المقدمة
ستبقى سفينةُ الحق جاهزة في كل زمان ومكان لتمخر عباب كل البحار ولتبسط خيرها لكل داعيةٍ صادقٍ مجاهدٍ يريد الخلاص من شراك تصدير ثورةٍ فارسيةٍ تهدف الى تفريسِ بلادنا عبر إستراتيجية النفس الطويل لينتظم مع صفوف الدعاة الى الله وهو يرتل آيات الحق فاضحا تلك الخطط وكاشفا ذلك الأمر فعندها تأبى عبرات القضية ودموع النصر إلا المشاركة في كرنفال الفرح لخلود شمس الحقيقة .
نعم ستبقى سفينة الحق فاضحةً لكل محاولات التفريس الذي بدأه الخميني عندما قَـَوي نظامه واشتدت شوكته وبدأ يُرَوج لفكرة تصدير الثورة الى خارج إيران(عبر تقديم المساعدات والدعم المادي لقوة راديكالية معارضة للنُظم القائمة في العالم الإسلامي لإنشاء حكومات على النمط الإيراني ) .
فسخر لذلك جزءاً كبيراً من مؤسسات الدولة الإعلامية وأنشأ العديد من مؤسسات التبليغ الإسلامي (ولعل مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي في العراق من ابرز تلك المؤسسات)ولم ينته بذلك بل وصل الأمر الى إرسال أشخاص مبلغين ومبشرين بالثورة الى خارج إيران وتحت مختلف العناوين الدراسية والتجارية والسياحية وحتى الدبلوماسية , كما إن فكرة تصدير الثورة ما قامت إلا على أساس ترسيخ الروح المذهبية لأبناء الطائفة الشيعية من خلال طرح مظلوميتهم والتركيز عليها , كما إن تصدير ثورتهم قام على عدة معطيات ومراحل و هي :-
معطيات ومراحل تصدير الثورة
1- كسب التعاطف السياسي :- وهو الأساس الدولي في تصدير الثورة ويتم ذلك من خلال كسب تعاطف الدول المراد تصدير الثورة إليها سواءاً على المستوى الدبلوماسي أو التجاري أو الإغاثي .
2- كسب التعاطف العقائدي:- ويأتي ذلك بعد نجاح مرحلة التعاطف السياسي ويتم كسب التعاطف العقائدي من خلال الاستفادة من نغمة الوحدة الإسلامية والتركيز عليها وإثارة المظلومية وترويجها لتكون عامل توحيد لأبناء الطائفة الشيعية .
3- التحول العقائدي :- وتأتي هذه النقطة كنتيجة حتمية للنقطتين الأولى والثانية فعندما يتم كسب التعاطف السياسي للدولة المراد تصدير الثورة إليها ومن ثم تعبئة الجماهير عقائديا باتجاه الهدف المرسوم عندها يأتي التحول العقائدي للناس كواقع حال كما حدث ذلك في سوريا ولبنان والبحرين والعراق.
إن هدف المشروع الفارسي الذي ينتج من خلال تصدير الثورة هو السيطرة على العالمين العربي والإسلامي مبتدأ من إخضاع (العراق والشام) للفكر الثوري في إيران حيث يتم ذلك باجتياحها ديموغرافيا ومذهبيا وتبشيرياً وسياسيا وامنيا ومن ثم استيطانيا.
ومنذ نجاح الثورة الايراينة عام 1979م حاول نظام الحكم في إيران تصدير الثورة عبر تحقيق محورين استراتيجيين أساسيين هما :-
2 بناء إنموذج للدولة الثورية من خلال الوصول الى مرحلة الاكتفاء الذاتي للدولة المتطورة من وجهة نظر ايديولوجية الثورة بما يجذب تأييد الشعوب إليها وجعل الشعوب تحذو حذوها .
2 رسم مسار الثورة والنظام الثوري ليكسب عوامل قوى على الأرض مساندة لفكرته .
وقد اعتبرت إيران إن تصدير الثورة ومساندة الحركات المعارضة الراديكالية (خاصة ذات التوجه الإسلامي وبالذات الشيعي منه ) في الدول المجاورة هو كسب حقيقي للتصدير مستغلة البريق الإيديولوجي للثورة في سنواتها الأولى .
ومنذ بداية انتصار الثورة اعتبر الخميني وأعوانه إن عملية تصدير الثورة هو احد سبل حمايتها من الداخل لذلك تعهد الخميني بتصدير الثورة الى كل أصقاع العالم بل واعتبر ذلك واجبا شرعيا حتى تتشكل حكومة إسلامية عالمية تحت زعامة المهدي الإمام الغائب الثاني عشر عند الشيعة, ولم يتوان مجلس الدفاع الأعلى الإيراني في الدعوة الى ثورة إسلامية عالمية تُشكل الأرضية الجيدة لحكومة المهدي ويكون قوامها الحركات الشيعية المعارضة في العراق والسعودية والبحرين ولبنان والخليج .
وبالرغم من إعلان إيران في عدة مناسبات أنها لن تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى إلا أن هناك منظمات ثورية إسلامية رسمية أو شبه رسمية أو حتى غير رسمية تزاول اتصالات مع تنظيمات إسلامية معارضة مما سبب في مراحل عدة توترا في العلاقات مع هذه الدول ,وقد استضافت إيران حركات سياسية ودينية معارضة سعودية وعراقية وبحرينية ولعل من أبرزها هي الحركات العراقية الشيعية التي وصلت الى سدة الحكم بعد الاحتلال فنظمت المؤتمرات السنوية لها وسخرت أجهزة الإعلام واستغلت دور رجال الدين الشيعة في المنطقة بما يمنحها أوراقا إضافية في التعامل مع الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى.
وان قضية تصدير الثورة ومحاولات إقامة الهلال الشيعي على الخارطة الجيوسياسية دفع الملك عبدالله الى إعلان التخوف من الهلال الشيعي الممتد من بغداد الى غزة وهو نفس المنطق الذي تحدث به الأمير سعود الفيصل من داخل البيت الأبيض بعد ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع ,وليس بعيدا عن هذا التصور ما جاء في حديث الرئيس مبارك لقناة العربية الفضائية, ولكن كل هذه التصريحات هي تصريحات سياسية بعيدة عن أي واقع عملي .
إن خلاصة فكرة تصدير الثورة هي قائمة على استغلال الأقليات الشيعية في الدول العربية ومحاولة نشر الفكر الشيعي عبر أشخاص داخل الأنظمة العربية حتى تحين اللحظة المناسبة التي يستولي بها هؤلاء الأشخاص على السلطة ليعلنوا نظاما مستنسخا من النظام الشيعي في ا يران.
وسائل تصدير الثورة
اولاً:- المجال الإعلامي
أ- الاهتمام بنشر الكتب التي تدعو للفكر الثوري الإيراني وتشويه عقيدة أهل السنة والجماعة وقد كان للنظام الإيراني في هذا المجال نشاط بارز فقد طبعوا الملايين من الكتب وبلغات العالم المختلفة واليك عزيزي القارئ بعض الأمثلة التي وردت في كتاب الثورة الإيرانية (ص338).
انشأوا خمسة دور نشر كبيرة في كل من برمنجهام ودستيرويت وجاكارتا وسنغافورة والإمارات .
تُصدر وزارة الإرشاد الإيرانية كميات كبيرة من الكتب في مختلف الموضوعات السياسية والدينية وتقوم بتوزيعها عن طريق السفارات والقنصليات وبمختلف اللغات الحية .
قاموا بطبع كتاب المراجعات الذي يتضمن محاورة مزيفة بين احد علمائهم وشيخ الأزهر (البشري) وطبع هذا الكتاب بثلاثين لغة من اللغات الحية وبكميات لاتقل عن نصف مليون نسخة من كل لغة .
يقومون بإرسال كتبهم ومنشوراتهم إلى الجمعيات والهيئات والمنظمات الإسلامية والمساجد ويأخذون أسماء العلماء والدعاة ويرسلون لهم الكتب وبمختلف اللغات.
ب- الاهتمام بتصدير المجلات والجرائد والنشرات وبتوزيع نشط وكما يلي :-
يصدرون في لندن (40) مجلة من بينها (12 ) مجلة باللغة العربية كما يصدرون كميات كبيرة من جريدة (كيهان الدولية) باللغة العربية ويسيطرون كذلك على مجلة العالم السياسية.
يصدرون في ديزويت (3)مجلات باللغة العربية إضافة الى مجلات بالانكليزية وفي باريس مجلة عربية وأخرى فرنسية وفي اندونيسيا مجلة شهرية وأخرى نصف شهرية باللغة الاندونيسية .
تمكنوا من السيطرة على عدد من المجلات الإسلامية وذلك بالمعونات المادية في كل من الهند وباكستان والعراق ولاسيما بعد الاحتلال الأمريكي حيث نشطت المجلات الإسلامية الشيعية وبدعم مباشر من إيران ولاسيما في مناطق وسط وجنوب العراق.
ثانياً:- المساجد والمراكز الإسلامية
تعتبر المساجد والمراكز الإسلامية إحدى أهم وسائل تصدير فكر الثورة الإيرانية إذ لم يكن لإيران قبل الثورة إلا عدد قليل من المساجد والمراكز التي يتواجدون فيها ولكن بعد نجاح الثورة الإيرانية استطاعوا الاستيلاء على المساجد والمراكز الإسلامية وكما هو الحال في العراق بعد الاحتلال مباشرة إذ استولوا على الكثير من مساجد أهل السنة في مناطقهم واستخدامها كأداة لنشر التشيع الفارسي ,وان قضية الاستيلاء على المساجد في العراق بعد سقوط بغداد ليس وليدة اليوم وإنما هي فكرة متجذرة في القِدَم والعراق ليس أول بلد يستولى على مساجد أهل السنة فيه بل قاموا بتلك الأعمال في كثير من البلادان وسنورد بعض الأمثلة التي يوردها صاحب كتاب الثورة الإيرانية و التي تدل على ذلك:-
1- في أفريقيا / استولوا على عدد من المساجد التي بنيت بواسطة أهل السنة واستخدامها منبرا لنشر الفكر الثوري الإيراني في كل من (نيجيريا وغانا وكينيا واوغندا والسنغال ومالي) .
2- في أمريكا الشمالية / تمكنوا من الاستيلاء على المركز الإسلامي بواشنطن والعديد من المساجد والمراكز الإسلامية التي أنشأها أهل السنة هناك
3- في آسيا واستراليا/ قاموا بالاستيلاء على الجامع الكبير في سدني باستراليا واستولوا على مسجدين في سنغافورة وخمسة مساجد في بانكوك وعدد من المساجد في اندونيسيا والفلبين.
4- في أوربا / تمكنوا من الاستيلاء على مركز إسلامي في لندن واستولوا على جامع في ميونخ.
ومن الأمثلة التي سبقت نلحظ أن فكرة الاستيلاء والسيطرة على المساجد هي جزء من عقيدة القوم لأنها قائمة على أساس تصدير الفكر الثوري الشيعي تمهيدا لحكومة المهدي.
ثالثا:- الجانب التعليمي
ركزت حكومة الثورة الإيرانية على محاولة استقطاب الشباب للدراسة في الحوزات العلمية في مدينة قُم وسهلت للآلاف من الشباب من مختلف دول العالم للدراسة على نفقتهم بحيث يتخرج في النهاية داعية لمذهبهم ويزودونه بما يحتاج من مال وغيره. ,يقول جيمس بلاك احد مساعدي الإدارة الأمريكية لمجلة التايم في 4/ 11/1991(إن الحكومة الإيرانية ترسل الأموال والبعثات (الثقافية)الى بلدان مثل غانا ونيجيريا وتستقبل الطلاب المسلمين من تايلاند وبورما واندونيسيا ليتلقوا الدراسة في قُم كما إن النظام الإيراني يولي الجمهوريات الإسلامية التي استقلت من الاتحاد السوفيتي اهتماما كبيرا ويسعى لإيجاد عملاء له في تلك البلاد من خلال نشر التشيع مثلما حدث في غرب أفريقيا ونيجيريا حيث أصبحت الأقلية الشيعية اشد على المسلمين من النصارى.
رابعاً:-
إرسال الدعاة والمبلغين الذين يقومون بعملية التبليغ الثوري وترسل لهم الأموال اللازمة لإنجاح ذلك المشروع.
خامساً:-
السفارات و المستشاريات الثقافية ووزارة الخارجية (وتعد هذه النقطة واحدة من أهم وسائل تصدير الثورة حيث يتم التنسيق السياسي من خلالها وتقوم السفارات الإيرانية في مختلف البلدان بتوزيع الكتب والمبلغين والأموال اللازمة لإنجاح المشروع )
السياسة الخارجية الإيرانية
يصاب بعض المراقبين للسياسة الخارجية الإيرانية أحيانا بالدهشة نتيجة ما يصفه بتناقض مواقف السياسة الخارجية الإيرانية إلا انه من المهم توضيحه أن فكر السياسة الخارجية الإيرانية هو ذاته فكر الخميني الذي يعتبر الأساس الشرعي للسياسة الخارجية الإيرانية ووفقا للدستور الإيراني فان الزعيم الأكبر خامنئي هو صاحب القرار النهائي للشؤون الداخلية والخارجية الإيرانية وهو القطب الرئيس في وضع السياسة الخارجية الإيرانية.
وان المرشد الأول للثورة الخميني لم يترك الأمر هكذا فقد وضع أهداف للسياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة أهمها :-
تصدير الثورة الى خارج إيران .
تامين الاحتياجات اللازمة لتصدير الثورة وتامين الاحتياجات الداخلية والمصالح القومية لإيران.
بناء علاقات مع كافة الدول ثم تدعيم هذه العلاقات.
السعي من اجل إقامة الوحدة العالمية بين مكونات الطائفة الشيعية .
واعتمدت في ذلك السياسة الخارجية الإيرانية على نشر المفاهيم الثورية بغية تهيئة الأرض المناسبة لتصدير الثورة القاعدة الأساس للانطلاق يقول احمد خميني (إن إيران الإسلامية ستكون المقر الكبير للثورة ومركزا لجهاد الأفريقيين والشرق أوسطيين ومسلمي سائر أنحاء العالم علينا أن نسعى كما كنا في السابق محل اعتماد الأبناء الثوريين للإمام الخميني في شتى أنحاء العالم).
وقد صرح خامنئي في خطبة الجمعة بطهران في (5 كانون الثاني 1986) قائلا:- (إن علاقة إيران مع أي دولة أجنبية تتوقف على مصالحها الوطنية).
وعندما فاز عمدة طهران المحافظ المتشدد محمود احمدي نجاد بانتخابات الرئاسة الإيرانية أمام الرئيس السابق علي اكبر هاشمي رفسنجاني أراد أن يحدث بعض التغييرات على السياسة الخارجية الإيرانية بهدف تصدير الثورة إذ قال (إن الأهداف الأولوية الأسبقية لتصدير الثورة عبر السياسة الخارجية هي الدول الخليجية والدول الإسلامية والدول غير العدائية ) وهكذا تمكنت السياسة الخارجية الإيرانية من إعادة العلاقات وبنجاح مع دول الخليج بضمنها المملكة العربية السعودية بعد أن شهدت العلاقات توترا كبيرا أبان الحرب العراقية الإيرانية وكذلك تم إعادة العلاقات مع تونس والمغرب والأردن ولم يكتفي تحسين العلاقات على المستوى السياسي بل تعداه الى المستوى الاقتصادي مع اغلب الدول العربية بضمنها الإمارات رغم الخلاف بينهما على مسالة الجزر الثلاث ,وكذلك استطاعت إيران تطوير علاقاتها الخارجية مع جمهوريات آسيا الوسطى واليابان وألمانيا وفرنسا ودول أوربية وغربية أخرى ويسعى نجاد الآن الى دمج إيران بالمجموعة الدولية بعد العزلة التي فـُرضت عليها بسبب مشروعها النووي.
مما سبق نستطيع التوصل الى إن سياسة إيران الخارجية تجاه ألازمات هي (الاحتواء ثم التوقيفات) وان كانت إيران تتعامل الآن بسياسة الصوت العالي مع القوى الكبرى وطرح مشروع تصدير الثورة بالدبلوماسية الهادئة.
ركائز تصدير الثورة الإيرانية في الوطن العربي
تشير التقارير السرية إلى أن النظام الإيراني اخفق في تصدير الثورة الإيرانية في بعض البلدان مما اضطره الى تحديث خطط تصدير الثورة والفكر الأمامي ويتم ذلك عن طريق اختراق الدول العربية والإسلامية وتسجل نفس التقارير إن السفارات الإيرانية في لبنان والكويت والبحرين والعراق قد جرى تفعيلها مؤخرا لاسيما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بواسطة سلسلة من التعيينات والتنقلات,وان معظم الدبلوماسين الجدد هم من ضباط الحرس الثوري وضباط الاستخبارات التابعين للمرشد بمن فيهم المشرفين على الملحقيات الثقافية هذا وان تصدير الثورة يتم عبر ركائز متعددة لعل أهمها :-
2 الركيزة الأولى:- (الساحة العراقية)
أدى سقوط بغداد الى جملة من التغييرات صاحبها تطلعات الإيرانيين لتصدير الفكر الأمامي والثوري في منطقة الخليج عموما والعراق خصوصا .لاسيما بعد أن شكل الائتلاف الشيعي الحكومة العراقية , عندها بدأ الطموح الإيراني والسياسة التوسعية تطفوا على السطح وبدأت أصوات الائتلاف تتناغم مع أصوات مصدري الثورة القابعين في القنصليات الإيرانية في العراق بإقامة إقليم الوسط والجنوب(الشيعيين)لتهيئة الأرضية الخصبة لانطلاق الهلال الشيعي .لاسيما وانه إذا ما انطلق من العراق فانه سيتجاوز هاوية الاختلاف القومي التي ربما كانت العقبة الكؤود أمام تصدير الثورة الى منطقة الخليج والوطن العربي وكما قلنا وفصلنا ذلك في الجزء الأول من هذا المقال في العدد السابق (إن اتخاذ العراق ليكون واجهة لتنفيذ مشروع تصدير الثورة سيعطي هذا المشروع حيوية وفعالية لم يحظ بها منذ تأسيسه وذلك بسبب البعد القومي الذي يفتقده المشروع في ثمانينيات القرن الماضي .كما أن العرب لم يتقبلوا الدخول في مشاريع إستراتيجية مع الفرس لذلك فان قومية العراقيين العربية ستتجاوز هذه النقطة وهذا ما يصبو إليه مصدرو فكر الثورة الإيرانية )
ولعل تكامل الأدوار مع المحتل أعطى لإيران نوع من السلطة المفترضة داخل العراق عبر فرق الموت التي تجوب العراق والوزارات العراقية والمليشيات المعروفة وربما أهمها (مليشيا جيش المهدي التابع للشاب المتشدد مقتدى الصدر) والتي قامت بأضخم عمليات التطهير الطائفي لأهل السنة في تاريخ البشرية.
أركان تصدير الثورة في العراق
ولعل ركيزة الساحة العراقية تعتمد في تصدير الثورة الإيرانية إلى العراق على عدة أركان أهمها :-
التآمر مع القوى الغربية الكبرى(أمريكا وحلفاؤها) في اجتياح العراق وهو ذات الأمر حصل في أفغانستان وهذا ما افتخر به كبار المسؤولين وصرحوا به قائلين(لولا إيران ما احتلت أمريكا العراق ولولا إيران ما احتلت أمريكا أفغانستان).
تلويح الساسة الإيرانيين بالورقة المذهبية لاستخدامها في أي استحقاق إقليمي ودولي والقيام بأعمال التطهير الطائفي وإشعال فتيل الحرب الأهلية بواسطة المليشيات التي تبنتها بالدعم اللوجستي وأحيانا العسكري وقيامهم بالتهجير والقتل الدموي وتدمير واحتلال المساجد.
اغتيال الكفاءات العلمية والدينية المناوئة لفكرة الإمامة في العراق.
السيطرة الديموغرافية على الجنوب العراقي حيث بدا بالتحول الى مقاطعة إيرانية وتعرض مناطق أهل السُنة هناك الى حملات تبشير شيعي وسطوة كبيرة وقتل وتهجير بواسطة شخصيات حملت حقد التاريخ بأفكارها وأفعالها .
2 الركيزة الثانية :- (الساحة السورية)
بدأ التحالف الإستراتيجي بين سوريا وإيران في الثمانينيات عندما اختار الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد الانحياز الى إيران في حربها مع العراق وظلت إيران تستخدم سوريا كمركز للتشيع ووثقت التعاون الاستراتيجي والعسكري بين(طهران ودمشق) وتمكنت إيران من إنشاء جبهة مشتركة لمواجهة محاولات العزل الأميركي .
والواقع السوري الحالي يشير الى هيمنة شبه كاملة وتحول الدعم الإيراني لدمشق الى نوع من الوصايا,وان النظام السوري اليوم يجد نفسه بين (مطرقة الضغوط الدولية وسندان الإنقاذ الإيراني) .
وتشير التقارير الى إن سوريا تُشَيّع مرحليا عن طريق دخول عشرات الألوف من الإيرانيين بشكل دوري الى سوريا حيث يتوزع هؤلاء على المراكز الدينية الشيعية مثل (السيدة زينب والسيدة سُكينة)وان عملية تعرض المجتمع السوري الى حملة تشيع هي مقصودة ومنظمة وخُصصت لها ميزانية ضخمة بمئات الملايين من الدولارات وتشير المعلومات إلى أن الأخيرة شهدت نشاطات إيرانية مثيرة للشبهات شمل كل المحافظات السورية في بلد يعتبر ذا أغلبية سنية ساحقة .
وتضيف المعلومات إن عدد الحوزات الشيعية قد زاد في سوريا بشكل كبير بدعم إيراني واضح وان المبلغين يطوفون المدن والقرى السورية ونتيجة الضغوطات الدولية المفروضة على سوريا والعزلة الأميركية فان إيران استغلت ذلك بتعزيز الحلف الاستراتيجي مع سوريا مشروطا بضريبة تتمثل بفتح حسينيات ومراكز دينية وثقافية ومراكز تدريس ومكتبات في غالبية المناطق ووصلت مؤخرا الى حلب وضواحيها وحمص وحماة والحَسَّـكة و القامشلي والرقة واللاذقية ودير الزور وغيرها كثير , ولم تعد هذه النشاطات محصورة في السيدة زينب كما كان سابقا .وفي موازاة ذلك فقد لوحظ إن إيران تلعب دورا كبيرا في تمويل وبناء المستشفيات و المستوصفات الخيرية ومن أشهرها مستشفى الخميني في دمشق والمستشفى الخيري في حلب .
