أن عثمان أبطل سنة القصر في الصلوات أثناء السفر، وقالوا: إنه مخالف للسنة ولسيرة من تقدمه
ومما نقمته الشيعة الرافضة على عثمان رضي الله عنه: أنهم يقولون: إنه أبطل سنة القصر في الصلوات أثناء السفر، وقالوا: إنه مخالف للسنة ولسيرة من تقدمه[673]. والرد على طعنهم عليه بهذه المسألة: يقال لهم: إن تركه القصر كان اجتهاداً منه رضي الله عنه، إذ بلغه أن بعض الناس افتتنوا بالقصر في الصلاة، حتى كانوا يفعلون ذلك في منازلهم، فرأى رضي الله عنه أن السنة قد تؤدي إلى إسقاط الفريضة، فترك القصر خشية أن يتذرع الناس بذلك، وكان هذا في منى في موسم الحج سنة تسع وعشرين، وقد عاتب عبد الرحمن بن عوف عثمان في إتمامه الصلاة وهم في منى، فاعتذر له عثمان بأن بعض من حج من أهل اليمن وجفاة الناس قالوا في العام الماضي: إن الصلاة للمقيم ركعتان وهذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين، ثم قال عثمان لـ عبد الرحمن بن عوف: وقد اتخذت بـ مكة أهلاً- أي: أنه صار في حكم المقيم لا المسافر- فرأيت أن أصلي أربعاً لخوف ما أخاف على الناس، ثم خرج عبد الرحمن بن عوف من عنده، فلقي عبد الله بن مسعود وخاطبه في ذلك، فقال ابن مسعود: الخلاف شر قد بلغني أنه صلى أربعاً فصليت بأصحابي أربعاً، فقال عبد الرحمن بن عوف: قد بلغني أنه صلى أربعاً فصليت بأصحابي ركعتين، وأما الآن فسوف يكون الذي تقول يعني: نصلي معه أربعاً[674]. ثم أيضاً يقال لهم: إن جماعة من العلماء قالوا: إن المسافر مخير بين القصر والإتمام، واختلف في ذلك الصحابة[675]. فقد روي عن جماعة منهم إتمام الصلاة في السفر، منهم عائشة، فقد روى البخاري بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها، قالت: الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر. قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت ما تأول عثمان[676]. وروى الإمام أحمد بسنده عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم معاوية حاجاً قدمنا معه مكة، قال: فصلى بنا الظهر ركعتين، ثم انصرف إلى دار الندوة، قال: وكان عثمان حين أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً أربعاً فإذا خرج إلى منى وعرفات قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بـ منى أتم الصلاة حتى يخرج من مكة، فلما صلى بنا الظهر ركعتين نهض إليه مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابن عمك بأقبح ما عبته به، فقال لهما: وما ذاك؟ قال: فقالا له: ألم تعلم أنه أتم الصلاة بـ مكة؟ قال: فقال لهما: ويحكما وهل كان غير ما صنعت قد صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما قالا: فابن عمك قد كان أتمها، وإن خلافك إياه له عيب، قال: فخرج معاوية إلى العصر، فصلاها بنا أربعاً[677]. وكما هو ظاهر هذا الحديث أن معاوية رضي الله عنه كان يرى أن القصر رخصة، وأن المسافر مخير بين القصر والإتمام، ولذلك، صلى العصر أربعاً. فلا وجه للرافضة يسوغ لهم الطعن على عثمان بإتمامه ما صلاه من الرباعية أثناء سفره للحج سنة 29، إذ كان ذلك اجتهاداً منه، حيث بلغه أن بعض الناس افتتنوا بالقصر، وعمدوا إلى فعل ذلك في منازلهم فأداه اجتهاده رضي الله عنه إلى أن سنة القصر ربما أدت إِلى إسقاط الفريضة فتركها سداً للذريعة، وهو مأجور على هذا الاجتهاد أصاب أم أخطأ. ناصر الشيخ ..
[673] حق اليقين لعبد الله شبر: 1/191، كتاب الاستغاثة في بدع الثلاثة: 1/63. [674] تاريخ الأمم والملوك: 4/268. [675] انظر العواصم من القواصم، ص:79-80. [676] صحيح البخاري: 1/192. [677] المسند: 4/94
زعم الشيعة أن عثمان رضي الله عنه خالف الشريعة، وأحدث في دين الله ما ليس منه
يزعم الشيعة أن عثمان رضي الله عنه كان يستهزئ بالشريعة، ويتجرأ على مخالفتها[966] ويحدث البدع التي ليست من دين الله[967]. وقد ذكر الشيعة عدة أدلة رأوا أنها تؤيد مزاعمهم في مخالفة عثمان رضي الله عنه للشريعة، منها: 1- إتمامه للصلاة بـ منى، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر قد صلّوا فيها قصراً: قال ابن طاوس بعد ما ذكر إتمام عثمان رضي الله عنه للصلاة في منى في أيام التشريق: [أما يتعجب العقلاء من هذا: عثمان خليفة عبد الرحمن[968]، كيف يقدم على تغيير شريعة نبيهم وسيرة أبي بكر وعمر، وتجاهره بذلك بين المسلمين؟ إن هذا من عجيب ما عرفناه وسمعناه، ليت شعري ما عذر أتباعه في تزكيته وإمامته مع ما قد شهدوا عليه أنه مبتدع، وكيف يثق عاقل بروايات قوم كانوا بهذه الصفات، ويتستهزؤون بالإسلام إلى هذه الغايات[969]. المناقشة: إن إتمام عثمان رضي الله عنه للصلاة بـ منى أمر صحيح وثابت، وقد فعله عثمان رضي الله عنه في الشطر الثاني من خلافته؛ فقد روى البخاري ومسلم بسنديهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بـ منى ركعتين، وأبي بكر وعمر، ومع عثمان صدراً من إمارته، ثم أتمها»[970]، ولكن لا يفهم من ذلك أن عثمان لم يكن يقصر الصلاة في السفر، بل الثابت عنه قصرها في السفر، وفي أيام الحج، كما كان يقصرها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والشيخان بعده، أما إتمامه للصلاة في منى فكان بعد فراغه من أعمال الحج. فقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]»[971]. فكان عثمان رضي الله عنه يقصر الصلاة في السفر. أما عن قصره لها في أيام الحج، فدليل ذلك ما رواه الإمام أحمد بسند حسّنه ابن حجر[972]: أن عثمان كان يتم الصلاة إذا قدم مكة، يصلي بها الظهر والعصر والعشاء أربعاً أربعاً، ثم إذا خرج إلى منى وعرفه قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بـ منى أتم الصلاة[973]. فدل هذا على أن عثمان رضي الله عنه كان يتم في مكة، وفي منى في حال إقامته فيها. أما عن عذره رضي الله عنه في هذا الإتمام، فمن أحسن ما اعتذر به عنه: [إنه كان قد تأهل بـ منى، والمسافر إذا أقام في موضع وتزوج فيه، أو كان له به زوجة أتم، وقد نصّ أحمد، وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج لزمه الإتمام، وهذا قول أبي حنيفة ومالك وأصحابهما][974]. وقد اعتذر عثمان رضي الله عنه بنحو من هذا العذر لما اعتُرض على إتمامه للصلاة؛ فقد جاءه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لما بلغه صنيعه، وقال له: ألم تصلّ في هذا المكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين؟ قال: بلى. قال: أفلم تصلّ مع أبي بكر ركعتين؟ قال: بلى. قال: أفلم تصلّ مع عمر ركعتين؟ قال: بلى. ألم تصلّ صدراً من خلافتك ركعتين؟ قال: بلى. ثم قال عثمان رضي الله عنه: فاسمع مني يا أبا محمد، إني أخبرت أن بعض من حج من أهل اليمن وجفاة الناس قد قالوا في عامنا الماضي: إن الصلاة للمقيم ركعتان؛ هذا إمامكم عثمان يصلي ركعتين؛ وقد اتخذ بـ مكة أهلاً، فرأيت أن أصلي أربعاً لخوف ما أخاف على الناس، وأخرى قد اتخذت بها زوجة، ولي بـ الطائف مال، فربما اطلعت فأقمت فيه بعد الصدر...[975]. وقد أجاب الغوغاء الذين أنكروا عليه هذا الصنيع بنحو هذه الإجابة، ومما قاله رضي الله عنه: ألا وإني قدمت بلداً فيه أهلي فأتممت لهذين الأمرين[976]، يريد الإقامة واتخاذ الأهل، فدل على أن عثمان رضي الله عنه رأى أن يتم بسبب اتخاذه أهلاً في مكة، ومما حثّه على الإتمام دخول الشبهة على بعض الأعراب نتيجة قصده للصلاة، حتى إنهم: [افتتنوا بالقصر، وفعلوا ذلك في منازلهم، فرأى - عثمان - أن السنة ربما أدت إلى إسقاط الفريضة، فتركها مصلحة خوف الذريعة][977]، أي خوف أن يتخذ الناس قصر الصلاة ذريعة لتقصيرها، كما فعل أولئك الأعراب الذين احتجوا بأن عثمان قد اتخذ أهلاً في مكة، فاعتبروه المقيم، ورأوه يقصر الصلاة، فظنوا أن الصلاة للمقيم ركعتان. ولا ريب أن عمل عثمان هذا اجتهاد منه، والقول المعروف عن الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، وأئمة الدين من المسلمين أنهم لا يكفرون ولا يفسّقون ولا يؤثّمون أحداً من المجتهدين المخطئين؛ لا في مسألة عملية ولا علمية وعلى هذا أجمعوا[978]. وخلاصة القول: أنه ليس في صنيع عثمان رضي الله عنه هذا ما يطعن فيه، وهو رضي الله عنه مجتهد مثاب على اجتهاده. عبدالقادر صوفي ..
[966] منهاج الكرامة للحلي ص:140-141، والصراط المستقيم للبياضي 3/34-35، وإحقاق الحق للتستري ص:259، وعقائد الإمامية للزنجاني 3/54. [967] الصراط المستقيم للبياضي 1/111. [968] يريد عبد الرحمن بن عوف؛ لأنهم يعتقدون أن عبد الرحمن هو الذي صيّر الخلافة إلى عثمان، راجع ص 1217. [969] الطرائف لابن طاوس ص:489-490، وانظر: السبعة من السلف لمرتضى الحسيني ص:115-120. [970] صحيح البخاري 2/102-103، ك. تقصير الصلاة، باب الصلاة بمنى، وصحيح مسلم 1/482-483، ك. صلاة المسافرين، باب قصر الصلاة بمنى. [971] صحيح مسلم 1/479-480، ك. صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها. [972] فتح الباري لابن حجر 2/571. [973] المسند لأحمد 4/94. وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم 5/199، وفتح الباري لابن حجر 2/571. [974] زاد المعاد لابن القيم 1/470، 471. [975] تاريخ الطبري 5/56. [976] تاريخ الطبري 5/102. [977] العواصم من القواصم لابن العربي ص:90. [978] راجع: منهاج السنة النبوية لابن تيمية 5/86-87.
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video