أن الإمامة من أهم أصول الدين
يزعم الرافضي أنه ألف كتابه منهاج الكرامة في معرفة الإمامة ليبين أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين وهي الإمامة والتي بها نيل درجة الكرامة و الخلود في الجنان. ونقل المذاهب في المسألة. ووجوب اتباع مذهب الإمامية، والأدلة على إمامة علي. وفي الاثنى عشر وإبطال خلافة أبي بكر وعمر وعثمان. الجواب: إن مسألة الإمامة لم تكن أهم المطالب اتفاقاً. لا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بعده، لأن الإيمان بالله ورسوله، هو أول ما يؤمر به المرء إذا أراد الإسلام. بل عليه قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفار كما ثبت أنه قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) ([7]). وقد قال تعالى: (( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ))[التوبة:5] وقال أيضاً: (( فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ ))[التوبة:11] فجعلهم إخوانا في الدين بالتوبة، والكفار في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا أسلموا أجرى عليهم أحكام الإسلام ولم يذكر لهم الإمامة بحال. فكيف تكون أهم المطالب في أحكام الدين؟ وكل من بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة إلى الكفار وأهل الكتاب إنما يقول له: (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله،و أن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك... إلخ) وليس فيه شيء عن الإمامة، ولو كان ركناً من أركان الدين لذكره الرسول صلى الله عليه وسلم. فالطاعة إنما تجب لله ورسوله ولمن أمرت الرسل بطاعتهم. واعلم أن طاعة الله ورسوله هي الطريق لدخول الجنة لا غير، قال تعالى: (( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ))[النساء:69]... (( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))[النساء: 13]. وأما من علق نجاته بالإمام الغائب فقد خاب وخسر لمخالفته الكتاب والسنة، فالحصول على درجة الكرامة إنما تنال بأداء الواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات، لا بمجرد معرفة الإمام وإدراك وقته، ومن زعم أن حب علي حسنة لا يضر معها سيئة، فقد عدل عن الصراط المستقيم. وجاء في الصحيحين من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإن من خرج من السلطان شبراً، مات ميتة جاهلية) فهذا يدل على وجوب الطاعة للأمير الموجود، لا الغائب المفقود، وعدم الخروج عليه. ويذكر الرافضي أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن الخليفة بعده علي ثم الحسن ثم الحسين... إلى أن ينتهي بالإمام الثاني عشر محمد بن الحسن المهدي المزعوم، ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عن وصية، وأهل السنة ذهبوا على خلاف ذلك كله. فقول الرافضي عن أهل السنة: إنهم يقولون: إن النبي لم ينص على إمامة أحد وأنه مات من غير وصية. فالجواب: ليس هذا قول جميعهم لأن منهم من يقول: إنها ثابتة بالنص الظاهر وهو قول جماعة من أهل الحديث والمعتزلة والأشعرية واختاره القاضي أبو يعلى وغيره. وقال جماعة من أهل الحديث وبعض الخوارج: إنها تثبت بالنص الخفي والإشارة، وهو قول الحسن البصري. ومن أدلتهم على ذلك ما أسنده البخاري عن جبير بن مطعم قال: (أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت فلم أجدك – كأنها تريد الموت – قال: إن لم تجديني فائتي أبا بكر) قالوا: هذا نص على إمامته. ومن ذلك حديث صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: (دخل عليّ رسول الله اليوم الذي بدأ فيه، فقال: ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتاباً، ثم قال: يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر -وفي لفظ- فلا يطمع في هذا الأمر طامع) ([8]) متفق عليه. وكذلك تقديمه صلى الله عليه وسلم في الصلاة. وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) ([9]) واحتج من قال: بأنه لم يستخلف ببعض الآثار، كقول عمر: [[إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني -يعني: أبا بكر- وإلا أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني -يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم]] ([10])-. وما روي عن عائشة: [[أنها سئلت من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلف لو