آخر تحديث للموقع :

الثلاثاء 6 رمضان 1444هـ الموافق:28 مارس 2023م 12:03:36 بتوقيت مكة

جديد الموقع

دفاعاً عنِ الصَّحابةِ رضوانُ الله عليهم - عثمان الخميس ..
الكاتب : عثمان الخميس ..

دفاعاً عنِ الصَّحابةِ رضوانُ الله عليهم
فضيلة الشَّيخ عثمان بن محمَّد الخميس حفظه الله

 

بِسْمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمِ

الحمدُ لله حمداً كثيراً مباركاً فيه ، الحمدُ لله إله الأوَّلين والآخرين ، الحمدُ لله خالق الخَلْقِ أجمعين ، الحمدُ لله مُسْدِي النِّعَم ، و الصَّلاةُ و السَّلامُ على رسولِ الهدى نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلهِ وصحابتهِ أجمعين ، أمَّا بعد :
فإنَّ الله تباركَ وتعالى يخلقُ ما يشاءُ ويختارُ ، وكانَ منْ حكمتهِ جلَّ وعلا أنْ خَلَقَ الخَلْقَ أجمعين ، وجعلَ منهم كافرين ومسلمين وأرسلَ الرُّسُلَ جلَّ وعلا ، وأنزلَ معهمُ الكُتُبَ ، وجعلَ للرُّسُلِ أتباعاً وحواريِّين يهتدون بهديِهم ويستنُّون بسُنَّتهم ويدعون إلى ما كانَ يدعو الرُّسُلُ إليهِ .
ويتفاوتُ أتباعُ الرُّسُلِ في الفضلِ والمكانةِ كما يتفاوت الرُّسُلُ في الفضلِ والمكانةِ ، وإنَّ سيِّد الأنبياءِ والمرسلين هو خاتمهم محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ، وجعلَ الله تباركَ وتعالى أتباعَه سادات أتباع المرسَلين ، وجعلَ الكتابَ الذي أنزلَ إليهِ مُهيمناً على الكُتُبِ جميعاً ، وجعلَ رسالتَه مهيمنةً على جميعِ الرِّسالاتِ وناسخةً لها ، وجعلَها خاتمةَ الشَّرائعِ وصالحةً لكلِّ زمانٍ ومكانٍ .
فنجدُ أنَّ الله تباركَ وتعالى ميَّز هذه الأمَّةَ بميزاتٍ كثيرةٍ منها
 *- أنه أرسلَ إليها خيرَ رُسُلِهِ
*- ومنها أنه أنزلَ إليهِ أحسنَ كُتُبِهِ
  *- ومنها أنه شَرَّعَ له أكملَ شرائعهِ
  *- وكانَ مِنْ فضلهِ ومنِّه تباركَ وتعالى أنْ جعلَ أتباعَه أكثرَ أتباع الأنبياءِ ، وأكفأَ أتباع الأنبياءِ ، وأصدقَ أتباع الأنبياءِ .
وقد أثنى الله تباركَ وتعالى على هؤلاءِ الأتباعِ أيَّما ثناء .. وأمرَ نبيَّه محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يُثنِّيَ على ذلك بِذِكْرِ فضائلِهم ومكانتهم وقَدْرِهم عند الله تباركَ وتعالى وعند رسولهِ صلَّى الله عليه وعلى آلهِ وسلَّم .
هؤلاء الأصحابُ أصحابُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم هم مَدَارُ حديثِنا في هذا اليومِ ..
مَنْ هم هؤلاء الأصحابُ ؟؟
كيفَ نعرفُهم ؟؟
مكانتهم  وفضلهم عند الله ؟؟
 مكانتهم وفضلهم عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ؟؟
وكذلك أنْ نعرفَ حقوقَهم علينا ؟؟
وكذلك أنْ نعرفَ التَّفَاضُلَ بينهم رضيَ الله عنهم أجمعين ؟؟
 أصحابُ الأنبياءِ هم الذين رأوا الأنبياءَ وتابعوهم على ما جاؤوا به منَ الحقِّ ، ولذلك عرَّف أهلُ العِلْمِ الصَّحابيَّ بأنه مَنْ لقيَ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو مسلمٌ وماتَ على ذلك .. كلُّ مَنْ لقيَ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مؤمناً به واستمرَّ على هذا الإيمانِ حتى توفَّاهُ الله تباركَ وتعالى فهذا يصحُّ أنْ يُقالَ عنه إنه صحابيٌّ ، وإنْ كانَ هؤلاء الصَّحابةُ يتفاوتون  مِنْ حيثُ كَثْرَة الملازمةِ وقِلَّتها ، فهناك مَنْ كانَ يُلازمُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ملازمةً تامَّةً