وتشير التقارير إلى إن أنشط الجمعيات الخيرية في سوريا هي الجمعيات ذات التمويل الإيراني ونشرت صحيفة الموطن العربي في عددها الصادر في 12/ 6/2006 (انه في الآونة الأخيرة بدأ الإيرانيون بإعداد برامج تعاون ثقافي يشمل زيارات منظمة الى سوريا وتخصيص مِنح دراسية في الجامعات الإيرانية وقد أدى هذا التعاون الى إدخال تعليم اللغة الفارسية في عدد من الجامعات السورية لكن الجانب الأكثر إثارة لحساسية السوريين هو امتداد عملية نشر التفريس الى حد ظاهرة الدعوة الى التشيع والعمل على إقناع الشباب السوري باعتناق المذهب الشيعي وقد وصل الأمر الى حد توفر فرص عمل لهم في المراكز الثقافية الدينية وخصوصا المركز الثقافي الإيراني في دمشق),وتذكر الصحيفة (إن الشيخ محمود الحائري الذي يشرف على حوزة شيرازية يعترف بأنه يلتقي كل أسبوع بسوري يريد اعتناق المذهب الشيعي ).وان مدى الاختراق الإيراني لسوريا مرشح للتحول الى قنبلة معدة للانفجار بالوضع الداخلي السوري على خلفية التذمر الشعبي من التغلغل الإيراني في سوريا أولاً ومن حملة الاعتقالات ضد أهل السُنة هناك ومحاصرة المؤسسات التعليمية والإسلامية ثانياً .
2الركيزة الثالثة :- (الساحة اللبنانية)
لا يخفى على احد حجم الدور الإيراني المتمثل بحزب الله في لبنان إذ يعتبر حزب الله مفتاح إيران لنشر التشيع وتصدير الثورة الى لبنان عبر تحويل الجنوب اللبناني الى دولة شيعية داخل الدولة اللبنانية وتسعى إيران لتشييع لبنان عبر الجنوب الذي يسطر عليه حزب الله (والذي يكون فيه أهل السنة بين مضطهد أو مهجر كما إن مساجد أهل السنة هناك تعد بالأصابع مقارنة بالحسينيات والمراكز الدينية) ويعتبر الجنوب اللبناني قاعدة الانطلاق نحو تشييع لبنان وهذا ما صرح به أكثر من مرة وليد جنبلاط لصحيفة الزمان (بان إيران تريد تشييع لبنان عبر حزب الله),وحزب الله بقيادة حسن نصر الله (الذي يدين بولاية الفقيه لعلي خامنئي) يلعب بورقة المقاومة المزيفة لكسب أوراق على الساحة الدولية وللاحتفاظ بالسلاح من اجل خلط الأوراق السياسية في لبنان لصالح أركان النظام الإيراني ومشروعه التبشيري وكذلك لاستفزاز إسرائيل كلما اقتضى ذلك مصلحة أطراف المشروع الشيعي في إيران.
2الركيزة الرابعة:- (الساحة الخليجية)
يعتبر الشيعة في دول الخليج من الأقليات الدينية حيث لا تتجاوز نسبتهم في بعض الدول 10% ,وعلى الرغم من عددهم القليل إلا إنهم يحاولون الظهور في هذه المرحلة كقوة شعبية لا يستهان بها .
وان محاولات ابتلاع الخليج عبر شتى أنواع الوسائل هي ليست بالقضية الجديدة إذ بعد نجاح الثورة وتمكينها في إيران واستيلاء الخميني ومن معه على السلطة أطلق المسؤول الإيراني صادق روحاني تصريحاته التي طالب فيها بضم البحرين الى إيران ووصف حكومة الشاه بأنها هي من تنازلت عن البحرين.
والناظر بعمق لشيعة الخليج يلمس أنهم بالفعل بدؤوا فعلا بالتحرك لأخذ مكانة أكبر في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وشيعة الخليج وبتخطيط إيراني منظم يحاولون الاستفادة من أي وضع يسمح لهم بالبروز,حيث استغل شيعة البحرين الوضع الإصلاحي الجديد الذي سمح للشيعة بأخذ مكانة اكبر في نواحي المجتمع ,واستفاد الشيعة في الكويت كذلك من حالة الانفتاح السياسي فأصبح لهم ممثلين في البرلمان الكويتي .
وكذلك حاول شيعة الخليج وبتمويل إيراني الاستحواذ على مشاريع اقتصادية وتكنولوجية غاية في الأهمية وفي خطوة فريدة من نوعها نحو السيطرة الاقتصادية على السوق العربي,إذ يلاحظ أن هناك الكثير من النشاطات التجارية والشركات الاقتصادية يتحكم فيها الشيعة في منطقة الخليج ,بالإضافة الى إرسال العديد من الطلبة الإيرانيين الى الخليج بهدف الدراسة في الأقسام والفروع الخاصة بالبتر وكيمياويات واستخراج النفط والتقنيات التكنولوجية .
كما يؤكد موقع المسلم الالكتروني أن تجار الشيعة في الخليج امتلكوا مكانة بارزة في سوق الذهب و لا يقتصر نشاطهم على الجانب الاقتصادي بل تعدا ذلك الى اهتمامهم بالزواج المبكر وإقامة ومهرجانات الزواج الجماعي كمحاولة لزيادة النسل ,كما بدؤوا بالمطالبة ببناء الأضرحة وإقامة الحوزات الدينية وما زيارة الشاب المتشدد مقتدى الصدر الى دول الخليج والأردن والمطالبة ببناء البقيع وبعض الأضرحة إلا دليل على محاولة القوم تشييع الخليج والخليجيين بالاستفادة من الأوضاع التي خلفتها سقوط بغداد.وعلى الرغم من إن الشيعة في الخليج يحرصون على تقديم أشكال الولاء والطاعة لحكام الدول التي يقطنونها الآن لكن هذا لا ينفي تطلعهم نحو إقامة حكم ذاتي شيعي في مناطق تواجدهم أو حتى إقامة حكومة شيعية منفصلة كما يحدث الآن في كثير من الدول العربية مثل العراق (إذ يحاول معظم أركان الائتلاف إقامة إقليم الوسط والجنوب الشيعيين )ولبنان وتظاهرات الشيعة في سوريا والأحساء و القطيف الى ذلك صرحت مجلة الشهيد الدورية(مجلة تصدرها حركة التحرير الإسلامية في إيران)( بعددها 12 وبتاريخ 12/ 12/1987) بقولها (إن الثورة في إيران ليست إلا الشرارة الأولى التي سوف تفجر كل المنطقة).ونختم هذه النقطة بتصريح لصحيفة الوطن العربي بتاريخ (4/6/2004 )العدد(1424) (بدأ تزايد الوفود الإيرانية والاقتصادية لعدد من الدول الخليجية الأمر الذي أدى الى تزايد ارتفاع نسبة رجال الأعمال والسياح الإيرانيين الذين يقصدون دولا مثل الكويت والبحرين والعراق ويسعون للاستقرار فيها )
ونتيجة لكل ما سبق أصبح لزاما على العرب حكاما ومحكومين أن يستوعبوا حقيقة مشهد تصدير الثورة الإيرانية بثوب جديد الى كل المناطق العربية دون استثناء كمحاولة لتشييع هذه المناطق وإعادة المجد الفارسي .لذلك فأن أمر استيعاب هذا الخطر لايتم بالخطابات المرتجلة ولا المزايدات السياسية المبتذلة وإنما يكون عبر بناء منظومة متوازنة لمواجهة حملات التصدير الرامية الى تغيير هوية الأمتين العربية والإسلامية ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمقاومة المشروع الصفوي الذي يعتبر التهديد الأكبر لوجودنا وديننا وحاضرنا وسلامة أوطاننا وأجيالنا .
_________________________
المصدر: موسوعة الرشيد