب النهي أن يحلف بغير الله (2097) من حديث سعد به، قال الألباني في ضعيف النسائي: ضعيف.

([532]) ضعيف: أخرجه النسائي: كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف باللات والعزى (3776)، من حديث سعد به، قال الألباني في ضعيف النسائي: ضعيف.

([533]) صحيح: أخرجه أحمد في المسند (329)، الحاكم في المستدرك (1/117) من حديث ابن عمر به، صححه الألباني انظر الإرواء (8/283)، وأصله في الصحيحين.

([534]) صحيح موقوفا: أخرجه عبد الرزاق في المصنف (15929)، ابن أبي شيبة في المصنف (12414)، الطبراني في الكبير (8902)، صححه الألباني في الترغيب (2953).

([535]) أخرجه البخاري: كتاب الديات، باب قول الله ﴿ومن أحياها..﴾(6870، 6920) من حديث عبد الله بن عمرو بذكر اليمين الغموس.
والحديث متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب المساقاة، باب (2357، 2147، 2516، 2667، 2670، 2673، 4550، 6659، 6676، 7188، 7445)، مسلم: كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة... (138) عن ابن مسعود بمعناه.

([536]) سبق تخريجه من حديث أبي واقد الليثي.

([537]) حسن صحيح: أخرجه أحمد في المسند (1839، 1964، 2561، 3247)، ابن ماجه: كتاب الكفارات، باب النهي أن يقال ما شاء الله وشئت (2117)، من حديث ابن عباس بنحوه، قال الألباني في صحيح ابن ماجه: حسن صحيح، وفي الباب من حديث جابر.

([538]) هو: الصحابي الجليل أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس المولى، الأمير الكبير، حِبُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومولاه، وابن مولاه، أبو زيد، ويقال: أبو محمد، وأبو حارثة، وأبو يزيد. استعمله النبي -صلى الله عليه وسلم- على جيش لغزو الشام. قيل: إنه شهد يوم مؤتة مع والده. سكن المزة مدة؛ ثم رجع إلى المدينة، فمات بها -وقيل: مات بوادي القرى- سنة أربع وخمسين. انظر: الاستيعاب (ص46 ترجمة 12)، وأسد الغابة (1/ 194 ترجمة 84).

([539]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب المغازي، باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم أسامة (4269، 6872)، مسلم: كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله..( 96) من حديث أسامة بن زيد.

([540]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة (1400، 2946، 6924، 7285)، مسلم: كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله (20) من حديث أبي هريرة، وفي الباب من حديث عبد الله بن عمر، وأنس وغيرهما.

([541]) هو: الخليفة المنصور عبدالله بن محمد بن علي بن العباس، أبو جعفر، الهاشمي، العباسي، وأمه سلامة البربرية، ولد في سنة خمس وتسعين أو نحوها، ضرب في الآفاق ورأى البلاد، وطلب العلم، قيل: كان في صباه يلقب بمدرك التراب، وكان فحل بني العباس هيبة وشجاعة، ورأيًا وحزمًا، ودهاء وجبروتًا، وكان جماعًا للمال، حريصًا، تاركًا اللهو واللعب، كامل العقل، أباد جماعة كبارًا حتى توطد له الملك، ودانت له الأمم على ظلم فيه وقوة نفس، ولكنه يرجع إلى صحة إسلام وتدين في الجملة، وصلاة وخير، مع فصاحة وبلاغة وجلالة. توفي سنة ثمان وخمسين ومئة. انظر: تاريخ الطبري (7/ 469)، وسير أعلام النبلاء (7/ 83 ترجمة 37).

([542]) هو: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز، شمس الدين، أبو عبد الله، الزرعي، ثم الدمشقي، الفقيه، الأصولي، المفسر، النحوي، العارف، ابن قيم الجوزية، تفقه في المذهب الحنبلي، وبرع وأفتى، ولازم شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وكان ذا عبادة وتهجد، وطول صلاة، ولهج بالذكر، له تواليف حسان؛ منها: "زاد المعاد"، و"بدائع الفوائد". ولد سنة إحدى وتسعين وست مئة، وتوفي سنة إحدى وخمسين وسبع مئة. انظر: البداية والنهاية (18/ 523)، والذيل على طبقات الحنابلة (5/ 170 ترجمة 600).

([543]) آل عمران: 85.

([544]) هو: الإمام الأوحد أبو محمد، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد، الفارسي الأصل، ثم الأندلسي، القرطبي، اليزيدي، الفقيه الحافظ، المتكلم، الأديب، الوزير، الظاهري، صاحب التصانيف، ولد بقرطبة في سنة أربع وثمانين وثلاث مئة. فنشأ في تنعم ورفاهية، ورزق ذكاء مفرطًا، وذهنًا سيَّالاً، وكتبًا نفيسة كثيرة. مات سنة ست وخمسين وأربع مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (18/184 ترجمة 99)، والأعلام للزركلي (4/ 254).

([545]) هو: الإمام الحافظ اللغوي، أبو سليمان، حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب، البستي، الخطابي، صاحب التصانيف، ولد سنة بضع عشرة وثلاث مئة، عني بالحديث متنًا وإسنادًا، وأخذ الفقه على مذهب الشافعي، من تصانيفه: "معالم السنن"، و"العزلة". مات ببُست في ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاث مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (17/ 23 ترجمة 12)، وطبقات الحفاظ (ص81).

([546]) معالم السنن (1/287).

([547]) النساء: 94.

([548]) سبق تخريجه.

([549]) النساء: 94.

([550]) هو: حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل، الإمام القدوة، شيخ القراءة، أبو عمارة، التيمي، مولاهم الكوفي الزيات، مولى عكرمة بن ربعي، أحد القراء السبعة، كان إمامًا قيمًا لكتاب الله، قانتًا لله، ثخين الورع، رفيع الذكر، عالمًا بالحديث والفرائض، أصله فارسي، قال ابن حجر في التقريب: صدوق ربما وهم. توفي سنة ست وخمسين ومئة. انظر: تهذيب الكمال (7/ 314 ترجمة 1501)، وسير أعلام النبلاء (7/ 90 ترجمة 38).

([551]) معالم السنن (2/12).

([552]) فتح الباري لابن حجر (12/196).

([553]) فتح الباري لابن حجر (12/196).

([554]) النساء: 94.

([555]) هو: الشيخ الإمام، العلامة، القدوة، الحافظ، شيخ الإسلام، أبو محمد، الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء، البغوي، الشافعي، المفسر، يلقب بمحيي السنة وبركن الدين، وكان سيدًا إمامًا، عالمًا، زاهدًا، كان أبوه يعمل الفراء ويبيعها. بورك له في تصانيفه، ورزق فيها القبول التام، وكان لا يلفي الدرس إلا على طهارة، وكان مقتصدًا في لباسه، وله القدم الراسخ في التفسير، والباع المديد في الفقه. من تواليفه الحسان: "شرح السنة"، و"معالم التنزيل". توفي سنة ست عشرة وخمس مئة. انظر: سير أعلام النبلاء (19/ 439 ترجمة 258)، وطبقات الشافعية الكبرى (7/ 75 ترجمة 767).

([556]) هو: الإمام، شيخ القراءة والعربية، أبو الحسن، علي بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز، الأسدي، مولاهم الكوفي، الملقب بالكسائي لكساء أحرم فيه، واختار قراءة اشتهرت، وصارت إحدى السبع، وجالس في النحو الخليل، وسافر في بادية الحجاز مدة للعربية، كان أعلم الناس بالنحو، وواحدهم في الغريب، وأوحد في علم القرآن. مات بالري بقرية أرنبوية سنة تسع وثمانين ومئة عن سبعين سنة. انظر: سير أعلام النبلاء (9/ 131 ترجمة 44)، ومعرفة القراء الكبار (1/ 120 ترجمة 45).

([557]) النساء: 94.

([558]) النساء: 94.

([559]) النساء: 94.

([560]) النساء: 94.

([561]) النساء: 94.

([562]) متفق عليه: أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله عز وجل ﴿وأما عاد فأهلكوا بريح...﴾ (3344، 7432)، مسلم: كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم (1064) من حديث أبي سعيد الخدري.

([563]) سبق تخريجه.

([564]) الحجرات: 6.

([565]) الحجرات: 6.

([566]) القصص: 15.

([567]) هو: أويس بن عامر -وقيل: عمرو- بن جزء بن مالك بن عمرو بن مسعدة بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، المرادي، ثم القَرَني، الزاهد المشهور، أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يره، فقد منعه من القدوم بره بأمه، وسكن الكوفة وهو من كبار تابعيها، استشهد بصفين مع علي وكان من خيار المسلمين. انظر: أسد الغابة (1/ 179 ترجمة 331)، والإصابة (1/ 219 ترجمة 500).

([568]) أخرجه مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه (2542) من حديث عمر بن الخطاب به.

([569]) هو: إدريس بن يحيى، الإمام، القدوة، الزاهد، شيخ مصر، أبو عمرو، الأموي مولاهم، المصري، المعروف بالخولاني، أحد الأبدال، كان يشبه ببشر الحافي في فضله وتألهه، توفي سنة إحدى عشرة ومئتين. انظر: سير أعلام النبلاء (10/ 165 ترجمة 28)، وإكمال الكمال (2/ 439).

([570]) أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/135)، سير أعلام النبلاء (10/83).

([571]) هو: الصحابي الجليل: عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، القرشي، الهاشمي، أبو الفضل، المكي، عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان أسنَّ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسنتين أو ثلاث. وأمه أم ضرار نتيلة بنت جناب من النمر بن قاسط. شهد بدرًا مع المشركين، وكان خرج إليها مُكْرَهًا، وأُسِرَ يومئذ، ثم أسلم بعد ذلك، مات سنة ثلاث وثلاثين. انظر: الاستيعاب (ص556 ترجمة 1890)، وأسد الغابة (3/ 163 ترجمة 2799).

([572]) أخرجه البخاري: كتاب الجمعة، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا (1010، 3710) من حديث أنس بنحوه.

([573]) هو: علي بن الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، السيد الإمام، زين العابدين، الهاشمي، العلوي، المدني، يكنى: أبا الحسين، ويقال: أبو الحسن. وأبو محمد. وأبو عبدالله. وأمه أم ولد اسمها سلافة بنت ملك الفرس يزدجرد، وقيل: غزالة. ولد في سنة ثمان وثلاثين ظنًّا.كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات، كان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة. كان مع أبيه يوم كربلاء ولم يقاتل لمرضه، أكرمه يزيد ورده مع آله إلى المدينة. قال ابن حجر في التقريب: ثقة ثبت. مات في رابع عشر ربيع الأول ليلة الثلاثاء سنة أربع وتسعين. انظر: تهذيب الكمال (20/ 382 ترجمة 4050)، وسير أعلام النبلاء (4/ 386 ترجمة 157).

([574]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7624)، البزار في مسنده (509)، أبو يعلى في مسنده (469)، قال الهيثمي في المجمع (3/667): فيه حفص بن إبراهيم الجعفري ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا وبقية رجاله ثقات.

([575]) النجم: 5.

([576]) الحجر: 39.

([577]) الإسراء: 102.

([578]) التوبة: 9.

([579]) البقرة: 146.

([580]) النساء: 145.

([581]) التوبة: 66.

([582]) النحل: 106 - 107.

([583]) النحل: 106.

([584]) النحل: 107.

([585]) النحل: 107.


عدد مرات القراءة:
1465
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :