زعمهم أن طلحة أراد أن يتنصر لما أصيب المسلمون يوم أحد
زعمهم أن طلحة أراد أن يتنصر لما أصيب المسلمون يوم أحد: فقد رووا في تفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] أنه لما أصيب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأحد قال عثمان: لألحقن بـ الشام فإن لي به صديقاً من اليهود يقال له: دهلك فلآخذن منه أماناً، فإني أخاف أن يدال علينا اليهود، وقال طلحة بن عبيد الله: لأخرجن إلى الشام فإن لي صديقاً من النصارى فلآخذن منه آماناً، فإني أخاف أن يدال علينا النصارى، فأراد أحدهما أن يتهود، والآخر أن يتنصر، قال: فأقبل طلحة على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده علي بن أبي طالب عليه السلام، فأستأذنه طلحة في المسير إلى الشام وقال: إن لي بها مالاً آخذه ثم أنصرف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: عن مثل هذه الحال تخذلنا وتخرج وتدعنا، فأكثر على النبي صلى الله عليه وسلم من الاستئذان، فغضب علي فقال: يا رسول الله! ائذن لابن الحضرمية، فوالله ما عزَّ من نصر ولا ذلَّ من خذل، فكف طلحة عن الاستئذان عند ذلك، فأنزل الله عز وجل فيهم: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [المائدة:53]، يعني أولئك يقول: إنه يحلف لكم إنه مؤمن معكم فحبط عمله بما دخل فيه من أمر الإسلام حين نافق فيه[1] ولم يكتف الشيعة بهذا، بل زعموا أن طلحة قد تهود، ولكن لسبب آخر غير الذي ذكروه؛ فقد ذكر البياضي أن عثمان قال لـ طلحة: الست خطبت يهودية فأبت أن تتزوجك حتى تهودت، فأنت أول صحابي تهود[2]. مناقشة هذه الدعوى: إن هذه الآيات نزلت في شأن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وعبد الله بن أبي رأس المنافقين؛ فقد روى الطبري بسنده: «أن عبادة بن الصامت جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إن لي موالي من اليهود كثير عددهم، حاضر نصرهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاء اليهود، وآوي إلى الله ورسوله، فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر، ولا أبرأ من ولاية اليهود، إني رجل لا بد لي منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا حباب أرأيت الذي نفست به من ولاء يهود على عبادة فهو لك دونه، قال: إذن أقبل، فأنزل الله تعالى فيهما: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] إلى قوله تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [المائدة:51] يعني عبد الله بن أبي يُسَارِعُونَ فِيهِم [المائدة:52] في ولايتهم: يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:51] الآية» وعلى هذا جمهور المفسرين[3]. أما تأويل الشيعة لهذه الآيات بما تقدم بيانه فقد نسبوه إلى السدي إسماعيل بن عبد الرحمن، بيد أن الذي روي عن السدي خلاف ما ذكره الشيعة ؛ فالذي ورد في روايته: فقال رجل لصاحبه: أما أنا فألحق بـ دهلك... وقال الآخر...[4]، وليس فيه ذكر لـ طلحة ولا لـ عثمان رضي الله عنهما، وإنما القائلان هما رجلان من المنافقين، لكن الشيعة تمسكوا بهذه الرواية وحرفوها فوضعوا مكان فقال رجل لصاحبه: فقال عثمان لـ طلحة ؛ كيما يتسنى لهم الطعن فيهما رضي الله عنهما. ولا شك أن هذا من التمويه على الناس والتلبيس عليهم. وهذا التأويل من السدي رغم أنه لا يوجد فيه مطعن بـ طلحة ولا عثمان رضي الله عنهما إلا أن مُؤوَّلَهُ السدي موضع شبهة عند علماء الجرح والتعديل من أهل السنة، سيما وأن الشيعة يعتبرونه منهم[5]؛ فقد رمي بالتشيع والكذب، قال الليث بن سعد رحمه الله: كان بـ الكوفة كذابان فمات أحدهما، السدي والكلبي، وقال حسين بن واقد المروزي: سمعت من السدي، فما قمت حتى سمعته يشتم أبا بكر وعمر، فلم أعد إليه، وقيل للشعبي: إن إسماعيل السدي قد أعطي حظاً من علم القرآن، فقال: قد أعطي حظاً من جهل بالقرآن[6]. ومن كانت هذه حاله فحري أن لا تقبل روايته، وأن يضرب بها عرض الحائط، سيما وأنه يروي ما يقوي بدعته. عبدالقادر صوفي ..
[1]الطرائف لابن طاوس ص:494-495، والصراط المستقيم للبياضي 3/ 37، ونفحات اللاهوت للكركي ق:37/ أ، وحديقة الشيعة للأردبيلي ص:233، وإحقاق الحق للتستري ص:261، والأنوار النعمانية للجزائري 1/ 65، وعقائد الإمامية الإثني عشرية للزنجاني 3/ 57. [2] الصراط المستقيم للبياضي 3/ 239-240. [3] جامع البيان للطبري 6/ 275-281، وأسباب النزول للواحدي ص:229، وتفسير ابن كثير 2/ 68-69، والدر المنثور للسيوطي 2/ 291، وفتح القدير للشوكاني 2/ 49-52. [4] نقله عنه الطبري في تفسيره جامع البيان 6/ 276. وقال عقب تخريجه روايات ثلاث تتعلق بسبب النزول: ولم يصح بواحد من هذه الأقوال الثلاثة خبر يثبت بمثله حجة فيسلم لصحته القول... ونقله ابن كثير في تفسيره 2/ 69، والسيوطي في الدر المنثور 3/ 99، عن ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق السدي دون ذكر اسم دهلك. [5] وقد عده الطوسي والمامقاني من أصحاب الباقر والصادق، وحسن المامقاني له حديثه. رجال الطوسي ص:105، 148، وتنقيح المقال للمامقاني 1/ 137. [6] راجع: ميزان الاعتدال للذهبي 1/ 236-237
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video