آخر تحديث للموقع :

الجمعة 14 ربيع الأول 1445هـ الموافق:29 سبتمبر 2023م 09:09:39 بتوقيت مكة

جديد الموقع

عقيدة العصمة بين الإمام والفقيه عند الشيعة الإمامية - محمد الخطيب ..
الكاتب : محمد الخطيب ..

عقيدة العصمة بين الإمام والفقيه عند الشيعة الإمامية
د. محمد أحمد الخطيب

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد بن عبد الله على آله وصحبه ومن سار على هديه إلى يوم الدين، وبعد،

فإن معظم تعاليم الشيعة الإمامية وعقائدها تدور حول موضوع الإمامة وما يتصل بها من قضايا مثل عصمة الأئمة ورجعتهم بعد الغيبة. واهتمامهم بهذا الموضوع يعود إلى سعيهم لإثبات إمامة علي t وخلافته لرسول الله r، وأنه مستحق للإمامة عن طريق النص بالاسم، وأن غيره ممن تولى الإمامة وتقدموا عليه قد اغتصبوا الإمامة منه. لذا فقد ذهبوا إلى أن النبي r عيّن علياً للإمامة، وأن الأئمة من بعده هم أبناؤه من فاطمة على التعيين واحداً بعد واحد إلى الإمام الثاني عشر.

وقد أكدوا معتقدهم عندما جعلوا الإمامة أصلاً من أصول الإيمان، وجزءاً هماما من العقيدة، ومحتجين لذلك بأنه ليس في الإسلام أمر أهم من تعيين الإمام، ولم يكن للنبي r يفارق الدنيا قبل أن يحسم هذا الأمر، ذلك أن الإمامة نص من الله تعالى، وهي ليس الاختيار والانتخاب من الناس.

وبناء على هذا التصور للإمامة، فقد ذهب الشيعة إلى أن الإمام شخص

غير عادي في تكوينه ومنزلته، وإن الأئمة معصومون في كل حياتهم لا يرتكبون صغيرة ولا كبيرة، ولا يصدر عنهم معصية، ولا يجوز عليهم خطأ ولا نسيان، ونتيجة لهذه المكانة أصبحت أوامر الأئمة ونواهيهم شرعاً، وصاروا حجة الله على الخلق تجب طاعتهم وجب اتباعهم ابتداء بالإمام الأول عندهم (علي بن أبي طالب t)، وانتهاء بالإمامة الثاني عشر عندهم (محمد بن الحسن العسكري).

ومنذ أكثر من ألف عام ينتظر الشيعة الإمامية ظهور إمامهم الأخير المهدي الغائب (محمد بن الحسن العسكري)، الذي يدعون إنه غاب في سرداب قبل بلوغه، ليعود من جديد قبل يوم الدين فيقيم العدل ويرجع الحق المغصوب إلى أهله.

والذي دعا الشيعة إلى تبني فكرة (المهدي) والتركيز عليها، هو ما آلت إليه أحوالهم بعد اختفاء الإمام الثاني عشر سنة 265 هـ تقريبا، وعدم وجود إمامن يخلفه من عقبه، إذ خشي الشيعة أن يدب اليأس إلى نفوس اتباعهم وتتلاشى حركتهم، فكان لا بد من ربط الأتباع بأمل يتطلعون إليه في كل زمان ومكان، وكان ذلك الأمل هو ظهور المهدي الغائب.

لذلك فقد ارتبط الأمل بعودة الغائب في قلب كل شيعي من الاثنى عشرية ارتباطه بعقيدته، فهم منذ ذلك الوقت يأتون إلى ذلك السرداب الذي اختفى فيه، ويتلون الدعاء قائلين (عجل الله فرجك، وسهل مخرجك، وقرّب زمانك).

لكن ظهور فكرة ولاية الفقيه على مسرح الأحداث داخل المجتمع الشيعي المعاصر، خاصة بعد أن تولى وصاحبها زمام الأمور في إيران، جعل الكثيرين من علماء الشيعة ينظرون إلى ولاية الفقيه، وكأنها تهدم الأمل

-4 -

الأمل الذي انتظروه منذ مئات السنين، وتزعزع الثقة في عنصر هام من عقيدة الإمامة، ظالما دافعوا عنه وهو بطلان حق الأمة في اختيار الإمام.

ولما كانت ولاية الفقيه تلغي وبكل بساطة أمل الشيعة في ظهور الإمام الغائب، وتنص على أن نائب الإمام يختار من قبل الأمة، وله من المكانة والمنزلة ما للإمام، خاصة في أوامره ونواهيه.

لكل هذا فإن فكرة ولاية الفقيه كانت حدثاً خطيراً ف المجتمع الشيعي لا يجوز الاستهانة بأهميته، فقد أسقطت اللبنة الرئيسية في بناء الشيعي العقائدي حول الإمامة.

ولما لعصمة الإمام من أهمية في عقيدة الشيعة، باعتبارها صفة أساسية لازمة في حق أئمتهم، وبسببها استحقوا الإمامة، فإن إعطاء صفة العصمة للفقهاء المجتهدين يعتبر خرقاً خطيراً لتلك العقيدة، إذ يعني إبطال كل ادعاءات الشيعة السابقة في حق أئمتهم بالإمامة.

وذلك أن ولاية الفقيه قد أنزلت عقيدة العصمة من الإمام إلى الفقيه مما يد خرقاً في مبادئهم قد يؤدي إلى تهاوي البناء العقائدي لمفهوم الإمامة الذي بناء الشيعة طيلة القرون الماضية.

ولما كان مثل هذا الأمر يحتاج إلى دراسة موضوعية تتناول الموضوع من مختلف جوانبه في محاولة لفهم الدوافع والأسباب التي أدت إلى فكرة ولاية الفقيه فقد رأيت كتابة هذا الكتاب وقد ضمنته النقاط التالية:

1 - لمحة موجزة عن الإمامة عند الشيعة

2 - تعريف العصمة.

3 - نشأة فكرة العصمة.

4 - أدلة الشيعة على عقيدة العصمة والردّ عليها.

5 - ولاية الفقيه في ولايته.

-5 -

6 - صلاحيات الفقيه في ولايته.

7 - اعتراضات علماء الشيعة على ولاية الفقيه.

8 - الخاتمة.

راجياً من الله أن أكون وفقت في دراسة هذا الموضوع من جميع جوانبه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

-6 -

لمحة عن الإمامة عند الشيعة

إن حجر الزواية الذي قام عليه البناء العقائدي للشيعة كان موضوع الإمامة، في محاولة منهم لإثبات إمامة علي t بعد النبي r ، عيّن علياً للإمامة بالاسم والتعيين المباشر، وأن هذا لا يعتصر عليه بل يتسلسل في الأئمة الاثنى عشر من ولده.

واعتقد الشيعة أيضاً أن الإمامة لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان النبي r أو لسان الإمام الذي قبله، وأنها ليست بالاختيار أو الانتخاب من الناس، وبناء على هذا فقد ذهبوا إلى القول ببطلان إمامة أبي بكر وعمر وعثمان y .

وقد دافع الشيعة عن هذا المعتقد دفاعاً حاراً، فاعتبروا أن نصب الإمام واجب على الله، وهو من لطف الله بعباده، وكل لطف واجب على الله تعالى (1)، لأن وجود إمام عادل وحاكم كامل يمنعهم من المحظورات، ويحثهم على الطاعات، ويجعلهم أقرب إلى الطاعة وأبعد من المعصية، لا يكون إلا باختيار الله عز وجل.

ولما كان نصب الإمام لا يكون إلا بالنص والتعيين، فقد أكثر علماء الشيعة في إثبات فكرة تعيين الله للإمام من جهة ونقد مبدأ الاختيار من جهة أخرى، مستندين في إثبات فكرتهم إلى أدلة تأولوها من القرآن الكريم (2).

ومما استدل به الشيعة قوله تعالى: ((وربك يخلق ما يشاء ويختار ما لهم الخيرة)) (3).

-7 -

فذهبوا إلى أن الآية تشير أنه ليس للناس الخبرة في أي شيء مما يرجع حكمه وأمره إلى الله فهو الذي يختار من يشاء للنبوة والإمامة. غير أن هذه الآية بظروف نزولها على اختيار الله للأنبياء دون الأئمة، وقد أجمع المسلمون قاطبة على أن اختيار الأنبياء موكل إلى الله (4).

ومن الآيات التي احتج بها الشيعة قوله تعالى: ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراُ أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيدا)) (5).

فذهبوا إلى أن الآية تشير إلى أنه إذا كانت الإمامة مما قضى الله ورسوله تركه، فهي كغيرها من الوظائف الدينية التي قضيا بها ولم يتركها، فليس للناس الخيرة في نفيها أو إثباتها (6). مع أن مناسبة نزول الآية كان عندما أتى رسول الله r زينب بنت جحش يخطبها لزيد بن حارثه فاستنكفت منه، فأنزل الله هذه الآية (7).

وكما يقول الدكتور أحمد صبحي: " فإن متكلمي الشيعة قد خلطوا في الاستدلال بهذه الآية بين ما تركه الله ورسوله r فلم يقضيا به، وبين ما نهيا عنه، فإن الإمامة إن لم يقض الله ورسوله فيها بالنص فلا يعني ذلك أنهما نهيا عن إقامتها أو اختيار الإمام " (8).

وإلى جانب ما استدل به الشيعة من آيات، فقد قدموا كذلك العديد من الحجج العقلية لإثبات أن الإمامة بالنص لا بالاختيار، وهذا الطوسي الملقب بشيخ الطائفة عندهم يصل إلى نتيجة مفادها أن وجود الإمام ضروري، لأن الشريعة مؤيدة، وعلى هذا فلا بد لها من حافظ، ثم يقول: " وليس يجوز أن يكون الحافظ لها الأمة، لأن الأمة يجوز عليها السهو النسيان، وارتكاب الفساد العدول عما علمته، فإذاً لا بد لها من حافظ معصوم يؤمن من جهته

-8 -

التغيير والتبديل والسهو، ليتمكن المكلفون من المصير إلى قوله (9).

وقد استفادت الشيعة من فكرة المهدي المنتظر، وأسندوها إلى آخر أئمتهم (محمد بن الحسن العسكري)، الذي يقولون بأنه دخل السرداب بسامراء بعد موت أبيه ثم اختفى وغاب، ومما يذكر أن هذا الإمام لم يكن يتجاوز عمره الخمس سنوات على أكثر تقدير.

" وللمهدي الغائب عندهم غيبتان: الغيبة الصغرى، والغيبة الكبرى" (10)

أما الغيبة الصغرى، فقد استمرت مدة تزيد على السبعين عاماً، وكان على اتصال مع اتباعه عن طريق وكلائه ونوابه الأربعة الذين تولوا النيابة واحداً بعد الآخر - على حد زعم الشيعة -.

والشيعة أطلقوا على هؤلاء النواب (السفراء) فكانوا يحملون الأموال إليهم لإيصالها إلى صاحب الزمان، ويكتبون رسائل يستفتون فيها عن مسائل علمية ودينية اشكلت عليهم، وسفراء صاحب الزمان يدخلونها عليه وبعد أيا يحضر المستفتي فيجد الجواب قد خرج بتوقيع صاحب الزمان وخطه على تلك الأسئلة (11).

وقد أورد الكليني في باب الغيبة واحداً وثلاثين حديثا عن أئمتهم في موضوع الغيبة منها:

" عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد الله يقول: يفقد الناس إمامهم، يشهد الموسم فيراهم ولا يرونه ".

وعنه أيضاً " للقائم غيبتان، يشهد في إحداهما المواسم، يرى الناس ولا يرونه ".

وعن إسحاق بن عمار قال: أبو عبد الله " للقائم غيبتان "إحداهما قصيرة

-9 -

والأخرى طويلة، الغيبة الأولى مكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه (12).

ووقت اختفاء الإمام الغائب واضح فيما أورده الكليني عن أبي جعفر محمد بن علي عندما سئل عن تفسير قوله تعالى: ((فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس)) (13): الكوثر"، فقال:" إمام يخنس سنة ستين ومائتين، ثم يظهر كالشهاب يتوقد في الليلة الظلماء، فإن أدركت زمانه قرّت عينك " (14)

وقد أفرد شيخ الطائفة (الطوسي) كتاباً خاصاً في موضوع الغيبة، تحدث فهيا بإسهاب عن غيبة صاحب الزمان، وعن مدة غيبته الصغرى، وعن سفرائه فيها الذين هم الأبواب بينه وبين شيعته، كما تحدث عن وقوع الغيبة الكبرى، وقد كان ذلك بخروج توقيع القائم صاحب الزمان هذا، على يد أخر سفير من سفرائه وهو محمد بنعلي السمري (15).

وقد بقي الشيعة هذه المدة الطويلة بلا إمام معصوم، وإنما ينتظرون إمامهم الغائب، ويدعون الله له بتعجيل الفرج، ولكن غيبة المهدي المنتظر قد طالت، مما فتح الباب على مصراعيه للمدعين الذين كانوا يزعمون أنه الباب إلى الإمام أو الإمام الغائب نفسه أمثال أحمد الإحسائي، وكاظم الرشتي، وعلي الشيرازي وغيرهم.

وقد ظهر صاحب كتاب الحكومة الإسلامية لعيلن فكرة تحولت فيما بعد إلى حقيقة، حاول فيها أن يوفق عقيدة الشيعة القائلة بغيبة الإمام الثاني عشر، وأن الحكم لا يكون إلا لنبي، أو إمام، وبين القول بتشكيل حكومة إسلامية، والإمام الغائب لم يظهر بعد، وبذلك ظهرت فكرة ولاية الفقيه، التي سنتحدث عنها بالتفصيل إنشاء الله بعد موضوع العصمة.

-10 -

تعريف العصمة

العصمة في لغة العرب تعني المنع، يقال عصمه بعصمة عصماً أي منعه ووقاه، واعتصم فلان بالله إذا امتنع به أو بلطفه من المعصية، وقبل ملكة تكف بها النفس عن المعاصي والذنوب، أو خلق مانع من المعاصي (16)، يقول الرازي: " الاعتصام بالشيء في منع نفسه من الوقوع في آفة (17).

وعرفها الشيعة: " بأنها قوة في العقل تمنع صاحبها من مخالفة التكليف مع قدرته على مخالفته (18).

نشأة فكرة العصمة

تبدو فكرة العصمة عند الشيعة ردة فعل تجاه مخالفيهم في قضية إمامة علي t وبقية الأئمة، فقد ظهرت هذه الفكرة كصفة ملازمة للإمام، ترد له اعتباره وتسمو به عن بقية الناس (19) ويعلل (دونالدسن) المستشرق وصاحب كتاب عقيدة الشيعة الأمر " بأن الشيعة لكي يثبتوا دعوى الأئمة تجاه الخلفاء الذين أظهروا عقيدة عصمة الرسل بوصفهم أئمة هداة " (20).

ويعتبر هشام بن الحكم (21) من الذين تكلموا بالنص على الإمامة، وعلى عصمة من يتولاها، ذلك أن الأئمة لا يوحى إليهم، فلا يجوز عليهم السهو والخطأ (22)؟! ويبرر عصمتهم بقوله: " إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه، الحرص والحسد والغضب والشهوة، وكلها منفيه عن الإمام، فلا يجوز أن يكون حريصاً على هذه الدنيا، وهي تحت خاتمه لأنه خازن المسلمين،

-11 -

ولا يجوز أن يكون حسوداً والإنسان يحسد من فوقه وليس فوقه أحد، ولا يجوز أن يغضب غلا غضبه لله عز وجل ولا يجوز أن يتبع الشهوات ويؤثر الدنيا والله حبب إليه الآخرة (23).

