طعن الشيعة في أخلاق معاوية رضي الله عنه
وتنقسم هذه المطاعن إلى قسمين: القسم الأول: طعنهم في أخلاقه في خاصّة نفسه. والثاني: طعنهم في أخلاقه -تعامله- مع الناس. أما عن أخلاق معاوية الخاصة: فيقول الشيعة: إنه كان زانياً؛ زنى بأخته وغيرها من محارمه، قال نعمة الله الجزائري: قد نقل في كتب كثيرة أن يزيد بن معاوية قد تعشّق عمته -أخت أبيه معاوية - وكانت بكراً، فاستحيا أن يظهر لها الحال فأراد أن يمتحنها، فأتى معها إلى بستان، وجلست في موضع، فأمر أن ينزو حصان على فرس وعمته تنظر إليهما، فلما نزى عليها وهي تنظر إليهما أتاها يزيد وأمرها بالقيام من مكانها، فلما قامت رأى في مكانها إراقة المني، فعلم بإرادتها لذلك الغرض، فأتى إليها، فلما جامعها لم يجدها بكراً، فقال لها: أين بكارتك؟ فقالت له: إن أباك لم يترك بكراً، فظهر أن معاوية قد كان مخالطاً لها وهذا العجب العجيب، والأمر الغريب[1]. وقد علق محمد علي الطباطبائي على هذه الأكذوبة، وأنكر تعجب الجزائري من إمكانية حدوثها، ومما قاله: لا عجب ولا غرابة من معاوية الزنديق أمثال هذه الأعمال الشنيعة، وكذا من سخله يزيد العنيد[2]. فهذه القصة من البهتان المبين الذي دوّنه الشيعة مع غيرها من القصص-في كتبهم المعتمدة عندهم، وتلقاها المعاصرون- منهم بالقبول والتسليم[3].ولا يكتفي الشيعة باتهمامه بالزنا مع محارمه ومع غيرهم، ولكنهم يزعمون أيضاً أنه كان يشرب الخمر، ويغني، ويجمع عنده القينات والمعازف، و... و... إلى آخر ما أوروه من البهتان المبين[4] الذي لم ينسبوه إلى قائل، ولم يرووه بإسناد. هذا عن أخلاقه في خاصّة نفسه. أما عن أخلاقه العامة: فـالشيعة يزعمون أن معاوية قتل جمعاً كبيراً من الصحابة يقدرون بأربعين ألفاً -وقيل سبعين ألفاً- من المهاجرين والأنصار[5]. ويعدون ممن قتلهم: الحسن بن علي؛ حيث يزعمون أن معاوية قتله بالسمّ[6]. وممن قتلهم معاوية أيضاً -كما زعم الشيعة-: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وقد اختلفوا في سبب قتله لها على قولين: أحدهما: لأنهما اعترضت على تولية ابنه يزيد من بعده؛ قال ابن طاوس: كان -يقصد معاوية - على منبر رسول الله يأخذ البيعة لـيزيد، فأخرجت عائشة رأسها من حجرتها، وقالت: صه، صه، هل استدعى الشيوخ بنيهم للبيعة؟ فقال معاوية: لا. فقالت: فبمن اقتديت؟ فخجل معاوية، ونزل عن المنبر، وحفر حفيرة لـعائشة واحتال لها، وألقاها فيها فماتت[7]. أما السبب الآخر: فلأنها دخلت بحمارتها على بساط معاوية ولم تراع له حرمة -كما زعموا- قال ابن طاوس والبياضي: [إن عائشة ذهبت إلى منزل معاوية وهي راكبة على حمار، فجاءت بحمارها على بساط معاوية وعلى سريره، فبالت الحمار وراثت على بساطه، وما راعت حرمة معاوية، فشكى معاوية إلى مروان بن الحكم، وقال له: لا طاقة لي إلى تحمل بلاء هذه العجوز، فتولى مروان بإذن معاوية أمر عائشة، ودبر لها حفرة البئر، فوقعت فيه في آخر ذي الحجة سنة ثمان وخمسين، وفيها قال الشاعر: لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمار[8] وليس الأمر قاصراً على قتل الحسن وعائشة، بل يزعمون أنه قتل سعد بن أبي وقاص أيضاً[9]، وغيره من الصحابة[10]. مناقشة هذه المزاعم: لم ينسب الشيعة هذه المزاعم التي أوردوها إلى كتاب يعرف، ولم يذكروا لها إسناداً فيدرس، وإنما افتروها، وزعموا أنها قد ذكرت في كتب كثيرة معتبرة، دون أن يشيروا إلى كتاب واحد معتبر من هذه الكتب. والرد على هذه المزاعم التي أوردوها لا يستلزم كبير عناء: إذ أن مطاعنهم في أخلاق