آخر تحديث للموقع :

الجمعة 14 ربيع الأول 1445هـ الموافق:29 سبتمبر 2023م 09:09:39 بتوقيت مكة

جديد الموقع

معركة صفين ..

معركة صفين

كانت معركة صفين صراعَ عصبية (و ليس صراع مذهب) حيث برز بوضوح تفوق عصبية أهل الشام وبنو أمية على أهل العراقَين عراق العرب وعراق العجم.

فجيش العراق كان تحت قيادة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وهو القائد المغوار العارف بالحرب، وقد أمّره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة على إحدى جيوش المسلمين في خيبر. وكان من قادته الأشتر النخعي من أشجع صناديد العرب وفرسانهم، وكان من قتلة عثمان. وكان جيشه أكبر من جيش الشام ويقدر بحوالي مئة ألف[1]، لكن فيهم العجم والموالي والأعراب والعصاة، وفيهم من بقي من قتلة عثمان. وكان ذلك الجيش مفرقاً لا تجمعه عصبية، بل يغلب عليه عصائب مفرقة متناحرة. ورغم أن علياً كان يحكم كل بلاد المسلمين عدا الشام، أي فارس وخرسان والجزيرة واليمن والعراق ومصر، إلا أن غالب جيشه كان من عصائب أهل العراق. وقد عاب عليه معاوية أن المهاجرين والأنصار لم يكن منهم في جيشه إلا النذر اليسير. ولكن كان في جيشه من الصحابة أكثر مما كان في جيش معاوية.

و جيش الشام كان تحت قيادة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. وكان معه عمرو بن العاص رضي الله عنه العارف بالحرب، وقد أمّره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة على إحدى جيوش المسلمين في ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنه. وكان جيشاً منظماً شديد الانضباط، حتى قال معاوية: «و الله ما أصبت الشام إلا بالطاعة»[2]. وكان جيشاً ذا عصبية قوية رغم قلة عدده[3]، فاستطاع أن يصمد أمام جيش جرار يقارب ضعفه.

بدأت مناوشات كثيرة بين الجيشين، ثم أرسل علي رضي الله عنه إلى معاوية وقال له: «هل لك إلى أن نتهادن شهراً، وأن لا يحدث فيه قتال، لعل أن نتفاوض ونتفاهم؟». وكان الأمل في الصلح يحدو الجميع، حيث إن علياً رضي الله عنه غير راغب في القتال أصلاً، فهو يريد أن يؤخر القتال قدر المستطاع وكذلك معاوية، فلم يكد يعرض عليه علي هذا الأمر حتى بادر معاوية بالموافقة على إيقاف القتال في شهر المحرم. فتوقف القتال تماماً والجيشان في أماكنهما يتزاورون ويتسامرون في الليل. ولا غرابة في ذلك لأنه لم تكن بين الجيشين أحقاد، بل كان كل طرف ينافح عما يعتقده حقاً، ولأنهم كانو أهلاً من نفس القبائل والعشائر[4].

و انتهت الهدنة، فأمر علي جيشه بهجوم شديد عنيف[5]. وقد التزم كلٌ من الطرفين بأحكام قتال البغاة. قال أبو أمامة: «شهدت صفين، فكانو لا يجهزون على جريح، ولا يطلبون مُوَلّياً ولا يسلبون قتيلاً»[6]. ولم يكن الطرفان يكفّر بعضهما، لكن بعض الجند المتحمسين في جيش علي رضي الله عنه كانو يلعنون ويكفرون الشاميين، فلا يلقى من قادته إلا النَّهْر والتّوبيخ[7]. وقال رجل يوم صفين: «اللهم العن أهل الشام». فقال علي: «لا تسب أهل الشام جمّاً غفيراً، فإن بها الأبدال، فإن بها الأبدال، فإن بها الأبدال»[8].

و احتدمت المعركة بضراوة شديدة حتى قـُتِل من الطرفين مقتلة عظيمة دون أن يتراجع أحد لأن كل طرف يظن أنه على حق، حتى قال الشعبي عن أهل صفين: «هم أهل الجنة، لقي بعضهم بعضاً فلم يفِرّ أحدٌ من أحد». وهذا مصداق لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الثابت بالصحيحين «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يقتل بينهما مقتلة عظيمة، ودعواهما واحدة». فلما قتل عمار بن ياسر رضي الله عنه على يد أحد من جيش الشام، ارتاع عمرو بن العاص رضي الله عنه لعلمه أنه تقتله الفئة الباغية كما جاء في الحديث الصحيح[9]، فاقترح على معاوية التحكيم فرضي بذلك. فأرسل معاوية رجلاً يحمل المصحف إلى علي ويقول: «بيننا وبينكم كتاب الله». فقال علي: «أنا أولى بذلك. بيننا كتاب الله». وتوقف القتال وانسحب الفريقان.

و قد قتل من الفريقين فيما ذكره غير واحد سبعون ألفاً: خمسة وأربعون ألفاً من أهل الشام، وخمسة وعشرون ألفاً من أهل العراق[10]. كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان دعوتهما واحدة. فبينما هم كذلك، مرق منهما مارقة، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق»[11]. قال الحافظ بن كثير: «فهذا الحديث من دلائل النبوة إذ قد وقع الأمر طبق ما أخبر به عليه الصلاة والسلام. وفيه الحكم بإسلام الطائفتين أهل الشام وأهل العراق لا كما يزعمه فرقة الرافضة والجهلة الطـِّغام من تكفيرهم أهل الشام. وفيه أن أصحاب علي أدنى الطائفتين إلى الحق، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة: أن عليا هو المصيب، وإن كان معاوية مجتهداً وهو مأجور إن شاء الله. ولكن علي هو الإمام فله أجران، كما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَ إِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ».

فلم يُكفِّر علي رضي الله عنه معاوية رضي الله عنه و لا من من معه من أهل الشام أيضاً. فقد سئل علي عن قتال يوم صفين فقال: «قتلانا وقتلاهم في الجنة، ويصير الأمر إليّ وإلى معاوية»[12]. وكان علي إذا أتي بأسير يوم صفين أخذ دابته وسلاحه وأخذ عليه أن لا يعود وخلّى سبيله. وعن يزيد بن بلال قالشهدت مع علي صفين فكان إذا أتي بالأسير قال: «لن أقتلك صبراً؛ إنّي أخاف الله رب العالمين»، وكان يأخذ سلاحه ويحلفه لا يقاتله ويعطيه أربعة دراهم. ويصف سالم بن عبيد الأشجعي –و هو صحابي شهد المعركة– موقف علي فيقول: «رأيت علياً بعد صفين وهو أخذ بيدي، ونحن نمشي في القتلى. فجعل علي يستغفر لهم حتى بلغ أهل الشام. فقلت له: «يا أمير المؤمنين إنّا في أصحاب معاوية!». فقال علي: «إنما الحساب عليّ وعلى معاوية»[13]. أي أنه يرى نفسه ومعاوية مسؤولـَين عمّا حدث، وهما يحاسَبان على ذلك.

و عن المسيب بن نجبة قال: «كان علي آخذا بيدي يوم صفين فوقف على قتلى أصحاب معاوية فقال: يرحمكم الله، ثم مال إلى قتلى أصحابه فترحم عليهم بمثل ما ترحم على أصحاب معاوية. فقلت: يا أمير المؤمنين استحللت دماءهم ثم تترحم عليهم؟ قال: إن الله تعالى جعل قتلنا إياهم كفارة لذنوبهم».

و كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول في ليالي صفين: «لله درّ مقام عبد الله بن عمر وسعد بن مالك –و هما ممن اعتزل الفتنة– إنْ كان برّاً إنّ أجره لعظيم، وإن كان إثماً إنّ خطره ليسير»، قال إبن تيمية: «و تواترت الآثار بكراهته الأحوال في آخر الأمر، ورؤيته اختلاف الناس وتفرّقهم، وكثرة الشر، الذي أوجب أنّه لو استقبل من أمره ما استدبر، ما فعل ما فعل»[14].

فلما رجع علي من صفين، عَلِمَ أنّه لا يَملكُ أبداً، فتكلّم بأشياء كان لا يتكلم بها، وحدّثَ بأحاديث كان لا يتحدث بها، فقال فيما يقول: «أيها الناس؛ لا تكرهو إمارة معاوية! والله لو فقدتموه لرأيتم الرؤوس تندر[15] من كواهلها كالحنظل»[16].

و ما حصل من قتال بين علي ومعاوية لم يكن يريده واحد منهما، بل كان في الجيش من أهل الأهواء من يحرص على القتال، الأمر الذي أدى إلى نشوب تلك المعركة الطاحنة، وخروج الأمر من يد علي ومعاوية رضي الله عنهما[17]. وأكثر الذين كانو يختارون القتال من الطائفتين لم يكونو يطيعون لا علياً ولا معاوية. وكان علي ومعاوية –رضي الله عنهما– أطلب لكف الدماء من أكثر المتقاتلين، لكن غـُلِبا فيما وقع. والفتنة إذا ثارت، عجز الحكماء عن إطفاء نارها.

و لذلك رحّب كلاهما بمبدأ تحكيم كتاب الله في نزاعهم بينهم. وأما ما يدندن عليه بعض المؤرخين من أن علياً لم يكن راغباً لا في التحكيم ولا بحقن دماء المسلمين، فهذا كذب صريح عليه. بل الثابت الصحيح أن علياً رضي الله عنه قبل الصلح من تلقاء نفسه. وكذلك إسطورة التحكيم التي حصلت فيما بعد في أن أبا موسى الأشعري خلع علياً كما يخلع خاتمه بينما رفض عَمْر بن العاص أن يخلع معاوية، وأن النتيجة كانت أن أعلن معاوية الخلافة، فهذا كلام ظاهر البطلان، والروايات الصحيحة تردّه. ومن المستغرب فعلاً أن يردّد المؤرخون في كتبهم مثل تلك الأساطير. فمعاوية لم يدَّع الخلافة إلا بعد تنازل له عنها الحسن بن علي[18]. يقول إبن تيمية: «معاوية لم يَدَّعِ الخلافة، ولم يُبايَع له بها، حتى قـُتِـل علي. فلم يُقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحقها، وكان يُقرُّ بذلك لمن يسأله»[19].

و القصة الحقيقية لحادثة رفع المصاحف هي ما أخرجه الإمام أحمد عن أبي وائل قال: كنا بصفين. فلما استحر القتل بأهل الشام، اعتصمو بتل. فقال عمرو بن العاص لمعاوية: «أرسل إلى علي بمصحف وادعه إلى كتاب الله، فإنه لن يأبى عليك». فجاء به رجل فقال: «بيننا وبينكم كتاب الله ]ألم تر إلى الذين أوتو نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون[[20]». فقال علي: «نعم. أنا أولى بذلك[21]. بيننا وبينكم كتاب الله». فجاءته الخوارج –و نحن ندعوهم يومئذ القراء– وسيوفهم على عواتقهم، فقالو: «يا أمير المؤمنين. ما تنتظر بهؤلاء القوم الذين على التل؟ ألا نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم؟»[22]. فأشار عليهم كبار الصحابة بمطاوعة علي وأن لا يخالف ما يشير به لكونه أعلم بالمصلحة. وذكر لهم سهل بن حنيفرضي الله عنه ما وقع لهم بالحديبية وأنهم رأو يومئذ أن يستمرو على القتال ويخالفو ما دُعُو إليه من الصلح، ثم ظهر أن الأصلح هو الذي كان شرع النبي فيه[23].


[1] تاريخ خليفة (ص193) بسند حسنو قد خرج هذا الجيش في بداية ذي الحجة من سنة (36هـ).
[2] البداية والنهاية.
[3] كان سبعين ألفاً على أصح الروايات. مصنف ابن أبي شيبة (15/ 295) بإسناد حسن.
[4] المنتظم لابن الجوزي (5/ 117-118).
[5] المنتظم لابن الجوزي (5/ 118).
[6] إرواء الغليل (8/ 114)، والمستدرك (2/ 155)، والبيهقي في سننه (8/ 182)، وطبقات ابن سعد (7/ 411).
[7] مصنف ابن أبي شيبة (15/ 294).
[8] حدثنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن صفوان قال: قال رجل يوم صفين... الحديث. إنظر مصنف عبد الرزاق (11/ 249)، والفتن لنعيم بن حماد (1\235). وكذلك أخرجه أحمد في فضائل الصحابة (2\905). حديث صحيح مرسل.
[9] كان كثير من أهل الشام يتأمّل أن ينضمّ عمار بن ياسر إليهم، أو على الأقل أن لا يكون قتله على يدِ أحدٍ منهم. ولذلك كان جنود الشام يفرُّون منه حتى لا يقتله أحد منهم.
[10] قدر محمد بن سيرين عدد القتلى في هذه المعركة بحوالي سبعين ألف رجل. كان منهم خمس وأربعين ألف شخص من جيش الشام، أي كان نصف الجيش قد فني فما قدِرو على عدّهم إلا بالقصب، وضعو على كل إنسان قصبة، ثم عدُّو القصب. الذهبي في تاريخ الإسلام - عهد الخلفاء الراشدين (ص545)، ومعجم البلدان (3/ 414-415)، ومصنف ابن أبي شيبة (15/ 295) بإسناد حسن من مرسل ابن سيرين، وهو من أصح المراسيل. وتاريخ خليفة (ص194) مختصراً.
[11] رواه الثوري عن ابن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد. وله شواهد في الصحيحين وهو صحيح.
[12] المعجم الكبير للطبراني (19/ 307). وفي رواية الذهبي: قال علي «قتلاي وقتلى معاوية في الجنة». سير أعلام النبلاء (3\144)
 [13] مصنف ابن أبي شيبة (15/ 303)
[14] منهاج السنة (6/ 209).
[15] تندر: أي تسقط.
[16] قال إبن تيمية: «و قد رُوِيَ هذا عن علي –رضي الله عنه– من وجهين أو ثلاثة». منهاج السنة (6\209).
 [17] أشراط الساعة ليوسف الوابل (ص103).
[18] هناك رواية مقطوعة في تاريخ الطبري (3\166) عن سعيد بن عبد العزيز قال: « كان علي عليه السلام يدعى بالعراق أمير المؤمنين، وكان معاوية يدعى بالشام الأمير. فلما قُتِل علي عليه السلام، دُعي معاوية أمير المؤمنين». فمن المحتمل جداً أن يكون معاوية دعى نفسه للخلافة في القدس بعد وفاة علي بن أبي طالب وقبل تنازل الحسن له عنها. والسؤال هنا: من كانت خلافته قبل: الحسن أم معاوية؟ فإن كانت خلافة معاوية أولاً بطلت خلافة الحسن. وإن كانت خلافة الحسن أولاً صحّت خلافة معاوية بعد أن تنازل الحسن له عنها فقط. ولم أقع على رواية صحيحة تحسم الموقف.
[19] مجموع الفتاوى ( 35/ 72).
[20] (آل عمران:23).
[21] أي بالإجابة إذا دعيت إلى العمل بكتاب الله لأنني واثق بأن الحق بيدي.
[22] إنظر تمام قول سهل بن حنيف رضي الله عنه في مسند أحمد (3\485)، فقد اختصرته هنا.
[23] إنظر فتح الباري (8\588)

المصدر: إسلام ويب

عدد مرات القراءة:
1667
إرسال لصديق طباعة
الثلاثاء 7 شعبان 1444هـ الموافق:28 فبراير 2023م 04:02:09 بتوقيت مكة
احمد  
مكتوب معاوية صلى الله عليه وسلم ؟!!!!
الجمعة 19 صفر 1444هـ الموافق:16 سبتمبر 2022م 07:09:24 بتوقيت مكة
المختار 
بارك الله فيكم ورضى الله عن أصحاب النبي
 
اسمك :  
نص التعليق :