استخلف؟]] ([11]) فالدلالة اللغة يدل على أن الخليفة هو من استخلفه غيره، وليس الذي يخلفه دون أن يستخلف هو. وإجماع الصحابة على أبي بكر أيضاً كنص، إذاً فلا يقاوم الأثران الموقوفان النصوص الظاهرة، وربما قد يخفى على عمر كما خفي عليه بعض الأشياء، وخبر عائشة جاء كسؤال سائل فلا يعارض روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأهل السنة يثبتون الخلافة لأبي بكر بنص خفي أو جلي وبعضهم يقولون:" إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على إمامة أحد، وأنه مات من غير وصية. وأما دعوى الرافضة النص على علي فليس إلا كدعوى الراوندية النص على العباس وولده إلى أن تقوم الساعة. وهي دعوى باطلة لعدم نص صحيح على ذلك. وربما استدل بعضهم بما لا حجة فيه أصلا من الأحاديث الصحيحة، مثل حديث: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) وحديث: (من كنت مولاه فعلي مولاه) كما هو صنيع الرافضي هنا. الأول في الصحيحين قال ذلك صلى الله عليه وسلم لعلي لما تركه مع النساء والصبيان في المدينة وذهب لغزوة تبوك، ولم يكن علي يحب ذلك، بل يبكى فاسترضاه وهدأه بهذه الكلمات، والاستخلاف لم يكن خاصاً لعلي إنما وقع لبعض الصحابة مثل عثمان وبشير بن عبد المنذر وابن أم مكتوم وغيرهم، والتشبيه هنا لا يقتضى المساواة في كل شيء، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم شبه أبا بكر بإبراهيم وعيسى وشبه عمر بنوح وموسى كما هو في الصحيحين من حديث الأسارى لما استشار أصحابه. فهذه الفضيلة عامة ولست خاصة فيحتج بها على خلافة علي. ومع هذا كان في غزوة تبوك لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر أميراً على الموسم وأردفه بعلي. فكان أبو بكر أميراً عليه. وأما حديث: (من كنت مولاه فعلي مولاه.. اللهم وال من والاه) فإنه قد ثبت بعضه عند الترمذي وغيره والشطر الثاني لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو (اللهم وال من والاه...) ومعنى الحديث: من كان النبي مولاه فعلي والمؤمنون مواليه، كما قال تعالى: (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ )) فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين. ولو كان المقصود به الإمارة لقال: (من كنت واليه فعلي واليه) وإنما اللفظ من كنت مولاه... فلا حجة فيه. فخلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص على صحتها وثبوتها ورضا الله ورسوله له بها، وانعقدت باجتماع المسلمين ومبايعتهم له كلهم ([12]) -إلا ما كان من سعد بن عبادة- وأما علي فقد بايعه أيضاً وإن تأخرت مبايعته على أحد القولين ([13]) ولكنها حاصلة. فهذا أبلغ من مجرد العهد بها. وأما إذا كان ما فعله الصحابة من اختياره –الصديق- من غير عهد ودلت النصوص على صوابهم في ذلك ورضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا دليل على أن الصحابة يعرفون فضلهم عليهم واستحقاقه لها قبل غيره فلا حاجة إذاً إلى عهد خاص. فلذلك لما هم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يرسل إلى أبي بكر ويعهده ترك لما علم أن الله والمؤمنين لا يرضون لهذا الأمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم أحداً غير أبي بكر. فهذا أمر واضح لا يخفى على من له أدنى علم فضلاً عن جمهور الأمة وهم خير القرون.
[7] البخاري 1/10 ومسلم 1/52-53 [8]انظر البخاري ( 7/119) ومسلم (4/1857) [9]أحمد (5/383) والترمذي (5/371) [10]البخاري (9/83) ومسلم (3/1454). [11]مسلم (4/1856). [12]يقول علي ابن أبي طالب:" إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على مابايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب ان يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا، فإن خرج على أمرهم خارج بطعن أو بدعه" ردوه إلى ماخرج منه فإن أبي قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ماتولى " نقله إحسان إلهي ظهير من نهج البلاغة، انظر كتابه الشيعة وأهل البيت ص 58. [13]القول الثاني هو أنه بايعه في أول الأمر كما يشهد لذلك حديث أبي سعيد الخدري وغيره:" ان عليا بايع أبا بكر في أول الأمر " وصححه ابن حبان، وهو قول الحافظين ابن كثير وابن حجر. انظر الإنتصار للصحب والآل للدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي ص334/337
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video