معاوية الخاصة لم يشاركهم في نقلها أحد، وهي بدون إسناد، ونطالبهم أولاً بصحة النقل، ثم تكون المناظرة بعد ثبوت النقل، أما إيرادها هكذا: فهو من الأدلة القطعية على كذبها، سيما وأنها تتعارض مع ما عرف عن معاوية رضي الله عنه، وعن غيره من الصحابة الكرام من الأخلاق الحسنة، والصفات الحميدة. أما طعنهم في معاملته للناس: فلا يسلم لهم؛ لأن معاملة معاوية الحسنة للناس، وحلمه عليهم، وصفحه عنهم مما عرف تواتره ضرورة: فقد أخبر جماعة من الحفاظ -منهم قتادة، ومجاهد، وأبو إسحاق السبيعي، وغيرهم- عن عدل معاوية رضي الله عنه، وقالوا للناس: لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدي، لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم: هذا المهدي[11]؟ وقال الأعمش: لما ذكر عنده عمر بن عبد العزيز وعدله: كيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: في حلمه؟ قال: لا والله، بل في عدله[12]. وكان يضرب المثل في حلم معاوية وصفحه رضي الله عنه، وحسن معاملته لرعيته، والأخبار في ذلك كثيرة، ولا يتسع المقام لذكرها. أما عن زعم الشيعة أنه قتل سبعين ألفاً من المهاجرين والأنصار، أو أربعين ألفاً، أو خلقاً كثيراً -على اختلاف بين أقوالهم-: فإنهم يشيرون إلى ما جرى بينه وبين علي رضي الله عنه من حروب، ويقال لهم: الذين قُتلوا: قُتلوا من الطائفتين: قَتل هؤلاء من هؤلاء، وهؤلاء من هؤلاء، وأكثر الذين كانوا يختارون القتال من الطائفتين لم يكونوا يطيعون لا علياً ولا معاوية، وكان علي ومعاوية رضي الله عنهما أطلب لكفّ الدماء من أكثر المقتتلين، ولكن غُلبا فيما وقع، والفتنة إذا ثارت عجز الحكماء عن إطفاء نارها، ثم قتال أصحاب معاوية معه لم يكن لخصوص معاوية، بل كان لأسباب أخرى، وقتال الفتنة مثل قتال الجاهلية لا تنضبط مقاصد أهله واعتقاداتهم، كما قال الزهري: وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، فأجمعوا أن كل دم أو مال أو فرج أصيبت بتأويل القرآن، فإنه هدر؛ أنزلوهم منزلة الجاهلية[13]. أما عن زعمهم أنه وضع السمّ للحسن بن علي رضي الله عنهما فمات؛ فقد أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: وأما قوله -أي قول الحلي -: إن معاوية سم الحسن: فهذا مما ذكره بعض الناس، ولم يثبت ذلك ببينة شرعية أو إقرار معتبر، ولا نقل يجزم به، وهذا مما لا يمكن العلم به، فالقول به قول بلا علم.. والحسن رضي الله عنه قد نقل عنه أنه مات مسموماً، وهذا مما يمكن أن يُعلم؛ فإن موت المسموم لا يخفى، لكن يقال: إن امرأته سمته، ولا ريب أنه مات بـالمدينة ومعاوية بالشام، فغاية ما يظن الظان أن يقال: إن معاوية أرسل إليها وأمرها بذلك، وقد يقال: بل سمته امرأته لغرض آخر مما تفعله النساء؛ فإنه كان مطلاقاً لا يدوم مع امرأة، وقد قيل: إن أباها الأشعث بن قيس أمرها بذلك؛ فإنه كان يُتهم بالانحراف في الباطن عن علي وابنه الحسن.. وبالجملة: فمثل هذا لا يحكم به في الشرع باتفاق المسلمين، فلا يترتب عليه أمر ظاهر: لا مدح ولا ذم، والله أعلم[14]. فـالحسن بن علي رضي الله عنهما لا يعرف من وضع له السم، وقد يكون شيعته هم الذين وضعوه له نتيجة مصالحته لـمعاوية، ولكن كما ذكر شيخ الإسلام لا يجزم بالحكم دون دليل، ومآل العباد جميعاً إلى الله وهو سبحانه يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون. أما عن زعمهم أنه قتل سعد بن أبي وقاص: فهو باطل من أساسه؛ إذ أن سعداً مات ميتة طبيعية[15]، ولم ينقل أحد من أهل العلم ولا غيرهم من أهل السنة أنه مات مقتولاً، ثم ما الدافع لـمعاوية إلى قتله وهو -أي سعد - قد اعتزل الناس لما وقعت الفتنة، وكان من أبعد الناس عن طلب الخلافة، ومن أزهد الناس في الإمارة والولاية[16]، وسعد كان في المدينة ومات في المدينة[17]، ومعاوية في الشام، فكيف قتله؟! ثم كيف يدافع الشيعة عن سعد، وهم الذين سلقوه بألسنة حداد ووجهوا إليه من المطاعن ما تكفي منها واحدة لتدل على مدى الحقد والبغض والكراهية التي تعتمل في صدورهم تجاهه. أما عن زعمهم أن معاوية قتل عائشة رضي الله عنها: فهو من التخرصات أيضاً، والإجابة عن هذا الزعم كالإجابة عن سابقه. أضف إلى ذلك ما وقع في القصة التي أوردوها من تناقض زمني؛ فـالشيعة ذكروا أن معاوية قتل عائشة في السنة التي حج فيها، بينما الصحيح أنها رضي الله عنها ماتت بعد تلك السنة بأربع سنوات؛ أي في السنة الثامنة والخمسين، في شهر رمضان منها[18]. وقد ذكر علماء أهل السنة أن معاوية رضي الله عنه لما حج وزار المدينة، استأذن على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فأذنت له، فقال لها: كيف بري بك يا أماه؟ فقالت رضي الله عنها: إنك بي لبار، ثم سألها: كيف أنا فيما سوى ذلك من حاجاتك وأمرك؟ فقالت: صالح[19]. ولم يشارك أحد الشيعة في نقل أمثال هذا الإفك والبهتان المبين، ولا يستغرب من قوم اتخذوا الكذب ديناً أن ينقلوا مثل هذه المزاعم.
[1] الأنوار النعمانية للجزائري 1/ 67. [2] انظر: تعليق الطباطبائي على الأنوار 1/ 67، ح2. [3] إنما أوردتها- هي وأمثالها من القصص الأخرى التي أوردها الشيعة في كتبهم –باللفظ نفسه الذي وردت به لأدلل على معتقد الشيعة قديمهم ومعاصرهم في الصحابة. [4] الطرائف لابن طاوس ص:503. [5] راجع: منهاج الكرامة للحلي ص:115، والصراط المستقيم للبياضي 3/ 48، وعقائد الإمامية للزنجاني 3/ 65. [6] انظر: السقيفة لسليم بن قيس ص:197، ودلائل الإمامة لابن رستم ص:61، ومروج الذهب للمسعودي 6/ 55، ومقاتل الطالبيين للأصفهاني ص:31، 73، والإرشاد للمفيد ص:356-358. والخرايج والجرايح للراوندي ص:23، وكفاية الأثر للخزاز ص:226، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 4/ 4، ومنهاج الكرامة للحلي ص:115، وكشف الغمة للإربلي 1/ 516، 542، 584، وإحقاق الحق للتستري ص:267، وعقائد الإمامية للزنجاني 3/ 64، وأصل الشيعة وأصولها لكاشف الغطاء ص:47، وتاريخ الشيعة للمظفر ص:31، والشيعة في الميزان لمغنية ص:218، وسير الأئمة للحسيني 7497-498، وأحاديث أم المؤمنين لمرتضى العسكري 1/ 357. [8] الطرائف لابن طاوس ص:503. [9] نفس المصدر. وانظر أيضاً الصراط المستقيم للبياضي 3/ 45-46. [10] مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص:31، وسيرة الأئمة لهاشم الحسيني 1/ 497، وأحاديث أم المؤمنين للعسكري 1/ 357. [11] ادعى الشيعة أنه قتل سبعين ألفاً من الصحابة، كما تقدمت مزاعمهم في ذلك. [12] منهاج السنة النبوية لابن تيمية 6/ 233-234. [13] منهاج السنة النبوية لابن تيمية 6/ 233-234. [14] منهاج السنة النبوية لابن تيمية 4/ 467-468. [15] منهاج السنة النبوية لابن تيمية 4/ 469-471. [16] الاستيعاب لابن عبد البر 2/ 25-26، والإصابة لابن حجر 2/ 33. [17] صحيح مسلم 4/ 2277، كتاب الزهد والرقاق، ومسند أحمد – ط. المعارف- 3/ 26، 65-66. [18] الاستيعاب لابن عبد البر 2/ 25-26، والإصابة لابن حجر 2/ 33. [19] الإصابة لابن حجر 4/ 361. [20] مسند أحمد 1/ 166-167.
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video