آخر تحديث للموقع :

الأحد 22 ذو القعدة 1444هـ الموافق:11 يونيو 2023م 12:06:10 بتوقيت مكة

جديد الموقع

ولاية الفقيـه عند الشيعة وموقف علماء الحنفيـة منها ..
الكاتب : عبدالرحمن محمد شاه ..

ولاية الفقيـه عند الرافضـة وموقف علماء الحنفيـة منها

 وفيه مطلبان:
 
المطلب الأول: ولاية الفقيه عند الرافضة.
 
المطلب الثاني: موقف علماء الحنفية من فكرة ولاية الفقيه عند الرافضـــة.
 
المقصود بولاية الفقيه -كما استقرّ عليه أمر الرافضة- هو أن الفقيه الشيعي ينوب عن الإمام وقت غيبته في أمور الدين والدنيا وإقامة الدولة وسياسة الأمة، وأنه يملك منهمـا ما كان يملكه الإمام، وأنه تجب طاعته على الأمة بأسرها، والراد عليه كالراد على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا ما سيكون الحديث حوله في المطلب القادم.
 
المطلب الأول: ولاية الفقيه عند الرافضة.
الإمامة عند الرافضة بمعناها الدخيل الغريب قد وضع جذورها اليهودي الماكـر عبد الله بن سبأ، والذي كان يقول بوصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بإمامة المسلمين بعد وفاته ([1]).
 وقد طوّر علماء الرافضة بعد برهة من الزمن نظرية عبد الله بن سبأ اليهودي فادعوا الإمامة في عدد من أولاد الحسين بعد الحسن إلى أن وصلت إلى الحسن العسكري إمامهم الحادي عشر وتوفي من غير عقب([2]) والإمامة عندهـم لا تكون إلا في الأعقاب([3]) فتحيّروا حينئذٍ، لأن سلسلة الإمامـة قد انقطـعت، فلم يجدوا مخرجاً من هذه المعضلة إلاّ بادعاء ولد للحسن العسكري، زاعمين أنه اختفى من أنظار الناس خوفا على نفسه من القتل ، ثم زعموا أن هناك من كان على اتصال مع هذا الإمام المختفي قرابة سبعين سنة([4])، وعن طريقهم كانت تصل رسائل وخطابات وطلبات الشيعة إلى الإمام، وردود  الإمام إلى الشيعة، وسموا هذه الفترة بالغيبة الصغرى، ثم زعموا انقطاع الاتصال بالإمام والوفود عليه، وقالوا بغيبوبته غيبوبة كبرى، ثمّ قالوا بوجوب الانتظار إلى حين خروجه([5]) وبناء على عقيدة الانتظار قالوا: إنه لا يجوز لأحد أن يقوم بأي نشاط أو حركة قبل خروج الإمام، ويتأكّد هذا النهي في قيام أحد بإقامة دولة أو حكـومة، وفي ذلك رووا عن أبي جعفر/ أنه قال:  (كلُّ رايةٍ تُرفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوتٌ وإن كان يدعو إلى الحق ) ([6]).
 إلاّ أن عقيدة الانتظار الطويلة حالت دون العمل بهذه الرواية وأخواتها من الروايات في هذا الصدد بعد قرن واحد من الزمن، وبدأت محاولات الخروج من هذه الأزمة من قبل بعض علماء الرافضة، علما بأن تلك المحاولات كانت متفرقة ومتدرجة شيئا فشيئا.
ولمّا كانت تلك المحاولات لأجل التحرر من عقيدة الانتظار السلبية كان من المناسب أن تُصبغ تلك المحاولات بصبغة شرعية لتبريرها، فقالوا بجواز النيابة الخاصة عن الإمام  في بعض الأمور الدينية استنادا إلى بعض الروايات المكذوبة على الأئمة، ومنها ما افتروه على مهديهم الموهوم أنه قال:  (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله )([7]).
غير أن هؤلاء حصروا تلك النيابة في بعض القضايا الدينية، ولم يفكّر أحد منهم بجواز النيابة العامة التي تشمل الملك والسياسة.
وكان أول من عُرف في تاريخ الرافضة باستخدام مصطلح النيابة عن الإمام هو أبو الصلاح الحلبي صاحب كتاب (الكافي في الفقه) وأحد رموز الشيعة في القرن الخامس الهجري، فكان يقول بجواز النيابة عن الإمام في مجال القضاء وتنفيذ الحدود، ومثله قال شيخ الرافضة المفيد([8]).
ثم جاء القاضي الرافضي ابن براج([9]) وقال بجواز النيابـة عن الإمــام
في أخذ الخمس من الناس بحجة الحفاظ به للإمام([10])، إلى أن جاء شمس الدين محمد مكي الجزيني([11]) -وكان من رموز الرافضة البارزين في جبل عامل بلبنان- فطوّر نظرية النيابة المحدودة إلى عدة مجالات في القضايا الدينية([12])، وبسبب تطويره لهذه النظرية عدّه بعض علماء الرافضة مؤسس فكرة النيابة عن الإمام والموسومة بعد ذلك بفكرة ولاية الفقيه الشيعي([13]).
وكل من قال بنظرية النيابة ممن تقدم ذكرهم و من قال بقولهم، كان رأيهم في النيابة مقصورا على الأمور الدينية كالقضاء والحدود وأداء صلاة الجمعة والتصدير للإفتاء...، ولم يقل أحد منهم بالنيابة عن الإمام في إقامة دولة أو تشكيل حكومة؛ لأنهم كانوا يرون ذلك من خصوصيات الإمام، ومن قام بذلك فهو متعدٍّ على صلاحياته وخارج عليه كائنا من كان.
بيْد أن الفكرة إلى هذه الفترة كانت نظرية غير عملية، إلى أن جاء الشاه إسماعيل الصفوي الرافضي([14]) وأقام دولة صفوية رافضية، مخالفا في ذلك للنصوص الشيعية التي تَعُدُّ من قام بذلك طاغوتا ومارقا من الدين.
وأعلن الشاه إسماعيل الرافضي رسمياً أن المذهب الذي لا يسمح إلا به هو المذهب الاثنا عشري الرافضي، ولذلك أباد كل من لم يذعن لرأيه ومن لم ينضم تحت لوائه([15]).
 وفي القرن الثالث عشر الهجري ألّف أحد علماء الرافضة المشهورين وهو أحمد النراقي([16]) كتابا سماه (عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام) وذكر فيه صراحة مصطلح (ولاية الفقيه) لأول مرة في التاريخ الشيعي، ودعا إلى تولي الفقهاء زمام أمور الشيعة بصورة تامة بما فيها الحكم والإدارة، بل إنه قال صراحة (كل ما كان للرسول والإمام يؤول إلى الفقيه أيضا )([17]).
وهكذا تطوّرت نظرية النيابة (ولاية الفقيه الشيعي) تدريجيا على مرور الزمن من مرحلة إلى أخرى: فبعد أن كانت معدومة جاءت إلى الوجود، وبعد وجودها كانت في قضايا محددة بعيدة عن القول بجواز إقامة دولة أو تشكيل حكومة، إلى أن استقرّ أمرها على إقامة دولة وتشكيل حكومة، كما تمثل ذلك في الحكومة الصفوية الرافضية.
 ولم يكن ذلك فحسب: بل جاء مؤسس الثورة الإيرانية الخميني([18]) وصبغ النظرية بصبغة القداسة والعصمة التي هي من خصوصيات الإمام عند جميع الرافضة، وفرض على الناس الطاعة المطلقة لمن ولي هذا المنصب، وزعم بأن من ردّ عليه فكأنما ردّ على الله ورسوله، ومنح الوالي الفقيه جميع الصلاحيات التي تكون للرسول والإمام في زعمهم.
 ومما قاله في ذلك: (وإذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عادل، فإنه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين، ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا، ويملك هذا الحاكم من أمر الإدارة والرعاية للناس ما كان يملكه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام)([19]).
وقال أيضا: (إن الفقهاء هم أوصياء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من بعد الأئمة وفي حال غيابهم، وقد كُلّفوا بالقيام بجميع ما كلف الأئمة عليهم السلام بالقيام به)([20]).
وقال أيضا: (وعُدّ المجتهد حاكما، وعُدّ الرد عليه رداًّ على الإمام، والرد على الإمام رد على الله، والرد على الله يقع في حد الشرك بالله ([21]).
فكان عمله هذا خروجا على قول المعصوم عندهم: (كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت وإن كان يدعوا إلى الحق) ([22]).
وقد علّل الخميني نظرية(ولاية الفقيه) بعقيدة الانتظار السلبية، فقال: (لقد مرّ على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر، في هذه المدة المديدة هل تبقى أحكام الإسلام معطلة؟..هل ينبغي أن يخسر الإسلام بعد الغيبة الصغرى كل شيء؟ الذهاب إلى هذا الرأي عندي أسوأ من الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ) ([23]).
ثم جعل الخميني هذه النظرية مادة من مواد الدستور الإيراني([24])، وجعل لها شروطا: وهي أن يكون الرجل المختار لهذا المنصب إماميا، فقيها، عادلا، فقال في كتابه (الحكومة الإسلامية): (وإذا نهض بأمر تشكيل الحكومة فقيه عادل، فإنه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا... ) ([25]).
وسمي من قال بهذه الفكرة أو قبلها بالأصوليين، وهم خارجون على المذهب الرافضي؛ لقولهم بجواز الاجتهاد ولاسيما في مسألة قام عليها كيانهم وأساس مذهبهم([26]).
وأطلق على من لم يقل بهذه الفكرة أو عارضها الأخباريّون، لاقتصارهم على أخبار الأئمة في التلقي، وعدم جوازهم الاجتهاد في الأمور الدينية والدنيوية، لأن كل ما تحتاج إليه الأمة من أمور الدين والدنيا فهو مخزون عند الأئمة ومروي عنهم في أخبارهم([27])، مع أن هذه النظرية في زعمهم مناقضة لقول أبي جعفر الباقر: (كلّ راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت وإن كان يدعو إلى الحق) ([28]).
و استند المجوّزن لهذه الفكرة إلى روايات نسبوها إلى المنتظر الموهوم، ومن أشهر تلك الروايات:
 1/ (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) ([29]).
 2/ (من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، فليرضوا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا ردَّ، والراد علينا رادٌ على الله، وعلى حد الشرك بالله) ([30]).
وممن نصّ على هاتين الروايتين إمامهم الخميني في كتابه (كشف الأسرار)([31]).
و ذكر النراقي في رسالته (عوائد الأيام ) تسعا وعشرين رواية منسوبة إلى الأئمة على شرعية نظرية هذه النظرية، بما فيها هذه الروايات الثلاث.
فهذه هي فكرة ولاية الفقيه عند الرافضة وهي تعد امتدادا لمسألة الإمامة التي قام عليها كيانهم، ويأتي الآن موقف علماء الحنفية تجاهها.
المطلب الثاني: موقف علماء الحنفية من فكرة ولاية الفقيه.
لا شك أن فكرة ولاية الفقيه ناتجة عن عقيدة انتظار الإمام الطويلة أثناء
غيبوبته الكبـرى التي هي جـزء مـن أسطورة الإمامـة التي قـام عليها المذهـب الرافضي، وقد أشار إلى ذلك الشيخ محمد منظور نعماني بقوله: (إن عقيدة المهدوية والغيبة وطول انتظار الإمام أدّى إلى نظرية ولاية الفقيـه) ([32]).
       وبقوله: (نظرية ولاية الفقيه قامت على أساس عقيدة الإمامة والغيـبة الكبرى
للمهدي المزعوم، وهي لم تُخترع على أساس اختلاف في النظريات السياسية أو الأمور الدنيوية، بل هي قامت على أساس المذهب الشيعي)([33]).
ثم زاد الشيخ هذا الأمر وضوحا فقال: (وقد أعلن الخميني فيما كتبه عن
نظرية ولاية الفقيه أساس ثورته بوضوح تام أن الفقيه الشيعي -طبقا لهذه النظرية- هو الذي يمكنه إمامة الأمة وحكمها دون غيره؛ لأن فقهاء الشيعة هم وحدهم الذين يؤمنون بعقيدة الإمامة وولاية الفقية في زمان الغيبة الكبرى لإمام آخر الزمان، ووجوده في هذه الدنيا منذ أكثر من ألف سنة([34])...
وبعد هذا: فهل هناك مجال للشك أو الظن في أن رفع شعار الثورة الإسلامية ما هو إلا خداع يمكن أن يصاب به فقط من لم يحاولوا التعرّف على هوية هذه الثورة؟!)([35]).
ومن الأهداف الرئيسية لهذه النظـرية إسقاط كل الحكـومات الإسلاميـة،
واعتبارها حكومات غير شرعية، وإحلال الحكومة الرافضية مكانها، كما صرّح بذلك بعض الرافضة([36]).
       وقد فصّل في إثبات هذه الحقيقة الشيخ محمد طاهـر الهاشمي حيث
قـال:-ما ترجمته-: ومقصود هذه الفكرة هو الطعن في شرعية الخلافــات
الإسلامية على مرّ التاريخ كالخلافة الراشدة والخلافة الأموية والعباسية وغيرها من
الخلافات الإسلامية التي نشرت الدين في بقاع الأرض المعمورة والتي قدمت
تضحيات جبارة لإعلاء كلمة الله العليا وإسقاط كلمة الكفر السفلى.
 كما أن هذه الفكرة هي محاولة قوية لإسقاط الحكومات الإسلامية الحالية وفي مقدمتها حكومة الحرمين الشريفين، والتاريخ يشهد على أعمالهم الإفسادية وجرائمهم التخريبية في تلك الأراضي المقدسة([37]).
ثم ذكر الشيخ إثر ذلك أن الرافضة هم الذين أسقطوا الخلافة العباسية، وهم الذين
مكّنوا الصليبيين والمستعمرين من بعض البلدان الإسلامية، وأن ذلك مسجّـلٌ في
التاريخ وإن تظاهرت الرافضة الآن بخلافه([38]).
وقد ذكر أبو الحسن الندوي بعض النتائج السيئة لهـذه النظـرية
فقال: ومن نتائج هذه الحكومة المطلقة –أي ولاية الفقيه- التي انبثقت من الإمامة، والتي توازي النبوة في تشريع الأحكام، ونسخِ الثابت المنصوص من الشريعة، ونتائج الخضوع لها خضوعا مطلقا، وطاعتها طاعة عمياء: أن تلغي هذه الحكومة ما تشاء من أركان الدين وفرائض الإسلام وأحكام الشريعة، إذا اقتضى ذلك مصلحة جماعية أو سياسية، وأدى ذلك إلى اجتهاد الإمام المطلق المأمور من الله.
وقد وقع ذلك فعلاً، فقد نشرت صحيفة (كيهـان) الإيرانيــة
الرسميــة في عددها (182) الصادرة في 23 من جمادى الأولى سنة 1408هـ رسالة للخميني جاء فيها: (إن الحكومة تستطيع أن تعطّل المساجد أو تهدمها...أو تعطل الحج الذي هو من فرائض الإسلام المهمة إذا اقتضت ذلك مصلحة المملكة الإسلامية، لأن هذه الحكومة هي ولاية إلهية مطلقة).
ومعلوم أن عملية التصـرف في الأحكـام الشرعيـة، والنسـخ
والتعطيـل فيها باجتهاد فردي، أو مصلحة سياسية، خطر دائم على الدين والشريعة الدائمة العالمية، وقد يؤدي هذا التحكّم في الشريعة، أوفي مصير شعب بأسره، أو بلاد بأسرها، والطاعة العمياء له قد تؤدي إلى تعطيل الدين، أو إبادة أمة بأسرها، أو توريطها في كارثة لا خلاص منها، كما شهدت بذلك الأحداث التي مرّت.
وقد تمثلت هذه الفكرة دور الآمـر المطلق المستبد (دِكْتاتُــور)
الــذي يعيث في الأرض فسادا، ويهلك الحرث والنسل، كما جرّبه العالم في أدوار مختلفة من الحكم المطلق، فكيف إذا اقترنت به الصبغة الدينية والقداسة واعتقاد العصمة وكونه مأمورا من الله مقام النبي في أمته وعهــده؟([39]).
وقد ذكر الشيخ محمد طاهـر الهاشمي بعـض الأجوبة الإلزاميـة
للقائليـن بولاية الفقيه الشيعي، وكل واحد من تلك الأجوبة قاصمة لظهور الروافض، وهدم لقولهم بولاية الفقيه، فقال:
 
فأما قولهـم: (إن صلاحيـات الوالي الفقيـه مثل صلاحيـات الإمـام وأنه يملـك كل ما يملكه الإمام من صفات)([40]).
فإذا كان الوالي الفقيه يحمل أوصاف وصلاحيات الإمام فيلزمهم أن يقولوا بعصمته وأفضليته على سائر البشر وأنه يعلم الغيب ويتصرف في الكـون وأنه لا يمـوت إلا باختياره..فإن التزموا بذلك كذّبتهم سائر الأمم بل وحتى الكفار،لأن الواقع يشهد على خلافه.
 كما أنّ التزام هذه الأمور فيها انتقاص كبير لمنزلة الأئمة عندهم، وذلك بجعلهم الوالي الفقيــه شريكا لهم في الصلاحية والمنـــزلة، وإن لم يلتزموا بذلك بطل قولهم بولاية الفقيه، وكلا الأمرين يفضحهم ويبهتهم.
      كما أن هذه النظرية نقض لقولهم بعصمـة الإمام؛ لأنه ورد في أوثق كتبهم عـن أبي جعفر / وهو أحد المعصومـين عندهم أنّ (كلّ  راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت وإن كان يدعو إلى الحق)([41])،
فإن قالوا بصحة فكرة ولاية الفقيه فقد صادمهم هذا النص، ويلزمهــم حينئذٍ أحد أمرين لا ثالث لهمـا: إما أن يخطّئوا المعصوم، وبذلك يبطل اعتقادهم في الإمامة، وببطلانه تبطل فكرة ولاية الفقيه تبعا.
وإما أن يأخذوا بقول المعصوم فتبطل فكرة ولاية الفقيه التي هـي عبارة عن راية مرفوعة قبل قيام المهدي المزعوم، ويكون صاحبها طاغوتا حسب قول المعصـوم عندهم.
وبناءً عليه فإنه يجب على الرافضة أن يبحثوا ويتحققوا في نظرية الإمامة من أساسها حتى يسلموا من هذه الخرافات، لأنه مـا من خرافة من خرافاتهم إلا وهي مبنيـة على مسألة الإمامـة بما فيها فكـــرة ولاية الفقيه([42]).
وعودا على بدء: فإن نظرية ولاية الفقيه هي مخالفة عقـلاً ونقلاً لعقيدة الرافضة في الإمامة التي قام عليها مذهبهم.
فأما مخالفتها عقلاً: فإنها تستلزم عدم وجود حاجة إلى ظهور إمامهم الغائب؛ لأن الوالي الفقيه يؤدي عنه كل ما وُكّل إليه من أمور الدين والدنيا.
وأما مخالفتها نقلاً: فإنها مناقضة للروايات التي اعتقـدوا عصمـة
أصحابها، وهي تُحرِّم القيام بأي حركة أو نشاط يؤدي إلى إقامة دولة أو تشكيل حكومة.


([1])  انظر فرق الشيعة ص 40، وتنقيح المقال للمامقاني 2/ 184.

([2]) انظر في وفاة الحسن العسكري من غير عقب: الأصول من الكافي 1/ 134.   

([3]) انظر الأصول من الكافي 1/ 285، والإمامة والتبصرة ص 59.

([4]) ويسمى هؤلاء عند الرافضة بالسفراء والنواب والأبواب، وأولهم: عثمان بن سعيد العمري، والثاني: ابنه محمد، والثالث: الحسين بن روح النوبختي، والأخير: هو علي السمري، انظر  الفصول المختارة للمفيد ص 318، والغيبة الصغرى والسفراء الأربعـة لفاضل المالكـي ص 39-40.

([5]) انظر الأصول من الكافي 1/ 332-335، والإمامة والتبصرة ص 119، والغيبة للنعماني ص 194.

([6]) انظر الروضة من الكافي 8/ ، والغيبة للنعماني ص 111، ووسائل الشيعة 27/ 140، والفصول المهمة في أصول الأئمة 1/ 451(كلاهما للحر العاملي).

([7]) الاحتجاج 2/ 469، والغيبة للنعماني ص 111، ووسائل الشيعة 27/ 140.

([8]) انظر تطور الفكر السياسي من الشورى إلى ولاية الفقيه لأحمد الكاتب ص 367 وما بعدها.

([9]) هو عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج القاضي سعد الدين أبو القاسم، من أعيان الرافضة في القرن الخامس الهجري، قال عنه الأردبيلي: "عز المؤمنين، وجه الأصحاب، وكان قاضيا بطرابلس، وله مصنفات منها: المهذب، والمعتمد.." انظر ترجمته في جامع الرواة 1/ 460.

([10]) انظر المهذب في الفقه ص 181.

([11]) هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مكي العاملي الجزيني، المعروف بالشهيد الأول عنــد الرافضة، والمقتول سنة(789هـ)،قال عنه التفرشي: "كان عالما ماهرا  فقيها محدثا مدققا ثقة متبحرا جامعا لفنون العقليات والنقليات..." انظر ترجمته في نقد الرجال للتفرشي ص 335، وأمل الأمل للحر العاملي 2/ 369.

([12]) انظر "اللّمعة الدمشقية في الفقه" ص 79 وما بعدها.  

([13]) انظر تطور الفكر السياسي الشيعي ص 368.

([14]) هو الشاه إسماعيل بن حيدر بن جنيد بن إبراهيم بن خواجة علي بن صفي الدين الأردبيلي، المتوفى سنة(930هـ)، مؤسس الدولة الصفوية الرافضية، وكان رجلا ظالما سفاكا متعصباً للرفض، حيث قتل الآلاف المؤلفة من أهل السنة، وأذاقهم أصنافا من الأذى والعذاب، وكان من أبرز أعماله: أمره بسب الصحابة y على المنابر والطرق والشوارع، كما أنه نظم الاحتفالات بذكرى مقتل الحسين t سنوياً وأمر بضرب الرؤوس والصدور والظهور بالسلاســـل والسكاكين، وأمر بالزيادة في الأذان، وغير ذلك من البدع. انظر ترجمته في عودة الصفويين لعبد العزيز صالح المحمود ص 7-31، والذريعة 2/ 359.

([15]) انظر تطور الفكر السياسي الشيعي ص 375.

([16]) هو أحمد بن محمد النراقي الكاشاني، المتوفى سنة(1245هـ)، صاحب كتاب "عوائد الأيام". انظر ترجمته في الفوائد الرجالية للبهبهاني 1/ 67، 3/ 325.

([17]) عوائد الأيام ص 186.

([18]) هو روح الله بن  مصطفى الخميني، المتوفى سنة(1410هـ) رئيس الثورة الإيرانية،
     وإمام الرافضة في هذا العصر، قال عنه آغا بزرك بأنه عالم فاضل، وقال عنه أحمد الفهري: "المرجع الخامس للمدرسة الشيعية الحديثة.. وبطل مسائل الغيب والملكوت.." وعن كتابه (كشف الأسرار) قال: "...تعرض فيه لهؤلاء المتسترين بالدين(يقصد الصحابة y ) والمتلاعبين به بشكل مفحم وماحق". انظر ترجمته في نقباء البشر في القرن الرابع عشر لآغا بزرك 3/ 789، والذريعة 18/ 13، ومقدمة الفهري على شرح دعاء السحر ص 6-7، 9. 

([19]) الحكومة الإسلامية ص 49.

([20]) المرجع السابق ص 75.

([21]) كشف الأسرار ص 207، وكلام الخميني هذا اقتباس من رواية أحد الأئمة، وانظر تلك الرواية في عوائد الأيام للنراقي ص 188.

([22]) الروضة من الكافي 8/ 295، والغيبة للنعماني ص 111، ووسائل الشيعة 27/ 140، والفصول المهمة في أصول الأئمة 1/ 451(كلاهما للحر العاملي) وبحار الأنوار 52/ 143.

([23]) الحكومة الإسلامية ص 26.

([24]) انظر المادة الخامسة من الدستور الإيراني.

([25]) الحكومة الإسلامية ص 49.

([26]) انظر المرجع السابق ص 385.

([27]) انظر تطور الفكر السياسي الشيعي ص 390.

([28]) تقدم تخريج الرواية ص 163.

([29]) تقدم تخريج هذه الرواية ص 160.   

([30]) عوائد الأيام ص 188.

([31]) كشف الأسرار ص 206-207.

([32]) الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام ص 30.

([33]) المرجع السابق ص 27-28 باختصار.

([34]) انظر الحكومة الإسلامية للخميني ص 49. 

([35]) الثورة الإيرانية ص 31.

([36]) انظر مثلا: كشف الأسرار للخميني ص 238.

([37]) وقد ذكر الشيخ نماذج من محاولات الرافضة الإجرامية لإسقاط حكومة الحرمين، انظر تاريخ التشيع وأفكاره ص 412(باللغة الأردية)، وللمزيد ينظر بروتوكولات آيات قم حول الحرمين للدكتور عبد الله القفاري.

([38]) انظر تاريخ التشيع وأفكاره ص 413، وانظر مصداق ما أشار إليه في: منهاج السنة 5/ 155، 6/ 374، 7/ 414، وخيانات الشيعة وأثرها في هزائم الأمة للدكتور محمود محمد عبد الرحمن.

([39])  المرتضى في سيرة علي بن أبي طالب ص 248-250.

([40]) كما في الحكومة الإسلامية ص 49.

([41]) انظر الروضة من الكافي 8/ 295.  

([42]) انظر تاريخ التشيع وأفكاره ص 410-415.


عدد مرات القراءة:
783
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :