فرية نبش قبر معاوية ووجود خيط أسود كالهَبَاء
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد:
هذه سلسلة ردود علمية على شبهات عدنان إبراهيم حول أصحاب رسولنا الكريم بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
ادَّعى عدنان إبراهيم أنَّ بني العباس نبشوا قَبرَ سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ووجدوا خيطًا أسود كالْـهَبَاء ؟!!
واستدل بمـا قاله الغُمَـارِيُّ الضَّال: {لـمَّـا مَلَكَ بنو العباس كانوا يحفرون قبور بني أمية, ويخرجون منها عِظامهم وأجسامهم فيحرقونها؛ فحفروا قبر معاوية فلم يجدوا فيه إلا خَيْطاً أَسْوَدَ كالْـهَبَاء }.(1)
وللردِّ على هذه الفرية أقول:
الغُمـاري مؤلف الكتاب ضال مبتدع دائمـًا ما يسيئ القول في أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على الخصوص وبني أمية على العموم.
عموماً فهو لم يأتِ بالرواية من كِيسِهِ وإنمـا أَتَى بالرواية من كتاب تاريخ دمشق للإمام ابن عساكر.
قال الإمامُ ابن عساكر: { قرأتُ بِخَطِّ أبي الحسن الرَّازي حَدَّثَنِي أبو العباس محمود بن محمد بن الفضل الرافقي حدثني محمد بن موسى العمي ويعرف بحبش الصيني حدثني علي بن محمد بن سليمان النَّوْفَلِيُّ قال: سمعت أبي يقول قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ دِمَشْقَ، دَخَلَهَا بِالسَّيْفِ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ مِنَ النَّهَارِ، وَجَعَلَ مَسْجِدَ جَامِعِهَا سَبْعِينَ يَوْمًا إِصْطَبْلًا لِدَوَابِّهِ وَجِمَالِهِ، ثُمَّ نَبَشَ قُبُورَ بَنِي أُمَيَّةَ فَلْمْ يَجِدْ فِي قَبْرِ مُعَاوِيَةَ إِلَّا خَيْطًا أَسْوَدَ مِثْلَ الْهَبَاءِ }.(2)
أولاً: القصة غير صحيحة:
فَسَنَدُهَا مُسَلْسَلٌ بالمجاهيل.
عِلَل الرواية:
1- محمود بن محمد بن الفضل الرافقي, أبو العباس.
2- محمد بن موسى العمي, حبش الصيني.
3- علي بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن نوفل بن الحارث النوفلي.
4- محمد بن سليمان عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب النَّوْفَلِيُّ.
كل هؤلاء مجاهيل لا يُعرفون, ولم أجد لهم ترجمة في كُتُبِ الرِّجَال.
ورواية المجهول عندنا لا يُحتج بها.!
قال الإمامُ أبو عمرو بن الصلاح: { الْمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ جَمِيعًا، وَرِوَايَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ }.(3)
قال الإمام ابن كثير: { فَأَمَّا الْـمُبْهَمُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ ، أَوْ مَنْ سُمِّيَ وَلَمْ تُعْرَفْ عَيْنُهُ فهذا مِمَّنْ لا يَقْبَلُ رِوَايَتَهُ أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ }.(4)
قال الإمام ابْنُ حجر العسقلاني: { إِذْ الْـمَجْهُوْلُ غَيْرُ مُـحْتَجٍّ بِهِ }.(5)
تنبيه:
هذه القصة الغريبة ذكرها الإمام ابن كثير في البداية والنهاية وبنفس هذا السياق دون تعليق.(6)
وكما ترى عزيزي القارئ الكريم أنَّ هذه الرواية لا دليل على صحتها على الإطلاق.
فكيف أتى الدكتور عدنان إبراهيم برواية كهذه ليطعن في أمير المؤمنين سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ؟
وهل هذا هو البحث العلمي والتحقيق والتدقيق الذي صدع الدكتور عدنان به رؤوسنا ليل نهار ؟
وقد وقعتُ على حلقة فضائية له مع الإعلامي المحترم عبد الله المديفر يقول فيها أنه يعتذر عما قاله عن الصحابة ولكنه في نفس الوقت قال أنَّ كلَّ ما قاله عن الصحابة ثابت عنهم في كتبنا !!
فهل هذه الروايات ثابتة يا عباد الله ؟ هل هذه الرواية عن نبش قبر معاوية لها سند صحيح ؟
ثانياً: نفي صحة الرواية عَقْلاً:
أقول وبالله التوفيق: أنَّ مَنْ يَتَأَمَّلْ جيداً في هذه الرواية ربما تدور برأسه بعض الأسئلة !
س1: كيف عَرَفَ نابشُ القبر أنَّ ما نَبَشَهُ هو قبر معاوية بن أبي سفيان نفسه؟
س2: لو كان القبر بالفعل لمعاوية، فما الذي يضمن لنا أنَّ نابش القبر صادقٌ في قِيلِه؟
س3: الرواية تقول أنَّ نابشَ القبرِ جعل المسجدَ الجامعَ في دمشق 70 يوماً اسطبلاً للخيول، فهل فاعل مثل هذا الفعل الأثيم يؤتمن على قولٍ يقوله, أو موقفٍ ينقله, أو روايةٍ يرويها؟
س4: هل من ينبش قبور المسلمين كما فعل هذا النابش يكون قد فعل خيراً أم شراً ؟
ثالثاً: حُكْمُ نَبْشِ قُبُورِ المسلمين:
قال الإمام الرُّعينيُّ المالكي: { الْقَبْرُ حَبْسٌ لَا يُمْشَى عَلَيْهِ وَلَا يُنْبَشُ ما دَامَ بِهِ }.(7)
قال الإمام النووي الشافعي: { وَأَمَّا نَبْشُ الْقَبْرِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ }.(8)
قال الإمام البهوتي الحنبلي: { (وَلَا يُنْبَشُ قَبْرُ مَيِّتٍ بَاقٍ ، لِمَيِّتٍ آخَرَ) أَيْ : يَحْرُمُ ذَلِكَ ، لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ }.(9)
رابعاً: ثُمَّ ماذا يا عدنان؟:
ماذا بعد هذا التطاول على هذا الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه ؟
ماذا تهدف من إسقاطه في قلوب أتباعك ومريديك ؟
وماذا أنت قائل لربك يوم القيامة حينما يسألك عن هذا الطعن والغمز واللمز؟
لماذا لم يحفظ عدنان إبراهيم وصية النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه ؟
روى الإمامُ ابن أبي شيبة: { عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَآنِي وَصَاحَبَنِي , وَاللهِ لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ , مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي , وَصَاحَبَ مَنْ صَاحَبَنِي , وَاللهِ لاَ تَزَالُونَ بِخَيْرٍ , مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ رَأَى مَنْ رَآنِي , وَصَاحَبَ مَنْ صَاحَبَ مَنْ صَاحَبَنِي }.(10)
ووالله لقد رآه سيدُنا معاويةُ وَصَاحَبَهُ سنواتٍ, فاللهَ اللهَ في سيدنا معاوية بن أبي سفيان.
قال الإمامُ الخطيب البَغْدَادِيُّ: { وَجَمِيعُ ذَلِكَ يَقْتَضِي طَهَارَةَ الصَّحَابَةِ , وَالْقَطْعَ عَلَى تَعْدِيلِهِمْ وَنَزَاهَتِهِمْ , فَلَا يَحْتَاجُ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ تَعْدِيلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمُ الْمُطَّلِعِ عَلَى بَوَاطِنِهِمْ إِلَى تَعْدِيلِ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ لَهُمْ , فَهُمْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ عَلَى أَحَدِهِمْ ارْتِكَابُ مَا لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا قَصْدَ الْمَعْصِيَةِ , وَالْخُرُوجِ مِنْ بَابِ التَّأْوِيلِ , فَيُحْكَمُ بِسُقُوطِ عَدَالَتِهِ , وَقَدْ بَرَّأَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ , وَرَفَعَ أَقْدَارَهُمْ عَنْهُ , عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرِدْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ فِيهِمْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لَأَوْجَبَتِ الْحَالُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا , مِنَ الْهِجْرَةِ , وَالْجِهَادِ , وَالنُّصْرَةِ , وَبَذْلِ الْمُهَجِ وَالْأَمْوَالِ , وَقَتْلِ الْآبَاءِ وَالْأَوْلَادِ , وَالْمُنَاصَحَةِ فِي الدِّينِ , وَقُوَّةِ الْإِيمَـانِ وَالْيَقِينِ – الْقَطْعَ عَلَى عَدَالَتِهِمْ وَالِاعْتِقَادَ لِنَزَاهَتِهِمْ , وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْمُعَدَّلِينَ وَالْمُزَكَّيْنَ الَّذِينَ يَجِيؤُنَ مِنْ بَعْدِهِمْ أَبَدَ الْآبِدِينَ. هَذَا مَذْهَبُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ }.(11)
لاحظ عزيز القارئ قوله: { هَذَا مَذْهَبُ كَافَّةِ الْعُلَمَـاءِ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ }.
فالخطيب يقرر ونقل أن هذا هو موقف كافة العلماء !
فأين عدنان من هذا ؟
فما هذا الذي يفعله عدنان إبراهيم ؟
إليك ما قاله الخطيب البغدادي عما يفعله عدنان إبراهيم:
{ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ إِلَى أَنَّ حَالَ الصَّحَابَةِ كَانَتْ مَرْضِيَّةً إِلَى وَقْتِ الْحُرُوبِ الَّتِي ظَهَرَتْ بَيْنَهُمْ , وَسَفْكِ بَعْضِهِمْ دِمَاءَ بَعْضٍ , فَصَارَ أَهْلُ تِلْكَ الْحُرُوبِ سَاقِطِي الْعَدَالَةِ}.(12)
فلماذا يقف الدكتور عدنان في صف أهل البدع الذي ينتقصون أصحاب رسولنا الكريم بأبي هو وأُمِّي صلى الله عليه وسلم ؟
وماذا يستفيد عدنان من مخالفته الصريحة الجريئة لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم ؟
وما الذي جناه من جراء الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
ولقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الخوض في أعراض أصحابه وأمرنا بالإمساك عنهم.
روى الإمام الطبراني: { عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا ذُكِرَ أَصْحَابِي فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَتِ النُّجُومُ فَأَمْسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا»}.(13)
فمن امتثل أمر نبيه أفلح، وَمَنْ تَنَكَّبَ طريقه ضَلَّ سعيه في الدنيا والآخرة.
{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } سورة النور 63.
مراجع البحـث:
(1) أنساب الأشراف للإمام أحمد بن يحيى البلاذري ج11 ص70، ط دار الفكر – بيروت، ت: د/سُهَيل زَكَّار, د/رياض زركلي.
(2) تاريخ دمشق للإمام أبي القاسم بن عساكر ج53 ص126 ، ط دار الفكر – بيروت، ت: محب الدين أبي سعيد عمر العمروي.
(3) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص111 ، ط دار الفكر المعاصر – لبنان ، دار الفكر – سوريا ، ت: نور الدين عنتر
(4) الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث للإمام بن كثير ص92، ط دار الكتب العلمية – بيروت ، تأليف أحمد شاكر.
(5) لسان الميزان للإمام ابن حجر العسقلاني ج1 ص198، ط دار البشائر الإسلامية – بيروت، ت: عبد الفتاح أبو غدة.
(6) البداية والنهاية للإمام ابن كثير ج13 ص259، ط دار هجر – الجيزة، ت: د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي.
(7) مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للإمام شمس الدين الحطاب الرُّعينيّ ج3 ص74، ط دار عالم الكتب – بيروت. ت: زكريا عميرات.
(8) المجموع شرح المهذب للإمام محي الدين النووي ج5 ص303، ط دار الفكر – بيروت، ت: محمد نجيب المطيعي.
(9) كشاف القناع عن متن الإقناع للإمام منصور بن يونس البهوتي ج4 ص422، ط دار الفكر – بيروت، ت: هلال مصيلحي.
(10) المصنف للإمام أبي بكر بن أبي شيبة ج17 ص308 ، ط دار القبلة – جَدَّة، مؤسسة علوم القرآن – دمشق، ت: محمد عوامة.
(11) الكفاية في علم الرواية للإمام الخطيب البغداديص48، ط المكتبة العلمية – المدينة المنورة، ت: أبو عبدالله السورقي , إبراهيم حمدي المدني.
(12) الكفاية في علم الرواية للإمام الخطيب البغداديص49، ط المكتبة العلمية – المدينة المنورة، ت: أبو عبدالله السورقي , إبراهيم حمدي المدني.
(13) المعجم الكبير للإمام سليمـان بن أحمد الطبراني ج2 ص96, ط مكتبة بن تيمية – القاهرة، ت: حمدي عبد المجيد السلفي.
تمت بحمد الله
كتبه أبو عمر الباحث
موقع مكافح الشبهات