الآيات التي زعم الشيعة أنها نزلت في طلحة والزبير رضي الله عنهما نتيجة حربهما لعلي رضي الله عنه
سبق الكلام على أسلوب الجري الذي يستعمله الشيعة في تفسير القرآن، والذي يعني تطبيق الآيات على أئمتهم وأعدائهم[1]، فهم يقولون: كل من انطبقت عليه آية جاز أن يقال: إنها نزلت فيه[2]. وقد طبقوا هذا الأسلوب على طلحة والزبير رضي الله عنهما باعتبار أنهما من أعداء الأئمة -كما زعموا- قال حيدر الآملي: طلحة والزبير من أعداء آل محمد[3]، وقال محمد جواد مغنية: إن طلحة والزبير كانا من أعدى أعداء الإمام علي عليه السلام[4]. ومن الآيات التي زعموا أنها نزلت فيهما، وفيمن معهما نتيجة حربهما لـ علي رضي الله عنه: 1- قوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253]. فقد روى القمي والطبرسي -واللفظ له- أن رجلاً جاء إلى علي فقال له: يا أمير المؤمنين كبر القوم وكبرنا، وهلَّل القوم وهللنا، وصلى القوم وصلينا، فعلام تقاتلهم؟ فقال أمير المؤمنين: على ما أنزل الله عز ذكره في كتابه، فقال: يا أمير المؤمنين ليس كل ما أنزل الله في كتابه أعلمه فعلمنيه؟ فقال عليه السلام: ما أنزل الله في سورة البقرة، فقال: يا أمير المؤمنين ليس كل ما أنزل الله في سورة البقرة أعلمه فعلمنيه؟ فقال عليه السلام: هذه الآية تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة:253] فنحن الذين آمنا، وهم الذين كفروا، فقال الرجل: كفر القوم ورب الكعبة، ثم حمل فقاتل حتى قتل[5]. المناقشة: من العجب أن الشيعة يدعون أيضاً أن هذه الآية دليل على كفر الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه سلم[6]، وقد تقدم تفنيد دعوى الشيعة، وبيان أن قوله تعالى: مِنْ بَعْدِهِمْ: أي من بعد موسى وعيسى[7]، لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يقتتلوا لاختلافهم في قاعدة من قواعد الإسلام، بل كان قتال علي وطلحة والزبير قتال فتنة ليس بواجب ولا مستحب، وهذا القتال لا يقدح فيهم رضي الله عنهم، ولا يلزم منه كفرهم كما ادعى الشيعة[8]. 2- ومنها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]. فقد ذكر الطبرسي أنها نزلت في طلحة والزبير ومن معهما، فقال: روي عن علي أنه قال يوم البصرة: والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم، وتلا هذه الآية[9]. وقال البياضي: وقد روى كثير من الناس أنها نزلت في المرتدين يوم الجمل بحربهم لـ علي عليه السلام، فإن قيل: انقطع الوحي قبل الجمل، قلنا: قد ذكر العلماء[10] أن كل من انطبق عليه آية جاز أن يقال: إنها نزلت فيه[11]. المناقشة: قد ذكر الشيعة أيضاً أن هذه الآية نزلت في الصحابة الذين غصبوا آل محمد حقهم وارتدوا عن دين الله -على حد زعمهم[12]وقد تقدم تفنيد دعواهم[13]، وبيان أن هذه الآية نزلت في الذين ارتدوا في حياة رسول الله وبعد وفاته أمثال مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وطليحة بن خويلد وأقوامهم، وأن الصحابة الذين زعم الشيعة أنهم المرتدون هم الذين قاتلوا المرتدين في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. 3- ومنها قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأعراف:40-41]. فقد روى القمي بسنده عن أبي جعفر الباقر، والعياشي بسنده عن أبي عبد الله الصادق في سبب نزول هذه الآية أنههما قالا: نزلت هذه الآية في طلحة والزبير، والجمل جملهم[14]. المناقشة: إن هاتين الآيتين عامتان في الكفار المكذبين الذين يكذبون بآيات الله ويتكبرون عن التصديق بها، ولا يتبعون رسله أنفةً من اتباعهم والانقياد إليهم. والله سبحانه يخبر عن هؤلاء أن أبواب السماء لا تفتح لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم، ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل؛ لأن أعمالهم خبيثة، وإنما يرفع الله ما هو طيب من القول والعمل، كما قال سبحانه: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]. ويشهد لهذا التأويل ما أخرجه ابن جرير الطبري بسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح الفاجر، وأنه يصعد بها إلى السماء، قال: فيصعدون بها، فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان، بأقبح أسمائه التي كان يدعى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء فيستفتحون له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]»[15]. أما قوله تعالى: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40]، فهو بيان لحال أولئك المكذبين في الآخرة؛ فإنه سبحانه ذكر استحالة دخولهم الجنة التي أعدها لأوليائه، وضرب مثلاً لهذه الاستحالة بالجمل الذي لا يستطيع أن يدخل من ثقب الإبرة من أجل أنه أعظم منها، أو بالحبل الغليظ الذي لا يمكن أن يلج في ثقب الإبرة أبداً، وعلى هذا إجماع المفسرين[16]. أما ما نسبه الشيعة إلى الباقر والصادق فمكذوب عليهما، وقد نقل الكاشاني عن الباقر ما يخالفه؛ حيث قال في تفسيرها: إن المؤمنين ترفع أعمالهم وأرواحهم إلى السماء فتفتح لهم أبوابها، وأما الكافر فيصعد بعمله وروحه حتى إذا بلغ السماء نادى مناد: اهبطوا به إلى سجين[17]. 4- ومنها قوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:25]. فقد ذكر القمي أنها نزلت في طلحة والزبير لما حاربا أمير المؤمنين ع وظلموه[18]، ثم نقل قول الزبير لما هزم أصحاب الجمل: لقد قرأت هذه الآية وما أحسب أني من أهلها، حتى كان اليوم، لقد كنت أتقيها ولا أعلم أني من أهلها[19]. المناقشة: قد ذكر الشيعة أيضاً في تأويل هذه الآية أنها نزلت في الصحابة الذين ارتدوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولوا الفتنة بتركهم ولاية علي رضي الله عنه، وقد تقدم تفنيد هذه المزاعم[20]، وبيان أن هذه الآيات إنما هي تحذير من الله لعباده المؤمنين ألا يقروا المنكر بين أظهرهم حتى لا يعمهم الله بالعذاب الذي يصيب الظالم وغيره. وقد ذُكر أن هذه الآيات نزلت في عثمان وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم[21] ولا مطعن فيها بهم؛ لأن من شأن الفتن أن تعم الظالم وغيره، فالظالم يظلم فيبتلى الناس بفتنة تصيب من لم يظلم، وهذا ما حدث بالنسبة لـ طلحة والزبير رضي الله عنهما، فإنهما خرجا يطلبان بدم عثمان رضي الله عنه من الظلمة الذين قتلوه، فوقعت الفتنة وأصابتهما مع كونههما لم يكونا من الظلمة. 5- ومنها قوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ [التوبة:12]. فقد أسند الحميري والعياشي إلى جعفر الصادق قوله: دخل علي أناس من أهل البصرة فسألوني عن طلحة والزبير؟ فقلت لهم: كانا من أئمة الكفر؛ إن علياً عليه السلام يوم البصرة لما صف الخيول قال لأصحابه: لا تعجلوا على القوم حتى أعذر فيما بيني وبين الله عز وجل وبينهم، فقام إليهم فقال: يا أهل البصرة هل تجدون علي جوراً في حكم؟ قالوا: لا، قال: فحيفاً في قَسْم؟ قالوا: لا. قال: فرغبة في دنيا أخذتها لي ولأهل بيتي دونكم فنقمتم علي فنكثتم بيعتي؟ قالوا: لا، قال: فأقمت فيكم الحدود وعطلتها عن غيركم؟ قالوا: لا. قال: فما بال بيعتي تنكث وبيعة غيري لا تنكث؟ إني ضربت الأمر أنفه وعينه فلم أجد إلا الكفر أو السيف، ثم ثنى إلى أصحابه فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ [التوبة:12]، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرء النسمة واصطفى محمداً بالنبوة إنهم لأصحاب هذه الآية، وما قوتلوا منذ نزلت[22]. وأسند العياشي والمفيد إلى علي بن أبي طالب أنه قال لما سمع بخروج طلحة والزبير لحربه: عذرني الله من طلحة والزبير، بايعاني طائعين غير مكرهين، ثم نكثا بيعتي من غير حدث أحدثته، والله ما قوتل أهل هذه الآية منذ نزلت حتى قاتلتهم...، ثم ذكر هذه الآية[23]. وقال القمي: نزلت في أصحاب الجمل، ثم ذكر قول علي في خطبته المسماة بالزهراء: والله لقد عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله غير مرة ولا اثنتين ولا ثلاث ولا أربع فقال: يا علي إنك ستقاتل بعدي الناكثين والمارقين والقاسطين[24]، أفأضيع ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وآله، أو أكفر بعد إسلامي[25]. ولقد عد الشيعة هذه الآية من الآيات التي أباحت لـ علي رضي الله عنه أن يقاتل أصحاب الجمل[26]، واستدلوا بقول علي: والله ما قاتلت هذه الفئة الناكثة إلا بآية في كتاب الله عز وجل ثم تلا هذه الآية[27]. وعد الشيعة طلحة والزبير رضي الله عنهما من أئمة الكفر المذكورين في الآية، والذين أمر الله بقتالهم، واستدلوا بما نسبوه إلى علي من قوله: ألا إن أئمة الكفر في الإسلام خمسة: طلحة، والزبير، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وأبو موسى الأشعري[28]. المناقشة: إن هذه الآية عامة في مشركي قريش الذي عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأيمان: العهود التي عاهدوا بها المسلمين ووثّقوا لهم بها. وهي خطاب من الله لصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم - ويدخل معهم من جاء بعدهم من المؤمنين- يبين لهم من خلاله كيفية معاملة المشركين الذين لا يحترمون العهود والمواثيق التي أبرمت مع المسلمين، ويوجب عليهم قتالهم إن نكثوا العهود، وضموا إلى النكث الطعنَ في دين الإسلام والقدح فيه؛ لعلهم ينتهون عن كفرهم ونكثهم وطعنهم في دين الإسلام، وعلى هذا إجماع المفسرين[29]. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب نزول هذه الآية قوله: نزلت في أبي سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وسائر رؤساء قريش الذين نقضوا العهد، وهم الذين هموا بإخراج الرسول[30]. وصرف الشيعة لمعنى هذه الآية عن حقيقته إلى معنى آخر لا يمت إلى الحقيقة بصلة يعد مجانبة للحق الواضح البين؛ فأي عهد نقضه طلحة والزبير؟ إن قالوا: بيعتهما لـ علي، قيل: إنهما لم ينكثا البيعة، بل بقيا عليها، ولم يخرجا عليه -كما تقدم-، بل خرجا يطلبان بدم عثمان رضي الله عنه. وإن أراد الشيعة بنكث الأيمان: ترك ولاية علي، فليقولوا في الآية التالية ما قالوه في هذه الآية؛ فإن الآية التالية حرضت المؤمنين على قتال الناكثين الذين هموا بإخراج رسول الله من مكة حين تشاوروا بذلك في دار الندوة حتى أذن له ربه في الهجرة، قال تعالى: أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [التوبة:13]، فهل همَّ طلحة والزبير بإخراج رسول الله من مكة؟ بل تراهم يعترفون بأن الآية الثانية نزلت في مشركي قريش، حتى إنهم ذكروا في معناها أنها نزلت في مشركي قريش حين هموا بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة، مؤولين نكث العهد بنقض الأيمان التي مع الرسول والمؤمنين على أن لا يعاونوا عليهم، فعاونوا عليهم[31]، فليقولوا إذاً في تأويل النكث في قوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ [التوبة:12]، ما قالوه في معناه في قوله: أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ [التوبة:13]. أما زعمهم أن طلحة والزبير من أئمة الكفر، مستدلين بما نسبوه إلى علي رضي الله عنه، فنسبته إليه لا تصح، بل الثابت أن أئمة الكفر هم أبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وهم الذين نكثوا عهد الله، وهموا بإخراج الرسول من مكة[32]. وهم المعنيون بقوله تعالى: فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ، وإن كان يصدق اسم أَئِمَّةَ الْكُفْرِ على كل رؤساء الكفار اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. 6- ومنها قوله تعالى: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ [النور:40]. فقد أسند القمي إلى أبي عبد الله الصادق قوله في تفسير هذه الآية: قوله: كَظُلُمَاتٍ فلان وفلان، فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ يعني نعثل، مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ طلحة والزبير، مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ معاوية ويزيد وفتن بني أمية[33]، وقد أسند الكليني إلى أبي عبد الله الصادق نحواً من هذا التأويل أيضاً[34]. المناقشة: إن هذه الآية والتي قبلها من الأمثال التي ضربها الله لأعمال من يكفر به، فالآية التي قبلها مثل ضربه الله للكفار الدعاة إلى كفرهم، الذين يحسبون أنهم على شيء من الأعمال والاعتقادات، وليسوا في نفس الأمر على شيء، بدليل أنهم إذا وافوا ربهم للحساب يوم القيامة لم يجدوا لهم شيئاً بالكلية، فمثل أعمالهم في ذلك كالسراب الذي يرى في أرض مستوية منبسطة، يراه من هو محتاج إلى الماء فيقصده ليشرب منه، حتى إذا انتهى إليه لم يجده شيئاً. والمثل الآخر الذي في هذه الآية ضربه الله لأعمال الكفار أصحاب الجهل البسيط، المقلدين لأئمتهم الذين لا يعرفون حال من يقودهم، ولا يدرون إلى أين يذهب بهم، فجعل الظلمات مثلاً لأعمالهم، والبحر اللجي مثلاً لقلوبهم، فهم قد عملوا بنية قلب قد غمره الجهل وتغشته الضلالة والحيرة، كما يغشى هذا البحر اللجي موج من فوقه موج من فوقه سحاب، فكذلك قلب هذا الكافر الذي مثل عمله مثل الظلمات، يغشاه الجهل بالله بأن الله ختم على قلبه فلا يعقل عن الله، وختم على سمعه فلا يسمع مواعظ الله، وجعل على بصره غشاوة فلا يبصر به حجج الله، فتلك ظلمات بعضها فوق بعض[35]. أما تفسير الشيعة لهذه الآية بما تقدم فقد نحوا فيه منحى التفسير الباطني، وصرفوا فيه الألفاظ عن ظواهرها المفهومة إلى أمور باطنة لا تربطها بالآية رابطة، وهذا النوع من التفسير حرام، وضرره عظيم؛ لأن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بدون دليل من الكتاب أو السنة أدى ذلك إلى بطلان الثقة بالألفاظ، وسقط به منفعة كلام الله تعالى.
[1] تقدم الكلام عليه ص:1034. [2] الصراط المستقيم للبياضي 2/ 3. [3] الكشكول لحيدر الآملي ص:160. [4] الشيعة في الميزان لمحمد جواد مغنية ص:255. [5] تفسير القمي 1/ 84، والاحتجاج للطبرسي ص:169-170. وانظر: علم اليقين للكاشاني 2/ 623، والبرهان للبحراني 1/ 239-240، ومقدمة البرهان للعاملي ص:239. [6] الروضة من الكافي ص:381، وتفسير العياشي 1/ 200 وانظر: البرهان للبحراني 1/ 319-320، وبحار الأنوار للمجلسي 8/ 6، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي ص:51-52. [7] تقدم ذلك ص:152. [8] سيأتي مزيد بيان في المطلب الخامس ص:1180. [9] مجمع البيان للطبرسي 2/ 208، وانظر: البرهان للبحراني 1/ 479. [0] يقصد علماء الشيعة. [11] الصراط المستقيم للبياضي 2/ 3. [12] تقدمت هذه الدعوى مع تفنيدها ص:157. [13] تقدمت هذه الدعوى مع تفنيدها ص:157. [14] تفسير القمي 1/ 320، وتفسير العياشي 2/ 17 وانظر: البرهان للبحراني 2/ 14-15. [15] جامع البيان للطبري 8/ 176-177. وقد أخرجه أحمد - ورجاله رجال الصحيح - والبيهقي وصححه. انظر: مسند أحمد 2/ 364-365، وإثبات عذاب القبر للبيهقي ص:37-39، ومجمع الزوائد للهيثمي 3/ 49. [16] جامع البيان للطبري 8/ 175-182، وتفسير ابن كثير 2/ 213-214، وفتح القدير للشوكاني 2/ 205-206. [17] تفسير الصافي للكاشاني 1/ 577. [18] تفسير القمي 1/ 271، وتفسير العياشي 2/ 53، وانظر: البرهان للبحراني 2/ 72. [19] تفسير القمي 1/ 271. [20] تقدم ذلك ص:162. [21] راجع: جامع البيان للطبري 9/ 218-219، وتفسير ابن كثير 2/ 299، وفتح القدير للشوكاني 2/ 300. [22] قرب الإسناد للحميري ص:46، وتفسير العياشي 2/ 77-78. وانظر: كشف الغمة للإربلي 1/ 241-242، وتفسير الصافي للكاشاني 1/ 685، والبرهان للبحراني 2/ 106-107، وبحار الأنوار للمجلسي 8/ 422. [23] تفسير العياشي 2/ 79، والأمالي للمفيد ص:72-73. وانظر: تفسير الصافي للكاشاني 1/ 686، والبرهان للبحراني 2/ 107، وبحار الأنوار للمجلسي 8/ 443. [24] وهذا من الأحاديث الموضوعة، وسيأتي بيان ذلك ص:1170. [25] تفسير القمي 1/ 283، وتفسير العياشي 2/ 78 وانظر: مجمع البيان للطبرسي 3/ 11، وتفسير الصافي للكاشاني 1/ 685، والبرهان للبحراني 107، وبحار الأنوار للمجلسي 8/ 443. [26] البرهان للبحراني 1/ 239. [27] تفسير القمي 1/ 283، وتفسير العياشي 2/ 78. وانظر: مجمع البيان للطبرسي 3/ 11، وتفسير الصافي للكاشاني 1/ 685، والبرهان للبحراني 107، وبحار الأنوار للمجلسي 8/ 443. [28] الشافي في الإمامة للمرتضى ص:287، وتلخيص الشافي للطوسي ص:462. [29] جامع البيان للطبري 10/ 87-89، وتفسير ابن كثير 2/ 339، وفتح القدير للشوكاني 2/ 341-343. [30] جامع البيان للطبري 10/ 88، وأسباب النزول للواحدي ص:278، والدر المنثور للسيوطي 3/ 214. [31] مجمع البيان للطبرسي 3/ 11، وتفسير الصافي للكاشاني 1/ 686، ومقدمة البرهان للعاملي ص:309. [32] وهو مروي عن ابن عمر، وابن عباس، وقتادة، وغيرهم، وقد أخرجه عن ابن عمر الحاكم في المستدرك 2/ 332، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وأخرجه عن ابن عباس ابن جرير الطبري، وعن قتادة عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم. انظر: جامع البيان للطبري 10/ 88، وأسباب النزول للواحدي ص:278، وفتح القدير للشوكاني 2/ 343، والدر المنثور للسيوطي 3/ 214. [33] تفسير القمي 2/ 106. وانظر: تفسير الصافي للكاشاني 2/ 173، والبرهان للبحراني 3/ 140. [34] البرهان للبحراني 3/ 140. [35] وعلى هذا إجماع المفسرين. انظر: جامع البيان للطبري 18/ 148-151، وتفسير ابن كثير 3/ 296، وفتح القدير 4/ 38-40.
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video