قول بن سيرين: لم يكن أحد أشد على عثمان من طلحة!
ادَّعَى الدكتور عدنان إبراهيم أنَّ الإمام محمد بن سيرين التابعي الجليل قال أنه لم يكنْ أحدٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أشد على عثمان بن عفان من طلحة بن عبيد الله.!! واستدلَّ بما رواه البَلَاذُرِيُّ قال: (الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي جزيٍّ عَنْ أيوبَ وابنَ عونٍ عَنِ ابْن سيرينَ قَالَ: لَمْ يكن أَحَدٌ مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ عَلَى عُثْمَانَ مِنْ طَلْحَة). (1)
وللرد على هذا الافتراء أقول:
أولاً: الرواية مكذوبة، غير صحيحة:
فالسندُ فيه رجل ضعيف جدًا بل اتَّهمه علماء الجرح والتعديل بالكذب.
والمسلمون لا يقبلون في دينهم إلا حديثاً صحيحاً فقط، ويجب أن تنطبق عليه شروط خمس وهي:
1 - اتصال السند.
2 - عدالة الرواة.
3 - ضبط الرواة.
4 - انتفاء الشذوذ.
5 - انتفاء العلة.
قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: (أَمَّا الْحَدِيثُ الصّحِيحُ: فَهُوَ الْحَدِيثُ الْمُسْنَدُ الَّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ عَنِ الْعَدْلِ الضَّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ، وَلَا يَكُونُ شَاذًّا، وَلا مُعَلَّلًا). (2)
علة الرواية: أبو جَزِيٍّ نصر بن طريف. كذابٌ متروكُ الحديث.
قال الإمام ابن الجوزي: (نصر بن طريف أَبُو جزي القصاب الْبَاهِلِيّ بَصرِي يروي عَن قَتَادَة.
قَالَ يزِيد بن هَارُون: تَابَ فِي مَرضه من أحاديث ادَّعَاهَا لعَمْرو بن دِينَار فَلَمَّا اسْتَقل عاودها.
وَقَالَ أحْمَد: لَا يكْتب حَدِيثه.
وَقَالَ يحيى: مِن المعروفين بِالْكَذِبِ وَوضع الحَدِيث وَقَالَ: مَرَّةً: لَيْسَ حَدِيثُه بِشَيْء.
وَقَالَ عَمْرو بْنُ عَليٍّ: أجمع أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ أَنه لَا يُروى عَن جمَاعَة, أحدهم نصر بن طريف.
وَقَالَ السَّعْدِيُّ: ذَاهِب الْحَدِيث.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ والرَّازي والدَّارَقُطْنِي: مَتْرُوك.
وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ). (3)
ثانياً: الرواية تخالف الصحيح:
السيرة الصحيحة والتاريخ الصحيح ينفي عن الصحابة رضي الله عنهم مثل هذه الأفعال التي يحاول عدنان إبراهيم أن يلصقها بالصحابة.
فطلحة بن عبيد الله كان يعلم أنَّ عثمان بن عفان شهيد ومن أهل الجنة.
روى الإمامُ مسلم: (عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ أُحُدًا، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ). (4)
فهذا الحديث يدل على أن عثمان رضي الله عنه شهيد.
كما كان عثمان يعلم أنَّ طلحة بن عبيد لله شهيد ومن أهل الجنة.
(عَنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ: " أَوْجَبَ طَلْحَةُ " حِينَ صَنَعَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَنَعَ، يَعْنِي حِينَ بَرَكَ لَهُ طَلْحَةُ فَصَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ظَهْرِهِ). (5)
ومعنى أوجب طلحة أي: أوجب الجنة ووجبت له الجنة رضي الله عنه.
ومن الطريف أني كُلَّمَا سمعتُ عدنان إبراهيم يتكلم عن رواية أجدها إما مكذوبة أو ضعيفة!!
وحتى الصحيح من الروايات التي ينقلها لمشاهديه يلوي أعناقها ويحملها على أسوء المحامل طالما أنها لا تتحدث عن عليِّ بن أبي طالبٍ أو فاطمةَ أو الحسن أو الحسين رضي الله عنهم أجمعين.
فما فائدة الإتيان بالروايات الضعيفة والمكذوبة للقدح في الصحابة الكرام رضي الله عنهم؟
مراجع البحث:
(1) أنساب الأشراف للإمام أحمد بن يحيى البلاذري ج 6 ص 201، ط دار الفكر - بيروت، ت: د/سُهَيل زَكَّار, د/رياض زركلي
(2) علوم الحديث للإمام أبي عمرو بن الصلاح ص 11، ط دار الفكر المعاصر - لبنان، دار الفكر - سوريا، ت: نور الدين عنتر.
(3) الضعفاء والمتروكين للإمام أبي الفرج بن الجوزي ج 3 ص 159 ط دار الكتب العلمية - بيروت، ت: عبد الله القاضي.
(4) صحيح البخاري للإمام محمد بن إسماعيل البخاري ص 904 ح 3675، ط دار بن كثير - بيروت.
(5) مُسند الإمام أحمد بن حنبل ج 3 ص 333، ط الرسالة - بيروت، ت: شعيب الأرنؤوط وآخرون.
تمت بحمد الله
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه