قولهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر علياً بقتال طلحة والزبير ومن معهما وسمّاهم ناكثين
يزعم الشيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر علياً بقتال طلحة والزبير ومن معهما، وسماهم ناكثين، قال المفيد: إن النبي صلى الله عليه وآله أمر علياً بقتال أصحاب الجمل، وفرض عليه جهادهم[1]. وقال في موضع آخر يحكي عن علي رضي الله عنه أنه كان: ممتحناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين[2]. وقال ابن طاوس: علي ع كان مأموراً بمحاربة الناكثين، وهم طلحة والزبير...[3]. وقال محمد رضا الحكيمي: إن الرسول صلى الله عليه وآله عهد إلى علي بأنه سيقاتل الناكثين؛ طلحة والزبير[4]. وقد استدلوا على ذلك بما أسنده الصدوق إلى جعفر الصادق أنه قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لـ أم سلمة رضي الله عنها:...يا أم سلمة اسمعي واشهدي: هذا علي بن أبي طالب سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين. قلت: يا رسول الله، من الناكثون؟ قال: الذين يبايعونه بـ المدينة وينكثونه بـ البصرة...إلخ»[5]. واستدلوا على ذلك أيضاً بما أسنده ابن رستم الطبري، والصدوق -واللفظ له- إلى علي بن أبي طالب قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال[6]: ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، فمن قاتلك منهم فإن لك بكل رجل منهم شفاعة في مائة ألف من شيعتك، فقلت: يا رسول الله، فمن الناكثون؟ قال: طلحة والزبير، سيبايعانك بـ الحجاز وينكثانك بـ العراق، فإذا فعلا ذلك فحاربهما، فإن في قتالها طهارة لأهل الأرض...»[7]. واستدلوا أيضاً بما أسنده الصدوق والطوسي -واللفظ له- إلى علي رضي الله عنه قال: «أمرني رسول الله بقتال الناكثين طلحة والزبير، والقاسطين معاوية...»[8]. وقد عد الشيعة قتال علي لـ طلحة والزبير ومن معهما من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله، نظراً لأنها امتثال لأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما يزعمون- قال المفيد: علي ع ومن معه قصد التقرب إلى الله بقتال طلحة والزبير ومن معهما... ألا ترى إلى ما اشتهر من قول أمير المؤمنين ع وقد سئل عن قتاله للقوم: لم أجد إلا قتالهم أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله[9]...][10]. ويزعم الشيعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتف بأمر علي بحرب طلحة والزبير ومن معهما، بل لعنهم جميعاً لأنهم يحاربون وصـيّه من بعده؛ فقد روى سليم بن قيس عن علي، وأسند إليه الصدوق وفرات الكوفي -واللفظ له- قوله: لقد علم المستحفظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، وعائشة بنت أبي بكر أن أصحاب الجمل وأصحاب النهروان ملعونون على لسان النبي صلى الله عليه وآله، ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط[11]. مناقشة هذه الدعوى: إن ما نسبه الشيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى علي رضي الله عنه لا أساس له من الصحة، ولا وجود له في كتب أهل السنة، باستثناء حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وفيه قول أبي أيوب: «أمرنا رسول الله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، قلت: يا رسول الله مع من؟ قال: مع علي بن أبي طالب»، وهذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك بإسنادين مختلفين إلى أبي أيوب الأنصاري[12]، وقال عنه الذهبي: [لم يصح، وقد ساقه الحاكم بإسنادين مختلفين إلى أبي أيوب، والإسنادان ضعيفان[13]؛ فيهما: علي بن الحزور: قال عنه يحيى بن معين: لا يحل لأحد أن يروي عنه، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك، وقال ابن عدي: هو من متشيعة الكوفة، الضعف على حديثه بيِّن، وقال ابن حجر: متروك، شديد التشيع][14]. وفيهما أصبغ بن نباته الحنظلي: قال عنه أبو بكر بن عياش: كذاب، وقال أبو حاتم: ليس بشيء، وقال النسائي وابن حبان: متروك. وزاد ابن حبان: فُتِن بحب علي، فأتى بالطامات، فاستحق من أجلها الترك. وقال العقيلي: كان يقول بالرجعة، وذكر الذهبي أنه هالك، وذكر من طاماته: حديث أبي أيوب المذكور، وقال ابن حجر: متروك، رمي بالرفض[15]. وفيهما حكيم بن جبير: قال أحمد: ضعيف منكر الحديث، وقال الدارقطني: متروك، وقال الجوزجاني: كذاب، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، له رأي غير محمود، نسأل الله السلامة، غال في التشيع، وذكر الذهبي أنه كان شيعياً متروك الرواية، وذكر من طاماته هذا الحديث، وقال عنه ابن حجر: رمي بالتشيع[16]. وقد خرج حديث أبي أيوب أيضاً: ابن الجوزي في الموضوعات[17]، من طريق المعلى بن عبد الرحمن، وذكر فيه قول أبي أيوب: ...فأما الناكثون فقد قاتلناهم يوم الجمل: طلحة والزبير، وأما القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم؛ يعني معاوية وعمراً...[18]. وقال عنه ابن الجوزي بعد روايته: هذا حديث موضوع بلا شك[19]، وذكر أن فيه عللاً ثلاث: 1- فيه المعلى بن عبد الرحمن: حكم ابن المديني عليه بوضع الحديث، وقال عنه أبو حاتم: متروك. 2- فيه أحمد بن عبد الله المؤدب: قال عنه ابن عدي: يضع الحديث. وقال الدارقطني: يترك حديثه. 3- أبو أيوب لم يشهد صفين: قال شعبة بن الحجاج: قلت للحكم بن عتيبة: شهد أبو أيوب مع علي صفين؟ فقال: لا، ولكن شهد معه قتال النهر[20] . وقد حكم بوضع هذا الحديث طائفة من علماء أهل السنة: منهم الذهبي -كما تقدم- ومنهم ابن الجوزي في العلل المتناهية[21]. وابن تيمية في منهاج السنة النبوية[22]، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة[23]، وعلي بن محمد الكناني في تنزيه الشريعة[24]، والشوكاني في الفوائد المجموعة[25]، وغيرهم[26].
[1] الجمل للمفيد ص:20. [2] الإرشاد للمفيد ص:13. [3] الملاحم والفتن لابن طاوس ص:19، 86، 89-90، 151. [4] علي مع القرآن للحكيمي ص:142. [5] معاني الأخبار للصدوق ص:204، والأمالي له ص:380-381. [6] عند ابن رستم: لقد عهد النبي، وقال: لا بد من أن تقاتل الناكثين.. [7] دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص:121، والخصال للصدوق 2/ 573-574، وانظر: الجمل للمفيد ص:35، وكفاية الأثر للخزاز ص:117، وفي ظلال التشيع لمحمد الحسني ص:42. [8] الخصال للصدوق 1/ 145، والأمالي للطوسي 2/ 40، 336، وانظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/ 207، 13/ 183، وكشف الغمة للإربلي 1/ 67، وإحقاق الحق للتستري ص:157، وبحار الأنوار للمجلسي 3/ 143، 395، والغدير للأميني 3/ 168-170، والمراجعات للموسوي ص:198. [9] الأمالي للمفيد ص:154، والشافي للمرتضى ص:204، والصراط المستقيم للبياضي 1/ 150. [10] الجمل للمفيد ص:19. [11] السقيفة لسليم بن قيس ص:211، ومن لا يحضره الفقيه للصدوق 4/ 302، وتفسير فرات الكوفي ص:45، وانظر: الإيضاح للفضل بن شاذان ص:39-40، والشافي للمرتضى ص:287، والصراط المستقيم للبياضي 1/ 150. [12] المستدرك للحاكم، مع التلخيص للذهبي 3/ 139-140. [13] المستدرك للحاكم، مع التلخيص للذهبي 3/ 139-140. [14] الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 6/ 182، وميزان الاعتدال للذهبي 3/ 118، وتقريب التهذيب لابن حجر ص:399. [15] الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/ 319-320، وميزان الاعتدال للذهبي 1/ 271، والتقريب لابن حجر ص:113. [16] الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 3/ 201، وميزان الاعتدال للذهبي 1/ 583-584، وتهذيب التهذيب لابن حجر 2/ 445-446، وتقريب التهذيب له ص:176. [17] الموضوعات لابن الجوزي 2/ 12-13. [18] الموضوعات لابن الجوزي 2/ 12-13. [19] الموضوعات لابن الجوزي 2/ 12-13. [20] الموضوعات لابن الجوزي 2/ 12-13. [21] العلل المتناهية لابن الجوزي 1/ 244-245. [22] منهاج السنة النبوية لابن تيمية 6/ 112. [23] اللآلئ المصنوعة للسيوطي 1/ 410-411. [24] تنزيه الشريعة للكناني 1/ 387. [25] الفوائد المجموعة للشوكاني ص:383. [26] زعم المفيد أن أسانيد حديث قتال الناكثين، سلمت من طاعن في سندها، ومن قيام دليل على بطلان ثبوتها، وزعم أن أهل السنة سلموا بروايتها، فدل على صحتها الجمل ص35، بيد أنه لم يسلم بها أحد من أهل السنة، بل حكموا بوضعها، وذكروا أنه لم يصح شيء منها.
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video