ومع أن عقيدة العصمة عند الشيعة تبدو في ظاهرها أمراً يتعلق بأبحاث العقائد والشرائع، لكنها في الحقيقة ذات صلة بالسياسة، ولم يكن ظهورها بين متكلمي الشيعة إلا لهذا الغرض المتعلق بأئمتهم وأحقيتهم بالخلافة.

ويدل على هذا، أن علماء الشيعة قد أثبتوا وجوب عصمة الأئمة قبل الكلام عن عصمة الأنبياء، فعقيدتهم في عصمة الأنبياء واجبة لأن ما يلزم للإمام يلزم للنبي من باب أولى (24)، فالنبوة لطف خاص، والإمامة لطف عام، وليست عصمة الإمام بأقل أولوية من عصمة الرسول، لأن انتفاء العام أكثر شراً من انتفاء الخاص، إذ ضرر انتفاء العام لطوله ودوام زمنه أشد من ضرر انتفاء الخاص (25).

يضاف إلى ذلك أن عصمة الإمام كانت مبرراً للتدليل على t أحقية علي وأفضليته للإمامة من الصحابة الذين بايعهم المسلمون للخلافة، ولذلك اتجهوا إلى الدفاع عن عصمة الرسل بصفتهم أئمة كما جاء في وقوله تعالى: ((إني جاعلك للناس إماما)) (26).

ويعتبر الكليني في كتابه (الأصول من الكافي) من أوائل كتاب الشيعة الذي أسهبوا في بحث موضوع عصمة الأئمة واسبغوا عليهم صفات لم يصلها إلا الأنبياء، فالإمامة في نظره أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وامنع جانباً وابعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، لذا فقد خصّ الله عز وجل بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة، فهي مثل

-12 -

منزلة الأنبياء، ومن أجل هذا فالإمام مطهّر من الذنوب، مبرأ من العيوب، مخصوص بالعلم، وموسوم بالحلم، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل ولا له نظير (27).

فالإمامة عند الشيعة كالنبوة من المناصب الإلهية التي تحتاج إلى النصب من الله تعالى، فكما أنه ليس للناس أن يختاروا نبياً لأنفسهم فكذلك ليس لهم ولا من حقهم إطلاقاً أن يختاروا لأنفسهم إماماً. حتى أن بعض علمائهم يرى أن الإمامة تابعة للنبوة بل أفضل منها، لأن إبراهيم عليه السلام لم ينل مرتبة الإمامة ولم يطلبها إلا بعد أن نال النبوة (28).

ومما يؤكد حقيقة صلة العصمة بالسياسة، ما ذكره الدكتور موسى الموسوي، وهو أحد من علماء الشيعة المعاصرين، من أن العصمة التي نسبت إلى الأئمة كان الغرض منها تثبيت تلك الروايات التي تتنافى مع العقل والمنطق، والتي نسبت إلى الإمام كي يسد بها النقاش ف محتواها على العقلاء والأذكياء، ويرغم الناس على قبولها لأنها من معصوم لا يخطئ. فهناك أمور نسبتها كتب الشيعة إلى الأئمة وامتلأت بها كتب الروايات الموثوقة عندهم مثل الكافي في الأصول، والوافي، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه وغيرها، وفيها الكثير من الغلو من أجل إثبات عقيدة العصمة (29).

وهكذا فإن اعتناق الشيعة لعقيدة العصمة كان أمراً لازماً لإثبات إمامة أئمتهم، خاصة عندما لم يجدوا مفراً من إثبات كل تلك الروايات التي تمتلئ بها كتب الشيعة عن علم الإمام وقدرته وأوصافه التي لم يصلها إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

ومما يذكر في هذا المجال، أن الشيعة اختلفوا في مرجع العصمة، وهل من فعل الله أو من استعداد المكلف - أي الإمام -؟! وبالرغم من أن هشام

-13 -

بن الحكم قد استدل على أن الأئمة لا يوحى إليهم، إلا أن متكلمي الشيعة الذين جاؤوا من بعده رأوا أن الله عز وجل يرسل الوحي إلى الأئمة من أجل عصمتهم وعدم وقوعهم في الخطأ، فقد روى الشيخ المفيد في الاختصاص عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله يقول: لولا إنا نزداد لأنفدنا (30)، فقلت تزدادون شيئا ليس عند رسول الله r ؟ فقال: إذا كان ذلك أتى رسول الله r فأخبره. ثم أتى علياً فأخبره، ثم إلى واحد بعد واحد حتى ينتهي إلى صاحب الأمر؟! وفي رواية فيأتي به الملك رسول الله r فيقول: يا محمد ربك يأمرك بكذا وكذا، فيقول انطلق إلى علي، فيأتي علياً فيقول: انطلق به إلى الحسن، فلا يزال هكذا ينطلق به إلى واحد بعد واحد حتى يخرج إلينا (31).

-14 -

أدلة الشيعة على عقيدة العصمة والردّ عليها

يأتي الشيعة بأدلة نقليه وعقلية لإثبات عقيدتهم في عصمة الأئمة، ومن جملة أدلتهم النقلية:

1) قوله تعالى لإبراهيم عليه السلام ((إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال لعهدي الظالمين)) (32). فقالوا: هذه الآية تدل على ان الإمام لا يكون إلا معصوما عن القبائح، لأن الله سبحانه تعالى نفى أن ينال عهده - الذي هو الإمامة - ظالم، ومن ليس بمعصوم فقد يكون ظالما أما لنفسه وأما لغيره … والله سبحانه عصم اثنين فلم يسجدا لصنم قط وهما: محمد r، وعلي بن أبي طالب t، فلأحدهما كانت الرسالة، وللآخر كانت الإمامة (33) فالإمام يجب أن يكون معصوماً، لأنه لو جاز عليه الخطأ لافتقر إلى إمام آخر يسدده، فلم تستقم هدايته، ولم تتضح حجته، وكان كغيره من العلماء (34).

وقد ردّ على استدلالهم، بأن الآية تدل على أن إبراهيم عليه السلام جعله الله رسولاً يقتدى به، وليس فيه دلالة على ما ذهب إليه الشيعة، لأن أهل الأديان مع اختلافهم يدينون به، ويقرّون بنبوته، فالإمامة تعني الاقتداء به عليه السلام. وأما العهد الذي ذكرته الآية الكريمة فتعني إنه لن ينال طاعة الله عدوّ له يعصيه، ولا يعطيها إلا لولي له يطيعه (35).

-15 -

أما قولهم بأن غير المعصوم لا بد أن يكون ظالماً … فهو غير مسلم به فبين العصمة وعدم الظلم فرق شاسع، فالمخطئ قبل التكليف ليس ظالماً ولا يحاسب الاتفاق، فمن كفر أو ظلم ثم تاب وأصلح، لا يصح أن يطلق عليه (كافر) أو (ظالم) في لغة أو عرف أو شرع، كما أن الظلم اسم ذم، ولا يجوز أن يطلق إلا على مستحق اللعن لقوله تعالى: ((ألا لعنه الله على الظالمين)) (36).

2) قوله تعالى: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)) (37)، حيث يرى الطبري في تفسيره: أن أهل البيت في الآية مقصورة على النبي r وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين t، ليصل بعد ذلك إلى أن الأئمة معصومون من جميع القبائح، فالآية تقتضي المدح والتعظيم وفي ثبوت عصمة أهل البيت ومنهم الأئمة من جميع القبائح (38).

وقد اعترض على استدلالهم، بأن المقصود بالآية هؤلاء الخمسة فقط، فالواضح من سياق الآيات السابقات لهذه الآية، والآية التي بعدها تشير إلى أنها نزلت في نساء النبي r ((يا نساء النبي لستن كأحد من النساء)) (39)

وروى أن حصين بن سبرة سأل زيد بن أرقم عن أهل بيت النبي r ، فقال له: أهل بيته من حرّم الصدقة عليه، وهم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، فهم أصله وعصبته (40)، وآية التطهير في نساء النبي وغيرهن من أهل البيت كما دلّ حديث زيد بن الأرقم t هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس y. ولا قائل بعصمة هؤلاء، وتخصيص الخمسة يحتاج إلى دليل. وإذا تمت لهؤلاء فكيف تتم العصمة لأولادهم وأحفادهم؟!

يضاف إلى ذلك أن الأحاديث التي ذكرت واقعة الكساء بينت أن الرسول

-16 -

r جمع أهل الكساء، ودعا لهم بان يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا، فإن كان إذهاب الرجس قد حصل والتطهير قد تم بالعصمة، فما الحاجة إلى الدعاء؟! ويزيد على ذلك أن آية التطهير واقعة بين آيات فيها الأمر والنهي، مما يؤكد أن فعل الطاعات، واجتناب المعاصي يؤدي إلى إذهاب الرجس وحدوث التطهير، ويؤيده أيضا ما روى: أن النبي r كان يمر ببيت فاطمة رضي الله عنها ستة أشهر كلما خرج إلى الصلاة يقول: الصلاة أهل البيت ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت 00)) الآية (41)، وهنا يبدو الربط بين الأمر بالصلاة وحرض الرسول r على إذهاب الرجس عن أهل بيته بها (42).

بل إن أحوال أئمة الشيعة وأقوالهم تشهد على عدم عصمتهم، فعلي t - وهو الإمام الأول عندهم - اختلف معه ابنه الأكبر (الحسن) t- وهو الإمام الثاني عندهم - في مسألة أخذه البيعة من الناس بعد استشهاد عثمان t ، ويلزم من ذلك أن واحداً منهما كان مصيباً، والثاني كان مخطئاً 000 ولقد ثبت أن علياً t صوب رأي الحسن بعد وقعة الجمل وتأسف على عدم أخذه برأي الحسن (43).

وقد ورد أن الحسين t - وهو الإمام الثالث عندهم -، كان يظهر الكراهية لصلح أخيه الحسن مع معاوية رضي الله عنهما، بل أبدى لومه لأخيه على ذلك (44). ولو كان الحسين t يعلم بعصمة أخيه لم قال ذلك، لكن الحسن لم يلتفت إلى رأي الحسين وصالح معاوية.

وقد روي في الكافي أن أئمة الشيعة كانوا كثيراً ما يفتون في قضايا

-17 -

لخاصتهم خلاف ما أنزل الله وما بينه الرسول r ، وخلاف ما كانوا يرونه، وذلك صيانة لأنفسهم وحفاظاً على حياتهم (45). ومع فرض وجود المعصوم عند الشيعة فإننا نجد الاختلاف في الفروق عندهم، وهذا يدل على أن الأئمة عندهم كانوا يجتهدون، والعصمة تعني أن لا يكون من الإمام اجتهاد، لأن علمه إلهامي فانتفى معه الاجتهاد (46).

أما أدلتهم العقلية، فإنه تستند إلى أن العقل يقضي عدم ترك أمر اختيار الإمام للأمة لعدم عصمتها، ومن تلك الأدلة على سبيل المثال (47):

1) أن الخطأ من البشر ممكن، فإذا أردنا رفع الخطأ الممكن يجب أن نرجع إلى المجرد من الخطأ وهو المعصوم.

2) لو ثبتت عصمة الأمة، لما كانوا بحاجة إلى إمام، لأن الفكرة في وجوب وجود الإمام ترجع إلى صدور الخطأ من المكلفين.

3) لو أن الأمة توجهت منزهة عن كل غرض وهوى للنفس لاختيار الإمام، فإن الخطأ إذا كان جائزاً على كل فرد، فقد جاز الخطأ على المجموع، وبذلك تخطئ الأمة فلا تعطي المستحق وتختار غيره.

بيد أن أدلة الشيعة العقلية، قد أثارت عليهم أيضاً موجه من النقد، فدليلهم الأول القائم على أن رفع الخطأ لا يتم إلا بالرجوع إلى المعصوم، لا يسلم به لأن الحاجة إلى الإمام ليست بسبب جواز وقوع الخطأ على الأمة فالإجماع عند أهل السنة معصوم لاستحالة اجتماع الأمة على الخطأ، وإذا جاز الخطأ على بعض الأمة فإن هذا لا يفيد جواز الخطأ على المجوع، لأن الأمة ليست

-18 -

مجرد مجموع أفراد، فكما أن الواحد لا يقدر على قتال العدو فإذا اجتمع عدد قدّروا، كان ذلك دليلا على أن الكثرة تؤثر قوة وعلما، لهذا فإثبات العصمة للمجموع أولى من إثباتها للفرد (48).

فعلماء السنة يشترطون في الإمام العدالة الظاهرة، فمتى أقام في الظاهر على موافقة الشريعة كان أمره في الإمامة منتظماً، ومتى زاغ عن ذلك كانت الأمة عياراً عليه في العدول به من خطأه إلى صواب (49).

وأما دليلهم الثاني القائم على أنه لو ثبتت عصمة الأمة لما كانوا في حاجة إلى إمام، ويرد الرازي على ذلك بقوله: لو كان المعصوم في غيرا حاجة إلى إمام، لما كان علي وأنتم تثبتون له العصمة مدى الحياة في حاجة إلى الرسول r، وهذا باطل لأنكم تسلمون أنه كان إليه محتاجا وبه مؤتماً (50).

وهكذا يحتج الشيعة لمعتقدهم الأئمة، بأن العلة التي لأجلها كانت الحاجة للإمام هي عدم عصمة الأمة، فلو يم يكن الإمام معصوماً لكانت الحاجة إلى إمام معصوم آخر (51)، والآيات التي يحتج بها الشيعة يرون فيها دليلا على أن تصيب الأئمة مرجعه إلى الله، ولم يعط صلاحية شيء من ذلك إلى غيره مطلقاً، فكما أنه ليس للناس أن يختاروا نبياً لأنفسهم فكذلك ليس لهم أن يختاروا لأنفسهم إماما، لذا لا بدّ أن يكون الإمام معصوماً عن الخطأ، ذلك أن غير المعصوم لا يرجع إليه، ولا يؤخذ برأيه في مسائل الخلاف، لأنه يخطئ ويصيب فصار كغيره من العلماء (52).

وبناء على هذا فلا يجوز - كما يرى الشيعة - توكيل الأمر بالإمامة إلى أفراد الأمة، أو إلى أهل الحل والعقد منهم، فالعقل السليم يوجب أن يكون

-19 -

الإمام مكتنفاً بشرائط من النفسيات الخفية والملكات التي لا يعلمها إلا العالم بالسرائر كالعصمة والقداسة الروحية (53).

ولكن البغدادي ناقش الشيعة في قضية هامة هي بيعة الحسن لمعاوية، فقال: " فإذا سئلوا عن بيعة الحسن لمعاوية لم يمكنهم أن يقولوا أنها كانت صوابا، لأن هذا القول يوجب تصحيح ولاية معاوية وهو عندهم ظالم كافر، ولم يمكنهم أن يقولوا أنها خطأ فيبطلوا عصمة الحسن " (54).

وهكذا فإن البغدادي يبين أن إدّعاء العصمة لأئمة الشيعة تفتقر إلى دليل، وبل أن أفعال الأئمة تدل على خطأهم واعترافهم بذلك، وهذا بلا شك مخالف لمذهبهم في العصمة.

-20 -

ولاية الفقيه وأدلّتها

واضح مما سبق، أن الفكر الشيعي في أدلّته أنكر على الأمة الحق في اختيار الإمام لأمرين، أولهما: أن الإمام لا بدّ أن يكون معصوماً، لأن تنصيبه راجع إلى الله عز وجل، وثانيها: أن الأمة ليست معصومة، فكيف لها أن تختار معصوما؟!

ومع أن الشيعة الإمامية في جميع كتبهم المعتبرة رأوا هذا الرأي، ومنعوا الأمة من اختيار الإمام لكل الأسباب والأدلة التي ذكرت فيما سبق، لكن نظرية ولاية الفقيه قلبت مفهوم الشيعة رأساً على عقب خاصة فيما يتعلق باختيار الأمة للإمام أو نائبه، وفيما يتعلق أيضا بالصلاحيات المطلقة المعطاة لنائب الإمام وكأنه المعصوم نفسه. إضافة إلى أن هذه النظرية تعني نسخ عقيدة الشيعة في انتظار المهدي الغائب.

ومن الواضح أن ظهور هذه الفكرة على يد الخميني كانت نتيجة الإحباط واليأس في نفوس الشيعة لطول المدة التي انتظروها لظهور صاحب الزمان، ولذلك جاء تبرير الخميني لفكرته تظهر هذا اليأس الي ملأ قلوب الشيعة، ومما قاله الخميني:

" قد مرّ على الغيبة الكبرى لإمامنا المهدي أكثر من ألف عام، وقد تمر ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظر، في طول هذه المدة المديدة هل تبقى أحكام الإسلام معطلة؟ يعمل الناس من خلالها ما يشاؤون، القوانين التي صدع بها نبي الإسلام r وجهد في نشرها وبيانها

-21 -

وتنفيذها طيلة ثلاثة وعشرين عاماً، هل كان كل ذلك لمدة محدودة؟ أن يخسر الإسلام من بعد الغيبة الصغرى كل شيء؟ الذهاب إلى هذا الرأي أسوأ في نظري من الاعتقاد بأن الإسلام منسوخ 000" (55).

لذا يتساءل بعد ذلك فيقول: فما هو الرأي وما هو الخروج؟! ويجيب بأن خصائص الحكم الشرعي يمكن توافرها في أي شخص مؤهل لحكم الناس، وهذه الخصائص هي العلم بالقانون، والعدالة، وهذه موجودة في معظم الفقهاء المجتهدين؟! 000 ومن خلال هذه المقدمة يصل صاحب كتاب الحكومة الإسلامية إلى نتيجة مفادها أن الفقيه العالم العادل يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي r ، وواجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا، ويملك هذا الفقيه من أمر الإدارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه عليه الصلاة والسلام وأمير المؤمنين (علي بن أبي طالب) t (56) .

وقد افتضح الخميني في كتابه عن محاولة لنسخ عقيدة انتظار الإمام الغائب التي عاش عليها الشيعة أكثر من ألف عام ومحاولة الالتفات عليها، ولكن تبريرات الخميني لولاية الفقيه في هذا النص تظهر أموراً في غاية الأهمية وهي (57):

1) إن عصر الغيبة للمهدي المنتظر قد طال أمده، وربما يطول أحقاباً، فقد مضى عليه 1200 عام.

2) أن الشيعي قد أصابه اليأس، فلا يملك إلا أن يدعو الله له بتعجيل الفرج.

-22 -

3) إن عقيدة الشيعة قائمة على عدم وجود حكومة أو طلب تكاليف من الناس حتى يظهر الإمام.

4) يقرّر الخميني أن عقيدة انتظار ظهور الإمام فساد للمجتمع لأنه يترك الناس هملا يعملون ما يشتهون من دون راع لهم، لعدم وجود الحاكم الذي يقيم حكم الله بينهم.

5) يقرّر الخميني أيضا في هذه العقيدة نسخ للشريعة الإسلامية، لأنها تقرّر أن أحكام الشريعة جاءت محدودة بمدة قرنين من الزمان.

والإثبات صحة هذه النظرية من خلال الفكر الشيعي، يأتي آية الله الخميني بأدلة وحجج كثيرة يدعم بها نظريته منها:

1 - قوله تعالى: ((وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)) (58) فقال: إن الخطاب موجّه إلى من يمسكون الأمور بأيديهم، وليس خطاباً لقضاة، لأن القضاة جزء من الحكومة (59).

2 - إن ولاية الفقيه على الأمة لا تختلف عن ولايته على الصغار، فكما يعتبر الشرع الفقيه أو القاضي قيما على الصغار، فالقيم على شعب بأسره لا تختلف مهمته عن القيم على الصغار إلا من ناحية كمية (60)، خاصة أن الفرص لمتسنح للأئمة للأخذ بزمام الأمور وكانوا بانتظارها حتى آخر لحظة من الحياة، فعلى الفقهاء العدول أن يتحيّنوا الفرص وينتهزوها من أجل تنظيم حكومة رشيدة وتشكيلها (61).

3 - حديث يأتي به الخميني ويرويه عن علي بن أبي طالب t، عن رسول الله t قال " اللهم ارحم خلفائي - ثلاث مرات - قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي، يروون حديثي وسنتي فيعملونها

-23 -

الناس من بعدي " فالحديث كما يرى الخميني يقصد به أولئك الذين يسعون في نشر علوم الإسلام وأحكامه، ويعلمونها الناس، ولا علاقة لها بنقلة الحديث ورواته المجرّدين عن الفقه، فالمقصود هم فقهاء الإسلام الذين يجمعون إلى فقههم وعلمه العدالة والاستقامة في الدين 000 ليصل في نهاية المطاف إلى نتيجة وهي أن دلالة الرواية واضحة في ولاية الفقيه وخلافته في جميع الشؤون (62).

4 - حديث يرويه عن الكافي في الأصول: أن رسول الله r قال: الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا؟! قيل يا رسول الله: وما دخلوهم في الدنيا؟ قال::إتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم 000 ربما أن حكومة الإسلام هي حكومة القانون فالفقيه هو المتصدي لأمر الحكومة لا غير، وهو ينهض بكل ما نهض به الرسول r لا يزيد ولا ينقص، فالفقهاء تهم أوصياء الرسول r ، من بعد الأئمة، وفي حال غيابهم، رقد كلفوا القيام بجميع ما كلف الأئمة بقيام به، لأنه وصي النبي، وفي عصر الغيبة يكون هو إمام المسلمين وقائدهم (63).

5 - توقيع صدر عن إمامهم الغائب الثاني عشر فيه " وأما الحوادث الواقعة فارجعوا إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله " وحجة الله - كما يرى الخميني - تعني أن الإمام مرجع الناس في جميع الأمور، والله قد عيّنه 000 وكذلك الفقهاء فهم مراجع الأمة، فحجة الله هو الذي عيّنه الله للقيام بأمور المسلمين، فتكون أفعاله وأقواله حجة على المسلمين (64).

6 - وأخيراً ياتي الخميني بقول أحد متكلميهم وهم عمر بن حنظلة عن إمامهم الغائب وفيه " من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فمل يقبل منه فإنما استخف بحكم الله، وعلينا ردّ، والرادّ علينا رادّ على الله، وعلى حدّ الشرك بالله " (65).

-24 -

صلاحيات الفقيه في ولايته

يرى الخميني أن سلطة الفقيه أثناء ولايته سلطة مطلقة، لا تختلف أبداً عن السلطة المعطاة للإمام المعصوم، فلك ما يناط بالنبي r ، فقد أناطة الأئمة، بالفقهاء من بعدهم، فهم المرجع في جميع الأمور والمشكلات والمعضلات وإليهم فوّضت الحكومة وولاية الناس وسياستهم والجباية والاتفاق، وكل من يتخلف عن طاعتهم، فإن الله يؤاخذه، ويحاسبه على ذلك (66).

ويستند الخميني في ذلك إلى توقيع صدر من صاحب الزمان الغائب، ورد فيه " وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله " فيقول: " حجة الله تعني أن الإمام مرجع للناس في جميع الأمور، والله قد عينه، وأناط به كل تصرف وتدبير من شأنه أن ينفع الناس ويسعدهم، وكذلك الفقهاء، فهم مراجع الأمة وقادتها، فتكون أفعاله وأقواله حجة على المسلمين، يجب إنفاذها ولا يسمح بالتخلف عنها " (67).

إذاً الخميني يرى أن الفقيه حجة على أهل زمانه، لا فرق بينه وبي الحجة الغائب، وهذا يعني أن ظهور الحجة أو بقاءه غائباً لا يغيّر من الأمر شيئا.

وهكذا فإن الخميني يرى أن منصب ولاية الفقيه قد منحه الأئمة للفقهاء فيقول: " نحن نعتقد أن المنصب الذي منحه الأئمة للفقهاء لا يزال محفوظاً

لهم، لأن الأئمة لا تتصوّر فهم السهو أو الغفلة، ونعتقد فيهم الإحاطة بكل ما في مصلحة المسلمين (68).

-26 -

وقد توقف الخميني طويلا عند رواية سمّاها (صحيح قداح) فيها قوله r (العلماء ورثة الأنبياء) ليثبت من خلالها أن المقصود بالعلماء هم الفقهاء وليسوا الأئمة، وأن منزلة العلماء مثل منزلة الأنبياء من حيث الطاعة.

ومما قاله: " إن المقياس في فهمالروايات أخذ بظواهر ألفاظها، هو العرف والفهم المتعارف 000 وإذا رجعنا إلى العرف في فهم عبارة (العلماء ورثة الأنبياء) وسألنا العرف: هل أن هذه العبارة تعني أن الفقيه بمنزلة موسى وعيسى عليهما السلام؟ لأجاب: نعم!؟ لأن هذه الرواية تجعل العلماء بمنزلة الأنبياء، وبما أن موسى وعيسى عليهما السلام من الأنبياء، فالعلماء بمنزلة موسى وعيسى عليهما السلام. وإذا سألنا العرف:: هل ان الفقيه وارث رسول الله r ؟ لأجاب: نعم 000 فورود كملة الأنبياء بصيغة الجمع، إنما يقصد به كل الأنبياء 000 حتى لو نزلنا العلماء منزلة الأنبياء بوصفهم أنبياء فإنه ينبغي إعطاء جميع أحكام المشبه بهم للمشبه (69).

ويعود الخميني فيؤكد ويقول: إن جميع شؤون الرسول r، قابلة للانتقال والوراثة، ومن جملتها الإمامة على الناس، وتولي أمورهم، من كل ما نثب للأئمة من بعده وللفقهاء من بعد الأئمة 000" (70). ومن أجل أن يؤيد ما ذهب إليه، فإنه يأتي برواية نقلها عن أحد علماء الشيعة وهو (التراقي) الذي يقول " منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل" (71).

وهكذا فإن الخميني ينتهي إلى نتيجة فيقول: " وتبين لنا أن ما ثبت للرسول r والأئمة فهو ثابت للفقيه (73)، وتبعا لذلك فإن الراد على الفقيه

الحاكم يعد راداً على الإمام والردّ على الإمام ردّ على الله، والردّ على الله يقع في حدّ الشرك بالله " (73).

-27 -

ويمكن القول بعد كل ما نقلناه عن صاحب النظرية حول حدود ولاية الفقيه، أن الرأي المأخوذ به هو القائل " بأن ولاية الفقيه العادل الجامع للشرائط هي على حدّ ولاية المعصوم، وكل ما كان للنبي r، والإمام 000 فللفقيه أيضا، لأن ترجيحات النائب في عصر الغيبة، لا محالة لازمة بمقتضى النيابة الثابتة له " (74).

والسؤال المطروح بعد ذلك، ما هي الضمانات التي وضعت لعدم استبداد الفقيه أثناء ولايته، وقد أعطي كل هذه الصلاحيات التي أعطيت في الأصل للمعصوم - حسب معتقد الشيعة -؟ وقد أجاب عن ذلك أحد علمائهم فذكر هذه الضمانات ومنها التربية، ورقابة الأمة ومجلس الشورى، وأخيراً التسديد الإلهي؟! ومما قاله " وهذا الضمان الإلهي إما أن يكون بشكل مباشر من خلال التسديد الغيبي للإمام وهدايته للحول الأفضل، والمواقف الأفضل، وإما بشكل غير مباشر من خلال حضور الإمام المنتظر المعصوم عجل الله تعالى فرجه الشريف وتوجيهه للمرجعية الدينية وتسديده لها، وهذا عنصر مهم في التسديد والتحصين من ألوان الانحراف والضياع 000" (75).

وعليه، فإن الفقيه - استنادا إلى ما قاله الخميني - يتمتع بولاية عامة وسلطة مطلقة، باعتباره الوصي على شؤون العباد في غيبة الإمام الغائب.

وهذا هو مفاد المادتين الأولى والثانية من الدستور الإيراني " تكون ولاية الأمر والأمة في غيبة المهدي - عجل الله فرجه - للفقيه العادل ".

وهذا يعني أن الفقيه حجة مطلقة ومصدر السلطات ونائب الله وناطق باسمه فآراؤه واجتهاداته معصومة عن الخطأ (76).

ولكن بالرغم من أن الأمة هي مصدر الولاية باختيارها للفقيه المجتهد، إلا أنها لا تملك من الأمر شيئا، فلا يحق لها ولا لأحد من أفرادها أن يعترض على سلطة الفقيه لأنها سلطة ثابتة له من الله تبارك وتعالى، وليس للناس إلا الطاعة والتسليم 000 فولايتهم لا حدّ بها من السلطة، لأنها سلطة مطلقة لا تختلف عن سلطة المعصوم؟ (77).

-28 -

اعتراضات علماء الشيعة على ولاية الفقيه

لقد واجهت فكرة ولاية الفقيه على الأمة موجة شديدة من الاعتراضات حول الصلاحيات المطلقة للفقيه من قبل كثير من علماء الشيعة المعاصرين، الذين أنكروا ولاية بالمعنى الذي وصل إليه الخميني، وقالوا إن الولاية خاصة بالرسول r والأئمة الإثنى عشر من بعده، ولا تنتقل إلى نوّاب الإمام، وإن ولاية الفقيه لا تعني أكثر من ولاية الفقيه الذي يستطيع تعيين أمين على وقف لا متول له، أو نصب قيم على مجنون أو قاصر (78).

وبناء على ما أورده الخميني من أدلة على ولاية الفقيه، فالمفروض أن حكم الفقيه هو حكم رسول الله r، وحكم الأئمة، مع فارق المنزلة، وهذا هو الفرق الوحيد بين الإمام والفقيه العادل مما استأثر الله بعلمه - كما ذكر الخميني - (79).

وهذه المنزلة سببها كما ذكر الخميني: " لأن عصمة المعصوم إنما كانت بسبب المنزلة العالية والمقام المحمود الذي لا يبلغه ملك مقرّب ولا نبي مرسل، وأيضاً بسبب خلافته التكوينية التي تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون (80).

" ولكن عصمة الإمام - عند الشيعة - ليست فكرة تجريدية، وإنما هي - فضلا عن ذلك - واقع علمي يتجسد في قول المعصوم وفعله أثناء ولايته وحكمه، والتسليم للفقيه العادل بالنتائج العملية (للعصمة) في القول والعمل

أثناء ولايته على المسلمين يستدعي التسليم له بالمنزلة لا محالة (81).

-30 -

لقد أورد الخميني عددا من الأدلة العقلية والنقلية على صحة ولاية الفقهاء للأئمة المعصومين - عند الشيعة-: " وإذا أردنا أن نسلم له بصحة تلك الأدلة جدلا، فإننا ما نزال نفتقر إلى دليل واحد مهما كان ضعيفا يقدمه لنا على صحة انفراد فقيه واحد دون عشرة فقهاء من معاصريه مثلا في تلك الولاية (82).

وهناك قضية مهمة أوردها الخميني ضمن أدلته على ولاية الفقيه في زمن الغيبة حيث يقول: " الرواية الثالثة توقيع صدر عن الإمام الثاني عشر القائم المهدي 000 وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله، وأما محمد ابن عثمان العمري، فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه وكتابي (83).

وتأتي أهمية هذا الدليل م كونه مستمداً من ظروف الغيبة، ويمنكن اتخاذ الغيبة نقطة البداية لأي نقاش حقيقي يدور حول الولاية العامة للفقيه. فقبل الغيبة كان الإمام يلي أمور الناس مباشرة وله الأمر النهائي في كل ما يعرض من شؤون الدين والدنيا لا يشاركه فهي أحد، ولا يخل بما تقدم حقيقة أن الإمام الثاني عشر القائم المهدي قد اتخذ الأبواب بينه وبين الناس بحكم الغيبة الصغرى، لأن هؤلاء الأبواب يتصرفون بموجب الصلاحيات نفسها التي يريدها الخميني من وراء فكرة الولاية العامة للفقيه - وظيفة المعصوم دون منزلته - في أثناء الغيبة الكبرى. ولكن الفرق بين الغيبتين الصغرى والكبرى، أنه كان باستطاعة الباب الاتصال بالإمام في الغيبة الصغرى والخروج بتوقيعاته - كما يدعي الشيعة -، في حين لا يستطيع أحد - وهو ما قرّره الشيعة - الزعم ببابية لصاحب الزمان والاتصال به بواسطتها بعد الغيبة الكبرى (84).

-31 -

وثمة حقيقة لا يمكن إهمالها بهذا العدد، وهي أن الخميني لا يدّعي بابية الإمام الغائب، ولكنه من الناحية الأخرى يريد كل وظائف المعصوم، مما يؤدي إلى عدم الحاجة إلى ظهوره، وهو الأمل الذي انتظره الشيعة من مئات السنين.

وهنا لا بد من سؤال مهم يتعلق بالملابسات التاريخية التي أدت إلى الغيبة الصغرى ثم بعد ذلك الغيبة الكبرى، وهذا السؤال هو: لماذا لم يغتنم الشيعة الفرصة؟ واستولوا على السلطة بعد سيطرى آل بويه الشيعة على الخلافة العباسية؟ خاصة أن استيلاء الأسرة البويهية على الحكم جاء بعد إعلان الغيبة الكبرى بسنوات قليلة؟!

وكما يقول عبد الجبار العمر " فلماذا لم يجمع الفقهاء بعد تلك السنوات القليلة أمرهم على فقيه منهم لتكون له الولاية العامة في الدولة التي أرادها البويهيون؟ ويجيب: ولكن الفقهاء الشيعة الذين عاصروا الغيبة وأدركوا حكتها، لم يلتمسوا الوسيلة إلى السلطة بفكرة (الولاية العامة للفقيه)، ليس لأن هذه الفكرة يمكن أن تغيب على أذهانهم، ولكن لأن العقيدة في الغيبة - عند الشيعة - توجب عليهم التوقف عن إمامة الدولة الشرعية، لأن إقامة مثل هذه الدولة وإدارتها للإمام القائم وحده دون سواء " (85).

ومن المعترضين على فكرة ولاية الفقيه أحد مراجع الشيعة الكبار (السيد الخوئي) الذي انتقد الولاية المطلقة للفقيه وسجل ذلك في كتابه (أساس الحكومة الإسلامية) (86). وقد وصل الأمر إلى تأسيس جمعية في إيران سميت - جماعة الحجتية) أي جماعة الإمام الحجة أو حجة الزمان، ترفض

الولاية من حيث المبدأ، وتطالب بالالتزام بمبدأ الانتظار حتى يظهر الإمام الغائب (87).

-32 -

إلا أن الدكتور محمد جواد مغنية، الفقيه الشيعي اللبناني المعاصر انتقد بوضوح هذه الفكرة في كتاب واسع كان بعنوان (الخميني والدولة الإسلامية)، واشتمل رأيه على مسألتين هما:

الأولى: أن ولاية الفقيه من ولاية المعصوم.

الثانية: أن الصدقة والزكاة للفقراء والمساكين، وليس لنفقات الدولة.

وتهمنا المسألة الأولى التي هي موضوع البحث، وفيها يقول مغنية: أن ولاية المعصوم تعم وتشمل أمور الدين والدنيا بما فيه رئاسة الدولة وتنفيذ الأحكام 000 ثم يفرّق بين المعصوم والفقيه، فيرى بأن قول المعصوم وأمره تماما كالتنزيل من الله العزيز، ومعنى هذا أن للمعصوم حق الطاعة والولاية على الراشد والقاصر والعالم والجاهل 000 ويتساءل: أبعد هذا يقال: إذا غاب المعصوم انتقلت ولايته الكامل إلى الفقيه، فحكم المعصوم - كما يرى مغنية- منزه عن الشك والشبهات لأنه دليل لا مدلول، وواقعي لا ظاهري 000 وأما حقوق المجتهد العادل فيرى أنها ولاية الفتوى والقضاء على الأوقاف العامة وأموال الغائب وفاقد الأهلية مع عدم الولاية الشخصية (88).

ويردّ على الخميني في أن وظيفة الإمام والفقيه واحدة في السلطة والإمارة فيقول: إن التفاوت في المنزلة يستدعي التفاوت في الآثار لا محالة، ومن هنا كان للمعصوم الولاية على الكبير والصغير حتى على المجتهد العادل، ولا ولاية للمجتهد على البالغ الراشد، وما ذاك إلا لأن نسبة المجتهد إلى المعصوم تماما كنسبة القاصر إلى المجتهد العادل (89).

لذا يصل إلى نتيجة مفادها: أنه لا دليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام، رغم ورود أخبار في شأن العلماء أنهم كالأئمة، مثل القول بأن العلماء ورثة الأنبياء، و أمناء الرسل 000 فالإنصاف يقتضي الجزم بأنها في مقام البيان لوظيفة الفقهاء، من حيث نشر الأحكام الشرعية، لا كون الفقهاء كالنبي والأئمة (90).

-33 -

الخاتمة

وخلاصة الأمر، ومن خلال ما تقدم نصل إلى نتائج عدة هي:

1 - واضح من أدلة الخميني أنه يرى أن تولي الفقيه لأمور الناس إنما هو تنفيذ للأمر الإلهي، وأداء للوظيفة الشرعية الواجبة، ذلك أن الإمام - عند الشيعة - هو وصي النبي r، وفي أثناء غيبته يكون الفقيه هو إمام المسلمين وقائدهم 000 فالفقهاء هم الحجة على الناس، وما كان يناط بالنبي r قد أنيط بالإمام، ثم بالفقيه 000 فالفقيه هو المرجع في جميع الأمور، إليه فوّضت الحكومة والولاية، وله من المنزلة ما للنبي r والإمام، هذا ويمكن ترتيب هذه الفكرة وفق المعادلة التالية (الله، النبي، الإمام، الفقيه)، وبثبات الطرف الأول (الله، ورحيل الطرف الثاني (النبي r) ، وغيبة الطرف الثالث (الإمام) ووجود الطرف الرابع (الفقيه). يبقى من أطراف المعادلة طرفان فقط (الله-الفقيه)، وهذا يعني أن الفقيه في ولايته هو مستودع العلم الإلهي، ونور النبوة، ووارث الإمامة 000 ومن ثم يكون الفقيه نائب الله في الأرض وحجته على عباده، له الأمر وعلى الناس السمع والطاعة، والراد عليه، راد على الله، وعلى حدّ الشرك أقرب (91).

2 - إن فكرة ولاية الفقيه قريبة الشبه بعقيدة (البابية) عند الشيعة، والتي أقفلت عندهم بعد موت الباب الرابع للإمام الغائب وبداية الغيب، ة الكبرى، بحيث لا يقبل خلالها من يدّعي البابية في المجتمع الشيعي، وهذا يفسّر لنا تجنب الخميني ذكر موضوع (البابية)، كي لا يعيد إلى الأذهان سيرة من ادعى البابية في تاريخ الشيعة الماضي والحاضر.

3 - إنه لا يوجد عند الشيعة من آثار أئمتهم ما يدل على وجوب طاعة الفقيه طاعة عامة مطلقة، وهذا ينقض الأركان الهامة لأدلة ولاية الفقيه، وهو ما بينه الدكتور محمد جواد مغنية.

2) انظر د. محمد العقيلي / الشيعة ص 290.

3) سورة القصص آية 68.

4) انظر د. أحمد صبحي / نظرية الإمامة ص 79 - 80.

5) سورة الأحزاب آية 36.

6) انظر الحلّي / الألفين ص 15.

7) انظر تفسير ابن كثير - طبعة دار الشعب، 1/ 417.

8) انظر د. أحمد صبحي / نظرية الإمامة ص 80.

9) الطوسي / تلخيص الشافي 1/ 133 - 134.

10) إحسان إلهي ظهير، الشيعة فرق وتاريخ ص 351.

11) انظر تعليق د. علي الفقيهي على كتاب الإمامة للأصبهاني ص 73.

12) انظر الكليني / الكافي 1/ 337 - 338،340.

13) سورة الكوثر آية 16 - 17.

14) انظر الكليني / الكافي 341.

15) انظر الطوسي / الغيبة ص 209، 243.

16) انظر ابن منظور/ لسان العرب والغيروز آبادي / القاموس المحيط، وأحمد رضا/ معجم متن اللغة مادة عصم.

17) الفخر الرازي / التفسير الكبير 8/ 171، تفسير قوله تعالى ((ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط المستقيم)) آل عمران آية: 101.

18) أمير محمد الكاظمي القزويني/ الشيعة في عقائدهم وأحكامهم ص 322.

19) انظر د. أحمد صبحي / نظرية الإمامة ص 140.

20) المصدر السابق ص 134.

21) من متكلمي الشيعة، وصاحب المقالة في التشبيه، وهو من الذين فتقوا في  الإمامة، ولهذا فإن غير الشيعة يؤرخون للتشيع كفرقة بعد جعفر الصادق، وهشام بن الحكم. انظر الشهرستاني، الملل والنحل 1/ 184، ومحمد البنداري، الشيعة ص 20.

22) انظر ما ذكره أبو الحسن الأشعري، بمقالات الإسلامية 1/ 121، وعبد الرحمن الزرعي، رجال الشيعة في الميزان ص 70 - 71، ومما يذكر أن نزول الوحي على أئمتهم لم يتفق فيه الشيعة على رأي لأن الكثير من متكلميهم يرون نزول الوحي إلى أئمتهم حتى لا يقعوا في الخطأ، انظر الشيخ المفيد/ الاختصاص ص 307.

23) محمد البنداري، الشيعة ص 167، نقلا عن ابن بابويه.

24) انظر د. أحمد صبحي، نظرية الإمامة ص 116،135.

25) الحلّي / الألفين ص 84.

26) سورة البقرة: الآية 124.

27) الكليني / الكافي 1/ 119 - 201.

28) د. محمد العقيلي، الشيعة ص 287.

29) انظر د. موسى الموسوي، الشيعة التصحيح ص 82 - 83.

30) أي لولا كلام الوحي معهم وأخذ الأئمة منه لنفذ ما عندهم من علوم؟!

31) الشيخ المفيد/ الاختصاص ص 307.

32) سورة البقرة: الآية 124.

33) انظر الطوسي / تلخيص الشافي جـ 1/ قسم 2/ 253، والتبيان 1/ 449، والطبرسي/ مجمع البيان 1/ 202، وعلي السالوس/ عقيدة الإمامة ص 80.

34) د. محمد العقيلي، الشيعة ص 342، ومحمد أبو زهرة/ الإمام الصادق 70.

35) انظر تفسير الطبري تحقيق أحمد شاكر 3/ 18، وتفسير ابن كثير/ ط، دار الشعب 6/ 242.

36) علي السالوس/ عقيدة الإمامة ص 81،83، 85.

37) سورة الأحزاب الآية:33.

38) انظر الطبرسي، مجمع البيان 1/ 50، ومحمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون 2/ 110.

39) سورة الأحزاب الآيات: 28 - 34.

40) مسلم بشرح النووي 5/ 180، فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

41) انظر تفسير ابن كثير، ط، دار الشعب 6/ 407.

42) علي السالوس/ عقيدة الإمامة ص 76، 78.

43) إحسان إلهي ظهير، الشيعة والتشيع، ص 300.

44) د. أحمد الجلي / دراسة عن الفرق ص 147. 

45) الكليني / الكافي 1/ 66.

46) محمد أبو زهرة، الإمام الصادق ص 72 - 73.

47) انظر تلخيصاً لأدلتهم العقلية في كتاب د. أحمد صبحي / نظرية الإمامة ص 111،119.

48) انظر المصدر السابق ص 117 - 118.

49) البغدادي، أصول الدين ص 278.

50) د. أحمد صبحي / نظرية الإمامة ص 124.

51) الطوسي للغيبة ص 15.

52) انظر د. محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون 2/ 189، وما نقله عن تفسير السيد عبد الله العلوي.

53) عبد الحسين النجفي، الغدير 7/ 133.

54) البغدادي، أصول الدين ص 78.

55) الخميني / الحكومة الإسلامية ص 23 - 24.

56) المصدر السابق، ص 34.

57) انظر ما ذكره د. علي الفقيهي في تحقيقه لكتاب الإمامة للأصبهاني ص 65.

58) سورة النساء آية: 58.

59) الخميني / الحكومة الإسلامية ص 74.

60) المصدر السابق، ص 45.

61) المصدر السابق، ص 49.

62) المصدر السابق، ص 51 - 56.

63) المصدر السابق، ص 60، 63، 69.

64) المصدر السابق، ص 70 - 71.

65) الخميني / كشف الأسرار ص 207.

66) الخميني / الحكومة الإسلامية ص 72.

67) انظر المصدر السابق، ص 70 - 71.

68) المصدر السابق، ص 81.

69) المصدر السابق، ص 84 - 85.

70) المصدر السابق، ص 86.

71) المصدر السابق، ص 88.

72) المصدر السابق، ص 99.

73) الخميني / كشف الأسرار ص 207.

74) انظر محمد عطا المتوكل/ المذهب السياسي في الإسلام، ص 206 - 206.

75) المصدر السابق، ص 231 - 132.

76) انظر مبحث د. رشدي عليان في/ ولاية الفقيه، الواقع والأبعاد ص 9.

77) محمد عطا المتوكل، المذهب السياسي في الإسلام، ص 206،226.

78)) انظر د. موسى الموسوي، الشيعة التصحيح ص 70.

79) الخميني / الحكومة الإسلامية ص 48.

80) المصدر السابق، ص 47.

81) عبد الجبار العمر، الخميني بين الدين والدولة ص 81.

82) المصدر السابق، ص 84.

83) الخميني / الحكومة الإسلامية ص 70.

84) انظر عبد الجبار العمر، الخميني بين الدين والدولة ص 101 - 102.

85) المصدر السابق، ص 111، 113.

86) فهمي هويدي، إيران من الداخل ص 105.

87) المصدر السابق، ص 143.

88) انظر محمد جواد مغنية، الخميني والدولة الإسلامية ص 59 - 61.

89) المصدر السابق، ص 61 - 62.

90) المصدر السابق، ص 63.

91) انظر مقالة د. رشدي عليان في/ ولاية الفقيه، الواقع والأبعاد ص 15.

92) انظر حوا هذا الموضوع مقالة د. قحطان الدوري، ولاية الفقيه، الواقع والأبعاد ص 10، وعبد الجبار العمر، الخميني والدولة الإسلامية ص 85.

الفهرس

المقدمة ... ... ... ... ... ... ... ...00 ص 3

لمحة موجزة عن الإمامة عند الشيعة ... ... ... ...0 ص 7

تعريف العصمة ... ... ... ... ... ... ...0 ص 11

نشأة فكرة العصمة ... ... ... ... ... ...000 ص 11

أدلة الشيعة على عقيدة العصمة والردّ عليها ... ... ... ص 15

ولاية الفقيه في ولايته ... ... ... ... ... ...0 ص 21

صلاحيات الفقيه في ولايته ... ... ... ... ...00 ص 26

اعتراضات علماء الشيعة على ولايته الفقيه ... ... ... ص 30

الخاتمة ... ... ... ... ... ... ... ...00 ص 35


عدد مرات القراءة:
1272
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :