عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَآءَهُ الأَعْمَى
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم ـ وعنده صناديد قريش " عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام، والعباس بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، والوليد بن المغيرة " يدعوهم إلى الإسلام، رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم . يجيء هذا الرجل الأعمى الفقير إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو مشغول بأمر هؤلاء النفر. لا لنفسه ولا لمصلحته، ولكن للإسلام ولمصلحة الإسلام. فلو أسلم هؤلاء لانزاحت العقبات العنيفة والأشواك الحادة من طريق الدعوة في مكة؛ ولانساح بعد ذلك الإسلام فيما حولها، بعد إسلام هؤلاء الصناديد الكبار. فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أقرئني وعلمني مما علمك الله ، وكرر ذلك ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه ، عن من ؟ أعرض عن الرجل المفرد الفقير الذي قد يعطل الرسول عن الأمر الخطير. الأمر الذي يرجو من ورائه لدعوته ولدينه الشيء الكثير؛ والذي تدفعه إليه رغبته في نصرة دينة، وإخلاصه لأمر دعوته، وحبه لمصلحة الإسلام، وحرصه على انتشاره! ولهذه المسألة وجهين : الأول: ظاهر الواقعة يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء وانكسار قلوب الفقراء ، فلهذا السبب حصلت المعاتبة والوجه الثاني : هذا العتاب لم يقع على ما صدر من الرسول عليه الصلاة والسلام من الفعل الظاهر، بل على ما كان منه في قلبه ، وهو أن قلبه عليه الصلاة والسلام كان قد مال إليهم بسبب قرابتهم وشرفهم وعلو منصبهم، فلما وقع التعبيس والتولي لهذه الداعية وقعت المعاتبة . وفي الموضع سؤالات : الأول : أن ابن أم مكتوم كان يستحق التأديب والزجر، فكيف عاتب الله رسوله على أن أدب ابن أم مكتوم وزجره؟ وإنما قلنا: إنه كان يستحق التأديب لوجوه أحدها: أنه وإن كان لفقد بصره لا يرى القوم ، لكنه لصحة سمعه كان يسمع مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم أولئك الكفار، وكان يسمع أصواتهم أيضاً، وكان يعرف بواسطة استماع تلك الكلمات شدة اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بشأنهم، فكان إقدامه على قطع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإلقاء غرض نفسه في البين قبل تمام غرض النبي إيذاء للنبي عليه الصلاة والسلام، وذلك معصية عظيمة .... لكن الله عاتبه لأن الأعمى يستحق مزيد الرفق والرأفة وثانيها: أن الأهم مقدم على المهم، وهو كان قد أسلم وتعلم، ما كان يحتاج إليه من أمر الدين، أما أولئك الكفار فما كانوا قد أسلموا، وهو إسلامهم سبباً لإسلام جمع عظيم، فإلقاء ابن أم مكتوم، ذلك الكلام في البين كالسبب في قطع ذلك الخير العظيم، لغرض قليل وذلك محرم وثالثها: أنه تعالى قال: { إَنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [الحجرات: 4] فنهاهم عن مجرد النداء إلا في الوقت، فههنا هذا النداء الذي صار كالصارف للكفار عن قبول الإيمان وكالقاطع على الرسول أعظم مهماته، أولى أن يكون ذنباً ومعصية، فثبت بهذا أن الذي فعله ابن أم مكتوم كان ذنباً ومعصية، وأن الذي فعله الرسول كان هو الواجب ، وعند هذا يتوجه السؤال في أنه كيف عاتبه الله تعالى على ذلك الفعل؟... وهذا العتاب بسبب أن الرسول كان مأذوناً في تأديب أصحابه ، وكيف لا يكون كذلك وهو عليه الصلاة والسلام إنما بعث ليؤدبهم وليعلمهم محاسن الآداب، وإذا كان كذلك كان ذلك التعبيس داخلاً في إذن الله تعالى إياه في تأديب أصحابه... لكن هنا لما أوهم تقديم الأغنياء على الفقراء ، وكان ذلك مما يوهم ترجيح الدنيا على الدين، فلهذا السبب جاءت هذه المعاتبة. القائلون بصدور الذنب عن الأنبياء عليهم السلام تمسكوا بهذه الآية وقالوا: لما عاتبه الله في ذلك الفعل، دل على أن ذلك الفعل كان معصية، وهذا بعيد فإنا قد بينا أن ذلك كان هو الواجب المتعين لا بحسب هذا الاعتبار الواحد، وهو أنه يوهم تقديم الأغنياء على الفقراء، وذلك غير لائق بصلابة الرسول عليه الصلاة والسلام، وإذا كان كذلك، كان ذلك جارياً مجرى ترك الاحتياط ، وترك الأفضل ، فلم يكن ذلك ذنباً البتة. لذلك نزلت هذه الآية ، { عبس وتولى. أن جاءه الأعمى }.. بصيغة الحكاية عن أحد آخر غائب غير المخاطب؛أي بلفظ الإخبار عن الغائب ، وفي هذا الأسلوب إيحاء بأن الأمر موضوع الحديث لا يحب الله ـ سبحانه ـ أن يواجه به نبيه وحبيبه، عطفاً عليه، ورحمة به ، وتعظيماً له ، وإكراماً له عن المواجهة بهذا الأمر،... فالله لم يقل: عبَستَ وتوليتَ. واعلم أن في الأخبار عما فرط من رسول الله ثم الإقبال عليه بالخطاب دليل على زيادة الإنكار، كمن يشكو إلى الناس جانياً جنى عليه، ثم يقبل على الجاني إذا حمى في الشكاية مواجهاً بالتوبيخ وإلزام الحجة واعلم أن ما حصل من النبي صلى الله عليه وسلم لا ينافي ما هو معروف من حسن أخلاقه، فإن الذي حصل منه إنما هو عبوس سببه حرصه على اهتداء المشركين ، وكان واثقا من أنه سيلقى ابن أم مكتوم في أوقات أخرى، وهذا العبوس لم يره ابن أم مكتوم رضي الله عنه لأنه كان أعمى، ولم يُرْوَ أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بما يؤذي ابن أم مكتوم أو يجرح شعوره. وقال المستشرق (ليتنر) حيث قال : (( مرة أوحى الله إلى النبي وحيا شديد المؤاخذة ؛ لأنه أدار وجهه عن رجل فقير أعمى , ليخاطب رجلا غنيا من ذوي النفوذ، وقد نشر ذاك الوحي، فلو كان محمد كاذبا -كما يقول أغبياء النصارى بحقه -لما كان لذلك الوحي من وجود )) هذه الشبهة التى يلقيها أعداء الإسلام حول قصة عبوس الرسول بسبب مقاطعة إبن أم مكتوم له.إنقلبت عليهم لأنهم من خلالها أثبتوا الآتى:- 1- عندما يقولون ان الله وبخ رسولكم فى القرآن..هذا إعتراف أن القرآن من عند الله وأن الله يخاطب رسوله. 2-عدم إخفاء الرسول لهذه الآية دليل على أمانته وصدقه فى تبليغ كل كلمة نزلت فى القرآن حتى ولو كانت عتاباً لشخصه 3-هذه الآية اثبتت ان الرسول لم يؤلف القرآن وليس مدعياً للنبوة لأن من يدعى النبوة سيؤلف كتاباً تنطق كل كلمة فيه بالإشادة والتعظيم والتكريم لشخصه ولن يخطر بباله ولن يفكر أصلاً فى أن يأتى بآية تحمل كلمة عتاب له. 4- هذه الآية اثبتت ان الإسلام لا يهمه ان يستميل الناس بوضع الرسول فى مكانة إلهية [كما فعل النصارى] حتى يزيد من اتباعه ويزيد عدد معتنقيه .
5-اثبتت هذه الآية صدق وأمانة من جمعوا القرآن وصدق وامانة من حملوه واوصلوه لنا دون ان يحذفوا آية او حرف وخصوصاً اية تحمل عتاباً للرسول.
كبار علماء الشيعة: عبس وتولى نزلت في النبي
عبس وتولى - من منظور شيعي مُغَيّب
السلام عليكم
في هذا الموضوع سنتطرق للقائلين بنزول عبس وتولى بالنبي من أعلام مذهبنا. مراجعات في عصمة الأنبياء السيد عبد السّلام زين العابدين الموسوي الرسالة الرابعة الوقفة الخامسة عشرة - من هو العابس؟ { عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى } - لماذا حولت (لا) النافية إلى (لا) الناهية؟!! - المحور الأول: رأي (السيد) في ( عبس وتولّى ) - الموقف الصارم والتوجيهات الستة: - - الأول: عبوس مضايقة لا عبوس احتقار - الّثاني: أسلوب (إياك أعني واسمعي يا جارة) - الّثالث: إبعاد السلوك عن الصورة السلبية شكلا النظيفة مضمونًا - الرابع: المقارنة بين الاهتمام بالمستضعفين والاهتمام بالمترفين - الخامس: الاهتمام بالأغنياء لتزكيتهم لا لغناهم - السادس: التصدي الرسالي لا الذاتي - المحور الّثاني: اتجاهات التفسير في {عبس وتوّلى} - أعلام التفسير: بين القطع والترجيح والتنزل ١ - الطبرسي في (جوامع الجامع) : السورة نازلة في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ٢ - الطبرسي في (المجمع): العبوس ليس ذنبًا ٣ - ابن أبي جامع العاملي: نزولها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ٤ - ابن طاووس: أسلوب (إياك أعني واسمعي يا جارة) ٥ - المجلسي: العتاب على ترك الأولى ٦ - الطريحي: الأعمى لا يعلم تشاغل الرسول ٧ - الفراهيدي: لم يكن عبوس تهاون ٨ - محسن الأمين: القطع بنزولها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ٩ - هاشم معروف الحسني: لا يتنافى مع مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ١٠ - مغنية العاملي: نزولها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرجح وأقوى ١١ - محمود الطالقاني: القطع بنزولها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ١٢ - نصرت أمين: المقصود هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ١٣ - مكارم الشيرازي: ترك الأولى لا ينافي العصمة ١٤ - كاظم الحائري: لا مانع من توجه الخطاب إلى ال رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ١٥ - محمد الكرمي: الرأي الآخر يتنافى مع السياق ١٦ - شمس الدين: لا مانع من نزولها في ال رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ١٧ - الجويباري: القشريون يمنعون نزولها في ال رسول (صلى الله عليه وآله وسلم)!! من هو العابس؟ { عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى}[عبس/ ١ -١٠ ]. لم أعد أتعجب من طبيعة ممارستكم النقدية في سورة (عبس)، وطريقة عرضكم لكلمات الآخر، وكيفية تسجيل الملاحظات على ما يطرحه من أفكار وتوجيهات. لقد بلغ بكم الأمر في موضوع (عبس وتوّلى) إلى توجيه الاتهامات الظالمة اّلتي وصفت (السيد) بأنه يصر بشكل لا يقول به حتى من يدعي نزولها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من العامة!! لا أريد أن أقول إن حكمكم هذا جائر وظالم، وإنه ينم عن عدم اطّلاع مزدوج؛ عدم اطّلاع على تفاسير الشيعة وتفاسير السنة معًا.. ولكن أقول: ما هكذا الظن بكم.. أما كان الأجدر بسماحتكم أن تطالعوا قبل أن تحكموا وتنتقدوا؟ لماذا تطْلقون الأحكام هكذا جزافًا، من دون بحث ومراجعة وفحص ومتابعة؟ ولست أدري هل ما حصل من تحريف للكلم عن مواضعه كان من قبلكم أو من قبل (بعض الأخوة) اّلذين يساعدونكم في مهمتكم؟ لماذا حولت (لا) النافية إلى (لا) الناهية؟! لقد ذكرتم أن من المقولات (الجريئة) والمرّقمة ( ١٠١ ) هي قول (السيد): (لا تكن منطلقاتكم منطلقات النبي) !! وقد أخذتم ذلك من مجّلة الموسم كما تذكرون في الهامش، والحال أن النص اّلذي جاء في المجلة هكذا: (لا تكون منطلقاتكم منطلقات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم))، وذلك ضمن السياق التالي: "الواقع (أن) القرآن نزل على طريقة (إياك أعني واسمعي يا جارة)، يعني هو يخاطب النبي ويقصد الآخرين...، ليس أن النبي أخطأ.. النبي واجباته أنه عندما يأتيه أي شخص يجب أن يقيم عليه الحجة حتى لو عرف أنه لا ينفع هذا فيه، لكن الله أراد أن يبين طبيعة المسألة ، وأن يخاطب الآخرين: إذا ابتليتم بمثل هذه القضية طبعًا لا تكون منطلقاتكم منطلقات النبي (ص) فلا تفعلوا مثل ذلك.. وعلى هذا الأساس لا يكون (هناك) أي نوع من أنواع الابتعاد عن الخط الأخلاقي". [ الموسم/العددان ٢١ ٢٢ ] ومن الواضح أن جملة (طبعًا لا تكون منطلقاتكم... ) إنما هي جملة اعتراضية لرفع توهم قد يحصل ، لتؤكّد أن منطلقاتنا لا يمكن أن تكون كمنطلقات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في رساليتها وإخلاصها وطهارتها (١). وستكون وقفتنا هذه في أجواء سورة (عبس) ضمن المحاور التالية: المحور الأول: رأي (السيد) في المسألة. المحور الثاني: آراء أعلام التفسير الشيعة. المحور الثالث: نقد النقد. المحور الأول: رأي (السيد) في {عبس وتولّى} لست أدري ما هو الجديد اّلذي جاء به (السيد) في تفسيره لسورة (عبس) حتى جعلكم تشنون عليه كل تلك الحملة النقدية القاسية؟! ما هو الأمر الغريب اّلذي ذهب إليه، واّلذي يعد بدعًا في عالم التفسير والمفسرين؟! ما هو السر اّلذي جعلكم تصرون على اعتبار رأيه وترًا ونشازًا وهتكًا لعصمة الرسول وأخلاقيته العظيمة؟! أليس ما ذهب إليه (السيد) من تفسير، قد ذهب إليه وتبناه وارتضاه العشرات من أعلام التفسير الشيعة من القدماء والمعاصرين؟ أليس ما قاله في تفسير سورة (عبس) كان أكثر دّقًة، وأشد حذرًا، وأكبر مراعاة للعصمة ومقام النبوة، من كثير من المفسرين الشيعة؟ إن مشكلتكم هي المشكلة ذاتها، من عدم مراجعتكم لمصادر التفسير وموارده، ومن الاقتصار على معنى واحد واتجاه فارد، وكأن السماء قد فوضتكم تفسير كتاب الله العزيز دون غيركم، ومن الطريقة الانتقائية التحريضية التهويلية في عرض آراء الآخرين، لإثارة البسطاء من الُقراء ، اّلذين راحوا يرددون ما جاء في (خلفيات) حول (عبس وتوّلى) وقصة يوسف (عليه السلام) كالببغاء. لقد انطلق (السيد) في تفسيره لسورة (عبس) من منطلق التسليم بالعصمة العملية والأخلاقية والسلوكية لرسول الإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): {وإنك لعلى خُلق عظيم} ، ومن الثّقة اُلمطلقة بالاسس اّلتي يعتمدها في تقييم الآخرين، وفقًا لقوله تعالى: {إنّ أكْرمكُم عند الله أتقاكم}. ولهذا فإنه يرى (إمكانية ) نسبة قصة العبوس إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن ضمن شروط ومواصفات، وقيود وتأويلات، وضوابط وتوجيهات، تجعل من تلك (النسبة ) غير قادحة بتلكم المنطلقات الثابتة: (العصمة العملية، الأخلاقية الرفيعة، التقييم على أساس التقوى) اّلتي كانت متوفّرة في شخصية الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأعلى درجاتها وأرقى مستوياتها. وعلى ضوء ذلك، يذكر (السيد) وجوهًا عديدة، وتأويلات متنوعة، لتقريب (إمكانية نسبة العبوس إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)) من دون أن تمس شيئًا من عصمته وطهارته وأخلاقيته. ولم يكن ما ذكره جديدًا في عالم التفسير، وإنما أشار إليه بشكل أو بآخر أعلام التفسير منذ قرون، ونّقحه المفسرون المعاصرون، كما سنرى. رأي (السيد): الموقف الصارم والتوجيهات الستة ويتلخص رأي (السيد) في تفسيره لسورة (عبس) بالنقاط التالية: أولا: الرفض القاطع للرواية العامية في بعض فقراتها، واّلتي تنقل تصورات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للانطباعات اّلتي يمكن أن تحصل لدى صناديد قريش بأن أتباعه العميان والعبيد، فقد جاء في الرواية: (وقال في نفسه، يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العبيد والعميان، فأعرض عنه .) يرى (السيد) أن هذا مما لا يمكن أن يكون صحيحًا، ويرفضه رفضًا قاطعًا، وذلك لسببين: السبب الأول: (إن هذه المسألة ليست خفية لدى مجتمع الدعوة، فإن أتباع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا يمثّلون الطبقة السفلى في المجتمع، إلا القليل ممن كانوا في طبقة الأغنياء أو الوجهاء، فكيف يمكن أن يخاف النبي من هذا الانطباع اّلذي يفرض نفسه من خلال الواقع .) [من وحي القرآن/ ٢٤ / ٦٤ ] السبب الثاني: (إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الأوعى والأعرف بالقيمة الروحية اّلتي يمّثلها الإسلام في تقييم الأشخاص على أساس التقوى اّلتي تجمع الإيمان والعمل، فلا يجوز أن ينسب إليه احتقاره للمؤمنين في مسألة الانتماء إلى مجتمع الدعوة التابع له. وهل كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يجتمع بالمؤمنين سرًا ليدفع عنه هذا الانطباع ، حتى يكون مجيء الأعمى إلى مجلسه مفاجأة له؟!! .) [من وحي القرآن/ ٢٤ / ٦٥ ] ولهذا، فإن صاحب (من وحي القرآن) يرفض بشدة تلك الفقرة في الرواية، لأنها تمس بعصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا تنسجم مع أخلاقه وقيمه وروحيته، في حين أن بعضًا من مفسري الشيعة كالطبرسي وغيره، لم يرفضوا هذه الفقرة، ولم يشيروا إلى عدم لياقتها برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ثانيًا: إن (السيد) لم يقبل الرواية العامية، ولم يقل بصحتها، بل قال بصريح العبارة: ( ونحن لا نريد أن نؤكّد هذه الرواية أو نرفضها، بل نريد أن نثير المسألة حول إمكان نسبة القصة إلى النبي أو عدم إمكانه، لنتبنى إمكان ذلك من دون منافاة لخلقه العظيم، ولعصمته في عمله، وذلك ضمن نقاط .) [ن. م/ ٦٥ ] وقد ذكر بعد ذلك ست نقاط أساسية استغرقت ثماني صفحات من كتابه التفسيري (من وحي القرآن). [راجع:ن. م/ ٦٢ ٧٢ ] ومن الغرابة بمكان أنكم تجاهلتم كل تلك النقاط، وأهملتم كل تلك الصفحات، ولم تنقلوا منها سطرًا واحدًا!! وهذا سلوك لا ينسجم مع الأمانة العلمية والروح الموضوعية، اّلتي يجب أن يتحّلى بها الناقد. ثالثًا: إن ما جاء في الصفحات الثمانية وما تلاها، من شروط وتأويلات وتوجيهات يمكن أن نلخصه بما يلي: التوجيه الأول: عبوس مضايقة لا عبوس احتقار واستكبار إن (العبوس) لم يكن (عبوس احتقار )، بل كان (عبوس مضايقة )، بسبب قطع ابن ُام مكتوم لكلامه اّلذي يستهدف هداية ُاولئك القوم، فلا يكون في العبوس والحالة هذه (أي عمل غير أخلاقي، ولا يتنافى مع الآيات اّلتي أكدت خلقه العظيم وسعة صدره .) [ن. م/ ٦٦ ٦٧ ] وسواء كان هناك وحدة حال بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين ابن ُام مكتوم كما ذكر السيد أو لم يكن، فإن المسألة لا تختلف، فلا داعي للتشبث بمقولة (وحدة الحال) وردها، وتركيز الكلام حولها، لأنها لم تذكر إلا كمؤيد لطبيعة عبوس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) اّلذي لا يتنافى مع عصمته وأخلاقيته. وهذا الوجه ذهب إليه بعض المفسرين المعاصرين كالعلامة محمد مهدي شمس الدين في تفسيره لسورة (عبس) كما سيأتي. التوجيه الثاني: أسلوب: (إياك أعني واسمعي يا جارة) وهو أسلوب شائع في الخطابات القرآنية، حتى جاء في الرواية عن أهل البيت (عليهم السلام): (نزل القرآن بإيا ك أعني واسمعي يا جارة )؛ وذلك (ليكون الخطاب للامة، من خلال النبي، ليكون ذلك أكثر فاعلية وتأثيرًا إيحائيًا في أنفسهم، لأن النبي إذا كان يخاطب بهذه الطريقة في احتمالات الانحراف فكيف بغيره .) [ن. م/ ٧٢ ] ويرى (السيد): (أن القسوة الملحوظة في الآيات في الحديث مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تمّثل ظاهرة واضحة في أكثر الآيات اّلتي تتصل بسلامة الدعوة واستقامة خطها الموطن الأول: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) }[الحاّقة/ ٤٤ - ٤٧ ]. الموطن الّثاني: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً (75) }[الإسراء/ ٧٣ - ٧٥ ]. الموطن الّثالث: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) }[الزمر/ ٦٥ ]. وغير ذلك من المواطن والآيات اّلتي (ترقى) فيها القضية (إلى المستوى الكبير من الأهمية، بحيث لولاها لانحرفت مسيرة الرسالة بانحراف الرسول أو القائد )؛ وذلك (للإيحاء بان هذه القضية لا تقبل التهاون حتى في الموارد المستبعدة منها، وذلك من أجل أن يفهم الدعاة من بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن عليهم أن يقفوا في خطّ الاستقامة، حتى بالمستوى اّلذي لا يمثّل تصرفهم فيه عملا غير أخلاقي، لأن الغفلة عن الخطوط الدقيقة في المسألة قد تجر إلى الانحراف بطريقة لا شعورية .) [ن. م/ ٧٠ ] وهذا الوجه من التفسير أشار إليه العديد من المفسرين الشيعة من القدماء والمعاصرين. كما سيأتي. قد تقولون: إن تلك الآيات اّلتي جاءت بأسلوب (إياك أعني واسمعي يا جارة ) تختلف عما عليه في سورة (عبس)، حيث إنها على نحو القضية الشرطية: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}، { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ}، {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ } وهكذا.. أما سورة (عبس)، فإنها تتحدث عن واقعة خارجية قد وقعت، وحادثة قد حدثت. أقول: ليس كل الآيات اّلتي جاءت فيها روايات أهل البيت (عليهم السلام) بأنها من باب: (إيا ك أعني واسمعي يا جارة )، على نحو القضية الشرطية، بل هناك العديد منها ليس كذلك.. كما في قوله تعالى: { عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ }[ التوبة/ ٤٣ ]. فقد جاء في رواية العيون عن الرضا (عليه السلام) ّلما سأله المأمون، قائلا له: أخبرني عن قول الله: { عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ }، قال الرضا (عليه السلام): هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة، خاطب الله بذلك نبيه، وأراد به ُامته، وكذلك قوله: { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }، وقوله تعالى: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً }. قال المأمون: صدقت يابن رسول الله .) علمًا أنكم في كتابكم (الصحيح من سيرة النبي الأعظم) تستقربون هذا الاتجاه من التفسير، في الوقت الذي ترفضونه هنا في (خلفيات)!! وهذه إحدى المفارقات. وسيأتي بيانها بعد قليل. التوجيه الثالث: إبعاد السلوك عن الصورة السلبية شك ً لا النظيفة مضمونًا وهذا هو ُاسلو ب آخر من أساليب القرآن الكريم كما يرى (السيد) قد أشار إليه بعض المفسرين؛ (لإبعاد السلوك عن الصورة ال سلبية من حيث الشكل، حتى ولو لم تكن سلبية من حيث المضمون، مع ملاحظة مصلحة الدعوة في ذلك كلّه .) [ن. م/ ٧١ ] إن الاهتمام بالأغنياء لقدرم على التأثير في اتمع بطريقة فاعلة وكبيرة، ومحاولة هدايتهم وتغيير موقفهم العدائي تجاه الرسالة ، يعد اهتمامًا رساليًا، ومحاولة مباركة.. ولذلك (تكون النظرة على هذا الأساس نظرًة رسالية، لكنها قد تترك تأثيرًا سلبيًا على النظرة العامة لسلوك الرسول، لأنهم قد يفكّرون بالجانب ال سلبي في القضية، وهو ملاحظة جانب الغنى في الاهتمام بالأغنياء من جهة النظرة ال ّ ذاتية إلى قيمة الغنى في المجتمع .) [ن. م/ ٧١ ] من هذا المنطلق، قد تأتي الآيات لتثير الموضوع ذه الطريقة لإبعاد السلوك عن الصورة السلبية شكلا النظيفة مضمونًا، كما في قوله تعالى: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }[الكهف/ ٢٨ ]. وبهذا الاسلوب يرفع الوهم اّلذي قد يحصل من جراء السلوك الشكلي للموقف، واّلذي قد يفسر بعيدًا عن روحه ومضمونه ومقصده، بأنه احتقار للمؤمنين المستضعفين واحترام للأغنياء اُلمترفين، وليس لما يأمله من تأثيرهم الإيجابي في حال إسلامهم على حركة الرسالة ومستقبلها. وقد أشار إلى هذا الوجه العّلامة الطبرسي في مجمع البيان، كما سيأتي. التوجيه الرابع: المقارنة بين الاهتمام بالمستضعفين والاهتمام باُلمترفين يرى (السيد) أن سورة (عبس) (قد تكون واردة في مقام توجيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الاهتمام بالفئة المستضعفة )، لأنها (الأكثر استعدادًا لبذل الجهد، وتحمل المسؤوليات، وتقديم التضحيات .) أما الأغنياء المترفون، (فإن هدايتهم قد تحقّق بعض الربح، وبعض النتائج الإيجابية على مستوى إزالة المشاكل اّلتي كانوا يثيروها أمام الدعوة، ولكنهم لا يستطيعون التخّلص من رواسبهم بشكل سريع، ما قد يجعل الانصراف إليهم والانشغال بهم عن غيرهم موجبًا لبعض النتائج الصغيرة، على حساب النتائج الكبيرة .) [ن. م/ ٦٨ ٦٩ ] ( وعلى ضوء ذلك، فقد تكون الآيات واردة للحديث عن المقارنة بين الاهتمام بتزكية المستضعفين من المؤمنين اّلذين هم القوة الحركية للدعوة، وبين الاهتمام بتزكية هؤلاء اّلذين قد يحتاج الموضوع لديهم إلى جهد كبير لا يملك النبي الوقت الكثير له في اهتماماته العامة .) ( مع ملاحظة مهمة، وهي أن قوة الدعوة اّلتي يحقّقها المستضعفون في جهدهم وجهادهم، سوف تحقّق الامتداد للإسلام، بحيث يدخل هؤلاء المستكبرون فيه بشكل سريع، لأن هؤلاء لا يخضعون للمنطق عادة بل للقوة، وهذا ما لاحظناه في فتح مكة .) [ن. م/ ٦٩ ] التوجيه الخامس: الاهتمام بالأغنياء لتزكيتهم لا لغناهم على ضوء قوله تعالى: { أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى }، يقول (السيد): (إن مدلول الآيات يوحي بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يستهدف من حديثه مع هؤلاء الصناديد تزكيتهم الفكرية والروحية والعملية، بعيدًا عن مسألة الاهتمام بغناهم من ناحية ذاتية .) وإنما جاء الخطاب في الآية (للإيحاء بأن عدم حصوله على التزكية بعد إقامة الحجة عليه من قبلك مدة طويلة، لا يمّثل مشكلة بالنسبة إليك، لأنك لم تقصر في تقديم الفرص الفكرية بما قدمته من أساليب الإقناع، ما جعل من التجربة الجديدة تجربًة غير ذات موضوع، لأنه يرفض الهداية من خلال ما يظهره من سلوكه، الأمر اّلذي يجعل من الاستغراق في ذلك مضيعة للوقت، وتفويتًا لفرصة مهمة ُاخرى، وهي تنمية معرفة هذا المؤمن الداعية اّلذي يمكن أن يتحول إلى عنصرمؤثّر في الدعوة الإسلامية .) ولهذا يتساءل (السيد) متعجبًا: (فأين هي المشكلة الأخلاقية المنافية للعصمة في هذا كّله؟!! .) [ن. م/ ٦٧ ] التوجيه السادس: التصدي الرسالي لا الذاتي لعل أروع ما في تفسير (السيد) لسورة (عبس) هو تفسيره لكلمة (التصدي) في قوله تعالى: {فأنت له تصدى}، اّلتي كانت أهم مشكلة فرضت على بعض المفسرين استبعاد نزول السورة في النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنهم فسروا التصدي بمعنى الاهتمام والتقدير والاحترام.. بيد أن (السيد) يرى أن معنى التصدي هو المحاولة الرسالية، وبذل الجهد، في سبيل تغيير ُاولئك المترفين والمستكبرين، والسعي لإصلاحهم وتزكيتهم، حيث يقول: ( {فأنت له تصدى} لتحاول بجهدك الرسالي أن تمنحه زكاة الروح وطهارة الفكر، فيما تحسبه من النتائج الكبيرة لذلك على مستوى امتداد الإسلام في قريش .) كما يفسر قوله تعالى: {وما عليك ألاّ يزكّى} بقوله: (فلن تتحمل أية مسؤولية من خلال ابتعاده عن الخط المستقيم ، وتمرده على تطّلعات الروح إلى آفاق الطهارة، لأنك لم تقصر في الإبلاغ، ولم تدخر أي جهد في ما حركته من الوسائل اّلتي تملكها، وفي ما استخدمته من الأساليب اّلتي تحركها في اتجاه التزكية للناس جميعًا .) [ن. م/ ٧٤ ٧٥ ] وبهذا تكون سورة (عبس) مدحًا للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإشادًة بجهوده الرسالية، ومحاولاته ال دائبة في تغيير الآخرين وإقامة الحجة البالغة عليهم ، كما تكون في الوقت ذاته ذمًا وتوبيخًا لأعدائه من المترفين والمستكبرين. كما هو الحال في آيات عديدة، كقوله تعالى: {لست عليهم بمصيطر}[الغاشية/ ٢٢ ]، وقوله: {طه ما أنزْلنا عليك الُقرآن لتشقى إلاّ تذْكرًة لمن يخشى}[طه/ ١ ٣]، وقوله: { وما أكْثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}[يوسف/ ١٠٣ ]، وقوله: {إن تستغفر لهم سبعين مرًة فلن يغفر اللهُ لهم}[التوبة/ ٨٠ ]، وغيرها من الآيات المباركات اّلتي قد يفهم البعض خطأ أنها تمثّل توبيخًا للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، والحال أن فيها ألطف المدح وأبلغه. ولهذا يرى (السيد) أن الرواية المنسوبة إلى الإمام الصادق (عليه السلام) في سبب نزول سورة (عبس)، من أنها موجهة إلى رجل من بني ُامية، (لا تتناسب مع أجواء الآيات، لأن الظاهر من مضمونها، أن صاحب القضية يملك دورًا رساليًا، ويتحمل مسؤولية تزكية الناس ، ما يفرض توجيه الخطاب إليه للحديث معه عن الفئة اّلتي يتحمل مسؤولية تزكيتها، باعتبارها القاعدة اّلتي ترتكز عليها الدعوة وتقوى بها، في مقابل الفئة الاخرى اّلتي لم تحصل على التزكية، ولا تستحق بذل الجهد الكثير ). [ن. م/ ٧٢ ] وهذا ما يراه الكثير من المفسرين، كما سنرى. المحور الثاني: اتجاهات التفسير في { عبس وتولّى} بحسب استقرائنا لعشرات التفاسير الشيعية بالّلغتين العربية والفارسية، وجدنا أن آراء هؤلاء الأعلام تشكّل ثلاثة اتجاهات أساسية: الاتجاه الأول: اّلذين يرون أن السورة نازلة في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهؤلاء على موقفين: الموقف الأول: الجازمون: وهم اّلذين يجزمون بنزولها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويرفضون الاتجاه الآخر في التفسير، مع توجيهات وضوابط وتأويلات، لئلا يمس عصمته وأخلاقيته. الموقف الثاني: المرجحون: وهم اّلذين يرجحون نزولها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ليكون الاتجاه الآخر لديهم مرجوحًا، مع تأويلات كذلك. الاتجاه الثاني: اّلذين يرون أن السورة نازلة في غير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهؤلاء على موقفين أيضًا: الموقف الأول: الجازمون: وهم اّلذين يجزمون بنزولها في شخص آخر غير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، سواء كان من بني ُامية أو من غيرهم. الموقف الثاني: المرجحون: وهم اّلذين يرجحون نزولها في غير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ليكون الاتجاه الآخر لديهم ممكنًا ومرجوحًا. ولهذا يتنزلون في طرحهم للرأي الآخر مع تأويله وتوجيهه. الاتجاه الثالث: المحايدون: وهم اّلذين لا يرجحون اتجاهًا معينًا، بل يرون أن كلا الاتجاهين ممكنان، فإن لكلّ اتجاه أدّلته وقرائنه وشواهده، فيكتفون بذكر الروايتين المتعارضتين، ولا يتخذون موقفًا محددًا ومشخصًا، رفضًا أو قبولا تجاههما. أعلام التفسير: بين القطع والترجيح والتنزل من خلال هذا الاستقراء لاتجاهات المفسرين الأعلام، يتجّلى بوضوح أن الفريق اّلذي يرفض أن تكون السورة نازلة في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويقطع بذلك، يمثّل اتجاهًا في التفسير، وهناك الكثير من المفسرين الشيعة من القدماء والمعاصرين يختارون نزولها أو إمكانية نزولها على أقل التقادير في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن دون أن يمس ذلك بعصمته وأخلاقيته، وإليك قائمة بأسماء بعض هؤلاء الأعلام: ١ - الطبرسي في تفسيريه (مجمع البيان) و (جوامع الجامع)، (ت: ٥٤٨ ه)(٢). تأليف الأول عام ( ٥٣٦ ه)، والثاني عام ( ٥٤٣ ه ). ٢ - الطريحي في تفسيره (غريب القرآن)، (ت: ١٠٨٥ ه ). ٣ - ابن أبي جامع العاملي في تفسيره (الوجيز)، (ت: ١٠٧٠ ه ). ٤ - الميرزا محمد المشهدي في تفسيره (كنز ال دقائق)، (ت: ١١٢٥ ه ). ٥ - السيد ابن طاووس في كتابه (سعد السعود)، (ت: ٦٦٤ ه ). ٦ - أبو جعفر النجاشي في تفسيره (معاني القرآن). ٧ - الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب (العين)، (ت: ١٧٥ ه ). ٨ - الثائر الشهيد زيد بن علي في التفسير المنسوب إليه (غريب القرآن). ٩ - السي في كتابه (بحار الأنوار)، (ت: ١١١١ ه ). ١٠ - محسن الأمين العاملي في موسوعته (أعيان الشيعة). ١١ - محمد جواد مغنية العاملي في تفسيريه (الكاشف) و (اُلمبين). ١٢ - محمود الطالقاني في تفسيره (پرتوي از قرآن) (قبس من القرآن)، (بالفارسية)، (ت: ١٣٩٩ ه ). ١٣ - مّلا فتح الله الكاشاني في تفسيره (منهج الصادقين)، (بالفارسية)، (ت: ٩٨٨ ه). ١٤ - هاشم معروف الحسني في كتابه (سيرة المصطفى). ١٥ - علي أكبر قرشي في تفسيره (أحسن الحديث) و (قاموس القرآن)، (بالفارسية). ١٦ - محمد تقي شريعتي في تفسيره (نوين) (الجديد)، (بالفارسية). ١٧ - مكارم الشيرازي في تفسيره (الأمثل). ١٨ - كاظم الحائري في كتابه (الإمامة وقيادة اتمع). ١٩ - نصرت أمين الأصفهانية في تفسيرها (مخزن العرفان)، (بالفارسية)، (ت: ١٤٠٣ ه ). ٢٠ - محمد مهدي شمس الدين في (محاضراته التفسيرية). ٢١ - جعفر سبحاني في (مفاهيم القرآن). ٢٢ - محي الدين مهدي قمشه إي في (ترجمة القرآن للفارسية). ٢٣ - رضا سراج في (ترجمة القرآن للفارسية). ٢٤ - يعسوب الدين الجويباري في تفسيره الكبير (البصائر). وسنستعرض بعضًا من هؤلاء الأعلام من خلال تفاسيرهم وكتبهم لتتبين لنا جيدًا كلماتهم وتأويلانهم ( ٣): أولا: الطبرسي في تفسيره (جوامع الجامع): السورة نازلة في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يذكر الطبرسي في كتابه التفسيري المختصر (جوامع الجامع) إلا الاتجاه اّلذي يذهب إلى أن السورة نازلة في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو الاتجاه الأول، حيث ينقل ما ورد في سبب نزولها، واجتماع صناديد قريش عنده (صلى الله عليه وآله وسلم)، وانشغاله بدعوم إلى الإسلام (رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم )، فجاءه ابن ُام مكتوم، وهو لا يعلم تشاغله بالقوم، (فكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قطعه لكلامه، وعبس، وأقبل على القوم يكلّمهم، فنزلت .) ثم يضيف الطبرسي قائلا: (فكان رسول الله يكرمه ويقول إذا زاره: مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي. واستخلفه على المدينة مرتين .) [جوامع الجامع/ ٥٠٣ ] وعلى ضوء ذلك، يفسر العّلامة الطبرسي الخطابات اّلتي جاءت في سورة (عبس) بإرجاع ضمائر الخطاب إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). ومن المعلوم أن تفسير (جوامع الجامع) يعتبر الكتاب التفسيري الأخير اّلذي كتبه الطبرسي، بعد سبع سنوات من تفسيره (مجمع البيان)، وقد جاء متضمنًا -------------------- هذا شيعي منصف طالب علم يكتب في منتدى هجر استطاع ان يخرس الالسنة التي تقول ان السنة يطعنون في النبي عندما قالوا ان عبس وتولى نزلت في النبي وقد اتى هذا الرجل المنصف باقوال لكبار العلماء الشيعة ولم يستطع الاطفال هناك الا ان يقولوا انه ينتصر لفضل الله
خلاصة آرائه التفسيرية ونظراته القرآنية. تأويلات بعيدة ومن الغريب أن البعض يحاول أن يبرر ما ذكره الشيخ الطبرسي بتأويلين: الأول: إنه ليس رأي الطبرسي الخاص، وإنما هو رأي صاحب تفسير (الكشاف) العّلامة الزمخشري، لأن تفسير (جوامع الجامع) يمثّل حالًة وسطًا بين كتابي الطبرسي (مجمع البيان) و (الكافي الشافي)، وقد صنف الثاني بعد عثوره على (الكشاف) ليكون مختصرًا للمجمع والكشاف، فأتى ب (جوامع الجامع) مقتبسًا منهما معًا، بل لعّله يغلب عليه كلمات الزمخشري!! الثاني: التقية: إن أكثر أهل إيران، ولا سيما خراسان اّلتي كانت موطن الشيخ الطبرسي، كانوا من أهل السنة في ذلك الزمان، ولم يكن الشيعة ممن يتمكنون من إظهار أمثال ذلك من دون ستار، وأن يصرحوا باسم الشخص اّلذي نزلت فيه (السورة)، بل لم يتمكنوا حتى من التصريح بأنه رجل من بني ُامية!! وهذا التبرير بتأويليه لا يمكن أن نقبله بحال من الأحوال، بل إن فيه ما يسيء إلى شيخ المفسرين وأمين الإسلام العّلامة الطبرسي، وقد صرح هو نفسه في مقدمة كتابه (جوامع الجامع) بما يبطله، حيث يخبرنا أن كتابه الأخير قد أّلفه استجابًة لاقتراح ابنه (أبي نصر الحسن) من أن: (اجرد من الكتابين (المجمع والكافي الشافي) كتابًا ثالثًا يكون مجمع بينهما ومَحْجَر عينهما، يأخذ بأطرافهما ويتصف بأوصافهما، ويزيد بأبكار الطرايف، وبواكير الّلطايف عليهما، فيتحقق ما قيل: إن الثالث خير... .) ثم إن (استخلاص ) العّلامة الطبرسي في (الكافي الشافي) من بدائع (الكشاف) ومعانيه، وروائع ألفاظه ومبانيه، وإن (محبة استمداده ) من كلام الزمخشري ولطائفه في تأليفه الأخير (جوامع الجامع)، لا يعني على الإطلاق تبني أفكاره وعقائده، حتى وإن كانت مخالفة لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ومدرستهم، وإلا لما أصبح (جوامع الجامع) كما يصرح الطبرسي نفسه (كتابًا وسيطًا خفيف الحجم، كثير الغنم، لا يصعب حمله، ويسهل حفظه، ويكثر معناه وإن قلّ لفظه، يروع موضوعه، ويروق مسموعه، ينظم وسائط القلائد، ويحوي بسائط الفوائد، يستضيء العلماء بغرره ودرره، ويفتقر الفضلاء إلى فقره، فيكتب على وجه الدهر، ويعّلق في كعبة المجد والفخر .) وإذا كان العلامة الطبرسي في كتابه التفسيري الأخير يعيش التقية إلى هذه الدرجة التي تجعله يصرح بما لا يعتقده في عصمة الرسول الأكرم(ص)، لما كان كتابه "مختصرًا فيه على إيراد المعنى البحت، والإشارة إلى مواضع النكت بالعبارات الموجزة والإيحاءات المعجزة، مما يناسب الحق والحقيقة، ويطابق الطريقة المستقيمة".[ جوامع الجامع/ ٢ ٣ المقدمة] واّلذي يقرأ تفسير (جوامع الجامع) بإمعان، يرى أن ما قيل في التأويلين الآنفين بعيد عن الصحة والواقع، فلم يكن الطبرسي يقتبس من الزمخشري المعتزلي أصولاً والحنفي فروعًا الروايات العامية والأخبار، بل كان مخالفًا للكشاف في موارد كثيرة ومواطن عديدة، على صعيدي العقائد والفقه، كما لم يكن يقتبس منه المقولات التفسيرية اّلتي توافق المعتزلة وتخالف الإمامية. ولقد كانت الأجواء اّلتي عاشها العّلامة الطبرسي في خراسان أبعد ما تكون عن أجواء التقية، حيث كان مهابًا من قبل السلطان، مقدرًا ومعززًا ومكرمًا، أينما حل وذهب، بل إن تفسيره الكبير الأول (مجمع البيان) كان استجابًة إلى مطلوبه، وإسعافًا بمحبوبه، على حد تعبيره، وهو كما يصفه: (الأمير السيد الأجل العالم... جلال الدين ركن الإسلام مخلص الملوك والسلاطين، سيد نقباء الشرف، تاج ُامراء السادة، فخر آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أبي منصور بن يحيى بن هبة الله الحسيني، أدام الله علاه، وكبت أعداه .) [مجمع البيان/ ١/ ٧٦ المقدمة] ثانيًا: الطبرسي في تفسيره الكبير (مجمع البيان): العبوس ليس ذنبًا لم يرجح الشيخ الطبرسي في (مجمع البيان) اتجاهًا على اتجاه، حيث إنه ينقل روايتين في النزول متعارضتين، كما ينقل قولين مختلفين، ّ ثم إنه يفترض ص حة الخبر الأ ول اّلذي يقول بنزولها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويتساءل قائلا: هل يكون العبوس ذنبًا أم لا؟ ويجيب على ذلك بنقاط عديدة: ١- "إن العبوس والانبساط مع الأعمى سواء، إذ لايشق عليه ذلك ، فلا يكون ذنبًا". ٢- "فيجوز أن يكون عاتب الله سبحانه بذلك نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): أ) ليأخذه بأوفر محاسن الأخلاق. ب) وينبهه بذلك على عظم حال المؤمن المسترشد. ج) ويعرفه أن تأليف المؤمن ليقيم على إيمانه، أولى من تأليف المشرك طمعًا في إيمانه". ٣- "وقيل: إن ما فعله الأعمى كان نوعًا من سوء الأدب ، فحسن تأديبه بالإعراض عنه، إلا أنه يتوهم أنه أعرض عنه لفقره، وأقبل عليهم لرياستهم، تعظيمًا لهم، فعاتبه الله سبحانه على ذلك". [ن. م/ ٩ ١٠ / ٦٦٤ ] وعلى الرغم من أن الطبرسي في (مجمع البيان) لم يرجح بصورة صريحة الاتجاه الأول، بيد أنه يبدو منه الميل إليه، وذلك لشواهد عديدة: الشاهد الأول: دفاعه عن الاتجاه الأول على أنه لاينافي العصمة وأخلاقية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووجه ذلك بعدة توجيهات، كما تقدم. الشاهد الثاني: في تفسيره لمعنى الآيات المباركة في مطلع سورة (عبس)، ذهب صريحًا إلى الاتجاه الأول، بإرجاعه الضمائر الخطابية إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث يقول: {وما يدري ك لعلّه ي زكّى} (يتطهر بالعمل الصالح، وما يتعّلمه منك .) {أو يذّكّر} (أي يتذكر فيتعظ بما يعلمه من مواعظ القرآن .) {فتنفعه الذّكرى} (في دينه. قالوا: وفي هذا لطف من الله عظيم لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ لم يخاطبه في باب العبوس، فلم يقل: عبست ، فلما جاوز العبوس عاد إلى الخطاب فقال: وما يدريك .) {وماعليك ألاّ يزكّى} (أي: أي شيء يلزمك إن لم يسلم، ولم يتطهر من الكفر، فإنه ليس عليك إلا البلاغ). {كلاّ} (فيه دلالة على أنه ليس له أن يفعل ذلك في المستقبل. وأما الماضي، فلم يتقدم النهي عن ذلك فيه، فلا يكون معصية .) [ن. م/ ٦٦٤ ٦٦٥ ] ومن الغريب أن يؤول البعض نسبة العّلامة الطبرسي هذه بأنها تمشيًا مع المشهور بين العامة تقيًة!! الشاهد الثالث: ما ذهب إليه في تفسيره الأخير المختصر (جوامع الجامع) من ذكر الاتجاه الأول دون غيره. كما تقدم. الشاهد الرابع: في تفسيره لقوله تعالى:{ َاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ...}[الكهف/ ٢٨ ]، يقول العّلامة الطبرسي: ( وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حريصًا على إيمان العظماء من المشركين طمعًا في إيمان أتباعهم، ولم يمل إلى الدنيا وزينتها قط، ولا إلى أهلها، وإنما كان يلين في بعض الأحايين للرؤساء طمعًا في إيمانهم، فعوتب بهذه الآية، واُمر بالإقبال على الفقراء المؤمنين، وأن لا يرفع بصره عنهم، مريدًا مجالسة الأشراف .) [ن. م/ ٧ ٨/ ٥ ٦] فالعلامة الطبرسي يثبت في مواضع عديدة من تفسيره الكبير ومنها هذا الموضع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعيش تلك الحالة المتطلّعة إلى إيمان ُاولئك العتاة، وهو تطّلع رسالي.. ومع ذلك يمكن أن يعاتب عليه؛ لأغراض عديدة، قد تتعّلق بالشكل، على أقلّ التقادير. ثالثًا: ابن أبي جامع العاملي: نزولها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يختار صاحب تفسير (الوجيز) ابن أبي جامع العاملي الاتجاه اّلذي يرى أن سورة (عبس) نازلة في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث يذكر الرواية بصورة موجزة، ويستشهد بالحديث اّلذي يقول: (فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يكرمه ويقول إذا رآه: مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي .) ثم يأتي بقول الشريف المرتضى من أنه (لم يظهر أن المراد ا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل ظاهرها أنه غيره، لبعد الأوصاف المذكورة عن خُلقه العظيم .) ويرد صاحب تفسير (الوجيز) قول الشريف المرتضى، بقوله: (وفيه أنه لا محذور في كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) مرادًا بها، لكون العتاب على ترك الأولى، لا على ذنب .) [الوجيز/ ٣/ ٤٢٥ ] رابعًا: ابن طاووس: أسلوب (إياك أعني واسمعي يا جارة) ينقل السيد العّلامة ابن طاووس عن كتاب (معاني القرآن) لأبي جعفر النجاشي، أن (عبس وتوّلى) نزلت في مجيء ابن ُام مكتوم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ويعلّق السيد على ذلك فيقول: ( يقول علي بن طاووس: هذا قول كثير من المفسرين، ولعل المراد معاتبته من كان على الصفة اّلتي تضمنتها السورة على معنى (إياك أعني واسمعي يا جارة)، وعلى معنى قوله تعالى في آيات كثيرة يخاطب به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمراد به ُامته دون أن تكون هذه المعاتبة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنما كان يعبس لأجل ما يمنعه من طاعة الله، وأين تقع المعاتبة على من هذه صفته؟ .) [ سعد السعود/ ٢٤٨ ] خامسًا: المجلسي: العتاب على ترك الأولى بعد أن ينقل الشيخ المجاسي كلام الشريف المرتضى اّلذي يرى أن سورة (عبس) ليست نازلة في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول: ( أقول: بعد تسليم نزولها فيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان العتاب على ترك الأولى، أو المقصود منه إيذاء الكّفار وقطع أطماعهم عن موافقة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم، وذمهم على تحقير المؤمنين كما مر مرارًا .) [البحار/ ١٧ / ٧٨ ] ومن الواضح أن صاحب (البحار) لم يرفض نزول السورة في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).. ولهذا فإنه يعطي تفسيرات وتوجيهات فيما لو كانت كذلك، وذلك على تأويلين: الأول: أنه عتاب على ترك الأولى. الثاني: أنه خطاب للرسول والمقصود به أعداؤه، على طريقة: (إياك أعني واسمعي يا جارة)، من أجل قطع أطماعهم، وذمهم وتوبيخهم على سلوكهم في تحقير المؤمنين المستضعفين. سادسًا: الطريحي: الأعمى لا يعلم تشاغل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يذكر الشيخ الطريحي غير اتجاه واحد في تفسير سورة (عبس)، حيث يقول: (روي أنه (ابن ُام مكتوم) أتى رسول الله وعنده صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام؛ رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم، فقال: يا رسول الله! قريني وعلّمني مما عّلمك الله؟ وكرر ذلك، وهو لا يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك قطعه لكلامه، وعبس، وأقبل على القوم يكلّمهم، فنزلت .) وعلى ضوء ذلك، يقول الطريحي في قوله: {أن جاءه الأعمى}: (و روي أنه (عليه السلام) ما عبس بعدها في وجه فقير قط .) [الطريحي/غريب القرآن/ ٣٠٦ ] سابعًا الخليل بن أحمد الفراهيدي: لم يكن عبوس تهاون يذكر الّلغوي الخليل الفراهيدي (المتوّفى عام ١٧٥ ه ) في كتابه القيم (العين)، في مفردة (عبس)، الفرق بين عبس وكلح وبسر، ّ ثم يقول: ( وبلغنا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مقبلا على رجل يعرض عليه الإسلام، فأتاه ابن ُام مكتوم، فسأله عن بعض ما كان يسأل، فشغله عن ذلك الرجل، فعبس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجهه، وليس من التهاون به، ولكن لما كان يرجو من إسلام ذلك الرجل، فأنزل الله {عبس وتولّى أن جاءه الأعمى} ). ثامنًا محسن الأمين: القطع بنزولها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يختار السيد الأمين الاتجاه الأول في التفسير ويرفض الاتجاه الثاني، وذلك للأسباب التالية: الأول: إنه (لا مانع من وقوع العتاب منه تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على ترك الأولى ) ؛ ذلك لأن (فعل المكروه أو خلاف الأولى لا ينافي العصمة .) الثاني: (القول بأن العبوس ليس من صفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، إنما يتم إذا لم يكن العبوس لأمر ُاخروي مهم، وهو قطع الحديث مع عظماء قريش اّلذين يرجو إسلامهم، وأن يكون بإسلامهم تأييد عظيم للدين. وكذلك القول بأن الوصف بالتصدي للأغنياء والتلهي عن الفقراء لا يشبه أخلاقه الكريمة، إنما يتم إذا كان تصديه للأغنياء لغناهم لا رجاء إسلامهم، وتلهيه عن الفقراء لفقرهم، لا لقطعهم حديثه مع من يرجو إسلامه. ومع ذلك لا ينافي العتاب له، وكون الأولى خلافه .) الثالث: (أما ما روي عن الصادق (عليه السلام)، فقد ينافي صحة هذه الرواية قوله تعالى: {وما يدريك لعلّه يزكّى}، فإن ذلك الرجل إنما عبس في وجه الأعمى تقذرًا له ، لا لأنه لا يرجو تزكّيه أو تذكره، فالمناسب أن يقال: وما يدريك لعّله خير من أهل النظافة والبصر. وكذا قوله: {وماعليك ألاّ يزكّى} فان تصدي الأموي للغني لغناه لا لرجاء أن يزكى، وكذا قوله: {وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى}، فإن ابن ُام مكتوم إنما جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا الأموي، والأموي إنما تقذره وانكمش منه، لا أنه تلهى عنه، فالمناسب أن يكون الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وذلك يبطل صدور هذه الرواية من معدن بيت الوحي .) [ أعيان الشيعة/ ١/ ٢٣٥ ] تاسعًا هاشم معروف الحسني: عدم التنافي مع مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤيد السيد الحسني ما ذكره العّلامة الأمين، بقوله: (واّلذي أراه ان ما ذكره السيد الأمين مقبول ومعقول، ولا يتنافى مع مقام النبي ولا مع عصمته. ولكنه ليس متعينًا منها، لجواز أن تكون الآيات الأولى في السورة واردة في مقام إرشاد النبي إلى واقع تلك الفئة الضاّلة .) ولهذا يرى السيد الحسني أن (السورة في واقعها واردة في مقام التوبيخ والتحقير ُ لاولئك المشركين اّلذين أقبل عليهم النبي بقصد أن يستميلهم إلى الإسلام ويرغّبهم .) وبذلك تكون سورة (عبس) خطابًا من الله عز وج ّ ل لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمقصود منها هو التقريع والتوبيخ ُ لاولئك العتاة اُلمترفين. ( فالله سبحانه يقول لنبيه في هذه الآيات إنك تتعجل النصر لدين الله، حتى بلغ بك الأمر أن ترجوه عن طريق أشقى الخلق وأكثرهم فسادًا وضلالا .) ( دع هؤلاء في طغيام وضلالهم، فإنهم أحقر من أن ينتصر الله م لدينه، وأضعف من أن يقفوا في طريق الإسلام وتقدمه، فإن الله سيذل أعداءه، مهما بلغوا من الجاه والمال. أما اّلذي يخشى وتنفعه الذكرى، فهو اّلذي يستحق أن تلتفت إليه، ويستحق منك التكريم والتعظيم .) ويرى السيد الحسني أن (هذا المعنى غير بعيد عن ُاسلوب القرآن الكريم .) [ سيرة المصطفى/ ١٩٦ ١٩٧ ] عاشرًا مغنية العاملي: نزولها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرجح وأقوى يرجح الشيخ مغنية العاملي نزول سورة (عبس) في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث يقول: ( هذا ما ذهب إليه أكثر المفسرين، وله وجه أرجح وأقوى من الوجه الأول .) ويرى أنه (لا لوم ولا عتاب على النبي ولا على الأعمى في هذه الآيات، وإنما هي في واقعها تحقير وتوبيخ للمشركين اّلذين أقبل عليهم النبي ، بقصد أن يستميلهم ويرغّبهم في الإسلام .) [الكاشف/ ٧/ ٥١٠ ] وفي تفسيره المختصر (التفسير المبين) يقول مغنية: ( {عبس وتولّى أن جاءه الأعمى} هو ابن ُام مكتوم، قصد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليسأله عن أحكام دينه، وكان عنده نفر من عتاة الشرك يحاول هدايتهم إلى الإسلام، عسى أن يسلم غيرهم بإسلامهم، وكان الأعمى يكرر على النبي : عّلمني مما عّلمك الله، والنبي لا يجيبه، والأعمى المسكين لا يدري ان النبي في شغل بما هو أهم، فنزلت هذه الآيات .) يضيف العّلامة مغنية: ( وقال المفسرون، بما فيهم الشيخ محمد عبده: ان الله عاتب النبي على إعراضه عن الأعمى، ونحن لا نرى فيها شائبة عتاب أو لوم على النبي ، واّلذي نفهمه أنها توبيخ واحتقار للمشركين اّلذين كانوا عند النبي ، وتقول له: أعرض عن هؤلاء الأرجاس وأغلظ لهم، إنهم أحقر من أن ينصر الله بهم دينه، وأقبل على هذا الأعمى الطيب المؤمن، ولا خوف على الإسلام، فان الله سيظهره على ال دين كلّه، ويذ ّ ل أعداءه مهما بلغوا من الجاه والمال .) [ التفسير المبين/ ٧٩١ ] حادي عشر محمود ال ّ طالقاني: القطع بنزولها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يرد السيد الطالقاني على الاتجاه اّلذي يقول بان ظاهر الآيات في سورة (عبس) لا دلالة فيه على رجوع الضمائر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك بشواهد عديدة، أ ّ همها: ١ - ان جميع الآيات تتضمن ضمائر خطابية، والمخاطب فيها هو اّلذي عبس وتوّلى. ٢- الاهتمام البليغ بالعابس، ومسؤوليته في تزكية الناس اُلمقبلين عليه وتطهيرهم. ٣- ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يستهدف مصلحة الإسلام العليا، وكان يتطّلع إلى أهداف كبرى تقتضيها مسؤوليته في الدعوة إلى الله عزوجل، بعيدًا عن مصالحه الذاتية والشخصية. ٤- هناك خطابات تهديدية كثيرة في القرآن الكريم أشد وأقسى مما جاء في السورة، موجهة إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم). ٥- لم يكن عتاب الله إياه جراء معصية صدرت منه، لينافي مقام العصمة، بل ان عتابه تعالى لرسوله يدلُّ على كمال توجهه إليه ومراقبته إياه. ٦- الروايات الواردة مجهولة السند، فلا يمكن الاعتماد عليها. ولهذا يتعجب السيد الطالقاني من الرأي اّلذي يقول بان ظاهر الآيات ليس فيه دلالة على أنها متوجهة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. ويتساءل بتعجب: هل ان هذه الخطابات متوجهة إلى شخص مجهول من بني ُامية( ٧)؟! [پرتوي از قرآن/تفسير ج ٣٠ / ١٢٤ ١٢٥ ] ثاني عشر نصرت أمين: المقصود هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ترى المفسرة المعاصرة (أمين) والمشهورة ب(السيدة الأصفهانية)، ان (سياق الآيات المباركة في سورة (عبس) يفيد ان المقصود بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا ينافي ذلك عصمته وحسن أخلاقه، لاهتمامه بما هو أهم، ظنًا منه أنهم لو أسلموا أسلم من تبعهم من عشائرهم ٨)) ). [مخزن العرفان/ ١٥ / ٦ ٧] ثالث عشر مكارم الشيرازي: ترك الأولى لا ينافي العصمة يرى صاحب تفسير الأمثل( ٩) العّلامة الشيرازي ان الآيات المباركة ( ٨ ١٠ ) من سورة (عبس)، يمكن أن تكون قرينًة على ان المخاطب هو شخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنه خير من ينطبق عليه هذا الخطاب الرباني، وإن لم تصرح به. إنه يقبل ذلك تنزلا، ويؤوله من خلال القرائن الكثيرة تأويلا يناسب عصمته (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث يقول: ( فان فعل النبي لا يخرج عن كونه تركًا للأولى، وهذا لا ينافي العصمة ). ويذكر بعد ذلك أسبابًا عديدة: ١- ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يرد في ذلك إلا الإسراع في نشر الاسلام. ٢- ان العبوس والإنبساط مع الأعمى سواء. ٣- ان ابن ُام مكتوم لم يراع آداب المجلس ؛ لأنه قاطع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ثم يحتمل صاحب تفسير (الأمثل) ان هذا (العتاب الرباني للنبي (ليغمره)( ١٠ ) بأوفر محاسن الأخلاق، من خلال تنبيهه على ضرورة الاعتناء بالمستضعفين .) ثم يقول: (ويمثّل هذا السياق دليلا حيًا على عظمة شأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالقرآن المعجز قد حدد لنببي الإسلام الصادق الأمين أرفع درجات المسؤولية.. حتى عاتبه على أقل ترك للأولى (عدم اعتنائه اليسير برجل أعمى جاء ليستهدي)، وهو ما يدلّل على ان القرآن كتاب إلهي، وان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صادق فيه، حيث لو كان الكتاب من عنده (فرضًا )، فلا داعي لاستعتاب نفسه .) [الأمثل/ ١٩ / ٣٦٤ ] وعلى ضوء ذلك، يفسر العّلامة الشيرازي سياق الآيات في سورة (عبس) بأنها خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث يقول في قوله تعالى: { وما عليك ألاّ يزكّى}: (فوظيفتك البلاغ، سواء آمن السامع أو لم يؤمن، وليس لك أن مل الأعمى اّلذي يطلب الحق، وإن كان هدفك أوسع ليشمل هداية ُاولئك الأغنياء المتجبرين .) [ن. م] رابع عشر كاظم الحائري: لا مانع من توجه الخطاب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن يستعرض ُاستاذنا سماحة السيد الحائري الاتجاهين في تفسير وتوجيه الخطاب في سورة (عبس)، يقول: ( ولنفترض ان التفسير الآخر هو الصحيح، وهو ان الخطاب موجه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وان الله تعالى عاتب رسوله... عندئذ فلنتأمل شيئًا ما، لنرى ما هو الذنب اّلذي صدر من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ .) ثم يجيب قائلا: ( كلا، فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد خيرًا، أراد هداية جماعة من علْية القوم، ورجا بذلك هداية ناس كثيرين، فأعرض عن هذا الرجل .) ّ ثم يقول: ( وسواء أصح هذا التفسير أو ذاك... وسواء أكان الخطاب موجهًا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو إلى شخص آخر... هناك آيات ُاخرى في القرآن الكريم تدلُّ على ان هذا الجو كان يعيشه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أي أنها تدلُّ على ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مبتلى بهذه المشكلة، حيث ان الملتفّين حوله هم الفقراء والمساكين والمستضعفون، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يطمح في هداية الصناديد كبار القوم، وكان يعاني من هذه المشكلة .) ويذكر السيد الحائري آيتين مباركتين لتأييد ما يذهب إليه: الآية ا ُ لاولى: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ }[الأنعام/ ٥٢ ]. الآية الثانية:{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا...}[الكهف/ ٢٨ ]. ويرى ان هاتين الآيتين تعطيان نفس ذلك الجو، حيث كان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) (يعاني من هذه المشكلة، بحيث لو اتجه نحو هؤلاء المساكين فأولئك يبتعدون عنه، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد أن يقربهم إلى الاسلام، ولو اتجه إلى ُاولئك فهؤلاء الفقراء يظلمون .) ثم يتساءل في أجواء قوله تعالى: {تريد زينة الْحياة الدنيا} قائلا: ( هل يعني ذلك ان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يريد أن يستفيد فائدًة شخصية من زينة الحياة الدنيا؟ هل يريد أن ينتفع من زينة الحياة الدنيا لنفسه؟! طبعًا لا، إذًا ما معنى قوله {تريد زينة الْحياة الدنيا}؟ .) يجيب سيدنا الأستاذ بتأويل لطيف لمعنى إرادة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لزينة الحياة الدنيا، قائلا: ( إنه كان يريد أن يقرب هؤلاء المترفين، لعّلهم يهتدون فيأخذ منهم شيئًا من زينة الحياة الدنيا اّلتي عندهم؛ لينفقها في مصالح الإسلام، وتوسيع نطاق الدولة الإسلامية، وتثبيت أركانها .) ( هذا هو هدف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وليس شيئًا آخر، ومع ذلك يقول له الله تعالى: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ...} .) [الإمامة وقيادة اتمع/ ٩٥ ٩٨ ] خامس عشر - محمد الكرمي: الرأي الآخر يتنافى مع السياق يقول علاّمة خوزستان الشهير في تفسيره (المنير)، بعدما يذكر الرواية الواردة في سبب نزول سورة (عبس) في النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): ( ونحن إذا راعينا ارى من ناحيته، وكون الرسول بشهادة الله في حقّه أنه على خُلق عظيم، وقعنا في حيرة من لومه تعالى لنبيه هذا الّلوم الشديد، وكان من الحق توجيه اللائمة لابن ُام مكتوم، في إصراره على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .) أما بخصوص الرواية الواردة عن الإمام (عليه السلام) بان اّلذي عبس هو رجل من بني ُامية، فيرى العّلامة الكرمي أنها تتنافى وبوضوح مع سياق الآيات المباركة في سورة عبس، حيث يقول: ( وجاء في رواية أنها نزلت في رجل من بني ُامية كان عند النبي ... لكن سياق الآيات يتنافى بوضوح مع هذا الأثر .) ولا يخفي الشيخ الكرمي حيرته، وهو يعيش أجواء سورة عبس، فيقول: ( وإلى الآن لم ينجل لنا وجه تأنيب الله رسوله في هذه الحادثة، وكون السائل ومهما كان في نفسه يريد الأدب والثقافة وأنهما مرغوبان مطلوبان، لايبرر هذا الّلوم مع كون الرسول إنما يريد إقناع الجمع اّلذين شغلوه للدعوة الربانية، لا لغرض شخصي أو لتجليل هؤلاء بما هم الأشخاص المذكورون .) [ التفسير المنير/ ٨/ ١٩١ ] سادس عشر شمس الدين: لا مانع من نزولها في الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى العّلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين في تفسيره لسورة (عبس) ان (كلتا الروايتين (الواردتين في أسباب النزول) في مستوى واحد من القوة والضعف، لا نستطيع أن نرجح إحداهما على الاخرى ) ، ثم بعد ذلك يرجح الرواية المنقولة عن الإمام الصادق (عليه السلام)، ومع ذلك يرى أنه لا مانع من نزول السورة في الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك لثلاثة ُامور( ١١ ): الأمر الأول: ان ابن ُام مكتوم كان رجلا أعمى لم يشاهد الكراهية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا أذية نفسية بالنسبة إليه. الأمر الثاني: لم تكن الكراهة بناءً على صحة الرواية كراهة متكدر أو متجبر على ابن ُام مكتوم، حيث يمكن أن يراه في أي وقت، وفي أي زمان، ولكنه لا يستطيع أن يسمع هؤلاء الكفرة، من عتاة قريش، دعوة الله سبحانه في أي وقت وفي أي زمان. الأمر الثالث: ان عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، من الناحية الأخلاقية، كان راجحًا بحسب الموازين المتعارفة، وسيرد علينا في القرآن اّلذي نزل في المدينة وفي سورة الحجرات بالذات، عتاب للناس اّلذين كانوا يثقلون على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويضجرونه. [ صحيفة (القرار) البيروتية] سابع عشر الجويباري: القشريون يمنعون نزولها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يرى المفسر المعاصر يعسوب الدين الجويباري في تفسيره (البصائر)( ١٢ ) أنه ليس في سورة (عبس) شيء ينافي أخلاقية الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يناقض عصمته، ويصف اّلذين يقولون بذلك ب (القشريين من المفسرين ١٣)!!) )، حيث يقول: ( ليس في هذا شيء ينافي خُلقه (صلى الله عليه وآله وسلم) العظيم، أو يناقض العصمة النبوية كما زعم بعض القشريين من المفسرين، ولا فيه من ترفيع أهل ال دنيا وأصحاب الرئاسة وضعة أهل الآخرة وأصحاب التقوى والهداية على زعم بعض المفسرين .) ذلك لان الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مستغرقًا في دعوته ونشرها، ولم يكن في موقف الممتنع عن تعليم الأعمى وتنويره: (إنه كان في مواجهة جماعة من عتاة المشركين وزعمائهم، ومن قادة الحملة المسعورة عليه وعلى دعوته، وقد انتهزها رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فرصًة لإسماعهم كلمات الله جل وعلا، لعل شعاعات من نورها تصافح قلوم اُلمظلمة، فتستضيء بنور الحق وتفيء إلى أمر الله عز وجل .) ( فالتدبر في واقع القصة يلهمنا: أنه ليس فيها شائبة عتاب على النبي المعصوم (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل فيه توبيخ واحتقار واستهانة وتذليل للزعماء المشركين، والفجار اُلمترفين اّلذين كانوا عند رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكأنها تقول له: أعرض يا أيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن هؤلاء الأرجاس وأغلظ عليهم، فإنهم أحقر من أن ينصر الله جل وعلا بهم دينه، وأقبل على هذا الأعمى الطيب المؤمن، سليم القلب، المستشعر بخوف الله تعالى، اّلذي جاءك ساعيًا للاستفادة والاستنارة .) [ البصائر/ ٥٢ / ٢٧٢ ] وعلى ضوء ذلك يرى صاحب تفسير (البصائر): أولا: ان الآية: {عبس وتولّى} في معنى قوله تعالى: { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ }[الأعراف/ ١٩٨ ]، وقوله: { ِان تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ }[النحل/ ٣٧ ]، وقوله: {إنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}[القصص/ ٥٦ ]. ثانيًا: وان الآية: {وما يدريك لعّله يزكى} نظير قوله تعالى: {ولا تطرد اّلذين يدعون ربهم بالغداة والعشي...}[الأنعام/ ٥٢ ]، وقوله: { َاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ...}[الكهف/ ٢٨ ]، وقوله: {لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا}[ال ّ طلاق/ ١]، وقوله: { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً }[الكهف/ ٦]، وغيرها من الآيات القرآنية اّلتي يظهر منها العتاب، وليس فيها شائبة عتاب واقعًا. ثالثًا: وأما الآيتان: {أما من استغنى فأنت له تصدى}، فهما نظير قوله: {لهم قلوب لا يفقهونا...}[الأعراف/ ١٧٩ ]، وقوله: {إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء}[النمل/ ٨٠ ]. رابعًا: والآية: {وما عليك أّلا يزكّى} نظير قوله: {فهل على الرسل إّلا البلاغ اُلمبين}[النحل/ ٣٥ ]، وقوله: { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ }[ال شورى/ ٤٨ ]. [راجع: تفسير البصائر/ ٥٢ / ٣٢٥ ٣٢٨ ] - وعباد الرحمن - عضو متميز
نزول (عبس وتولى) في النبي صلى الله عليه وسلم ينتقص منه
نقول ليس في ذلك أي انتقاص , وقد تبين لنا مما سبق أن عصمة الأنبياء عليهم السلام هي في التنزيل , كما أنهم معصومون من الكبائر , وليس في ذلك أي انتقاص منهم.
(عبس وتولى) نزلت في عثمان بن عفان
نقول وكيف تنزل سورة كاملة مكملة على رجل غير النبي صلى الله عليه وسلم؟ فهذا من أعجب من سمعت!! أيعقل أن تنزل سور كاملة على عثمان بسبب خطأ أرتكبه!!؟ ولماذا لم تنزل على بقية الصحابة الذين أخطئوا أيضاً!! ولا أدري كيف يسفر قول أمامه الذي يعتبره معصوماً وهوالصادق أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم قال:"مرحبا مرحبا! لا والله، لا يعاتبني الله فيك أبدا"وكان يصنع به من اللطف حتى كان يكف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما يفعل به."المجمع جـ 5 ص (437). وبحار الأنوار جـ 17 ص (77) ونور الثقلين للحويزي جـ 5 ص (59) وتفسير الميزان للطباطبائي جـ 2 ص (24) وتفسير البرهان جـ 3 ص (161) ومجمع البحرين للطريحي جـ 3 ص (112).
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video