قصة مفتراه على الصحابية اروى بنت الحارث ابن عبد المطلب لعمرو بن العاص رضى الله عنه
اعداد على حشيش نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم لبيان حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الناس، ومما زادها شهرة أن العقاد أوردها في كتابه «عمرو بن العاص»، وإلى القارئ الكريم تخريج وتحقيق هذه القصة الواهية أولاً المتن قال العقاد في كتابه «عمرو بن العاص» ص ، «إن عمرو بن العاص على قدر ذلك الفخر بأبيه كان خجله من نسبه إلى أمه واجتراء الناس عليه بمسبتها كلما تعمدوا الغص منه والإساءة إليه ويؤخذ من بعض هذه المعايرات أنها كانت تؤجر للغناء بمكة فإن عمرًا شتم أورى بنت الحارث بن عبد المطلب بمجلس معاوية فانتهرته قائلة «وأنت يا ابن النابغة تتكلم وأمك كانت أشهر امرأة تغني بمكة وآخذهن لأجرة؟ اربع على ظَلْعك واعن بشأن نفسك فوالله ما أنت من قريش في اللباب من حسبها ولا كريم منصبها ولقد ادّعاك خمسة نفر من قريش كلهم يزعم أنه أبوك فسئلت أمك عنهم فقالت كلهم أتاني فانظروا أشبههم به فألحقوه به» قلت هكذا أورد العقاد القصة بغير تخريج ولا تحقيق، وهذا الكاتب قد فتن به الكثير، حتى أصبح ما كتبه عن صحابة النبي يدرس بأهم مراحل التربية والتعليم وتساق على أنها من المسلمات، مع افتقارها إلى المنهج العلمي من التخريج والتحقيق كما بينه علماء الصنعة من المحدثين خاصة علم الإسناد الذي بين أهميته الإمام مسلم في «مقدمة صحيحه» باب «الإسناد من الدين»، حيث قال وحدثني محمد بن عبد الله بن مَهْزَاد من أهل مَرْو قال سمعت عَبْدان بن عثمان يقول سمعت عبد الله بن المبارك يقول «الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء» وقال محمد بن عبد الله حدثني العباس بن أبي رزمة قال سمعت عبد الله يقول بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد اهـ قلت وهذا العلم غفل عنه كثير من الأدباء والكتاب، فهمهم جمع الروايات وسردها من غير بحث في أسانيدها ؛ لأنهم ليسوا من أهل الصنعة التي تعرف به حقيقة الروايات، فهمهم لا يتعدى اللغويات، في حين أن الإسناد خِصِّيصَّة للمسلمين، كما قال الإمام أبو محمد بن حزم في كتابه «الفصل في الملل والأهواء والنحل» «نقل الثقة عن الثقة مع الاتصال حتى يبلغ النبي خص الله به المسلمين دون سائر أهل الملل كلها وأبقاه عندهم غضًا جديدًا على قديم الدهور» اهـ قلت وفي العصر الحديث اعترف الباحثون الأجانب للمحدثين بدقة عملهم وأقروا بحسن صنيعهم، واتخذ علماء التاريخ من قواعدهم أصولاً يتبعونها في تقصي الحقائق التاريخية، ووجدوا فيها خير ميزان توزن به وثائق التاريخ كما في كتاب «مصطلح التاريخ» للدكتور أسد رستم، حيث تجده يعتمد كلام ابن الصلاح في علوم الحديث بحروفه لذلك قال الإمام القاسمي في كتابه «قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث» ص وكان الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول «لولا أهل المحابر لخطبت الزنادقة على المنابر» ثانيًا التخريج هذه القصة أخرجها العباس بن بكار الضبي في كتابه «أخبار الوافدات من النساء على معاوية بن أبي سفيان» ص ، ح قال حدثنا عبد الله بن سليمان المديني عن قتادة قال دخلت أروى بنت الحارث بن عبد المطلب على معاوية وهي عجوز كبيرة، فلما رآها قال مرحبًا بك يا خالة، كيف كنت بعدي ؟ قالت بخير، كيف حالك وكيف أنت يا ابن أخي، لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك لا نبلاً منك ولا من أبيك في دنيا ولا سابقة كانت لكم في الإسلام، لكن كفرتم بما جاء به محمد ، فاتعس الله منكم الجدود وأضرع منكم الخدود ورد الحق إلى أهله، وكانت كلمتنا العليا ونبينا المنصور ولو كره المشركون على من ناوأه، فوثبتم علينا من بعده واحتججتم على سائر العرب بقرابتكم من رسول الله، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد، وأحق بهذا الأمر منكم، فكنا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون وكان سيدنا منكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى وغايتنا الجنة وغايتكم النار فقال لها عمرو بن العاص كفى أيتها العجوز وغضي طرفك واقصري من شر لفظك فإنه أمير المؤمنين قالت له إيه عنك يا ابن النفيرة، فوالله لعهدي بأمك بأبيات مكة وهي باكية من الخطيئة من كل عبد لنا عاهر، ولقد احتكم فيك خمسة من قريش كلهم يدعيك ابنه وغلب عليك جزار قريش، فقال لها سعيد بن العاص أيتها العجوز الضالة اقصري من قولك مع ذهاب عقلك إنه لا تجوز شهادتك وحدك قالت وأنت يا ابن الباغية تتكلم وأمك أشهر بغيًا فإن أباك قد راودها فادعاك فقال لها مروان بن الحكم كفى أيتها المرأة وأقصدي لما جئت له قالت له أنت يا ابن الزرقاء تتكلم والله لأنت أشبه بالعشير مولى الحارث بن كلدة منك بالحكم ابن أبي العاص، ولقد رأيت الحكم سبط الشعر مديد القامة فإنْ بينكما من القرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الأتان المقرب فسل عما أخبرتك به أمك فإنها تعلمك ذلك ثم التفتت إلى معاوية وقالت ما عرضني وما جرأ عليَّ هؤلاء أحدٌ غيرك يا ابن القائلة في قتل حمزة نحن جزيناكم بيوم بدر والحرب بعد الحرب ذات سَعِر ما كان لي من عتبة من صبر ولا أخي وعمتي وبكر سكن وخشي غليل صدري سليت همي وشفيت صدري فشكر وحشى على دهري حتى توارى اعظمي في قبري فأجابتها ابنة عمي وهي تقول جزيت في بدر وغير بدر يا ابنة وقاع عظيم الكفر صبحك الله غداة النحر بالها شميين الطوال الزهر لكل قطاع حسام يخر حمزة ليثي وعلي صقري أعطيت وحشيًا ضمير الصدر هتك وحشي حجاب الستر ما للبغايا بعدها من فخر فالتفت معاوية إلى عمرو ومروان فقال ما جلب عليَّ هذا أحدٌ غيركما ولا أسمعني هذا الكلام إلا أنتما لا حييتما، ثم قال يا خالة أقصدي إنا الفداء لك لحاجتك ودعي الأساطير عنك قالت تعطيني ألفي دينار وألفي دينار وألفي دينار، قال لها ما تصنعين بألفي دينار قالت اشتري بها عينًا خرارة في أرض خوارة تكون لفقراء بني الحارث بن عبد المطلب، قال هي لك وما تصنعين بألفي دينار، قالت أزوج بها فقراء بني الحارث بن عبد المطلب، قال هي لك، وما تصنعين بألفي دينار أخرى، قالت أستعين بها على شدة الزمان وزيارة بيت الله الحرام، قال قد أمرت لك بها يا خالة، ثم قال أما والله لو كان عليٌّ حيًا ما أمر لك بهذا قالت أتذكر عليًا فض الله فاك، وأجهدك بلاءك، ثم علا نحيبها وبكاؤها وأنشأت تقول ألا يا عين وحيك أسعدينا ألا أبكي أمير المؤمنين رزينا خير من ركب المطايا وحبسها ومن ركب السفينا ومن لبس النعال ومن حذاها ومن قرأ المثاني والمئينا ألا أبلغ معاوية بن حرب فلا قرت عيون الشامتينا أفي شهر الصيام فجعتموه بخير الناس طرًا أجمعينا ومن بعد النبي فدته نفسي أبو حسن وخير الصالحينا كأن الناس إذ فقدوا علياً نعام جال في بلد سنين لقد علمت قريش حيث كانت بأنك خيرها حسبًا ودينًا إذا استقبلت وجه أبي حسين رأيت البدر راق الناظرينا فلا والله لا أنسى عليًا وحسن صلاته في الراكعينا فبكى معاوية وقال كان والله يا خالة كما قلت وأفضل، وأمر لها بالذي سألت ثم قامت فانصرفت قلت وأورد هذه القصة ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد ، كذلك أوردها أحمد زكي صفوت في «جمهرة خطب العرب» ثالثًا التحقيق هذه القصة واهية وبها علتان الأولى الطعن في الراوي الثاني السقط في الإسناد أما العلة الأولى وهي الطعن في الراوي، وهذه العلة مركزة في العباس بن بكار الضبَّي قال الإمام الدارقطني في كتابه «الضعفاء والمتروكين» ترجمة «عباس بن بكار الضبي، بصري كذاب» قال الإمام العقيلي في كتابه «الضعفاء الكبير» «العباس بن بكار الضبي بصري الغالب على حديثه الوهم والمناكير» قال الإمام ابن حبان في كتابه «المجروحين» «العباس بن الوليد بن بكار شيخ من أهل البصرة يروي عن أبي بكر الهذلي وخالد الواسطي وأهل البصرة العجائب، روى عنه محمد بن زكريا الغلابي وأهل العراق لا يجوز الاحتجاج به بحال ولا كتابة حديثه إلا على سبيل الاعتبار للخواص» قال الإمام الذهبي في «الميزان» «العباس بن بكار الضبي بصري عن خال أبي بكر الهذلي قال الدارقطني كذاب» قلت ثم ذكر الإمام الذهبي بعضًا من أباطيله ومصائبه التي تدل على تشيعه أ- قال الإمام الذهبي ومن أباطيله عن خالد بن أبي عمرو الأزدي عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال مكتوب على العرش لا إله إلا الله وحدي محمد عبدي ورسولي، أيدته بعلي ب- وقال الإمام الذهبي ومن مصائبه حدثنا عبد الله بن زياد الكلابي عن الأعمش عن زر عن حذيفة مرفوعًا في المهدي فقال سلمان يا رسول الله، من أي ولدك ؟ قال من ولدي هذا وضرب بيده على الحسين وأورده الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» وأقر ما أورده الإمام الذهبي في «الميزان»، وزاد عليه قول أبي نعيم الأصبهاني «يروي المناكير لا شيء ومن مناكيره أن رسول الله وجه عليًا إلى عمران بن حصين الخزاعي يعوده، فلما قام من عنده اتبعه بصره إلى أن غاب عنه فقيل له إنا لنراك أتبعت بصرك عليًا فقال نعم، سمعت رسول الله يقول النظر إلى علي عبادة فأحببت أن استكثر من النظر إليه» قلت وهذا يدل على تشيع هذا الكذاب صاحب المصائب والأباطيل والمناكير الذي اختلق هذه القصة المكذوبة العلة الثانية انقطاع السند حيث قال «العباس بن بكار الضبي الكذاب حدثنا عبد الله بن سليمان المديني عن قتادة قال دخلت أروى بنت الحارث ابن عبد المطلب على معاوية » القصة هذا السند فيه سقط، حيث إن قتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري أورده الإمام المزي في «تهذيب الكمال» «ونقل عن عمرو بن علي أن قتادة ولد سنة إحدى وستين ومات سنة سبع عشرة ومائة وهو ابن ست وخمسين» اهـ أما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أورده الحافظ ابن كثير في «الإصابة» قال «معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، أمير المؤمنين، مات في رجب سنة ستين على الصحيح» اهـ قلت بالمقارنة بين سنة ولادة قتادة وبين سنة وفاة معاوية رضي الله عنه نجد أن قتادة ولد سنة إحدى وستين، بينما معاوية رضي الله عنه توفي سنة ستين، أي أن قتادة ولد بعد موت معاوية، فكيف يقول قتادة دخلت أروى على معاوية ويحدث عن أروى ومعاوية فهذا من مصائب وأباطيل العباس بن بكار الضبي، حيث إن قتادة لم ير معاوية فالسند هنا منقطع بما بينهما من التواريخ والوفيات، وهذا هو النوع الستون كما في «تدريب الراوي» «التواريخ والوفيات هو فن مهم به يعرف اتصال الحديث وانقطاعه، وقد ادعى قوم الرواية عن قوم فنظر في التاريخ فظهر أنهم زعموا الرواية عنهم بعد وفاتهم بسنين» اهـ وقال سفيان الثوري لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ قلت وهذا السقط في الإسناد من كذب العباس بن بكار الضبي فإنه قد اختلق هذا السند كما اختلق هذه القصة المكذوبة وإن كان من إرسال قتادة فهذا وهن على وهن، حيث أورد السيوطي في «التدريب» وكان يحيى بن سعيد لا يرى إرسال قتادة شيئًا ويقول هو بمنزلة الريح قلت وبهذا التخريج والتحقيق تصبح هذه القصة واهية، وما نقله العقاد في كتابه من سب الصحابية أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بنت عم النبي للصحابي عمرو بن العاص وقذف أمه كذب مختلق مصنوع كشف عنه المنهج العلمي الحديثي من التخريج والتحقيق، وكذلك شتم الصحابي الجليل عمرو بن العاص للصحابية بنت عم النبي كذب مختلق مصنوع ؛ لأن الطعن واللعن والفحش والهمز واللمز والتنابز ليس من صفات المؤمنين، وقد قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video