آخر تحديث للموقع :

الأثنين 16 ذو القعدة 1444هـ الموافق:5 يونيو 2023م 11:06:02 بتوقيت مكة

جديد الموقع

على ماذا يرتكز الأصوليين في رد الروايات التاريخية، الموثقة تواتر، كمسألة مقتل الإمام الحسين رضي الله عنه ..

قد يقول قائل على ماذا يرتكز الأصوليين في رد الروايات التاريخية، الموثقة تواترا؟! .. كمسألة مقتل الإمام الحسين عليه السلام

نقول إن النقد يكون من خلال النكت بالمتناقضات العقلية للخبر وثغرات الوضع له، أو بشكل أشمل مخالفتها لثابت الأصول، وصريح المعقول وصحيح المنقول ..
إضافة لتعارضه مع بعض الأخبار الصحيحة الأخرى ..
نقول أولا الإمام السبط الحسين عليه السلام أخو الحسن وكونهم في مربى ومشرب واحد، فلا خلاف بينهم، فهم متفقين على خلافة الأمويين لحكم المسلمين! ..
من ناحية أخرى وفق تجربة أبيهم الإمام الغالب رضوان الله وسلامه عليه، مع أهل العراق وخاصة في الكوفة، وكيف كان فيهم معدن الشقاق والنفاق، فمن البيهي أن يتعلم ذلك الإمام الحسين عليه السلام، ويتقنه، من باب الخبرة، وتوثيق الحدث فيهم ..
من ناحية أخرى هل يعقل أن ينصحه من هم دونه من الصحابة من العبادلة وأخيه من أبيه محمد بن الحنفية؟! ..
وهو شيخهم بعد أبيه وأخيه، ومن سمات الشيخ في مشيخته، غلبه الوعي وسدادة الرأي وقوة الحدث، ببعد النظر، وتوثيق الخبرة بالتجربة، من باب الغلبة على مريديه وتلامذته وأصحابه وتابعيه، فكيف بمن كان إماما من كبار الأئمة يقتدى به؟! ..
فكيف يقول له ابن عمر رضي الله عنهما(  (( إني محدثك حديثا: إن جبريل أتى النبي فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة منه، والله لا يليها أحد منكم أبداً وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم )) ، فأبى أن يرجع، فاعتنقه وبكى وقال: استودعك الله من قتيل )؛ ألم يتميز آل علي كرم الله وجهه بالزهد والزهادة في الدارين فمن أين أتته هذه الرغبة الجامحة بالسلطة والمكانة الدنيوية، وعلى أساس أخروي بنا هذه الرغبة، ووثق بأناس مجربين بالشقاق والغدر والخيانة؟! ..
وهل قوة حدث وفراسة ابن عمر رضي الله عنهما وحكمته،، كانا خيرا من حدث الحسين عليه السلام، وحكمته ..
من ناحية أخرى كيف لمن قتلهم دون رحمة أن يقتل رجالهم من أبناء علي كرم الله وجهه، وأبناء الحسن والحسين عليهما السلام، وابناء عقيل وأبناء ابن جعفر الطيار رضوان الله وسلامه عليهم أجمعين ..
ثم يستعظم إثم قتل النساء والذراري، فيبقيهم بل ويكرمهم ويحسن مثواهم، ويصرف لهم خراجا! ..
أما كان أجدى على الحسين أن يتجاوز جند يزيد ويسلك طريق لا يلتقي به معهم، خاصة أن الصحراء واسعة ولم يكن هناك طرق معبدة تلزمهم المسير فيها، ولم يكن هناك وسائل رصد واستطلاع متطورة!، وكان أجدى بمن نصرهم أن يرسل إليهم من يسلك بهم هذه المسالك الآمنة في العراق، فأهل مكة أدرى بشعابها..
كما أن جند يزيد كانوا موحدين مسلمين يقدسون ويوقرون مكانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، وبيعتهم لخلافة يزيد على أنه خليفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم! ..
ووفق الروايات فقد خيرهم الإمام السبط الصادق سيد شباب أهل الجنة الحسين عليه السلام، بين ثلاثأن يذهب إلى يزيد فيبايعه، أو يؤيده، أو يعود من حيث أتى، أو يلتحق بثغر من ثغور المسلمين حتى يظهر الله الحق أو يهلك دونه..
وهذا دليل واضح أن الإمام الصادق الحسين عليه السلام، كان له غاية سامية في كبح أي فتنة جديدة تشق عصى المسلمين، وتفرق كلمتهم وشملهم، فإما أن يقنع على من اعترض على يزيد، وعزم على بيعته، أن يتراجع بإعاذ شفهي صريح منه، أو يبايع يزيد في أرضه، فتكون ببيعته سد لأي ذريعة بتوقيد الفتنة وحصر الفتنة بأهلها الذين كادوا وغدروا بالإمام الحسين وأوقد الفتنة، وهم الذين اليوم يحيون هذه الذكرى ليجددوا فكرة إيقاد العداوة والبغضاء بين فئات المسلمين، بحجة إحياء شعيرة دينية! ..
والحالة الثالثة أو الخيار الثالث أن يقف بصف من كان الحق معه حتى يظهره الله أو يهلك دونه .. 
وقد عرف الإمام الحسين بالإمام الصادق، لشدة صدقه بالحق، وكان لدى من قتله خيارين إيجابين يتجنبون بهما إثم فعل عظيم بقتل الحسين ..
كما أنهم لم يكن لهم الخيرة بذلك أي بقتل الحسين عليه السلام، فلم يصدر لهم الخليفة الأموي يزيد بن معاوية أمرا بالقتل بل بالمنع فقط، من الوصول إلى شيعته، وفق الروايات التاريخية ..
فالأمويين إشتهروا بالسيادة بالحنكة السياسية قبل اللجوء للقوة، أي وفق القاعدة التي تقول لأن تكسب معركة بغير حرب خير لك من ألف كسب بحرب .. 
الحق أنه إن كان قد حدث وقتل الحسين فقاتليه هم أتباع ابن السوداء ابن سبأ اليماني اليهودي، لا محالة، فهم من أكبر الكفار الفجار الذين تجرؤوا من قبل على ذي النورين عثمان رضي الله عنه، وذي السبطين كرم الله وجهه، وعلى أخيه السبط الأكبر الحسن رضوان الله وسلامه عليه ..
إلا أنه لا أثر محسوس أو مثبت لقبور رجالات آل البيت في كربلاء، إلا تلك المقامات الظنية ..
وبقاء ذرية الحسين من ابنة كسرى يزدجرد سلاف التي كانت تدعى "شاهبانو"، أكبر دليل أنه على الأقل لو كان من فعل الأمويين لقضوا على نسله وأعني أبا عبد الله الحسين بن علي رضوان الله وسلامه عليهما، كاملا، حتى ينعدم الثأر، وتنتهي الفتنة! ..
إنما من مصلحة السبأيين أن تبقى الذرية لتبقى الفتنة قائمة إلى زمننا هذا، والله أعلم بالصواب .. 
وكنتيجة، فإحتمالية مقتل الحسين وفق النقل والعقل، هي سبعين بالمائة، أما إحتمالية عدم قتله هي ثلاثين بالمائة لأنها محصورة بالعقل، وهي بالعقل مائة بالمائة ووفق الأصول:
يقول الإمام ابن الجوزي( ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يُبَايِنُ المعقول، أو يُخَالِفُ المنقول، أو يُنَاقِضُ الأصول، فاعلم أنه موضوع )؛ ورد في "تدريب الراوي" للسيوطي [ج1/ص: 277]؛ وفي "اليواقيت والدرر" للمناوي [ج1/ص: 138]؛ وفي "علوم الحديث" للمليباري [ج1/ص: 73] ..
فمقتل الحسين عليه السلام، يباين المعقول ويناقض الأصول!؛ وقوله تعالى، في أصدق الحديث{ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً } [مريم : 72]، وحاشا لله أن يكون الحسين عليه السلام ظالما لنفسه، ولمن تبعه على الحق ..
ووفق الروايات فقد التمس الإمام السبط الحسين عليه السلام أسباب النجاة، أفلا ينجيه الله!؛ لقوله تعالى أيضا{ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ } [يونس : 103] ..
ولم يلقي بنفسه إلى التهلكة{ وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [البقرة : 195]
ألم يكن الإمام الحسين عليه السلام، من زينة الأتقياء، وخيرة المؤمنين، أليس هو من سادة شباب أهل الجنة ..
ما دام الإمام الحسين عليه السلام، على الحق وجاء نصرة للحق فلما لم ينصره الله عز وجل؟! ..
ألم يقل الله تعالى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد : 7]
وقوله عز وجل{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } [الروم : 47] ..
وقوله عز من قائل{ إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [آل عمران : 160
أليست هذه عهود ووعد حق من الله الحق لمن آمن واتقى وتوكل عليه ..
هل يعقل أن يخرج من تلقاء نفسه دون أن يأتيه خاطر إلهام يطمئن إليه، ويركن إليه، ومن ثم يشاور في الإمر أهل النصح من مقربيه، وهو إمام رباني ثبت قدوة ..
وينطبق عليه قوله تعالى{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } [الحج : 39]
فالحق أن أمير المؤمنين يزيد نال من قتلة الحسين، بتوفيق من الله والجم ومن والاه فتنتهم حتى حين .. 
إلا أن أقلام اليهود ومن ولاهم من المجوس أردوا ن يظهروا الله عاجز يحنس بوعده ولا عهد له، والعياذ بالله، خلافا لما جاء في كتابه تعالى المحكم ..
ألم يقل الله تعالى في كتابه{ وَعْدَ اللّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً[النساء : 122] ..
وقوله{ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ } [التوبة : 111]
وسبب تصديق الدهماء لمن هو من دون الله، على ما قال الله، ما جاء، في قوله تعالى{ أَلا إِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [يونس : 55

وقوله{ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [الروم : 6]
فنقص العلم الإيماني بالإلهيات، وثوابت التوحيد، وضعف الإيمان الاعتقادي عند الدهماء وغيرهم، ضلل الناس عن الحقيقة الحقة! .. 
يقول الإمام الحافظ الأصولي ابن الجوزي( واعلم أن الحديث المنكرُ يقشعرُّ مِنْهُ جلدُ طالبِ العلمِ، ويَنْفُرُ مِنْهُ قلبُهُ فِي الغالبِ ) ؛ ورد في "الموضوعات الكبرى" لابن الجوزي [ج1/ص: 103]؛ وفي "فتح الباقي" لزين العراقي [ج1/ص: 281] ..
ومصداق ذلك في كتاب الله، قوله تعالى{ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ } [النور : 12]
فتصديق هذا الكذب المختلق سببه انحلال الإيمان، وندرة العلم الإيماني المبني على التحقيق والتدقيق ..
لذلك نجد كثير من العلماء من غير الأصوليين، يمسكون ويصمتون تورعا على الخوض بم تنفر منه قلوب المؤمنين، حول مقتل الحسين عليه السلام وغيره، انكارا لها في سريرتهم، ما داموا لا يملكون البرهان القاطع، والرد الساطع عليها ..
ومن قال أن هذه الروايات متواترة بل أكثر من متواترة، نقول له هي ليست متواترة تواتر صادقا، بل هي تفشي كذب أخذ حد التواتر وبتقادمه ضلل به المؤرخين المتأخرين!، وربما رواة المؤرخين، وإنما آفة الأخبار رواتها .. 

لذلك فإن العلماء الأصوليين، لا يصدقون هكذا رويات لأن المقدم عندهم ما قال الله وصدقه وبينه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقاعدتهم بذلك، هي( كل حديث، خالف ثواتب الأصول، أو ناقض عرف المعقول، فهو مردود من غير اعبتار، مرفوعا كان أم موقوفا أم مقطوعا )؛ انظر في "الموضوعات الكبرى" لابن الجوزي [ج1/ص: 106]؛ وفي "شرح العلل" لابن رجب [ج1/ص: 332]؛ وفي "تدريب الراوي" للسيوطي [ج1/ص: 277] .. 
وبناءاً عليه فنحن الأصوليين المصدق والمقدم عندنا ما قاله الله عز وجل، وما تيقن أنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفق القاعدة التي وضعها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، في تتبع أخبار التاريخ، ثم إمام الأصوليين وفقيه الفقهاء الصحابي الصدوق ابن مسعود رضي الله عنه، ومن قبله الإمام بحر العلوم الغالب علي بن أبي طالب، والتي فحواها:
مارواه من أئمة الصحيح الترمذي والدارمي في "السنن"، وأحمد في "المسند" وصححه الحاكم في "المستدرك" على شرط الشيخين، في قوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو ما يصح موقوفا أيضا على الإمام الغالب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه( كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ .... )؛ (1)

وقولَ الإمام الفقيه الأصولي الجليل الصدوق عُبَدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه( مَنْ أَرَادَ الْعِلْمَ فَلْيُثَوِّرِ الْقُرْآنَ، فَإِنَّ فِيهِ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ )؛ (2)
---------------
(1) رواه الترمذي في "سننه" [ج5/ص: 158/ر:2851]، والدارمي في "سننه" [ج2/ص: 893/ر:3236]، ورواه الإمام أحمد في "سننه" [ج1/ص: 147/ر:706]؛ ورواه البيهقي في "الشعب" [ج2/ص: 325/ر:1791]، وأبو نعيم في "الحلية" [ج5/ص: 253/ر:7257]، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" [ج7/ص: 164/ر:2]، والبزار في مسنده "البحر الزخار" [ج3/ص: 71/ر:836]، والطبراني في "الكبير" [ج20/ص: 84/ر:160]، وقال الحاكم النيسابوري في "المستدرك" [ج1/ص: 741/ر:2040] : هذا حديث صحيح الإسناد [على شرط الشيخين]، ولم يخرجاه؛ وسكت الذهبي عنه في "التلخيص" قبولا؛ وحكمه[صحيح] ..
(2) رواه الإمام أحمد في "الزهد" [ر:532]، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" [ر:123]، والهيثمي في "مجمع الزوائد" [ج7/ص: 168]، وقالروي بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح؛ والبوصيري في "إتحاف المهرة" [ج1/ص: 190]، وحكمه[صحيح] ..

عدد مرات القراءة:
833
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :