([1]) رواه البخاري (فتح الباري 7/16).
([2]) رواه البخاري (الفتح 7/26)، مسلم (شرح النووي 15/171-172).
([3]) رواه البخاري (الفتح 7/43، 53، 10/597)، مسلم (بشرح النووي 15/170).
([4]) رواه البخاري (الفتح 7/53، 187، 263).
([5]) رواه البخاري (الفتح 7/53).
([6]) رواه البخاري (الفتح 7/54).
([7]) رواه البخاري (الفتح 7/54)، الترمذي (صحيح الترمذي للألباني) 3/210-211، مسند الإمام أحمد ج8 رقم 5772 و6011 .
([8]) رواه مسلم (بشرح النووي 15/168).
([9]) رواه مسلم (بشرح النووي 15/169).
([10]) رواه الترمذي ج3 ص208 .
([11]) رواه الترمذي 3/208 .
([12]) رواه الترمذي 3/208-209 .
([13]) رواه الترمذي 2/209، والنسائي (صحيح النسائي للألباني) 2/766-767 .
([14]) رواه الترمذي 3/210 .
([15]) رواه الترمذي 3/210 .
([16]) رواه الترمذي 3/210 .
([17]) رواه الترمذي 3/210 .
([18]) رواه الترمذي 3/212 .
([19]) رواه النسائي 2/764-765 .
([20]) رواه النسائي 2/767 .
([21]) رواه ابن ماجه (صحيح ابن ماجه للألباني) 1/24 .
([22]) رواه ابن ماجه 1/25 .
([23]) رواه ابن ماجه 1/25 .
([24]) رواه أحمد في مسنده ج7 رقم 4569 .
([25]) جمع فرج وهو ما بين الرجلين.
([26]) عثمان بن عفان لابن عسكر ص460، مختصر تاريخ دمشق 16/250-251، البداية والنهاية 7-193، أنساب الأشراف للبلاذري ق4 ج1 ص594 .
([27]) انظر: فتح الباري ج7 ص55، مسلم بشرح النووي ج15 ص169 .
([28]) عثمان بن عفان لابن عساكر ص462، مختصر تاريخ دمشق 16/252، البداية والنهاية 8/193 .
([29]) عثمان لابن عساكر ص462، مختصر تاريخ دمشق 16/252 .
([30]) عثمان لابن عساكر ص462، أنساب الأشراف للبلاذري ق4 ج1 ص595 .
([31]) عثمان لابن عساكر ص463، البداية والنهاية 7/193 .
([32]) القسامة: في عرف الشرع: حلف معين عند التهمة بالقتل على الإثبات أو النفي (القاموس الفقهي ص303 للشيخ سعدي أبو جيب) وللوقوف على معنى القسامة انظر "فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه موازناً بفقه أشهر المجتهدين" للدكتور رويعي الرحيلي ص365-434 .
([33]) عثمان لابن عساكر ص463، مختصر تاريخ دمشق 16/252 .
([34]) قال الخطابي في "غريب الحديث" 2/150: قوله نفلناهم: أي حلفنا لهم خمسين منا على البراءة من دمه، والنفل أصله النفي. يقال: نفلت الرجل عن نسبه نفلاً ونفالة، وانتفل الرجل من نسبه إذا تبرأ منه.
([35]) عثمان لابن عساكر ص464، مختصر تاريخ دمشق 16/253 .
([36]) محلة بالكوفة.
([37]) عثمان لابن عساكر ص464، مختصر تاريخ دمشق 16/253 .
([38]) عثمان لابن عساكر ص467، مختصر تاريخ دمشق 16/254 .
([39]) عثمان لابن عساكر ص468 .
([40]) عثمان لابن عساكر ص468، مختصر تاريخ دمشق 16/254 .
([41]) عثمان لابن عساكر ص469، مختصر تاريخ دمشق 16/254 .
([42]) عثمان لابن عساكر ص469-470، مختصر تاريخ دمشق 16/255، البداية والنهاية 7/193 .
([43]) عثمان لابن عساكر ص471، تاريخ الإسلام للذهبي 3/285 .
([44]) عثمان لابن عساكر ص474، مختصر تاريخ دمشق 16/256 .
([45]) عثمان لابن عساكر ص474، مختصر تاريخ دمشق 16/256، البداية والنهاية 7/193 .
([46]) كنية عمار رضي الله عنه.
([47]) عثمان لابن عساكر ص477 .
([48]) عثمان لابن عساكر ص480 .
([49]) عثمان لابن عساكر 482، مختصر تاريخ دمشق 16/257-258، البداية والنهاية 7/194 .
([50]) مختصر تاريخ دمشق ج16 ص122 .
([51]) "التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان" لابن أبي بكر المالقي الأندلسي ص63، تحقيق الدكتور محمود يوسف زايد، ط. دار الثقافة بالدوحة. قطر، الطبعة الأولى 1405ه.
([52]) عثمان لابن عساكر 495 ، البداية والنهاية 7/195 .
([53]) عثمان لابن عساكر 495 .
([54]) عثمان لابن عساكر 496، مختصر تاريخ دمشق 16/261، البداية والنهاية 7/195، أنساب الأشراف للبلاذري ق4 ج1 ص597 .
([55]) عثمان لابن عساكر 496، مختصر تاريخ دمشق 16/261-262 .
([56]) عثمان لابن عساكر 497، مختصر تاريخ دمشق 16/262، البداية والنهاية 7/195 .
([57]) عثمان لابن عساكر 459، البداية والنهاية ج7 ص193 .
([58]) عثمان لابن عساكر 459، مختصر تاريخ دمشق ج16 ص250 .
([59]) مختصر تاريخ دمشق ج16 ص161 .
([60]) مختصر تاريخ دمشق ج16 ص260، تاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص286 .
([61]) مختصر تاريخ دمشق ج16 ص273 .
([62]) البداية والنهاية لابن كثير ج7 ص192، عثمان لابن عساكر ص458 بلفظ آخر: أول الفتن الدار وآخرها الدجال.
([63]) البداية والنهاية لابن كثير ج7 ص192، عثمان لابن عساكر 459 وفي آخره: "آمن به في فترة"، مختصر تاريخ دمشق ج16 ص250 .
([64]) البداية والنهاية لابن كثير ج7 ص192، عثمان لابن عساكر 487، أنساب الأشراف للبلاذري ق4 ج1 ص584 .
([65]) البداية والنهاية ج7 ص192 .
([66]) عثمان لابن عساكر 506-507 .
([67]) المصدر السابق 507 .
([68]) المصدر السابق 507 .
([69]) المصدر السابق 507 .
([70]) عثمان لابن عساكر 485، مختصر تاريخ دمشق ج16 ص259 .
([71]) عثمان لابن عساكر ص508 .
([72]) المصدر السابق 508 .
([73]) المصدر السابق 509 .
([74]) عثمان لابن عساكر ص485، البداية والنهاية 7/194 .
([75]) عثمان لابن عساكر 489، البداية والنهاية 7/193، مختصر تاريخ دمشق ج16 ص260 .
([76]) عثمان لابن عساكر 491، تاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص286، أنساب الأشراف للبلاذري ق4 ج1 ص596 .
([77]) عثمان لابن عساكر 492، البداية والنهاية 7/194 .
([78]) عثمان لابن عساكر ص493 .
([79]) هو عبد الله بن عامر بن كُريز بن ربيعة الأموي، أبو عبد الرحمن رضي الله عنه ولي البصرة في أيام عثمان (29ه) ولد بمكة سنة 4ه وتوفي بها سنة 59، وهو ابن خالة عثمان بن عفان. انظر: الكامل لابن الأثير 3/206، الإصابة 2/320-321، الأعلام 4/228 .
([80]) قال أبو عبد الرحمن: انظر عقيدة الرافضة في ابن عباس رضي الله عنهما ص90-97 من كتابنا "الشيعة والمتعة" حيث اتهم باللصوصية والزيغ والضلال.
([81]) الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في: سنن ابن ماجه 2/769 (كتاب التجارات، باب ما للرجل من مال ولده). وجاء في التعليق: "في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات على شرط البخاري". وأورد الهيثمي الحديث في كتاب البيوع في باب مال الولد 4/154-155 من عدة طرق وبألفاظ متقاربة وتكلم عليه. وقال السيوطي في "الجامع الصغير" عن الحديث إن ابن ماجه رواه عن جابر، وإن الطبراني رواه عن سمرة وابن مسعود. وصحح الألباني الحديث في "صحيح الجامع الصغير" 2/25 وتكلم كلاماً مفصلاً على طرقه وألفاظه في "إرواء الغليل" 3/323-330 (رقم 838).
([82]) الحديث عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم في: سنن أبي داود 3/394-395 (كتاب البيوع والإجارات، باب الرجوع في الهبة) ونصه: "لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي لولده، ومثل الذي يُعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه". والحديث بألفاظ مقاربة في :سنن الترمذي 3/299 (كتاب الولاء والهبة، باب ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، سنن النسائي 6/222-223 (كتاب الهبة، باب جوع الوالد فيما يعطي ولده)، المسند (ط. المعارف) الأرقام: 2119، 4810، 5493 وصحح أحمد شاكر رحمه الله الحديث.
([83]) قال أبو عبد الرحمن: هم السبئية الذين ادَّعوا الألوهية في عليّ رضي الله عنه وأحرقهم بالنار.
وذكر الكشي في رجاله ص101: عن مسمع بن عبد الله أبي سيار عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن علياً عليه السلام لما فرغ من قتال أهل البصرة أتاه سبعون رجلاً من الزَّطّ فسلّموا عليه وكلموه بلسانهم وقال لهم: إني لست كما قلتم، أنا عبد الله مخلوق. قال: فأبوا عليه وقالوا له: أنت أنت هو. فقال لهم: لئن لم ترجعوا عمّا قلتم فيّ وتتوبوا إلى الله لأقتلنكم. قال: فأبوا أن يرجعوا أو يتوبوا. فأمر أن يحفر لهم آبار، فحُفرت ثم خرق بعضها إلى بعض ثم فرقهم فيها ثم طمّ رؤوسها ثم ألهب النار في بئر ليس فيها أحد فدخل الدخان عليهم فماتوا.
([84]) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت المصمودي البربري، الملقب بالمهدي، أو بمهدي الموحّدين. مؤسس دولة الموحدين التي قامت على أنقاض دولة المرابطين. اختلف في سنة مولده. ولكنه توفي سنة 524ه وعمره يتراوح بين 51 عاماً، 55 عاماً. من كتبه كتاب "أعز ما يُطلب". وقد نشره جولدتسيهر (الجزائر، 1903) وكتاب "كنـز العلوم" وهو مخطوط. و"المرشدة" وهي رسالة صغيرة طبعت ضمن بعض الكتب عدة مرات. وقد نشره الأستاذ عبد الله كنون حديثاً ضمن كتاب "نصوص فلسفية مهداة إلى الدكتور إبراهيم مدكور" ص114-115، القاهرة 1976 انظر عن حياة ابن تومرت ومذهبه: بحث الأستاذ عبد الله كنون المشار إليه، ص99-115، كتاب "تاريخ فلسفة الإسلام في القارة الإفريقية" للدكتور يحيى هويدي 1/223-243. وانظر أيضاً: وفيات الأعيان 4/137-146، الكامل لابن الأثير 10/201-205، الأعلام 7/104-105.
قال أبو عبد الرحمن: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في "مجموع الفتاوى" ج35 ص142-143: ولهذا اختار كل مبطل أن يأتي بمخاريق لقصد إصلاح العامة، كما فعل "ابن التومرت" الملقب بالمهدي، ومذهبه في الصفات مذهب الفلاسفة لأنه كان مثلها في الجملة، ولم يكن منافقاً مكذباً للرسل معطلاً للشرائع، ولا يجعل للشريعة العملية باطناً يخالف ظاهرها، بل كان فيه نوع من رأي الجهمية الموافق لرأي الفلاسفة، ونوع من رأي الخوارج الذين يرون السيف ويكفِّرون بالذنب.
([85]) تكلم ابن تيمية على البكري في غير موضع، فذكره في "تلخيص كتاب الاستغاثة في الرد على البكري" ص7، ط. السلفية، 1346م، وذكره في "فتاوى الرياض" 18/351. وهو أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن محمد البكري المتوفي حوالي سنة 250ه. قال عنه الذهبي في "ميزان الاعتدال" 1/112: "ذاك الكذاب الدجال واضع القصص التي لم تكن قط... ويقرأ له في سوق الكتبيين كتاب "ضياء الأنوار".. انظر ترجمته أيضاً في: لسان الميزان 1/202، الأعلام 1/148-149 .
([86]) الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في: البخاري 5/8-9، 12-13، 13-14. (كتاب فضائل أصحاب النبي..، باب حدثنا الحميدي، باب مناقب عمر بن الخطاب، باب مناقب عثمان بن عفان) وأول الحديث.. أخبرني أبو موسى الأشعري أنه توضأ في بيته... ولفظ النبي صلّى الله عليه وسلّم: "ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه..." الحديث. وهو في: مسلم 4/1867-1869 (كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عثمان)؛ سنن الترمذي 5/294-295، (كتاب المناقب، مناقب عثمان بن عفان، باب رقم 81 حديث رقم 3794)، المسند (ط. الحلبي) 4/393، 406، 407 .
([87]) أبو حازم هو سلمة بن دينار المخزومي، أبو حازم الأعرج، عالم المدينة وقاضيها كان عابداً زاهداً، توفي سنة 140ه. انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 4/143-144، تذكرة الحفاظ 1/133-134، الأعلام 3/171-172. وانظر موعظته لسليمان بن عبد الملك في: حلية الأولياء 3/234-237، صفة الصفوة 2/89-90 .
([88]) قال أبو عبد الرحمن: انظر "عثمان بن عفان" لابن عساكر ص460-483. حيث ذكر ابن عساكر رحمه الله تعالى أقوال علي رضي الله عنه في قتلة عثمان رضي الله عنه. وانظر مقدمة هذا الجزء.
([89]) هو أبو الغادية الجهني. قال ابن الأثير في "أسد الغابة" 6/237: "اختلف في اسمه فقيل: يسار بن أزيهر، وقيل: اسمه مسلم" وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" هامش 4/150: "فقيل: يسار بن سبع، وقيل: يسار بن أزهر، وقيل: اسمه مسلم" وقال ابن حجر في "الإصابة" 4/150: "سكن الشام... أبو الغادية الجهني قاتل عمار له صحبة، وفرق بينه وبين أبي الغادية المزني. انظر الإصابة 3/627، 4/150-151، الاستيعاب 3/629، 4/150-151، أسد الغابة 5/513، 6/237. وقال الذهبي في "العبر" 1/42 إنه شهد صفين مع معاوية أبو غادية الجهني سنة 37ه، وذكره ابن حزم في "جوامع السيرة" مرتين، ص308، 322 ضمن الصحابة رواة الحديث.
([90]) حديث إقامة الحد على ماعز بن مالك جاء من وجوه كثيرة وهو في البخاري ومسلم، ولكن النص على أنه تاب وأن الله قبل توبته جاء في حديث عن سليمان بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه في: مسلم 3/1321-1323 (كتاب الحدود، باب مَن اعترف على نفسه بالزنا) وفيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال عنه: "لقد تاب توبةً لو قُسمت بين أمّة لوسعتهم".
([91]) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 9/145 (كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: { يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ } (الفتح: 15]، مسلم 4/2112-2113 (كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب)، المسند (ط. المعارف) 15/92-93 (وانظر تعليق المحقق).
([92]) جاء الحديث بهذا اللفظ (بدون عبارة: يا معاذ) عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه في: سنن الترمذي 3/239 (كتاب البر والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس) وقال الترمذي: "وفي الباب عن أبي هريرة. هذا حديث حسن صحيح" ثم ذكر الترمذي حديثاً بعده (ص240) وأول سنده: حدثنا محمود بن غيلان... عن معاذ بن جبل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم نحوه. قال محمود: "والصحيح حديث أبي ذر". وجاء حديث أبي ذر في: سنن الدارمي 2/323 (كتاب الرقاق، باب في حسن الخلق)؛ المسند (ط. الحلبي) 5/153. وفي آخره: "وقال وكيع: وقال سفيان مرة عن معاذ، فوجدت في كتابي عن أبي ذر وهو السماع الأول". وجاء الحديث مرة أخرى 5/158. وجاء الحديث عن أبي ذر فقط 5/177. وجاء الحديث وأوله "يا معاذ" عن معاذ في المسند (ط. الحلبي) 5/228، 236 وحسّن الألباني الحديث عن أبي ذر ومعاذ وأنس في "صحيح الجامع الصغير" 1/86 .
([93]) الحديث – مع اختلاف في الألفاظ – عن أبي هريرة رضي الله عنه في: مسلم 1/209 (كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس..)، سنن الترمذي 1/138 (كتاب الصلاة، باب ما جاء في فضل الصلوات الخمس) وقال الترمذي: "وفي الباب عن جابر وأنس وحنظلة الأسيدي، حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح".
([94]) الحديث بهذا اللفظ فقط أو مع زيادة: "ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 1/12 (كتاب الإيمان، باب صوم رمضان احتساباً من الإيمان)، 3/26 (كتاب الصوم، باب من صام رمضان إيماناً واحتساباً ونية)، 3/45-46 (كتاب فضل ليلة القدر، باب فضل ليلة القدر)، مسلم 1/523-524 (كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان..)، سنن أبي داود 2/66-67 (كتاب تفريع أبواب شهر رمضان، باب في قيام شهر رمضان).
([95]) الحديث – مع اختلاف في اللفظ. عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 2/133 (كتاب الحج، باب فضل الحج المبرور)؛ مسلم 2/983 (كتاب الحج، باب في فضل الحج والعمرة يوم عرفة). والحديث في سنن الترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي والمسند.
([96]) الحديث بدون كلمة "غمرا" عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 1/108 (كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفّارة)، مسلم 1/462-463 (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة..) وأما كلمة "غمرا" فجاءت في حديث آخر بمعناه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في: مسلم 1/463 ونصه: "مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار غَمْرٍ على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات" قال: قال الحسن: وما يبقى ذلك من الدرن؟ وروى الإمام أحمد هذا الحديث في مسنده (ط. المعارف) 18/143 (رقم 9501) عن جابر رضي الله عنه ثم في الحديث الذي بعده 18/144 (رقم 9502) عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم مثله. والحديث عن جابر في: المسند (ط. الحلبي) 3/317. وجاء حديث ثالث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في: المسند (ط. المعارف) 3/67-68 أوله: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص: سمعت سعداً أو ناساً من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقولون: كان رجلان أخوان... وفيه: فقال (النبي صلّى الله عليه وسلّم): ألم يكن يصلي؟... وفيه: إنما مثل الصلاة كمثل نهر جار بباب رجل غَمْرٍ عذب، يقتحم فيه.. الحديث. وفي الشرح: الغمر – بفتح الغين وسكون الميم: الكثير، أي يغمر من دخله ويغطيه.
([97]) الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه في: سنن الترمذي 4/124-125 (كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة) وأوله: "كنت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم في سفر.. فقلت: يا رسول الله؛ أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال: "لقد سألتني عن شيء عظيم، وإنه ليسير على من يسّره الله عليه.... الحديث وفيه: "والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ المار النار.." وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح". وجاء حديث معاذ أيضاً في: سنن ابن ماجه 2/1314-1315 (كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة). وجاءت هذه العبارات أيضاً في حديث آخر عن كعب بن عجرة رضي الله عنه في: سنن الترمذي 2/61-62 (كتاب الجمعة: السفر، باب في فضل الصلاة) وأوله: "أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي.. الحديث وفيه: "والصوم جنة والصدقة تُطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار" وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب..." كما جاءت هذه العبارات في حديث ثالث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: سنن ابن ماجه 2/1408 (كتاب الزهد، باب الحسد) وأوله: "الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار". وحديث معاذ بن جبل في المسند (ط. الحلبي) 5/231، 237، 248، وحديث كعب بن عجرة في المسند (ط. الحلبي) 3/321، 399 .
([98]) الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما – مع اختلاف في اللفظ – في: مسلم 3/1502 (كتاب الإمارة، باب من قُتل في سبيل الله..)؛ المسند (ط. المعارف) 12/13 .
([99]) هذه العبارة جزء من حديث عن أبي أمامة رضي الله عنه في: سنن ابن ماجه 2/928 (كتاب الجهاد، باب فضل غزو البحر) وأوله.. سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "وشهيد البحر مثل شهيدي البر.. الحديث وفيه: "ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدَّيْن، ولشهيد البحر: الذنوب والدَّيْن". وقال الألباني في: "ضعيف الجامع الصغير" 2/151: "موضوع" وتكلم عليه في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" 2/222-223 .
([100]) الحديث في "إرواء الغليل" 4/111-112 بلفظ "صوم يوم عرفة يكفّر سنتين ماضية ومستقبلة، وصوم عاشوراء يكفّر سنة ماضية". وقال الألباني: رواه الجماعة إلا البخاري ولم يخرجه النسائي في سننه الصغرى والظاهر أنه في سننه الكبرى. وهذا الحديث عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه في: مسلم 2/818-819 (كتاب الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر..) وأوله: رجل أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: كيف تصوم؟ الحديث... وفيه: ... صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله" وانظر كلام الألباني عليه في "إرواء الغليل" 4/108-110 (رقم 952) وما ذكره من وجود الحديث في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه والمسند وسنن البيهقي بروايات مختلفة.
([101]) الحديث عن عمار بن ياسر رضي الله عنه في: سنن أبي داود 1/294 (كتاب الصلاة، باب ما جاء في نقصان الصلاة) ولفظه: "إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، ربعها، ثلثها، نصفها". وحسن الألباني الحديث في "صحيح الجامع الصغير" 2/65 .
([102]) الحديث – مع اختلاف في اللفظ – عن أبي هريرة رضي الله عنه في: سنن ابن ماجه 1/539 (كتاب الصيام، باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم)، وجاء الحديث فيه بلفظ "رب صائم ليس له من صيامه ... إلخ. وهو في سنن الدارمي 2/301 (كتاب الرقاق، باب في المحافظة على الصوم) ولفظه: "كم من صائم ... وجاء الحديث في المسند (ط. المعارف) 17/35 وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: إسناده صحيح 18/204 وصححه أيضاً، وصحح الألباني الحديث بروايتين له في "صحيح الجامع الصغير" 3/174 .
([103]) الحديث – مع اختلاف في الألفاظ – عن معاذ به جبل رضي الله عنه في: سن أبي داود 3/20 (كتاب الجهاد، باب فيمن يغزو ويلتمس الدنيا)؛ سنن النسائي 6/41 (كتاب الجهاد، باب فضل الصدقة في سبيل الله عز وجل)، 7/139 (كتاب البيعة، باب التشديد في عصيان الأمير)؛ سنن الدارمي 2/208 (كتاب الجهاد، باب الغزو غزوان)؛ المسند (ط. الحلبي) 5/234 .
([104]) الحديث – مع اختلاف في الألفاظ – عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في: سنن الترمذي 4/123-124 (كتاب الإيمان، باب فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله) وأوله فيه: "إن الله سيُخلّص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة.. الحديث. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب". وهو في: سنن ابن ماجه 2/1437 (كتاب الزهد، باب ما يُرجى من رحمة الله يوم القيامة)؛ المسند (ط. المعارف) 11/197-200. وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: "إسناده صحيح". وقال إن الحاكم رواه في المستدرك 1/529... وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. ونقله المنذري في "الترغيب والترهيب".. وقال: "رواه الترمذي.. وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي..".. السجل: بكسر السين وتشديد اللام: هو الكتاب الكبير، قال ابن الأثير. البطاقة: بكسر الباء الموحّدة وتخفيف الطاء المهملة...: الرقعة، وأهل مصر يقولون للبطاقة: رقعة.
([105]) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 3/111-112 (كتاب الشرب والمساقاة، باب فضل سقي الماء)، 3/132-133 (كتاب المظالم، باب الآبار على الطرق إذا لم يُتأذّ بها)؛ مسلم 4/1761 (كتاب السلام، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها)؛ سنن أبي داود 3/33 (كتاب الجهاد، باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم)؛ الموطأ 2/929-930 (كتاب صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم، باب جامع ما جاء في الطعام والشراب)؛ والحديث في المسند.
([106]) الحديث – مع اختلاف في اللفظ – عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 4/173 (كتاب الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان...) ونصه فيه: بينما كلب يطيف بِرَكيَّة كاد يقتله العطش إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل فنـزعت موقها فسقته فُغفر لها به" والموق: الخف. والحديث في مسلم 4/1761 (كتاب السلام، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها) وأوله فيه: "إن امرأة بغياً.. إلخ" المسند (ط. الحلبي) 2/507 .
([107]) في البخاري 4/173؛ مسلم 4/1761. وأدلع لسانه: أدلع ودلع لغتان: أي أخرجه من شدة العطش. الموق: الخف.
([108]) هذا هو الجزء الأول من حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 1/128 (كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل إزالة الأذى عن الطريق)؛ سنن أبي داود 4/490 (كتاب الأدب، باب في إماطة الأذى عن الطريق)؛ سنن الترمذي 3/230 (كتاب البر والصلة، باب ما جاء في إماطة الأذى عن الطريق). والحديث في الموطأ والمسند.
([109]) الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما في: البخاري 4/130 (كتاب بدء الخلق، باب خمس من الدواب فواسق يقتلن في الحرم) وهو في موضعين آخرين في البخاري؛ مسلم 4/2022-2023 (كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها..) والحديث في موضعين آخرين في مسلم. والحديث في سنن النسائي وابن ماجه والدارمي وفي مواضع كثيرة من المسند.
([110]) لم أعرف مكن الحديث في سنن الترمذي.. ووجدت الحديث بألفاظ مقاربة عن عائشة رضي الله عنها في سنن ابن ماجه 2/1404 (كتاب الزهد، باب التوقي على العمل)، المسند (ط. الحلبي) 6/159، 205 .
قال أبو عبد الرحمن: صدق المحقق رحمه الله تعالى وغفر له، فإن هذا الحديث ليس في سنن الترمذي، ولكن ورد بألفاظ مقاربة: (صحيح الترمذي بشرح الإمام ابن العربي المالكي ج12 ص39-40، أبواب التفسير، ومن سورة المؤمنون): حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان حدثنا مالك بن مغول عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني أن عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم، قالت: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن هذه الآية: { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: لا يا بنت الصديق ولكنهم يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات.
قال: وقد روى هذا الحديث عن عبد الرحمن بن سعيد عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم نحو هذا. اهـ وقد صحح الحديث العلامة الألباني في: صحيح سنن الترمذي ج3 ص79-80، صحيح ابن ماجه ج2 ص409، سلسلة الأحاديث الصحيحة ج1 ص255 وقال: أخرجه الترمذي (12/201) وابن جرير (18/26) والحاكم (2/393-394) والبغوي في تفسيره (6/25) وأحمد (6/19 و205)، وتكلم العلامة الألباني على الحديث وأسانيده، فمن شاء الاستزادة فليراجع كلام العلامة الألباني ص256-257.
([111]) الحديث – مع اختلاف في الألفاظ – عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في: البخاري 5/8 (كتاب أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لو كنت متخذاً خليلاً).
مسلم 4/1967-1968 (كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة).
سنن أبي داود 4/297-298 (كتاب السنة، باب في النهي عن سب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم).
سنن الترمذي 5/357-358 (كتاب المناقب، باب في من سب أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم).
المسند (ط. الحلبي) 3/11، 54، 63-64 .
سنن ابن ماجه 1/57 (المقدمة، باب فضل أهل بدر).
وفي اللسان: "المد ضرب من المكاييل وهو ربع صاع، وهو قدر مد النبي صلّى الله عليه وسلّم والصاع خمسة أرطال. وقال النووي (شرح مسلم 16/93): وقال أهل اللغة: النصيف النصف... ومعناه: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهب ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أحد أصحابي مداً ولا نصف مدّ".
([112]) جاء هذا الحديث في المسند (ط. الحلبي) 4/398-399 عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري، ولكنه في مسلم عن أبي بردة عن أبيه (وهو ابن لأبي موسى الأشعري اسمه الحارث، وقيل: عامر، وقيل: اسمه كنيته. انظر: تهذيب التهذيب 12/18-19؛ تذكرة الحفاظ 1/95). ونص الحديث في: مسلم 4/1961 (كتاب فضائل الصحابة، باب بيان أن بقاء النبي صلّى الله عليه وسلّم أمان لأصحابه...)؛ قال: صلينا المغرب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلّي معه العشاء. قال: فجلسنا، فخرج علينا، فقال: "ما زلتم هاهنا؟" قلنا: يا رسول الله صلينا معك المغرب، ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء. قال: "أحسنتم أو أصبتم" قال: فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء فقال: النجوم أمنة للسماء.. الحديث. وقال النووي ف شرحه على مسلم 16/83: "قال العلماء: الأمنة: بفتح الهمزة والميم، والأمن والأمان بمعنى. ومعنى الحديث أن النجوم مادامت باقية فالسماء باقية، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت في القيامة وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت. وقوله صلّى الله عليه وسلّم: "وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون" أي من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب واختلاف القلوب نحو ذلك مما أنذر به صريحاً، وقد وقع كل ذلك. قوله صلّى الله عليه وسلّم: "وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون": معناه ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه وطلوع قرن الشيطان وظهور الروم وغيرهم عليهم، وانتهاك المدينة ومكة وغير ذلك، وهذه كلها من معجزاته صلّى الله عليه وسلّم".
([113]) الحديث – مع اختلاف في الألفاظ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في: البخاري 4/37 (كتاب الجهاد، باب من استعان بالضعفاء والصالحين)، 4/197 (كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام)، 5/2 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، الباب الأول)؛ مسلم 4/1962 (كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم..)؛ المسند (ط. الحلبي) 3/7 .
([114]) قال أبو عبد الرحمن: ذكر ابن تيمية في منهاج السنة ج2 ص35: وتواتر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: خير القرون القرن الذي بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.
وعلق المحقق رحمه الله تعالى على هذه الرواية فقال:
يذكر ابن تيمية هذا الحديث بهذا اللفظ الذي بدأ بعبارة: وخير القرون قرني.. أو "خير القرون القرن.. إلخ في كثير من كتبه. وقد بحثت عن هذه الرواية بهذه الألفاظ طويلاً فلم أجدها.
وقد جاء الحدث عن عدد كبير من الصحابة منهم:
أبو هريرة وعبد الله بن مسعود وعمران بن حصين وعائشة والنعمان بن بشير وبريدة الأسلمي رضي الله عنهم. وجاء بألفاظ مختلفة منها: خيركم قرني، خير الناس قرني، خير أمتي القرن.. خير هذه الأمة القرن الذي أنا فيهم. بعثت في خير قرون آدم، أي الناس خير؟ قال أنا والذين معي.
انظر: البخاري: 3/171 (كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا شهد)، 5/2-3، 3/7 (كتاب فضائل أصحاب النبي، باب فضائل أصحاب النبي ومن صحب النبي صلّى الله عليه وسلّم أو رآه)، 8/91 (كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا) 8/134 (كتاب الأيمان والنذور، باب إذا قال أشهد بالله)، 8م141-142 (كتاب الأيمان والنذور، باب إثم من لا يفي).
مسلم 4/1962 (كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم..).
سنن النسائي (بشرح السيوطي) 7/17 (كتاب الأيمان والنذور، باب الوفاء بالنذر).
سنن الترمذي (بتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان) 3/339-340 (كتاب الفتن، باب ما جاء في القرن الثالث)، 3/376 (كتاب الشهادات)، 5/357 (كتاب المناقب، باب ما جاء في فضل من رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم).
سنن أبي داود 4/297 (كتاب السنة، باب في فضل أصحاب رسول الله..).
سنن ابن ماجه 2/791 (كتاب الأحكام، باب كراهية الشهادة لمن لم يستشهد).
ترتيب مسند أبي داود الطيالسي، تحقيق الشيخ محمد عبد الرحمن البنا (ط. المنيرية بالأزهر، 1353/1934) 2/198-199 (كتاب الفضائل، باب ما جاء في فضل القرون الأولى).
المسند (ط. المعارف) 5/209، 6/29، 86، 116، 12/90، 15/106، المسند (ط. الحلبي) 2/340، 373، 410، 416، 417، 479، 4/267 276، 277، 278، 426، 427، 436، 440، 5/350، 357، 6/156 .
([115]) قال أبو عبد الرحمن: سئل المعافي بن عمران: أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فغضب وقال للسائل: أتجعل رجلاً من الصحابة مثل رجل من التابعين؟ معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله (تاريخ بغداد ج1 ص209، البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص139) وكان عمر بن عبد العزيزر حمه الله تعالى يضرب بالسوط الذي يتناول من معاوية رضي الله عنه وذلك لأن ابن عبد العزيز رحمة الله عليه يعرف مكانة معاوية رضي الله عنه، عن إبراهيم بن ميسرة قال: ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنساناً قط إلا إنساناً شتم معاوية، فإنه ضربه أسواطاً. (البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص139).
وسوف يرد بإذن الله تعالى بعد صفات كلام بعض الأئمة في شأن معاوية رضي الله عنه، وأيضاً في الجزء الخاص بمعاوية رضي الله عنه ضمن هذه السلسلة.
([116]) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: مسلم 3/1255 (كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته)؛ سنن أبي داود 3/159 (كتاب الوصايا. باب ما جاء في الصدقة عن الميت) سنن الترمذي 2/418 (كتاب الأحكام، باب ما جاء في الوقف) وقال الترمذي: "هذا حديث صحيح"؛ سنن النسائي 16/210 (كتاب الوصايا، باب فضل الصدقة عن الميت)، سنن ابن ماجه 1/88 (المقدمة، باب ثواب معلم الناس الخير)؛ المسند (ط. المعارف) 17/28-29 .
([117]) جمع ابن تيمية هنا بين حديثين، الأول عن عائشة رضي الله عنها ونصه: "ما من مصيبة يُصاب بها المسلم إلا كُفِّر بها عنه حتى الشوكة يشاكها". والحديث – مع اختلاف في الألفاظ – في: مسلم 4/1992 (كتاب البر والصلة والآداب ثواب المؤمن فيما يصيبه...) وجاءت أحاديث أخرى عنها وعن غيرها من الصحابة في الباب نفسه مقاربة في المعنى واللفظ. والحديث أيضاً في سنن الترمذي 2/220 (كتاب الجنائز، باب ما جاء في ثواب المرض) وقال الترمذي: "حديث عائشة حديث حسن صحيح". والحديث الثاني في نفس المكان في: سنن الترمذي ونصه: "ما من شيء يصيب المؤمن من نَصَب ولا حزن ولا وَصَب حتى الهم يَهُمُّه إلا يكفّر الله به عن سيئاته" وهذا الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن في هذا الباب... وقد روى بعضهم هذا الحديث عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم". وجاء الحديث عنهما في: مسلم 4/1992-1993 .
كما جاء عن أبي سعيد الخدري في: المسند (ط. الحلبي) ¾، 24، 38، 61 .
([118]) انجعافها: أي انقلاعها. والحديث عن أبي هريرة وكعب بن مالك رضي الله عنهما بألفاظ مختلفة في: البخاري 9/137-138 (كتاب التوحيد، باب في المشيئة والإرادة)؛ مسلم 4/2163-2164 في خمسة مواضع في (كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب مثل المؤمن كالزرع ومثل الكافر كشجر الأرز)؛ سنن الدارمي 2/310 (كتاب الرقائق، باب مثل المؤمن مثل الزرع)؛ المسند (ط. المعارف) 12/178، 14/221. والحديث بمعناه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في المسند (ط. الحلبي 3/349 وعن كعب بن مالك في المسند (ط. الحلبي) 6/286 .
([119]) الحديث بألفاظ مقاربة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه في: المسند (ط. الحلبي) 5/247 ونصه: "عن معاذ قال: صلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة فأحسن فيها القيام والخشوع والركوع والسجود وقال: "إنها صلاة رغب ورهب، سألت الله فيها ثلاثاً فأعطاني اثنتين وزوى عني واحدة. سألته أن لا يبعث على أمتي عدواً من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيه، وسألته أن لا يبعث عليهم سنة تقتلهم جوعاً فأعطانيه، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردّها عليّ". وذكر السيوطي الحديث في "الجامع الصغير" بألفاظ مقاربة وفيه: "سألته أن لا يستحكم بعذاب أصابه من كان قبلكم فأعطانيها، وسألته أن لا يسلّط على بيضتكم عدواً فيجتاحها فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض فمنعنيها". قال السيوطي (ع = مسند أبي يعلى، طب = الطبراني في الكبير، والضياء) عن خالد الخزاعي، (حم، ت، ن، حب، والضياء) عن خباب) وصحح الألباني (صحيح الجامع الصغير 2/309-310) الحديث. وروى مسلم في صحيحه حديثاً عن ثوبان وآخر عن سعد بن أبي وقاص معناهما مقارب. انظر: مسلم 4/2215-2216 (كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض). وجاء حديث ثوبان في: سنن أبي داود 4/138-139 (كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن ودلائلها)؛ سنن الترمذي 3/319-320 (كتاب الفتن، باب سؤال النبي صلّى الله عليه وسلّم ثلاثاً في أمته) وروى الترمذي أيضاً حديثاً عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: "هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن سعد وابن عمر. وجاء حديث سعد رضي الله عنه في: المسند (ط. المعارف) 3/60-61، 86. والسنة العامة: القحط الذي يعمّ بلاد الإسلام.
([120]) الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه مع اختلاف في اللفظ في: البخاري 6/56 (كتاب التفسير، سورة الأنعام، قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ..}، 9/101 (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول الله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً}، سنن الترمذي 4/327 (كتاب التفسير، باب ومن سورة الأنعام)، المسند (ط. الحلبي) 3/309، تفسير الطبري (ط. المعارف) 11/422، 423، 425 (وانظر التعليقات).
([121]) ذكر الهيثمي هذا الخبر في "مجمع الزوائد" 9/357 ونسبه إلى الأعمش ونصه: "وعن الأعمش قال: لو رأيتم معاوية لقلتم: هذا المهدي. رواه الطبراني مرسلاً وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف".
قال أبو عبد الرحمن: وذكره ابن كثير في البداية والنهاية ج8 ص135 بلفظ: لو رأيتم...
([122]) هذا الأثر عن ابن عباس في: البخاري 5/28-29 (كتاب فضائل أصحاب النبي..، باب ذكر معاوية رضي الله عنه) ونصه: "هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة؟. قال: إنه فقيه".
([123]) الأثر في "مجمع الزوائد" للهيثمي 9/357 وقال: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير قيس بن الحارث المذحجي، وهو ثقة".
([124]) ومن ذلك ما رواه الهيثمي في "مجمع الزوائد" 9/357 عن عبد الله بن عمرو وأن معاوية كان يكتب بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. رواه الطبراني بإسناد حسن. ومن ذلك ما رواه الهيثمي 9/356-357 وجاء أيضاً في "فضائل الصحابة" 2/913-915 عن العرباض بن سارية وغيره أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب". وجاء الحديث من عدة طرق ضعيفة أو مرسلة ولكن يقوي بعضها بعضاً. وانظر ما ذكره ابن العربي في "العواصم من القواصم" وتعليق الأستاذ محب الدين الخطيب على كلامه، ص202-211، ط. السلفية، القاهرة، 1371 .
([125]) الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في: البخاري 3/28 (كتاب المظالم والغصب، باب قصاص المظالم) ونصه: "إذا خلص المؤمنون من النار حُبِسوا بقنطرة بني الجنة والنار فيتقاصّون مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا نُقُّوا وهُذِّبوا أذن لهم بدخول الجنة، فوالذي نفس محمد صلّى الله عليه وسلّم بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدلُّ بمنـزله في الدنيا".
وجاء الحديث مرة أخرى في البخاري 8/111 (كتاب الرقاق، باب القصاص يوم القيامة). وهو في المسند (ط. الحلبي) 3/13، 57، 63، 74 .
([126]) الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما في: البخاري 5/15 (كتاب فضائل أصحاب النبي...، باب مناقب عثمان..)، 5/98-99 (كتاب المغازي، باب قول الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ...}؛ سنن الترمذي 5/293-294 (كتاب المناقب، مناقب عثمان بن عفان)؛ المسند (ط. المعارف) 8/130-131، 251-252 .
([127]) قال أبو عبد الرحمن: كان الوليد رحمه الله تعالى من القادة المجاهدين في سبيل الله تعالى، وكن من خير الولاة على الكوفة وكان ضحية وشاية قام بها بعض الناقمين عليه لأه أقام حدود الله تعالى في بعض أبنائهم.
وللعلامة محب الدين الخطيب رحمه الله تعالى تحليل قيّم لشخصية الوليد بن عقبة وما رُم] به من اقتراف شرب الخمر، وأنقل كلامه بتمامه لما اشتمل عليه من تحقيق دقيق لهذه الحادثة.
قال العلامة محب الدين الخطيب رحمه الله تعالى في تعليقه على "العواصم من القواصم" ص94 وما بعدها:... أما الوليد بن عقبة المجاهد الفاتح العادل المظلوم (الذي كان منه لأمته كل ما استطاعه من عمل طيب، ثم رأى بعينه كيف يبغي المبطلون على الصالحين وينفذ باطلهم فيهم، فاعتزل الناس بعد مقتل عثمان في ضيعة له منطقعة عن صخب المجتمع، وهي تبعد خمسة عشر ميلاً عن بلدة الرقة من أرض الجزيرة التي كان يجاهد فيها ويدعو نصاراها إلى الإسلام في خلافة عمر) فقد آن لدسائس الكذابين فيه أن ينكشف عنها عوارها. ولا يضير هذا الرجل أن يتأخر انكشاف الحق فيه ثلاثة عشر قرناً، فإن الحق قديم ولا يؤثر في قدمه احتجابه. أراد الوليد بن عقبة – منذ ولى الكوفة لأمير المؤمنين عثمان – أن يكون الحاكم المثالي في العدل والنبل والسيرة الطيبة مع الناس، كما كان المحارب المثالي في جهاده وقيامه للإسلام بما يليق بالذائدين عن دعوته، الحاملين لرايته، الناشرين لرسالته. وقد لبث في إمارته على الكوفة خمس سنوات وداره – إلى اليوم الذي زايل فيه الكوفة – ليس لها باب يحول بينه وبين الناس ممن يعرف أو لا يعرف، فكان يغشاها كل من شاء، متى شاء، من ليل أو نهار، ولم يكن بالوليد حاجة لأن يستر عن الناس:
فالستر دون الفاحشات ولا يلقاك دون الخير من ستر
وكان ينبغي أن كون الناس كلهم محبين لأميرهم الطيب لأنه أقام لغربائهم دور الضيافة، وأدخل على الناس خيراً حتى جعل يقسم المال للولائد والعبيد، ورد على كل مملوك من فضول الأموال في كل شهر ما يتسعون به من غير أن ينقص مواليهم من أرزاقهم. وبالفعل كانت جماهير الشعب متعلقة بحب هذا الأمير المثالي طول حكمه. إلا أن فريقاً من الأشرار وأهل الفساد أصاب بنيهم سوط الشريعة بالعقاب على يد الوليد، فوقفوا حياتهم على ترصد الأذى له. ومن هؤلاء رجال يسمى أحدهم أبا زينب بن عوف الأزدي، وآخر يسمى أبا مورع، وثالث اسمه جندب أبو زهير، قبضت السلطات على أبنائهم في ليلة نقبوا بها على ابن الحيسمان داره وقتلوه، وكان نازلاً بجواره رجل من أصحاب رسول الله ومن أهل السابقة في الإسلام وهو أبو شريح الخزاعي حامل راية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على جيش خزاعة يوم فتح مكة فجاء هو وابنه من المدينة إلى الكوفة ليسيرا مع أحد جيوش الوليد بن عقبة التي كان يواصل توجيهها نحو المشرق للفتوح ونشر دعوة الإسلام، فشهد هذا الصحابي وابنه في تلك الليلة سطو هؤلاء الأشرار على منـزل ابن الحيسمان وأدى شهادته هو وابنه على هؤلاء القتلة السفاحين. فأنفذ الوليد فيهم حكم الشريعة على باب القصر في الرحبة، فكتب آباؤهم العهد على أنفسهم للشيطان بأن يكيدوا لهذا الأمير الرحيم. وبثوا عليه العيون والجواسيس ليترقبوا حركاته، وكان بيته مفتوحاً دائماً. وبينما كان عنده ذات يوم ضيف له من شعراء الشمال كان نصرانياً في أخواله من تغلب بأرض الجزيرة وأسلم على يد الوليد، فظن جاسيس الموتورين أن هذا الشاعر الذي كان نصرانياً لابد أن يكون مِمَّن يشرب الخمر ولعل الوليد أن يكرمه بذلك فنادوا أبا زينب وأبا المورع وأصحابهما، فاقتحموا الدار على الوليد من ناحية المسجد، ولم يكن لداره باب، فلما فوجئ بهم نحى شيئاً أدخله تحت السرير. فأدخل بعضهم يده فأخرجه بلا إذن من صاحب الدار، فلما أخرج ذلك الشيء من تحت السرير إذا هو طبق عليه تفاريق عنب، وإنما نحاه الوليد استحياء أن يروا طبقه ليس عليه إلا تفاريق عنب، فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون من الخجل، وسمع الناس بالحكاية فأقبلوا يسبونهم ويلعنونهم. وقد ستر الوليد عليهم ذلك وطواه عن عثمان وسكت عن ذلك وصبر. ثم تكررت مكايد جندب وأبي زينب وأبي المورع، وكانوا يغتنمون كل حادث فيسيئون تأويله ويفترون الكذب. وذهب بعض الذين كانوا عمالاً في الحكومة ونحاهم الوليد عن أعمالهم لسوء سيرتهم فقصدوا المدينة وجعلوا يشكون الوليد لأمير المؤمنين عثمان ويطلبون منه عزله عن الكوفة. وفيما كان هؤلاء في المدينة دخل أبو زينب وأبو المورع دار الإمارة بالكوفة مع من يدخلها من غمار الناس وبقيا فيها إلى أن تنحى الوليد ليستريح، فخرج بقية القوم، وثبت أبو زينب وأبو المورع إلى أن تمكنا من سرقة خاتم الوليد من داره وخرجا. فلما استيقظ الوليد لم يجد خاتمه، فسأل عنه ززجتيه – وكانت في مخدع تريان منه زوار الوليد من وراء ستر – فقالتا أن آخر من بقي في الدار رجلان، وذكرتا صفتهما وحليتهما للوليد. فعرف أنهما أبو زينب وأبو المورع، وأدرك أنهما لم يسرقا الخاتم إلا لمكيدة بيّتاها، فأرسل في طلبهما فلم يوجدا في الكوفة، وكان قد سافرا تواً إلى المدينة. وتقدما شاهدين على الوليد بشرب الخمر (وأكبر ظني أنهما استلهما شهادتهما المزورة من تفاصيل الحادث الذي سبق وقوعه لقدامة بن مظعون في خلافة عمر) فقال لهما عثمان: كيف رأيتما؟ قالا: كنا من غاشية، فدخلنا عليه وهو يقيء الخمر. فقال عثمان: ما يقئ الخمر إلا شاربها. فجيء بالوليد من الكوفة فحلف لعثمان وأخبره خبرهم، فقال عثمان: نقيم الحدود. ويبوء شاهد الزور بالنار.
هذه قصة اتهام الوليد بالخمر كما في حوادث سنة 30 من تاريخ الطبري وليس فيها – على تعدد مصادرها القديمة – شيء غير ذلك. وعناصر الخبر عند الطبري أن الشهود على الوليد اثنان من الموتورين الذين تعددت شواهد غلهم عليه، ولم يرد في الشهادة ذكر الصلاة من أصلها فضلاً من أن تكون اثنتين أو أربعاً. وزيادة ذكر الصلاة هي الأخرى أمرها عجيب، فقد نقل خبرها عن الحضين بن المنذر (أحد أتباع عليّ) أنه كان مع عليّ عند عثمان ساعة أقيم الحد على الوليد، وتناقل الناس عنه هذا الخبر فسجله مسلم في صحيحه (كتاب الحدود ب8 ح5 ص126) بلفظ شهدت عثمان بن عفان وأتى بالوليد قد صلى الصبح (ركعتين) ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ". فالشاهدان لم يشهدا بأن الوليد صلى الصبح ركعتين وقال أزيدكم، بل شهد أحدهما بأنه شرب الخمر وشهد الآخر بأنه تقيأ، أما صلاة الصبح ركعتين وكلمة أزيدكم فهي من كلام حضين، ولم يكن حضين من الشهود، ولا كان في الكوفة وقت الحادث المزعوم، ثم أنه لم يسند هذا العنصر من عناصر الاتهام إلى إنسان معروف. ومن العجيب أن نفس الخبر الذي في صحيح مسلم وارد في ثلاثة مواضع من مسند أحمد مروياً عن حضين، والذي سمعه من حضين في صحيح مسلم هو الذي سمعه منه في مسند أحمد بمواضعه الثلاثة، فالموضعان الأول والثاني (ج1 ص82 و140 الطبعة الأولى – ج2 رقم 624 و1184 الطبعة الثانية) ليس فيهما ذكر للصلاة عن لسان حضين فضلاً عن غيره، فلعل أحد الرواة من بعده أدرك أن الكلام عن الصلاة ليس من كلام الشهود فاقتصر على ذكر الحد. وأما في الموضع الثالث من مسند أحمد (ج1 ص144-145 الطبعة الأولى – ج2 رقم 1229) فقد جاء فيه على لسان حضين "أن الوليد صلى بالناس الصبح أربعاً" وهو يعارض ما جاء على لسان حضين نفسه في صحيح مسلم، ففي إحدى الروايتين تحريف الله أعلم بسببه. وفي الحالتين لا يخرج ذكر الصلاة عن أنه من كلام حضين، وحضين ليس بشاهد، ولم يرو عن شاهد، فلا عبرة بهذا الجزء من كلامه. وبعد أن علمت بأمر الموتورين فيما نقله الطبري عن شيوخه، أزيدك علماً بأمر حمران، وهو عبد من عبيد عثمان كان قد عصى الله قبل شهادته على الوليد فتزوج في مدينة الرسول امرأة مطلقة ودخل بها وهي في عدتها من زوجها الأول، فغضب عليه عثمان، لهذا ولأمور أخرى قبله فطرده من رحابه وأخرجه من المدينة، فجاء الكوفة يعيث فيها فساداً، ودخل على العابد الصالح عامر بن عبد القيس فافترى عليه الكذب عند رجال الدولة وكان سبب تسييره إلى الشام.
وأنا أترك أمر هذا الشاهد والشاهدين الآخرين قبله إلى ضمير القارئ يحكم به عليهم بما يشاء، وفي اجتهادي أن مثل هؤلاء الشهود لا يقام بهم حد الله على ظنين من السوقة والرعاع، فكيف بصحابي مجاهد وضع الخليفة في يده أمانة قطر وقيادة جيوش فكان عند الظن به من حسن السيرة في الناس وحسن الرعاية لأمانات الله، وكان موضع الثقة عند ثلاثة من أكمل خلفاء الإسلام: أبي بكر وعمر وعثمان. وأن قرابة الوليد من عثمان التي يزعم الكذبة أنها سبب المحاباة منه لهم إنما كانت بسبب التسامح من عثمان في عزلهم والقسوة عليهم لئلا يقول السفهاء أن له هوى في ذوي قرابته. وقد رأينا الذين يتسلون بأعراض الناس يتفكهون بأبيات ستة منسوبة إلى ماجن خسيس النفس وردت في ص85 من ديوانه، ولا تحملهم سليقة النقد على الشهور بما في هذه الأبيات من التضارب والتعارض، فأين مدحه فيها للوليد بقوله:
ورأوا شـمائل ماجد أنف |
|
يعطي على الميسور والعسر |
فنـزعت مكذوباً عليك ولم |
|
تردد إلى عـوز ولا فقـر |
من بقية الأبيات التي فيها:
نادى وقد تمت صلاتهـم |
|
أأزيدكم ثملاً وما يـدري |
فالذي يقول البيت الأخير لا يقل أن يقول معه البيتين الأولين فيكون مادحاً وذاماً في قطعة واحدة لا تزيد على ستة أبيات. وقد كانت لي مقالة مطولة عن "التخليط في الشعر" ضربت فيها الأمثلة على دس أبيات غريبة في قصائد من وزنها ورويها لغير ناظمها.
وعلى كل حال فالشهود الذين شهدوا بين يدي عثمان لم يدّعوا حكاية الصلاة، مع أنهم لم يكونوا ممن يخاف الله واليوم الآخر. والآن أقلها لوجه الله صريحة مدوية: إن الوليد لو كان من رجال التاريخ الأوربي كالقديس لويس الذي أسرناه في دار ابن لقمان بالمنصورة لعدّوه قديساً. لأن لويس التاسع لم يحسن إلى فرنسا كإحسان الوليد بن عقبة إلى أمته، ولم يفتح للنصرانية كفتح الوليد للإسلام، والعجب لأمة تسيء إلى أبطالها، وتشوه جمال تاريخها، وتهدم أمجادها كما يفعل الأشرار منها، ثم ينتشر كيد هؤلاء الأشرار حتى يظن الأخيار أنه هو الحق. اهـ.
قال أبو عبد الرحمن: ذكر المالقي في "التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان" ص57 أن البيت الأخير قاله أبو مورِّع ونحله الحطيئة ليعاب به، وذكر خمسة أبيات هي:
شهد الحطيئة حين يلقي ربه |
|
إن الوليد أحق بالغدر |
نادى وقد نفدت صلاتهم |
|
أأزيدكم ثملاً وما يدري |
ليزيدهم خيراً لو قبلوا |
|
منه لزادهم على العشر |
فأبوا، أبا وهب ولو قبلوا |
|
لقرنت بين الشفع والوت |
خلعوا عنانك إذ جريت ولو |
|
تركوا عنانك لم تزل تجري |
وقد أفاض في دحض هذه الفرية بأسلوب لا يقل روعة عما ذكره العلامة الخطيب رحمه الله تعالى فضيلة العلامة الشيخ محمد الصادق العرجون رحمه الله تعالى رحمة واسعة وجزاه الله خير الجزاء عن رجال هذه الأمة الذين دافع عنهم وأوضح الحقيقة التاريخية بعد أن كانت فقط مبثوثة في ثنايا المتون التاريخية فقد ذكر العلامة العرجون رحمه الله تعالى في كتابه "الخليفة المفترى عليه عثمان بن عفان" 104-109 ملابسات هذه الفرية ونقد بعض الروايات الواهية والأقوال المكذوبة في قضية اتهام الوليد بن عقبة بشرب الخمر.
وللحقيقة لم تقع عيناي على مؤلفات في تحليل الروايات التاريخية لا سيما في بيان مواقف رجالات الإسلام الذين يشار إليهم بالبنان مثل مؤلفات هذا العالم الجليل لا سيما كتابيه "خالد بن الوليد" و"عثمان بن عفان" ودع عنك ما كتبه المغرضون والسبئيون الذي يحاولون تشوية أمجاد وتاريخ سلف هذه الأمة.
([128]) مسلم 3/1331-1332 (كتاب الحدود، باب حد الخمر)، وجاء هذا الأثر بمعناه في: سنن أبي داود 4/228 (كتاب الحدود، باب الحد في الخمر)، سنن ابن ماجه 2/1858 (كتاب الحدود، باب حد السكران).
([129]) قال أبو عبد الرحمن: أن من يقرأ سيرة هذا المجاهد يتعجب من كرم أخلاقه وجوده وجهاده في سبيل الله تعالى، ورغم هذه المكارم إلا أننا نجد أحفاد ابن سبأ يحاولون إظهار شخصيته بمظهر المتهالك على حطام الدنيا وأنَّ أفعاله مشينة لا يمكن أن يتصف بها رجل يدين بالإسلام، ولا نعرف أي إسلام هذا الذي يزن الرجال الأفذاذ بميزان الخسة والنذالة، إلا أن يكون إسلام المجوس الذي يتسترون به، ولا عجب في ذلك فإن صفوة الخلق بعد الأنبياء عليهم السلام نالتهم سهام المجوس، أفيكون ابن العاص بعيداً عن تلك السهام؟
وأضع بين يدي القراء الكرام ترجمة لهذا القائد المسلم وذلك من المراجع الإسلامية، وبعد ذلك أدع له الحكم عليه، وصراحة أننا لا نستطيع وضع الرجال الأفذاذ في المكانة التي يستحقونها إذا كانت مراجعنا في ذلك مؤلفات المسعودي واليعقوبي وابن أبي الحديد وغيرهم من المؤرخين الذين اكتووا بالأحقاد أو على أقل تقدير تأثرهم بعقائد المجوس الرافضة في تقييم الرجال من سلف هذه الأمة.
قال عنه الذهبي (سير أعلام النبلاء ج3 ص445): وكان أميراً، شريفاً، جواداً، ممدّحاً، حليماً، وقوراً، ذا حزم، وعقل، يصلح للخلافة. وَلِيَ إمرة المدينة غير مرة لمعاوية، وقد وَلِيَ إمرة الكوفة لعثمان بن عفان، وقد اعتزل الفتنة، فأحسن، ولم يقاتل مع معاوية. اهـ.
وكان رحمه الله تعالى ممن أقيمت عربية القرآن الكريم على لسانه لأنه أشبههم لهجة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم (انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي ج3 ص448-449، مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج9 ص310، والوافي بالوفيات للصفدي ج15 ص228) وكان كريماً إلى حد كبير حتى أنه لقب بأكرم العرب والذي لقبه به هو سيد البشر صلّى الله عليه وسلّم، فقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما جاءت امرأة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببرد فقالت: إني نويت أن أعطي هذا الثوب أكرم العرب، فقال: أعطيه هذا الغلام – يعني سعيد بن العاص – وهو واقف. فلذلك سميت الثياب السعدية (انظر: الوافي بالوفيات 15/228، البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص84).
وحكايات كرمه وجوده أكثر من أن تحصى، حتى أنني عندما اطلعت على ترجمته في ثنايا المراجع التي ترجمت له كدت لا أصدق أن يكون بهذه الصورة من الكرم والجود، ولكن بشارة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ووصفه بأكرم العرب. ويقول ابن كثير في البداية 8/84: وقد كان حسن السيرة، جيد السيريرة، وكان كثيراً ما يجمع أصحابه في كل جمعة فيطعمهم ويكسوهم الحلل، ويرسل إلى بيوتهم بالهدايا والتحف والبر الكثير، وكان يصر الصرر فيضعها بين يدي المصلين من ذوي الحاجات في المسجد.
ولأن المجال لا يتسع لأكثر مما ذكر، فمن أراد الوقوف على حقيقة هذا الأمير رحمه الله تعالى فليرجع إلى المراجع التالية لتتضح له الصورة بكاملها من النبع الصافي لا من المستنقعات الآسنة التي يقبع فيها أحفاد ابن سبأ:
سير أعلام النبلاء للذهبي ج3 ص444-449 .
التاريخ الكبير للإمام البخاري ق1 ج2 ص502 ترجمة رم 1672 .
طبقات ابن سعد 5/30-35 .
البداية والنهاية لابن كثير ج8 ص83-87 .
أنساب الأشراف للبلاذري، القسم الرابع، الجزء الأول ص433-441 .
مختصر تاريخ دمشق لابن منظور ج9 ص305-318 .
الوافي بالوفيات للصفدي ج15 ص227-230 .
الخليفة المفترى عليه "عثمان بن عفان" للشيخ محمد الصادق العرجون 109-112 ففي هذه الصفحات تحليل وتدقيق لولاية سعيد بن العاص على الكوفة.
وغير ذلك من المراجع الإسلامية، وللدكتور محمد الصباغ حفظه الله تعالى بحثاً قيماً حول هذا القائد المجاهد رحمه الله تعالى.
([130]) قال أبو عبد الرحمن: إن عزل عثمان رضي الله عنه لسعيد بن العاص لم يكن من ذنب أتى به سعيد، ولكن لما قامت الفتنة في الكوفة بقيادة بعض الموتورين أمثال الأشتر وغيره من دعاة الفتنة واستنفار العامة، وإصرار الغوغاء على عزل سعيد بن العاص، وذلك لما ذهب ابن العاص إلى عثمان رضي الله عنه يطلعه على حقيقة الوضع في الكوفة وما اكتنفه من فوضى وعدم انضباط، فاستغل دعاة الفتنة فرصة غياب سعيد بن العاص عن الكوفة وبثّوا الأكاذيب والأراجيف، والذي تولاها مالك بن الأشتر بعد الإعداد والتخطيط بمشاركة النفر الذين كانوا في صف عبد الله بن سبأ.
وصل الأشتر للكوفة ووقف على المسجد وقال – وهو كاذب مفتر فيما قال -:
أيها الناس، قد جئتكم من عند أمير المؤمنين عثمان، وتركت سعيداً يريده على نقصان نسائكم إلى مائة درهم، ورد أهل البلاء منكم إلى ألفين، ويقول: ما بال أشراف النساء وهذه العلاوة بين هذين العدلين، ويزعم أن فيئكم بستان لقريش، فقد سايرته مرحلة، فما زال يرتجز بذلك حتى فراقته، يقول:
ويل لأشـرف النسـاء مني صمحمح كأنـي من جـنّ
فاستخف الناس فأصغوا إليه، وقام عقلاء الكوفة ينهونهم عن الخروج ونبذ الجماعة، ولكن أنّى للعقول التي اعتراها الطمع والثأر لمصالحهم الشخصية أن يستمعوا إلى نداء العقل.
وخرجوا إلى خارج الكوفة ونزلوا مكاناً يقال له الجرعة وهو بالقرب من الكوفة وقابلوا هناك سعيداً بن العاص وقالوا له: لا حاجة لنا بك، فقال سعيد: أما اختلفتم إلا بي؟ إنما كان يكفيكم أن تبعثوا إلى أمير المؤمنين رجلاً، أو تضعوا له رجلاً، وهل يخرج الألف لهم عقول إلى رجل؟ وانصرف عنهم.
وكتب الموتورون إلى عثمان رضي الله عنه بأن يولي عليهم أبا موسى الأشعري رضي الله عنه فاستجاب لهم.
وللتفصيل انظر: التمهيد والبيان للمالقي 72-76، تاريخ الطبري ج4 ص330-332 .
ويقول الدكتور محمد السيد الوكيل في كتابه "جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين" ص410-411 عن الأشتر وذلك لتتضح الصورة للقارئ الكريم حقيقة هذا الثائر المتردد الذي يهوى الفتن ولو بالكذب والبهتان ليستهوي قلوب العامة والغوغاء:
فقد كان يرى نفسه كفؤاً لإدارة أعمال المسلمين وكان يعتقد أنه أحق بالولاية من غيره ممن ولاهم أمير المؤمنين عثمان – رضي الله عنه – ولما لم يول ثار وحرض وارتكب الجرائم العظام حتى قتل عثمان، وكان من أوائل المبايعين لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ومن أكبر أعوانه أملاً أن ينال منه ما لم ينل في عهد عثمان ولكنه لم ينل مأربه حتى في عهد عليّ، لأنه ليس الرجل الذي يتحمل عن المسلمين. وليس أدل على تطلعه إلى الولاية وغضبه لنفسه إذ لم يول من قوله وقد ولي عليّ ابن عمه عبد الله بن عباس البصرة، ولم يكد الخبر يطير إلى آذان الأشتر حتى غضب وقال: علام قتلنا الشيخ، إذ اليمن لعبيد الله والحجاز لقثم والبصرة لعبد الله والكوفة لعليّ.
وهكذا يعرّض الأشتر بولاة الخليفة الجديد الذي أسرع في بيعته، وتفانى في خدمته أملاً أن يصيبه شيء من الأمر الذي كان يعمل جاهداً للوصول إليه، فلما وجد أمير المؤمنين عليّاً عدل عنه وولاها الأكفاء من أبناء عمه تماماً كما فعل عثمان ثار وغضب، وركب دابته وفارق الخليفة ولولا أن أدركه الإمام، وأغذّ السير حتى لحق به، ما كان يدري إلا الله ماذا كان سيعمل هذا الثائر المتمرد. إن غضبة هذا وأمثاله لم تكن في ساعة من الساعات خالصة لوجه الحق، ولم يرد بها قط تقويم الخليفة وإعادته إلى الجادة التي سلكها صاحباه من قبل، ولكنها كانت لهوى النفس، ونفثة من الشيطان.
([131]) قال أبو عبد الرحمن: ولاية عبد الله بن سعد على مصر إنما كانت رغبة من دعاة الفتنة أتباع عبد الله بن سبأ، وذلك أن في ولاية عمرو بن العاص رضي الله عنه لم يستطيعوا أن يبثوا معتقداتهم وأكاذيبهم ووقف منهم موقفاً حازماً، لذا اجتمعوا على الكتابة إلى عثمان رضي الله عنه بأن يولّي عليهم عبد الله بن سعد. ويذكر لنا المالقي في "التمهيد والبيان" ص88-89 تفاصيل ذلك فيقول:
لما خرج ابن السوداء (ابن سبأ) إلى مصر اعتمر فيهم فأقام، فنـزل على كنانة بن بشر مرة وعلى سودان بن حمران مرة وانقطع. فشجعه الغافقي، فتكلم. وأطاف به خالد بن ملجم وعبد الله بن زريرة وأشباه لهم، فصرف لهم القول فلم يجدهم يجيبون إلى شيء مما يجيبون إلى الوصية، فقال لهم: عمرو ناب العرب وحجرهم، ولسنا من رجاله، فأروه أنكم تزرعون، ولا تزرعون العام شيئاً حتى تنكسر مصر، فيشكونه فيعزل عنكم، ونسأل من هو أضعف منه، ونخلوا بما نريد، ونظهر الأمر بالمعروف. فكان أسرعهم إلى ذلك وأعملهم فيه محمد بن أبي حذيفة، وهو ابن خال معاوية وكان يتيماً في حجر عثمان رضي الله عنه. فلما ولي استأذنه في الهجرة إلى بعض الأمصار فخرج إلى مصر. وكان الذي دعاه إلى ذلك أنه سأل العمل فقال: لست هناك. فعملوا ما أمرهم به ابن السوداء. ثم أنهم خرجوا ومن شاء الله منهم، فشكوا عمرو بن العاص، واستعفوا منه، فكلما نهنه عثمان عن عمرو قوماً وسكنهم وأرضاهم وقال: إنما هو أمين، انبعث آخرون بشيء آخر، وكلهم يطلب عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فقال لهم عثمان رضي الله عنه: أما عمرو فسننـزعه عنكم لما زعمتم أنه أفسد، وأما الحرب فسنقره عليها ونولي من سألتم. فولى عبد الله بن سعد خراج مصر وترك عمراً على صلاتهم، فمشى في ذلك سودان بن حمران، وكنانة بن بشر وخارجة وأشباههم فيما بين عمرو وعبد الله بن سعد وأغروا بينهما، حتى احتمل كل واحد منهما على صاحبه، وتكاتبا على قدر ما أبلغوا كل واحد منهما، فكتب عبد الله بن سعد: أنّ خراجي لا يستقيم مادام عمرو على الصلاة، وخرجوا فصدقوه واستعفوا من عمرو، وسألوا عبد الله. فكتب عثمان رضي الله عنه إلى عمرو: أنه لا خير لك في صحبة من يكرهوك، فأقبل. وجمع مصر لعبد الله صلاتها وخراجها. فقدم عمرو، فقال له عثمان رضي الله عنه: أبا عبد الله، ما شأنك؟ أستحيل رأيك؟ فقال: يا أمير المؤمنين دعني، فوالله ما أدري من أين أتيت، وما أتهم عبد الله بن سعد، وإن كنت لأهل عملي كالوالدة، وما قدر العارف الشاكر على معونتي. اهـ.
وأما قصة الكتاب فالروايات مضطربة لا أساس لها، وأنها من اختراع المتمردين وقد كشفها عليّ رضي الله عنه ومحمد بن مسلمة رضي الله عنه، وللوقوف على حقيقة هذا الزعم الباطل انظر: الخليفة المفترى عليه للعلامة محمد الصادق عرجون رحمة الله عليه ص117-126، حركات ومؤامرات مناهضة في تاريخ الإسلام للأستاذ الدكتور أحمد الحفناوي ص177-182 .
([132]) الحديث عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه في:
مسلم 3/1481 (كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم)، سنن الدارمي 2/324 (كتاب الرقاق، باب في الطاعة ولزوم الجماعة)، المسند (ط. الحلبي) 6/24 .
وجاء جزء من حديث آخر بمعنى آخر معنى هذا الحديث عن عمر رضي الله عنه في: سنن الترمذي 3/360 (كتاب الفتن، باب حدثنا موسى بن عبد الرحمن الكندي) وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن أبي حميد ومحمد يُضعف من قبل حفظه.
([133]) قال أبو عبد الرحمن: عبد الله بن عامر أبو عبد الرحمن من القادة الذين فتحوا إقليم خراسان وأطراف فارس وكثير من المناطق الرازحة تحت سيطرة ملك الفرس يزدجرد، ولذا فإن عداوة الفرس المجوس ومن يدين بدينهم يبغضونه أشد البغض، وينتحلون من الأكاذيب والأساطير ما يحاولون به تشويه سيرته التي قضاها فاتحاً وعادلاً في رعيته. إضافة إلى قضائه ومحاربته للموتورين من أتباع عبد الله بن سبأ، لا سيما وأنه هو الذي طرد ابن سبأ من البصرة وأيضاً قاطع الطريق حكيم بن جبلة فيذكر لنا الطبري في تاريخه ج4 ص326-327 :
لما مضى من إمارة ابن عامر ثلاث سنين، بلغه أن في عبد القيس رجلاً نازلاً على حكيم بن جبلة، وكان حكيم بن جبلة رجلاً لصاً إذا قفل الجيش خنس عنهم، فسعى في أرض فارس، فيغير على أهل الذمة، ويتنكر لهم، ويفسد في الأرض، ويصيب ما شاء ثم يرجع. فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان. فكتب إلى عبد الله بن عامر: أن احبسه، ومن كان مثله فلا يخرجن من البصرة حتى تأنسوا منه رشداً، فحبسه فكان لا يستطيع أن يخرج منها. فلما قدم ابن السوداء نزل عليه واجتمع إليه نفر فطرح لهم ابن السوداء ولم يصرح، فقبلوا منه، واستعظموه، وأرسل إليه ابن عامر، فسأله: من أنت؟ فأخبره أنه رجل من أهل الكتاب، رغب في الإسلام، ورغب في جوارك، فقال: ما يبلغني ذلك، اخرج عني. فخرج حتى أتى الكوفة فأخرج منها فاستقر بمصر، وجعل يكاتبهم ويكاتبونه، ويختلف الرجال بينهم.
وقد أثنى على ابن عامر كثير من علماء هذه الأمة ومؤرخيها فيقول الذهبي في سير أعلام النبلاء ج3 ص21 :
وكان من كبار ملوك العرب، وشجعانهم وأجوادهم، وكان فيه رفق وحلم.
ويقول ابن كثير في البداية والنهاية ج8 ص88 :
ولد في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتفل في فيه، فجعل يبتلع ريق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: "إنه لمسقاه"، فكان لا يعالج أرضاً إلا ظهر له الماء، وكان كريماً ممدحاً ميمون النقيبة.... وهو أول من اتخذ الحياض بعرفة وأجرى عليها الماء المعين والعين.
ويقول العلامة محب الدين الخطيب رحمه الله تعالى في تعليقه على "العواصم" ص84 :
فلم يزل ملك أولاده (يقصد أول ملوك الفرس والمسمى جيومرت) منتظماً على سياق إلى أن كان القضاء الأخير عليه بسلطان الإسلام في خلافة أمير المؤمنين بجهاد هذا العبشمي الآباء الهاشمي الخئولة عبد الله بن عامر بن كريز، وهي حرقة في قلوب أهل النـزعة المجوسية على الإسلام، وعلى عثمان، وابن كريز، فهم يحقدون على هؤلاء ويحاربونهم إلى اليوم بسلاح الكذب، والبغض والدسائس وسيستمر ذلك إلى يوم القيامة.... ونحن لا ندعي العصمة لأحد بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونتوقع الخطأ من كل إنسان، صحابياً كان أو من التابعين أو الذين يتبعونهم بإحسان. ولكن الذين ملأوا الدنيا بالحسنات كأنها الجبال فإن الذي يعمى عنها، ويدس أنفه في مرمى القاذورات ليستخرج منها ما يذم العظماء به، وإن لم يجد يختلق ويكذب، فإن من كرامة المسلم على نفسه أن يترفع عن الإصغاء لأمثال هؤلاء والانخداع لهم. ودع عنك فتوح عبد الله بن عامر بن كريز التي وصلت إلى أقصى المشارق، وتقويضه آخر أمل للإمبراطورية المجوسية، فإن حسناته الإنسانية أيضاً جديرة بالتسجيل.
([134]) قال أبو عبد الرحمن: أن استشهاد الخليفة رضي الله عنه لم يكن من جراء ذلك، بل من قبل حفنة من المتورين والحاقدين والذين أصابهم سوط الشريعة بخروجهم عن جادة الصواب، وقد تقدم بيان ذلك.
([135]) قال أبو عبد الرحمن: وذلك حينما أراد الموتورون إثارة الفتنة بطرح بعض الأحداث التي أحدثها – على حد زعمهم – عثمان رضي الله عنه. وقدموا إلى المدينة بتخطيط مسبق مع بعضهم البعض، فاجتمع رؤسائهم وقرروا مواجهة الخليفة رضي الله عنه ببعض التهم، ليمكن بعد ذلك إشاعة تلك المقولات وإيهام الناس بأن الخليفة قد أقرهم على ما طرحوه من المؤاخذات وأنه قد وعد بالرجوع عنها. وهدفهم من ذلك التأكد على ما زرعوه في قلوب الناس ثم يرجعون إليهم فيزعمون لهم أنهم قرروه بها، فلم يتب منها ولم يظهر الندم على ما وقع منه والتوبة، وبعد ذلك يخرجون كأنهم يريدون الحج ويعرضون على عثمان رضي الله عنه الخلع فإن لم يستجب قاتلوه.
ولما علم عثمان رضي الله عنه حقيقة أولئك القوم أرسل إليهم ونادى: الصلاة جامعة، وهم عنده في أصل المنبر، فأقبل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى أحاطوا بهم، فحمد الله وأثنى عليه، وأخبرهم خبر القوم، وقام الرجلان، فقالوا جميعاً: اقتلهم، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "من دعا إلى نفسه أو إلى أحد وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله فاقتلوه". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا أحل لكم إلا ما قتلتموه وأنا شريككم. فقال عثمان: بل نعفو ونقبل ونبصرهم بجهدنا، ولا أحد أحداً حتى يركب حداً، أو يبدي كفراً. أن هؤلاء ذكروا أموراً قد علموا منها مثل الذي علمتم، إلا أنهم زعموا أنهم يذاكرونيها ليوجبوها عليّ عند من لا يعلم.
وقالوا: أتم الصلاة في السفر، وكانت لا تتم، ألا وإني قدمت بلداً فيه أهلي، فأتممت لهذين الأمرين. أو كذلك؟ قالوا: اللهم نعم.
وقالوا: وحميت حمى، وإني والله ما حميت، حمى قبلي، والله ما حموا شيئاً لأحد ما حموا إلا غلب عليه أهل المدينة، ثم لم يمنعوا من رعاية أحدا، واقتصروا لصدقات المسلمين يحمونها لئلا يكون بين من يليها وبين أحد تنازع، ثم ما منعوا ولا نحوا منها أحداً إلا من ساق درهما، ومالي من بعير غير راحلتين، وما لي ثاغية ولا راغية، وإني قد وليت إني أكثر العرب بعيراً وشاءً، فمالي اليوم شاة ولا بعير غير بعيرين لحجي، أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم.
وقالوا: إني رددت الحكم وقد سَيَّرهُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والحكم مكي، سيره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من مكة إلى الطائف، ثم ردّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فرسول الله صلّى الله عليه وسلّم سيره، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ردّه، أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم.
وقالوا: استعملت الأحداث. ولم أستعمل إلا مجتمعاً محتملاً مرضياً، وهؤلاء أهل عملهم، فسلوهم عنه، وهؤلاء أهل بلده، ولقد ولّى من قبلي أحدث منهم، وقيل في ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أشد مما قيل لي في استعماله أسامة، أكذلك؟ قالوا: اللهم نعم، يعيبون الناس ما لا يفسرون.
وقالوا: إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه، وإني إنما نفلته خمس ما أفاء الله عليه من الخمس، فكان مائة ألف وقد أنفذ مثل ذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فزعم الجند أنهم يكرهون ذلك، فرددته عليهم وليس ذاك لهم، أكذلك؟ قالوا: نعم.
وقالوا: إني أحب أهل بيتي وأعطيهم، فأما حبي فإنه لم يمل معهم على جور، بل أحمل الحقوق عليهم، وأما إعطاؤهم فإني ما أعطيتهم من مالي، ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي، ولا لأحد من الناس، ولقد كنت أعطي العطية الكبيرة الرغيبة من صلب مالي أزمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وأنا يومئذ شحيح حريص، أفحين أتيت على أسنان أهل بيتي، وفني عمري وودعت الذي لي في أهلي، قال الملحدون ما قالوا، وإني والله ما حملت على مصر من الأمصار فضلاً فيجوز ذلك لمن قاله، ولقد رددته عليهم، وما قدم عليّ إلا الأخماس، ولا يحل لي منها شيء، فولى المسلمون وضعها في أهلها دوني، ولا يتلفت من مال الله بفلس فما فوق، وما أتبلغ منه ما آكل إلا مالي.
وقالوا: أعطيت الأرض رجالاً، وأن هذه الأرضين شاركهم فيها المهاجرون والأنصار أيام افتتحت، فمن أقام بمكان من هذه الفتوح فهو أسوة أهله، ومن رجع إلى أهله لم يذهب ذلك ما حوى الله له، فنظرت في الذي يصيبهم مما أفاء الله عليهم فبعته لهم بأمرهم، انظر: تاريخ الطبري 4/346-348، التمهيد والبيه للمالقي 104-106 .
([136]) قال أبو عبد الرحمن: انظر مقدمة هذا الجزء حيث أوردنا أقوال عائشة رضي الله عنها في عثمان رضي الله عنه وفي قتلته.
([137]) قال أبو عبد الرحمن: لا يشك من لديه عقل في تزوير الكتاب، وأنه من نسج المتمردين ليتخذه ذريعة في إثارة الفتنة.
ولقد تكلم حول هذا الموضوع بعض النقاد مثل:
العلامة محمد الصادق العرجون في كتاب "الخليفة المفترى عليه" 117-126 .
ومسألة تزوير الكتب فهي أقدم من هذا الحادث وقد زور معن بن زائدة كتاباً ادّعى أنه من قبل عمر رضي الله عنه وأصاب بذلك الكتاب المزوّر مالاً من خراج الكوفة.
ومن أشهر المزوّرين محمد بن أبي حذيفة – ربيب عثمان رضي الله عنه وأحد الموتورين الحاقدين – الذي زوّر الكتب على لسان أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعاً وخاصة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
([138]) الحديث في سنن أبي داود 3/198 (كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الأموال) ونصه: عن أبي الطفيل قال: جاءت فاطمة رضي الله عنها إلى أبي بكر رضي الله عنه تطلب ميراثها من النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: فقال أبو بكر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: "إن الله عز وجل إذا أطعم نبيّاً طعمة فهي للذي يقوم بعده".
والحديث – مع اختلاف يسير في اللفظ – في المسند (ط. المعارف) 1/160 وصحح أحمد شاكر رحمه الله الحديث.
([139]) قال أبو عبد الرحمن: أن بذل عثمان رضي الله عنه إنما كان من ماله الخاص، وقد بيّن رضي الله عنه ذلك في خطبته التي ذكرناها قبل صفحات.
ويقول العلامة العرجون في "الخليفة المفترى عليه" ص99: حب عثمان لأقاربه، وإحسانه إليهم، وعطفه عليهم، ورفع شأن ذوي النبوغ منهم والاستعانة بأهل القوة والمقدرة على العمل فيهم ليس غريباً عن أوضاع الحياة وطبيعتها، بل الغريب من مألوف الحياة ومعهودها ألا يحبهم ولا يكرمهم، ولا يرفع من شأنهم، وقد أذلهم في أول الدعوة الإسلامية تقاعسهم عن السيف إلى الإسلام، واعتزازهم بمعزات الجاهلية لياً بأبصارهم عن بلج الحق، وسبقهم غيرهم ممن كان لا يلحق بهم في أولياتهم الجاهلية إلى عزة الإسلام، فانزوى بعضهم، ولج في العناد آخرون حتى احتوشهم الإيمان بجحافله، فدخلوا إلى ساحة الإسلام طائعين وكارهين، وقد وجدوا في نبيلهم عثمان بن عفان ركناً شديداً يأوون إليه بعد الإيمان بالله ورسوله، وقد أعطاه الإسلام قيادة وولاه المسلمون أمرهم عن رضا ومشورة منهم.
([140]) قال أبو عبد الرحمن: أن مسألة جمع القرآن من قبل عثمان رضي الله عنه من المآثر والمناقب التي يجب أن تكتب بمداد من الذهب في سجل تاريخ هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه، لا أن تنقلب هذه المأثرة والمنقبة إلى مثلبة يتفوه بها ويسطرها الحاقدون في ثنايا بحثهم عن حياة عثمان رضي الله عنه ويروجون لها ويجعلونها من المطاعن.
وأما الباعث على إقدام عثمان رضي الله عنه على جمع القرآن، فيروي البخاري في صحيحه (الفتح 9/11): أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالمصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرّهط من القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا. حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق (عثمان بن عفان رضي الله عنه ص234 وما بعدها) رواية أخرى: عن محمد وطلحة قالا: وصرف حذيفة من غزو الرّي إلى غزو الباب مدداً لعبد الرحمن بن ربيعة، وخرج معه سعيد بن العاص فبلغ معه أذربيجان – وكذلك كانوا يصنعون، يجعلون للناس ردءاً (العون والناصر) – فأقام حتى قفل حذيفة ثم رجعا. فقال له حذيفة: إني سمعت في سفرتي هذه أما لئن ترك الناس ليضلن القرآن ثم لا يقومون عليه أبداً. قال: وما ذاك؟ قال: رأيت أمداد أهل الشام حين قدموا علينا، فرأيت أناساً من أهل حمص يزعمون لأناس من أهل الكوفة أنهم أصوب قراءة منهم، وأن المقداد أخذها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويقول الكوفيون مثل ذلك. ورأيت من أهل دمشق قوماً يقولون لهؤلاء: نحن أصوب منكم قراءة، وقرآنا، ويقول هؤلاء لهم مثل ذلك. فلما رجع الكوفة دخل المسجد فتقوّض إليه الناس فحذرهم ما سمع في غزاته تلك، وحذّرهم ما يخاف، فساعده على ذلك أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن أخذ عنهم وعامة التابعين.
وقال له أقوام ممن قرأ على عبد الله: وما تنكر؟ ألسنا نقرأ على قراءة ابن أم عبد، وأهل البصرة يقرؤون على قراءة أبي موسى ويسمونها لباب الفؤاد، وأهل حمص يقرؤون على قراءة المقداد وسالم؟ فغضب حذيفة من ذلك وأصحابه وأولئك التابعون وقالوا: إنما أنتم أعراب، وإنما بعث عبد الله إليكم ولم يبعث إلى من هو أعلم منه، فاسكتوا فإنكم على خطأ. وقال حذيفة: والله لئن عشت حتى أتي أمير المؤمنين لأشكون إليه ذلك، ولأمرنه، ولأشيرن عليه أن يحول بينهم وبني ذلك حتى ترجعوا إلى جماعة المسلمين، والذي عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة. وقال الناس مثل ذلك. فقال عبد الله: والله إذاً ليصلينّ الله وجهك نار جهنم. فقال سعيد بن العاص: أعلى الله تألّى (أي تحلف وتحكم) والصواب مع صاحبك؟ فغضب سعيد فقام، وغضب ابن مسعود فقام، وغضب القوم فتفرقوا، وغضب حذيفة فرحل إلى عثمان حتى قدم عليه فأخبره بالذي حدث في نفسه من تكذيب بعضهم بعضاً بما يقرأ، ويقول أنا النذير العريان (مثل يضرب في التحذير من خطر محدق بدلائل واضحة مكشوفة) فأدركوا. فجمع عثمان الصحابة وأقام حذيفة فيهم بالذي رأى وسمع، وبالذي عليه حال الناس، فأعظموا ذلك ورأوا جميعاً مثل الذي رأى، وأبوا أن يتركوا ويمضي هذا القرن لا يعرب القرآن. فسأل عثمان: ما لباب الفؤاد؟ فقيل: مصحف كتبه أبو موسى – وكان قرأ على رجال كثير ممن لم يكن جمع على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وسأل عن مصحف ابن مسعود، فقيل له: قرأ على مجمع بن جارية. وخباب بن الأرت جمع القرآن بالكوفة فكتب مصحفاً. وسأل عن المقداد، فقيل له: جمع القرآن بالشام، فلم يكونوا قرؤوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم، إنما جمعوا القرآن في أمصارهم. فاكتتبت المصاحف وهو بالمدينة – وفيها الذين قرؤوا القرآن على النبي صلّى الله عليه وسلّم – وبثّها في الأمصار، وأمر الناس أن يعمدوا إليها، وأن يدعوا ما تعلم في الأمصار، فكل الناس عرف فضل ذلك، أجمعوا عليه وتركوا ما سواه، إلا ما كان من أهل الكوفة فإن قرّاء قراءة عبد الله نزوا في ذلك حتى كادوا يتفضلون على أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعابوا الناس، فقام فيهم ابن مسعود فقال: ولا كل هذا، إنكم والله قد سبقتم سبقاً بينا، فأربعوا على ظلعكم (أي أرفقوا على أنفسكم فيما تحاولونه).
ولما قدم المصحف الذي بعث به عثمان على سعيد واجتمع عليه الناس، وفرح به أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، بعث سعيد إلى ابن مسعود يأمره أن يدفع إليه مصحفه، فقال: هذا مصحفي، تستطيع أن تأخذ ما في قلبي؟ فقال له سعيد: يا عبد الله، والله ما أنا عليك بمسيطر، إن شئت تابعت أهل دار الهجرة وجماعة المسلمين، وإن شئت فارقتهم. وأنت أعلم. اهـ.
ولقد عزّ على ابن مسعود رضي الله عنه أن لا يكون ضمن اللجنة التي كلفها عثمان رضي الله عنه، ولعثمان رضي الله عنه من الأعذار في ذلك الشيء الكثير، ويقول الأستاذ الفاضل عبد الستار الشيخ في كتابه القيّم "عبد الله بن مسعود" ص122-125: وعثمان كان له العذر في ذلك لأمور عدة:
1 - تم الجمع بالمدينة المنورة، وابن مسعود عندئذ بالكوفة، والأمر لا يحتمل التأخير ريثما يرسل إليه عثمان ليحضر الجمع.
2 - ثم إن عثمان إنما أراد نسخ الصحف التي كانت في عهد أبي بكر، وأن يجعلها مصحفاً واحداً، وكان الذي نسخ ذلك في عهد أبي بكر هو زيد بن ثابت لكونه كان كاتب الوحي، فكانت له في ذلك أولية ليست لغيره.
3 - وزيد – شهد – بيقين – العرضة الأخيرة التي بيّن فيها ما نسخ وما بقي، وكتبها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقرأها عليه، وكان يقرئ الناس بها حتى مات، ولا يضيره أنه كان في صلب رجل كافر عندما كان ابن مسعود يحفظ بضعاً وسبعين سورة.
4 - ثم إن ابن مسعود قد أخذ من في النبي صلّى الله عليه وسلّم بضعاً وسبعين سورة، واستكمل القرآن من الصحابة فيما بعد، بينما حفظ زيد القرآن كله والنبي صلّى الله عليه وسلّم حيّ، وهذا مما يضاف إلى مبررات عثمان بالاعتماد على زيد.
5 - ثم أن زيداً كان يكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو إمام في الرسم، وابن مسعود إمام في الأداء، وجمع عثمان كان يقتضي الميزة التي عند زيد، لذا أمر بالكتابة، وأمر سعيد بالإملاء عليه، وسعيد أشبه الناس لهجة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتوفّرت للجمع العثماني كافة الشروط: الرسم والإملاء، وهذا يعني أن عدم حضور ابن مسعود لن يحدث خللاً في كفاءة وتكامل لجنة الجمع العثماني.
6 - ثم إن ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ بلهجة هذيل، والمصحف كتب بلغة قريش عند الاختلاف، وليس لعبد الله أن يحمل الأمة على أن يقرؤوا بلهجته، بل لهجة النبي صلّى الله عليه وسلّم أولى بذلك، علماً بأن لعبد الله قراءات شاذة مثل (عتى حين) بدلاً من (حتى حين).
7 - وناحية هامة هي أن رضى الصحابة رضي الله عنهم جميعاً بصنيع عثمان في تحريق المصحف دليل خيرية ذلك الفعل وصوابه، فأمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تجتمع على ضلالة. ومما يؤكد هذه الناحية إجماع الخلفاء الراشدين على جمع المصحف، واتفاق آخر خليفتين منهم على تحريق ما سوى المصحف الإمام. وفعلهم هذا واجب الاقتداء به كما قال عليه السلام: ”عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي“.
8 - زد على ذلك أنه علم الصحابة بموقف عبد الله ذاك، وأنه أمر بغلّ المصاحف، كرهوا ذلك منه، وما رضوه فقد قال الزهري: "فبلغني أن ذلك كرهه من قول ابن مسعود رجال من أصحاب رسول الله".
وينقل ابن كثير عن علقمة قال: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء فقال: كنا نعد عبد الله حناناً، فما باله يواثب الأمراء.
ولكن لا يفهم من ذلك كله أن زيداً مقدم على ابن مسعود، فليس رابط بين هذا وذاك، وعبد الله أفضل من زيد، وفي ذلك يقول أبو بكر الأنباري: ولم يكن لاختيار زيد من جهة أبي بكر وعمر وعثمان على عبد الله بن مسعود في جمع القرآن – وعبد الله أفضل من زيد، وأقدم في الإسلام، وأكثر سوابق، وأعظم سوابق، وأعظم فضائل – إلا لأن زيد كان أحفظ للقرآن من عبد الله، إذ وعاه كلّه ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيّ، والذي حفظه عنه عبد الله في حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم نيّف وسبعون سورة، ثم تعلّم الباقي بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. فالذي ختم القرآن وحفظه ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيّ أولى بجمع المصحف وأحق بالإيثار والاختيار. ولا ينبغي أن يظن جاهل أن في هذا طعناً على عبد الله بن مسعود، لأن زيداً إذا كان أحفظ للقرآن منه، فليس ذلك موجباً لتقدّمه عليه، لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كان زيد أحفظ منهما للقرآن، وليس هو خيراً منهما، ولا مساوياً لهما في الفضائل والمناقب.
وأما بالنسبة للمنهج الذي اتبعته اللجنة فيمكن تلخيصه على النحو التالي (باختصار عن "الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم" للأستاذ لبيب السعيد ص71 وما بعدها).
1 - الاعتماد على عمل اللجنة الأولى التي تولّت الجمع على عهد أبي بكر، أي على ربعة حفصة والتي هي مستنده إلى الأصل المكتوب بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم.
2 - أن يتعاهد اللجنة خليفة المسلمين نفسه.
3 - أن يأتي كل من عنده شيء من القرآن سمعه من الرسول صلّى الله عليه وسلّم بما عنده، وأن يشترك الجميع في علم ما جمع، فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شيء، ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف، ولا يشك في أنه جمع عن ملأ منهم.
4 - إذا اختلفوا في أية آية، قالوا: هذه أقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلاناً، فيرسل إليه، وهو على رأس ثلاث من المدينة، فيقال له: كيف أقرأك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آية كذا وكذا؟ فيقول: كذا وكذا... فيكتبونها، وقد تركوا لذلك مكاناً.
5 - يقتصر – عند الاختلاف – على لغة قريش.
6 - والمقصود من الجمع على لغة واحدة: الجمع على القراءة المتواترة المعلوم عند الجميع ثبوتها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإن اختلفت وجوهها، حتى لا تكون فرقة واختلاف، فإن ما يعلم أنّه قراءة ثابتة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يختلفون فيها، ولا ينكر أحد منهم ما يقرأه الآخر.
7 - وعند كتابة لفظ تواتر – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم – النطق به، على أكثر من وجه، تُبقي اللجنة هذا اللفظ خالياً من أية علامة تقصر النطق به على وجه واحد، لتكون دلالة اللفظ الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسوغين شبيهة بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المفهومين.
8 - وخشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد، يمنع عن كتابة ما يأتي، فضلاً عن قراءته وسماعه:
( أ ) ما نسخت تلاوته.
( ب ) وما لم يكن في العرضة الأخيرة.
( ج ) وما لم يثبت من القراءات، وما كانت روايته آحاداً.
( د ) وما لم تعلم قرآنيته، أو ما ليس بقرآن، كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة، شرحاً لمعنى أو بياناً لناسخ أو منسوخ أو نحو ذلك.
9 - فيما خلا ما يختلف فيه أعضاء اللجنة، وما تصدر تعليمات الخليفة المعبّرة عن رأي الصحابة صريحة الاقتصار فيه على لغة قريش، يشتمل الجمع على الأحرف التي نزل عليها القرآن وذلك على النحو التالي:
( 1 ) الكلمات التي اشتملت على أكثر من قراءة تجعل خالية من أية علامات ضابطة تحدد طريقة واحدة للنطق بها، وبذلك تكون هذه الكلمات محتملة لما اشتملت عليه من القراءات، وتكتب برسم واحد في جميع المصاحف.
( 2 ) الكلمات التي تضمنت قراءتين أو أكثر، والتي لم تنسخ في العرضة الأخيرة، والتي لا يجعلها تجريدها من العلامات الضابطة محتملة لما ورد فيها من القراءات لا تكتب برسم واحد في جميع المصاحف، بل ترسم في بعض المصاحف برسم يدلّ على قراءة، وفي بعضها برسم آخر يدلّ على القراءة الأخرى.
10 - في شأن ترتيب آيات كل سورة يلتزم ما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد اتّبعه في العرضة الأخيرة، في السنة التي توفي فيها، ويعتبر هذا الترتيب توقيفاً من الله.
وكذلك تلتزم اللجنة في ترتيب السور ما كان في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وما لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أفصح بأمر سورة براءة، ولم تكن مبدوءة بالبسملة، وهي علامة بدء كل سورة، فإن هذه السورة تضاف إلى الأنفال اجتهاداً من الخليفة.
11 - بعد الفراغ من كتابة المصحف الإمام، وقبل حمل الناس على كتابة المصحف على نمطه، يراجعه زيد بن ثابت رضي الله عنه ثلاث مرات، ثم يراجعه خليفة المسلمين بنفسه، أماناً من النسيان والخطأ.
وقد حدث بعد المراجعة الأولى من زيد رضي الله عنه أنه لم يجد فيه آية (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) قال زيد رضي الله عنه: فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها عند خزيمة بن ثابت، فكتبتها).
وبعد المراجعة الثانية، لم يجد زيد رضي الله عنه هاتين الآيتين: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم" إلى آخر السورة، قال زيد أيضاً: فاستعرضت المهاجرين، فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضاً، فأثبتها في آخر براءة.
أما المراجعة الثالثة فلم تكشف عن شيء.
([141]) قال أبو عبد الرحمن: هذا غير صحيح، ولم تذكر كتب التاريخ هذا، بل وقعت مشادة كلامية بين ابن مسعود – رضي الله عنه – والوليد بن عقبة إثر افتراء جندب، ورهط من الموتورين أمثاله الذين نال أبنائهم القصاص العادل لاقترافهم جريمة القتل لابن الحيسمان الخزاعي.
ذكر الطبري (4/274)، والمالقي في "التمهيد" ص53: عن الغصن بن القاسم، عن عمر بن عبد الله، قال: جاء جندب ورهط معه إلى ابن مسعود، فقالوا: الوليد يعتكف على الخمر، وأذاعوا ذلك حتى طرح على ألسن الناس، فقال ابن مسعود: من استترعنا بشيء لم نتتبع عورته، ولم نهتك ستره، فأرسل (أي الوليد بن عقبة) إيى ابن مسعود فأتاه فعاتبه في ذلك، وقال أيرضى من مثلك بأن يجيب قوماً موتورين بما أجبت عليّ، أي شيء أستتر به؟ إنما يقال هذا للمريب، فتلاحيا وافترقا على تغضب لم يكن بينهما أكثر من ذلك.
ومما يدل على عمق أواصر المحبة والتقدير بين ابن مسعود – رضي الله عنه – والوليد بن عقبة – رحمه الله تعالى -، أن الثاني كان يستشير الأول في كثير من الأمور لا سيما التي تحتاج إلى سعة فقه وتفكير مثل حادثة الساحر الذي كان بالكوفة، وذلك أن بعض الناس أتوا إلى الوليد وقالوا له: إنَّ بالكوفة رجلاً يمارس السحر، فما كان من الوليد إلا أن طلب الإتيان به، فلما حضر بين يديه، أرسل إلى ابن مسعود – رضي الله عنه – يسأله عن حَدِّه.
وما كان لابن مسعود رضي الله عنه أن يفتي بأمر حتى يقفَ على حقيقته، لا سيما إذا كانت تلك الفتوى متعلقة بالحدود.
فقال له الوليد: زعم هؤلاء النفر – الذين جاءوا بالساحر – أنه ساحر.
قال ابن مسعود – رضي الله عنه -: وما يدريكم أنه ساحر؟
قالوا: يزعم ذاك. فقال ابن مسعود – رضي الله عنه – للرجل: أساحر أنت؟ قال: نعم، وثار إلى حمار، فجعل يركبه من قِبَلِ ذنبه، ويريهم أنه يخرج من فمه وأسته!!
وبعد هذه المشاهدة قال ابن مسعود – رضي الله عنه – للوليد: فاقتله. فانطلق الوليد، فنادوا في المسجد أن رجلاً يلعب بالسحر عند الوليد، ولا يقصدون بذلك مسامرة ومجالسة الوليد لذلك الساحر، بل يقصدون أن الحكم قد صدر ضد ذلك الرجل بالقتل لفتوى ابن مسعود – رضي الله عنه -، وانتهز جندب هذا الأمر وأظهر غيرةً متناهية في تطبيق الحدود، لا لاستحقاق ذلك الرجل، وإنما لظنه السيئ، وحرصه الشديد لاقتناص أدنى فرصة للانتقام من الوليد – رحمه الله تعالى -.
فانطلق جندب وهو يصيح: أين هو؟ أين هو؟ حتى أريه، ثم ضرب ذلك الرجل ضرباً أوجعه، فما كان من ابن مسعود رضي الله عنه، والوليد بن عقبة إلا أن اجتمعا على حبس جندب.
ثم كتب الوليد إلى عثمان رضي الله عنه، فأجابه أن استحلفوه بالله ما علم برأيكم فيه. وإنه لصادق بقوله فيما ظنّ من تعطيل حده. وعزّروه، وخلّوا سبيله. وتقدم إلى الناس في ألا يعملوا بالظنون، وألا يقيموا الحدود دون السلطان، فإنا نقيد المخطئ، ونؤدب المصيب.
ففعل الوليد ما أمره عثمان – رضي الله عنه -، وعاقب جندباً جزاء فعلته وتطاوله، واستهتاره في قضايا الحدود، وذلك لو أن كل إنسان أقام الحدود بنفسه – لانتشرت الفوضى في المجتمع، وإن إقامة الحدود فقط لإمام المسلمين أو من ينوب عنه.
وبعد التعزير ثار وغضب جندب وأصحابه، فخرجوا إلى المدينة ومن أعضاء ذلك الوفد: أبي خشة الغفاري، وجثامة بن الصعب بن جثامة ومعهم جندب، وكان سبب خروجهم إلى المدينة – عاصمة الخلافة – الطلب من أمير المؤمنين عثمان – رضي الله عنه – أن يقيل الوليد من إمارة الكوفة، وقد أدرك عثمان – رضي الله عنه – سبب طلبهم في ذلك الاستعفاء، فما كان – رضي الله عنه – إلا أن قال لهم: تعملون بالظنون، وتخطئون في الإسلام، وتخرجون بغير إذن، وارجعوا.
وبعد رجوعهم إلى الكوفة اجتمع إليهم كل موتور وكل حاقد، وبعد ذلك حاكوا قضية شرب الوليد رحمه الله تعالى للخمر، وقد سبق في هذا الجزء بيان المؤامرة، وتم لهم ما أرادوا من عزل الوليد (انظر الطبري ج4 ص274-275، التمهيد والبيان 53-54).
ولكن في عهد الوالي الجديد على الكوفة "سعيد بن العصا رضي الله عنه"، حاول الموتورون من أتباع جندب، والأشتر، وعمير بن ضابئ، وصعصعة بن صوحان، وابن الكواء، أن يثيروا المتاعب من جديد، لكن سعيد رضي الله عنه قضى على تلك المتاعب بالحلم والصفح.
لكن أنّى لهؤلاء أن يستكينوا وهم يريدون إشعال الفتنة والنيل من الخليفة وواليه، وكان من أمر أولئك أن ضربوا صاحب الشرطة في الكوفة عبد الرحمن الأسدي، وعبد الرحمن بن خنيس، ولم يكن لذلك الضرب من سبب، سوى مخالفة السدي وابن خنيس للموتورين في بعض القضايا المطروحة للمناقشة في ذلك السمر في سكن ابن العاص رضي الله عنه.
وبعد ضربهما قامت القبائل، وبنو أسد بمحاصرة قصر الوالي من أجل تسليم الأشتر وصحبه للاقتصاص منهم على يد الوالي، وكان الموتورون قد احتموا بابن العاص رضي الله عنه لحمايتهم من تلك الغضبة، وحاول سعيد – رضي الله عنه – أن يهدّئ الوضع، فقال: أيها الناس، قوم تنازعوا وتهاووا، وقد رزق الله العافية.
وقابل المتورون صنيع سعيد بهم بالإساءة إليه وإلى خليفة المسلمين عثمان – رضي الله عنه -، فإنهم قعدوا في بيوتهم، ونشروا الأكاذيب، وتطاولوا على سعيد، وعثمان رضي الله عنهما.
ولم يأبه سعيد رضي الله عنه بتلك الأراجيف ولكن أشراف الكوفة ووجهائها ضاقوا بهذا الأمر ذرعاً، واستأذنوا سعيداً – رضي الله عنه – بالكتابة إلى أمير المؤمنين عثمان – رضي الله عنه – بإخراجهم من الكوفة وجاء الجواب من عثمان رضي الله عنه: إذا اجتمع ملؤكم على ذلك فألحقوهم بمعاوية.
فأخرجوهم، فذلّوا وانقادوا حتى أتوه – وهو بضعة عشر – فكتبوا بذلك إلى عثمان – رضي الله عنه – وكتب عثمان إلى معاوية رضي الله عنهما: إنّ أهل الكوفة قد أخرجوا إليك نفرا خلقوا، فارعهم وقم عليهم، فإن آنست منهم فاقبل منهم، وإن أعيوك فارددهم عليهم.
وحلّ وفد الفتنة على معاوية – رضي الله عنه – وأنزلهم كنيسة مريم، وعمل بما أمره أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه من الإحسان إليهم ورعاية مصالحهم، فكان رضي الله عنه ملازماً لهم فيتعشى معهم، وحاول رضي الله عنه بكل ما أوتي من العرب لكم أسنان وألسنه، وقد أدركتم بالإسلام شرفاً وغلبتم الأمم وحويتم مراتبهم ومواشيهم، وقد بلغني أنكم نقمتم قريشاً، وإن قريشاً لو لم تكن عدتم أذلة كما كنتم، إن أئمتكم لكم إلى اليوم جُنّة فلا تشذّوا عن جُنتكم، وإن أئمتكم يصبرون لكم على الجور، ويحتملون منكم المؤونة، والله لتنتهن أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم، ثم لا يحمدكم على الصبر، ثم تكونون شركاء لهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد موتكم.
فقال رجل من القوم: أما ذكرت من قريش، فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية فتخوفنا، وأما ما ذكرت من الجُنّة فإنَّ الجُنَّة إذا اختُرِقَتْ خلصَ إلينا.
فقال معاوية رضي الله عنه: عرفتكم الآن، علمت أن الذي أغراكم على هذا قلة العقول، وأنت خطيب القوم، لا أرى ل عقلاً، أعظم عليك أمر الإسلام، وأذكرك به، وتذكرني الجاهلية، وقد وعظتك. وتزعم لما يجنّك أنه يخترق، ولا ينسب ما يخترق إلى الجنّة، أخز الله أقواماً أعظموا أمركم، ورفعوا إلى خليفتكم، افقهوا – ولا أظنكم تفقهون – أن قريشاً لم تعزّ في جاهلية ولا إسلام إلا بالله عز وجل، لم تكن بأكثر العرب ولا أشدّهم، ولكنهم كانوا أكرمهم أحساباً، وأمحضهم أنساباً، وأعظمهم أخطاراً، وأكملهم مروءة، ولم يمتنعوا في الجاهلية والناس يأكل بعضهم بعضاً إلا بالله الذي لا يستذل من أعزّ، ولا يوضع من رفع، فبوأهم حرماً آمناً يتخطف الناس من حولهم، هل تعرفون عرباً أو عجماً أو سوداً أو حمراً إلا قد أصابه الدهر في بلده وحرمته بدولة، إلا ما كان من قريش، فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا عل الله خدّه الأسفل، حتى أراد الله أن يتنقّذ من أكرم واتّبع دينه من هوان الدنيا وسوء مرد الآخرة، فارتضى لذلك خير خلقه، ثم ارتضى له أصحاباً فكان خيارهم قريشاً، ثم بنى هذا الملك عليهم، وجعل هذه الخلافة فيهم، ولا يصلح ذلك إلا عليهم، فكان الله يحوطهم في الجاهلية وهم على كفرهم بالله، افتراهُ لا يحوطهم وهم على دينه وقد حاطهم في الجاهلية من الملوك الذين كانوا يدينونكم، أفّ: لك ولأصحابك، ولو أن متكلماً غيرك تكلم، ولكنك ابتدأت.
فأما أنت يا صعصعة فإن قريتك شر قرى عربية، أنتنها نبتاً، وأعمقها وادياً، وأعرفها بالشرّ، وألامها جيراناً، لم يسكنها شريف قط ولا وضيع إلا سبّ فيها، وكانت عليه هجنة، ثم كانوا أقبح العرب ألقاباً، وألامه أصهاراً، نزّاع الأمم، وأنتم جيران الخطّ وفعلة فارس، حتى أصابتكم دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم ونكبتك دعوته، وأنت نزيع شطير في عمان، لم تسكن البحرين فتشركهم في دعوة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فأنت شرّ قومك، حتى إذا أبرزك الإسلام، وخلطك بالناس، وحملك على الأمم التي كانت عليك، أقبلت تبغي دين الله عوجاً، وتنـزع إلى اللآمة والذلّة. ولا يضع ذلك قريشاً، ولن يضرّهم ولن يمنعهم من تأدية ما عليهم، إن الشيطان عنكم غير غافل، قد عرفكم بالشرّ من بين أمتكم، فأغرى بكم الناس، وهو صارعكم. لقد علم أنه لا يستطيع أن يرد بكم قضاء قضاهُ الله، ولا أمراً أراده الله، ولا تدركون بالشرّ أمراً أبداً إلا فتح الله عليكم شراً منه وأخزى.
ولقد حاول معاوية رضي الله عنه أن يثنيهم عن الفتنة وبيّن لهم مغبة ذلك ولكنهم لم ينصاعوا إلى نصائحه، وخرجوا إلى حمص حيث كان الوالي هناك عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وذلك بعد أن كتب معاوية إلى عثمان – رضي الله عنهما - بشأن تلك الشرذمة.
وللاستزادة حول هذا الموضوع انظر: تاريخ الطبري ج4 ص317-326، التمهيد والبيان 68-72 .
([142]) قال أبو عبد الرحمن: روى البخاري (فتح الباري ج9 ص106): عن علقمة قال: كنت مع عبد الله، فلقيه عثمان بمنى، فقال: يا أبا عبد الرحمن إن لي إليك حاجة فخليا، فقال عثمان: هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكراً تُذكرك ما كنت تعهد؟ فانتهيت إليه وهو يقول: أما لئن قلت ذلك لقد قال لنا النبي صلّى الله عليه وسلّم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
([143]) قال أبو عبد الرحمن: إن عثمان رضي الله عنه لم تغب عنه مكانة عمار رضي الله عنه وكذلك فضله وسابقته في الإسلام، وكان رضي الله عنه من أحرص الناس على أن لا يجرح شعور أي صحابي، ولكن إذا كانت المسألة تتعلق بحد أو تعزير فإنه لا تأخذه في ذلك لومة لائم، وقد نسج القصاصون والإخباريون حول العلاقة التي كانت بين عثمان وعمار رضي الله عنهما أكاذيباً فاقت الخيال، وصوروا الصحابيين رضي الله عنهما بمظهر العداوة والبغضاء، مع أن الحقيقة خلاف ذلك، ولقد كانت المودة والمحبة سائدة بينهما رضي الله عنهما. ولكي تتضح الصورة الحقيقية حول الإفك المتداول في كتب القصاصين والإخباريين من أن عثمان ضرب عماراً رضي الله عنهما، نذكر بعض أقوال أهل العلم في ذلك.
يقول ابن أبي بكر المالقي في المهيد ص190-191: فإن قيل: بأن عثمان (رضي الله عنه) ضرب عماراً، قيل: هذا لا يثبت، ولو ثبت فإن للإمام أن يؤدب بعض رعيته بما يراه وإن كان خطأ. ألا ترى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقصّ من نفسه وأقاد، وكذلك أبو بكر وعمر (رضي الله عنهما) أدّبا رعيتهما باللطم والدّرّة وأقادا من أنفسهما. وذلك لما أصاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بطن رجل بخشبة فجرحه. فرفع قميصه وقال: تعال فاقتصّ، فعفا عنه. وجاء رجل إلى أبي بكر (رضي الله عنه) يستحمله فلطمه، فأنكر ذلك الناس، فقال أبو بكر (رضي الله عنه): إنه استحملني فحملته، فبلغني أنه باعه، ثم قال له: دونك فاستقد. فعفا عنه. وضرب عمر (رضي الله عنه) جارية لسعد بالدرة فساء ذلك سعداً، فناوله عمر (رضي الله عنه) الدرة، وقال له: اقتصّ، فعفا. فإن قيل: عثمان (رضي الله عنه) لم يقد من نفسه، قيل له: كيف ذلك؟ وقد بذلك من نفسه ما لم يبذله أحد خصوصاً يوم الدار، فإنه قال: يا قوم، إن وجدتم في كتاب الله أن تضعوا رجلي في قيد فضعوهما. وقد ذكرنا أن عماراً تقاذف هو ورجل فجلدهما عثمان (رضي الله عنه) حدّ القذف.
ولم أجد من أدلى بدلوه في هذه القضية من العاصرين خيراً من فضيلة العلامة محمد الصادق عرجون – رحمه الله تعالى – وجزاه الله تعالى عن صحابة النبي صلّى الله عليه وسلّم خير الجزاء وجعل ذلك في ميزان حسناته يوم القيامة، فإنه رحمه الله تعالى فندّ كثيراً من الشبهات التي أثيرت حول تلك القضية، ولنفاسة ما خطّته أنامله أنقل للقراء الكرام ما هو متصل بموضوعنا، فيقول رحمه الله تعالى في كتابه "الخليفة المفترى عليه" ص138 وما بعدها:
وفي هذه الهنات التي أحصوها على عثمان قصة تتلاقى مع قصة أبي ذر في تقدير بطل روايتها، وإن اختلفت عنها في موضعها، وتلك قصة عقد المنحرفون عروتها بناصية رجل من السابقين الأولين، وذلك هو عمار بن ياسر رضي الله عنه.
روى أبو بكر بن أبي شيبة عن الأعمش قال: كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه في صحيفة، فقالوا: من يذهب بها إليه؟ قال عمار: أنا أذهب بها إليه، فلما قرأها عثمان قال: أرغم الله أنفك، قال عمار: وأنف أبي بكر وعمر، فقام عثمان إلى عمار فوطئه حتى غشيَ عليه، ثم ندم عثمان، وبعث إليه طلحة والزبير يقولون له: اختر إحدى ثلاث: إما أن تعفو وإما أن تأخذ الأرش، وإما أن تقتص، فقال عمار: والله ما قبلت واحدة منها حتى ألقى الله، قال ابن أبي شيبة: فذكرت هذا الحديث لحسن بن صالح فقال: ما كان على عثمان أكثر مما صنع.
هذه الرواية أمثل ما تعلق به المنحرفون في قصة عمار، وهي تدل على أن عماراً حمل إلى عثمان رسالة تعيبه، وتحصى عليه أموراً نقمها الناس منه، ولا شك أن ذلك مما يسوء عثمان ويغضبه، وعثمان إنسان يغضب مما يسوءه كما يغضب الناس، فنال من عمار – كما زعموا – بلسانه ويده، ثم ندم فبعث إلى عمار رجلين من خيرة أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم وقادة المسلمين ليسترضيه بكل ما يحتمله مقام الاسترضاء، فأبى عمار وأصر على أن يظل مغاضباً لعثمان حتى يلقى الله تعالى.
فماذا كان على عثمان في حق عمار رضي الله عنهما بعد ذلك؟ لم يكن عليه – كما قال الحسن بن صالح – أكثر مما صنع.
وهناك رواية أخرى كان عليها معول المنحرفين في قصة عمار تقول: اجتمع من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمسون رجلاً من المهاجرين والأنصار، فكتبوا أحداث عثمان وما نقموا عليه في كتاب، وقالوا لعمار: أوصل هذا الكتاب إلى عثمان ليقرأ، فلعله أن يرجع عن هذا الذي ننكره. وخوفوه أنه إن لم يرجع خلعوه واستبدلوا به غيره، فلما قرأ عثمان الكتاب طرحه، فقال عمار: لا ترم الكتاب وانظر فيه، فإنه كتاب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإني لك والله ناصح، وخائف عليك، فقال له عثمان: كذبت يا ابن سمية، وأمر غلمانه فضربوه حتى وقع لجنبه وأغمى عليه، ثم قام عثمان فوطئ بطنه ومذاكيره حتى أصابه الفتق وأغمى عليه أربع صلوات، قضاها بعد الإفاقة، واتخذ لنفسه تباناً (سراويل صغيره تستر العورة) تحت ثيابه لأجل الفتق، فغضب لذلك بنو مخزوم، وقالوا: والله لئن مات عمار من هذا لنقتلن من بني أمية شيخاً عظيماً، ويعنون عثمان.
أشرنا فيما سبق أن تدوين التاريخ الإسلامي بأسلوب القصص دون نقد وتمحيص يرد الأشباه إلى نظائرها والأمور إلى مصادرها – كان بلية عظيمة على الحقائق في سيرة رجالات الإسلام خصوصاً في مراحل الاضطرابات والانقلابات السياسية، وقد كان لسيرة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه من ذلك الحظ الأوفر، ورواية قصة عمار على هذا النهج الملتوي بعض ما نال السرة النيرة من تحريف المنحرفين وتشويه الثائرين. وأخلاق عثمان في سنه وإيمانه وحيائه ولين عريكته، ودماثة طبعه وسابقته وجليل مكانه في الإسلام – أجلّ من أن تنزل به إلى هذا الدرك من التصرف مع رجل من أجلاء النبي صلّى الله عليه وسلّم، يعرف له عثمان سابقته وفضله مهما كان بينهما من اختلاف في الرأي.
أفيرضى عثمان لنفسه، وهو الذي أبى على الناس أن يقاتلوا دونه، ورضي بالموت قتلاً صابراً محتسباً اتقاء الفتنة العامة، أن يصنع بعمار بن ياسر – وهو أعرف الناس بمكانه في الإسلام – ما زعمته هذه الرواية الباطلة؟ يأمر غلمانه بأن يضربوه حتى يغمى عليه، ثم يقوم عثمان في هذه الحال فيطأ بطنه ويصنع به ما تحكيه هذه الرواية السقيمة الفاسدة؟
أو ترضى أخلاق عثمان وحياؤه أن يعير عماراً بأنه ابن سمية، وهو الذي يعرف شرف انتساب عمار إلى سمية أول شهيدة في الإسلام؟ وأي شرف أشرف لعمار من أنه ابن سمية، وهي من عرف الناس قوة إيمانها ويقينها وشرفها في الإسلام ومكانتها في الإسلام يعنون بنقد هذه الروايات وتبيين زيفها، بتطبيقها على ما عرف من خصائص أولئك الإعلام، إذن كان لهم أصدق ميزان في النقد وأبرعه في الكشف عن دخائل الوضاعين المفترين.
وقصة عمار في حقيقتها كما يحدثنا بها سيدنا عثمان نفسه في الرواية الصحيحة أنه قال: جاء عمار وسعد إلى المسجد، وأرسلا إليّ أن ائتنا فإنّا نريد أن نذكرك أشياء فعلتها، فأرسلت إليهما: إني عنكما اليوم مشغول فانصرفا وموعدكما يوم كذا، فانصرف سعد وأبى عمار أن ينصرف، فأعدت إليه رسولي، فأبى، ثم أعدته إليه فأبى، فتناوله رسولي بغير أمري، والله ما أمرته ولا رضيت بضربه، وهذه يدي لعمار فليقتص مني إن شاء.
وفي هذه الرواية الصحيحة أمور تكشف عن وجه الحق في موقف عثمان رضي الله عنه من قصة عمار:
الأمر الأول: أن عمار بن ياسر وسعد بن أبي وقاص – بما لهما من المكانة وعليهما من واجب النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم – وقد وصل إلى علمهما ما تهامس به الناس في مجالسهم – أرسلا إلى الخليفة أن يوافيهما بالمسجد ليذاكراه في أشياء تحدث بها الناس في غير رضاء عنها واطمئنان إليها، وقد أرادا من مذاكرة عثمان في هذه الأمور تعرف وجه المصلحة فيها، وتبين قصد الخليفة منها، وإبلاغه صدى ما يتردد على ألسنة الناس حتى يتدارك الأمر قبل أن يضطرب حبل الأمن ويستفحل الخطب، وهذا واجب كل مسلم، مؤكد في حق العلماء والقادة وذوي الرأي.
الأمر الثاني: أن الخليفة اعتذر إلى سعد وعمار من عدم استطاعته مقابلتهما في يومها، وحدّد لهما موعداً يوماً عيّنه لهما، وذلك أقل ما يتصور في حق الأفراد من عامة الناس، بله الخليفة الأعظم، فانصرف سعد، وكان انصرافه مفهوماً ومعقولاً، وأبى عمار، وكان إباؤه مخالفاً لصاحبه محل ريبة وحذر، فأعاد أمير المؤمنين إليه الرسول يؤكد إليه الاعتذار مرة أخرى وهو يأبى إلا أن يأتيه أمير المؤمنين إلى المسجد في يومه وساعته، وهنا قد يتدخل الخيال، أو يجب أن يتدخل، ليفصل ما أجملته موقف عمار وإصراره على أن يجيء له عثمان، على رغم تكرار الاعتذار مع تحديد موعد آخر للملاقاة. ويستطاع في يسر أن يتصور ما في الإصرار الذي انفرد به عمار عن صاحبه من الإحراج، ولا يخلو موقف كهذا من مقاولة ومجادلة بين عمار ورسول عثمان، قد تعنف وتشتد وقد يلقى فيها رسول عثمان من عمار رضي الله عنه عنيفاً قد يتعداه إلى دائرة الخلافة وأعمالها ونظام الحكم في الأمة وسيرة الولاة والعمال والأمراء مما يتصل بالأمور التي جاء عمار وصاحبه لمذاكرة الخليفة فيها، وحينئذ يسهل أن يتصور استفزاز رسول عثمان بما عسى أن يكون قد لحقه من أذى في نفسه أو حمية لأمير المؤمنين، فتناول عماراً بغير إذن عثمان ولا رضاه. ونحن في جهالة من هذا الرسول، من يكون لنحكم على فعله حكماً متصلاً بالخليفة يحمله ثقله وتبعاته؟ أما أن هذا الذي وقع من الرسول منكر – إن كان قد وقع – فهو ما لا يستطيع مسلم إنكاره، ولكن ما ذنب عثمان وما حيلته؟.
الأمر الثالث: إن عثمان رضي الله عنه خلف حين عوتب أنه ما أمر رسوله يتناول عمار، وإنه ما رضي ذلك بل كرهه إذ بلغه، وليس في شرائع الله تعالى طريق لتبرئة عثمان من تبعة فعل رسوله غير ذلك لو أنصف التاريخ واستقامة موازين العقول.
الأمر الرابع: إن أمير المؤمنين لم يقف من عمار عند هذا الحد، بل أسرع إليه بأبلغ ما يقع به التراضي في أشد الخصومات، فقال على سمع أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: وهذه يدي لعمار فليقتص مني إن شاء. وفي ذلك تقدير من عثمان لعمار، لأنه كافأه بنفسه إذ جعل القصاص منه ولم ويجعله من رسوله إلى عمار، وبتدبر هذه الأمور ندرك مدى ما تصنع الروايات الزائفة في تشويه التاريخ وندرك حقيقة موقف عثمان رضي الله عنه فيما أخذوه عليه.
([144]) الحديث – مع اختلاف في الألفاظ – عن عمّار بن ياسر رضي الله عنه في: البخاري 5/29 (كتاب فضائل أصحاب النبي...، باب فضل عائشة ...)، 9/55-56 (كتاب الفتن؛ باب حدثنا عثمان بن الهيثم...)؛ المسند (ط. الحلبي) 4/265 .
([145]) لم أجد الحديث بهذا اللفظ، ولكن جاءت أحاديث كثيرة عن حب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم له. انظر: سنن الترمذي 5/342 (كتاب المناقب، باب مناقب أسامة)، مجمع الزوائد للهيثمي 9/286، فضائل الصحابة 2/384-386، ترتيب مسند أبي داود الطيالسي، تأليف أحمد عبد الرحمن البنا 2/140، ط المنيرية بالأزهرية، 1372، المسند (ط. الحلبي) 5/205، 210 وفيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يأخذه والحسن ويقول: "اللهم إني أحبهما فأحبهما".
([146]) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 4/6-7 (كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب) وأوله: قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أنزل الله عز وجل عليه: {وأنذر عشيرتك الأقربين} قال: "يا عشر قريش – أو كلمة نحوها – اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً... يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً... ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئتِ من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً: والحديث في: البخاري 6/112 (كتاب التفسير، سورة الشعراء، باب "وأنذر عشيرتك الأقربين" [سورة الشعراء: 214])، سنن النسائي 6/208 (كتاب الوصايا، باب إذا أوصى لعشيرته الأقربين)، سنن الدارمي 2/305 (كتاب الرقاق، باب وأنذر عشيرتك الأقربين).
([147]) الحديث عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها في: سنن أبي داود 2/223 (كتاب المناسك، باب المحرم يؤدِّب غلامه) ولفظه: خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حُجَّاجاً... وكانت زِمَالَةُ أبي بكر وزمالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع غلام لأبي بكر، فجلس أبو بكر ينتظر أن يَطْلُعَ عليه، فطلع وليس معه بعيره، قال: أين بعيرك؟ قال: أضللته البارحة. قال: فقال أبو بكر: بعير واحد تضلُّه؟ قال: فطفق يضربه ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبتسم ويقول: "انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع". قال ابن أبي رزمة: فما يزيد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أن يقول "انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع" ويبتسم. والحديث في: سن ابن ماجه 2/978 (كتاب المناسك، باب التوفي في الإحرام) وذكر الحديث ابن الأثير في جامع الأصول 3/432، وقال المحقق رحمه الله: "قال المنذري: وأخرجه ابن ماجه، وفي إسناده محمد بن إسحاق".
([148]) هذا حديث منقطع رواه أبو بكر بن أبي زهير الثقفي (من صغار التابعين) عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في: المسند (ط. المعارف) 1/181-182 الأرقام 68-71، وهو في: تفسير الطبري (ط. المعارف) 9/341-243 (وانظر تعليق الأستاذ محمود شاكر ص243)، تفسير ابن كثير 2/370 والحديث في المستدرك وفي سنن البيهقي وغير ذلك. قال أحمد شاكر رحمه الله: "اللأواء: الشدة وضيق المعيشة... وهو في المستدرك 3/74-75 وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وهو عجب منهما فإن انقطاع سنده بيّن!".
([149]) لم أجد حديثاً بهذا اللفظ ولكني وجدت أن الهيثمي في كتابه "مجمع الزوائد" 6/265-266 قد خصص باباً بعنوان "باب هل تكفر الحدود الذنوب أم لا؟" أورد فيه حديثاً عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "ما أدرى الحدود كفَّارات أم لا؟" ثم قال: "رواه البزار بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح غير أحمد بن منصور الرمادي، وهو ثقة" ثم أورد أحاديث تفيد أن الحدود كفارات، منها: عن خزيمة بن ثابت أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "أيما عبد أصاب شيئاً مما نهى الله عنه، ثم أقيم عليه حده كفّر عنه ذلك الذنب"، وفي رواية: "من أصاب ذنباً وأقيم عليه حد ذلك الذنب كفارته". ثم قال الهيثمي: "رواه الطبراين وأحمد بنحوه، وفيه راوٍ لم يسم، وهو ابن خزيمة، وبقية رجاله ثقات، ورواه موقوفاً. وذكر أحاديث أخر أكثرها ضعيف.
([150]) الحديث – مع اختلاف في اللفظ – عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه في: البخاري 1/8-9 (كتاب الإيمان، باب حدثنا أبو اليمان..)، 5/55 (كتاب مناقب الأنصار، باب وفود الأنصار إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة وبيعة العقبة) 8/159، 162 (كتاب الحدود، باب الحدود كفارة، باب توبة السارق)، مسلم 3/1333-1334 (كتاب الحدود، باب الحدود كفارات لأهلها)، سنن النسائي 7/144 (كتاب البيعة، باب ثواب من وفى بما بايع عليه)، سنن الدارمي 2/220 (كتاب السير، باب في بيعة النبي صلّى الله عليه وسلّم).
([151]) قال أبو عبد الرحمن: انظر "الخليفة المفترى عليه" للعلامة محمد الصادق عرجون 114-116 .
([152]) الحديث عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهم في: البخاري 4/15 (كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير)، مسلم 3/1487 (كتاب الإمارة، باب المبايعة بعد فتح مكة...)، سنن الترمذي 3/74-75 (كتاب السير، باب ما جاء في الهجرة) وقال الترمذي: "وفي الباب عن أبي سعيد وعبد الله بن عمرو بن حُبشي"، المسند (ط. المعارف) 3/307-308، 4/127، 321.
والحديث في مواضع أخرى في البخاري والنسائي وابن ماجه والدارمي والمسند.
([153]) الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما في: البخاري 3/164 (كتاب الهبة، باب الهدية للمشركين)، مسلم 2/696 (كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج...)، سنن أبي داود 2/170 (كتاب الزكاة، باب الصدقة على أهل الذمة)، المسند (ط. الحلبي) 6/344، 347 .
([154]) في: سنن الدارمي 2/427 (كتاب الوصايا، باب الوصية لأهل الذمة): "حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن ليث، عن نافع، عن ابن عمر، أن صفية أوصت لنسيب لها يهودي".
([155]) قال أبو عبد الرحمن: ذكر الدكتور محمد رشاد سالم رحمه الله تعالى في تعليقه على "منهاج السنة" ج6 ص276 حول هذه الرواية: "وإن الله أوحى إليّ... إلخ، فلم أجده". فالرواية بهذا اللفظ لم أجدها أنا أيضاً رغم البحث والتنقيب، ولكنني وجدت رواية قريبة منها ذكرها الذهبي في "سير أعلام النبلاء" ج2 ص61: شريك، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أمرت بحب أربعة، وأخبرني الله تعالى أنه يحبهم" قلت: من هم يا رسول الله؟ قال: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد بن الأسود.
وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه: أخرجه أحمد 5/351، وأبو ربيعة الإيادي، قال فيه أبو حاتم: منكر الحديث.
([156]) قال أبو عبد الرحمن: إن أبا ذر رضي الله عنه سكن الربذة باختياره دون إكراه من عثمان رضي الله عنه وللمزيد حول ذلك انظر:
سير أعلام النبلاء للذهبي ج2 ص60، 63، 67، 68، 72 .
وقد فصّل القول في ذلك تفصيلاً دقيقاً من المعاصرين:
العلامة محمد الصادق العرجون رحمه الله تعالى في كتابه "الخليفة المفترى عليه" ص36-40، 134-138 .
والأستاذ الفاضل علي بن ثائب العمري في كتابه القيم "النبذة في ترجمة أبي ذر وتاريخ الربذة" 160-177 .
([157]) هذان جزءان من حديث واحد عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه مع اختلاف في الألفاظ في: البخاري 3/116 (كتاب الاستقراض، باب أداء الديون)، 8/94-95 (كتاب الرقاق، باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ما أحب أن لي مثل أحد ذهباً)، 8/60-61 (كتاب الاستئذان، باب من أجاب بلبيك وسعديك)، مسلم 2/687-688 (كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة).
([158]) قال أبو عبد الرحمن: انظر قول المفسرين للآيتين 34، 35 من سورة التوبة للوقوف على معنى الكنـز، لا سيما: تفسير الطبري وابن كثير والقرطبي وأضواء البيان للشنقيطي.
([159]) الحديث – مع اختلاف في الألفاظ – عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في: البخاري 2/107 (كتاب الزكاة، باب ما أدى زكاته ليس بكنـز)، مسلم 2/673-675 (كتاب الزكاة، أول الكتاب)، سنن أبي داود 2/127 (كتاب الزكاة، باب ما تجب فيه الزكاة)، المسند (ط. الحلبي) 3/6، 30، 44-45. والحديث في سنن الترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي.
([160]) الحديث عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه في: مسلم 3/1457-1458 (كتاب الإمارة، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة)، سنن أبي داود 3/154، 155 (كتاب الوصايا، باب ما جاء في الدخول في الوصايا).
([161]) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: مسلم 4/2052 (كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز...)، سنن ابن ماجه 1/31 (المقدمة، باب في القدر)، 2/1395 (كتاب الزهد، باب التوكل واليقين)، المسند (ط. الحلبي) 2/336، 370 .
([162]) قال أبو عبد الرحمن: انظر "الخليفة المفترى عليه" للعلامة الصادق عرجون ص142-151 .
([163]) هذه العبارات في الحديث الذي جاء عن عمرو بن ميمون رضي الله عنه في: البخاري 5/15-18 (كتاب فضائل أصحاب النبي....، باب قصة البيعة) وهذه العبارات في ص16 .
([164]) في لسان العرب: "ربأ القوم يربؤهم ربأ، وربأ لهم: اطلع لهم على شَرَفٍ. وربأتهم أي رقبتهم، وذلك إذا كنت لهم طليعة فوق شرف... والربيئة: الطليعة".
([165]) في "اللسان": "الناطر والناطور، من كلام أهل السواد: حافظ الزرع والتمر والكرم. قال بعضهم: وليست بعربية محضة. وقال أبو حنيفة: هي عربية" وفي "اللسان" أيضاً: "والناظر: الحافظ. وناظور الزرع والنخل وغيرهما: حافظه، والطاء نبطيّة".
([166]) الأثر عن حُضين بن المنذر في: مسلم 3/1331 (كتاب الحدود، باب حد الخمر) ونصه قال: شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلّى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حُمران: أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ. فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها. فقال: يا عليّ قم فاجلده. فقال عليّ: قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن: ولِّ حارّها من تولَّى قارَّها (فكأنه وجد عليه... إلخ الأثر، وهو في سنن أبي داود 4/227-228 (كتاب الحدود، باب الحد من الخمر)؛ سنن ابن ماجه 2/858 (كتاب الحدود، باب حد السكران). وقد ناقش الأستاذ محب الدين الخطيب هذا الخبر في "العواصم من القواصم" ص94-99، 100 وهو يرى: "أن الشهود على الوليد اثنان من الموتورين الذين تعددت شواهد غلهم عليه" ويقول: "أما صلاة الصبح ركعتين وكلمة "أزيدكم" فهي من كلام حضين ولم يكن حضين من الشهود، ولا كان في الكوفة وقت الحادث المزعوم، ثم إنه لم يسند هذا العنصر من عناصر الاتهام إلى إنسان معروف.. إلخ وانظر باقي كلام الأستاذ الخطيب، وانظر كلامه عن استبعاده أن يكون قوله تعالى: {إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ...} قد نزلت في الوليد بن عقبة (العواصم ص90-93).
([167]) قال أبو عبد الرحمن: قد أدرك ذو النورين رضي الله عنه حقيقة الطائفة الموتورة، وكشف عن حقيقتهم في كتابه الذي قُرئ على حجاج بيت الله الحرام قبل يوم التروية بيوم ولأهمية هذا الخطاب والذي تجاهله كثير من الذين يدّعون الموضوعية في تناول الأحداث، ولبيان حقيقة الزمرة الباغية التي قامت بالفتنة، نذكر هذا الخطاب بنصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله عثمان أمير المؤمنين إلى المؤمنين والمسلمين. سلام عليكم، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو.
أما بعد ..
فإني أذكركم بالله جل وعز الذي أنعم عليكم وعلمكم الإسلام، وهداكم من الضلالة، وأنقذكم من الكفر، وأراكم البينات، وأوسع عليكم من الرزق، ونصركم على العدو، وأسبغ عليكم نعمته، فإن الله عز وجل يقول وقوله الحق: { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [إبراهيم: 34]. وقال عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا } إلى قوله: { لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [آل عمران: 102-105]. وقال وقوله الحق: { وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [المائدة: 7].
وقال وقوله الحق: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ } إلى قوله: { فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [الحجرات: 6-8]، وقوله عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً } إلى {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آل عمران: 77]. وقال وقوله الحق: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } إلى { فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [التغابن: 6].
وقال وقوله الحق: { وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } إلى قوله: { وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النحل: 91-96]. وقال وقوله الحق: { أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } إلى { وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } [النساء: 59].
وقال وقوله الحق: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } إلى قوله: { وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [النور: 55]. وقال وقوله الحق: { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } إلى { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } [الفتح: 10].
أما بعد، فإن الله عز وجل رضي لكم السمع والطاعة والجماعة، وحذّركم المعصية والفرقة والاختلاف، ونبأكم ما قد فعله الذين من قبلكم، وتقدّم إليكم فيه ليكون له الحجة عليكم إن عصيتموه، فاقبلوا نصيحة الله عز وجل واحذروا عذابه، فإنكم لن تجدوا أمة هلكت إلا من بعد أن تختلف، إلا أن يكون لها رأس يجمعها، ومتى ما تفعلوا ذلك لا تقيموا الصلاة جميعاً، وسلط عليكم عدوكم، ويستحلّ بعضكم حرم بعض، ومتى يفعل ذلك لا يقم لله سبحانه دين، وتكونوا شيعاً، وقد قال الله جل وعز لرسوله صلّى الله عليه وسلّم: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [الأنعام: 159].
وإني أوصيكم بما أوصاكم الله، وأحذركم عذابه، فإن شعيباً صلّى الله عليه وسلّم قال لقومه: { وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ } إلى قوله: { رَحِيمٌ وَدُودٌ } [هود: 89، 90].
أما بعد، فإن أقواماً ممن كان يقول في هذا الحديث، أظهروا للناس إنما يدعون إلى كتاب الله عز وجل والحقّ، ولا يريدون الدنيا ولا منازعة فيها، فلما عرض عليهم الحق إذا الناس في ذلك شتى، منهم آخذ للحق، ونازغ عنه حين يعطاه، ومنهم تارك للحق ونازل عنه في الأمر، يريد أن يبتزّه بغير الحقّ، طال عليهم عمري، وراث عليهم.
أملهم الإمرة، فاستعجلوا القدر، وقد كتبوا إليكم أنهم رجعوا بالذي أعطيتهم، ولا أعلم أنّي تركت من الذي عادتهم عليه شيئاً، كانوا زعموا أنهم يطلبون الحدود، فقلت: أقيموها على من علمتم تعدّاها في أحد، أقيموها على من ظلمكم من قريب أو بعيد.. قالوا: كتاب الله يتلى، فقلت: فليتله من تلاه غير غال فيه بغير ما أنزل الله في الكتاب.
وقالوا: المحروم يُرزق، والمال ليُوفّى ليستن فيه السنة الحسنة، ولا يُعتدى في الخُمس ولا في الصدقة، ويُؤمّر ذو القوة والأمانة، وتردّ مظالم الناس إلى أهلها. فرضيت بذلك واصطبرت له، وجئت نسوة النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى كلمتهن، فقلت: ما تأمرنني؟ فقلن: تؤمر عمرو بن العاص وعبد الله بن قيس وتدع معاوية، فإنما أمره أمير قبلك، فإنه مصلح لأرضه، وأرض جنده، واردد عمراً، فإن جنده راضون به، وأمره فليصلح أرضه. فكل ذلك فعلت. وإنه اعتدي عليّ بعد ذلك، وعُدي على الحق.
كتبت إليكم وأصحابي الذين زعموا في الأمر، واستعجلوا القدر، ومنعوا مني الصلاة، وحالوا بيني وبين المسجد، وابتزّوا ما قدروا عليه بالمدينة.
كتبت إليكم كتابي هذا، وهم يخيّرونني إحدى ثلاث: إما يقيدونني بكل رجل أصبته خطأ أو صواباً، غير متروك منه شيء، وإما أعتزل الأمر فيؤمرّون آخر غيري، وإما يرسلون إلى من أطاعهم من الأجناد وأهل المدينة فيتبرؤون من الذي جعل الله سبحانه لي عليهم من السمع والطاعة.
فقلت لهم: أما إقادتي من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء تخطئ وتصيب، فلم يستقيد من أحد منهم، وقد علمت أنما يريدون نفسي، وأمّا أن أتبرأ من الإمارة فلأن يلبوني أحبّ إليّ من أن أتبرأ من عمل الله عز وجل وخلافته. وأما قولكم: يرسلون إلى الأجناد وأهل المدينة فيتبرؤون من طاعتي، فلست عليكم بوكيل، ولم أكن استكرهتهم من قبل على السمع والطاعة، ولكن أتوها طائعين، يبتغون مرضاة الله عز وجل وإصلاح ذات البين، ومن يكن منكم إنما يبتغي الدنيا بنائل منها إلا ما كتب الله عز وجل له، ومن يكن إنما يريد وجه الله والدار الآخرة وصلح الأمة وابتغاء مرضات الله عزّ وجل والسّنّة الحسنة التي استنّ بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والخليفتان من بعده رضي الله عنهما، فإنما يجزي بذلكم الله، وليس بيدي جزاؤكم، ولو أعطيتكم الدنيا كلها لم يكن في ذلك ثمن لدينكم. ولم يغن عنكم شيئاً، فاتقوا الله واحتسبوا ما عنده، فمن يرض بالنّكث منكم فإني لا أرضاه له، ولا يرضي الله سبحانه أن تنكثوا عهده.
وأما الذي يخيّرونني فإنما كله النـزع والتأمير. فملكت نفسي ومن معي، ونظرت حكم الله وتغيير النعمة من الله سبحانه، وكرهت سنّة السوء وشقاق الأمة وسفك الدماء، فإني أنشدكم بالله والإسلام ألا تأخذوا إلا الحق وتعطوه مني وترك البغي على أهله، وخذوا بيننا بالعدل كما أمركم الله عز وجل، فإني أنشدكم الله سبحانه الذي جعل عليكم العهد والمؤازرة في أمر الله، فإن الله سبحانه قال وقوله الحق: { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } [الإسراء: 34]، فإن هذه معذرة إلى الله ولعلكم تذكرون.
أما بعد، فإني لا أبرئ نفسي { إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [يوسف: 53]، وإن عاقبت أقواماً فما ابتغي بذلك إلا الخير، وإني أتوب إلى الله عز وجل من كل عمل عملته، وأستغفره إنه لا يغفر الذنوب إلا هو، إن رحمة ربي وسعت كل شيء، إنه لا يقنط من رحمة الله إلا القوم الضالون، وإنه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون. وأنا أسأل الله عز وجل أن يغفر لي ولكم، وأن يؤلف قلوب هذه الأمة على الخير ويكرّه إليها الفسق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أيها المؤمنون والمسلمون.
انظر: الطبري ج4 ص407-411 .