حتى إنه لا يكادُ يفارقُه صلَّى الله عليه وسلَّم ،  ومنهم مَنْ كانتْ ملازمتُه دون ذلك ، ومنهم مَنْ كانتْ ملازمتُه بين فترةٍ وأخرى ؛ يرى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أو يجلسُ معه  ، ومنهم مَنْ رأى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وحادثَه ، ومنهم مَنْ رأى النَّبيَّ ولم يحادثْه صلواتُ الله وسلامُه عليه ؛ كَمَنْ حَجُّوا مع النَّبيِّ صلواتُ الله وسلامُه عليه ؛ أكثرُهم لم يكلِّموا النَّبيَّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم ، ولذلك نسمعُ كثيراً أنَّ الذين حَجُّوا مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في الحديثِ - مئةٌ وعشرون ألفاً بينما تجدُ الصَّحابةَ الذين ذُكِرُوا في كُتُبِ التَّراجمِ لا يتجاوزون الخمسةَ آلاف ، وذلك أنَّ البقيَّةَ وإنْ كانوا مِنْ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ولكنَّهم منْ عمومِ الأصحابِ ، على كلِّ حالٍ كلُّ هؤلاء يُقالُ لهم إنهم أصحابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم .
هؤلاء الأطهار قالَ الله تباركَ وتعالى فيهم : " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا .... (29) " سورة الفتح ، هذا ثناءٌ مِنَ الله تباركَ وتعالى على أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في ظاهرِهم ، " أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ " في ظاهرهم ، "  رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ " في ظاهرهم ، " تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا " فيما يظهرُ للنَّاسِ ، فنجدُ أنَّ الله تباركَ تعالى زكَّى ظاهرَهم ومدحَهم فيما يُظهرون ، ثم قالَ سبحانه وتعالى : " يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا " فزكَّى باطنَهم سبحانه وتعالى .
ثم ذكرَ جلَّ وعلا أنَّ هؤلاء الأصحاب كانَ الله تباركَ وتعالى قد نبَّه إلى ذِكْرِهم ، ذَكَرَهم في التَّوراةِ وذَكَرَهم في الإنجيلِ ، ولكنْ بالمثالِ فقالَ : " ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ " ، وأمَّا مثلُهم في الإنجيلِ فإنَّ الله ذَكَرَهم كذلك فقالَ : " وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ " فَذَكَرَهمُ الله تباركَ وتعالى إذاً في التَّوراةِ وفي الإنجيلِ تلميحاً وتصريحاً ، في أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم ، وزكَّى سبحانه وتعالى ظاهرَهم و زكَّى باطنَهم .
  ثم كذلك قالَ الله جلَّ وعلا في كتابهِ العزيزِ : " لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ .... (18) "سورة الفتح هذا في ظاهرِهم : " فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ " فزكَّى باطنَهم سبحانه وتعالى .
وهذا يردُّ على مَنْ يدَّعي أنه يدخلُ في هذا الخطابِ المؤمنون والمنافقون ، هذا كذب ، وذلك أنَّ الله تباركَ وتعالى لا يزكِّي باطنَ المنافقين كما قالَ سبحانه وتعالى : " إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ(1) " سورة المنافقون ، فكذَّبهم في دعواهم أمَّا هنا زكَّى باطنَهم سبحانه وتعالى فقالَ : " فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ " أي مِنَ التَّقوى والإيمانِ والاتِّباع والخيرِ ، ولذلك كانتِ النَّتيجةُ : ( فَأَنْزَلَ  السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا " ، هؤلاء أصحابُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم .
ونجدُ أنَّ الله تعالى شملَهم بهذا فقالَ : " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ....(100) "سورة التوبة ، الذين جاؤوا بعد ذلك ، لأنَّ هناك مِنَ المسلمين مَنْ هم مِنَ المهاجرين  مِنَ الصَّحابةِ ، وهناك مِنَ الصَّحابةِ مَنْ هم مِنَ الأنصار ، وهناك آخرون ليسوا مِنَ المهاجرين وليسوا مِنَ الأنصارِ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : " لا هجرةَ بعد الفَتْحِ " ، فهناك مِنَ المسلمين مَنْ لم يهاجرْ أصلاً ، آمنَ قبلَ الفَتْحِ ولكنَّه لم يهاجرْ ، وهناك مِنَ المسلمين مَنْ آمنَ بعد الفَتْحِ وأيضاً لم يهاجرْ ، لكنَّ الأوَّل و هو الذي آمنَ قبلَ الفَتْحِ ولم يهاجرْ مُقَصِّرٌ عَاصٍ ، ولذلك قالَ الله تبارك وتعالى : " إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا…. (97) " سورة النساء ، فكانتِ الهجرةُ واجبةً في بدايةِ الدَّعوةِ إلى المدينةِ .. إلى بيضةِ الإسلامِ ، ثم لما صارَ الفَتْحُ و نشرَ الله الخيرَ قالَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :"لا هجرةَ بعد الفَتْحِ ولكنْ جهادٌ ونِيَّةٌ " .
 إذاً فيه مجموعة لم تهاجرْ ، وفيه مجموعة لم تدركْ هذا الوقت وإنما أسلمتْ بعد الفَتْحِ ، هؤلاء اتَّبعوهم بإحسانٍ : " وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ....(100) " سورة التوبة ، والله تباركَ وتعالى لا يمكنُ أبداً أنْ يرضى عن منافقٍ أو يرضى عن كافرٍ .. سبحانه وتعالى ، فلا يرضى إلا عن المؤمنين .. عن المتَّقين .. سبحانه وتعالى .
ونجدُ كذلك أنَّ الله تباركَ وتعالى أثنى عليهم في مكانٍ آخرَ فقالَ جلَّ وعلا في ذِكْرِ الفيء ، فقالَ جلَّ ذِكْرُهُ : " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ... (8) " ، سورة الحشر .
انظروا دائماً الله تعالى يُرَكِّزُ على قضيَّةِ ما في باطنِهم " يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " ، فزكَّى الباطنَ و زكَّى الظَّاهرَ سبحانه وتعالى " أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ".
" وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ ..." وهم الأنصار
 " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) " ، سورة الحشر ، فهكذا ذَكَرَ الله تعالى المهاجرين  وهكذا ذَكَرَ الأنصارَ .. ثناءٌ عَطِرٌ .. ثناءٌ طَيِّبٌ مِنَ الله سبحانه وتعالى للمهاجرين  والأنصار .
  هؤلاء هم أصحابُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه و آلهِ وسلَّم .
جاءَ كذلك في الأحاديثِ ثناءٌ على أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وهو ثناءٌ عَطِرٌ كذلك
 *- مِنْ ذلك قولُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم : " النُّجومُ أمَنَةٌ للسَّماءِ ، فإذا ذهبتِ النُّجومُ جاءَ السَّماءَ ما تُوعدُ ، وأنا أمَنَةٌ لأصحابي ، فإذا ذهبتْ جاءَ أصحابي ما يُوعدون ، وأصحابي أمَنَةٌ لأمَّتي ، فإذا ذهبَ أصحابي جاءَ أمَّتي ما تُوعدُ " ، وهذا أخرجَه الإمامُ مسلم في صحيحهِ .
*- وأخبرَ صلَّى الله عليه وسلَّم : " أنَّ حُبَّ الأنصارِ إيمانٌ وأنَّ بُغْضَ الأنصارِ نِفَاقٌ " ، وهم مجموعةٌ كبيرةٌ مِنْ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم .
 
*- بل ذَكَرَ صلَّى الله عليه وسلَّم حديثاً عظيماً في بيانِ قَدْرِهم  ومكانتهم عند الله جلَّ و علا ؛ فقالَ صلواتُ الله وسلامُه عليه " لا تسبُّوا أصحابي ، فلو أنَّ أحدَكم أنفقَ مِثْلَ أحُدٍ ذهباً ما بلغَ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفَه "
" فلو أنَّ أحدَكم أنفقَ مِثْلَ أحُدٍ ذهباً ما بلغَ مُدَّ أحدِهم ولا نصيفَه "
تصوَّروا ، أحُد جبل عظيم في المدينة !!
النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ : " لو أنفقَ مِثْلَ أحُدٍ - بحجمه - ذهباً ما بلغَ مُدّاً " ، والمدُّ ما يملأ الكفَّين
مُدّ ..مجرَّد مُدّ !!
لا يبلغُ مُدّاً قدَّمه أحدُ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
ولو تأمَّل الواحدُ مِنَّا هذا الحديث بإمعانٍ لوجدَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم إنما قالَ هذا لصحابيٍّ عن صحابيٍّ .
وذلك أنَّ الصَّحابةَ رضيَ الله عنهم كما أنهم يتفاوتون في الفَضْلِ مع النَّاسِ ، كذلك يتفاوتون فيما بينهم ، لا يستوون عند الله تباركَ وتعالى كما قالَ الله جلَّ وعلا : " لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) " سورة النساء ، لا يستوون ، بل أكَّد هذا سبحانه وتعالى  بأوضحَ مِنْ ذلك فقالَ سبحانه وتعالى : " لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا(10) "سورة الحديد ، لا يستوون ، إذاً الذي أنفقَ وقاتلَ قبل الفَتْح أفضل مِنَ الذي أنفقَ وقاتلَ بعد الفَتْح ، فهم متفاوتون إذاً عند الله تباركَ وتعالى .
  ولذلك قالَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لخالدِ بنِ الوليد لما وقعَ خصامٌ بينه و بين عبدِ الرَّحمن بنِ عوف ، يقولُ له النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :" لو أنفقتَ ... "
يقولُها لخالدٍ !!
يقولُها لسيفِ الله !!
يقولُها لأبي سليمان !!
" لو أنفقتَ مِثْلَ أحُدٍ ذهباً ما بلغتَ مُدّاً قدَّمه عبدُ الرَّحمن بنُ عوفٍ ولا نصيفَه "
ما الفرقُ بين عبدِ الرَّحمن بنِ عوف و بين خالدِ بنِ الوليد ؟!
الفرقُ بينهما أنَّ بين إسلامِ عبدِ الرَّحمن بنِ عوف و إسلامِ    خالدِ بنِ الوليد تسعَ عشرةَ سنة ، تسعَ عشرةَ سنة قضاها عبدُ الرُّحمن بنُ عوف في الدَّعوةِ إلى الله ، والصَّلاة ، والعبادة ، والجهاد ، والدَّعوة إلى الله تعالى تباركَ وتعالى ؛ ما كانَ خالدٌ قضى مثلَها أبداً ، بل كانَ في ذلك الوقتِ على الشِّرْكِ .
فهل يستويان عند الله ؟؟
 لا يستويان عند الله تباركَ وتعالى .
فباللهِ عليكَ إذا كانَ النَّبيُّ الكريمُ صلواتُ الله وسلامُه عليه يقولُ لخالدٍ : " لو أنفقتَ مِثْلَ أحُدٍ ذهباً ما بلغتَ مُدَّ عبدِ الرَّحمن بنِ عوفٍ ولا نصيفه " فماذا يقولُ لنا نحن مع أمثالِ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ و عليٍّ الذين هم خيرٌ مِنْ عبدِ الرَّحمن بنِ عوف ؟؟؟!!!
ولذلك لا يَعْرِفُ قَدْرَ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم إلا مَنْ قرأ مِثْلَ هذه الآياتِ التي تلوناها الآن أو الأحاديث التي ذكرناها ونذكرُها الآن ، ليعرفَ العبدُ قَدْرَ أولئك القوم ومكانتَهم عند الله جلَّ وعلا و عند رسولهِ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم .
*- ولذلك عمَّ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابَه بمكرمةٍ فقالَ صلَّى الله عليه وسلَّم مخبراً عن حَقٍّ : " خيرُ النَّاسِ قَرْني ، ثم الذين يَلُونَهم ، ثم الذين يَلُونَهم " ، خيرُ النَّاسِ على الإطلاقِ بعد الأنبياءِ صلواتُ الله وسلامُه عليهم قَرْنُ النَّبيِّ الذين عاشوا معه صلواتُ الله وسلامُه عليه ، " خيرُ النَّاسِ قَرْني ، ثم الذين يَلُونَهم ، ثم الذين يَلُونَهم " ، هؤلاء الأصحاب قلنا يتفاوتون في القَدْرِ  والمكانةِ والفَضْلِ عند الله تباركَ وتعالى .
قد نَصَّ أهلُ العِلْمِ على أنَّ المهاجرين أفضلُ مِنَ الأنصارِ في الجملةِ ، جملة المهاجرين أفضلُ مِنْ جملة الأنصار ، ولذلك يقدِّم الله المهاجرين  على الأنصارِ في الذِّكْرِ ، وذلك أنَّ المهاجرين  أسلموا قبل الأنصارِ ، والمهاجرون كذلك تركوا الأوطانَ  والأموالَ والأولادَ و الزَّوجاتِ و كلَّ شيءٍ في سبيلِ الله تباركَ وتعالى ، ولذلك وَصَفَهُمُ الله تباركَ وتعالى في قولهِ : " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ " ، فلا ديارَ و لا أموالَ !!
لمنْ تركوا هذا ؟؟
لله سبحانه وتعالى .. تقرُّباً لله جلَّ وعلا .
فالمهاجرون  في الجملةِ أقربُ مِنَ الأنصارِ عند الله تباركَ وتعالى في الجملةِ ، وإنْ كانَ أفرادٌ مِنَ الأنصارِ لا شكَّ أنهم أفضلُ مِنْ أفرادٍ  مِنَ المهاجرين .
*- ولذلك لما نصَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على خيرِ عشرةٍ مِنْ أصحابهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وهم مَنْ يُقالُ لهم العشرة  المبشَّرون بالجنَّة ، ما فيهم أنصاريّ ، كلُّهم مِنَ المهاجرين ..كلُّهم مِنَ المهاجرين ، فقالَ : " أبو بكر في الجنَّة ، وعمر في الجنَّة ، وعثمان في الجنَّة ، وعليّ في الجنَّة ، وطلحة في الجنَّة ، و الزُّبير في الجنَّة ، وعبد الرَّحمن في الجنَّة - الذي هو عبد الرَّحمن بن عوف - وسعد بن مالك في الجنَّة - الذي هو سعد بن أبي وقَّاص  - وأبو عبيدة  في الجنَّة  - وصاحبُكم عاشرُهم يقولُ - سعيد  بن زيد - عن نفسه  " رضيَ الله عنهم أجمعين .
 هؤلاء العشرة هم خيرُ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم  وهم مِنَ المهاجرين جميعاً ، فالمهاجرون جملةً أفضلُ مِنَ الأنصارِ ، ثم أهل بدر أفضل ممنْ لم يحضرْ بدراً ، ثم أهل بيعة الرِّضوان  أفضل ممنْ لم يحضرْ هذه البيعة ، ثم أهل الفَتْح الذين أسلموا قبل الفَتْح أفضل مِنَ الذين لم يُسلموا قبل الفَتْح .
 فهم إذاً يتفاوتون في الفَضْلِ حتى كأفرادٍ .
 
 *- فقد نصَّ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على أنَّ خيرَ أصحابهِ أبو بكرٍ فقالَ : " لو كنتُ متَّخذاً مِنْ أهلِ الأرضِ خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكرٍ خليلاً " ، فنصَّ على فَضْلِهِ ومكانتهِ .
 
*-  ولذلك لما سُئِلَ عليّ بنُ أبي طالب رضيَ الله عنه : مَنْ خيرُ النَّاسِ بعدَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؟
 قالَ : أبو بكر .
 قالوا : ثم مَنْ ؟
قالَ : عمر .
 
*- ولما سُئِلَتْ عائشةُ رضيَ الله عنها : لو كانَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم استخلفَ كانَ مُستخلفاً مَنْ ؟
قالتْ : أبا بكر .
 
*-  ولما سألَ عمرو بنُ العاص النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن أحبِّ النَّاسِ إليه قالَ : عائشة .
 قالَ: و مِنَ الرِّجالِ ؟
قالَ : أبو بكر .
إذاً حتى أفاضل الصَّحابة يتفاوتون في الفَضْلِ عند الله تباركَ وتعالى ، وما كانَ هذا إلا لما وَقَرَ في قلوبهم  مِنَ الإيمانِ والتَّقوى  والدِّين واليقين .
*-  ولذلك كانَ يقولُ بكر المزنيّ : والله ما فاقَ أبو بكرٍ  أصحابَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم  بِكَثْرَةِ صلاةٍ  ولا كَثْرَةِ صيامٍ وإنما بشيءٍ وَقَرَ في قلبهِ .
فالقضيَّةُ إذاً قضيَّةُ إيمانٍ .. قضيَّةُ تقوى ، وقد نصَّ الله تباركَ وتعالى على ذلك فقالَ : " ....إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ...(13) " سورة الحجرات ، فكلَّما كانَ الإنسانُ أكثرَ تقوى كانَ أكثرَ قرباً عند الله تباركَ وتعالى .
 
أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم لهم علينا حقوقٌ
*- أوَّل هذه الحقوقِ التي تُطالعُنا هو أنْ نتقرَّبَ إلى الله تعالى بحبِّهم .. أنْ نحبَّهم ، ولذلك قالَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن الأنصار : "  لا يحبُّهم إلا مؤمنٌ ، ولا يُبغضُهم إلا منافقٌ " متَّفقٌ عليه .
وقالَ لعليٍّ رضيَ الله عنه خاصَّة : " لا يحبُّك إلا مؤمنٌ ، ولا يُبغضُك إلا منافقٌ "
فَمَنْ أحبَّ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَبِحُبِّ النَّبيِّ أحبَّهم .
ولذلك دائماً علماء أهل السُّنَّة  والجماعة الذين يكتبون في العقائدِ ويكتبون في السُّنةِ يذكرون مِنْ ضِمْنِ العقائدِ حُبَّ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
و حُبُّ أصحابِ محمَّدٍ بِرٌّ وتقوى وإيمان .. بِرٌّ وإيمانٌ .. وبُغضُهم كُفْرٌ وطغيان .
 فالقصدُ أنَّ أوَّل حقٍّ لأصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم علينا أنْ نحبَّهم في الله سبحانه وتعالى .
 
*- كذلك أنْ ننشرَ محاسنَهم ونكثرَ مِنْ ذِكْرِهم بالخيرِ .. وذلك أنهم أهلٌ لذلك ، فننشر محاسنَهم  بين النَّاسِ ، وقد كانَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يفعلُ ذلك ، ولنا في رسولِ الله أسوةٌ حسنةٌ ، فكانَ يُطريهم ويُثني عليهم أفراداً وجماعاتٍ ، بلِ الله جلَّ وعلا أثنى عليهم أفراداً وجماعاتٍ سبحانه وتعالى فقالَ : " وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) " سورة الليل .
" أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ ....(9)" سورة الزمر .
 وكذلك الله تباركَ وتعالى أثنى عليهم في الجملةِ :
" وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ "
" لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ "
" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ " .
 يُطريهمُ الله تباركَ وتعالى وينشرُ محاسنَهم جلَّ وعلا .
 
وكذلك النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُطريهم وينشرُ محاسنَهم  صلواتُ الله تباركَ وتعالى عليه
 " خيرُ النَّاسِ قَرْني  "
" النُّجومُ أمَنَةٌ للسَّماءِ .. أصحابي أمَنَةٌ لأمَّتي "
" يغدو فئامٌ مِنَ النَّاسِ فيُقالُ لهم : هل فيكم مِنْ صَحْبِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؟ فيقالُ : نعم ، فيُفتحُ لهم "
يُطريهم ، يُثني عليهم صلواتُ الله وسلامُه عليه .
ويُثني على أفرادِهم
" أبو بكر في الجنَّة ، وعمر في الجنَّة ، وعثمان في الجنَّة ، وعليّ في الجنَّة  "
حُبُّ عليٍّ إيمانٌ "
عمر ، عثمان ، أبو عبيدة ، الزُّبير حواريّ النَّبيِّ ، طلحة ، وهكذا يُثني عليهم .. يُطريهم صلواتُ الله وسلامُه عليه .
ولنا في رسولِ الله أسوةٌ حَسَنَةٌ ، فنُطريهم ، ونذكرُ محاسنَهم ، وننشرُها بين النَّاسِ .
 
*- كذلك مِنْ حقِّهم علينا أنْ نبغضَ مَنْ يُبغضُهم وبكلِّ سوءٍ يذكرُهم ، أنْ نُبغضَه تقرُّباً لله تباركَ وتعالى  ، فالحبُّ في الله  والبغضُ في الله أوثقُ عُرَى الإيمانِ .
 ولذلك ذكرَ أبو زُرْعَةَ الرَّازيّ : أنَّ الطَّاعنَ في أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم زنديقٌ ، لأنَّ الله أطراهم وأثنى عليهم فهو مكذِّبٌ لله  .. مكذِّبٌ لرسولهِ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم .
ونجدُ أنَّ الله تباركَ وتعالى مدحَ المؤمنين بماذا ؟
 عندما ذكرَ جلَّ وعلا الفقراءَ المهاجرين قالَ : " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " .
ثم ذكرَ الأنصارَ : " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ  " .
 ثم ذكرَ الذين مِنْ بعدِهم فقالَ : " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " .
فنذكرُهم إذاً بكلِّ خيرٍ إذا أردنا أنْ نكونَ مِنْ هذه الطَّائفةِ  الثَّالثةِ .
ولذلك لما ذُكِرَ لمحمَّد بنِ عليّ بنِ الحسين رضيَ الله عنهم - محمَّد الباقر - لما ذُكِرَ له مَنْ يتكلَّم في أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
 فقالَ لهذا المتكلِّم : أأنتَ مِنَ الذين قالَ الله فيهم : " لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ " ؟
 قالَ : لا .
قالَ : فأنتَ مِنَ الذين قالَ الله فيهم : " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ  " ، هل أنتَ مِنْ هؤلاء ؟
قالَ : لا .
قالَ : فَمَنْ لم يكنْ مِنْ هؤلاء ولا هؤلاء فلعلَّه أنْ يكونَ مِنْ هؤلاء : "  وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " ، فهل أنتَ مِنْ هؤلاء ؟؟
 فسكتَ الرَّجلُ .
فلا شكَّ أننا قد فاتنا أنْ نكونَ مِنَ المهاجرين ، وفاتنا أنْ نكونَ  مِنَ الأنصارِ ، ولكنْ لم يفتنا إلى الآن أنْ نكونَ مِنَ الذين جاؤوا مِنْ بعدِهم ؛ الذين : " يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ " .
فنقول : " رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " .
 
 وكذلك قلتُ أننا كما نحبُّهم ونذكرُ محاسنَهم نبغضُ مَنْ يذكرُهم بالسُّوءِ .
 ولذلك أخذَ الإمامُ مالك رحمه الله تعالى مِنَ الآيةِ وهي قول الله تباركَ وتعالى : " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ... " أخذَ منها حُكْماً في رجلٍ تنقَّص أصحابَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
 
فقالَ رحمه الله تعالى لما ذُكِرَ له رجلٌ يتنقَّصُ أصحابَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؛ فقرأ : " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ " ، ثم ذكرَ قولَ الله تباركَ وتعالى : " لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ " .
فقالَ : فلا يغتاظُ مِنْ أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم  إلا كافر بنصِّ القرآن ، بنصِّ القرآن لا يغتاظُ مِنْ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ولا مِنْ أصحابهِ إلا كافرٌ " لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ " أي بأصحابِ النَّبيِّ وليس بالزَّرعِ ، " يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ " الزَّرع ، ولكنْ " لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ " تعودُ إلى محمَّدٍ رسولِ الله والذين معه .
 
ونعودُ إلى ذِكْرِ قولِ أبي زُرْعَةَ لما قالَ : مَنْ رأيتَه يتكلَّم .. يطعن .. ينتقص ..  يسبُّ أصحابَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاعلمْ أنه زنديقٌ .
لماذا ؟؟
قالَ : لأنَّ الكتابَ والسُّنةَ إنما نقلَها لنا هؤلاء الصَّحابةُ .
كيف وصلَ إلينا القرآنُ ؟؟
 بِنَقْلِ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن النَّبيِّ ، واستمرَّ النَّقْلُ إلى أنْ وصلَ إلينا .
كيفَ وصلتْ إلينا السُّنةُ ؟؟
 بِنَقْلِ أصحابِ النَّبيِّ عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أنْ وصلتْ إلينا .
هؤلاء هم نَقَلَةُ القرآنِ والسُّنةِ ، فإذا طعنَ في دينِهم وأمانتِهم وصِدْقِهم فقد ردَّ الكتابَ والسُّنةَ ، لأنَّ هؤلاء إذا كانوا كذلك لا يُؤتمنون على كتابٍ ولا على سُنَّةٍ ، فهو إذاً يريدُ مِنْ خلالهم أنْ يطعنَ في الكتابِ و السُّنةِ .
ولذلك قالَ الإمامُ أحمدُ وغيرُه : معاويةُ قنطرةٌ مَنْ تجاوزَها وقعَ في جميعِ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
ولذلك مَنْ طعنَ في أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حقيقةِ الأمرِ هو لا يُريدُهم ولكنْ يريدُ ما نقلوه  مِنْ كتابٍ وسُنَّةٍ حتى لا يُوثق بهذا الكتابِ ولا يُوثق بهذه السُّنةِ التي نقلَها مَنْ ؟
هؤلاء .. أصحابُ صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم .
إذاً هؤلاء أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لهم حقوقٌ علينا يجبُ علينا أنْ نلتزمَها ، فمَنْ طعنَ فيهم و ردَّ قولَهم أو كفَّرهم  - والعياذُ بالله - فلا شكَّ في كُفْرِهِ .
ولذلك لما سُئِلَ الإمامُ أحمدُ رحمه الله تباركَ وتعالى عَمَّنْ يسبُّ  أبا بكر وعمر وعائشة ؟
قالَ : لا أراه على الإسلامِ .
ليس مِنَ المسلمين..الذي يسبُّ هؤلاء الصَّحابةِ رضيَ الله عنهم .
 
 فكيف بالذي يُكَفِّرُهم ويُخرجُهم مِنْ دائرةِ لا إله إلا الله ؟؟!!
 لا شكَّ أنه كافرٌ زنديقٌ الذي يُكَفِّرُ جُلَّةَ الصَّحابةِ  أبا بكر وعمرَ وعائشةَ وعثمانَ وعليّاً وطلحةَ والزُّبيرَ وأبا عبيدةَ وأبيّ بن كعب وغيرهم مِنْ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .. لا شكَّ أنه زنديقٌ خارجٌ مِنْ دائرةِ الإسلامِ .
 فهولاء هم أصحابُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم الذين يجبُ أنْ نعرفَ الحقَّ الذي لهم .
 
 وقد نبَّه بعضُ أهلِ العِلْمِ كشيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة وغيره إلى أنَّ سَبَّ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ينقسمُ إلى قسمين :
*- إلى سَبٍّ في دينِهم وطعنٍ في إيمانهم  .. هذا كُفْرٌ
*- وإلى سَبٍّ في أشخاصِهم ، كأنْ يتَّهم بعضَهم في الجبن أو البخلِ أو عدمِ الزُّهدِ أو عدمِ العِلْمِ أو غير ذلك مِنَ الأشياءِ الشَّخصيةِ التي تمسُّه ؛ فهذا فِسْقٌ وفُجُورٌ وليس بِكُفْرٍ مخرجٍ مِنَ الملَّةِ .
 
 نسألُ الله تباركَ وتعالى أنْ يجعلَ حُبَّ أصحابِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في  سُوَيداء قلوبنا ، وأن يميتَنا على ذلك ، وأنْ يبعثَنا على ذلك ، والله أعلى وأعلم ، وصلَّى الله وسلَّم وباركَ على نبيِّنا محمَّد .
 
تم تفريغ الدرس بواسطة الأخوات
فاعلة خير و  نازك  و عبق
شبكة المنهج تحت إشراف الشيخ //: عثمان بن محمَّد الخميس حفظه الله

عدد مرات القراءة:
1070
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :