([1]) متفق عليه.
([2]) يروي الكليني [أصول االكافي 1/181] بسنده عن أبي عبد الله (ع) أنه قال: كان أمير المؤمنين (ع) إماماً ثم كان الحسن (ع) إماماً ثم كان الحسين (ع) إماماً ثم كان علي بن الحسين إماماً ثم كان محمد بن علي إماماً من أنكر ذلك كان كمن أنكر معرفة الله تبارك وتعالى ومعرفة رسوله صلى الله عليه وآله .
[3] روى ابن أبي الحديد أن علياً والزبير قالا: (ما غضبنا إلا في المشورة وإنّا نرى أبا بكر أحق الناس بها إنه لصاحب الغار وثاني اثنين ولقد أمره الرسول (ص) بالصلاة وهو حي)/ شرح نهج البلاغة ج6 ص48 .
[4] صححه ابن كثير في البداية والنهاية 5/249 نقلاً عن (أبو بكر الصديق) للدكتور علي محمد الصلابي ص182 .
[5] روى الإمام أحمد عن حُمَيد بن عبد الرحمن أن أبا بكر قال: (ولقد علمت يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد: »قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم، وفاجر الناس تبع لفاجرهم« قال: فقال له سعد: صدقت، نحن الوزراء وأنتم الأمراء).
[6] من رواية الإخباري التالف أبي مخنف لوط بن يحيى [انظر: الصلابي ص130] الذي شوه تأريخ الإسلام. أما متنها فلا يستقيم مع ما هو معروف من شخصية سعد بن عبادة، ولا ما هو معروف من أخلاق الصحابة. فالرواية باطلة سنداً ومتناً.
[7] نهج البلاغة 3/7.
([8]) يحتج البعض بأن هذا مخالف لما ورد في كتاب (نهج البلاغة) من قدح أو ذم للخلفاء الراشدين الثلاثة مثل الخطبة المسماة بـ (الشقشقية) ويتخذ من ذلك وسيلة لإغماض الطرف عن هذا النص وأمثاله في مدحهم وتوثيقهم! والرد على ذلك بما يلي:
1- إن كتاب (نهج البلاغة) ليس معصوماً من الزيادة والنقصان. بل فيه من ذلك الكثير - ولا بد - وإلا كان كالقرآن ! =
2- إن هذا الكتاب نصوصه جميعاً بلا استثناء مرسلة لا أسانيد لها وبين جمعها ووفاة علي رضي الله عنه أكثر من ثلاثة قرون ونصف ! فإن الشريف الرضي ذكر في المقدمة أنه انتهى من جمعها سنة (400هـ) وعلي توفي سنة (40هـ)! وذكر أيضاً أن ما وجده من ذلك على ألسنة الناس مختلف شديد الاختلاف وهذا يعني أن الكتاب ضعيف من حيث الإجمال؛ لأن المرسَل – حسب قواعد علم الحديث - أحد أنواع الضعيف وهو قول الإمامية أيضاً المقرر في أصولهم. فلا بد من تحقيق النصوص إذا أردنا الاعتماد.
ولم أجد أحداً من الذين وثقوا الكتاب اتبع الأسلوب العلمي المجرد عن العاطفة في توثيقه له. وذلك لا يجدي في باب العلم وإنما يسوغ في مجال الدعاية اعتماداً على ما في نفس القارئ من مشاعر وعواطف لا استناداً على ما في باب العلم من أصول وقواعد.
والذي يلزم الباحث في هذا الفن أن ينقب عن سند لكل نص ثم يقوم بتحقيقه طبقاً لقواعد علم الحديث أو الرواية توصلاً الى صحته او ضعفه وهذا ما لم يفعله كل الذين حاولوا – عبثاً - توثيق الكتاب. فتوثيقهم إذن ليس برهانياً علمياً وإنما خطابي دعائي لا أكثر. فالأصل في الكتاب الضعف حتى يثبت العكس.
3- إن الخطبة الشقشقية وما في موضوعها مما ورد في الكتاب يتناقض مع هذا النص وأمثاله وهو كثير. والجمع بين النقيضين لا يمكن عند العقلاء. فلا بد من طرح أحدهما إذا أردنا التمسك بالآخر. ولكن ليس بالهوى والعاطفة فيقال بأن هذا النص يخالف الخطبة الشقشقية فهو مرفوض لأن هذا ليس بأولى من قولنا بأننا نرفض الخطبة الشقشقية لمخالفتها لهذا النص.
4- إن طرحنا لهذه (الشقشقيات) وجزمنا بوضعها واختلاقها ليس عاطفياً دعائياً وإنما يعتمد على قاعدة راسخة ألا وهي: إن كل ما خالف القرآن باطل. وهو ما جاء منصوصاً عليه في مصادر الإمامية منقولاً عن الإمام جعفر بن
محمد رضي الله عنه أنه قال: (ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه). =
= وحاشا علياً أن يخالف كتاب الله هذه المخالفة ويطعن في خيرة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين قال الله عنهم: (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم = = مغفرة ورزق كريم) (الأنفال:74). وقال يأمر باتباعهم: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات) (التوبة:100). وحذر من مخالفتهم فقال: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) (النساء:115). وقد بايع علي لهم ونصح وتابع ولم يكن مداهناً ولا منافقاً!
5- إن الاستشهاد اعتضاداً لا اعتماداً بما في (نهج البلاغة) وغيره مما يوافق القرآن أو لا يخالفه ليس فيه ضير أو ضرر على الدين بل العكس هو الصحيح فكان استشهادنا بهذا النص من هذا الباب المشروع.
([9]) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/332.
[10] ذات مرة كنا جالسين في حجرة الإمام في جامع المحمودية الكبير - وكنت حينها إمام وخطيب الجامع - قلت لصاحب لي كان إلى جنبه ولده الصبي الصغير: هذا المسجد يحتاج إلى خدمات ولوازم كثيرة، ويحتاج إلى رعاية وحماية. فلو تولى توفير هذه الخدمات واللوازم كلها، وتولى أمر رعايته وحراسته، وما يتبع ذلك من مصروفات، وقام بالدفاع عنه أمام هجمات أعداء يرومون تخريبه، والإساءة إلى رواده رجل دخله للمرة الأولى بعد يوم أو شهر من هذا التأريخ. ثم استمر يواظب على الصلاة فيه -من بعد- وصار من رواده الدائمين. وتمر الأعوام ليأتي بعد ذلك من يقارن بينه وبين ولدك الصغير هذا ليقول: إن ولدك أفضل منه لأنه سبق إلى دخول المسجد يوماً أو شهراً أو ساعة من نهار! أو يجعل لهذا الزمن الخالي من أي عمل إيجابي قيمة في =
= المعادلة! أيصح هذا؟! وبهذا يتبين أن الذي حمل أصحابنا على القول بأن أول من أسلم من الرجال فلان، وأول من أسلم من الصبيان فلان، وأول من أسلم من النساء فلانة.. إلخ. إنما حملهم عليه المجاملة والرغبة في ترضية قوم لا يزيدهم هذا الأسلوب إلا عتواً ونفوراً! والدليل أنهم حين قالوا: إن علياً أول من أسلم من الصبيان لم يقولوا لنا: من أول من أسلم من الصبايا؟ كما يقول المرحوم الأستاذ محمود الملاح!
ولكن هل انتفعوا بشيء رغم انحدارهم إلى هذا المستوى من المجاملات؟!
[11] رواه البخاري.
(1) نظر مثلا تفسير المخذول عبد الله شبر عند تفسير آية الغار في سورة التوبة.
(2) رواه الترمذي وأحمد وأبو داود وغيرهم. قال المناوي – كما جاء في تحفة الأحوذي - : أسانيده صحيحة.
[12] متفق عليه.
[13] متفق عليه.
[14] رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن غريب.
[15] رواه مسلم وغيره.
[16] رواه البخاري.
[17] روى البخاري المشهد بتمامه.
[18] متفق عليه.
[19] رواه البخاري.
[20] متفق عليه.
[21] أول الآية : (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا ...) الآية.
1 روى أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق). قال في (تحفة الأحوذي): أخرجه البزار بإسناد جيد.
[23] رواه الإمام أحمد.
[24] البخاري.
[25] رواه مسلم وغيره.
([26]) أشهر مشاهير الاسلام في الحرب والسياسة / 15 ، رفيق العظم.
([27]) أسباب النزول في حاشية روائع البيان لمعاني القرآن/ أيمن عبد العزيز جبر. وسيأتي – إن شاء الله تعالى – مزيد بيان لإثبات نزول هذه الآيات في حق الصديق رضي الله عنه .
[28] رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
[29] رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد.
[30] رواه أحمد.
([31]) السيرة النبوية لأبي شهبة 2/537. نقلاً عن كتاب (أبو بكر الصديق) للدكتور علي محمد الصلابي ص93.
([32]) رواه أحمد وأبو داود.
[33] متفق عليه.
[34] البخاري.
[35] أيضاً. وتغرة : كراهة وحذراً.
[36] أيضاً.
([37]) من الملاحظ في كتب التاريخ والسيرة أن علياً رضي الله عنه لم يسلم على يده أحد في زمن ضعف الإسلام لا سيما في مكة. وقد يعتذر له بأنه كان صغيراً. وقد فكرت في وقد فكرت في هذا الموضوع كثيراً أقلبه وأناقشه وأحلله فوجدت أن علياًرضي الله عنه شخص تغلب عليه الطبيعة العسكرية القتالية أكثر من الطبيعة السياسية الدعوية. ولعل هذا هو السر الذي جعل النبيصلى الله عليه وآله وسلم يلفت نظره الى أهمية الدعوة = = إلى الإسلام قبل القتال ويرغبه فيها ويحثه عليها يوم أعطاه الراية في خيبر وقال له: (انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم الى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النَّعم) رواه مسلم.
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لاحظ عليه غلبة العنصر القتالي العسكري على العنصر السياسي الدعوي مما دعاه للتأكيد على الجانب الآخر من أجل إحداث الموازنة في شخصيته وتصرفاته المنعكسة عنها.
وكان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم جهاز إعلامي من الخطباء والشعراء ينافحون بألسنتهم عن الدين، وإذا أقبلت الوفود قاموا ليباروا خطباءهم وشعراءهم، ولم يكن سيدنا علي واحداً منهم!
([38]) روى مسلم عن أنس بن مالك أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة كشف
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ستر الحجرة فنظر الينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضاحكاً. قال: فبهتنا ونحن في الصلاة من فرحٍ بخروج
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خارج للصلاة. فأشار اليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده أن أتموا صلاتكم. قال: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأرخى الستر. قال: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يومه ذلك.
[39] البخاري.
[40] رواه أحمد.
[41] رواه الترمذي وقال: حسن غريب. ورواه أحمد وابن ماجة أيضاً.
[42] رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
([43]) من ذلك قوله بعد القضاء على المرتدين: (واعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عول أن يصرف همته الى الشام فقبضه الله اليه واختار ما لديه. ألا واني عازم أن أوجه أبطال المسلمين الى الشام بأهليهم ومالهم فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنبأني بذلك قبل موته).
[44] البخاري.
[45] متفق عليه.
([46]) نهج البلاغة 1/ 108.
([47]) النهج 3/21.
([48]) النهج 3/77.
[49] رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
([50]) راجع ما جاء في الفقرة (5) عند الكلام على آية التمكين في سورة الحج .
([51]) روى ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن أُبَي بن سلول = = وقام دونهم ، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم وكان أحد بني عوف من الخزرج وله من حلفهم مثل الذي لهم من عبد الله بن أُبَي فخالفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتبرأ من حلف الكفار وولايتهم وقال : يا رسول الله أبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم وأتولى الله رسوله والمؤمنين. قال عبادة: ففيَّ وفي عبد الله بن أُبَي نزلت الآيات من } يا أيها….. فإن حزب الله هم الغالبون { /أسباب النزول في حاشية روائع البيان لمعاني القرآن/ أيمن عبد العزيز .
([52]) عبد الله بن أُبَي بن سلول وأمثاله.
([53]) على أنه ورد في بعض الروايات أن الآية نزلت في أبي بكر كما في أسباب النزول للثعلبي عن ابن عباس/ نقلاً عن كتاب الحجج الدامغات = = لنقض كتاب المراجعات 1/130 لأبي مريم الأعظمي. وفي الحلية 3 / 185 عن عبد الملك بن أبي سليمان قال: سألت أبا جعفر الباقر عن الآية فقال: أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم قلت: يقولون: هو علي ؟ فقال : علي منهم . وروى ابن جرير وغيره عن ابن عباس قال : من أسلم فقد تولى الله ورسوله والذين آمنوا. / الحجج الدامغات 1/131 – 132.
[54] أبو بكر الصديق – علي محمد الصلابي ص135.
القاعدة الثالثة
سياسة الصديق وإنجازاته
السياسة باختصار هي: فن قيادة الجماهير.
ومنصب الخلافة منصب سياسي. فمن كان الأكفأ في هذا الفن فهو الأولى بهذا المنصب، وإن وجد معه من هو أكثر تديناً وورعاً؛ لأن الأمور العبادية البحتة – وان كانت معتبرة في شروط الاختيار – إلا أن الملحظ السياسي هو الأرجح في الميزان؛ إذ لا يشترط في الخليفة أو الأمير أن يكون الأعبد والأورع – وإن كان لا بد من توفر الحدود المقبولة من التدين – إنما يشترط فيه أن يكون الأكفأ في فن السياسة والقيادة، ولا تقبل منه الحدود الدنيا في هذا الفن.
ولو خيرنا بين رجلين: أحدهما أعبد الناس، لكنه ضعيف الشخصية، ضعيف الخبرة في السياسة، والآخر دونه في العبادة لكنه أقوى شخصيةً وكفاءةً سياسيةً وجب علينا اختيار الثاني أميراً أو خليفة، لأن علاقته بالأمة تحددها الكفاءة السياسية والقيادية أكثر من الناحية العبادية.
إن قوة القائد وضعفه للأمة أو عليها. أما عبادته فله وحده.
على هذا الأساس كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يختار قادته السياسيين والعسكريين: فقد أرسل مصعب بن عمير سفيراً عنه إلى يثرب يدعوهم إلى الله ، ويتألف كبارهم ورؤساءهم ويمهد الطريق للهجرة من أجل إقامة دولة الإسلام. فهدى الله تعالى على يديه جمهورهم في
غضون سنتين فقط !
ولولا معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمقدرته السياسية وقدرته التأثيرية في النفوس لما أرسله. ولو كان الأمر بالعبادة لأرسل من هو أعبد منه كعلي أو بلال مثلاً.
وأمّر عمرو بن العاص في اليوم الثاني من إسلامه، وكذلك خالد بن الوليد وأبا سفيان بن حرب وأمثالهم. ولا شك أن في صحابته صلى الله عليه وآله وسلم من هو أعبد وأورع.
وفي الوقت نفسه نهى أبا ذر عن طلب الإمارة، وأوصاه قائلاً: (يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً وإني أحب لك ما أحب لنفسي فلا تَأَمَّرَنَّ على اثنين ولا تولين على مال يتيم)[1]. والضعف هنا ضعف الكفاءة القيادية لا العبادية؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فيه: (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من ذي لهجة ولا أوفى من أبي ذر شبه عيسى بن مريم عليه السلام)[2].
ومع أن الصديق كان هو الأعبد والأورع و(الأتقى)، لكن أريد أن أدرس شخصيته من الناحية السياسية، لتصل معي إلى أنه الأكفأ أيضاً من بين الصحابة حتى في هذه الناحية!
لقد أسلمت الخلافة لأبي بكر قيادها، وألقت بين يديه برأسها، فصار يجرها من قرنيها! فمن هو الأولى منه بمقدمها وحاذييها ؟!!
نظرة عامة في سياسـة الصديـق([3])
كشفت وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حاجة المسلمين الى تنظيم السلطة بعد أن أنجزوا أروع عملية نقل للسلطة في التاريخ من خلال بيعة خليفة من الصحابة يخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس لديهم مما تقتضيه السلطة غير النص القرآني الذي يفرض على المؤمن اطاعة الله واطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأولي الأمر من المؤمنين.
وكان أبو بكر الصديق يدرك هذه الاعتبارات ويدرك نظرة القرآن للسلطة، وتربى على فهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتطبيقه لها[4].
خطبته الأولى
كذلك عبر في خطبته الأولى عن هذا الإدراك بعبارات واضحة ومحددة ودقيقة، فكانت هذه الخطبة التاريخية تلخيصاً موجزاً لسياسته، جمع في كلماتها القليلة خير ما يمكن لحاكم أن يقوله لشعبه عن علاقته القادمة بهم، وسياسته لهم. فكان أن قال: (أما بعد أيها الناس ! فإني وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني. الصدق أمانة والكذب خيانة. والضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله. لا يدع قوم الجهاد فـي سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيـع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عندكم. قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله).
فهو إذن واحد من المؤمنين تولى شؤونهم وله عليهم حق الطاعة حسب الآية الكريمة .
غير أن الطاعة مشروطة بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم فهو كما قال: (متبع وليس بمبتدع) مهمته: إدارة شؤون المسلمين على الوجه الذي يقتضية الإسلام فإذا ما انتفت هذه الاسس فلا طاعة له على الناس.
هذا – عملياً - يعني أن السلطة أصبحت تستمد من المبادئ وتقوم على رضا الأمة مع الوعي بأن رأس السلطة أحد المؤمنين. وله من الصفات ما تجعله موضع ثقة الأمة واختيارها: فهو أول المسلمين، وكان موضع ثقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التامة، ومعروفاً: باستيعابه للعقيدة والخبرة بتاريخها السياسي، والتمرس في الجهاد من أجلها.
أو كما وصفه علي رضي الله عنه : (رجل اختاره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لدينهم فرضوه لدنياهم وقدموه)[5].
خليفـة الرسـول
انطلق الخليفة أبو بكر الصديق في فهم السلطة من الموقف الذي أشرته آيات القرآن الكريم. وإذا كان موقف القرآن الكريم من المصطلحات التي تعكس شكلاً من أشكال السلطة مؤثراً في تحديد مفهوم السلطة في الإسلام، فالقرآن كان إلى جانب مصطلح (خليفة) فيكون اختيار المسلمين لهذا اللقب لقباً للرجل الذي يدير الدولة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اتفاقاً واعياً يعكس وعيهم ليس لطبيعة السلطات وحسب إنما لأدق تفاصيلها أيضاً، ويعبر عن مستوى عال من الإيمان لدى المسلمين. وكان على الخليفة أن يؤكد بعض الحقائق الأساسية التي ستقوم سلطة الخليفة عليها. وظهر من ممارساته الحقائق التالية:
أولا: أنه خليفة وليس رسولاً. وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد مات، غير أن الدين باق. وإذا كان الخليفة قد واجه جزع المسلمين لوفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وذهولهم عن الآية الكريمة: ]وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين [ - فإنه في الحقيقة أكد أيضاً تميز السلطة في عهد الخليفة عن السلطة في عهد الرسـول صلى الله عليه وآله وسلم .
ثانياً: إن سلطة الخليفة تأتي مباشرة بعد سلطة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا يحتم أن تكون أعماله وتصرفاته محكومة بما كان لدى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لكي يؤكد (استمرار الدين)، لهذا حرص في إحدى خطبه أن يؤكد هذه المسألة بقوله: (إنما أنا متبع ولست بمبتدع) فاستمرار الدين سوف يعبر عنه في أحد أبرز جوانبه باستمرار سياسة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ثالثاً: إن كونه خليفة وليس رسولاً يعني أن الخلافة ستقوم على حقه في
أنه أحد الصحابة، تعارفوا عليه واختاروه. فعلاقته بالسلطة أنـه
اختير لقيادتها، وعلاقته بالرعية إنه اختير لثقتهم بأنه الأقدر على قيادة السلطة، فهو موضع رضاهم. وأساس الرضا حسن إدارته السلطة وحسن قيادتهم، وهو ما يوجب الطاعة له عملاً بالآية الكريمة: ]أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم[ غير انه ملزم بالمشورة أيضا عملا بالآية الكريمة : ]وشاورهم في الأمر[ فإذا ما ارتكب الخليفة ما يمس الدين ويسيء قيادة المسلمين فلا طاعة له).
استمـرار تام لسياسـة الرسـول
لقد كان أبو بكر مدركاً قيمة الطاعة وثقة الناس به من تجربته في تصديق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته في كل ما قال وعمل. وقد رأينا كيف عبر عن تصديقه للرسولصلى الله عليه وآله وسلم وطاعته له في أحداث مثل نزول الوحي وقصة الإسراء والمعراج وأحد والحديبية، لذلك أظهر حرصاً شديداً على الإرتكاز الى مبدأي الصدق والرضا وصولاً الى التصديق والطاعة. وكان حرياً في هذا المجال أن يؤكد استمرار سياسة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليضمن تثبيت السلطة لهذا نجده:
أولاً: يبقي على عمال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذين استخدمهم قبل وفاته في أنحاء مختلفة في جزيرة العرب، فلم يعزل أحدهم.
ثانياً: الإصرار على إنفاذ جيش أسامة.
ثالثاً: الإصرار على حسم الموقف مع المرتدين نهائيا لصالح الإسلام ودولته دون أي تنازل من أجل تثبيت السلطة.
رابعاً: الحرص على موقع الصحابة – والكبار منهم خاصة – في المجتمع الجديد وفي اتخاذ القرار .
ويعبر تطبيقه للشورى في مسألتين أساسيتين عن هذا الحرص: ففي مناقشة الأوضاع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأولوية الخطوات الواجب اتخاذها، كذلك في الموقف من المرتدين، صورة لتطبيق فلسفة الشورى تدلل على المكانة التي حددها الخليفة للصحابة وللعشرة الكبار الذين أشارت الروايات إلى أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بشرهم بالجنة ومنها عرفوا بالعشرة المبشرين بالجنة وهم – مع الخليفة – كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة عامر بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعيد بن زيد.
وقد أشار الخليفة أبو بكر إلى هؤلاء العشرة في أول اجتماع لهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومبايعته بالخلافة: (انه قد علمتم أنه كان من عهد رسول الله إليكم المشورة فيما لم يمض فيه أمر من نبيكم ولا نزل به الكتاب عليكم).
غير أن الخليفة حرص أيضاً بنفس القدر على إعطاء الأنصار موقعهم في القرار إلى جانب القيادة التاريخية للمجتمع الجديد. فقد استشار أسيد بن حضير في استخلاف عمر بن الخطاب إ.هـ .
سياسة الصديق من خلال إنجازاته
هناك أربعة معالم بارزة في حياة الصديق أثناء توليه الحكم تتجلى من خلالها- رغم قصر الفترة! - عبقريته السياسية، وعظمة شخصيته القيادية. وهي - في الوقت نفسه - عبارة عن إنجازات ضخمة لا تتهيأ إلا لعظماء الساسة وعباقرة مؤسـسي الدول، وقادة الأمم العظام.
هذه الإنجازات هي:
1. القضاء على الفتن الداخلية.
2. التصدي للأخطار الخارجية، والجهاد في سبيل نشر رسالة الإسلام.
3. حفظ الدستور الإسلامي وجمع القرآن العظيم .
4. حسم معضلة ولاية الأمر من بعده .
سأتناولها بالحديث واحدة واحدة :
1. القضـاء على الفتن الداخليـة
في يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدأت الفتن داخلية وخارجية تطل بقرونها. كانت الفتنة الداخلية – طبقاً لطبيعة الحال – أخطرهما، وكانت ذات ثلاث شعب: شعبتان كانتا وشيكتي الوقوع، والأخرى قد وقعت وهي في طريقها لأن تنفلت من عقالها.
فكان على أبي بكر أن يتحرك - وبأسرع ما يمكن - لمعالجة هذا الخطر: فيوطد الأوضاع، ويضبط الأمور في داخل العاصمة أولاً. لينطلق بعدها لأخماد الفتنة التي انطلقت لتغطي مساحة الجزيرة كلها تقريباً.
أ. توطيد الأوضاع في العاصمة
نبأ الوفاة وأثره على أهل المدينة
أما الشعبتان الأُولَيان فإحداهما: اضطراب الصحابة وانهيارهم عند سماعهم نبأ الوفاة الصاعق ! فصاروا لا يدرون ما يفعلون؟ إنهم لا يريدون أن يصدقوا الخبر لهوله! وعمر يهدد بسيفه ويوعد من يقول : (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد مات) !
الكل في اضطراب وذهول والمسجد غاص بالناس، وعثمان وعلي أقعدا لثقل المصاب يبكيان!
ولكن الأمور بمجيء أبي بكر تأخذ منحى آخر!
ينتظم العقد المنفرط ، ويعود كـل شيء إلى مكانه ونصابـه.. وبكلمة واحدة من أبي بكر وهو على المنبر: (يا أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ! ]وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين [.
وتخشع الأصوات وتهدأ الحركات ويفيقون من صدمتهم وترجع إليهم أحلامهم. ويعج المسجد بتلاوة الآية الكريمة المباركة كأنها نزلت لتوها!
نقـل السلطة وكيف تم على يد الصديـق
وما إن ينتهي أبو بكر من علاج الموقف حتى تطل الشعبة الثانية، ويأتي الخبر إليه – لا إلى غيره؛ فهو في نظر الجميع رجل الموقف والمسؤول الأول والأكبر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم – يأتيه الخبر بأن إخوانهم الأنصار قد اجتمعوا في ما بينهم ليبايعوا سعد بن عبادة.
ويُهرع أبو بكر – أبو بكر لا غيره – ليعالج الموقف الذي استجد - وكان أعظم من سابقه- ويحسم الفتنة قبل أن تنطلق. إنها (أكبر مشكلة تواجه الدول الناشئة وتهددها بالزوال أو الانقسام وهي ولاية الأمر بعد المؤسس الذي غادر الحياة).
ولو لم يعالج أبو بكر بحكمته الموقف الأول، ويسارع – بحكمته أيضاً وحنكته – إلى علاج الموقف الجديد لظل الصحابة يضطربون في مسجدهم، ويتأوهون لهول مصابهم، ولبايع الأنصار سعداً وقضي الأمر وهم ينظرون لا يعرفون ماذا يفعلون!
ولو حدث ذلك لتفرق الصحابة فِرَقاً ، فإن سعدا ليس ممن تجتمع عليه القلوب، وليس هو المؤهل لأن يخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وله معارضون حتى من الأنصار أنفسهم ! بل الذي جاء إلى أبي بكر بالخبر رجل من الأنصار. وأما المهاجرون فلا يتوقع أن يرضوا به أميراً، ولا العرب في الجزيرة يمكن أن يخضعوا لرجل من غير قريش. فماذا ستكون النتيجة؟!
إن النتيجة المتوقعة هو التفرق والتشرذم. وقد تكون القضاء المبرم على دولة الإسلام وهي في مهدها ! لأن الجزيرة العربية قد انتقضت إلا أقلها. ومن ثبت على دينه وموقفه كمكة المكرمة والطائف قد لا يغني كثيراً عن العاصمة لبعد المسافة وبطء وسائل المواصلات. فإذا افترضنا أن أهل العاصمة قد اختلفوا وتفرقوا فمن للأمة؟ والأمة قد ضربت في صميمها ومركز قيادتها، والخارجون على أبوابها، والفرس قد دخلوا البحرين![6] والروم صاروا يفكرون في التحرك استغلالا للظرف الجديد !!
ولكن أبا بكر يتمكن – وبسرعة خاطفة – من القضاء على هذه الفتنة التي كادت أن تقع، وقبرها في مهدها وأنقذ الأمة من الانزلاق إلى بحر من الفتن لا ساحل له !
ب. مواجهة حركة الخروج والارتداد في الجزيرة
اتخـاذ قرار القتـال
أما الشعبة الثالثة من شعب الفتنة الداخلية فهي حركة الارتداد التي اجتاحت الجزيرة العربية.
يقول العقاد: (وجاءت حروب الردة التي هي مفخرة أبي بكر الكبرى غير مدافع أو هي مفخرته الخاصة التي انفرد بها في تاريخ الدعوة الإسلامية بغير شريك .. ولقد أكثر المؤرخون من الكتابة عن حروب الردة ما لم يكثروا قط في حادث من حوادث صدر الإسلام وكانوا على حق حين وازنوا بين دعوة الإسلام الاولى في مقاومة الشرك ودعوة الإسلام الثانية في مقاومة الارتداد ، فإنما كانت الغلبة على فتنة المرتدين فتحاً جديداً لهذا الدين الناشئ كإنما استأنفت الدعوة اليه من جديد .. إنها أصدق امتحان للدعوة المحمدية خرجت منه دعوة من الدعوات.
فإذا كانت فتنة الردة قد كشفت عن زيغ الزائغين وريبة المرتابين فهي قد كشفت كذلك عن الإيمان المتين والفداء السمح واليقين المبين فحفظت للناس نماذج للصبر والشجاعة والإيثار والحمية تشرق بها صفحات الأديان، وجاءت الشهادة الأولى على لسان رجل من أصحاب طليحة سأله: ويلكم ما يهزمكم ؟ فقال له: أنا أحدثك ما يهزمنا، إنه ليس رجل منا إلا وهو يحب أن يموت صاحبه قبله. وإنا لنلقى قوماً كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه !
… تلك فتنة الردة .. قابلها أبو بكر رضي الله عنه بأحزم ما تقابل بها من مبدئها الى منتهاها، وعالجها علاجها في كل خطوة من خطواتها وفي كل ناحية من نواحيها. فبادرها بالحزم من صيحتها الأولى وتعقبها بالحزم يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة حتى أسلمت مقادها وثابت الى قرارها.
وأحزم الحزم في تلك الفتنة عقابه للمرتدين الذين مردوا على العصيان ولم يستجيبوا نصيح المودة ولا استجابوا نذير الجزاء. فقد كان العقاب أليق شيء بالوزر الذي اجترموه ومردوا عليه: أناس قد استوهنوا سلطان الدين وبخلوا بالمال فبلغ من شحهم به أنهم أنكروا حقوق الدين كله في سبيل حصة من الزكاة فجزاؤهم ان يشهدوا من باس ذلك السلطان ما يعتبرون به ولا ينسونه مدى الحياة، وأن يفقدوا المال الذي من أجله تبادروا الى الفتنة واستبقوا الى العصيان فاستبيحت ديارهم ومراعيهم ومساقيهم، ووهبت عطاياهم للمجاهدين، ولان خالد في بعض المواقع وأبو بكر الوديع الرفيق لا يلين !!
ووضع القصاص فيمن تجاوزوا منع الزكاة الى قتل المسلمين بين ظهرانيهم فلم تأخذه فيهم هوادة بعد إصرارهم على العصيان، واعتدائهم بالقتل وإعراضهم عن النصيح والنذير.
جزاء حق لأنه من جنس العمل:
استهانة يقابلها بأس، وبخل بالمال يقابله ضياع للمال، ونفس بنفس. ومجاهدون مخلصون يؤثرون الإيمان على عروض الدنيا أخذاً
بثأرهم من عصاة غادرين يؤثرون عروض الدنيا على الإيمان.
قال أبو رجاء البصري: دخلت المدينة فرأيت الناس مجتمعين ورأيت رجلاً يقبل رأس رجل ويقول له: أنا فداؤك ولولا أنت لهلكنا.
قلت: من المقبِّل ؟ ومن المقبَّل ؟ قالوا: هو عمر يقبل رأس أبي بكر في قتال أهل الردة إذ منعوا الزكاة حتى أتوا بها صاغرين ..
وقد شاء القضاء أن يكون أبو بكر بطل الإسلام في حروب الردة غير مدافع فهو صاحب الشرف الأول بين ذوي الرأي وذوي العمل في تلك الحروب وكأنما عمر قد وضع بشفتيه شفاه المسلمين جميعاً على ذلك الرأس الجليل يوم انحنى عليه بالتكريم والتقبيل.([7])
تفـرد في استخراج الرأي الفقهي واتخاذ القرار العسكـري
لقد انفرد أبو بكر باستخراج الرأي الفقهي في شرعية قتال أقوام يقولون: (لا اله الا الله) وذلك أمر عسير حتى أقنع المعترضين بصواب رأيه واوضح لهم ما التبس عليهم فكانوا من الموقنين.
وتفرد باتخاذ القرار في تنفيذ هذا الرأي وتطبيقة رغم الظروف العصيبة المحدقة بهم ! والتي يفرض ظاهرها العدول عن هذا القرار وتأليف الناس أو التريث فيه على الأقل.
وفي الوقت الذي يشير فيه الصحابة عليه بعدم القتال ، ويقـول صناديدهم أن لا طاقة لهم بقتال العرب يقف من بينهم أبو بكر كالجبل الأشم يستثير إيمانهم ويثير نخوتهم ويقول:
(.. أيها الناس ! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.
أيها الناس ! أنْ كثر أعداؤكم وقل عددكم ركب الشيطان منكم هذا المركب ! والله ليظهرن هذا الدين على الأديان كلها ولو كره المشركون، قوله الحق ووعده الصدق: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون) و (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)
أيها الناس ! لو (أُفردت)([8]) من جمعكم لجاهدتهم في الله حق جهاده حتى أبلغ من نفسي عذرا، وأقتل مقتلا !
والله أيها الناس ! لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه واستعنت بالله
خير معين) !!!
لقد كان مصيبا – كل الاصابة – في رأيه الفقهي وقراره العسكري!! وبعيدا – كل البعد – في نظره الديني والسياسي !!
ترى! ماذا كان سيكون لو أنه رضخ للضغوط ولان للظروف فغض الطرف عن عصيان العاصين وسكت عن الخارجين فلم يعاقبهم عقوبة الدين أو يواجههم بما ينبغي من حزم الحاكمين ؟
أليس التساهل في ركن من أركان الدين سيؤدي – ولا بد – إلى
ترك ركن آخر احتجاجاً بالأول ؟! … وهكذا سيأتي جيل يترك الصيام وآخر يترك الصلاة ورابع وخامس يترك الحج والجهاد …الخ ! فإذا بالدين قد انهدم وعقده قد انفرط !!
إذن ! لا بد من سد باب الفتنة من أساسه. والله تعالى يقول: ]فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم[ (التوبة:5).
هذا من ناحية النظر الديني البحت .
وللزكاة جانب سياسي – هو من الدين بمعناه الأشمل – لا يخفى على رجال الحكم والساسة المتمرسين.
إن لكل حكومة على رعيتها التزاماً مالياً يعبر عن اعترافها بنظام حكومتها السياسي. إن الامتناع عن أدائه إعلان عن العصيان والتمرد على النظام وعدم الاعتراف بالحكومة.
ولا قيمة - بعد – للعلاقة القائمة بين رعية او شعب وبين حكومته! وبعبارة أخرى: لا قيمة – بعد – لحكومة علاقة شعبها أو رعيتها بها على هذه الصورة !
إن على الشعب أن يرضخ لمنطق العدل والقوة، أو على الحكومة أن تغادر موقعها !
لقد كان الصديق – وهو التلميذ النجيب والصاحب الرفيق لأعظم
حاكم سياسي في التاريخ – يدرك تمام الإدراك أن الامتناع عن أداء الزكاة إعلان عن عدم اعتراف الممتنعين بالنظام السياسي لحكومته فإذا أقرهم عليه فقدت حكومته هيبتها وكانت الرعية الممتنعة أكثر جرأة على عصيانه في أمور أخرى لا سيما الجهاد لتبليغ رسالة الدين. وهكذا تنهار الحكومة، وتتفكك الدولة، بعد أن انهار الدين وانهدمت أركانه !
لقد أدرك الصديق ذلك كله بثاقب نظره، فلم تستفزه المصالح الوقتية القريبة عن المصالح الحقيقية الدائمة. وكان لقتاله المرتدين أكبر الأثر في حفظ الدين وتثبيت أركان الدولة وفرض هيبتها وسلطانها ولولاه لضاع الدين.. والدنيا كذلك.
إنفـاذ جيش أسامـة !
وعاد الصحابة يرجونه أن يرد جيش أسامة بن زيد ليستعينوا به في قتال الخارجين على الدين والقانون، فيأبى الصديق أشد الإباء، ويصمم تصميماً لا رجعة فيه إلا أن ينفذه !
إنه موقف تعنو له الجباه، وتتواضع الجبال !
فمع قمة الإيمان والثقة بوعد الله، وغاية الشجاعة، وكمال الإتباع
لأوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم القائد حيا وميتا مهما تغيرت الظروف وكلفت الأمور! تبرز مع ذلك كله العبقرية السياسية في القدرة على استقراء الأحداث وتحليل الوقائع واستكناه التوقعات لرؤية المستقبل ورسم خريطته والتصرف في خطوطها لتكون حسب المطلوب، وذلك رغم اشتداد الغبار واشتباه الأمور!
إننا حينما نقرر هذا ونقول بأن الصديق كان مصيبا وعبقريا في إصابته الهدف، إنما نقول ما نقول وأمامنا الأحداث نقرأُها جميعاً في صفحة واحدة؛ فيكون من السهل أو المتيسر استقراءُها وتحليلها والربط بينها للحصول على النتائج وتشخيص الخطأ من الصواب من المواقف والأفعال.
أما أبو بكر فقد عَلِمَ عِلْمَ اليقين بأن الصواب في ذلك الرأي والحكمة في ذلك القرار، والحزم في ذلك الموقف مع أن الأحداث ونتائجها لما تزل في باطن الغيب !! وأن كل الاحتمالات واردة سيما وأن الرأي المعاكس هو الغالب وهو الأقرب إلى ظاهر العقل والحكمة!
ولو افترضنا أن الرياح هبت في الاتجاه الآخر وحلت الهزيمة لكان المسؤول الأول والأخير عنها هو لا غيره. ولكان لنا أو للتاريخ حكم آخر !
وهنا تتجلى الرجولة والعبقرية والنظر الثاقب وسط عواصف الاحداث ومدلهمات الخطوب !
يقول العقاد: ولقد يكون في صوابه إلهام، أو تكون فيه روية وقصد مرسوم ولكنه سداد على كل حال ، ووجهة قويمة هي أدنى الوجهتين إلى النفع والصلاح.
بعثة أسامة كانت العنوان الأول لسياسة عامة في الدولة الإسلامية - هي في ذلك الحين – خير السياسات.
كان قوامها كله طاعة ما أمر به رسول الله .
وكانت الطاعة – جد الطاعة – مناط السلامة وعصمة المعتصمين من الخطأ الأكبر في ذلك الحين.
وحيث يكون التمرد هو الخطأ الاكبر ، فالطاعة – بل الطاعة الصارمة – هي العصمة التي ليس من ورائها اعتصام.
وقد كان التمرد هو الخطر الأكبر في ذلك الحين لا مراء :
- كان النفاق يطلع رأسه في مكة والمدينة.
- وكانت القبائل البادية تتسابق الى الردة في أنحاء الجزيرة.
- وكان جند أسامة يود لو استبدل به أميرا غيره. وكان أسامة أول من يشك في طاعة القوم إياه ويترقب أن يخلفه على البعثة أمير سواه.
تمرد أو نذيرُ تمردٍ في كل مكان .
وطاعة واجبة هنا حيث نبع التمرد، أو لا سبيل إلى واجب بعد ذلك يطاع.
طاعة أو لا شيء.
فإن بقيت الطاعة بقي كل شيء.
وهنا تسعف الصديق طبيعة هي أعمق الطبائع فيه أو هي العبقرية الصديقية في أوانها وعلى أحسن حال تكون.
هنا تسعفه القدوة القويمة بالبطل المحبوب.
وهنا يقول وقد خوفوه الخطر على المدينة والجيش يفارقها:
(والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله، ولو أن الطير تخطفتنا والسباع من حول المدينة، ولو أن الكلاب جرت بأرجل امهات المؤمنين
لأجهزن جيش أسامة).
كلمة لو قالها غير أبي بكر لكانت عظيمة. ولكن الذي يقولها أبو
بكر وبنته أعز أمهات المؤمنين.
فلا خطر إذن أكبر من خطر الاجتراء على حق الطاعة في تلك الآونة، ولو جرت الكلاب بأرجل البنات والأمهات !…
ولقد ضرب المثل الأول في الطاعة التي أرادها فشيع البعثة وهو ماش على قدميه وعبد الرحمن بن عوف يقود دابته بجواره فقال أسامة: ياخليفة رسول الله، والله لتركبن أو لأنزلن. فقال: والله لا تنزل ووالله لا أركب، وما عليّ أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة … ثم قال لأسامة: اصنع ما آمرك به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. ولا تقصرن في شيء من أمر رسول الله.
ويتساءل العقاد: ماذا كان يحدث لو أن قبائل غسان وقضاعة استضعفت شأن المسلمين وفي أيديها الطريق بين بلاد العرب وبلاد الروم ؟
كل شيء جائز أن يكون !
وأوله إغراء الروم بالهجوم، ولهم عون من تلك القبائل ومن يجتمع اليها من المجترئين والمتحفزين .. ولقد أدرك أناس في عصر أبي بكر صواب الرأي في إنفاذ تلك البعثة بعد إنفاذها وعودتها فشاع في الجزيرة خبرها .. وروى مؤرخو تلك الفترة أنها كانت لا تمر بقبيل يريدون الارتداد إلا تخوفوا وسكنوا وقالوا فيما بينهم: لو لم يكن المسلمون على قوة لما خرج من عندهم هؤلاء !
فإذا كان بقاء أسامة بالمدينة جائزاً لدفع خطر، فإرساله كذلك جائز لدفع خطر مثله. وفازت الدولة بين هذا وذاك بدرس الطاعة وهو
يومئذ ألزم الدروس.
ولا تجهل قبائل البادية ما هي دولة الروم التي اجترأ الجيش على تخومها في غير مبالاة ! إنهم يعلمون ما هي دولة الروم بالعيان، أو يعلمون ما هي دولة الروم بتهويل السماع. وجيش يذهب الى تخوم تلك الدولة ثم يعود غير مسحوق ولا منقوص، بل يعود بالغنائم والأسلاب كيف تستخف به قبيلة هائمة في عرض صحراء؟
إن جيش أسامة قوة ذات بال في الجزيرة العربية، ولكنه فعل بسمعته ومعناه ما لم يفعله بقوته وعدده فأحجم من المرتدين من اقدم وتفرق من اجتمع، وهادن المسلمين من أوشك أن ينقلب عليهم وصنعت الهيبة صنيعها قبل أن يصنع الرجال وقبل أن يصنع السلاح([9]) إ.هـ.
ولقد كان أبو بكر يدرك حجم قوة دولة الروم، ويعلم أن التحرش بها ليس تسلية ولا نزهة، فلولا اعتقاده الجازم بقدرته على مواجهة جميع الاحتمالات لما غامر هذه المغامرة ! فمن أين جاءت القوة لأبي بكر في ذلك الظرف العصيب وكل الدلائل تشير إلى غير ما ذهب إليه ؟! وما هي مصادر الثقة المطلقة بالنتائج الإيجابية لما يصنع وهي لما تزل نطفة في رحم الغيب المجهول ؟! إنها قوة الإيمان الراسخ والنظرة البعيدة الثاقبة والسياسية الحكيمة الصائبة.
أبو بكـر وفن إدارة الأزمـة([10])
بعد أن أنجز المسلمون أروع عملية نقل للسلطة (من نبي إلى خليفة) أصبح الخليفة أمام المهام الرئيسية المطروحة وهي بمجملها مهام فرضها الظرف التاريخي للإسلام في آخر سنة من حياة الرسولصلى الله عليه وآله وسلم، وبعضها فرضتها الظروف الناجمة عن وفاتهصلى الله عليه وآله وسلم. وإذا كان الخليفة قد حدد نظرته إلى السلطة وشكل قيادته للمسلمين فإنه في مواجهة المهام التي فرضتها الظروف واجه صعوبة كبيرة . فهو في آن واحد كان مطالباً:
1- بتثبيت سياسة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
2- وتعزيز الثقة بالذات لدى الصحابة.
3- وإبقاء المرتدين في:
أ- موقف البعثرة والتشتت .
ب- ثم الانكفاء والهزيمة .
والراجح أنه من خلال إنفاذ جيش أسامة بن زيد ، وحسم الموقف الاجتهادي من المرتدين وتطبيق مبدأ الشورى حقق الأمرين الأولين.
أما الأمر الثالث فإن خطواته استغرقت وقتاً طويلاً يبدأ منذ تحرك أسامة بن زيد شمالاً إلى الشام في آخر ربيع الأول سنة 11هـ إلى تسيير الجيوش الخمس نحو الشام والعراق سنة 12هـ .
ويمكننا تتبع هذه الخطوات على النحو التالي :
1-
2-تحشيد القبائـل
أولاً: بمجرد أن سيَّر الخليفة جيش أسامة قام بتحشيد من بقي من القبائل التي كانت لهم الهجرة في ديارهم وصيرهم مسالح حول قبائلهم[11]… لقد حققت هذه الخطوة أهدافا تعبوية متعددة:
فهي أولاً: عزلت المسلمين من القبائل عن غير المسلمين، وأقامت حاجزاً نفسياً بين الطرفين يحول دون اهتزاز قناعة المسلمين بسبب قلتهم، وإزاء الضغط والقتل من مشركي قبائلهم.
وأوجدت خطوطاً دفاعية حول المدينة وطورت نظام الدفاع الذاتي عن النفس وتحمل مسؤولية المبادرة واتخاذ القرار.
2 – الحرب بالرسل أو سياسة الإلهاء
ثانياً: اتباع سياسة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إلهاء المرتدين بالرسل فكلما ورد رسول بخبر قوم رده برسالة وأتبع الرسل بالرسل تأجيلا للمصادمة لحين عودة جيش أسامة.
ويبدو أن هذه السياسة كانت فعالة وحققت أهدافها، لأنها أبقت عامل الزمن الناجم عن غياب جيش المدينة (أربعون يوماً) إيجابيا لصالح الخلافة. وبالتالي أبقت زمام المبادأة بيدها حتى سماها المؤرخون بـ (الحرب بالرسل).
3 – مهاجمـة بؤر الردة المتحركـة
ثالثاً: مهاجمة بؤر الردة المتحركة: كونت بعض القبائل تجمعا قبليا وجربوا الغارة على المدينة من اتجاهين غير أنهم وجدوا الخليفة قد سد أنقاب المدينة بالمقاتلة، ثم تبعهم فهزمهم وحرق بعض قياداتهم بالنار.([12])
لقد حققت هذه الخطوة أهدافها. وأبرزها:
1- تعزيز ثقة المسلمين بالخلافة.
2- إرهاب المرتدين وإعطاءُهم فكرة حية عن جدية الخلافة في توجهها .
3- منع تجميع القبائل المرتدة والحيلولة دون تكاتفها.
4- كما أنها عززت صلة المدينة إداريا ببعض الأطراف.
5- وأمنت جباية بعض الصدقات، وتعزيز اقتصاد الخلافة.
4 – الهجوم الشامل على المرتدين
رابعـاً: الهجوم الشامل على المرتدين : بدأت هذه الخطوة بعد عودة جيش أسامة، وما ترتب على ذلك من تحسن القدرة الاقتصادية للخلافة حيث عقد الخليفة أحد عشر لواءاً.
أعطى الخليفة إلى كل قائد عهده وحملهم كتاباً واحداً إلى العرب كافة حدد في الأول واجبات كل أمير وحدد في الثاني فهم الخلافة لإسلام المسلم وما يترتب عليه من التزامات وموقفها من المرتد .
وتكشف وثائق المصالحات التي عقدت مع بعض القبائل عن سياسة الخلافة من المرتد الذي يقاتل ويهزم وهي:
1- القتل على الرجال والسبي على النساء والذراري.
2- الإجلاء عن الأرض.
3- المصالحة لمن لا يقاتل بشرط:
أ. نزع الحلقة (السلاح) والكراع منهم.
ب. اعتبار ما أصابه المسلمون من أموالهم غنائم. وحدد هذه الأموال في (الصفراء والبيضاء) أي الذهب والفضة.
ج. تعويض المسلمين عما أخذه منهم المرتدون .
د. دفع المرتدين دية شهداء المسلمين.
هـ. إقرار المرتدين أن قتلاهم في النار.
تحقيـق كامل الاهـداف
حققت سياسة الخليفة كامل أهدافه فقد تم له:
1- القضاء على الردة .
2- وتثبيت سياسة النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
3- وتعزيز الوحدة التي حققها في حدود الجزيرة العربية .
4- واستكمال التنظيم الإداري والعسكري والاقتصادي والاجتماعي لدولة يقودها الصحابة ويرأسها الخليفة.
5- وتحقيق نقلة تاريخية في بناء القوة العسكرية القادرة على الضرب بعيدا – ليس عن مركز الدولة وإنما – عن حدودها أيضاً. لذلك تجده يقف في المسجد مخاطباً الناس بقوله:
(فالعرب اليوم بنو أُم وأب وقد رأيت أن أستنفر المسلمين إلى جهاد الروم بالشام) ثم أردف: (واعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عوَّل أن يصرف همته إلى الشام فقبضه الله إليه، واختار ما لديه. ألا وإني عازم أن أوجه أبطال المسلمين إلى الشام بأهليهم ومالهم فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنبأني بذلك قبل موته).
الثوريـة والاتباع في سياسة الصديـق
لقد أتاح قدم الإسلام للخليفة أبي بكر مواكبة نزول القرآن أكثر من غيره مما أعطاه فرصة تكوين مبدئية شاملة استوعبت الأسس العقائدية اللازمة وتعزيزها سلوكياً من خلال المواقف العملية المعبرة وبالتالي امتلاك تاريخية أطول لتلك المبدئية.
إن طبيعته الهادئة الوديعة – أو كما وصفه المؤرخون (كان مألوفا لقومه) شكلت عاملا إيجابياً لصالح الاستيعاب العقائدي والتعبير السلوكي العميق عنه وبالتالي تكوين تلك الشخصية الثورية المتزنة القادرة على اتخاذ القرار الصائب والبقاء دائماً في الجانب الصحيح كما تقتضيه العقيدة وتستوجبه الصحبة الطويلة.
وقد كانت هذه الصفات تختفي خلف هدوء القناعة يقيناً بالعقيدة والطاعة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حياته. أما وقد توفي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وانتقل أبو بكر إلى الموقع الأول، فقد فاجأ المسلمين والصحابة منهم بشكل خاص بجوانب شخصيته ! فعندما صعب على المسلمين التسليم بوفاته وارتبكوا وذهبوا كل مذهب جاء أبو بكر من منزله بالسنح، ودخل على رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم فكشف عن وجهه فقال: (بأبي أنت وأمي أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها ثم لن يصيبك بعد موتة أبداً) ثم رد الثوب على وجهه وخرج إلى الناس وهو يسمع ما يقولون فوقف خطيباً يؤكد حقيقة وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
وعندما أرجف الناس واشرأبّ النفاق ، واتسع نطاق الردة واضطرب الصحابة واقترحوا عليه الإبقاء على جيش أسامة بن زيد كشف عن عميق وعيه وبعد رؤيته بالإصرار على إنفاذ جيش أسامة وتأكيد استمرار سياسة الرسولصلى الله عليه وآله وسلم أولاً. وهي مسألة مهمة جداً لضمان وحدة الفكر والاجتهاد .
غير أنه أدرك أيضاً الاحتمالات العملية التي يمكن أن تترتب على الإبقاء على الجيش أولها الإيحاء بانكفاء المسلمين في المدينة وترك الجزيرة مسرحاً للمرتدين يصولون ويجولون فيها.
كما أنه أدرك أن الإبقاء على جيش أسامة تعلق بأسباب القوة التقليدية بينما المفروض في روح الثورة أن تخلق قوتها باستمرار من خلال تثوير العوامل في الظرفين المكاني والزماني والتعبير عن الذات.
فهو إذن ينشد في المشورة ثورية الرؤية وليس الواقعية المجردة، لأن ثورية الرؤية تعكس الثقة بالمبادئ والروح الثورية، بينما الواقعية المجردة تعكس التوسل بالدنيا تقليدياً.
كما أن خروج الجيش يعطي الانطباع الأول عن تقدير الخلافة لحركات الردة وأنها حركات هامشية لا تخيف المبادئ ولا الدولة فتهز قناعات المرتدين بدل أن تهز الردة قناعات الصحابة والمسلمين.
فلما خرج الجيش خرج هو بمن بقي لملاقاة المرتدين. وهو قرار صائب مكمل لقراره السابق، لأنه اتاح ثوريا تكوين قوة جديدة للعقيدة تتعامل مع المرتدين، وبذلك حقق هدفين: 1– تجديد القوة العسكرية للدولة والعقيدة 2 – إظهار جانب قوة آخر للدولة ومسرحاً جديداً لفعله يشد الخصوم ويمنع التقاءهم ويبقيهم على بعثرتهم.
غير أن المهم في الموقف أن خروج أبي بكر لحرب المرتدين جاء بعد أن أعطى للصحابة مفهومه للإيمان والطاعة. فهو إذ لم يفرق بين من كفر أو من امتنع عن دفع الزكاة، قد اعتبر كلا نوعي الحركات الارتدادية خارجاً على العقيدة والدولة.
وإن موقف النوع الثاني في الارتداديين يجزئ الموقف العام أولاً، ويتخذ لنفسه موقفاً متميزاً ضمن الدولة وبنائها السياسي. فإذا قبل الخليفة تحللهم من شرط الزكاة فمعنى هذا أنه أقر لهم موقفاً خاصاً في اتفاق معلن وهو خلل في البناء الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي للأمة لأنه يهدد الوحدة ويقود الى معارضة نهائية مستقبلاً.
لهذا عد الجميع موضع مجابهة مع الدولة وتمسك بتسليم المرتدين بمبادئ وأسس الإسلام كافة، إدراكاً لقيمة تضافر تلك المبادئ والأسس في إرساء أسس الأمة الجديدة، وانتصار العقيدة الجديدة.
فالذين أرادوا الايمان بالله ورسوله وأقاموا الصلاة وحجبوا الزكاة يريدون دنيا بدون دين، فمثلهم مثل الذين أرادوا الاستقلال عن الدولة فاختاروا الدين بدون دولة. وهو إخلال بالترابط بين التوحيد والوحدة.
لهذا قيل في أبي بكر: إنه أفضل الناس بشيء كان في قلبه وليس لأنه كان أكثرهم صلاةً وصياماً) إ. هـ. بشيء من التصرف.
بهذه السياسة الحكيمة والقيادة الحازمة تمكن الصديق رضي الله عنه من القضاء على الفتن الداخلية بجميع شعبها وأشكالها. وذلك أول عمل ينبغي أن يقوم به أي حاكم، وأول شرط لاستقرار أي حكومة، ودوام أي نظام وإلا ضعفت الحكومة في نهاية المطاف وانهار النظام، فضلاً عن الانشغال عن المهام الأساسية الأخرى في الداخل أو الخارج.
وهو ما حدث لسيدنا عثمان رضي الله عنه في النصف الثاني من خلافته، وسيدنا علي رضي الله عنه يوم آلت إليه الخلافة. فكانت فترة عصفت فيها الفتن بالأمة عصفا فانقسمت على نفسها وخاضت حروباً أهلية لا طائل من ورائها، ولم تحقق أي هدف من أهدافها. بل ابتعدت كثيراً عنها. وكلما
مر زمن زادت الأمور تعقيداً واضطراباً!
وبغض النظر عن الأسباب والأعذار فإن علياً لم يستطع معالجة التركة التي ورثها وتدارك الأمر أو القضاء على الفتنة، ولم يتمكن من السير على سياسة تعود بالأمة إلى سابق جماعتها ووحدتها لينطلق بها مرة أخرى إلى حيث يريد لها أن تنشر رسالتها.
بل تفاقمت الأمور وكثرت الفتن والاضطرابات وقوي الخصوم حتى تمكنوا من قتله! وغادر موقعه في القيادة شهيداً والأمة مضطربة منقسمة لم تتوحد إلا .. بعد حين! في زمن معاوية رضي الله عنه .
خليفـة القائد الأعظـم
إن عبقرية الصديق وكفاءته القيادية، وقدرته على حشد الناس، وأثره الفاعل في انقيادهم له والتفافهم حول شخصه، وهيبتهم وإجلالهم لشخصيته، وحبهم وانجذابهم لها، لا يمكن الإحاطة به أو تصوره كما ينبغي وتقديره حق قدره ما لم نستحضر أمراً في غاية الأهمية ألا وهو: أن الصديق جاء الى منصة الحكم والقيادة بعد أعظم قائد وأكبر شخصية آسرة حكمت الارض، ألا وهو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم المؤيد من السماء !
إن من الطبيعي أن تقع المقارنة بين اللاحق والسابق في أي موقع من مواقع الحياة ووظائفها. وإذا كان السابق قد أوتي نصيباً من التميز وعناصر الجذب والاستيعاب، فإن اللاحق مهما أوتي من مؤهلات ما لم تكن مقاربة لمن سبقه فإن الحظ سيكون إلى غير جانبه؛ ما يؤدي الى ضعف التفاف الجمهور حوله، لشعورهم بالفجوة الفاصلة بينهما ! ومهما أجهد الثاني نفسه ليبدو مقبولاً وجذاباً فلن يفلح إلا أن تكون الفجوة ضيقة أو معدومة.
فما بالك بشخص جاء بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم !! فقاد الناس قيادة وساسهم سياسة حتى كأن شيئاً لم يتغير! بل كثر الخير وانتشر، واستقرت الأمور، وتوسعت الدولة وثبتت أركانها، واستطاع أن يدير الناس في فلكه ويجذبهم إلى مركزه فصاروا يطوفون به كما تطوف الكواكب بالنجم الكبير !
شبيه إبراهيم وعيسى عليهما السلام
لا شك أن الله تعالى حين اختار الإسلام خاتماً للأديان يريد له أن يبقى، ويريد له أن يقوى ويستغلظ ويستوي على سوقه، ويكره أن يضعف أو ينتهي ويزول بوفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
إن هذا يستلزم أن يولي أمر دينه من بعد نبيه خيرة صحبه؛ فإن هذا هو الذي يحقق مراد الرب جل وعلا على أتم وجه وأحسن حال. فكان أبو بكر هو المختار بعد المختار صلى الله عليه وآله وسلم .
لقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلم – والأمة تعلم – أن أبا بكر كذلك، ويشبهه بإبراهيم خليل الله، وعيسى روح الله. وهما من أولي العزم.
وإبراهيم أفضل الأنبياء عليهم السلام بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وللنبي شبه كبير به خَلقا وخُلقا. وعيسى لا يبعد عنه في المنزلة كثيراً. وهذا يعني أن الفجوة بين شبيه إبراهيم وعيسى وبين النبي ليست واسعة، بل ضيقة جداً.
بينما شبّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً رضي الله عنه بهارون u ، وجعل منزلته منه كمنزلة هارون من موسى. والفجوة بين المنزلتين واسعة!
ولو مات موسى فخلفه هارون لما استطاع أن يجمع حوله بني إسرائيل، ويشدهم في فلكه. ولقد حدث له ذلك حين ذهب موسى لمناجاة ربه وقال: ]لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ[ (الأعراف:142). فلم يستطع هارون أن يقود قومه وينقذهم من فتنة الارتداد وعبادة العجل ]وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [ (الأعراف:150). وقال: ]إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي [ (طه:94) . ولما قال لقومه: ]اتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع الينا موسى[ (طه:91،90)
بين أبي بكر الصديق ويوشع بن نون
|
والشيء نفسه قاله المرتدون لأبي بكر:
أطعنا رسولَ اللهِ ما دام بيننا
|
|
فيا لَعبادِ اللهِ ما لأبي بكرِ
|
ولكن أبا بكر – يا لعباد الله – كان له معهم شأن آخر !
ولما مات موسى u كان الذي خلفه في قومه وقادهم قيادة قوية محكمة هو (صاحبه) الذي كان دوماً في رفقته وصحبته، فتاهُ الذي جاء ذكره في سورة (الكهف) في قصته مع الخضر u . لقد استطاع أن يقود بني إسرائيل ويقاتل بهم عدوهم حتى عبر بهم نهر الأردن. والشيء نفسه حدث لأبي بكر !
يقول الأستاذ محمود الملاح[13] رحمه الله :
(ولننقل ما ورد في الإصحاح الأول من سفر يوشع ليقف القارئ على أن سيرة يوشع كانت (مفصلة) على أبي بكر كأنها حلة أعدت له منذ ألفي عام هكذا: (وكان بعد موت موسى عبد الرب، أن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلاً: موسى عبدي قد مات فالآن قم اعبر هذا الأردن أنت وكل الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لهم .. كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى .. لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك. كما كنت مع موسى أكون معك.
تشدد وتشجع جداً !! للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي لا تمل عنها يميناً ولا شمالاً.
تشدد وتشجع. لا ترهب ولا ترتعب لأن الرب إلهك معك).
فانظر إلى هذه، أما تراها منطبقة المفاهيم على أبي بكر (يوشع نبي المسلمين) كأنها نزلت عليه (إلا أنه لا نبي من بعدي) !
قلت : كأن هذه الكلمات نزلت من السماء على أبي بكر يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ووقوع الارتداد: (لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك كما كنت مع (محمد) أكون معك).
وقالوا له: لا تنفذ جيش أسامة، فأصر على إنفاذه حفاظا على متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده! فكأن السماء يومها كانت تناديه: (تشدد وتشجع جداً للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها (محمد) عبدي، لا تمل عنها يميناً ولا شمالاً. تشدد وتشجع. لا ترهب ولا ترتعب لأن الرب إلهك معك)([14])!
يقول الأستاذ الملاح: (فارجع البصر هل ترى من فطور) في سيرة أبي بكر وسياسته بالنسبة إلى سيرة النبي وسياسته ؟ (ثم ارجع البصر كرتين) في قوله: (لا يقف إنسان في وجهك ! كما كنت مع موسى أكون معك ! تشدد وتشجع للعمل حسب كل الشريعة ، لا تمل عنها يميناً ولا شمالاً (لا ترهب ولا ترتعب).
ومن الغرائب أن آخر غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت غزوة تبوك دون الأردن وإنما الذي عبر الأردن جيش أبي بكر !!
وكان النبي عقد لواء لأسامة فأنفذه أبو بكر وقال: لا أحل راية عقدها رسول الله.([15])
ولو خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته بأربعين يوماً كيف سيجد أمته التي تركها ؟ سيجدها متماسكة قوية تضرب بيد من حديد رأس كل خارج عنيد. قد أحكمت أمرها واستقام رشدها والتفت حول إمامها. ورجع جيش أسامة بالغلب والخير والظفر. فهل هناك أروع وأبهى، وأشد وأقوى !!
لا بد أنه سيودعهم بالابتسامة نفسها التي ودعهم بها آخر مرة وهم يصلون جميعاً خلف إمامهم، ثم يرخي الستر ما بينه وبينهم من جديد! ويحلق راضياً مطمئناً إلى الملأ الأعلى والسماوات العلى.
لقد شبت الأمة عن الطوق فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
أما علي رضي الله عنه فكان من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كـ(هارون من موسى) في منزلته. وكذلك في شخصيته التي تعاني من عدم انقياد الناس لها واجتماعهم حولها. وقد حدث له ذلك مرارا في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما كان يوم تركه على المدينة وتوجه إلى تبوك فكان سبب قوله له وقد تبعه يبكي وهو يشكو اليه انفضاض الناس عنه ولمزهم إياه: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي). وهو مواساة وتطييب خاطر أي أن لك أسوة بهارون حيث تركه موسى فعصاه قومه واستضعفوه وكادوا يقتلونه فاصبر واحتسب !
إن القدرة على القيادة وحشد الاتباع ليس شرطاً أن تتناسب طردياً مع التقوى، فقد يكون الرجل تقياً ولا يكون قائداً من الطراز الأول كهارون u وهو نبي!.
وليس كل الأتقياء يصلحون كقادة أكفاء. وقد تجتمع في أحدهم نسبة معينة من مؤهلات القيادة تقترب أو تبتعد من القمة والناس مراتب ، وليس ذلك بضائرهم عند الله .
ولما ذهب علي رضي الله عنه إلى اليمن اختلف الناس عليه وخاصموه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاضطر أن ينزل في الهجير عند غدير يقال له خم ليدافع عنه ويبرئ ساحته.
وحدث لما آلت إليه الخلافة أن تفرق عنه الناس ولم يستطع جمعهم واستيعابهم ووقع له ما خشي منه هارون u أن يقع من الفرقة في قومه فلم يأمرهم إلا بما كان يقدر عليه وانتظر حتى رجع موسى u القائد الموهوب.
وقد أدرك علي ذلك تمام الإدراك وأشار إليه – بأبي هو وأمي -
بقوله: (أنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً)([16]) لما أكرهوه على البيعة ولكن لم يسمعها منه أحد وضاعت وسط الضجيج فتقدم لتحمل المسؤولية بشجاعة وصبر وثبات، لكن الأحداث كانت عاصفة شديدة العصف ولم يكن في وسعه إخمادها، فقضى والفتنة لما ينطفئ أوارها.
ترى ! لو خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاة عثمان وتولي علي بأربعين يوماً ماذا كان سيجد ؟ وما عساه أن يقول!
إنه سيجد أمة متفرقة تموج في الفتن. وإمامهم يرقب الأوضاع وهو يتحسر كهارون يأمر أتباعه فلا يطيعون وينهى قومه فيعصون وهو يقول: (تقول قريش: ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا رأي له ألا لا رأي لمن لا يطاع لا رأي لمن لا يطاع لا رأي لمن لا يطاع).([17])
لقد انتظر هارون حتى رجع موسى فحسم الأمر. ولحق علي بعد حجة الوداع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأدركه عند ذلك الغدير فكان ما كان وقضي الأمر. وتبعه وهو متوجه الى تبوك فواساه وطيب خاطره ! ولكن ينتظر من في ذلك الظرف وهو أمير المؤمنين وخليفة المسلمين؟!
وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول له: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟).
وشتان شتان بين المنزلتين ! لقد كان الفراغ واسعاً بين منزلة هارون ومنزلة موسى فملأه يوشع بن نون كما ملأ الفراغ بين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلي أبو بكر الذي شبهه رسول الله بإبراهيم وعيسى، وعمر الذي
شبهه بنوح وموسى !
ولا شك أن إبراهيم وعيسى - وكذلك نوحاً وموسى - أعظم منزلة من هارون.
وأذكِّر هنا أن يوشع الذي خلف موسى u صار من بعده نبياً يوحى إليه؛ فلولا أن الوحي قد انقطع بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن محمداً قد ختمت به النبوة، لكان أولى الناس بالنبوة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأ
2- التصدي للأخطار الخارجية والجهاد في سبيل نشر الرسالة
وهو من أدل الدلائل على عبقرية الصديق السياسية وكفاءته المتميزة في التخطيط والقيادة العسكرية.
لقد استثمر الحالة الجديدة التي صارت عليها الأمة بعد القضاء على فتنة المرتدين وما اكتسبته من خبرة في القتال وثقة بالنفس وتوحد في الصف للقيام بأعظم عمل إيجابي ألا وهو الجهاد في سبيل الله لنشر مبادئ الإسلام. وأول ثمرة من ثمار هذا العمل إشغال الناس عن الفتن وما يمكن أن يتولد عن الحروب الداخلية التي خاضوها قريباً من التفكير بالثأر والعمل للإنتقام وزعزعة الصف . فنادى فيهم نداءه وعبأهم لمقاتلة أعظم دولتين في زمانه فارس والروم فعصف بهما عواصفه، وما قضى إلا وقد وجه لكل منهما الضربة الموجعة المميتة، إذ حررت جيوشه غربي العراق وتمركزت في (الحيرة) تتخذ منها قاعدة بانتظار فرصة القفز الى (المدائن) عاصمة الفرس المغتصبين.
اما الروم فقد انتزع منهم الشام، ولما جاءته المنية كانت جموع المجاهدين تتعبأ في ساحة اليرموك لتخوض أعظم معركة فاصلة في تاريخ الجبهة الغربية الملتهبة بقيادة ألمع وأعظم القادة العسكريين الميدانيين في التاريخ سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه الذي كان الصديق وراء اختياره.
كل ذلك تم في غضون سنتين اثنتين فقط هي فترة حكمه المباركة والحافلة بالأحداث الجسام! أليس هذا من العجب العجاب؟!
أعظم خطة عسكرية في التاريخ
حينما نقول: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه من طراز القادة التاريخيين العظام، لا نقول ذلك بدافع الحب والإعجاب المجرد.
لقد كان الصديق مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطط ويقود ويوجه وهو يشاركه الرأي والمشورة. لكن شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان تغطي عليه وتحجب بروز مواهبه ظاهرة للقريب والبعيد. لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعرف من هو أبو بكر فكان يقدمه على الأصحاب. حتى إذا غادرت الشمس سماء الإسلام برز البدر ينير الوجود ويسحب ذيل نوره على الكواكب والنجوم.
إن أبا بكر هو واضع الخطة العسكرية التي أبادت الفرس وحطمت دولتهم فأزالتها - وإلى الأبد - من الوجود!
إن خطة عسكرية حققت ما عجز عنه الرومان والبابليون، وهزمت قوماً كانوا قد محوا خلال تاريخهم – إضافة إلى بغداد -خمس دول وحضارات قامت في العراق هي سومر وأكد وآشور والحضر وبابل ! وكانت وقعاتهم وسطواتهم بالروم يشهدها العالم إلى زمن مبعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومنها انتصارهم الذي سجله القرآن بقوله: ]غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون[ (الروم:2،1) حتى لقد وصل الفرس إلى عاصمة الرومان الشرقية -القسطنطينية- لهي حقاً أعظم خطة عسكرية في التاريخ.
لقد أيس البابليون وعجز الروم في دهورهم المتطاولةعن إسقاط دولة
فارس، ولم يفلح أي قائد عسكري لامع طيلة تاريخهم في أن يضع خطة يجتث بها دولتهم ويسقطها الى الأبد. وعجز العرب كذلك ! حتى إذا استيأسوا وهم يحاولون ويأملون ويظنون بأنفسهم الظنون جاءهم أبو بكر ليضع تلك الخطة العسكرية التاريخية الأسطورية ويرسمها وهو جالس مع أركان حربه فوق رمال الجزيرة . وهذه هي الملامح الأساسية للصورة الرائعة لتلك الخطة:
قسم أبو بكر الخطة إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى:
عبارة عن معارك استنزاف سريعة متلاحقة تنهك الخصم الفارسي وتشتت قواه وتستنفدها وتفقده الثقة بنفسه وتعيد الثقة وتزرعها في نفوس العرب حتى إذا تم استنزاف الخصم أجهز عليه بمعركة نهائية كبيرة فاصلة أعد لها طويلاً.
تنتهي المرحلة الأولى بتحرير غربي العراق والاستيلاء على (الحيرة) التي هي أنسب موقع لمن يريد تهديد العاصمة من العرب: ان وجهها الى سواد العراق وظهرها الى صحراء العرب فيمكن التوغل منها بحذر الى الداخل أو الانسحاب منها الى الصحراء لإعداد العدة واستئناف الهجوم مرة أخرى.
المرحلة الثانيـة:
وهي عبارة عن معركة كبيرة فاصلة ، يخوضونها بعد أن يكون
الفرس قد أنهكت قواهم وفقدوا الثقة بأنفسهم في الوقت الذي يكون العرب قد استعادوا هذه الثقة وجمعوا قواهم وحشدوها لكسب المعركة التي سيتم بعدها الانقضاض على عاصمة الفرس -المدائن- لإسقاطها وإحكام السيطرة عليها.
أوكل تنفيذ المرحلة الأولى إلى سيف الله خالد بن الوليد وعياض بن غنم على أن يدخل الأول العراق من جنوبه والثاني من أعلاه لمشاغلة العدو وشل تفكيره وتشتيت قواه فأيهما وصل الحيرة – وهي الهدف الأول لهما – قبل صاحبه كان هو الأمير أو القائد العام. فأتم المهمة كلها خالد بن الوليد([18]) وخاض في سبيل تحقيق هذا الهدف الكبير - وفي غضون سنة واحدة! - بضع عشرة معركة كبيرة خاطفة استطاع العرب بها أن يحققوا أهدافهم ضمن تلك المرحلة كاملة، وصاروا يتأهبون لخوض المعركة الفاصلة وهم في أعلى المعنويات وحالات الاستعداد.
بعد احتلال الحيرة صدر الأمر من العاصمة لسيف الله خالد بالتوجه إلى الشام، وعاجلت المنية أبا بكر فاكمل تنفيذ الخطة الفاروق عمر، فكانت معركة (القادسية) التي تم من بعدها إسقاط المدائن وإخماد أسطورة النار الخالدة.
فلو لم يكن للصديق إلا هذا الإنجاز في عالم العسكرية الذي عز على متناول عمالقة الرومان والبابليين وسادات العرب لكفاه فخراً بين عظماء التاريخ ودليلاً على عبقريته العسكرية وكفاءته القيادية!
بين قيادة أبي بكـر وبطولة علـي
|
لقد عرفت العسكرية علياً مقاتلاً ميدانياً من الطراز الأول، وجندياً باسلاً ومحارباً فاتكاً يجيد فن القتال ومبارزة الأقران! أعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الراية مراراً وهي لا تعطى إلا للأبطال كمصعب بن عمير وأمثاله.
ومن الملاحظ في دراسة جهاد علي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم ينفرد في قيادة جيش طيلة العهد النبوي كما انفرد غيره كأبي عبيدة وعمرو بن العاص وخالد وحمزة وأسامة وجعفر!
إلا في خيبر. وحقيقتها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوكل إليه قيادة كتيبة اقتحامية أشبه ما تكون بالكتائب الميدانية الاستشهادية . وهو الأسلوب الأنجح مع اليهود لجبنهم وحرصهم على الحياة وخوفهم من المواجهة والالتحام بالسلاح الأبيض. وخير من يستطيع القيام بهذه المهمة من هو مثل علي في بسالته وشجاعته وتمكنه من فن القتال في الميدان.
أما القائد العام والمخطط الذي يشرف على سير المعركة فقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه الصديق (ثاني اثنين) وبقية أركان حربه.
حتى إذا انتقل النبي القائد إلى الرفيق الأعلى لم نجد علياً رضي الله عنه يستلم قيادة جيش أو معركة طيلة ربع قرن. حتى إذا استلم الخلافة وقد كثرت الحروب الأهلية خاض معارك عديدة تولى قيادتها، لم تكن من جنس المعارك التي يتجلى فيها الفكر الاستراتيجي العسكري والعبقرية القيادية التخطيطية أو التنفيذية كما هو الشأن في معركة القادسية واليرموك ونهاوند . إنما كانت معارك برزت فيها المقدرات الفردية والمبارزات الميدانية للجندي الباسل، وذلك ما يجيده علي. لقد كثر القتل فيها وكان القتلى يعدون بعشرات الآلاف ثمنا لمعارك لم تكن حاسمة قط، ولم يتغير بها وجه التاريخ أو وجهة الأحداث، ولم يصل فيها علي إلى هدفه وكانت سجالاً بينه وبين خصومه الذين بدا أن الزمن ومجرى الأحداث يسير إلى صالحهم إلى يوم استشهاده رضي الله عنه .
إن ما فقدته الأمة من شهداء في ساحات الوغى وهي تحرر العراق والشام وأفريقيا، وتفتح فارس وبلاد ما وراء النهر، وتطهر البحر الأبيض والأحمر، وتغير وجه التاريخ أيام الخلفاء الراشدين الثلاثة الأُوَل - لا أظنه يساوي ما فقدته الأمة من رجال في تلك الحروب التي خاضها الخليفة الرابع، دون أن يصل من ورائها إلى أي هدف من أهدافه!
3- جمع القرآن وحفظ الدستور
إن هذا العمل العظيم والإنجاز الكبير هو أعظم ما شرف الله تعالى به الصديق من أعمال وحققه من إنجاز!
إن الأمة هي أمة القرآن ، فلا أمة بلا قرآن إذ لا أمة بلا هوية. وهوية هذه الأمة هو القرآن العظيم. بل هو أصل وجودها وبقائها !
ويفوز أبو بكر بهذا الشرف ! ويكون هو صاحب وسام قوله تعالى: ]إن علينا جمعه وقرآنه[ (القيامة:17).
انقسمت هذه الآية فكان الحفظ والقراءة من نصيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان الجمـع من نصيب (صاحبه) رضي الله عنه !
إن جمع القرآن متسلسلاً بين دفتي كتاب كان مستحيلا على الجهد البشري زمن النبي، وليس ممكناً في نفسه لعدم اكتماله أولاً، ولنزوله مفرقا لا متسلسلاً ثانياً.
إن تأليف أي كتاب لا بد أن يكون مرتباً متسلسلا موضوعاً موضوعاً حتى إذا اكتمل أمكن رزمه ضمن جلد واحد.
أما القرآن فقد نزل مفرقاً حسب الحوادث وليس مسلسلاً حسب المواضيع أو السور. فلم تنزل مثلاً - سورة الفاتحة أولاً ثم أول صفحة من سورة البقرة ثم الثانية وهكذا إلى آخر الكتاب. وليس ممكناً لأي كتاب أن يجمع مرتباً ما لم يكتمل متسلسلاً.
وما أن اكتمل القرآن حتى مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مفرق عند كتبة الوحي فتولى العمل من بعده أبو بكر الصديق (ثاني اثنين).
وتجلت في الصديق إرادة الله في جمع القرآن: ]إن علينا جمعه وقرآنه{ (القيامة:17)، وحفظه: ]إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[ (الحجر:9). إن هذه الإرادة الربانية الكريمة لا يجعل الله تعالى محلاً لتجليها إلا الذين يختارهم من مقربيها.
إن هذا العمل هو أعظم وأكرم عمل يقوم به إنسان غير نبي، لأن القرآن هو الصلة الوحيدة المضمونة السلامة بين الرب وخلقه فلا يأتمن الله على حفظها إلا الخيرة من عباده. وإلا وقع الشك فيها وفي سلامتها من الزيادة والنقصان. وذلك مرض لا يسلم منه طاعن في الصديق، إلا ما شاء الله وهو لازم له.
وتجلت في الصديق أول آية في القرآن: ]الحمد لله رب العالمين[ ؛ لأن نعمة حفظ القرآن من أعظم النعم التي يحمد الله عليها ويشكر. وأبو بكر كان في هذا الحفظ السبب الأكبر. ولذلك يقول الله تعالى ]الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً[ (الكهف:1). فالله يحمد على إنزال الكتاب وعلى حفظه من التحريف.
وتجلى فيه أول سورة البقرة: ]ألم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين[ (البقرة:2،1). ولا يكون الكتاب هادياً إلا بعد الاطمئنان الى كماله وحفظه ونفي الريب عنه. وأبو بكر هو الرجل الذي كتب الله ذلك على يده. وذلك يستلزم نفي الريب عن أبي بكر أولاً وإلا تطرق الريب الى الكتاب لأن فاقد الشيء لا يعطيه. إذ كيف لصاحب العيب
أن ينفي عن غيره الريب!
وأبو بكر هو (الأتقى). ومن أولى من الأتقى بتولي حفظ كتاب المولى؟! يقول علي رضي الله عنه : (رحم الله أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين).
وهكذا جمع أبو بكر الأمة بعد أن تفرقت أو كادت.
وجمع دستور الأمة بعد أن كان مفرقاً.
ولا أمة بلا دستور، ولا دستور بلا أمة.
وفي الوقت نفسه استطاع أن ينقل عوامل الصراع الداخلية إلى ساحة الخصم ويغزوه في عقر داره.
فمن أولى منه بإمامة الأمة وقيادتها !
أما أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه فقد شرفه الله تعالى بجمع الأمة على قراءة القرآن بلهجة واحدة طبقاً للمصحف الذي جمعه أبو بكر. لكنه لم يستطع الحفاظ على وحدة الأمة بل استطاع الخصوم من اليهود وزنادقة الفرس ودهاقنتهم وغيرهم أن ينقلوا عوامل الصراع الى ساحة الأمة الداخلية ويشغلوها بنفسها في صراعات وفتن لم يستطع إخمادها بل أكلته آخراً بنارها وأغرقته بأمواجها فقضى شهيداً وترك الأمة تعاني مما كان الى اليوم .
4- حسـم معضلة ولاية الأمـر
استطاع الصديق - رغم قصر فترة حكمه - أن ينجز هذه الإنجازات ويحفظ الأمة قوية موحدة في قاعدة فكرها واتجاه حركتها.
ويمرض أبو بكر مرض الموت. فلا بد أن يموت قرير العين بأن يضمن الحفاظ على هذا الإرث مجموعاً قوياً موحداً فمن له من بعده؟
لو نظرنا في تاريخ الأمم والشعوب عموماً وتاريخ الأمة منذ وفاة الرسول خصوصاً لوجدنا أن عدم حسم ولاية العهد قبل وفاة الحاكم الذي مات يؤدي إلى تفرق المجتمع وتشرذمه حول الطامحين إلى سدة الحكم بحق أو باطل. ومن ثَمَّ يحدث القتال بين الفئات المتناحرة، ما يقود إلى الضعف والتمزق. وقد يتسبب في إزالة الدولة ونشوء غيرها.
إن عدم حسم هذه القضية بعد مقتل عثمان جر الأمة الى الفتنة والتطاحن خمس سنين حتى طمع فيها أعداؤها. والشيء نفسه كان يمكن أن يتكرر بعد مقتل علي لولا أن تدارك الله الأمة بالحسن.
وتجددت الفتن حول ولاية الأمر بعد معاوية إذ خرج الحسين في العراق. وأعلن عبد الله بن الزبير العصيان في مكة. وظل الانقسام واستمر جريان نهر الدماء إلى أن جاء عبد الملك بن مروان فوحد الأمة. لكنها ظلت تعاني من كثرة الخارجين الطامحين إلى تسنم سدة الحكم.. إلى أن انقسمت ثلاثة أقسام: المشرق بيد العباسيين والمغرب بيد العلويين، والأندلس بيد الأمويين.
وهل يمكن أن ينسى التاريخ الفتنة التي وقعت بعد موت الرشيد بين ولديه الأمين والمأمون؟ وما خبر انقسام دولة الأيوبيين على أيدي أبناء صلاح الدين واضمحلالها منا ببعيد.
إذن أخطر شيء على وحدة الدولة عدم الاتفاق على من يخلف الحاكم السابق، فإن لم يحسم الأمر على أيدي الرجال الأقوياء الحكماء صار بأس الأمة بينها وأكلت بعضها بعضاً.
مشاورات الصديق في تولية الفاروق
لقد حسم الصديق رضي الله عنه أو منع وقوع الفتنتين معاً: الفتنة السابقة لولايته، والفتنة اللاحقة لها. فاختار لولاية الأمر من بعده خير الناس وأعدلهم وأشدهم في ذات الله الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وذلك بعد تفكير عميق واستشارة ونقاش مع وجوه المهاجرين والأنصار وأهل الحل والعقد منهم.
يقول الأستاذ عباس محمود العقاد :
(إن الصديق قد جهد في مسألة العهد جهد رأيه، وإنه كان يود أن يكل الأمر الى المسلمين يختارون من يشاءون، فجمع اليه نخبة من أهل الرأي وقال لهم فيما قال: (قد أطلق الله أيمانكم من بيعتي وحل عنكم عقدتي، ورد عليكم أمركم، فأمّروا عليكم من أحببتم فإنكم إن أمّرتم في حياة مني كان أجدر ألا تختلفوا من بعدي). فلم يستقم لهم أمر ورجعوا اليه يقولون: (إن الرأي يا خليفة رسول الله رأيك). فاستمهلهم حتى (ينظر لله ولدينه وعباده).
ثم استقر رأيه على استخلاف عمر بعد مشاورة عبد الرحمن بن
عوف وعثمان بن عفان وسعيد بن زيد وأسيد بن الحضير (وجماعة من المهاجرين والأنصار فكلهم قال خيرا). وسأل علياً فقال: (إن عمر عند ظنك به ورأيك فيه، إن وليته – مع أنه كان والياً معك – نحظى برأيه ونأخذ منه فامض لما تريد ودع مخاطبة الرجل فإن يكن على ما ظننت إن شاء الله فله عمدت، وإن يكن ما لا تظن لم ترد إلا الخير)([19]).
ودخل عليه طلحة فقال: (ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا وقد نرى غلظته؟) وكان أبو بكر مضطجعاً من شدة المرض فقال: (أقعدوني) فلما أقعدوه قال: (أبالله تخوفني ! أقول: اللهم إني استخلفت على أهلك خير أهلك. أبلغ عني ما قلت من رواءك).
وأجمع على الفاروق جميع من استشارهم الصديق، سوى أنهم ذكروا أن فيه غلظة فأجابهم أبو بكر بالرأي السديد.
سأل عنه عبد الرحمن بن عوف فقال: (ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني). فقال أبو بكر: (وإن).
فقال عبد الرحمن:
(هو والله أفضل من رأيك فيه من رجل، ولكن فيه غلظة)
قال أبو بكر:
(ذلك لأنه يراني رقيقاً، ولو أفضى الأمر اليه لترك كثيراً مما هو
فيه. ويا أبا محمد قد رمقته فرأيتني إذا غضبت على الرجل في الشيء أراني الرضا عنه. وإذا لنت أراني الشدة عليه). ثم قال: (أكتم هذا).
ثم استدعى عثمان فقال:
(اللهم علمي به أنّ سريرته خير من علانيته وأنْ ليس منا مثله).
وقال أسيد بن حضير:
(اللهم أعلمه الخير بعدك، يرضى للرضا ويسخط للسخط. الذي يُسر خير من الذي يُعلن. ولن يلي هذا الأمر أقوى عليه منه).
ثم بعد أن استقر الأمر وأجمع الرأي على عمر دعاه فأفضى إليه بوصيته فلما خرج من عنده رفع يديه وقال:
(اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به. واجتهدت لهم رأياً فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم وأحرصهم على ما أرشدهم. وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم فهم عبادك ونواصيهم بيدك. أصلح اللهم ولاتهم واجعله من خلفائك الراشدين واصلح له رعيته).
يقول رفيق العظم تعليقاً على هذه الوصية:
(وفي كلامه هذا ما يؤيد قولنا السابق أن أبا بكر إنما اختار للخلافة بعده عمر رضي الله عنه ولم يتركها شورى خوفاً من الفتنة وثقة بكفاءته وسداً لذرائع النزاع من جهة، ومن جهة ثانية علماً منه بمكانة عمر من السياسة وأنه لا يحيد بالأمة عن سبيل الخشونة والقناعة بالكفاف، ولا يترك لها عنان الخوض في غمرات النعيم الرومي والترف الفارسي فتفسد أخلاقها وتسترخي قواها وتفتر عن بث الدعوة همتها)([20]).
وقال أيضا وهو يحلل الأسباب الموضوعية التي تجعل التخوف من وقوع الفتنة أمراً وارداً في الحساب:
(اشتد على أبي بكر المرض فلم يشغله عن أمر المسلمين، ولم يثن همته عن النظر في مصلحة الأمة، وخشي - إن هو مات ولم يعهد لأحد بالخلافة - أن تكون فتنة تضطرب لها الدهماء، وتعظم اللأواء وفي القوم نفر ينتهي إليهم شرف السيادة في الجاهلية والإسلام وهم في الفضل والتقدم سواء، ولكن لكل منهم مكانة في القلوب غير مكانة من عداه، وعصبية تريده على الأمر وإن هو أباه، فإن ترك منصب الخلافة شاغراً وجعله شورى بين القوم خيف من تفرق الرأي، وتعذر تأليف القلوب على واحد من أولئك النفر. إذ الشورى في الأمور وإن كان يراد بها تمحيص الآراء لاختيار الأصلح منها والأصوب فيها، إلا أن صاحب الرأي مجتهد قد يخطئ وقد يصيب، وفي الصحابة – كما قلنا – نفرهم في الفضل والشرف والأهلية كالحلقة المفرغة لا يدرى طرفاها، ولكل واحد منهم عصبية وحزب يريدونه على الخلافة اجتهاداً منهم بوجود الكفاية فيه كما هي في سواه.
إذن فالاختلاف متوقع حتماً بين المسلمين فيمـا لو ترك أبو بكـر
منصب الخلافة شاغراً. والمعذرة قائمة للصحابة في هذا الاختلاف ما دام فيهم عدة من ذوي الكفاءة، وأخصهم أهل بيعة الرضوان من السابقين كما أنها قائمة لأبي بكر أيضاً في عدم تركه الأمر شورى والحال ما ذكر درءاً لخطر ذلك الاختلاف المتوقع من بين قوم هو أبصر بهم وأدرى بأخلاقهم.
وإنما نظر أبو بكر فيمن يختار لذلك المنصب الرفيع شأنه الحرِج موقعه فرأى أنه يحتاج الى رجل فيه شدة من غير عنف، ولين من غير ضعف. وممن توفرت فيهم هذه الصفة من الصحابة الكرام عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب. إلا أن الأول كان ربما يريد الأمر فيرى في طريقه عقبة فيدور اليه، والثاني يرى الاستقامة فلا يبالي بالعقبة تقوم بين يديه فهو بهذا الى الشدة أميَل منه الى اللين.
لهذا لما استشار أبو بكر الصحابة فيمن يستخلفه أشاروا عليه بعمر … ثم دعا عثمان فقال: اكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد أبو بكر خليفة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويتقي الفاجر. إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن برّ وعدل فذلك علمي به ورأيي فيه، وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت ولكل امرئ ما اكتسب).
ثم أمر بالكتاب فختمه. ثم أمر عثمان فخرج بالكتاب مختوماً فبايع الناس ورضوا به. ثم دعا بعمر خالياً فأوصاه ما أوصاه)([21])
وتأمل قوله: (في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويتقي الفاجر). أي إني في حال لا يمكن أن يكون في اختياري لمن يخلفني هوى أو ميل شخصي مجرد لأني لن انتفع منه بشيء إذ أنا ميت وشيكا.
وصدق الصديق ! إذ لو كان اختياره عن هوى وعدم مراعاة مرضاة الرب والنصح للدين والمسلمين لكان اختار واحداً من أبنائه أو أحد أقربائه.
وأصاب الصديق في هذا الاختيار عين الصواب وكان موفقاً تمام التوفيق. ولم يخلف الفاروق ظنه. لقد وطد أركان الدولة ووسع رقعتها وعصف بالفرس والروم ونشر رسالة الإسلام في أصقاع الأرض، ولم يكن في عهده أدنى تململ لفتنة. بل كانت الأمة في خير حال. لقد (أقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه)([22]) (لقد قوم الأود وداوى العمد. خلف الفتنة وأقام السنة ذهب نقي الثوب قليل العيب أصاب خيرها وسبق شرها أدى الى الله طاعته واتقاه بحقه).([23])
وكان الفاروق وولايته على الأمة حسنة من حسنات الصديق وهو القائل: ليوم وليلة من أبي بكر خير من عمر وآل عمر. ثم ذكر أن اليوم هو يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والليلة ليلة الغار.
مسـك الختـام
يقول رفيق العظم:
(وأجمع الرواة أن أبا بكر لما قبض ارتجت المدينة ودهش القوم كيوم قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !
وجاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه باكياً مسرعاً حتى وقف بالباب وهو يقول: (رحمك الله يا أبا بكر كنت والله أول القوم إسلاماً وأخلقهم إيمانا وأشدهم يقيناً وأعظمهم غنى وأحفظهم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحدبهم على الإسلام وأحماهم عن أهله وأنسبهم برسول الله خلقاً وفضلاً وهدياً وسمتاً فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله وعن المسلمين خيراً.
صدقت رسول الله حين كذبه الناس وواسيته حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا. وسماك الله في كتابه صديقا فقال: }والذي جاء بالصدق وصدق به { يريد محمداً ويريدك.
كنت والله للإسلام حصناً وللكافرين ناكباً.
لم تضلل حجتك، ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف.
كنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضعيفاً في بدنك قوياً في دينك متواضعاً في نفسك عظيماً عند الله. جليلاً في الأرض كبيراً عند المسلمين.
لم يكن لأحد عندك مطمع ولا هوى. فالضعيف عندك قوي حتى تأخذ الحق له. والقوي عندك ضعيف حتى تأخذ الحق منه.
فلا حرمنا الله أجرك ولا أضلنا بعدك).([24])
وكان علي رضي الله عنه إذا ذكر عنده أبو بكر يقول: هو السباق والذي نفسي بيده ما استبقنا الى خير قط الا سبقنا اليه أبو بكر.
و(إن أحسن وصف يمثل أبا بكر بفضائله وأخلاقه لا يدع في النفس حاجة الى المزيد، ما وصفته به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بخطبة وجيزة العبارة عظيمة المعنى جامعة لشمائل أبي بكر وأخلاقه. وإذا أتيت بشيء من ذكر فضائله ومناقبه فإنما يكون تفصيلاً لما أجملت وشرحا لما أوجزت.
فقد روي أنه بلغها أن أناساً يتناولون من أبيها فأرسلت اليهم فلما حضروا قالت:
(أبي ما أبِيَهْ لا تعطوه([25]) الأيدي، ذاك والله حصن منيف وظل مديد. أنجح إذ أكديتم([26]) ، وسبق إذ ونيتم([27]) سبق الجواد إذا استولى على الأمد([28]).
فتى قريش ناشئا وكهفها كهلاً.
يريش مملقها ويفك عانيها ويرأب صدعها ويلم شعثها حتـى حليته
قلوبها.
واستشرى في دينه فما برحت شكيمته في ذات الله عز وجل حتى اتخذ بفنائه مسجداً يحيي فيه ما أمات المبطلون وكان رحمه الله غزير الدمعة وقيذ([29])الجوانح، شجي النشيج([30]) فانصفقت إليه نسوان مكة وولدانها يسخرون منه ويستهزئون به و(الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون).
فأكبرت ذلك رجالات قريش فحنت له قُسيَّها وفَوّقت اليها سهامها فانتثلوه غرضاً([31]) فما فلوا له صفاة، ولا قصفوا له قناة، ومر على سيسائه([32]) حتى إذا ضرب الدين بجرانه وأرست أوتاده ودخل الناس فيه أفواجاً ومن كل فرقة ارسالا واشتاتا اختار الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ما عنده فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرب الشيطان رواقه وشد طُنُبه ونصب حبائله وأجلب بخيله ورجله وألقى بركه. واضطرب حبل الدين والإسلام وحرج عهده وماج أهله وعاد مبرمه أنكاثاً. وبغي الغوائل وظن رجال أن قد اكثبت أطماعهم نُهزها([33]) ولات حين الذي يرجون. وأنى والصديق بين أظهرهم!! فقام حاسراً مشمراً قد رفع حاشيتيه وجمع قطريه فرد نشـر الدين علـى غره([34])، ولم شعثه بطيه وأقام أوده بثقافه[35] فابذعرَّ[36] النفاق بوطأته وانتاش الدين فنعشه. فلما أراح الحق على أهله وأقر الرؤوس على كواهلها وحقن الدماء في أهبها وحضرته منيته سد ثلمته بشقيقه في المرحمة ونظيره في السيرة والمعدلة. ذاك ابن الخطاب، لله أم حملت به ودرت عليه. لقد أوحدت به[37] ففنخ[38] الكفرة وديَّخها، وشرد الشرك شذر مذر وبعج الأرض وبخعها[39] فقاءت أكلها ولفظت خبئها ترأمه[40] ويصد عنها، وتصدى له ويأباها . ثم وزع فيئها فيها وتركها كما صحبها فأروني ماذا تريبون ؟ وأي يوميْ أبي تنقمون؟
أيوم إقامته إذ عدل فيكم ؟ أم يوم ظعنه إذ نظر لكم؟
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم)([41]).
(وفي هذا الثناء كفاية إذا عمدنا إلى الثناء الذي قاله فيه عارفوه.
ولكننا في أمر أبي بكر وأمثاله نستطيع أن نتجاوز الثناء إلى مقالة
الأعداء الألداء ونحن آمنون أن نسمع فيه ما يغض من فضله وينقص شيئاً من حقه. إذ ليس على عظيم من العظماء غضاضة أن يختلف فيه مختلفون،وأن يتأول أعماله متأولون. فكل عظيم من عظماء الدنيا قيل له وقيل عليه، وحسنت نيات قوم نحوه وساءت نيات آخرين فليس هذا بضائره، وليس هذا بعجيب. وإنما الميزان العادل في الحكم له أن عليه دليل القائل وليس مقال القائل. فلمن شاء أن يزعم ما يشاء فيمن يشاء ولكنه لا يوضع في الميزان إلا بدليل تؤيده الوقائع والأعمال. فهذا الذي يحسب من مقال القائلين ومن لاف المختلفين.
فليست فضيلة أبي بكر أنه ظفر من الناس جميعاً بالثناء الذي لا معقب عليه إذ ليس هذا بممكن وليس هذا بمعقول ولا بمطلوب.
وإنما فضيلته أنه قد ظفر بالثناء ممن في ثنائه صدق ولثنائه قيمة. وأن اختلاف المخالفين لم يقم قط على دليل ولم يأت قط من أناس يحسنون ما يقولون!)
أكثــر من أمين
(وكل حكم على أبي بكر مؤيد بدليل معتمد على واقع، فهو مصور له في صورة عامة واحدة لا شك فيها، وهي صورة أمين، وأكثر من أمين لأنه لم يتهم قط بخيانة في الجاهلية أو الإسلام.
وأكثر من الأمين. لان الأمين هو الذي يعطي حق غيره. فأما الذي يعطي الأمانة ويزيد عليها، أو يعطي حق غيره ويعطي من حقه الذي لا يطلب منه، فذلك هو المفضل الذي جاوز قدر الأمانة فهو أكثر من أمين.
وكان أبو بكر يؤدي الأمانات في الجاهلية ويزيد عليها من عنده فضل المفضل وإحسان المحسن وإغاثة المغيث.
ثم تسلم الأمانة الكبرى بعد الخلافة فترك الدنيا وقد أداها كمـا هي وزاد عليها.
ولسنا مغالين في المجاز حين نقول: إنه صنع مثل ذلك في أمانة الخَلق أو أمانة الحياة فمات خيراً مما وُلِد. ونشأ ضعيفاً في بدنه كما قال رسول الله فإذا هو يستمد من قوة باطنه لقوة ظاهره ويلقي من مروءته على مرآه حتى أنشأ من نفسه ما لم ينشأ من بدنه، وبلغ من المهابة بالقوة التي زادها على تكوينه الظاهر فوق ما يؤتاه أمثاله في أمثال هذا التكوين.
للناس أن يعطوه وهم على ثقة أن يستردوا ما أعطوه وزيادة.
وللحياة أن تعطيه وهي على ثقة ألا ينقص عطاؤها وألا يزال معه في ازدياد.
على كل أمانة عنده كائناً ما كان معطيها حق مصون ومزيد مضمون !
صورته المجملة أنه الأمين وأكثر من الأمين !!
الأمين في الصداقة، والأمين في الحكومة، والأمين في السيرة، والأمين في المال. والأمين في الإيمان.
ثم هو في كل أولئك أكثر من الأمين.
عصمته العواصم من فتنة الغواية فولد كريماً تعنيه العزة بين الأقوياء ولا يعنيه الطغيان على الضعفاء.
وكبر وليس له مأرب في سيادة باغية ولا في صولة دائمة على من لا يريدها ولا يطمئن إليها.
وكبر في تكوينه حدة الشعور، وحماسة اليقين، وسليقة الإعجاب، وعصمة المروءة والوقار.
وكبر وكل فضيلة فيه تكبر إلى آمادها، فلما مات كان أكبر ما كان، وأكبر ما يتأتى أن يكون !
مات وهو صاحب الدعوة الثانية في الإسلام فكان الثاني حقاً بعد النبي عليه السلام في كل شيء:
من قبول الإسلام، إلى ولاية أمر الإسلام إلى تجديد دعوة الإسلام بعد أن نقضت الردة دعوته الأولى وأوشكت أن ترجع بها إلى الجاهلية الجهلاء.
ثاني اثنين وأول مقتد وأول مجيب.
ذلك موضعه في تلك الدعوة الإنسانية التي نشأت في أمة واحدة ثم غيرت ما بعدها في جميع الأمم. سواء منها من علم بها ومن لم يعلم وهي دعوة صديقه وصفيه ونبيه صلوات الله عليه.
قيل إنه مات بالسم في أكلة أكلها قبل عام من وفاته. وليس لهذا القول مرجع يميل الباحث إلى تصديقه.
وقيل إنه مات بالحمى … وانتهت حياة بلغت نهايتها في حيز الجسد، وفي حيز المجد، وفي حيز التاريخ) ([42]).
وأخيــــراً..
فليعلم الباحثون عن الحقيقة..
أن أصول الدين لها طريقها الرباني اللاحب..
وصراطها الواضح المستقيم.
إنها – اختصار جامع مانع - آيات قرآنية.. صريحة جلية.
ليس غير.
ولعلني في الصفحات التي خلت قد أودعت ما يجلِّي هذه الحقيقة الكبرى، بالدليل التطبيقي الذي يجد من خلاله الباحث المنصف أن (الإمامة) لا يصح شرعاً أن تثبت بسلوك غير هذا الطريق، وإلا فإن كل من أراد استطاع أن يثبت ما شاء من (الأئمة) –وهو الواقع- لانعدام الضابط الجامع المانع. وعلى هذا الأساس يكون من السهل جداً إثبات (إمامة) أبي بكر الصديق وبالمعنى الشيعي للإمامة، بل معها إثبات أنه أحق بها من أبي الحسن؛ فإن الآيات التي نزلت في حقه أصرح وأوضح، وأخص وأقوى. أما الأحاديث فأقل ما يقال فيها أنه ما من حديث أو رواية هنا، إلا ويوجد ما هو خير منها أو مثلها هناك! والسجال فيها ليس له حدود. وأما الآراء والعقليات فهي البحر الذي لا ساحل له. ولكن يبقى عندنا ما لا يمكن دفعه، أو الإغماض عن مقتضاه بشرط أن يكون الباحث سليماً لا يعاني من عقدة (العصمة) الشيعية، أو عقدة (التقديس) السنية- ألا وهو الإنجازات.
إن إنجازات الصديق لا يقاس بها إنجازات غيره من الصحابة..
وحين نقارن بين أبي بكر وعلي من هذه الناحية نجد الفرق كبيراً بينهما. ولن نستطيع ردم الهوة الحاصلة إلا بالتعلل والمعاذير، وإلقاء التبعة على الظروف، والدوران خارج نطاق الذات. من مثل هذه الحكاية المشتهرة: (جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له: لقد كنا في زمن أبي بكر وعمر في أمن وعافية، حتى إذا جئت أنت وعثمان حلت الفتن! فأجابه أمير المؤمنين: هذا لأنه حين كان أبو بكر وعمر أمراء كنت أنا وعثمان الرعية. وحين صرت أنا وعثمان أمراء صرت أنت وأمثالك الرعية). ولا أرى هذا إلا من ترقيع المتأخرين الذين لا يهمهم أن يخرجوا بالتاريخ عن سياقه الموضوعي، ويصعب عليهم أن ينظروا إلى الأحداث بغير عين العاطفة؛ فإن معاوية رضي الله عنه حين صار أميراً – والرعية هي الرعية - انتظم عقدها بعد انفراط ، ولم يكن فيها عثمان ولا علي، بل كان فيها (هذا وأمثاله). علماً أن عثمان حين كان أميراً كان في الرعية علي وعبد الرحمن، وسعد وسعيد، وطلحة والزبير! فلماذا لم يقفوا تدهور الأمور، ويأخذوا على يد (هذا وأمثاله)؟!
من طريف ما قصه عليَّ معمم شيعي أن أحدهم جاءه يريد منه إعانته في الجواب على سؤال عن إنجازات كل واحد من الخلفاء الراشدين؟ وكان هذا أحد الأسئلة المطلوب الجواب عنها في إحدى (الدورات الإيمانية) أيام العهد السابق. يقول: فقلت له وبكل ثقة: بسيطة.. اكتب. وصرت أملي عليه وبسرعة:
أولاً إنجازات أبي بكر الصديق:
1. القضاء على المرتديـن
2. توحيد الجزيرة العربية
3. جمع القرآن
4. …إلخ.
ثانياً إنجازات عمر بن الخطاب:
1. تحرير العراق
2. إسقاط دولة فارس
3. تحرير بلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا
4. تدوين الدواوين 5. …إلخ.
ثالثاً إنجازات عثمان بن عفان:
1. جمع القرآن
2. فتح أذربيجان
3. بناء أول أسطول بحري إسلامي
4. …إلخ.
رابعاً إنجازات علي بن أبي طالب: .. يقول صاحبي: وفوجئت أنني أتوقف هنا ! ولم أتمكن من أن أستحضر شيئاً بالسرعة نفسها، وصرت أجرجر بالحروف والكلمات أداري حيرتي!. وكنت أفكر بسرعة البرق: ماذا أقول؟ معركة الجمل؟ معركة صفين؟! هل هذه إنجازات؟ أم كوارث؟! فتح.. فتح..؟ فتح ماذا؟! يقول: وأُحرجت إحراجاً شديداً! ثم تداركت الأمر بأن ذكرت قتال الخوارج، ورجعت إلى الوراء فذكرت إسلامه، وموقفه في الهجرة وأشياء أخرى خارج دائرة السؤال لأنها قبل الخلافة، ولكن ذكرتها تمشية للحال، وتخلصاً من الإحراج!.
هذه حقيقة.
وليس في هذا تنقص من أحد؛ فالحقيقة لا تنال من منازل العظماء.
وإنما يخافها الصغار والمعوقون. وليس في أصحاب رسول الله معوق، ولا صغير.
وليس يعني هذا أنه لم تكن لأبي الحسن ذلك الصحابي الجليل من مآثر وفضائل. كلا.. فمآثره كثيرة، وجهوده وسوابقه عظيمة.
ولكن عند المقارنة بمن هو أعظم يبدو الفرق. أقول هذا وأنا أعلم أنه ثقيل على بعض الأسماع التي تعاني من عقدة (التقديس) – عند أهل السنة - أو (العصمة) – عند الشيعة -. فإلى متى نتحدث في الزوايا؟ وقد بلغ الاستهزاء بعظماء الصحابة عنان السماء! لقد أكل الصمت شفاهنا، وذوّب حناجرنا (حذراً من "الفتنة") كما يقولون، والله تعالى يقول: (ألا في الفتنة سقطوا)! وما أدراك؟ لعل في النطق شفاءً مما يعانون؛ فقد جربنا (وصفة) الصمت فما زادتهم إلا خبالاً، ولم تزدنا إلا وبالاً ! فدعونا نخرج من هذا القمقم! فما أفلح محصور قط . وأرض
الله واسعة؛ فلا داعي لهذا الضيق والتضييق. وقد قال الحكماء من قبل: هي كلمة، إن قلتها متَّ، وإن لم تقلها متَّ؛ فقلها ومتّْ.
وصلى الله تعالى وسلم وبارك على نبينا محمد.. وعلى آله أصحابه وأتباعه أجمعين.
اللطيفيــة
18 ذي القعـدة 1421
12 شباط 2001
المصادر
(بعد القرآن العظيم)
1. الصحيح الجامع ، محمد بن إسماعيل البخاري ، دار القلم ، بيروت 1987م.
2. صحيح مسلم ، مسلم بن الحجاج النيسابوري ، دار إحياء الكتب العربية ، 1985م.
3. سنن أبي داود ، سليمان بن الأشعث السجستاني ، المكتبة العصرية ، بيروت.
4. سنن الترمذي ، محمد بن عيسى الترمذي ، المكتبة الإسلامية ، 1983م.
5. مسند أحمد ، أحمد بن حنبل الشيباني ، المكتب الإسلامي ، 1985م.
6. أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، د.نزار الحديثي و د.خالد جاسم الجنابي ، دار الشؤون الثقافية ، بغداد ، 1989م.
7. الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبو بكر الصديق ، الدكتور محمد علي محمد الصلابي ، دار ابن كثير ، دمشق - بيروت 1424هـ ، 2003م.
8. أشهر مشاهير الإسلام في الحرب والسياسة ، رفيق العظم.
9. عبقرية الصديق ، عباس محمود العقاد ، دار المعارف ، القاهرة ، الطبعة الرابعة عشرة.
10. الحجج الدامغات لنقض كتاب المراجعات ، أبو مريم الأعظمي.
11. التفسير الكبير ، محمد بن عمر الرازي.
12. أسباب النزول في حاشية روائع البيان لمعاني القرآن ، أيمن عبد العزيز جبر.
13. الرزية في القصيدة الأزرية ، الأستاذ محمود الملاح.
14. نهج البلاغة ، الشريف الرضي ، شرح محمد عبدة ، دمشق.
15. شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ، مكتبة المرعشي ، قم ، 1404هـ.ق.
16. الأصول من الكافي ، محمد بن يعقوب الكليني ، مكتبة الصدوق ، طهران ، 1381هـ.
محتويات الكتاب
المقدمة
تمهيد
أحقية الصديق بمنصب الإمامة
إجماع المهاجرين والأنصارعلى بيعة الصديق
خصائص الصديق
أ. أول الناس إسلاماً
ب. الآيات التي نزلت في حق الصديق
آية الغــار
تجليات خصائص الصديق في آية الغار
أولاً: تفرده بلقب (صاحبه)
الفصل الأول: حقيقة هذه الصحبة
الفصل الثاني: آثار الصحبة وتجلياتها
المَعلَم الأول: تجلي آثار الصحبة في علم الصديق وإيمانه
1. موقفه من الاختلاف في وفاة النبي e
2. موقفه في البيعة
3. قتال المرتدين ومانعي الزكاة
3. المَعلَم الثاني: تجلي آثار الصحبة في أخلاق الصديق وسلوكه
1. الصدق والتصديق
2. الشجاعة
|
|
3. الإنفاق والكرم
ثانياً: تفرده بالمعية الخاصة
الفصل الأول: المعية وأنواعها
الفصل الثاني: آثار المعية وتجلياتها
معالم تجلي المعية
المعلم الأول: نيابته في الحج عن النبي e
المعلم الثاني: صلاته بالناس في مرض النبي e
المعلم الثالث: إلزامه الناس بأداء الزكاة
المعلم الرابع: البيعة المتفردة وعدم حاجتها إلى نص أو تعيين
ثالثاً: تفرده بوصف (ثاني اثنين)
تجليات (ثاني اثنين)
رابعاً: تفرده بمواساة النبي e
سورة (الليل) وآية (الأتقى)
سورة (الشرح)
آية (التفضيل) في سورة (الحديد)
آية (أولو الفضل) في سورة (النور)
آية (التصديق) في سورة (الزمر)
آية (الصادقون) في سورة (الحشر)
آية (الاستخلاف) في سورة (النور)
آية (الأعراب) في سورة (الحج)
آية (قتال المرتدين) في سورة (المائدة)
آية (الولاية)
|
|
ج. ما خصه به النبي e من الفضل
القاعدة الثالثة: سياسة الصديق وإنجازاته
نظرة عامة في سياسة الصديق
خطبته الأولى
خليفة الرسول
استمرار تام لسياسة الرسول
سياسة الصديق من خلال إنجازاته
1. القضاء على الفتن الداخلية
أ. توطيد الأوضاع في العاصمة
نبأ الوفاة وأثره على أهل المدينة
نقل السلطة وكيف تم على يد الصدّيق
ب. مواجهة حركة الخروج والارتداد في الجزيرة
اتخاذ قرار القتال
تفرد في استخراج الرأي الفقهي واتخاذ القرار العسكري
إنفاذ جيش أسامة
أبو بكر وفن إدارة الأزمة
1. تحشيد القبائل
2. الحرب بالرسل أو سياسة الإلهاء
3. مهاجمة بؤر الردة المتحركة
4. الهجوم الشامل على المرتدين
تحقيق كامل الأهداف
|
|
|
الثورية والاتباع في سياسة الصديق
بين الصديق وعثمان وعلي
خليفة القائد الأعظم
شبيه إبراهيم وعيسى عليهما السلام
بين أبي بكر الصديق ويوشع بن نون
2. التصدي للأخطار الخارجية والجهاد لنشر الرسالة
أعظم خطة عسكرية في التاريخ
الملامح الأساسية للخطة
بين قيادة أبي بكر وبطولة علي
3. جمع القرآن العظيم وحفظ الدستور
4. حسم معضلة ولاية الأمر
مشاورات الصديق في تولية الفاروق
مسك الختام
أكثر من أمين
المصادر
محتويات الكتاب
|
[1] رواه مسلم.
[2] رواه الترمذي وحسَّنه وأحمد وابن ماجة.
([3]) هذا المبحث مستل من كتاب (أبو بكر الصديق رضي الله عنه ) تأليف الدكتور نزار الحديثي والدكتور خالد جاسم الجنابي ص25– ص29.
([4]) سيأتي الحديث عن دور الصديق الرائع وأدائه الحكيم في نقل السلطة.
[5] روى النسائي وأحمد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للأنصار: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر أبا بكر أن يصلي بالناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ قالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر . وقد صحح إسناده أحمد شاكر (1/213) رقم (133) كما جاء في كتاب (أبو بكر الصديق) لعلي محمد الصلابي ص127.
[6] أمد الفرس المرتدين في البحرين بتسعة آلاف. وكان عدد المرتدين ثلاثة آلاف والمسلمين أربعة آلاف / فتوح ابن أعثم ص47. نقلاً عن كتاب (أبو بكر الصديق) لعلي محمد الصلابي ص281.
([7]) مقتطفات من كتاب عبقرية الصديق لعباس محمود العقاد – أُنظر موضوع الصديق والدولة الإسلامية.
([8]) تأمل هذه الكلمة تجدها مصداقاً لقوله تعالى: ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) (التوبة:40).
([9]) المصدر نفسه.
([10]) أبو بكر الصديق رضي الله عنه - د. نزار الحديثي ، د. خالد جاسم الجنابي ص30 ص36 .
[11] أشار الدكتور علي محمد الصلابي في كتابه (أبو بكر الصديق ص223-224) إلى دراسة عميقة قام بها الدكتور مهدي رزق الله أحمد في كتابه (الثابتون على الإسلام أيام فتنة الردة) أثبت من خلالها أن الردة (لم تكن شاملة لكل الناس كشمولها الجغرافي، بل إن هناك قادة وقبائل وجماعات وأفراداً تمسكوا بدينهم في كل منطقة من المناطق التي ظهرت فيها الردة... وأن الدولة الإسلامية اعتمدت على قاعدة صلبة من الجماعات والقبائل والأفراد الذين ثبتوا على الإسلام، وانبثوا في جميع أنحاء الجزيرة، وكانوا سنداً قوياً للإسلام ودولته في قمع حركة المرتدين منهم).
([12]) هو الفجاءة بن إياس لغدره ونكثه العهد إذ جاء يطلب سلاحاً ليحارب به المرتدين فأخذ السلاح وحارب به المسلمين الآمنين وعاث في الطريق ينهب ويسلب ويهدر الدماء !/ أُنظر عبقرية الصديق للعقاد .
[13] الأستاذ محمود الملاح رحمه الله تعالى كان أعرف الناس بالرافضة، وأشدهم عليهم، وأكثر من اهتم بهم وقاومهم في منتصف القرن الماضي وناقش موضوعهم مناقشة صريحة دون لف ودوران. له مؤلفات عديدة في هذا المجال منها: الرزية في القصيدة الأزرية، تاريخنا القومي، تشريح شرح نهج البلاغة وغيرها. ولا أدري ما السبب وراء نسيانه من قبل أصحابنا هذا النسيان المطبق رغم أهمية ما تركه من تراث عثرنا على بعضه مصادفة؟!. إن هذا الرجل مدرسة فكرية كبيرة تحتاج منا إلى بعث واهتمام يناسبها ويليق بما قدمه صاحبها من جهود عظيمة لم يشكر عليها إلى حد هذا اليوم.
([14]) تأمل العلاقة بينها وبين قوله تعالى على لسان نبيهصلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر: }لا تحزن إن الله معنا{ .
([15]) الرزية في القصيدة الأزرية ص41-42 ، الأستاذ محمود الملاح.
([16]) نهج البلاغة 1/182.
([17]) نهج البلاغة.
([18]) لأن عياضاً حصره الروم والفرس في دومة الجندل حتى خلصه خالد.
([19]) عبقرية الصديق .
([20]) أشهر مشاهير الإسلام في الحرب والسياسة 136.
([21]) المصدر نفسه/133 – 134.
([22]) نهج البلاغة 4/107.
([23]) نهج البلاغة 2/222.
([24]) أشهر مشاهير الإسلام في الحرب والسياسة/ 138.
(2) تناوله
(3) خبتم
(4) فترتم
(5) الغاية
(1) عليل
(2) صوت البكاء
(3) أي جعلوه هدفاً لسهامهم
(4) أي استمر ولم يثنه شيء
(5) تحققت أطماعهم
(1) طيه
(2) قوم عوجه
(3) تفرق
(4) أتت به وحيداً
(5) أذل
(6) شقها
(7) تعطف عليه
([41]) أشهر مشاهير الإسلام في الحرب والسياسة/77 – 79 ، السيدة عائشة أم المؤمنين وعالمة نساء الإسلام /229-231 لعبد الحميد طهماز ناقلاً عن صفة الصفوة.
([42]) عبقرية الصديق - عباس محمود العقاد ص185 – 188.