حديث تقبيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحسن أو الحسين رضي الله عنهما
ـ مقدمة لا بد منها فى منهج المتقدمين والمتأخرين : هذا الحديث ضعيف ولا يُحتج به فالأمر عند علماء الحديث من المتقدمين أن الحديث الضعيف الإسناد لا يتقوي بمثيله ولكن يتقوي بالصحيح ، ويكفي عندهم أن يكون الحديث لم يثبت من إسناد صحيح حتى يتم رده جُملةً ، وهو منهج يحيي بن معين و أحمد بن حنبل وغيرهما غير أن أحمد بن حنبل كان يُقدم الحديث الضعيف على القياس عندما لا يجد حديث صحيح فى الباب ، ويُقصد بالحديث الضعيف عنده هو الحسن بمجموع الطرق ، كما حقق ذلك المحققون ، أما منهج علماء الحديث من المتأخرين أنهم يُحسنون الحديث ذا الإسناد الضعيف بمثيله ، ومستندهم فى ذلك أن الراوى الضعيف قد يضبطُ حديثًه فاشتراك غيره معه فى المتن قرينة على ضبطه لهذا الحديث وعليه فإذا تبين أن الرواى الضعيف لم يضبط روياته فلا ينفع معها تقويتها بمثيلاتها. وهنا فى هذه الحالة سنُثبت أن هذا الحديث لا يَصلح للتحسين بمجموع الطرق لا على منهج المتقدمين ولا على منهج المتأخرين. فهذا الحديث مداره على راويين : الأول : محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلي : تقبيل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للحسن. متن الرواية : عَنْ أَبِى لَيْلَى قَالَ : "كُنَّا عِنْدَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَجَاءَ الْحَسَنُ فَأَقْبَلَ يَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ ، فَرَفَعَ عَنْ قَمِيصِهِ وَقَبَّلَ زَبِيبَتَهُ." روى البيهقي فى الكبري (667)أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِى وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِى عَمْرٍو قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ : مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى حَدَّثَنِى أَبِى :عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى حَدَّثَنَا محمد بن عبد الرحمن بْنُ أَبِى لَيْلَى عَنْ عِيسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى عَنْ أَبِى لَيْلَى به. ورواه ابن أبى الدنيا فى النفقة على العيال (207)حدثني محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، حدثني أبي عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي ليلى به. الكلام على علله : 1 ـ فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى الأنصارى ، أبو عبد الرحمن الكوفى القاضى الفقيه عامة علماء الرجال على تضعيفه وأنه سيئ الحفظ جدا يقلب الحديث ويضطرب فيه. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : كان سىء الحفظ ، مضطرب الحديث. يحيى بن معين : ليس بذاك. عن أبى داود : سمعت شعبة يقول : ما رأيت أحدا أسوأ حفظا من ابن أبى ليلى. و قال روح بن عبادة ، عن شعبة : أفادنى ابن أبى ليلى أحاديث فإذا هى مقلوبة. عن أحمد بن يونس : كان زائدة لا يروى عن ابن أبى ليلى ، و كان قد ترك حديثه. و قال العجلى : كان فقيها صاحب سنة ، صدوقا ، جائز الحديث. و قال أبو زرعة : صالح ليس بأقوى ما يكون. و قال أبو حاتم : محله الصدق ، كان سىء الحفظ ، شغل بالقضاء فساء حفظه ، لا يتهم بشىء من الكذب إنما ينكر عليه كثرة الخطأ ، يكتب حديثه و لا يحتج به. و قال النسائى : ليس بالقوى. 2 اضطرابه فى الحديث ، قرينة على عدم ضبطه له. وهو ها هنا لم يضبط حديثه ، ومما يدل على ذلك : أنه اضطرب فيه فمرة رواه عَنْ عِيسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى عَنْ أَبِى لَيْلَى به. ومرة رواه عن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي ليلى به. مما يدل على عدم ضبطه له مما يحتمل معه أنه ادخل حديث غيره فى حديثه. الثاني : قابوس بن أبى ظبيان : تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم للحسين. تفصيل الرواية : 1 ـ طريق بن أبى الأزهر عن قابوس بن أبى ظبيان عن أبيه عن جده عن جابر مرفوعا به. هذه رواية موضوعة مكذوبة وفيها زيادات منكرة. عن جابر قال رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وهو يفحج بين فخذي الحسين ويقبل زبيبته ويقول لعن الله قاتلك قال جابر فقلت يا رسول الله ومن قاتله قال رجل من أمتي يبغض عترتي لا تناله شفاعتي كأن بنفسه بين أطباق النيران يرسب تارة ويطفو أخرى وإن جوفه ليقول غق غق [ وفي رواية : عق عق ]" رواها ابن عساكر فى تاريخه (14 /224 شـ)أخبرنا أبو القاسم علي بن إبرهيم وأبو الحسن علي بن أحمد قالا نا وأبو منصور بن زريق أنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي [فى تاريخه (3 / 290شـ )] أخبرني الأزهري أنا المعافى بن زكريا نا محمد بن مزيد بن أبي الأزهر نا علي بن مسلم الطوسي نا سعيد بن عامر عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن جده عن جابر بن عبد الله قال وحدثنا مرة أخرى عن أبيه [وعزاها ابن حجر فى الإصابة (2 / 103) للمعافي بن زكريا فى الجليس عن جندب بن الحارث ( أى جده ) وقال : غريب. ] "قال الخطيب : وهذا الإسناد موضوع إسنادا ومتنا ولا أبعد أن يكون ابن أبي الأزهر وضعه ورواه عن قابوس عن أبيه عن جده عن جابر ثم عرف استحالة هذه الرواية فرواه بعد ونقص منه عن جده وذلك أن أبا ظبيان قد أدرك سلمان الفارسي وسمع منه وسمع من علي بن أبي طالب أيضا واسم أبي ظبيان حصين بن جندب وجندب أبوه لا يعرف أكان مسلما أو كافرا فضلا عن أن يكون روى شيئا ولكن في الحديث الذي ذكرناه عنه فساد آخر لم يقف واضعه عليه فيغيره وهو استحالة رواية سعيد بن عامر عن قابوس وذلك أن سعيد ابصري وقابوس كوفي ولم يجتمعا قط بل لم يدرك سعيد قابوسا وكان قابوس قديما روى عنه سفيان الثوري وكبراء الكوفيين ومن آخر من أدركه جرير بن عبد الحميد وليس لسعيد بن عامر رواية إلا عن البصريين خاصة والله أعلم " رواية جرير بن عبد الحميد عن قابوس بن أبي ظبيان ـ اختلاف تلاميذ جرير عليه وصلا وإرسالا : 2 ـ طريق جرير بن عبد الحميد عن قابوس عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا به. [ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وفي رواية : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) : " فَرَّجَ مَا بَيْنَ فَخِذَيِ الْحُسَيْنِ وَقَبَّلَ زَبِيبَتَهُ. ] رواها الضياء المقدسي فى المختارة (549) أخبرنا أبو جعفر أن فاطمة أخبرتهم ابنا محمد ابنا الطبراني فى الكبير (2592 ـ 12449)الْحَسَنُ بن عَلِيٍّ الْفَسَوِيُّ ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بن يَزِيدَ الْعُرَنِيُّ ( البصري ) ، وابن عدي فى الكامل (6 / 49 شـ ) حدثنا علي بن سعيد بن بشير الرازي ثنا محمد بن حميد والحسين بن عيسى ثلاثتهم (خالد بن يزيد و محمد بن حميد و الحسين بن عيسي ) قالوا : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ قَابُوسَ بن أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا. القول فى التلاميذ: أما خالد بن يزيد العرني فلم أجد له ترجمة ولم يروى عنه إلا الحاكم فى مستدركه وابن عدي فى الكامل فهو مجهول العين. فهذا طريق ضعيف جدا. ولكني وجدت أن هناك رواية أنه (خالد بن يزيد البصري )كما عند الضياء فى المختارة قال ابن حجر : صدوق يهم، وقال أبو زرعة لا بأس به، وقال العقيلي : لا يتابع على كثير من حديثه.[ أى فلا يحتج به فيما انفرد ]ويصعب أن يكون هو والله اعلم. وأما محمد بن حميد بن حيان التميمىقال الذهبي عنه ، الحافظ ، وثقه جماعة و الأولى تركه. وقال ابن حجر ، حافظ ضعيف ، و كان ابن معين حسن الرأى فيه. وأما الحسين بن عيسي هو: أبو علي الحسين بن عيسى بن ميسرة الحارثي الخلال الرازي المقرئ. قال أبو حاتم : صدوق.( أى لا يحتج به ، إذا انفرد ) [ الجرح والتعديل ]. 3 إسحاق بن إسماعيل عن جريرعن قابوس عن أبيه مرسلا به. « كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرج بين رجلي الحسين ويقبل زبيبته ». رواه ابن أبى الدنيا فى النفقة على العيال (208)حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا جرير ، عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه.[ وخرجه ابن السري مرسلا ( كما فى ذخائر العقبي صـ 127شـ ) ولم أقف علي إسناده مفصلاً. ] وإسحاق بن إسماعيل ثقة لكن تكلم فى ضبطه لحديث جرير خاصة ، قال عبد الله بن على ابن المدينى : سمعت أبى يقول : كان إسحاق بن إسماعيل معنا عند جرير ، و كانوا ربما قالوا له ـ يعنى البغداديين ـ : جئنى بتراب ـ و جرير يقرأ ـ فيقوم. و ضعفه. و قال فى موضع آخر : سمعت أبى ـ و سئل عن إسحاق بن إسماعيل صاحب جرير ـ فقال : كان غلاما و ذهب إلا أنه لم يضبط. شيخهم جرير بن عبد الحميد : أما جرير بن عبد الحميد ، فثقة لكنه أخذ عن قابوس بن أبى ظبيان بعد فساد. و قال محمد بن عيسى ابن الطباع ، عن جرير بن عبد الحميد : لم يكن قابوس من النقد الجيد.و سئل جرير عن شىء من حديث قابوس ، فقال : نفق قابوس ! نفق قابوس !.و قال البخارى : قال أحمد بن عبد الله عن جرير بن عبد الحميد : أتيناه بعدفساد. وأما قابوس بن أبى ظبيان الجنبى الكوفى. كان ابن معين شديد الحط عليه، على أنه قد وثقه. وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال النسائي: ليس بالقوى. وقال ابن حبان: [ ردئ الحفظ ] ينفرد عن أبيه بما لا أصل له، فربما رفع المرسل وأسند الموقوف. قال ابن حجر : فيه لين. قال الذهبي : قال أبو حاتم و غيره : لا يحتج به. قال الساجى : ليس بثبت ، يقدم عليا على عثمان ، جاء إلى ابن أبى ليلى فشهد عليه عنده فى قضية ، فحمل عليه ابن أبى ليلى فضربه. و قال ابن حبان : كان ردىء الحفظ ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له ، فربما رفع المراسيل و أسند الموقوف ، و أبوه ثقة. ومن هذا يعلم أن : 1 قابوس بن أبى ظبيان رجل ضعيف لا يُحتج به إذا انفرد. 2 جرير بن عبد الحميد روى عنه بعد فساد حفظه. 3 قابوس بن أبى ظبيان لم يضبط هذه الرواية خصوصا ومما يدل على ذلك : اضطرابه فيها فمرة رواها عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا به ومرة رواها عن أبيه مرسلا به. ولم يترجح لدينا أن التبعة على غيره بل الظاهر أن العيب منه ومما يعضد هذا قول تلميذه جرير فيه أنه أتاه بعد فساد. النتائج : لا تصلح أى من الروايتين فى تعضيد إحدهما الأخري، وذلك للأسباب التالية : 1 عدم ضبط كلا من محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلي و قابوس بن أبي ظبيان لروياتهم ، وهو مما يُحتمل معه إدخالهم حديث غيرهم فى حدثهم ، واتحاد المخرج. 2 عدم تطابق متون الروياتين فلا تصلح أن تعضد إحدهما الأخري ، حيث أن رواية ابن أبي ليلي فيها ذكر (الحسن) ورواية ابن أبى ظبيان فيها ذكر (الحسين ). 3 لقد وردت رواية أقوي منهما مخالفة لما تضمنته هاتين الروياتين : روى ابن أبى الدنيا فى النفقة على العيال (212)حدثنا عبد الرحمن بن صالح حدثنا عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن عون عن عمير بن إسحاق قال رأيت أبا هريرة قال للحسن بن علي أرني المكان الذي قبله منك رسول الله فكشف له عنسُرته. قال محققه : إسناد حسن رجاله رجال الصحيح ما خلا عمير وهو مقبول. قلت : وإن كان الحديث فيه مقال ولكنه أقوي إسنادًا من هاتين الرويتين مجتمعتين. والحمد لله على تمام المنة.
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video