قول ابن تيمية "أفرضكم زيد" حديث ضعيف لا أصل له
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخي الفاضل :
حديث أفرضكم زيد يختلف أهل الحديث في تضعيفه وتصحيحه
قال شيخ الإسلام في (31/342) من المكتبة الشاملة : ( وبعضهم يحتج لذلك بقوله أفرضكم زيد وهو حديث ضعيف لا أصل له ) . أهـ رحمه الله
وقد بحثت عن هذا الحديث في كتب الحديث وجدت ما يلي :
( حديث " أفرضهم زيد " رواه الترمذي ( 5/664 ) باب مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي بن كعب رضي الله عنهما برقم ( 3790 ) وقال عنه: ( حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث قتادة إلا من هذا الوجه وقد رواه أبو قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه والمشهور حديث أبي قلابة ) ورواه برقم ( 3791 ) وقال عنه: ( هذا حديث حسن صحيح ).
ورواه ابن ماجة في سننه ( 1/55 ) برقم ( 154 ) وصححه الألباني.
ورواه الإمام أحمد في مسنده ( 3/381 ) برقم ( 14022 ) وقال عنه شعيب الأرنؤوط: ( إسناده صحيح على شرط الشيخين).
ورواه ابن حبان في صحيحه ( 16/74 9 برقم ( 7131 ) وقال عنه شعيب الأرنؤوط: ( إسناده صحيح على شرط البخاري)
ورواه ابن حبان أيضا برقم ( 7131 ) وقال عنه شعيب الأرنؤوط: ( وإسناده صحيح على شرط الشيخين).
ورواه الحاكم في المستدرك ( 3/477 ) برقم ( 5784 ) ورقم ( 7962 ) وقال عنه: ( صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي).
وقال عنه ابن حجر في الفتح (12/20) : وقد أخذ بقوله جمهور العلماء وتمسكوا بحديث " أفرضكم زيد " وهو حديث حسن أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من رواية أبي قلابة عن أنس وأعله بالإرسال ورجحه الدارقطني والخطيب وغيرهما وله متابعات وشواهد ذكرتها في تخريج أحاديث الرافعي. ( ذكره ابن حجر في التلخيص برقم 1343)
. وهو مخرج في السلسلة الصحيحة برقم (1224) ونصه " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر واصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب وأفرضهم زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ألا وإن لكل أمة أمينا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح "
وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته برقم (874)، (897) وفي صحيح الترمذي برقم (2981) وفي صحيح ابن ماجة برقم (125).
والحديث جاء بعدة روايات وأكثر من طريق وقد ألف الشيخ ربيع بن هادي المدخلي رسالة حول هذا الحديث أسماها ( دراسة أقوال العلماء في حديث أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ... الحديث ( وخلص إلى صحة الحديث وهذا نص قوله حفظه الله : (وحاصل ما ظهر لي وترجح عندي من دراسة طرق هذا الحديث كما سلف أن الحديث صحيح متصل من طريق سفيان الثوري ووهيب بن خالد وعبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم وشجعني على هذا التصحيح والترجيح مواقف الأئمة الذين صحَّحوه والذين سلف ذكرهم -رحم الله الجميع- .) أ هـ في ص( 43 ) من الرسالة . )
السؤال :هل يصح أن يقال عن حديث كهذا : ( لا أصل له )
ولقد بحثت في معنى هذا الاصطلاح عن أهل العلم فوجدت ما يلي :
قولهم في الحديث: ( ليس له أصل ) له ثلاث دلالات الأولى: أن يقصد بذلك أنه ليس له إسناد. وهذا ما نقله السيوطي في التدريب عن ابن تيمية رحمه الله. الثانية: أن يطلق ذلك على الحديث ويعنون به أنه موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عراق في التنزيه(1/8) : إذا قال الحافظ: ( لا أصل له ) كفى ذلك في الحكم عليه بالوضع. الدلالة الثالثة: أنه لا أصل له في الكتاب والسنة الصحيحة ولا الضعيفة ويقصدون أن معناه ومضمونه غريب عن نصوص الشريعة أو بتعبير آخر : قد يقولون : (لا أصل له) ويعنون به أنه ليس له أصل من كلام النبوة. ( من كتاب إرشاد الخليل بفوائد من المصطلح والعلل والجرح والتعديل ص (50): الفائدة الخامسة : ( قولهم في الحديث: لا أصل له، أو لا يعرف له أصلٌ ، أو لم يوجد له أصلٌ )
والكتاب من تأليف أبي عبدالله رضا الأقصري وقدم له الشيخ مقبل بن هادي الوادعي والشيخ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل
طبعة دار ابن عمر للنشر والتوزيع.
وأنا من المشتغلين بعلم الفرائض فأرجوا أن أحصل على جواب لهذه المسألة وجزاكم الله خيرا عنا وعن المسلمين
الجـــــــواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته , وبعد فالحمد لله كلام شيخ الإسلام هذا ثابت عنه وهو في الفتاوى (31/342) قال : ( وبعضهم يحتج لذلك بقوله : (أفرضكم زيد ) وهو حديث ضعيف لا أصل له , ولم يكن زيد على عهد النبي معروفاً بالفرائض ) . وهذا الحديث اختلف في تصحيحه وتضعيفة , والصواب أنه مرسل ضعيف كما قال شيخ الإسلام وقبله أئمة العلل الدارقطني والبيهقي والخطيب وعبدالحق الاشبيلي , وعلته الإرسال فإن أبا قلابة لم يسمع هذا الحديث من أنس , ومما يدل على ضعفه مع كلام هؤلاء الذين هم أعلم بالعلل ممن خالفهم فيه في الجملة : أن البخاري ومسلماً رويا الحديث بدون هذه الزيادة فإن هذه الزيادة جزء من الحديث , وقلَّت زيادة يُعرِض عنها الشيخان - مع روايتهم الحديث نفسه بنفس الطريق - تسلم من قادح , فالحديث رواه أحمد والترمذي وابن ماجة والنسائي في الكبرى وابن حبان من طريق خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ارحم أمتي بأمتي أبو بَكْرٍ , وَأَشَدُّهُمْ في دِينِ اللَّهِ عُمَرُ , واصدقهم حَيَاءً عُثْمَانُ , وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بن ثَابِتٍ , وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ أبي بن كَعْبٍ , وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بن جَبَلٍ , ألا وإن لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيناً وإن أَمِينَ هذه الأُمَّةِ أبو عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ) . والحديث رواه البخاري ومسلما من طريق الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بلفظ : (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال : إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أبو عُبَيْدَةَ بن الْجَرَّاحِ ) ولم يرويا هذه الزيادة وهو تعليل منهما لها لذلك قال الحافظ : (وإسناده صحيح إلا أن الحفاظ قالوا إن الصواب في أوله الإرسال والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري ) فتح الباري(7/93) .
والحديث مداره على خالد الحذاء عن أبي قلابة وما سوى ذلك فشاذ , وهذا الصنيع من الشيخان يدل على صحة سماع أبي قلابة من أنس بعض الأحاديث . ومما يدل على ذلك الحجة القوية بل ربما القطعية التي ذكرها شيخ الإسلام وهي كون زيد لم يكن معروفاً بالفرائض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث منكر . والترمذي مع إمامته رحمه الله فمتساهل في التصحيح , والحاكم أكثر تساهلاً , وأما المتأخرون من علماء الحديث إلا نادراً فكثيراً ما يصححون أحاديث ويحسنونها من غير نظر للعلل في كثير من الأحيان , وإن كان فيهم علماء أجلاء مما سبب تصحيح وتحسين أحاديث كثيرة ضعيفة وسبَّب اختلافاً كثيراً في كثير من مسائل الفقه , وأما المتقدمون ومنهم ومن أجلهم الدارقطني فيعرفون غالباً غلط الثقات فقد يكون الإسناد ظاهره الصحة , لكن فيه علة خفية قل أن يعرفها غير المتقدمين ممن عرف الرجال , وسار في الكلام على الحديث على طريقة المحدثين لا الفقهاء , وشيخ الإسلام ابن تيمية فربما حسن أحاديث ضعيفة أيضاً ومشاها لكن معرفته بعلم العلل وسعة اطلاعه على كلام الأئمة في الرجال والعلل قل نظيره في المتأخرين , فكلامه في كثير من الأحاديث مبني على هذه المعرفة.
وأما كلمة (لا أصل له ) فشيخ الإسلام يقصد لا أصل له مرفوعاً , أي لا أصل له من كلام النبوة وهو يستعمله كثير من العلماء بهذا المعنى كما نقلت في سؤالك عن بعضهم ذلك رحمهم الله ؛ لأن قد عرف أن الحديث رواه الحفاظ في سننهم ومسانيدهم كما أشار الشيخ إلى ذلك , ولا مشاحة في الاصطلاح.