أبو هريرة يشد رحله إلى الطور
من عجائب التعصب أن يستدل خصمك عليك بدليلك،
وهذا ما لم أعرفه إلا عند الصوفية بعدُ،
يروي الصوفية حديث أبي هريرة وأبي بصرة الغفاري رضي الله عنهما فيستدلون به لجواز شد الرحل إلى غير المساجد الثلاثة،
وذلك بأن أبا هريرة مع روايته لحديث ((لا تشد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة)) قد شد رحله إلى جبل الطور في سيناء لكي يصلي فيه.
والآن نوثق لكم داعية التصوف علي الجفري يروي هذا الحديث فيحذف نصفه ليقلب معنى الحديث مئة وثمانين درجة، من حجة عليه إلى دليل لمذهبه وانتماءه، وهو كمن يقرأ: ولا تقربوا الصلاة. ثم يسكت. اضغط هنا
يقول الجفري: إن أبا هريرة الذي روى حديث لا تشد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة، هو نفسه قد شد رحله من المدينة إلى سيناء لكي يصلي في الطور الذي ناجى فيه موسى عليه الصلاة والسلام ربه تعالى.
ويستدل الجفري بأن أبا هريرة مع روايته للحديث قد خالف المعنى الظاهر منه، وهو المنع من شد الرحل،
لينصر الجفري بذلك مذهبه بشد الرحال إلى القبور وغيرها.
وإليكم نص الحديث كاملاً، واللون الأحمر هو الكلام الذي حذفه الجفري: ((لقي أبو بصرة الغفاري أبا هريرة وهو جاءٍ من الطور , فقال: من أين أقبلت؟ قال: من الطور؛ صليت فيه , قال: أما لو أدركتك قبل أن ترحل إليه ما رحلتَ؛ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام , ومسجدي هذا , والمسجد الأقصى)).
فانظروا كيف انقلب المعنى وانظروا كيف أنكر أبو بصرة على أبي هريرة رضي الله عنهما ذهابه مستدلا عليه بهذا الحديث،
مما يؤكد عكس المعنى الذي يقول به الجفري،
فيا أمة الإسلام هل بعد هذا كذب وافتراء.
والحديث رواه الإمام مالك في الموطأ /1 ـ 108 ـ 241/، والإمام أحمد /7 ـ 6 ـ 23740/، والنسائي /3 ـ 114 ـ 1430/، وابن حبان في صحيحه /7 ـ 7 ـ 2772/، وأبو داود الطيالسي في مسنده صفحة /192/ رقم /1348/ وغيرهم كثير، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال الحافظ في فتح الباري /3 ـ 65/: وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء، لأن الأول قبلة الناس وإليه حجهم، والثاني كان قبلة الأمم السالفة، والثالث أسس على التقوى،
واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتاً، وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها، فقال الشيخ أبو محمد الجويني: يحرم شد الرحال إلى غيرها عملاً بظاهر هذا الحديث، وأشار القاضي حسين إلى اختياره، وبه قال عياض وطائفة، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور وقال له: لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت. واستدل بهذا الحديث، فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه، ووافقه أبو هريرة. اهـ
وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم /9 ـ 106/: واختلف العلماء في شد الرحال وأعمال المطي إلى غير المساجد الثلاثة، كالذهاب إلى قبور الصالحين، وإلى المواضع الفاضلة، ونحو ذلك،
فقال الشيخ أبو محمد الجوينى من أصحابنا: هو حرام. وهو الذي أشار القاضي عياض إلى اختياره. اهـ
وقال الإمام النووي في كتاب المجموع شرح المهذب /8 ـ 369/: أما إذا نذر إتيان مسجد آخر سوى الثلاثة،
فلا يعقد نذره بلا خلاف، لأنه ليس في قصدها قربة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والأقصى، ومسجدي)).
قال إمام الحرمين: كان شيخي يفتي بالمنع من شد الرحال هذه الثلاثة لهذا الحديث، قال: وربما كان يقول محرم. اهـ
كذلك قد وقع لابن تيمية من سبقه إلى هذا كما في الفتاوى /27 ـ 220/ قال: وقالوا ولأن السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة لم يفعلها أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين فمن اعتقد ذلك عبادة وفعلها فهو مخالف للسنة ولإجماع الأئمة، وهذا مما ذكره أبو عبد الله بن بطة في الإبانة الصغرى من البدع المخالفة للسنة. اهـ