آخر تحديث للموقع :

الأربعاء 12 ربيع الأول 1445هـ الموافق:27 سبتمبر 2023م 06:09:26 بتوقيت مكة

جديد الموقع

الخُمُس ..
الكاتب : فيصل نور ..

الخُمُس

     الخُمْسُ والخُمُسُ والخِمْسُ جزء من خمسة.. والجمع أَخْماس، والخَمْسُ أَخذك واحداً من خمسة، تقول: خَمَسْتُ مال فلان وخَمَسَهم يَخْمُسُهم بالضم خَمْساً: أَخذ خُمْسَ أَموالهم. وخَمَسْتُهم أَخْمِسُهم بالكسر: إِذا كنتَ خامِسَهم أَو كملتهم خمسة بنفسك[1].
وفي المقاييس: والخمس: واحد من خمسة. يقال: خَمَسْتُ القوم: أخذت خُمْسَ أموالهم[2].
والخمس تشريعمالي ورد في القرآن والسنة،يقول الله عز وجل: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِالله وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنفال: 41]. ففي هذه الآية بيان لمشروعية الخمس وإحدى موارده ومصارفه، وهي الآية الوحيدة في كتاب الله عز وجل التي وردت في الخمس.
وتتلخص أقوال أهل السنة في الخمس في مسائل عدة، أهمها:
المسألة الأولى: المراد بالغنيمة:
قالوا: إن المراد بقوله تعالى: (غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ) مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر. واللغة لا تقتضي هذا التخصيص، ولكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع، وقد سمَّى الشرع الواصل من الكفار إلينا من الأموال باسمين: غنيمة وفيئاً. فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يسمى غنيمة، وهذا الاسم قد لزم هذا المعنى حتى صار عرفاً.
والفيء ما كان عن صلح بغير قتال، كفيء بني النضير الذين نزلوا على حكم النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم ومكنَّوه من أنفسهم وأموالهم يفعل فيها ما يشاء لشدة الرعب الذي ألقاه الله في قلوبهم، ورضي لهم صلى الله عليه وآله وسلم أن يرتحلو بما يحملون على الإبل غير السلاح.
وعلى هذا اتفق أرباب سائر الكتب الفقهية واللغوية عند أهل السنة ومن نحا نحوهم من أن الغنيمة اصطلاحاً هي ما نِيل من أهل الشرك عنوة، أي: قهراً أو غلبة والحرب قائمة، وحكمها أن تخمّس[3].
ولا عبرة بحمل الألفاظ على محاملها اللغوية في المسائل الشرعية التوقفية.
وفيالسنة المطهرة شواهد عدة على حمل مفهوم الغنيمة على ما ذكرناه، منها:
قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة، وأعطيت الشفاعة[4].
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا[5].
وهذه الأحاديث وغيرها تدل على الحصر المذكور، فضلاً عن أن سياق الآية يدل على ذلك لكونها نزلت في غزوة بدر وما غنمه المسلمين فيها بالاتفاق،مع العلم أنها الآية الوحيدة في مسألة الخمس.
المسألة الثانية: في كيفية قسمة الغنائم:
القول الأول: الخمس يخمَّس؛ فسهم لرسول الله، وسهم لذوي قرباه، وثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل. وهذا القول هو القول المشهور.
وأما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فعند الإمام الشافعي رحمه الله: أنه يقسم على خمسة أسهم: سهم لرسول الله يصرف إلى ما كان يصرفه إليه من مصالح المسلمين، كعدة الغزاة من الكراع والسلاح، وسهم لذوي القربى من أغنيائهم وفقرائهم؛ يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين، والباقي للفرق الثلاثة وهم: اليتامى، والمساكين، وابن السبيل.
وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: إن بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سهمه ساقط بسبب موته، وكذلك سهم ذوي القربى، وإنما يعطون لفقرهم أسوة بسائر الفقراء، ولا يعطى أغنياؤهم، فيقسم على اليتامى والمساكين وابن السبيل.
وقال الإمام مالك: الأمر في الخمس مفوض إلى رأي الإمام إن رأى قسمته على هؤلاء فعل، وإن رأى إعطاء بعضهم دون بعض فله ذلك.
والقول الثاني: أن خمس الغنيمة يقسم على ستة أقسام: فواحد منها لله، وواحد لرسول الله، والثالث لذوي القربى، والثلاثة الباقية لليتامى والمساكين وابن السبيل. وهذا القول هو قول أبي العالية.
قالوا: والدليل عليه أنه تعالى جعل خمس الغنيمة لله، ثم للطوائف الخمسة.
ثم القائلون بهذا القول منهم من قال: يصرف سهم الله إلى الرسول، ومنهم من قال: يصرف إلى عمارة الكعبة. وقال بعضهم: إنه عليه السلام كان يضرب يده في هذا الخمس، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة، وهو الذي سمى لله تعالى.
والقائلون بالقول الأول أجابوا عنه: بأن قوله: (لِلَّهِ) ليس المقصود منه إثبات نصيب لله، فإن الأشياء كلها ملك لله، وإنما المقصود منه افتتاح الكلام بذكر الله على سبيل التعظيم، كما في قوله: (قُلِ الانفال لِلَّهِ والرسول)، واحتج القفال على صحة هذا القول بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لهم في غنائم خيبر: مالي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم([6])،فقوله: (مالي إلا الخمس) يدل على أن سهم الله وسهم الرسول واحد[7].
هذا هو الكلام في قسمة خمس الغنيمة، وأما الباقي وهو أربعة أخماس الغنيمة فهي للغانمين.
المسألة الثالثة: المقصود بذوي القربى:
فمن قائل أنهم قريش كلها؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت هذه الآية (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء: 214] دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا، فعم وخص فقال: يا بني كعب بن لؤي! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبدالمطلب! أنقذوا أنفسكم من النار[8]الحديث.
ومن قائل: أنهم بنو هاشم. وهو قول مجاهد وعلي بن الحسين،ومالك والثوري والأوزاعي وغيرهم.
ومن قائل: هم بنو هاشم وبنو المطلب([9]). واحتج بما ثبت في البخاري والنسائي عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان فقلنا: يا رسول الله ! هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم، أرأيت بني المطلب أعطيتهم ومنعتنا، فإنما نحن وهم منك بمنزلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد. وشبَّك بين أصابعه[10]. وهذا قول الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور ومجاهد وقتادة وابن جريج ومسلم بن خالد.
وقيل: هم آل علي، وجعفر، وعقيل، وآل عباس، وولد الحارث بن عبد المطلب. وهذا قول أبي حنيفة[11].
هذا ما كان من شأن ذكر الاستدلال على مشروعية الخمس من الكتاب وبيان موارده ومصارفه.
موارد الخمس ومصارفه من السنة:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: في الرِّكَازِ الْخُمُسُ[12].
وهذا الحديث هو كل ما ورد في السنة من ذكر موارد الخمس سوى مغانم الحروب، وحينئذٍ يكون الكلام في بيان معنى الركاز.
ذكر أهل اللغة أن الركاز هو ما ركزه الله، أي: أحدثه في المعادن ودفين أهل الجاهلية وقطع الذهب والفضة من المعدن.
وهو مشتق من ركز يركز: إذا خفى، ومنه قوله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أو تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) [مريم: 98]، أي صوتاً خفياً.
وذكر بعضهم أن الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض، وعند أهل العراق المعادن. والقولان تحتملهما اللغة؛ لأن كلاً منهما مركوز في الأرض،أي: ثابت.
وقال آخرون: وتسمية المعدن بالركاز إن لم توجد في أصل اللغة، فهي شائعة من طرق المقاييس اللغوية.
وفرَّق البعض في ذلك فقالوا بأن الركاز دفين الجاهلية، وأن المعدن دفين أهل الإسلام، وأن المعدن جزء من الأرض من أصل الخلقة، بينما الركاز ليس جزءاً من الأرض وإنما هو دفين مودع فيها بفعل الانسان.
ويرى جمهور العلماء أن الركاز يشمل كل مال رُكِزَ ودفن في الأرض، وخصه الشافعي بالذهب والفضة، وذكروا الفرق بينه وبين اللقطة بالعلامات الدالة عليه من كونها من دفن الجاهلية أو الإسلام[13].
وخلاصة القول بعد الذكر الموجز للخلاف،أن الركاز لغة: هو المعدن والمال المدفون كلاهما، وشرعاً: هو دفين الجاهلية، وهو ما حققة العلامة الألباني رحمه الله في رسالته أحكام الركاز[14].
والخلاف الآخر في مسألة الركاز هو مصارفه، فحيث أن الحديث لم يحدد ذلك فقد اختلف الفقهاء فيه: فمذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه أن مصرفه مصرف الزكاة. ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في رواية أخرى عنه والجمهور على أن مصرفه كالفيء[15].
علة عدم وجود باب للخمس في الكتب الفقهية عند أهل السنة:
مما سبق يتبين أن جُلَّ ما يُستدل به على مشروعية الخمس آية واحدة، وحديث واحد صحيح، والغنيمة والركاز ليس لهما وجود فِعلي في زماننا هذا فضلاً عن الأزمنة الغابرة غير القريبة يوم أن انتفى أسباب وجودهما. لذا تجد أن مصادر أهل السنة في الفقه وما يتعلق به لا تخصص باباً أو كتاباً مستقلاً في مسألة الخمس، وإنما تجد ذكره عند بيان أحكام الغنائم في إحدى تفريعات أبواب الجهاد أو فيما يتعلق بأحد موارد الزكاة عند الكلام عن أحكام الركاز والمعادن، وهو لا يتجاوز صفحات قليلة.
وكذلككان حال بعض المتقدمين من الشيعة، فكتاب الكافي للكليني -وهو أعظم كتب الإمامية والذي صنف في عصر الغيبة الصغرى عندهم- لا تجد فيه كتاباً أو باباً مستقلاً في الخمس بل أدرج ما ورد من أخبار الخمس وأحكامه في مواضع متفرقة من الكتاب. وكذلك أغفلبعض قدامى فقهاء الشيعة ذكر سهم الإمام وموارد صرفه كالصدوق وإبن زهرة والحلي. بينما تجد عند الشيعة بعد ذلك أبواب خاصة بالخمس في مصنفاتهم تبلغ مئات الصفحات، إلى أن انتهى بهم الأمر إلى وضع مصنفات ورسائل مستقلة في الباب ككتاب الخمس للأنصاري، وكتاب الخمس للحائري، وكتاب الخمس للزنجاني، وكتاب الخمس لأحمد بن محمد القمي، ورسالة الخمس للبهبهاني الحائري، ورسالة الخمس للخوانساري، ورسالة الخمس لمحمد حسن بن الشيخ باقر صاحب الجواهر، وكتاب الخمس للكاظمي، ورسالة الخمس للخاتون آبادي، ورسالة الخمس للمرعشي الحائري الشهير بالشهرستاني، وكتاب الخمس لأبي القاسم الدهقان، ورسالة الخمس للسيد شبر الحويزي، ورسالة الخمس للأصفهاني، ورسالة الخمس لمحسن الأردبيلي، وكتاب الخمس لمحمد بن الحاج الميرزا حسين الطهراني، ورسالة الخمس للميرزا محمود الشهابي، وغيرها.
 
أقوال علماء الشيعة في الخُمُس ومشروعيته وذكر موارده:
أولاً: وجوب الخمس:
قالوا: إن الخمس حق شرعي في أموال المكلف بمقدار عشرين في المائة، يجب دفعه سنوياً وفق تفصيلات معينة[16].
واستدلوا على وجوبه بآية الخمس وروايات من طرقهم منها:
عن الصادق عليه السلام: إن الله لا إله إلا هو لما حرم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال[17].
وعن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال: إني لآخذ من أحدكم الدرهم، وإني لمن أكثر أهل المدينة مالاً ما أريد بذلك إلا أن تطهروا[18].
وعن أبي جعفر عليه السلام قال: لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا[19].
وعن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره الله، اشترى ما لا يحل له[20].
وعن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر عليه السلام قال: قرأت عليه آية الخمس فقال: ما كان لله فهو لرسوله، وما كان لرسوله فهو لنا. ثم قال: والله لقد يسَّر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحداً وأكلوا أربعة أحلاء[21].
ثانياً: ما يجب فيه الخمس:
قالوا: إن الخمس يتعلق بسبعة أنواع من المال وهي:
الأول: غنيمة الحرب مع الكفار.
الثاني: المعدن.
الثالث: الكنز.
الرابع: الغوص.
الخامس: المال المختلط بالحرام.
السادس: الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم.
السابع: أرباح التجارة والمعاملات والصنائع والزراعات. بل جميع الفوائد العائدة للإنسان، وإن لم يكن من أرباح التجارة.
وسوف نتعرض هنا للموضوعات السبعة بنحو من الإجمال فنقول:
النوع الأول: غنيمة الحرب مع الكفار (ويسمى خمس الغنيمة)
وهذا النوع يجب في كل ما يغنم من دار الحرب في ما يحويه العسكر، وما لم يحوه، وما يمكن نقله إلى دار الإسلام، وما لا يمكن، من الأموال والذراري والأراضين، والعقارات، والسلاح، والكراع، وغير ذلك مما يصح تملكه، وكان في أيديهم على وجه الإباحة، أو الملك، ولم يكن غصباً لمسلم.
وهم يوافقون أهل السنة في هذا، واستدلوا على ذلك بروايات من طرقهم منها:
الرواية الأولى: عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة[22].
وهذهالرواية كما ترى نص صريح في حصر الغنائم بالحرب، وقد اضطرب الشيعة في تأويل هذه الرواية، ونحن ننقل لكم طرفاً من هذا الاضطراب:
قال بعضهم: إنها لا تسقط نهائياً،لأن فيها ثلاثة احتمالات:
الاحتمال الأول: أن يكون المراد من الغنائم فيها مطلق الفائدة، لا خصوص غنائم دار الحرب، فعندئذ لا معارضة بينها وبين غيرها من الروايات الدالة على وجوب الخمس في غير غنائم الحرب من الفوائد.
الاحتمال الثاني: أن تكون في مقام بيان أن فريضة الخمس التي فرضها الله تعالى في كتابه العزيز منحصرة بغنائم الحرب دون غيرها من الفوائد كالمعادن وأرباح التجارات، وما شاكل ذلك، فإن وجوب الخمس فيها قد ثبت بالسنة والروايات لا بالكتاب. وإن شئت قلت: إن الآية الكريمة ولو بقرينة السياق ظاهرة في أن المراد من الغنيمة فيها هو غنيمة دار الحرب، وعليه فالخمس الذي فرضه الله تعالى بنص القرآن إنما هو خمس الغنيمة المذبورة دون مطلق الفائدة، على أساس أنها في مقام بيان ذاك الخمس الموجود في الكتاب وحصره بما عرفناه فلا تدل على نفي ثبوته في غيرها من الفوائد بالسنة، وإنما تدل على نفي ثبوته بالكتاب، فإذن لا تنافي بينها وبين غيرها من الروايات الدالة على وجوبه في مطلق الفائدة.
الاحتمال الثالث: أن الرواية تنحل إلى قضيتين:
الأولى: قضية إيجابية - وهي وجوب الخمس في غنائم دار الحرب -.
الثانية: قضية سلبية - وهي عدم وجوب الخمس في غيرها من الفوائد... إلخ[23].
وقال آخر: فهذا الخبر الوجه فيه أحد شيئين: أحدهما أن يكون المعنى فيه أنه ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة بظاهر القرآن؛لأن ما عدا الغنائم إنما علم وجوب الخمس فيه في السنة، ولم يعن أنه ليس في ذلك خمس أصلاً. والوجه الثاني: أن تكون هذه المكاسب والفوائد التي تحصل للإنسان هي من جملة الغنائم التي ذكرها الله تعالى في القرآن[24].
وأكد ذلك في موضع آخر قائلاً: فالمراد به ليس الخمس بظاهر القرآن إلا في الغنائم خاصة، لأن ما عدا الغنائم التي أوجبنا فيها الخمس إنما يثبت ذلك كله بالسنة، ولم يرد عليه السلام أنه ليس فيه الخمس على كل حال[25].
وأضاف آخر: ويمكن إرادة الحصر الإضافي بالنسبة إلى ما يسرق من الكفار أو يأخذ على وجه الغيلة كما سيجيء، بأن يراد من الغنائم هو ما يؤخذ قهراً بالسيف بإذن الإمام[26].
وقال: ويحتمل أن يكون الحصر فيها بالإضافة إلى الفيء والأنفال، ومحط النظر فيها خصوص ما يصل إلى المسلمين من أموال الكفار، فيكون المراد أنَّ ما يصل إليهم من أموال الكفار لا تخمس إلا الغنائم التي تقسم بين المقاتلين، وأما الفيء والأنفال فكلها للإمام ولا خمس فيها[27].
الرواية الثانية: عن محمد بن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام: أن الخمس على خمسة أشياء: الكنوز، والمعادن، والغوص، والغنيمة- ونسي ابن أبي عمير الخامسة-[28].
وفي الرواية دليل على خروج الباقي من الخمس. ويدل على هذا أيضاً روايتهم عن علي رضي الله عنه أنه قال: وأما ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق وأسبابها فقد أعلمنا سبحانه ذلك من خمسة أوجه: وجه الإمارة، ووجه العمارة، ووجه الإجارة، ووجه التجارة، ووجه الصدقات، فأما وجه الإمارة فقوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ)[الأنفال: 41] فجعل الله خمس الغنائم، والخمس يخرج من أربعة وجوه: من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين، ومن المعادن، ومن الكنوز، ومن الغوص([29]).
وقد أدرك القوم ذلك فقالوا: حصر الخمس في هذه الأشياء مبني على دخول الباقي في الغنائم، أو حصر إضافي بالنسبة إلى ما عدا المنصوصات[30].
وقالآخرون: إن كان المراد بالغنيمة خصوص غنيمة دار الحرب كان مخالفاً لما هو الثابت قطعاً بالأخبار الكثيرة من أن الخمس في جميع الفوائد، وأن المراد بالغنيمة هو الفائدة يوماً بيوم، فلا بد أن يكون المراد منها مطلق الفوائد. ثم قال: والجواب عنه: إما بالحمل على التقية وصدور روايات العدد على نحو يناسب مذاق فقهاء العامة من حيث ورود الدليل عندهم على تعلق الخمس بالركاز...، وإما بالحمل على أن غير الخمسة من سائر الفوائد مورد للتحليل، كما ينبئ عن ذلك غير واحد من الأخبار المتقدمة من كون خمس الأرباح كان مورداً للتحليل إلى عصر أبي الحسن الرضا عليه السلام أو إلى عصر أبي الحسن الأول عليه السلام، وأن الذي لا بد منه أداء الخمس تلك الخمسة. والجوابان كلاهما مبنيان على كون المراد بالغنائم غنائم دار الحرب. ويمكن أن يكون المراد بالغنائم ما يستفاد من مكاتبة علي بن مهزيار وأن المقصود بها هو الفوائد غير المترقبة التي لا يبنى عليها أساس المعيشة في العرف، وأن يكون الاقتصار على الخمسة من حيث التحليل، وأن الغنائم بالمعنى المذكور لا يكون مورداً للتحليل أصلاً فهي واجبة عليهم في كل عام[31].
الرواية الثالثة: عن أبي عبد الله عليه السلام في الغنيمة قال: يخرج منه الخمس، ويقسم ما بقي بين من قاتل عليه وولى ذلك[32].
النوع الثاني: المعدن
وهو كل ما أخرجته المعادن من الذهب، والفضة، والرصاص، والنحاس، والأسرب، والحديد، والزئبق، والياقوت،والزبرجد، والبلخش، والفيروزج، والعقيق، والكحل، والزرنيخ، والملح، والكبريت، والنفط، والقير، والموميا، وكنوز الذهب، والفضة، وغيرهما إذا لم يعرف لها مالك.
ويجب إخراج الخمس من المعادن والكنوز على الفور بعد أخذها، ولا يعتبر مؤونة السنة.
وقد استدلوا على ذلك بروايات منها:
عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص، فقال: عليها الخمس جميعاً[33].
وعن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكنز كم فيه؟فقال: الخمس. وعن المعادن كم فيها؟فقال: الخمس. وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان من المعادن كم فيها؟ قال: يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضة[34].
وعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الملاحة فقال: وما الملاحة؟ فقال: (فقلت): أرض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء فيصير (ويصير) ملحاً، فقال: هذا المعدن فيه الخمس. فقلت: والكبريت والنفط يخرج من الأرض؟ قال: فقال: هذا وأشباهه فيه الخمس[35].
وعن محمد بن علي بن أبي عبد الله، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة هل فيها زكاة؟ فقال: إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس[36].
وعن عمار بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس[37].
النوع الثالث: الكنز (الركاز)
وهو المال المذخور تحت الأرض في دار الحرب مطلقاً، أو دار الإسلام ولا أثر له للواجد، وعليه الخمس سواء كان الواجد حراً أو عبداً، صغيراً أو كبيراً[38].
ومن رواياتهم في هذا ما جاء عن الحلبي أنه سألأبا عبد الله عليه السلام عن الكنز كم فيه؟ فقال: الخمس([39]).
وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس[40].
وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام (في حديث) قال: كان لعبد المطلب خمس من السنن أجراها الله له في الإسلام: حرم نساء الآباء على الأبناء، وسن الدية في القتل مأة من الإبل، وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط، ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس، وسمى زمزم حين حفرها سقاية الحاج[41].
وعن الحارث بن حصيرة الأزدي قال: وجد رجل ركازاً على عهد أمير المؤمنين عليه السلام... فقال له: أد خمس ما أخذت.. [42].
النوع الرابع: الغوص
وهو كل ما يستخرج من البحر، كاللؤلؤ، والمرجان، أو العنبر، وغير ذلك، ويجب فيه الخمس إذا بلغ قيمته ديناراً، وإن نقص لم يجب. ولو غاص فأخرج دون النصاب، ثم غاص أخرى فأكمله، فالأقرب وجوب الخمس[43].
واستدلوا على ذلك بروايات منها ما جاء عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ فقال: عليه الخمس[44].
وعن محمد بن علي بن الحسين قال: سئل أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة هل فيها زكاة؟ فقال: إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس[45].
وعن الصادق عليه السلام أنه قال: في العنبر الخمس[46].
والطريف هنا اختلافهم في معنى العنبر واتفاقهم في وجوب الخمس فيه.
يقول أحدهم: العنبر نبات من البحر. وقال آخر: هو من عين في البحر. وقال ثالث: العنبر يقذفه البحر إلى جزيرة، فلا يأكله شيء إلا مات، ولا ينقله طائر بمنقاره إلا نصل منقاره، وإذا وضع رجله عليه، نصلت أظفاره ويموت. وقال رابع: هو جماجم تخرج من عين في البحر، أكبرها وزنه ألف مثقال، وقال خامس: أنه شيء في البحر يأكله بعض دوابه لدسومته، فيقذفه رجيعاً، فيطفو على وجه الماء، فيلقيه الريح إلى الساحل. وقال سادس: أنه روث دابة بحرية[47].
أقول: إن كان الأخير وفيه الخمس فهو مصيبة. وعلى أي حال فقد قالوا: ولا إشكال ولا خلاف في وجوب الخمس فيه.
النوع الخامس: المال المختلط بالحرام
(ويسمى خمس التحليل؛ لأنه يصبح المال حلالاً بعد إخراج خمسه).
وهو إذا اختلط مال حرام بحلال حكم فيه بحكم الأغلب، فإن كان الغالب حراماً احتاط في إخراج الحرام منه، وإن لم يتميز له أخرج منه الخمس وصار الباقي حلالاً، وكذلك إن ورث ما لا يعلم أن صاحبه جمعه من جهات محظورة من غصب وربا وغير ذلك ولم يعلم مقداره أخرج منه الخمس واستعمل الباقي[48].
واستدلوا على هذا بروايات منها:
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رجلاً أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين! إني أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال، فإن الله عز وجل قد رضي من ذلك المال بالخمس واجتنب ما كان صاحبه يعلم[49].
وعن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام إنه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل قال: لا، إلا أن لا يقدر على شيء يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت[50].
وعن محمد بن علي بن الحسين قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين! أصبت مالاً أغمضت فيه، أفلي توبة؟ قال: ايتني بخمسه. فأتاه بخمسه، فقال: هو لك؛ إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه[51].
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إني كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط علي، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: تصدق بخمس مالك فإن الله قد رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال[52].
النوع السادس: الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم
(ويسمى خمس رقبة الأرض).
فإنه يجب على الذمي خمسها، ويؤخذ منه قهراً إن لم يدفعه بالاختيار، ولا فرق بين كونها أرض مزرعة أو بستان أو دار أو حمام أو دكان أو خان أو غيرها.
ومن رواياتهم في ذلك ما جاء عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: أيما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإن عليه الخمس[53].
وعن الصادق عليه السلام قال: الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس[54].
النوع السابع: أرباح التجارة والمعاملات والصنائع والزراعاتبل جميع الفوائد العائدة للإنسان، وإن لم يكن من أرباح التجارة(ويسمىخمس الأرباح، وخمس التفاوت،وخمس الفائدة):
وهو ما يفضل عن مؤونة سنته ومؤونة عياله من أرباح التجارات ومن سائر التكسبات من الصناعات والزراعات والإجارات حتى الخياطة والكتابة والتجارة والصيد وحيازة المباحات وأجرة العبادات الاستئجارية من الحج والصوم والصلاة والزيارات وتعليم الأطفال وغير ذلك من الأعمال التي لها أجرة، بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة وإن لم تحصل بالاكتساب كالهبة والهدية والجائزة والمال الموصى به ونحوها. بل حتى الكتاب اذا لم يقرأ[55].
واستدلوا على ذلك بروايات منها:
عن محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه: الخمس بعد المؤنة[56].
وعن النيسابوري أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مأة كر ما يزكى فأخذ منه العشر عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كراً، وبقي في يده ستون كراً ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقع لي منه: الخمس مما يفضل من مؤنته[57].
وعن علي بن مهزيار قال: قال لي أبو علي بن راشد قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأي شيء حقه فلم أدر ما أجيبه؟ فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت: ففي أي شيء؟ فقال: في أمتعتهم وصنايعهم (ضياعهم). قلت: والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: إذا أمكنهم بعد مؤنتهم[58].
وعنه قال: كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني أقرأني على كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع أنه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤنة، وأنه ليس على من لم يقم ضيعته بمؤنته نصف السدس ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤنة مؤنة الضيعة وخراجها لا مؤنة الرجل وعياله، فكتب: وقرأه علي بن مهزيار عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان[59].
وعن سماعة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير[60].
وعن ابن يزيد قال: كتبت جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة وما حدها؟ رأيك أبقاك الله أن تمن علي ببيان ذلك لكي لا أكون مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم، فكتب: الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها، وحرث بعد الغرام، أو جايزة[61].
وعن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة عليها السلام ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاؤوا، وحرم عليهم الصدقة حتى الخياط ليخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا منه دانق إلا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة، إنه ليس من شيء عند الله يوم القيامة أعظم من الزنا إنه ليقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب! سل هؤلاء بما أبيحوا[62].
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه السلام الخمس في ذلك، وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً هل عليه الخمس؟ فكتب: أما ما أكل فلا، وأما البيع فنعم هو كسائر الضياع[63].
ثالثاً: قسمة الخمس:   
قالوا: يقسم الخمس ستة أقسام: فنصفه - وهو سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى - للإمام خاصة، ونصفه للثلاثة، فسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل.
ومن رواياتهم في الباب:
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأله عن قول الله عز وجل: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِوَابْنِ السَّبِيلِ)[الأنفال: 41] فقال: أما خمس الله عز وجل فللرسول يضعه في سبيل الله، وأما خمس الرسول فلأقاربه وخمس ذوي القربى فهم أقربائه وحدها، واليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم، وأما المساكين وابن السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة ولا تحل لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل[64].
وعنه في قول الله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِوَابْنِ السَّبِيلِ)[الأنفال: 41] قال: خمس الله للإمام، وخمس الرسول للإمام، وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام، واليتامى يتامى الرسول، والمساكين منهم، وأبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم[65].
وعنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه، ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عز وجل لنفسه، ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل يعطى كل واحد منهم حقاً، وكذلك الإمام أخذ كما أخذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم[66].
وعن سليم بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: نحن والله الذين عنى الله بذي القربى والذين قرنهم الله بنفسه وبنبيه فقال: (مَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ)[الحشر: 7]منا خاصة، ولم يجعل لنا سهماً في الصدقة، أكرم (الله ) نبيه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس[67].
وعن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى)[الأنفال: 41]قال: هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والخمس لله وللرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولنا[68].
وعن الرضا عليه السلام قال: سئل عن قول الله عز وجل: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى)[الأنفال: 41] فقيل له: فما كان لله فلمن هو؟ فقال: لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو للإمام[69].
وعن العبد الصالح عليه السلام قال: الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة، يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله الله له، ويقسم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك، ويقسم بينهم الخمس على ستة أسهم: سهم لله، وسهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، فسهم الله وسهم رسول الله لأولي الأمر من بعد رسول الله وراثة، وله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة، وسهم مقسوم له من الله، وله نصف الخمس كملا، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم، يقسم بينهم على الكتاب والسنة (الكفاف والسعة)(إلى أن قال: ) وإنما جعل الله هذا الخمس لهم خاصة دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات الناس تنزيلها من الله لهم لقرابتهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكرامة من الله لهم عن أوساخ الناس، فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل والمسكنة، ولا بأس بصدقات بعضهم على بعض، وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين ذكرهم الله فقال: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)[الشعراء: 214]وهم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم والأنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد، ولا فيهم ولا منهم في هذا الخمس من مواليهم، وقد تحل صدقات الناس لمواليهم وهم والناس سواء، ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من ساير قريش فإن الصدقات تحل له وليس له من الخمس شيء، لأن الله يقول: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ)[الأحزاب: 5](إلى أن قال: ) وليس في مال الخمس زكاة؛ لأن فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم، فلم يبق منهم أحد، وجعل للفقراء قرابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس وصدقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وولي الأمر، فلم يبق فقير من فقراء الناس ولم يبق فقير من فقراء قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وقد استغنى فلا فقير، ولذلك لم يكن على مال النبي والولي زكاة، لأنه لم يبق فقير محتاج، ولكن عليهم أشياء تنوبهم من وجوه، ولهم من تلك الوجوه كما عليهم[70].
وفي رواية: الخمس من خمسة أشياء (إلى أن قال: ) فأما الخمس فيقسم على ستة أسهم: سهم لله، وسهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، فالذي لله فلرسول الله، فرسول الله أحق به فهو له خاصة، والذي للرسول هو لذي القربى والحجة في زمانه، فالنصف له خاصة والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد عليهم السلام الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان ذلك بالخمس الحديث[71].
وعن علي عليه السلام قال: الخمس يجري(يخرج) من أربعة وجوه: من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين، ومن المعادن، ومن الكنوز، ومن الغوص، ويجري هذا الخمس على ستة أجزاء، فيأخذ الإمام منها سهم الله وسهم الرسول وسهم ذي القربى، ثم يقسم الثلاثة السهام الباقية بين يتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم[72].
رابعاً: مستحق الخمس:
قالوا: يجب في مستحق الخمس الانتساب إلى عبد المطلب بن هاشم، وهم الآن أولاد أبي طالب، والعباس، والحارث، وأبي لهب، ولا يعطى غيرهم شيئاً. وجوَّز آخرين كابن الجنيد والمفيد في أحد قوليه إعطاء أولاد المطلب أيضاً. واشترطوا أيضاً انتسابهم إلى عبد المطلب بن هاشم بالأب لا بالأم، وخالفهم المرتضى[73]، وابن حمزة، والأردبيلي[74]، والبحراني، وغيرهم في هذا وقالوا: من انتسب إلى هاشم بالأمومة استحق الخمس، وحرمت عليه الزكاة؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: هذان ولداي إمامان قاما أو قعدا يشير بذلك إلى الحسن والحسين عليهما السلام، وانتسابهما بالولادة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو بالأم.
ولا بأس من ذكر طرف من قول واستدلال هؤلاء على مذهبهم:
أولاً: الآيات القرآنية: والتي هي أقوى حجة وأظهر محجة وهي الواردة في باب النكاح وباب الميراث، فإنها متفقة في صدق الولد شرعاً على ولد البنت والابن وصدق الأب على الجدمنهما، ولذلك ترتبت عليه الأحكام الشرعية في البابين المذكورين، والأحكام الشرعية لا تترتب إلا على المعنى الحقيقي للفظ دون المجازي المستعار الذي قد يعتبر وقد لا يعتبر.
ومن هذه الآيات: قوله عز وجل: (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً) [النساء: 22]،فإنه لا خلاف في أنه بهذه الآية يحرم على ابن البنت زوجة جده من الأم لكونه أباً له بمقتضى الآية، فهي تدل على أن أب الأم أب حقيقة إذ لولا ذلك لما اقتضت تحريم زوجة جده عليه، فيكون ولد البنت ولداً حقيقة.
ومن ذلك قوله عز وجل في تعداد المحرمات: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً) [النساء: 23]، فإنه لا خلاف في أنه بقوله: (وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ) يحرم نكاح الرجل لزوجة ابن ابنته لصدق الأبنية عليه المذكورة، ومنه كذلك قوله: (وَبَنَاتُكُمْ) فإنه بهذه الآية حرمت بنت البنت على جدها.
ومنه أيضا في تعداد من يحل نظره إلى الزينة قوله سبحانه: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31] فإنه بقوله عز وجل: (أَوْ أَبْنَائِهِنَّ) يحل لابن البنت النظر إلى زينة جدته لأمه بل زوجة جده بقوله: (أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ).
ومنه في الميراث في حجب الزوجين عن السهم الأعلى وحجب الأبوين عما زاد على السدس قوله عز وجل: (فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ.... فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ.... ) [النساء: 12]. وقوله عز وجل: (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُث) [النساء: 11]. فإن الولد في جميع هذه المواضع شامل بإطلاقه لولد البنت، والأحكام المذكورة مرتبة عليه بلا خلاف كما ترتبت على ولد الصلب بلا واسطة.
ومن الظاهر البين أنه لولا صدق الإطلاق حقيقة لما جاز ترتب الأحكام الشرعية المذكورة في جملة هذه الآيات ونحوها عليه.
ثانياً: الروايات في الباب:
1- عن أبي الجارود قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: "يا أبا الجارود! ما يقولون لكم في الحسن والحسين عليهما السلام؟ قلت: ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فأي شيء احتججتم عليهم؟ قلت: احتججنا عليهم بقول الله عز وجل في عيسى ابن مريم عليه السلام: (وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ) [الأنعام: 84-85]، فجعل عيسى ابن مريم من ذرية نوح عليه السلام. قال عليه السلام: فأي شيء قالوا لكم؟ قلت: قالوا: قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب. قال: فأي شيء احتججتم عليهم؟ قلت: احتججنا عليهم بقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ.. ) [آل عمران: 61]قال: فأي شيء قالوا؟ قلت: قالوا: قد يكون في كلام العرب أبناء رجل وآخر يقول: أبناؤنا. قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: يا أبا الجارود! لأعطينكها من كتاب الله عز وجل أنهما من صلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يردها إلا كافر. قلت: وأين ذلك جعلت فداك؟ قال: من حيث قال الله عز وجل: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُم) [النساء: 23].. الآية إلى أن انتهى إلى قوله تعالى: (حَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ)[النساء: 23]فسلهم يا أبا الجارود: هل كان يحل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نكاح حليلتيهما؟ فإن قالوا: نعم؛ كذبوا وفجروا وإن قالوا: لا، فهما ابناه لصلبه"[75].
فقالوا: في الخبر كما ترى دلالة واضحة على أن إطلاق الولد في الآيات المتقدمة على ابن البنت على جهة الحقيقة وأنه ولد للصلب حقيقة وإن كان بواسطة لا فرق بينه وبين الولد للصلب الذي هو متفق عليه بينهم.
 2- عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: "لو لم تحرم على الناس أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقول الله عز وجل: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ الله وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ الله عَظِيماً) [الأحزاب: 53]، حرمن على الحسن والحسين عليهما السلاملقوله تعالى: (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)[النساء: 22] ولا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جده، والتقريب فيها ما تقدم عند ذكر الآية المشار إليها"[76].
3- ومنها في حديث طويل عن الكاظم عليه السلام يتضمن ذكر ما جرىبينه وبين الخليفة هارون الرشيد لما أدخل عليه، وموضع الحاجة منه أنه قال لهالرشيد: "لم جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقولون لكم: يا بني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنتم بنو علي وإنما ينسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنما هي وعاء،والنبي صلى الله عليه وآله وسلم جدكم من قبل أمكم؟ فقال: يا أمير المؤمنين! لو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله ولم لا أجيبه بل أفتخر علىالعرب والعجم وقريش بذلك. فقال: لكنه لا يخطب إلي ولا أزوجه. فقال: ولم؟ فقلت: لأنه ولدني ولم يلدك. فقال: أحسنت يا موسى. ثم قال: كيف قلتم: إنا ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلموالنبي لم يعقب، وإنما العقب للذكر لا للأنثى وأنتم ولد لابنته ولا يكون لها عقب... " ثمساق الخبر فذكر الآيات السابقة[77].
ولو كانت البنوة في هذه المواضع إنماهي على جهة المجاز فكيف تصلح هذه الآيات للاستدلال؟ وكيف يسلم الخصمتلك الدعوى؟ بل كيف يعترض الرشيد وغيره عليهم بتسمية الناس لهم أبناءرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجازاً، وباب المجاز واسع.
 4- ومنها قولهم: عنبعض أصحابنا قال: حضرت أبا الحسن الأول عليه السلام وهارون الخليفة وعيسى بنجعفر وجعفر بن يحيى بالمدينة وقد جاءوا إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال هارون لأبي الحسن عليه السلام: تقدم. فأبى، فتقدم هارون فسلم وقام ناحية فقال عيسى بنجعفر لأبي الحسن عليه السلام: تقدم. فأبى فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون، فقالجعفر لأبي الحسن عليه السلام: تقدم. فأبى، فتقدم جعفر فسلم ووقف مع هارون، فتقدمأبو الحسن عليه السلام وقال: السلام عليك يا أبه، أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك أن يصلي عليك. فقال هارون لعيسى: سمعت ما قال؟ قال: نعم. فقالهارون: أشهد أنه أبوه حقاً[78].
فانظر أيدك الله إلى شهادة هارون بأبوته صلى الله عليه وآله وسلم له عليه السلام حقاً وأي مجال للحمل على المجاز في ذلك؟
5- ومنها عن عائذ الأحمسي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل فقلت: السلام عليك يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال: وعليك السلام أي والله إنا لولده وما نحن بذويقرابته.. الحديث[79].
أقول: انظر إلى صراحة كلامه عليه السلام في المطلوب والمراد، وقسمه على ذلك برب العباد وأنه ليس انتسابهم إليه صلى الله عليه وآله وسلم بمجرد القرابة كما يدعيه ذوو العناد والفساد ومن تبعهم من أصحابنا ممن حاد في المسألة عن طريق السداد حيثحملوا لفظ الأبنية في حقهم عليه السلام على المجاز، وهي ظاهرة بل صريحة كما ترى في إرادة البنوة الحقيقية لا مسرح للعدول عنها والجواز.
ومجمل القول في هذه الأخبار ونحوها أنها قد دلت على دعواهم عليهم السلام البنوة له صلى الله عليه وآله وسلم وافتخارهم بذلك وأن المخالفين أنكروها عليهم، وهم عليهم السلام قد استدلوا على إثباتها بالآيات القرآنية كما مرت، ولولا أن المرادبالبنوة الحقيقية لما كان لما ذكر من هذه الأمور وجه، لأن المجاز لا يوجب الافتخار ولا يصلح أن يكون محلاً للمخاصمة والجدال وطلب الأدلة وإيراد الآيات دليلاً عليه بل هذه الأشياء إنما تترتب على المعنى الحقيقي.
ويقول البحراني: وممن اختار هذا القول أيضاً المحدث الفاضل السيد نعمة الله الجزائري في شرح قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن ابني هذا سيد، حيث قال: وفي قوله: ابني، هذا نص على أن ولد البنت ابن عليالحقيقة والأخبار به مستفيضة، وذكر الرضا عليه السلام في مقام المفاخرة مع المأمون أن ابنته عليه السلام تحرم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بآية (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ)[النساء: 23]وإليه ذهب السيد المرتضى -طاب ثراه- وجماعة من أه لالحديث، وهو الأرجح والظاهر من الأخبار، فيكون من أمه علوية سيداً يجري عليه ما يكون للعلويين. وإن وجد ما يعارض الأخبار الدالة على ما ذكرناه فسبيله إما الحمل على التقية أو التأويل كما فصلنا الكلام فيه في شرحنا على التهذيب والاستبصار. وممن صرح بهذه المقالة أيضاً المحدث الصالح شيخنا الشيخ عبد الله بن صالح البحراني حيث قال في جواب سؤال عن هذه المسألة فأجاب بما ملخصه: إنه قد تحقق عندي وثبت لدي بأدلة قطعية عليها المدار والمعتمد من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وكفى بهما حجة مع اعتضادهما بالدليل العقلي أن أولاد البنات أولاد لأبي البنت حقيقة لا مجازاً خلافاً للأكثر من علمائنا ووفاقاً للسيد المرتضى وأتباعه وهم جماعة من المتأخرين كما حققته في شرح كتاب من لا يحضره الفقيه مبسوطاً منقحاً بحيث لا يختلجني فيه الرين ولا يتطرق إلى فيه المين، ولكن حيث طلبت بيان الدليل فلنشر الآن إلى شيء قليل.. ثم ذكر آية عيسى عليه السلام وأنه من ذرية نوح عليه السلام وذكر آية(وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ)[النساء: 23]إلى أن قال: ويدل عليه ما رواه الكليني في الكافي في صحيح محمد بن مسلم.. ثم ساق الرواية كما قدمناه ثم قال: فقد وضح من هذا أن الجد من الأم أب حقيقة لا مجازاً.. ثم ذكر آيتي (يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) [الطارق: 7]وقوله: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [الإنسان: 2]وعضدهما بالأخبار التي أشرنا إليها آنفاً، ثم أضاف إلى ذلك أنه لو اختص الولد بنطفة الرجل لم يكن العقر من جانب المرأة وإنمايكون من جانب الرجل خاصة مع أنه ليس كذلك. ثم قال: وأما السنة فالأخبار فيها أكثر من أن تحصى، ومنها ما سبق، ومنها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ما تواتر عندنا للحسنين عليهما السلام: ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا، وقوله للحسين عليه السلام: ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام، وبالجملة فتسميتهما عليهما السلام ابنين وكونهما وجميع أولادهما التسعة المعصومين عليهم السلام يسمونه صلى الله عليه وآله وسلم أباً، وخطاب الأمة إياهم بذلك من غير أن ينكر أمر متواتر، حتى أنه قدروى الكليني في الكافي والصدوق في الفقيه بإسناديهما الصحيح عن عائذ الأحمسي.. ثم ساق الرواية كما قدمنا بزيادة ثلاث مرات بعد قوله: والله إنا لولده ومانحن بذوي قرابته قال: ولا وجه لتقرير السائل على ما فعله وقسمه عليه السلام بالاسم الكريم وتكرير ذلك ثلاثاً للتأكيد لأنه في مقام الإنكار، ونفيه انتسابهم إليه صلى الله عليه وآله وسلم من جهة القرابة بل من جهة الولادة دليل واضح وبرهان لائح على أنهم أولاد حقيقة وليس كونهم أولاده إلا من جهة أمهم لا من أبيهم، فما ادعاه الأكثرمن علمائنا - من أن تسميته صلى الله عليه وآله وسلم إياهم أولاداً وتسميتهمعليهم السلام إياهصلى الله عليه وآله وسلم أباً مجاز -لا حقيقة له بعد ذلك. وقولهم-: إن الإطلاق أعم من الحقيقةوالمجاز - كلام شعري لا يلتفت إليه ولا يعول عليه بعد ثبوت ذلك، ولو كانالأمر كما ذكروه لما جاز لأئمتنا عليهم السلام الرضا بذلك إذا خاطبهم منلا يعرف كون هذا الإطلاق حقيقة ولا مجازاً، لأن فيه إغراء بما لا يجوز، مع أنهلا يجوز لأحد أن ينتسب لغير نسبه أو يتبرأ من نسب وإن دق، فكيف بعد القسموالتأكيد ودفع ما عساه أن يتوهم.
وعلى هذا فقد تبين لك الجواب وأن من كانت أمه علوية أو أم أبيه أوأم أمه أو أم أم أبيه فقط أو أم أم أمه فصاعداً وأبوه من سائر الناس أنه علويحقيقة، وفاطمي إن كان منسوباً إلى جده أو جدته أباً أو أماً إلى فاطمة بغير شك،ويترتب عليه كل ما يترتب على السيادة من جواز الانتساب إليهم عليهم السلام والافتخار بهم بل لا يجوز إخفاؤه والتبريء منه لما عرفت، وعلى هذا فيجوزالنسبة في اللباس غير ذلك.
نعم عندي توقف في استحقاق الخمس لحديث رواهالكليني في الكافي وإن كان خبراً واحداً ضعيف الإسناد محتملاً للتقية وأنالترجيح لعدم العمل به للأدلة الصحيحة الصريحة المتواترة الموافقة للقرآن المخالفةللعامة، إلا أن التنزه عن أخذ الخمس أولى خصوصاً عند عدم الضرورة والعلم عندالله. انتهى).
وقال البحراني معلقاً: جيد إلا أن توقفه أخيراً في جواز أخذالخمس للرواية المشار إليها وهي مرسلة حماد المتقدمة لا وجه له. نعم لو كانت الرواية قد منعت من الخمسبقول مجمل من غير ذكر هذه العلة لربما أمكن احتمال ما ذكره، ولكن مع وجودالعلة وظهور بطلانها بما ذكر من الأدلة يبطل ما ترتب عليها. على أن هذا الكلامخلاف العهود من طريقته في غير مقام بل طريقة جملة العلماء الأعلام، فإنه متىترجح أحد الدليلين ولا سيما بمثل هاتين القاعدتين المنصوصتين فإنهم يرمون بالدليلالمرجوح ويطرحونه كما صرحت به النصوص من أن ما خالف القرآن يضرب بهعرض الحائط، وما وافق العامة يرمى به، وليت شعري أي حكم من الأحكامسلم من اختلاف الأخبار؟ مع أنهم في مقام الترجيح لأحد الخبرين يفتون بهويرمون الآخر، ولا سيما ما نحن فيه لما عرفت من الأدلة الظاهرة والبراهين الباهرةكتاباً وسنة المعتضدة بمخالفة العامة.
وبالجملة فكلامه وتوقفه لا أعرف له وجهاً، وكأنه تبع فيذلك شيخه العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني، فإنه كان يرجحمذهب السيد المرتضى في هذه المسألة، ولكن يمنع المنتسب بالأم من الخمس والزكاةاحتياطاً، والظاهر أنه جرى على ما جرى عليه.
وظاهر صاحب المدارك أيضاً التوقف في أصل المسألة وكذا ظاهر المولىالفاضل الخراساني في الذخيرة، ولعمري إن من سرح بريد نظره في ما ذكرناهوأرسل رائد فكره في ما سطرناه لا يخفى عليه صحة ما اخترناه ولا رجحان مارجحناه، وأن خلاف من خالف في هذه المسألة أو توقف من توقف إنما نشأ عنعدم إعطاء التأمل حقه في أدلة المسألة والتدبر فيها، ولم أقف على من أحاط بماذكرناه من الأدلة والأخبار الواردة في هذا المضمار. وبالجملة فالحكم عندي فيهاأوضح واضح والصبح فاضح)([80]).
خامساً: حكم الخمس في زمن الغيبة:
كلما مر بك فهو في حال ظهور الإمام، فأما الآن وفي حال غيبة الثاني عشر، فقد اضطربت أقوال علماء الشيعة اضطراباً كبيراً لا يكاد يضبط.
ولعل أول وأفضل من تطرق إلى هذه المسألة بإسهاب هو العلامة يوسف البحراني حيث قال: (وهذه المسألة من أمهات المسائل ومعضلات المشاكل، وقد اضطربت فيها أفهام الأعلام وزلَّت فيها أقدام الأقلام، ودحضت فيها حجج أقوام، واتسعت فيها دائرة النقض والإبرام، والسبب في ذلك كله اختلاف الأخبار وتصادم الآثار الواردة عن السادة الأطهار).
ثم بسط القول في المسألة قائلاً: (اعلم أن الكلام في هذه المسألة يقتضي بسطه في مقامات ثلاثة:
المقام الأول - في نقل الأخبار المتعلقة بالمسألة وهي على أربعة أقسام:
القسم الأول: ما يدل على وجوب إخراج الخمس مطلقاً في غيبة الإمام عليه السلام أو حضوره من أي نوع كان من أنواع الخمس:
ومن الأدلة على ذلك الآية الشريفة وهي قوله عز وجل: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى... ) الآية، وقد عرفت مما قدمناه في أول الكتاب دلالة جملة من الأخبار على أن المراد بالغنيمة في الآية ما هو أعم من غنيمة دار الحرب، وبه صرح أصحابنا رضوان الله عليهم إلا الشاذ[81].
ومنها... فذكر أكثر الروايات التي مرت بك.
ثم قال: (القسم الثاني: في ما يدل على الوجوب والتشديد في إخراجه وعدم الإباحة:
وهذا القسم وإن اشترك مع القسم الأول في الدلالة على وجوب الإخراج إلا أنه ينفرد عنه بالدلالة على تأكد الوجوب وعدم القبول للتقييد بأخبار الإباحة الآتية إن شاء الله تعالى في القسم الثالث.
ومن ذلك ما صرح به الرضا عليه السلام في كتاب الفقه الرضوي حيث قال عليه السلام: اعلم يرحمك الله أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.
وأروي عن العالم عليه السلام أنه قال: ركز جبرئيل عليه السلام برجله حتى جرت خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه: الفرات ودجلة والنيل ونهر مهران ونهر بلخ. فما سقت وسقي منها فللإمام عليه السلام والبحر المطيف بالدنيا. وروي أن الله عز وجل جعل مهر فاطمةعليه السلام خمس الدنيا، فما كان لها صار لولدهاعليهم السلام. وقيل للعالم عليه السلام: ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال: إن يأكل من مال اليتيم درهماً ونحن اليتيم. وقال جل وعلا: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى.. ) إلى آخر الآية، فتطول علينا بذلك امتناناً منه ورحمة إذ كان المالك للنفوس والأموال وسائر الأشياء الملك الحقيقي وكان ما في أيدي الناس عواري وأنهم مالكون مجازاً لا حقيقة له. وكل ما أفاده الناس فهو غنيمة لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص ومال الفيء الذي لم يختلف فيه وهو ما ادعى فيه الرخصة وهو ربح التجارة وغلة الضيعة وسائر الفوائد من المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها، لأن الجميع غنيمة وفائدة ومن رزق الله عز وجل، فإنه روي أن الخمس على الخياط من أبرته والصانع من صناعته، فعلى كل من غنم من هذه الوجوه مالاً فعليه الخمس فإن أخرجه فقد أدى حق الله عليه وتعرض للمزيد وحل له الباقي من ماله وطاب، وكان الله أقدر على إنجاز ما وعده العباد من المزيد والتطهير من البخل على أن يغني نفسه مما في يديه من الحرام الذي بخل فيه بل قد خسر الدنيا والآخرة وذلك هو الخسران المبين، فاتقوا الله وأخرجوا حق الله مما في أيديكم يبارك الله لكم في باقيه ويزكو فإن الله عز وجل الغني ونحن الفقراء وقد قال الله: (لَنْ يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ)[الحج: 37]^ فلا تدعو التقرب إلى الله عز وجل بالقليل والكثير على حسب الإمكان وبادروا بذلك الحوادث، واحذروا عواقب التسويف فيها، فإنما هلك من الأمم السالفة بذلك وبالله الاعتصام([82])، انتهى كلامه عليه السلام.
وما رواه الشيخ عن محمد بن زيد الطبري قال: كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس، فكتب عليه السلام: بسم الله الرحمن الرحيم، إن الله واسع كريم ضمن على العمل الثواب وعلى الخلاف العقاب، لا يحل مال إلا من وجه أحله الله، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا وما نبذل ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه، فإن إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم.. الحديث[83].
ومنها ما رواه الشيخ والكليني بالسند المتقدم قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس فقال: ما أمحل هذا تمحضونا المودة بألسنتكم وتزوون عنا حقاً جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس لا نجعل أحداً منكم في حل[84].
وما رواه الصدوق في كتاب كمال الدين وإتمام النعمة في ما ورد على العمري في جواب مسائل محمد بن جعفر الأسدي: وأما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا، فمن فعل ذلك فهو ملعون، ونحن خصماؤه، فقد قال النبي صلى الله وعليه وآله: المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي مجاب، فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا، وكانت لعنة الله عليه لقول الله عز وجل: (أَلا لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ)[هود: 18][85].
وما رواه في الكافي في الصحيح عندي والحسن على المشهور بإبراهيم بن هاشم قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له الوقف بقم فقال: يا سيدي! اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل فإني أنفقتها. فقال له: أنت في حل. فلما خرج صالح قال أبو جعفرعليه السلام: أحدهم يثب على أموال آل محمد صلى الله وعليه وآله وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذها ثم يجيء فيقول: اجعلني في حل، أتراه ظن إني أقول: لا أفعل، والله ليسألنهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً[86].
وما رواه في الفقيه عن أبي بصيرقال: قلت لأبي جعفرعليه السلام: ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال: من أكل من مال اليتيم درهماً ونحن اليتيم[87].
وما رواه عن عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إني لآخذ من أحدكم الدرهم وأني لمن أكثر أهل المدنية مالاً ما أريد بذلك إلا أن تطهروا([88]).
وما رواه الشيخ عن أبي بصير عن أبي جعفرعليه السلام قال: سمعته يقول: من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله، اشترى ما لا يحل له([89]).
وما رواه الكليني عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا([90]).
وما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار قال: كتب إليه أبو جعفرعليه السلام وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة.. وقد تقدمت الرواية بتمامها. وموضع الاستدلال منها قوله عليه السلام الذي أوجبت في سنتي هذه.. إلى أن قال: إن موالي أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصَّروا في ما يجب عليهم فعلمت ذلك فأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس.. ثم أورد الآيات المتقدمة.. إلى أن قال: فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام.. إلى أن قال: فمن كان عنده شيء من ذلك فليوصل إلى وكيلي ومن كان نائياً بعيد الشقة فليعمد لإيصاله ولو بعد حين فإن نية المؤمن خير من عمله[91].
القسم الثالث: في ما يدل على التحليل والإباحة مطلقاً:
 وهي أخبار مستفيضة متكاثرة، منها:
ما رواه في الكافي والتهذيب بسنده في الأموال إلى محمد بن سنان في الثاني بسنده إلى حكيم مؤذن بني عبس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى فقالعليه السلام: هي والله الإفادة يوماً بيوم، إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا[92].
ومنها صحيحة الحارث النصري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: إن لنا أموالاً من غلات وتجارات ونحو ذلك وقد علمت أن لك فيها حقاً؟ قال: فلم أحللنا إذاً لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، وكل من والى آبائي فهو في حل مما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب[93].
ومنها ما رواه الصدوق في الفقيه عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك! يقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعرف أن حقك فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصرون؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم([94]).
ومنها ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي بصير وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه السلام قال: قال أمير المؤمنينعليه السلام: هلك الناس في بطونهم وفروجهم؛ لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، ألا وإن شيعتنا من ذلك وآباءهم في حل([95]). ورواه الصدوق في كتاب العلل وفيه: وأبناءهم ([96]) عوض وآباءهم ولعله الأصح.
 منها ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار قال: قرأت في كتاب لأبي جعفرعليه السلام من رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس فكتب بخطه: من أعوزه شيء من حقي فهو في حل([97]). وظاهره أخص مما ذكر من هذه الأخبار.
ومنها ما رواه في التهذيب عن الثمالي قال: سمعته يقول: من أحللنا له شيئا أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال، وما حرمناه من ذلك فهو حرام[98]وظاهره أعم من الخمس، ولكنه أخص بالنسبة إلى الخمس من المدعى لاختصاص التحليل بمن حللوه لا مطلقا.
وما رواه الصدوق في كتاب العلل في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفرعليه السلام قال: إن أمير المؤمنينعليه السلام حللهم من الخمس - يعني الشيعة - لتطيب مواليدهم[99].
وما رواه الشيخ في التهذيب في الحسن عن سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رجل وأنا حاضر: حلل لي الفروج. ففزع أبو عبد الله عليه السلام، فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق إنما يسألك خادماً يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثاً يصيبه أو تجارة وشيئاً أعطيه. فقال: هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب، والميت منهم والحي، وما يولد منهم إلى يوم القيامة، فهو لهم حلال، أما والله لا يحل إلا لمن أحللنا له، ولا والله ما أعطينا أحدا ذمة وما عندنا لأحد عهد ولا لأحد عندنا ميثاق[100].
وما رواه الصدوق في الفقيه عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب خمسي. وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم وليزكوا أولادهم[101].
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عمر بن أذينة قال: رأيت أبا سيار مسمع بن عبد الملك بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله عليه السلام مالاً في تلك السنة فرده عليه، فقلت له: لم رد عليك أبو عبد الله عليه السلام المال الذي حملته إليه؟ فقال: إني قلت له حين حملت إليه المال: إني كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت أن أحبسها عنك أو أعرض لها وهي حقك الذي جعله الله لك في أموالنا؟ فقال: وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس؟ يا أبا سيار الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا. قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كله. فقال لي: يا أبا سيار! قد طيبناه لك وأحللناك منه فضم إليك مالك وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ويحل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا. [102] الحديث. وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى في القسم الرابع.
وما رواه الشيخ في الموثق عن الحارث بن المغيرة النصري قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فجلست عنده فإذا نجية قد استأذن عليه، فأذن له فدخل فجثى على ركبتيه ثم قال: جعلت فداك أريد أن أسألك عن مسألة والله ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار. فكأنه رق له فاستوى جالساً فقال: يا نجية! سلني فلا تسألني اليوم عن شيء إلا أخبرتك به. قال: جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان؟ قال: يا نجية إن لنا الخمس في كتاب الله ولنا الأنفال ولنا صفو المال، وهما والله أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله وأول من حمل الناس على رقابنا، ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة، وإن الناس ليتقلبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت. فقال نجية: إنا لله وإنا إليه راجعونثلاث مرات، هلكنا ورب الكعبة. قال: فرفع فخذه عن الوسادة فاستقبل القبلة فدعا بدعاء لم أفهم منه شيئاً إلا أنا سمعناه في آخر دعائه وهو يقول: الله م إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا[103].
وما رواه الصدوق في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة عن محمد بن عصام الكليني قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل إلي كتاباً قد سألت فيه مسائل أشكلت على، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلامأما ما سألت عنه.. إلى أن قال: وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران، وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وقد جعلوا منه في حل إلى وقت ظهورنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث[104].
وما رواه في الكافي عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: إن الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء.. إلى أن قال: فنحن أصحاب الخمس والفيء وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا.. [105]  الحديث.
وما رواه الشيخ في التهذيب عن ضريس الكناسي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أتدري من أين دخل على الناس الزنى؟ فقلت لا أدري. فقال: من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم ولميلادهم[106].
وما رواه في الكافي عن عبد العزيز بن نافع قال: طلبنا الإذن على أبي عبد الله عليه السلام وأرسلنا إليه فأرسل إلينا: ادخلوا اثنين اثنين. فدخلت أنا ورجل معي، فقلت للرجل: أحب أن تستأذنه بالمسألة. فقال: نعم. فقال له: جعلت فداك! إن أبي كان ممن سباه بنو أمية وقد علمت أن بني أمية لم يكن لهم أن يحرموا ولا يحللوا، ولم يكن لهم مما في أيديهم قليل ولا كثير، وإنما ذلك لكم، فإذا ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد على عقلي ما أنا فيه؟ فقال له: أنت في حل مما كان من ذلك وكل من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حل من ذلك. قال: فقمنا وخرجنا فسبقنا معتب إلى النفر القعود الذين ينتظرون إذن أبي عبد الله عليه السلام، فقال لهم عبد العزيز بن نافع بشيء ما ظفر بمثله أحد قط. فقيل له: وما ذاك؟ ففسره لهم فقام اثنان فدخلا على أبي عبد الله عليه السلام فقال أحدهما: جعلت فداك إن أبي كان من سبايا بني أمية، وقد علمت أن بني أمية لم يكن لهم من ذلك قليل ولا كثير، وأنا أحب أن تجعلني من ذلك في حل. فقال: وذلك إلينا؟ ما ذلك إلينا، ما لنا أن نحل ولا أن نحرم. فخرج الرجلان وغضب أبو عبد الله عليه السلام فلم يدخل عليه أحد في تلك الليلة إلا بدأه أبو عبد الله عليه السلام فقال: ألا تعجبون من فلان يجيني فيستحلني مما صنعت بنو أمية كأنه يرى أن ذلك إلينا. ولم ينتفع أحد في تلك الليلة بقليل ولا كثير إلا الأولين فإنهما عنيا بحاجتهما[107].
وما رواه الصدوق في الفقيه عن داود الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك[108].
وما رواه في التهذيب عن علباء الأسدي قال: وليت البحرين فأصبت بها مالاً كثيراً، فأنفقت واشتريت ضياعاً كثيرة واشتريت رقيقاً وأمهات أولاد وولد لي، ثم خرجت إلى مكة فحملت عيالي وأمهات أولادي ونسائي وحملت خمس ذلك المال، فدخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له: إني وليت البحرين فأصبت بها مالاً كثيراً واشتريت متاعاً واشتريت رقيقاً واشتريت أمهات أولاد وولد لي وأنفقت وهذا خمس ذلك المال وهؤلاء أمهات أولادي ونسائي قد أتيتك به. فقال: أما إنه كله لنا، وقد قبلت ما جئت حللتك من أمهات أولادك ونسائك وما أنفقت وضمنت لك علي وعلى أبي الجنة([109]). وهذا الحديث قد عده في الوافي في باب الأحاديث الدالة على تحليل الخمس، إلا أنه ليس بظاهر في ذلك بل ربما ظهر في خلاف ذلك، فإن ظاهر قوله: قبلت ما جئت به" هو أخذ ما جاء به من الخمس وحله من الباقي، حيث أنه أخبره أن الكل له، هذا ما يظهر من الخبر.
وما رواه في الكتاب المذكور عن الفضيل قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة عليها السلام: أحلى نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا ليطيبوا، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا[110].
وما رواه فيه أيضاً عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: موسع على شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز كنزه حتى يأتوه به يستعين به[111]. ورواه في الكافي بزيادة يستعين به على عدوه[112].
وما رواه الإمام العسكري عليه السلام في تفسيره عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لرسول الله صلى الله وعليه وآله: قد علمت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر فيستولي على خمسي من السبي والغنائم ويبيعونه ولا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه، وقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئاً من ذلك من شيعتي لتحل لهم منافعهم من مأكل ومشرب ولتطيب مواليدهم ولا يكون أولادهم أولاد حرام. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما تصدق أحد أفضل من صدقتك، وقد تبعك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فعلك، أحل للشيعة كل ما كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه على واحد من شيعتي ولا أحلها أنا ولا أنت لغيرهم[113].
القسم الرابع: في ما دل على أن الأرض وما خرج منها كله للإمامعليه السلام:
ومنها ما رواه في الكافي عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم فلرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو للأئمة عليهم السلاممن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم[114].
وما رواه فيه عن يونس بن ظبيان أو المعلي بن خنيس قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسم ثم قال: إن الله تعالى بعث جبرئيل وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض: منها سيحان وجيحان وهو نهر بلخ والخشوع وهو نهر الشاش ومهران وهو نهر الهند ونيل مصر ودجلة والفرات، فما سقت أو استقت فهو لنا، وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدونا منه شيء إلا ما غصب عليه، وإن ولينا لفي أوسع في ما بين ذه إلى ذه، يعني: ما بين السماء والأرض. ثم تلا هذه الآية: (قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 32] بلا غصب[115].
وما رواه ثقة الإسلام في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح عن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفرعليه السلام قال: وجدنا في كتاب عليعليه السلام أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا، فمن أحيى أرضاً من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل منها، فإن تركها أو أخر بها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها يؤدي خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها حتى يظهر القائمعليه السلام من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنعها، إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم[116].
ومنها ما تقدم في صحيحة عمر بن يزيد في حديث مسمع بن عبد الملك في حديث قال فيه: إن الأرض كلها لنا فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا. إلى أن قال فيه زيادة على ما تقدم: حتى يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم، وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخد الأرض من أيديهم ويخرجهم عنها صغرة[117].
قال في الكافي: قال عمر بن يزيد: فقال لي أبو سيار: ما أرى أحداً من أصحاب الضياع ولا ممن يلي الأعمال يأكل حلالاً غيري إلا من طيبوا له ذلك[118].
وما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن جبرئيل عليه السلام كرى برجله خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه: الفرات ودجلة ونيل مصر ومهران ونهر بلخ، فما سقت أو سقي منها فللإمام، والبحر المطيف بالدنيا[119].
وما رواه في الكافي عن محمد بن الريان قال: كتبت إلى العسكري عليه السلام: جعلت فداك! روي لنا أن ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الدنيا إلا خمس؟ فجاءالجواب: أن الدنيا وما عليها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم[120].
وما رواه فيه عن أحمد بن محمد بن عبد الله عليه السلام عن من رواه قال: الدنيا وما فيها لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولنا، فمن غلب على شيء منها فليتق الله وليؤد حق الله وليبر إخوانه، فإن لم يفعل ذلك فالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن برآء منه[121].
وما رواه فيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: أما على الإمام زكاة؟ فقال: أحلت يا أبا محمد، أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء جائز له ذلك من الله، إن الإمام يا أبا محمد لا يبيت ليلة أبداً ولله في عنقه حق يسأله عنه[122].
وما رواه فيه عن علي عن السندي بن الربيع قال: لم يكن ابن أبي عمير يعدل بهشام بن الحكم شيئاً وكان لا يغب إتيانه ثم انقطع عنه وخالفه، وكان سبب ذلك أن أبا مالك الحضرمي كان أحد رجال هشام وقع بينه وبين ابن أبي عمير ملاحاة في شيء من الإمامة. قال بن أبي عمير: الدنيا كلها للإمام على جهة الملك وأنه أولى بها من الذين هي في أيديهم. وقال أبو مالك: ليس كذلك، أملاك الناس لهم إلا ما حكم الله به للإمام من الفيء والخمس والمغنم فذلك له، وذلك أيضاً قد بين الله للإمام أين يضعه وكيف يصنع به. فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا إليه، فحكم هشام لأبي مالك على ابن أبي عمير فغضب ابن أبي عمير وهجر هشاماً بعد ذلك[123].
قال في الوافي بعد نقل الخبر: لعل هشاماً استعمل التقية في هذه الفتوى.
والظاهر أنه كذلك لما عرفت من الأخبار المذكورة؛ لأن عدم اطلاع هشام عليها بعيد جداً فالحمل على ما ذكره جيد، ومنها ما تقدم في أول أخبار القسم الثاني من كتاب الفقه الرضوي. ويؤيد ذلك أيضاً ما تقدم من حديث أبي خالد الكابلي عنه عليه السلام قال: إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كل ما في بيت المال رجلاً واحداً، فلا يدخلن في قلبك شيء فإنه إنما يعمل بأمر الله[124].
المقام الثاني: في بيان المذاهب في هذه المسألة واختلاف الأصحاب فيها على أقوال متشعبة:
أحدها -عزله والوصية به من ثقة إلى آخر إلى وقت ظهوره عليه السلاموإلى هذا القول ذهب شيخنا المفيد في المقنعة حيث قال: قد اختلف أصحابنا في حديث الخمس عند الغيبة، وذهب كل فريق منهم فيه إلى مقال، فمنهم من يسقط فرض إخراجه لغيبة الإمام بما تقدم من الرخص فيه من الأخبار، وبعضهم يذهب إلى كنزه ويتأول خبراً ورد أن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام، وأنه عليه السلام إذا قام دله الله على الكنوز، فيأخذها من كل مكان. وبعضهم يرى صلة الذرية وفقراء الشيعة على طريق الاستحباب، وبعضهم يرى عزله لصاحب الأمر فإن خشي إدراك الموت قبل ظهوره وصَّى به إلى من يثق به في عقله وديانته حتى يسلم إلى الإمام عليه السلام، ثم إن أدرك قيامه وإلا وصَّى به إلى من يقوم مقامه في الثقة والديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان عليه السلام قال: وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدمه، لأن الخمس حق وجب لصاحبه لم يرسم فيه قبل غيبته حتى يجب الانتهاء إليه، فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه والتمكن من إيصاله إليه أو وجود من انتقل بالحق إليه، ويجري ذلك مجرى الزكاة التي يعدم عند حلولها مستحقها فلا يجب عند عدم ذلك سقوطها، ولا يحل التصرف فيها على حسب التصرف في الأملاك، ويجب حفظها بالنفس أو الوصية إلى من يقوم بايصالها إلى مستحقها من أهل الزكاة من الأصناف، وإن ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه في شطر الخمس الذي هو خالص للإمام عليه السلام وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأبناء سبيلهم ومساكينهم على ما جاء في القرآن لم يبعد إصابته الحق في ذلك بل كان على صواب. وإنما اختلف أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يلجأ إليه من صريح الألفاظ، وإنما عدم ذلك لموضعتغليظ المحنة مع إقامة الدليل بمقتضى العقل في الأمر من لزوم الأصول في حظر التصرف في غير المملوك إلا بإذن المالك وحفظ الودائع لأهلها ورد الحقوق([125]). انتهى.
وإنما أطلنا بنقله بطوله لدلالته (أولا) على أن الخلاف في هذه المسألة متقدم بين متقدمي الأصحاب، و(ثانياً) لاشتماله على سبب في الاختلاف والعلة في ما اختاره وذهب إليه (رضوان الله عليه).
الثاني -القول بسقوطه كما نقله شيخنا المتقدم في صدر عبارته، وهو مذهب سلار على ما نقله عنه في المختلف وغيره، قال بعد أن ذكر المنع من التصرف فيه زمن الحضور إلا بإذنه عليه السلام: وفي هذا الزمان قد حللونا بالتصرف فيه كرماً وفضلاً لنا خاصة([126]). واختار هذا القول الفاضل المولى محمد باقر الخراساني في الذخيرة وشيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني، وسيجيء نقل كلاميهما ومستندهم فيه أخبار التحليل المتقدمة وسيجيء الكلام معهما فيه إن شاء الله تعالى، وهذا القول مشهور الآن بين جملة من المعاصرين.
الثالث - القول بدفنهكما تقدم في عبارة شيخنا المفيد. كذا نقله الشيخ في النهاية استناداً إلى الخبر المذكور في كلاميهما.
الرابع -دفع النصف إلى الأصناف الثلاثة، وأما حقه عليه السلام فيودع كما تقدم من ثقة إلى ثقة إلى أن يصل إليه عليه السلام وقت ظهوره أو يدفن. وهو مذهب الشيخ في النهاية، حيث قال: وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نص معين إلا أن كل واحد منهم قال قولاً يقتضيه الاحتياط، فقال بعضهم: إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر. وقال قوم: إنه يجب حفظه ما دام الانسان حياً، فإذا حضرته الوفاة وصَّى به إلى من يثق به من إخوانه ليسلمه إلى صاحب الأمر عليه السلام إذا ظهر ويوصي به حسبما وصى به إليه إلى أن يصل إلى صاحب الأمر. وقال قوم: يجب دفنه لأن الأرض تخرج كنوزها عند قيام الإمامعليه السلام.
وقال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام: فثلاثة للإمامعليه السلام تدفن أو تودع من يوثق بأمانته، والثلاثة الأخر تفرق على مستحقيه من أيتام آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومساكينهم وأبناء سبيلهم. وهذا مما ينبغي أن يكون العمل عليه؛ لأن هذه الثلاثة الأقسام مستحقها ظاهر وإن كان المتولي لتفريق ذلك فيهم غير ظاهر، كما أن مستحق الزكاة ظاهر وإن كان المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر، ولا أحد يقول في الزكاة أنه لا يجوز تسليمها إلى مستحقها. ولو أن انساناً استعمل الاحتياط وعمل على الأقوال المتقدم ذكرها من الدفن أو الوصاية لم يكن مأثوماً، فأما التصرف فيه على ما تضمنه القول الأول فهو ضد الاحتياط، والأولى اجتنابه حسبما قدمناه([127]). انتهى. ويفهم من فحوى كلامه تجويز القول الأول على كراهة.
وبمثل هذا الكلام صرح في المبسوط إلا أنه منع من الوجه الأول وقال: لا يجوز العمل عليه، وقال في الوجه الأخير: وعلى هذا يجب أن يكون العمل وإن عمل عامل على واحد من القسمين الأولين من الدفن أو الوصاية لم يكن به بأس[128]. انتهى.
ومبنى كلامه وكذا كلام شيخنا المفيد على أن المسألة المذكورة وما يجب العمل به فيها زمن الغيبة غير منصوص، والاحتمالات فيها متعددة، فيؤخذ بكل ما كان أقرب إلى الاحتياط من تلك الاحتمالات. وستعرف إن شاء الله تعالى ما فيه، وقد تقدم في كلام الشيخ المفيد تصويب ما اختاره الشيخ هنا.
الخامس -كسابقه بالنسبة إلى حصة الأصناف وصرفها عليهم، وأما حقهعليه السلام فيجب حفظه إلى أن يوصل إليه، وهو مذهب أبي الصلاح وابن البراج وابن إدريس، واستحسنه العلامة في المنتهى، واختاره في المختلف. وشدَّد أبو الصلاح في المنع من التصرف في ذلك فقال: فإن أخل المكلف بما يجب عليه من الخمس وحق الأنفال كان عاصياً لله سبحانه ومستحقاً لعاجل اللعن المتوجه من كل مسلم إلى ظالمي آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآجل العقاب لكونه مخلاً بالواجب عليه لأفضل مستحق، ولا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها؛ لأن فرض الخمس والأنفال ثابت بنص القرآن والإجماع من الأمة وإن اختلف في من يستحقه، ولإجماع آل محمد صلى الله عليه آله على ثبوته وكيفية استحقاقه وحمله إليهم وقبضهم إياه ومدح مؤديه وذم المخل به، ولا يجوز الرجوع عن هذا المعلوم بشاذ الأخبار([129]). انتهى.
وقال العلامة في المختلف - بعد نقل القول بالإباحة عن سلار وإيراد جملة من الأخبار الدالة على ذلك في زمن الحضور فضلاً عن زمن الغيبة ما صورته: واعلم أن هذا القول بعيد من الصواب لضعف الأدلة المقاومة لنص القرآن، والإجماع على تحريم التصرف في مال الغير بغير إذنه. والقول بالدفن أيضاً بعيد. والقول بإيصائه بالجميع إلى من يوثق به عند إدراك المنية لا يخلو من ضعف لما فيه من منع الهاشميين من نصيبهم مع شدة حاجتهم وكثرة فاقتهم وعدم ما يتعوضون به من الخمس. والأقرب في ذلك قسمة الخمس نصفين؛ فالمختص باليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يفرق عليهم على حسب حاجتهم، والمختص بالإمام عليه السلام يحفظ إلى أن يظهر عليه السلام فيسلم إليه إما بإدراكه أو بالإيصاء من ثقة إلى ثقة إلى أن يصل إليه عليه السلام.
وهل يجوز قسمته في المحاويج من الذرية كما ذهب إليه جملة من علمائنا؟
الأقرب ذلك لما ثبت بما تقدم من الأحاديث إباحة البعض للشيعة حال حضورهم، فإنه يقتضي أولوية إباحة أنسابهمعليهم السلاممع الحاجة حال غيبة الإمام، ولاستغنائه عليه السلام واحتياجهم، ولما سبق من أن حصتهم لو قصرت عن حاجتهم لكان على الإمام عليه السلام الإتمام من نصيبه حال حضوره، فإن وجوب هذا حال ظهوره يقتضي وجوبه حالغيبته عليه السلام، فإن الواجب من الحقوق لا يسقط بغيبة من عليه الحق خصوصا إذا كان لله تعالى([130]). انتهى.
السادس -ما تقدم أيضاً بالنسبة إلى حصة الأصناف، وأما حصته عليه السلام فتقسم على الذرية الهاشمية، وقد استقربه في المختلف كما تقدم في عبارته ونقله عن جماعة من علمائنا، وهو اختيار المحقق في الشرائع والشيخ علي في حاشيته على الكتاب، وهو المشهور بين المتأخرين كما نقله شيخنا الشهيد الثاني في الروضة، ونقل عن شيخنا الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني أنه اختاره أيضاً، ووجهه معلوم مما سبق في كلام المختلف، وعلله المحقق في الشرائع بالتعليل الأخير في كلام المختلف، ومرجع هذا القول إلى قسمة الجميع في الأصناف إلا أنهم قد خصوا تولي قسمة حصة الإمام عليه السلام بالفقيه النائب عنه عليه السلام كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
السابع -صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة أيضاً، وأما حصته عليه السلام فيجب إيصالها مع الإمكان وإلا فتصرف إلى الأصناف، ومع تعذر الإيصال وعدم حاجة الأصناف تباح للشيعة، وهو اختيار المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في الوسائل.
الثامن -ما تقدم من صرف حصة الأصناف عليهم، وأما حصته عليه السلام فيسقط إخراجها لإباحتهمعليهم السلامذلك للشيعة. وهو ظاهر السيد السند في المدارك حيث قال: والأصح إباحة ما يتعلق بالإمام عليه السلام من ذلك للأخبار الكثيرة الدالة عليه.. ثم ساق بعضاً من الأخبار التي في التحليل.. إلى أن قال: وكيف كان فالمستفاد من الأخبار إباحة حقوقهمعليهم السلاممن جميع ذلك. والله تعالى أعلم[131]. انتهى. وهو مذهب المحدث الكاشاني في المفاتيح.
والعجب من شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني في كتاب منية الممارسين أنه نقل أن مذهبه وكذا مذهب الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي صرف الجميع على الأصناف الثلاثة، وتعجب منهما في خروجهما عن أخبار التحليل واطراحها رأساً مع أنهما من الأخباريين، ولا ريب أن مذهب الشيخ الحر يرجع بالآخرة إلى ما ذكره كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى، وأما مذهب المحدث الكاشاني فهو ما ذكرناه لا ما توهمه نعم جعل ما ذكره طريق الاحتياط.
قال في كتاب المفاتيح بعد الإشارة إلى جملة من أقوال المسألة: أقول: والأصح عندي سقوط ما يختص به عليه السلام لتحليلهمعليهم السلام ذلك لشيعتهم، ووجوب صرف حصص الباقين إلى أهلها لعدم مانع منه. ثم قال: ولو صرف الكل إليهم لكان أحوط وأحسن[132]. انتهى.
ومثله كلامه في الوافي أيضاً حيث قال بعد ذكر الكلام في زمن الحضور: وأما في مثل هذا الزمان حيث لا يمكن الوصول إليهمعليهم السلام فيسقط حقهم رأساً دون السهام الباقية لوجود مستحقيها، ومن صرف الكل حينئذ إلى الأصناف الثلاثة فقد أحسن واحتاط. والعلم عند الله. انتهى. وهذا القول عندي هو الأقرب على تفصيل فيه كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
التاسع -كسابقه إلا أنه خص صرف حصته عليه السلام بمواليه العارفينوهو منقول عن ابن حمزة، قال: والصحيح عندي أنه يقسم نصيبه على مواليه العارفين بحقه من أهل الفقر والصلاح والسداد([133]). انتهى.
العاشر -تخصيص التحليل بخمس الأرباح فإنه للإمام عليه السلام دون سائر الأصناف، وأما سائر ما فيه الخمس فهو مشترك بينهمعليهم السلاموبين الأصناف، وهو اختيار المحقق الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني في كتاب منتقى الجمان حيث قال في ذيل صحيحة الحارث النصري المتقدمة ما هذا لفظه: لا يخفى قوة دلالة هذا الحديث على تحليل حق الإمام عليه السلام في خصوص النوع المعروف في كلام الأصحاب بالأرباح، فإذا أضفته إلى الأخبار السابقة الدالة بمعونة ما حققناه على اختصاصه عليه السلام بخمسها عرفت وجه مصير بعض قدمائنا إلى عدم وجوب إخراجه بخصوصه في حال الغيبة، وتحققت أن استضعاف المتأخرين له ناشئ من قلة الفحص عن الأخبار ومعانيها والقناعة بميسور النظر فيها([134]). انتهى. وأشار بقوله: بمعونة ما حققناه إلى ما ذكره فيالجواب عن الإشكالات الواردة في صحيحة علي بن مهزيار كما قدمنا نقله عنه، وأشرنا إلى ما فيه، وسيأتي مزيد إيضاح لضعفه إن شاء الله تعالى.
الحادي عشر -عدم إباحة شيء بالكلية حتى من المناكح والمساكن والمتاجرالتي جمهور الأصحاب على تحليلها بل ادعى الإجماع على إباحة المناكح، وهو مذهب ابن الجنيد فإنه قال: وتحليل من لا يملك جميعه عندي غير مبرئ من وجب عليه حق منه لغير المحلل، لأن التحليل إنما هو في ما يملكه المحلل لا في ما لا يملك وإنما إليه ولاية قبضه وتفريقه في الأهل الذين سماه الله لهم([135]).
الثاني عشر -قصر أخبار التحليل على جواز التصرف في المال الذي فيه الخمس قبل إخراج الخمس منه بأن يضمن الخمس في ذمته، وهو مختار شيخنا المجلسي كما سيأتي نقل كلامه إن شاء الله تعالى.
الثالث عشر -صرف حصة الأصناف عليهم والتخيير في حصته عليه السلام بين الدفن والوصية على الوجه المتقدم وصلة الأصنافمع الإعواز بإذن نائب الغيبة وهو الفقيه، وهذا مذهب الشيخ الشهيد في الدروس، ووجهه معلوم مما سبق في الأقوال المتقدمة.
الرابع عشر -صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة وجوباً أو استحباباً وحفظ نصيب الإمام عليه السلام إلى حين ظهوره، ولو صرفه العلماء إلى من يقصر حاصله من الأصناف كان جائزاً، وهو اختيار الشهيد في البيان، ووجهه أيضاً يظهر مما سبق)[136].
الخلاصة:
وبعد، فقد تبين لنا من كل ما مر ما يلي:
أولاً: إقرار الشيعةأن آية: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِالله وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأنفال: 41] هي الآية الوحيدة التي وردت في الخُمُس.
ثانياً: أن الغنيمة المذكورةفي الآية هي ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار. وقد أقر الشيعة بذلك.
يقولالطوسي: الغنيمة ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتال. وهي هبة من الله تعالى للمسلمين... وعند أصحابنا الخمس يجب في كل فائدة تحصلللإنسانمن المكاسب وأرباح التجارات والكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك. ويمكن الاستدلال على ذلك بهذة الآية، لأن جميع ذلك يسمى غنيمة([137]).
وقال في موضع آخر: كل ما يؤخذ بالسيف قهراً من المشركين يسمى غنيمة بلا خلاف، وعندنا أن مايستفيده الإنسان من أرباح التجارات والمكاسب والصنايع يدخل أيضاً فيه.. ثم قال: إن دليلنا إجماع الفرقة، وأيضاً قوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ... ).. الآية، عام في جميع ذلك، فمن خصصه فعليه الدلالة([138]).
وقال: يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات، والغلات، والثمار على اختلاف أجناسها بعد إخراج حقوقها ومؤنتها، وإخراج مؤنة الرجل لنفسه ومؤنة عياله سنة. ولم يوافقنا على ذلك أحد من الفقهاء. دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، لأنه إذا أخرج الخمس عما ذكرناه كانت ذمته بريئة بيقين، وإن لم يخرج ففي براءة ذمته خلاف([139]).
وقال: ليس الخمس بظاهر القرآن إلا في الغنائم خاصة؛لأن ما عدا الغنائم التي أوجبنا فيها الخمس إنما يثبت ذلك كله بالسنة([140]).
ويقول الطبرسي: الغنيمة ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفار بقتال.. ثم ذكر تمام قول الطوسي في كيفية قسمته وكذا القول بأن أصحابنا يروون وجوب الخمس في كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات وفي الكنوز والعادن وغير ذلك، ويمكن أن يستدل على ذلك بهذه الآية، فإن في عرف اللغة يطلق على جميع ذلك اسم الغنم والغنيمة([141]).
ويقول البحراني: يدل على وجوب الخمس -أي: في ما يفضل عن مؤنة السنة له ولعياله من أرباح التجارات والزراعات والصناعات- الآية الشريفة آية الخمس (وَاعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُم)، بمعونة الأخبار التي وردت بتفسيرها بما هو أعم من غنيمة دار الحرب، وبه يظهر أن ماذكره في المدارك وتبعه عليه الفاضل الخرساني في الذخيرة من الطعن في دلالة الآية من أن المتبادر من الغنيمة الواقعة فيها غنيمة دار الحرب كما يدل عليه سوق الآيات، لا تعويل عليه؛ فإنه بعد ورود النصوص بذلك لا مجال لهذا الكلام إذ أحكام القرآن وغيره وتفسيره وبيان مجملاته وحل مشكلاته إنما يتلقى عنهم عليهم السلام، فإذا ورد تفسير عنهم بذلك فالراد له راد عليهم([142]).
ويقول مغنية: اختلف السنة والشيعة في المعنى المراد من الغنيمة في الآية، فقال السنة: هي ما يغنمه المسلمون من الكفار بقتال. وعلى قولهم هذا تكون مسألة الخمس عبارة عن قضية لا واقع لها من الناحية العملية في هذه الأيام، تماماً كمسألة العبيد والإماء،إذ لا دولة إسلامية تجاهد الكفار والمشركين في هذا العصر. وقال الشيعة: إن الغنيمة أعم مما يأخذه المسلمون من الكافرين بقتال([143]).
وقال في موضع آخر: أفرد الإمامية باباً خاصاً في كتب الفقه ذكروه بعد باب الزكاة، والأصل فيه الآية (41) من سورة الأنفال. ولم يخصصوا الغنيمة بما يحصل في أيدي المسلمين من أموال غيرهم بإيجاف الخيل والركاب، بل عمموها إلى سبعة أصناف([144]).
يقول ناصر مكارم الشيرازي مؤكداً هذا القول: الآية تبين الخمس في غنائم الحرب فحسب، وأما الخمسفي سائرالموارد فينبغي معرفتهمن السنة والأخبار المتواترة وصحيح الروايات، ولا مانع أن يشير القرآن إلى قسم من أحكام الخمس بما يناسب مسائل الجهاد، وأن تتناول السنة الشريفة بيان أقسامه الباقية([145]).
وقال: ونستنتج مما ذكرناه آنفاً ما يلي: أن آية الغنائم ذات معنى واسع يشمل كل فائدة وربح،لأن معنى الغنيمة اللغوي عام ولا دليل على تخصيص الآية([146]).
ويقول محمد الكرمي: الغنيمة في متفاهم العرف هي ما كانت نتيجة لانتصار الغالب على المغلوب وسيطرته على ما معه من مال أو حيوان وأسلاب، لكن الشرع خصها بالحرب المشروعة، ويرى أهل البيت عليهم السلام أن الغنيمة أوسع من ذلك وهي كل ما دخل على الإنسان من طريق الكسب المشروع كغنائم دار الحرب وما استفيد بالغوص والمعدن والكنز ومازاد من الأرباح على مؤنة السنة للكاسب([147]).
ويقول محمد تقي المدرسي: ظاهر الآية أن الخمس مفروض على الغنائم، وبالرغم من أن الكلمة تطلق اليوم على غنائم دار الحرب بيد أن المعنى اللغوي لكلمة الغنيمة لا يختص بما يحصل عليه المحاربون في ساحة القتال([148]).
ويقول الخميني: ويحتمل أن تكون الغنيمة أعم من غنائم الحرب، كما عليه بعض. ويحتمل أن تكون مختصة بغنائمها، كما هو المعروف بين المفسرين([149]).
ويقولالموسوي: إن تفسير الغنيمة بالأرباح من الأمور التي لا نجدها إلا عند فقهاء الشيعة، فالآية صريحة وواضحة بأن الخمس شرعت في غنائم الحرب وليس في أرباح المكاسب، وأظهر دليل قاطع على أن الخمس لم يشرع في أرباح المكاسب هو سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة الخلفاء من بعده، بمن فيهم الإمام علي، وحتى سيرة أئمة الشيعة، حيث لم يذكر أرباب السير الذين كتبوا سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ودوّنوا كل صغيرة وكبيرة عن سيرته وأوامره ونواهيه، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرسل جباته إلى أسواق المدينة ليستخرج من أموالهم خمس الأرباح([150]).
وفيما أوردناه كفاية لبيان المقصود، حتى أنهم قد اعترفوا بأن هذا مما انفرد به الإمامية.
يقول المرتضى: ومما انفردت به الإمامية القول بأن الخمس واجب في جميع المغانم والمكاسب ومما استخرج من المعادن والغوص والكنوز ومما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد المؤونة والكفاية في طول السنة على اقتصاد([151]).
وعلى هذا القول سار بقية علماء الشيعة.
إذن مما مر تبين لنا أن القوم متفقون على أن الآية المذكورة وإن كانت محمولة على غنائم الحرب فحسب،إلا أن مفهوم الغنيمة أعم من ذلك، ثم اختلفوا في إثبات ذلك عن طريق اللغة أو روايات الأئمة. رغم أن القرآن الكريم قد ذكر المكاسب ولم يذكر أن فيها شيئاً من الخُمُس. وذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأرض وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة: 267].
ثالثاً: ليس في الآية ذكر أن من مستحقي الخُمُس الفقية أو المجتهد كما هو الحال الآن. ولا يبدو أن ذلك كان معروفاً عند علماء الشيعة المتقدمين.
والذييبدو أن ذلك من إلحاقات المتأخرين في مراحل تطور نظرية الخمس. ولعل بدايات تبلور إقحام الفقيه في الخمس كانت على يد القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي، المتوفى عام (481) للهجرة، حيث قال: وكل ما يختص من الخمس بالمساكين، أو المناكح، أو المتاجر فإنه يجوز التصرف فيه في زمان غيبه الإمام عليه السلام؛ لأن الرخصة قد وردت في ذلك لشيعة آل محمد عليهم السلام، دون من خالفهم. وأما ما يختص به من غير ذلك فلا يجوز لأحد من الناس كافة التصرف في شيء منه، ويجب على من وجب عليه حمله إلى الإمام عليه السلام ليفعل فيه ما يراه، فإن كان عليه السلام غائباً، فينبغي لمن لزمه إخراج الخمس أن يقسمه ستة أسهم على ما بيناه، ويدفع منها ثلاثة إلى من يستحقه من الأصناف المذكورة فيما سلف. والثلاثة الأخر للإمام عليه السلام، ويجب عليه أن يحتفظ بها أيام حياته، فإن أدرك ظهور الإمام عليه السلام دفعها إليه، وإن لم يدرك ذلك دفعها إلى من يوثق بدينه وأمانته من فقهاء المذهب ووصاه بدفع ذلك إلى الإمام عليه السلام إن أدرك ظهوره، وإن لم يدرك ظهوره وصَّى إلى غيره بذلك، وقد ذكر بعض أصحابنا إنه ينبغي أن يدفنه تعويلاً في ذلك على الخبر المتضمن، لأن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام عليه السلام. والأول أحوط، وأقوى في براءة الذمة من ذلك([152]).
إلى أن تبلورت في صورتها النهائية على يد السيد أبو الحسن الأصفهاني، والذي يُعتقد أنه أول فقيه يطرح وجوب دفع سهم الإمام إلى مراجع التقليد([153]).
ونفى آخرون ذلك صراحةً في إجابة: هل يجب الدفع إلى الفقيه؟
قالوا: لا يجب دفعها إلى الفقيه وإن قلنا بنيابة عنه في جميع الأمور العامة، إلا أن ذلك من الولايات الخاصة مثل الولاية على أولاده عليه السلام أو على ما هو وصى فيه، مع عدم بعد الوجوب بناء على ثبوت النيابة على وجه العموم، كما يظهر من كلامهم في الحصة المختصة به عليه السلام([154]).
وفي موضع آخر قال: لكن الانصاف: أن ظاهر تلك الأدلة ولاية الفقيه عن الإمام عليه السلام على الأمور العامة، لا مثل خصوص أمواله عليه السلام وأولاده مثلاً([155]).
وقال آخر وهو الخميني: لا دليل على ولاية الفقيه عليه، ولذا تشبثوا فيه بأمور غير مرضية، وادعى بعضهم العلم برضى الإمام عليه السلام بتلك المصارف المعهودة لحفظ الحوزات العلمية ونحوها.
وليت شعري، كيف يحصل القطع بذلك، أفلا يحتمل أن يكون الصرف في بعض الجهات أرجح في نظره الشريف عليه السلام، كالصرف في رد الكتب الضالة الموجبة لانحراف المسلمين، ولا سيما شبانهم، وكالصرف في الدفاع عن حوزة الإسلام... إلى غير ذلك مما لا علم لنا به؟! فدعوى القطع لا تخلو من مجازفة.
ثم لو فرض قطع الفقيه بالرضا، لكنه لا يفيد ذلك لغيره; فإن كل آخذ لا بد له في صحة تصرفه من القطع برضاه، وليس الأمر مربوطاً بالتقليد ونحوه كما هو ظاهر.
ولكن الشأن في ثبوت المالكية لهم عليهم السلام، والذي يظهر لي من مجموع الأدلة في مطلق الخمس - سواء فيه سهم الإمام عليه السلام أو سهم السادة كثر الله نسلهم الشريف - غير ما أفادوا. أما في سهم السادة، فلأنه لا شبهة في أنهم مصرف له، لا أنهم مالكون لجميع السهام الثلاثة; ضرورة أن الفقر شرط في أخذه، والمراد به عدم واجدية مؤونة سنته حسب المتعارف.
وبعبارة أخرى: إنه على الوالي أن يعطي السادة مؤونة سنتهم من السهام الثلاثة، فلو زادت عن مؤونتهم كانت للوالي، ولو نقصت عنها كان عليه جبران النقص من سائر ما في بيت المال، كما دل عليه الدليل، ولا شبهة في أن نصف الخمس يزيد عن حاجة السادة بما لا يحصى([156]).
والكلام في الباب يطول.
وقد علمت أيضاً مما مر أن الكثير منهم قالوا بدفن الجميع أو حصة الإمام إلى أن يظهر الإمام ويستخرجه، أو عزله وحفظه وإيداعه إلى أن يصل إليه، ولم يجوزا دفعه إلى الفقيه أو المرجع.
رابعاً: اختلاف الشيعة في حكم الخُمُسفي غيبة الإمام إلى عشرات الأقوال، ولا بد، وذلك لقوله عز وجل: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) [النساء: 82]. واختيار الكثير من علماء الشيعة لإباحة الخمس للشيعة بعد غيبة المهدي لعموم الروايات([157]).
خامساً: اختيار بعض علماء الشيعة جواز إعطاء الخمس لمن انتسب إلى هاشم بالأمومة.
إذن تبين لنا من كل ما مر اتفاق الشيعة مع أهل السنة في أن موارد الخمس هي غنائم الحرب والركاز، وثم اختلفوا مع أهل السنة في بقية الموارد وأقروا بأن آية الخمس خاصة في غنائم الحرب فحسب، وأما الخمس في سائر الموارد فينبغي معرفته من السنة والأخبار المتواترة وصحيح الروايات.
تساؤل يفرض نفسه:
     لم يذكر لنا التاريخ أن أحداً من أئمة أهل البيت كأمير المؤمنين علي والحسن والحسين رضي الله عنهم، فضلاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخذوا من المسلمين خمس أرباحهم. بل أن جل روايات خمس الأرباح التي مرت بك وردت عن الأئمة المتأخرين، أي: بعد الباقر والصادق رحمهما الله. وقد أقر الشيعة بذلك واضطربت آراؤهم في رد هذا التساؤل الذي يفرض نفسه: هل إن خمس أرباح المكاسب لم يكن واجباً في صدر الإسلام ثم شرع فيما بعد؟ والطريف أن الشيعة ما تركوا شيئا إلا ووضعوا فيه نصا لتأييد عقيدتهم و مذهبهم سوى دفع الخمس للفقيه. فهل نسوا وضع النص فيه؟
وعلى أي حال هذه بعض أقوالهم المضطربة في هذا:
فمن قائل: إنه لم يعمل به في السنين الأولى للدعوة لما كان يعانيه المسلمون من فقر وعوز وضيق ذات اليد، فاقتضى الأمر الانتظار حتى يترسخ الإسلام في النفوس وينجلي الفقر عن الناس ويتهيأ السبيل لتنفيذه والعمل به لئلا يكون سبباً لإعراض الناس عن الإسلام.
وقال آخرون: إن الخمس هو من حق الحاكم، ويمثل ميزانية الدولة. وحين رأى الأئمة عليهم السلام أن الحكام الفاسدين من بني أمية وبني العباس قد أصبحوا مصدر كل شيء، وأمسكوا بزمام الأمور، ومنها بيت المال ومنعوا الأئمة حقوقهم، فحينئذ فرضوا عليهم السلام الأرباح، وهو من حقهم وضروري لشؤون الشيعة وحاجاتهم ولنشر دين الله.
وهكذا نرى الاضطراب في جميع مراحل تطور هذه النظرية:

  •  فمن معترفٍ باقتصار مورد الخمس في آيتها على مغانم الحروب، ومن السُنة على الركاز.

  •  إلى القول بتعميم مفهوم الغنيمة على كل المكاسب مستدلاً بروايات الأئمة في هذا الفهم، وهي لا يصح منها شيء. والقول بجواز إخراجها لمطلق اليتامى والفقراء وأبناء السبيل وليس الهاشميين وحسب.

  •  ثم القول بإسقاطه وتحليله جميعاً للشيعة زمن الغيبة مستدلين بروايات التحليل التي ذكرناها.

وقال آخرون: بوجوب كنزه، ويتأول خبر ورودأن الأرض تظهر كنوزها عند المهدي، وأنه إذا قام دله الله على الكنوز فيأخذها من كل مكان.
وقال آخرون: بصلة الذرية وفقراء الشيعة على طريق الاستحباب.
وقال آخرون: بعزله للمهدي، فإن خشي إدراك الموت قبل ظهوره وصى به إلى من يثق به في عقله وديانته حتى يسلمه له، ثم إن أدرك قيامه وإلا وصى به إلى من يقوم مقامه في الثقة والديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان.
وقال آخرون: بدفع النصف إلى الأصناف الثلاثة، وأما حق المهدي فيودع كما تقدم من ثقة إلى ثقة إلى أن يصل إليه وقت ظهوره أو يدفن.
وقال آخرون: بصرف النصف إلى الأصناف الثلاثة أيضاً، وأما حصة الإمام فيجب إيصالها مع الإمكان وإلا فتصرف إلى الأصناف ومع تعذر الإيصال وعدم حاجة الأصناف تباح للشيعة.
وقال آخرون: بصرف حصة الأصناف عليهم، وأما حصة الإمام فيسقط إخراجها لإباحتهم ذلك للشيعة.
وقال آخرون بالقول السابق إلا أنه خص صرف حصة الإمام بمواليه العارفين.
وقال آخرون: بتخصيص التحليل بخمس الأرباح فإنه للإمام دون سائر الأصناف، وأما سائر ما فيه الخمس فهو مشترك بينهم عليهم السلام وبين الأصناف.
وقال آخرون بأن حصة الإمام تقسم على الذرية الهاشمية.
وقال آخرون: بعدم إباحة شيء بالكلية حتى من المناكح والمساكن والمتاجر التي جمهور الشيعة على تحليلها بل ادعى الإجماع على إباحة المناكح.
وقال آخرون: بقصر أخبار التحليل على جواز التصرف في المال الذي فيه الخمس قبل إخراج الخمس منه بأن يضمن الخمس في ذمته.
وقال آخرون: بصرف حصة الأصناف عليهم والتخيير في حصة الإمام بين الدفن والوصية على الوجه المتقدم.
وقال آخرون: بصرف النصف إلى الأصناف الثلاثة وجوباً أو استحباباً وحفظ نصيب الإمامإلى حين ظهوره.

  •  ثم تطور الأمر إلى القول بدفع الخمس إلى ذرية الرسول صلى الله عليه وآله سلم والنصف الآخر إلى الفقهاء لينفقوه في الأمور التي يحرزون رضا الإمام بصرفه فيها، أو أن يتصدقوا به عن الإمام، وأكثر علماء الشيعة المعاصرين على هذا الرأي، وهو قول لم يعرفه القدماء بل أن الشيخ المفيد الذي يرى دفع الزكاة للفقهاء لم يكن يرى هذا في الخمس. لذا لم يخض قدماء علماء الشيعة في مسألة دفع هذه الأموال إلى الفقهاء.

  •  ثم تطور إلى وجوب دفع الخمس إلى مراجع التقليد.

  •  ثم تطور إلى وجوب دفع الخمس إلى المجتهد الذي يقلده دون الآخرين، كما قال الإمام الخميني: (ويشكل دفعه إلى غير من يُقلده إلا إذا كان المصرف عنده هو المصرف عند مقلده كماً وكيفاً، أو يعمل على طبق نظره)([158]).

  •  ثم إلى القول بأن الخمس يختص بالدولة ويدفع للحاكم الإسلامي لينفق بإشرافه في مصالح الإسلام والمسلمين وفي حفظ النظام وتشييد أركان الدين، ومن هؤلاء النراقي والإمام الخميني وغيرهما.

يقول النراقي في بحث ولاية الفقيه: (التصرف في أموال الإمام من نصف الخمس، والمال المجهول مالكه، ومال من لا وارث له، ونحو ذلك. وقد يستدل لثبوت ولايته فيها بأنها أموال الغائب، والتصرف فيها للحاكم. وضعفه ظاهر، إذ لا دليل على ولايته في أموال مطلق الغائب حتى الإمام، مع أن الولاية في أموال الغيب إنما هي بالحفظ لهم، لا التفريق بين الناس. وقد يستدل أيضاً بعموم الولاية، وهو أيضاً ضعيف; لأن مقتضاه ثبوت الولاية فيما يتعلق بأمر الرعية، لا ما يتعلق بنفس الإمام وأمواله. والصواب: الاستدلال فيه بالقاعدة الثانية، فإنه بعد ثبوت لزوم التصرف في هذه الأموال والتفريق، لا بد له من مباشر، وليس أولى من الحاكم، بل هو المتيقن وغيره مشكوك فيه. وأيضاً تفريق هذه الأموال إنما هو بإذن شاهد الحال، وهو إنما هو إذا كان المباشر له الفقيه العادل، كما بيناه في كتاب مستند الشيعة)([159]).
ولعل هذا من أعظم أسباب مخالفة البعض لمبدأ ولاية الفقيه.. فتأمل.
وهكذا نرى كيف تسلسل علماء الشيعة في إضفاء الشرعية على أخذ حقوق وأموال الآخرين، من القول بجواز التصرف في سهم الإمام في زمن الغيبة إلى القول بحصره في الفقهاء، ثم في مراجع التقليد، ثم زعم آخرون بوجوب حصره في الولي الفقيه. وأسسوا لهذا القول – أي: التصرف في الحقوق الشرعية([160])- أدله نوردها بإيجاز.
حصر التصرف في جميع موارد الخمس في الفقيه وليس سهم الإمام فحسب:
ولكن قبل ذلك نورد أقوالهم في حصر التصرف في جميع موارد الخمس في الفقيه وليس سهم الإمام فحسب، حيث مهدوا لهذا القول قبل قولهم بوجوب حصره في الفقيه أو المرجع أو الولي الحاكم (الولي الفقيه).
يقول المجلسي ملمحاً: (وأكثر العلماء قد صرحوا بأن صاحب الخمس لو تولى دفع حصة الإمام عليه السلام لم تبرأ ذمته بل يجب عليه دفعها إلى الحاكم، وظني أن هذا الحكم جارٍ في جميع الخمس)([161]).
ويقول السبزواري: (الأحوط عندي صرف الجميع في الأصناف الموجودين بتولية الفقيه العدل الجامع لشرائط الإفتاء، وينبغي أن يراعى في ذلك البسط بحسب الإمكان ويكتفي بمقدار الحاجة ولا يزيد على مؤنة السنة، ويراعى الأعجز والأحوج والأرامل والضعفاء، والأولى أن يقسم النصف أقساماً ثلاثة يصرف كل ثلث في صنف من الأصناف الثلاثة. ونقل الشهيد الثاني إجماع القائلين بوجوب صرف حصة الإمام في الأصناف على أنه لو فرقه غير الحاكم، يعني: الفقيه العدل الإمامي، ضمن)([162]).
ويقول الجواهري: (لولا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في أن الخمس جميعه للإمام عليه السلام، وإن كان يجب عليه الاتفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله، ولذا لو زاد كان له عليه السلام، ولو نقص كان الاتمام عليه من نصيبه، وحللوا منه من أرادوا)([163]).
ثم جاء الخميني وصرح قائلاً: (وبالجملة من تدبر في مفاد الآية والروايات يظهر له أن الخمس بجميع سهامه من بيت المال، والوالي ولي التصرف فيه، ونظره متبع بحسب المصالح العامة للمسلمين، عليه إدارة معاش الطوائف الثلاث من السهم المقرر ارتزاقهم منه حسب ما يرى. كما أن أمر الزكوات بيده في عصره يجعل السهام في مصارفها حسب ما يرى من المصالح. هذا كله في السهمين. والظاهر أن الأنفال أيضاً لم تكن ملكاً لرسول الله والأئمة - صلوات الله عليهم أجمعين - بل لهم ملك التصرف، وبيانه يظهر مما تقدم)([164]).
أدلة جواز التصرف في سهم الإمام في زمن الغيبة:
نعود إلى ذكر الأدلة التي قالوا بها على جواز التصرف في سهم الإمام في زمن الغيبة:
منها العلم برضا الإمام، ومن أقوالهم في هذا الباب والتي بها يمهدون للأمر مدغدين للعواطف، قول الجواهري: (لكن قد عرفت بحمد الله تعالى وضوح السبيل في مصرف حق غير الإمام، وإن اضطرب فيه من عرفت، وأما حقه عليه السلام فالذي يجول في الذهن، أن حسن الظن برأفة مولانا صاحب الزمان روحي لروحه الفداء يقضي بعدم مؤاخذتنا في صرفه على المهم من مصارف الأصناف الثلاثة الذين هم عياله في الحقيقة، بل ولا في صرفه في غير ذلك من مصارف غيرهم مما يرجح على بعضها وإن كان هم أولى وأولى عند التساوي، أو عدم وضوح الرجحان، بل لا يبعد في النظر تعين صرفه فيما سمعت بعد البناء على عدم سقوطه، إذ غيره من الوصية به أو دفنه أو نحوهما تعريض لتلفه وإذهابه من غير فائدة قطعاً، بل هو إتلاف له)([165]).
ويقول النراقي: (فإنا نعلم قطعاً - بحيث لا يداخله شوب شك - أن الإمام الغائب - الذي هو صاحب الحق في حال غيبته، وعدم احتياجه، وعدم تمكن ذي الخمس من إيصاله حقه إليه، وكونه في معرض الضياع والتلف، بل كان هو المظنون، وكان مواليه وأولياؤه المتقون في غاية المسكنة والشدة والاحتياج والفاقة - راض بسد خلتهم ورفع حاجتهم من ماله وحقه. كيف؟! وهم الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، فما الحال إذا لم تكن لهم حاجة وخصاصة؟! وكيف لا يرضى وهو خليفة الله في أرضه والمؤمنون عياله، كما صرح به في مرسلة حماد، وفيها: وهو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له. وهو منبع الجود والكرم، سيما مع ما ورد منهم وتواتر من الترغيب إلى التصدق وإطعام المؤمن وكسوته والسعي في حاجته وتفريج كربته، والأمر بالاهتمام بأمور المسلمين، حتى قالوا: من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم. وقالوا في حق المسلم على المسلم: إن له سبع حقوق واجبات، إن ضيع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه من نصيب إلى أن قال: أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك إلى أن قال: والحق الثالث: أن تغنيه بنفسك ومالك إلى أن قال: والحق الخامس: أن لا تشبع ويجوع الحديث. وجعلوا من حقوق المسلم: مواساته بالمال. ومع ذلك يدل عليه إطلاق رواية محمد بن يزيد ومرسلة الفقيه المتقدمتين، فإن إعطاء الخمس صلة. ولا يتوهم أن بمثل ذلك يمكن إثبات التحليل لذي الخمس أيضاً وإن لم يكن فقيراً، لأن أداء الخمس فريضة من فرائض الله، واجب من جانب الله، وإعطاؤه امتثال لأمر الله، وفيه إظهار لولايتهم وتعظيم لشأنهم وسد لحاجة مواليهم، ومنه تطهيرهم وتمحيص ذنوبهم. ومع ذلك ترى ما وصل إلينا من الأخبار المؤكدة في أدائه والتشدد عليه، وأن الله يسأل عنه يوم القيامة سؤالاً حثيثاً، وتراهم قد يقولون في الخمس: لا نجعل لأحد منكم في حل، وأمثال ذلك. ومع هذا لا يشهد الحال برضاه عليه السلام لصاحب المال أن لا يؤدي خمسه، فيجب عليه أداؤه لأوامر الخمس وإطلاقاته واستصحاب وجوبه، ومعه لم يبق إلا الحفظ بالدفن أو الوصية أو التقسيم بين الفقراء. والأولان مما لا دليل عليهما، فإن الدفن والإيداع نوعا تصرف في مال الغير لا يجوز إلا مع إذنه، ولا إذن هناك، بل يمكن استنباط عدم رضائه بهما من كونهما معرضين للتلف، ومن حاجة مواليه ورعيته.
فلم يبق إلا الثالث الذي علمنا رضاه به، فيتعين ويكون هو الواجب في نصفه. ولما كان المناط الإذن المعلوم بشاهد الحال والروايتين ونسبتهما إلى السادات وغيرهم من فقراء الشيعة على السواء، فيكون الحق هو المذهب الأخير، والأحوط اختيار السادة من بين الفقراء. ولكن قد يعكس الاحتياط، كما إذا كان هناك شيعة ولي ورع معيل في ضيق وشدة ولم يكن السادة بهذا المثابة. وعلى المعطي ملاحظة الأحوال)([166]).
ويقول الأنصاري: (إن الذي يقتضيه التأمل في أحوال الإمام عليه السلام وفي أحوال ضعفاء شيعته في هذا الزمان، ثم في ملاحظة حاله بالنسبة إليهم، هو القطع برضائه عليه السلام بصرف حصته فيهم، ورفع اضطرارهم بها، وفيما يحتاجون إليه من الأمور العامة والخاصة، فالشك في هذا ليس إلا من جهة عدم إعطاء التأمل حقه في أحوال الطرفين أو في النسبة، مضافاً إلى أنه إحسان محض ما على فاعله من سبيل وإن لم نعلم رضاه بالخصوص. مضافاً إلى أن الظاهر أن المناط فيما ورد من الأمر بالتصدق بمجهول المالكهو تعذر الإيصال إلى مالكه لأجل الجهل، فالجهل لا مدخل له في أصل الحكم وإنما هو سبب للتعذر، فإذا حصل التعذر من وجه آخر مع العلم بالشخص وتعينه جاء الحكم أيضاً.
مضافاً إلى عموم ما دل على أنه من لم يقدر على أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا وخصوص رواية ابن طاوس في وصية النبي صلى الله عليه وآله مضافاً إلى ما يشعر به ما دل على وجوب صرف نذر هدي البيت في زواره، معللاً بأن الكعبة غنية عن ذلك وما جاء في صرف الوصية التي نسي مصرفها في وجوه البر، وكذا الوقف الذي جهل أربابه مضافاً إلى رواية الطبري عن الرضا عليه السلام من: أن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فصرف حقه عليه السلام في أيام غيبته في حوائج ذريته وشيعته، لا يخلو عن أحد المصارف المذكورة في الرواية.
فيجوز حينئذ صرف حصته عليه السلام من الخمس أو مال آخر مما يقع بأيدينا من أمواله عليه السلام في الذرية الطاهرة المحتاجين؛ لأن سد خلتهم كان أحد المصارف لأمواله بل كان من أهمها دفع حصته (ع) إلى الأصناف إتماماً للنقص، وقد استدل جماعة على وجوب دفع حصته في هذا الزمان إلى الأصناف من باب التتمة، لأن علية إتمام ما نقص([167]).
والطريف أنهم وهم يقولون برضا المهدي على هذا التصرف، ولكن عندما تعلق الأمر بهم لم يقبلوا به.
سأل أحدهم: هل يكفي في مصرف سهم الإمام عليه السلام إحراز رضا الفقيه به أم لا بد من الاستيذان منه؟ وعلى الثاني هل تقوم الاستجازة بعد المصرف مقام الاستيذان أم لا؟
الخوئي: (لا بد من الاستيذان قبل المصرف، ولو صرف في مورده الشرعي من غير استيذان فالإجازة المتأخرة ترفع الضمان)([168]).
والكلام في هذا الباب يطول.
ومن الأقوال أيضاً التي ذهب إليها من رأى جواز التصرف في سهم الإمام هو التصدق بها عن الإمام باعتبار أنها أموال مجهولة المالك.
يقول صاحب الجواهر: (وأقوى من ذلك معاملته معاملة المال المجهول مالكه باعتبار تعذر الوصول إليه روحي له الفداء، إذ معرفة الملك باسمه ونسبه دون شخصه لا تجدي، بل لعل حكمه حكم مجهول المالك باعتبار تعذر الوصول إليه للجهل به، فيتصدق به حينئذ نايب الغيبة عنه، ويكون ذلك وصولاً إليه على حسب غيره من الأموال التي يمتنع إيصالها إلى أصحابهما، والله أعلم بحقائق أحكامه)([169]).
ومن أقوالهم الولاية على أموال الغائبين، وحيث أن الإمام غائب فإن الفقهاء يجوز لهم التصرف في أمواله.
سبحان الله ! فعندما تعلق الأمر بالمال قالوا أنه غائب ووجوده كعدمه، ونسوا أنه حجة الله على خلقه. ولله في خلقه شؤون.
وغيرها من دلائل بنوا من خلالها على جواز بل وجوب التصرف بسهم الإمام في غيبته، ثم شرعوا في حصر هذا التصرف في الفقهاء.
يقول الشهيد الثاني: (إن سهم الإمام يصرف إليه إن كان حاضراً، أو إلى نوابه وهم الفقهاء العدول الإماميون الجامعون لشرائط الفتوى، لأنهم وكلاؤه)([170]).
ويقول الأنصاري: (وربما أمكن القول بوجوب الدفع إلى المجتهد، نظراً إلى عموم نيابته وكونه حجة الإمام على الرعية وأميناً عنه وخليفة له، كما استفيد ذلك كله من الأخبار)([171]).
ويقول زين الدين: (والأحوط له استحباباً أن يدفع المال إلى الفقيه الجامع للشرائط ليتولى صرفه في مصارفه، أو يكون الدفع إليهم بإذنه، أو بإرشاده وتوكيله)([172]).
ويقول الفياض: (وقد تسأل: هل أنه ملك لشخص الإمام عليه السلام أو لمنصبه عليه السلام وهو الإمامة والزعامة؟ والجواب: أنه ملك للمنصب، فمن أجل ذلك يكون أمره بيد الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة)([173]).
ويقول: (يجوز نقل الخمس من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحق، بل مع وجوده إذا لم يكن النقل تساهلاً وتسامحاً في أداء الخمس، ولكن ذلك لابد أن يكون بإذن الفقيه الجامع للشرائط، أما سهم الإمام عليه السلام فعلى أساس أن أمره في زمن الغيبة يرجع إليه وهو يتصرف فيه حسب ما يراه، ولا يجوز لأي واحد التصرف فيه من دون إذنه وإجازته، فالمالك وإن كانت له الولاية على عزل الخمس وإفرازه إلا أن إيصاله إلى الفقيه إذا توقف على النقل، فلابد أن يكون ذلك بإذنه، فلو نقل من دون الإذن منه وتلف في الطريق ضمن)([174]).
ويرد الگلپايگاني على سائل مستفسراً: (هل تأذنون لطلبة العلوم الدينية التصرف في سهم الإمام (ع) أو في مقدار منه إذا كان يأخذه للاستفادة؟ فقال: بسمه تعالى: لا يجوز التصرف لغير من كان مأذوناً فيه، والله العالم)([175]).
ولما سئل: (هل يجوز إخراج الخمس من بلده مع وجود المستحقين له سواء كانوا من السادة أو من طلبة العلم أو غيرهم؟ قال: بسمه تعالى: أما حق الإمام عليه السلام فأمره راجع إلى الفقيه الجامع للشرائط إن أذن جاز وإلا فلا)([176]).
وقالوا: (إن الفقيه أقدر على معرفة مستحقي الخمس. وأنه الأعلم المطلع والمحيط بالجهات العامة)([177]).
يقول الخوئي: (النصف الراجع للإمام عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة والسلام يرجع فيه في زمان الغيبة إلى نائبه وهو الفقيه المأمون العارف بمصارفه إما بالدفع أو الاستئذان منه، ومصرفه ما يوثق برضاه عليه السلام بصرفه فيه، كدفع ضرورات المؤمنين من السادات زادهم الله تعالى شرفاً وغيرهم)([178]).
ويكرر آخرون القول نفسه دون أدنى تغيير مما يدل على أن الرسائل العملية مكررة مع تغيير أسماء المراجع فحسب([179]).
ثم جاء الحصر في المقلَد فقالوا: (ويشكل دفعه إلى غير من يُقلده إلا إذا كان المصرف عنده هو المصرف عند مقلده كماً وكيفاً، أو يعمل على طبق نظره)([180]).
ويقول الخوئي: (دفع الحقوق تابع لمن اتخذه مرجعاً لنفسه)([181]).
وفي سؤال: (إذا سلم المكلف المقلد لكم الخمس لأحد الفقهاء المعاصرين هل تبرأ ذمته؟ فجاء الجواب: بسمه تعالى: إذا كان المسلم إليه جامعاً لشرائط الفقاهة أو وكيلاً من قبلنا تبرأ ذمته إن شاء الله )([182]).
وفي رد على سؤال: (هل من الضروري أخذ إجازة المجتهد المقلد من أجل صرف سهم الإمام عليه السلام في عمل الخير، مثلاً في الحوزة العلمية أو دار الأيتام، أو تكفي الإجازة من المجتهد مطلقا، وأساساً هل إجازة المجتهد ضرورية؟ فجاء من ضمن الجواب: لا بد للمكلف من مراعاة فتوى المجتهد الذي يقلده هو في ذلك)([183]).
وهذا من أعظم أسباب مسألة عدم جواز تقليد الميت عند الشيعة. وإليك أمثلة أخرى توضح هذا الأمر.
السؤال: (إجازة الإذن في التصرف في مجهول المالك، أو بعض الاستثناءات التي أمضاها الفقيه لمقلديه، هل تلغى بعد موت الفقيه، وهل يوجد فرق بين ما إذا كانوا يعتقدون بأعلميته على الفقيه الحي، وهل هذه الإجازة تحتاج إلى إذن جديد من الفقيه الحي؟
الجواب: الإجازات السابقة من الفقيه تلغى حين موته، وتحتاج إلى إذن جديد من الفقيه الحي)([184]).
السؤال: (المقلد للمرجع الميت الباقي على تقليده بفتوى المجتهد الحي هل يجوز له دفع الحقوق الشرعية إلى وكلاء الميت؟
الجواب: بسمه تعالى: أمر الحقوق الشرعية يرجع فيها إلى المجتهد الحي، والله العالم)([185]).
السؤال: (إذا بقيت على تقليد المرجع الميت الأعلم بفتوى بعض المراجع (لعدم ثبوت الأعلمية في واحد لحد الآن) فهل يجوز دفع الحقوق الشرعية إلى أي مرجع من المراجع؟
الجواب: اللازم إعطاءها لمن يحتمل فيه الأعلمية، وكذا يجب الرجوع إليه في البقاء على التقليد، والله العالم([186]).
وهكذا أسئلة تشكل مبعث خوف للمراجع وهاجس يقلقهم مخافة انسياب الأموال من بين أيديهم، لذا تراهم يتشددون جداً في قضية عدم جواز التصرف في الخمس دون إذن المقلَد والمرجع، مهما كانت الأسباب أو الحاجة الملحة. وإليك شيء من هذا:
السؤال: (هل يحق للسيد أو الهاشمي أن يأخذ من سهم الإمام من غير ضرورة؟
الجواب: لا يجوز بدون الإجازة من المرجع)([187]).
السؤال: (هل تأذنون لطلبة العلوم الدينية التصرف في سهم الإمام (ع) أو في مقدار منه إذا كان يأخذه للاستفادة؟
الجواب: بسمه تعالى: لا يجوز التصرف لغير من كان مأذوناً فيه، والله العالم)([188]).
السؤال: (هل يجوز صرف حق الإمام (ع) فيما يجزم به رضا الإمام (ع)، مثل الأنشطة الإسلامية والتدريس والاحتفالات الإسلامية وهداية المنحرفين وغيرها من الأمور الخيرية؟
الجواب: بسمه تعالى: يتوقف ذلك على إذن من يقلده، والله العالم)([189]).
السؤال: (هل من الضروري أخذ إجازة المجتهد المقلد من أجل صرف سهم الإمام عليه السلام في عمل الخير، مثلاً في الحوزة العلمية أو دار الأيتام، أو تكفي الإجازة من المجتهد مطلقاً، وأساساً هل إجازة المجتهد ضرورية؟
الجواب: أمر السهمين المباركين كلا راجع لولي أمر المسلمين، ومن كان في ذمته، أو في ماله شيء من حق الإمام عليه السلام، أو من سهم السادة يجب عليه تسليمهما إلى ولي أمرالخمس، أو إلى وكيله المجاز من قبله، وإذا أراد صرفهما في إحدى الموارد المقررة فيجب عليه الاستجازة قبل ذلك في هذا الموضوع، ولا بد للمكلف مع ذلك من مراعاة فتوى المجتهد الذي يقلده هو في ذلك)([190]).
السؤال: (هل تجيزون أن يقوم الأشخاص بأنفسهم بإعطاء سهم السادة إلى السادة المحتاجين؟
الجواب: يجب على من عليه سهم السادة المبارك أن يستجيز في ذلك)([191]).
السؤال: (في مصرف الخمس هل يمكن لمقلديكم أن يعطوا حق السادة إلى السيد الفقير، أو يجب عليهم أن يسلموا مجموع الخمس، أي: سهم السادة وسهم الإمام عليه السلام، إلى وكيلكم لكي يصرفه في موارده الشرعية؟
الجواب: لا فرق بين سهم السادة والسهم المبارك للإمام عليه السلام في هذا الشأن)([192]).
السؤال: (شخص لديه حق شرعي ويرغب في إعطاء قسم من الحق إلى فقراء البلدة وذلك بمناسبة شهر رمضان المبارك هل يجوز له ذلك أم لا؟
الجواب: يجب أن يستجيز من الحاكم الشرعي إذا كان من سهم الإمام عليه السلام)([193]).
رغم أن هناك من جوز ذلك قائلاً: (والظاهر عدم لزوم الاستيذان من الفقيه في عصر الغيبة بالنسبة إلى النصف من الخمس الذي هو سهم السادة)([194]).
السؤال: (شخص يرغب في التصرف بخمس أمواله كاملاً بنفسه على أن يقوم بصرفه في بلده ضمن الشرائط الشرعية المبرئة للذمة حيث إنه من السادة ولا يرغب في أن يطلع أحد على مقدار خمس أمواله ويريد ذلك من اطمئنان إن هو قام بصرفها بنفسه على المصارف الشرعية؟
الجواب: لا يجوز له ذلك، وإنما يجوز صرف سهم السادة للسادة الفقراء، وأما سهم الإمام - عليه السلام - فلا بد من إيصاله إلى الحاكم الشرعي أو الصرف بإذنه)([195]).
السؤال: (كثر في هذه الأيام الذين يطلبون الإغاثة للزواج أو لسد فقرهم أو غير ذلك من شؤون الحياة المهمة، كما أن هناك بعض المساجد والحسينيات التي بحاجة للإعانة المادية، فهل يصح أن أصرف لهم حق الإمام أو بعضاً منه في ذلك؟
الجواب: لا بد من الاستجازة مع ذكر المقدار)([196]).
السؤال: (يذكر الفقهاء إن حق الإمام يصرف في ترويج الدين، ومن ترويج الدين نشر الكتاب بين المؤمنين، فإذا تطلب نشر الكتاب إلى أموال كبيرة لغرض شراء آلة الطباعة وباقي المتطلبات فهل يجوز الصرف من حق الإمام في مثل هذا المورد دون أخذ الإجازة من الفقيه؟ وإذا فرض وجود الإجازة من مجتهد آخر لا يرى وجوب الإجازة من المقلد فهل هذا مبرء للذمة؟ وإذا كانالجواب بعدم الجواز فهل يأذن لنا سماحة السيد في مثل هذا العمل؟
الجواب: يجوز بإذن الحاكم، ولا بد من ذكر المورد والمقدار حتى نستجيز من سماحته)([197]).
السؤال: (هل يجوز استثمار أموال الإمام - عليه السلام - في مشروع ما تكون عوائده لسهم الإمام - عليه السلام -؟ وكذلك في سهم السادة الكرام؟
الجواب: سهم الإمام عليه السلام والسادة فأمرهما موكول إلى المرجع، ونحن لا نأذن في استثمارها)([198]).
السؤال: (هل يجوز لغير الوكيل (المجاز) أن يستلم الأخماس من العوام، وهل تبرء ذمتهم بالتسليم لمثل هذا الشخص أم لا؟
الجواب: لا تبرأ ذمتهم إلا بالأداء للحاكم الشرعي، أو وكيله، والله العالم)([199]).
السؤال: (هل يجوز دفع سهم الإمام عليه السلام إلى قضايا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
الجواب: صرف سهم الإمام عليه السلام يحتاج إلى الإجازة في كل مورد، ولا يجوز التصرف فيه إلا بالاستجازة الشخصية ممن يرجع إليه في التقليد، والله العالم)([200]).
السؤال: (هل يجوز استخدام حق الإمام من الخمس في شراء أدوات طبية لاستخدامها في المستشفى لعلاج المرضى حيث أن هذه الأجهزة ضرورية ويمكن عن طريقها إنقاذ المرضى علماً بأن أكثر المرضى الذين يراودون المستشفى هم من أبناء المذهب؟
الجواب: لا يجوز إذا كان هناك مورد آخر يمكن صرفه في ذلك، وعلى تقدير الجواز فلا بد من ذكر المبلغ لنستجيز من سماحته)([201]).
بل طال خوف المراجع حتى من وكلائهم. فهذا سائل يسأل: (هل يجوز للوكيل المطلق أو من هو دونه أن يتصرف في بيع سهم اشتراه من أموال الإسلام - كالخمس والزكوات والهبات - للمساهمة في مؤسسة تجارية ويرجع ريعه للإسلام وبدون إذن الحاكم الشرعي مع العلم بأن هذه المؤسسة تدر أرباحاً ليست بسيطة كل عام؟
الجواب: لا نعرف ملابسات الموضوع، ولم يسبق منا الإذن لأي من وكلائنا بشراء سهم في المؤسسات التجارية من الحقوق الشرعية، وإذا كان قد حصل شيء من هذا القبيل على عهد المراجع الماضين فبيع السهم المشترى يلزم أن يتم بإذن من له الولاية الشرعية)([202]).
والأمر في الباب يطول.
أنصار ولاية الفقيه يوجبون حصر التصرف في سهم الإمام في الولي الفقيه:
ثم جاء أنصار ولاية الفقيه وقالوا بوجوب حصر التصرف في سهم الإمام في الولي الفقيه وليس الفقهاء.
فهذا الإمام الخميني في معرض رده على الأقوال السابقة يقول بأنهم تشبثوا فيه بأمور غير مرضية، وادعى بعضهم العلم برضا الإمام عليه السلام بتلك المصارف المعهودة لحفظ الحوزات العلمية ونحوها. وليت شعري كيف يحصل القطع بذلك! أفلا يحتمل أن يكون الصرف في بعض الجهات أرجح في نظره الشريف عليه السلام، كالصرف في رد الكتب الضالة الموجبة لانحراف المسلمين، ولا سيما شبانهم، وكالصرف في الدفاع عن حوزة الإسلام... إلى غير ذلك مما لا علم لنا به؟! فدعوى القطع لا تخلو من مجازفة. ثم لو فرض قطع الفقيه بالرضا لكنه لا يفيد ذلك لغيره; فإن كل آخذ لا بد له في صحة تصرفه من القطع برضاه، وليس الأمر مربوطاً بالتقليد ونحوه كما هو ظاهر.
ولكن الشأن في ثبوت المالكية لهم (عليهم السلام)، والذي يظهر لي من مجموع الأدلة في مطلق الخمس - سواء فيه سهم الإمام عليه السلام أو سهم السادة كثر الله نسلهم الشريف - غير ما أفادوا: بيان مصرف سهم السادة أما في سهم السادة، فلأنه لا شبهة في أنهم مصرف له، لا أنهم مالكون لجميع السهام الثلاثة; ضرورة أن الفقر شرط في أخذه، والمراد به عدم واجدية مؤونة سنته حسب المتعارف.
وبعبارة أخرى: إنه على الوالي أن يعطي السادة مؤونة سنتهم من السهام الثلاثة، فلو زادت عن مؤونتهم كانت للوالي، ولو نقصت عنها كان عليه جبران النقص من سائر ما في بيت المال، كما دل عليه الدليل، ولا شبهة في أن نصف الخمس يزيد عن حاجة السادة بما لا يحصى([203]).
ويقول منتظري: (وأما عصر الغيبة فالقاعدة تقتضي أن يكون المتصدي لها هو الفقيه الجامع لشرائط الحكم والولاية)([204])
وقال بعد أن ذكر أقوال الشيعة في حكم الخمس في عصر الغيبة: (وضعف بعضها واضح كالقول بوجوب دفن الجميع أو حصة الإمام إلى أن يظهر الإمام ويستخرجه، أو عزله وحفظه وإيداعه إلى أن يصل إليه ونحو ذلك مما يوجب ضياع المال وتلفه حرمان مستحقيه وتعطيل مصارفه الضرورية، وكالقول بالتحليل المطلق لا سيما بالنسبة إلى سهام الأصناف مع حرمانهم عن الزكاة أيضاً. ولا يخفى ابتناء أكثر هذه الأقوال على كون الخمس بالطبع منصفاً بنصفين، وكون النصف ملكاً للأصناف الثلاثة والنصف الآخر لشخص الإمام المعصوم ومن أمواله الشخصية بحيث يجب أن يحفظ ليوصل إليه أو يتصدق به عنه أو يتصرف فيما أحرز رضاه به. ولكن قد مر بنا مراراً أن الخمس بأجمعه حق وحداني جعل لمنصب الإمامة والحكومة الحقة، فهو مال للإمام بما أنه إمام لا لشخصه، وحيثية الإمامة لوحظت تقييدية لا تعليلية، ونحوه الأنفال أيضاً والمتصدي لأخذهما وصرفهما في شؤون الإمامة والحكومة من له حق الحكم، وهو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في عصره الشريف، بعده للإمام المعصوم، وفي غيبته للفقيه العادل العالم بمصالح الإسلام والمسلمين. وإن شئت قلت: إنهما أموال عامة جعلتا شرعاً في اختيار ممثل المجتمع ومن له حق الحكم عليهم، وإذنه وإجازته مصححان للمعاملات الواقعة عليهما، فمعنى كونهما للإمام هو أن الإمام ولي التصرف فيهما وبيده اختيارهما، ومصرفهما المصالح العامة على يشخصها الإمام العادل. ومن أهم المصالح إدارة عائلة شخص الإمام أيضاً حفظ شؤونه، كما أن تموين الأصناف الثلاثة أيضاً من أظهر وظائفه، فتدبر)([205]).
ويقول الخامنئي في رد على سؤال: (إذا كان الحاكم شخصاً ومرجع التقليد شخصاً آخر، فإلى أيهما يجب دفع الخمس؟ فرد: يجب تسليم الخمس إلى ولي أمر الخمس، وهو الذي يلي أمور المسلمين)([206]).
ثم لخص أصحاب هذه النظرية (ولاية الفقيه) حججهم في التالي:

  1. لو أمعنا النظر في الأهداف السامية للإسلام وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام وفي الغاية من تشريع هذه الحقوق، لأدركنا دون عناء أن الهدف من هذ الأموال هو سد حاجة الناس ورفع العوز عهم، وتحقيق الأهداف السامية للإسلام والنظام الإسلامي، ومن ثم فإن العقل والحكمة يقضيان بأن هذ الأموال ليست ملكاً شخصياً للإمام؛ إذ كيف يعقل أن تكون هذه الأموال (الخمس، الأنفال، الفيء... ) على وسعتها مالاً شخصياً للإمام؟ وما يؤيد ذلك ما ورد في بعض الروايات: أن الدنيا وما فيها للإمام، إذ لا يمكن أن يعقل بأن الدنيا كلها ملك شخصي له. ومن جانب آخر، لا يمكن أن يختص نصفه الخمس بالهاشميين، إذ لا يعقل أن تتعلق هذه الثروة الهائلة بجماعة قليلة من الناس، فالزكاة - حسب آراء الفقهاء - ذات مساحة ضيقة جداً، فهل يمكن بها وحدها رفع حاجات المجتمع، ودفع غائلة الفقر عن المحتاجين؟من هنا فإن العقل يحكم بتعلق جميع الخمس، بل وجميع الحقوق الشرعية بإمام المسلمين باعتبار ولايته، وبأنها ليست ملكاً شخصياً للإمام والهاشميين.

ومن الأدلة الأخرى التي تثبت أن الخمس متعلق بمقام الولاية والقيادة وليس بشخص الإمام، آية الخمس. وعند التمعن في مفاد الآية ندرك أن الخمس بأجمعه مختص بالحكومة، لأن اللام هنا تفيد التخصيص، وقد وردت هذه اللام في ثلاثة موارد من الموارد الستة، بينما لم ترد في الموارد الثلاثة الأخرى. ومعنى ذلك أن جميع الخمس لله وللرسول وللإمام، أما الجماعات الثلاث الأخرى فهي موارد للصرف وحسب. من هنا، فإن جميع الخمس لله تعالى، وفوّض هذا الحق لرسوله، ثم لخلفائه من بعده، وهم الأئمة المعصومين. ويقوم على هذاالأمر في عصر الغيبة الفقيه الجامع للشرائط،،الذي يتصدى لإدارة شؤون المسلمين، بينما ليس للجماعات الثلاث الأخرى التي وردت في الآية دون لام التخصيص أي حق في تملك هذه الأموال، فاليتامى والمساكين وأبناء السبيل هم موارد للصرف، أي يؤّمنونمعاشهم من هذه الحقوق بصورة عادلة.
إضافة إلى ذلك، فإن كلمة (لله) في الآية الكريمة وردت مقدمة على كلمة (خمسه)، وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، بمعنى أن جميع الخمس منحصر بالحاكم، وهو ميزانية للحكومة. خصوصاً، وأن هناك روايات كثيرة تفيد بأن سهم الله لرسوله، وسهم الرسول للأئمة من بعده. يقول عمران بن موسى: قرأت على الإمام الكاظم آية الخمس فقال: ما كان لله فهو للرسول، وماكان لرسوله فهو لنا.. ثم قال: والله لقد يسر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحداً وأكلوا أربعة أحلاء.
الخمس لله وأمره مفوضلرسوله وللأئمة من بعده، وهم الحكام على المسلمين. وفي هذه الرواية يجعل الإمام جميع الخمس حقاً لله (جعلوا لربهم واحداً) ولا نرى فيها تقسيماً للخمس إلى أقسام.
من هنا، فإن هذه الآية التي تعتبر أهم سند لتشريع الخمس تفيد بوجوب دفع الخمس إلى الحاكم الإسلامي.
وإذا كان المشهور بين فقهاء الشيعة تبعاً لظاهر الروايات يفيد بأن (اليتامي والمساكين وابن السبيل) في الآية الكريمة هم الهاشميون، فإن بعض فقهاء الشيعة، وكذلك مفسري وعلماء أهل السنة لا يرون ذلك، بل يقولون: إن المراد هو مطلق اليتامى والفقراء وأبناء السبيل وليس الهاشميين وحسب.
وقد دلت صحيحة ربعي بن عبد الله دلالة واضحة على هذا الأمر، إلا أن فقهاء الشيعة لم يستدلوا بها، وحملوها على التقية. ويستفاد هذا المعنى أيضاً من رواية الإمام الصادق المنقولة في تحف العقول.

  1. تفيد الروايات الكثيرة الواردة بهذا الشأن بأن الشرع جعل الخمس متعلقاً بمقام الإمامة والقيادة وتحت تصرف الحاكم الإسلامي، وليس ملكاً شخصياً للإمام.

ينقل الكليني عن الإمام الرضا أنه سئل عن آية الخمس، فقيل له: (فما كان لله فلمن هو؟ فقال: لرسول الله، وما كان لرسول الله فهو للإمام. فقيل له: أفرأيت إن صنف من الأصناف أكثر وصنف أقل ما يصنع به؟ قال: ذلك إلى الإمام، أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف يصنع، أليس إنما كان يعطي على ما يرى، كذلك الإمام)([207]).
وهذه الرواية تدل دلالة واضحة على أن الخمس حق لمقام الولاية، وإن أمره مفوض إلى الحاكم الإسلامي، ولو كان الخمس مالاً شخصياً للنبي لتعين انتقاله إلى ورثته بعد وفاته، كما هو شأن أمواله الأخرى، بينما تصرح الرواية بانتقال سهم الرسول إلى الإمام من بعده، وليس إلى ذريته وورثته.
إضافة إلى ذلك، فإن هذه الرواية تدل على أن اليتامى والمساكين وابن السبيلفي الآية الكريمة هم من موارد الصرف، وليسوا مالكين لنصف الخمس، ولذلك فإن الإمام حين سثل: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقل ما يصنع به؟ قال: ذلك إلى الإمام.
ويقول أبو علي بن راشد: (قلت للإمام الهادي: يأتينا بعض أصحابنا بمال يقولون: هو لأبي جعفر، فما نصنع به؟ فقال: ما كان لأبي بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنة نبيه)([208]).
والرواية هذه واضحة الدلالة،فهي تقسم الأموال التي تركها الإمام الجواد إلى قسمين:
- أمواله وممتلكاته الشخصية، مثل: المنزل والأثاث، وما إلى ذلك، وهي تقسم بين الورثة حسب الشريعة الإسلامية، ولهم جميعاً الحق فيها.
- الأموال التي كان يحتفظ بها باعتبار مقام الولاية والإمامة، مثل الخمس والحقوق الشرعية الأخرى. وهي ليست أموالاً شخصية لتنتقل إلى الورثة، إنما متعلقة بمنصب الإمامة والولاية، أم هو مال شخصي؟ ثم يجيب ويبين حكم كل قسم من القسمين.
يقول الإمام الكاظم: (وله (يعني الإمام) نصف الخمس كاملاً ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، يقسم بينهم على الكتاب والسنة ما يستغنون به في سنتهم، فإن فضل عنهم شيء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، وإنما صار عليه أن يمونهم لأن له ما فضل عنهم)([209]).
ولو أمعنا النظر في صدر هذه الرواية وذيلها، رأينا أن هذه الأموال تتعلق بمصب الإمامة، وتكون تحت تصرفالحكومة الإسلامية، ففي صدرها يقول الإمام: (فسهم الله وسهم رسول الله لأولي الأمر من بعد رسول الله ).
وفي هذه العبارة يصرح الإمام بأن هذه الأموال تؤول إلى أولي الأمر، فمن آلت الخلافة والزعامة إليه، كانت هذه الأموال تحت تصرفه، وفي ذيل الرواية يقول الإمام في مقام الاستدلال على عدم تعلق الزكاة بأموال الخمس: وليس في مال الخمس زكاة، ولذلك لم يكن على مال النبي والوالي زكاة.
وواضح أن المراد هو الأموال المتعلقة بمقام الإمامة، وإلا فإن أموال الحاكم غير مستثناة من الأحكام الشرعية، وبالتالي تتعلق بها الزكاة. وحين يقول الإمام: ليس في مال الخمس زكاة ولذلك لم يكن على مال النبي والوالي زكاة، فإن ذلك يدل على أن الخمس متعلق بمقام الولاية وأنه ليس ملكاً شخصياً للنبي والوالي كما هو واضح.
وينقل السيد المرتضى عن الإمام علي رضي الله عنه في (رسالة المحكم والمتشابه) نقلاً عن تفسير النعماني أنه قال: (وأما ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق وأسبابها فقد أعلمنا سبحانه ذلك من خمسة أوجه: وجه الإمارة.. فأما وجه العمارة فقوله: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ) فجعل لله خمس الغنائم)([210]).
وهنا يصف أمير المؤمنين رضي الله عنه الخمس بأنه وجه الإمارة، ويجعله جميعاً حقاً للحكومة ومتعلقاً بمقام الولاية، ويستدل على ذلك بآية الخمس.
وحين يسأل ابن شجاع النيسابوري الإمام الجواد عن رجل اجتمع عنده مقدار من القمح، فما سهمك فيه؟ قال الإمام: لي منه الخمس مما يفضل من مؤونته([211]).
وفي ذلك دلالة واضحة على أن الخمس حق للإمامة.
وينقل عن أبي علي بن راشد، وكيل الإمام الهادي أنه قال للإمام: (أمرتني أن أجمع حقك، وأبلغك أمرك إلى أصحابك، فسألني بعضهم: ما حق الإمام (في أموالنا)؟ ولم أدرِ ما أجيبهم؟ قال الإمام: يجب عليهم الخمس).
 
الخلاصة:
ونلخص من خلال هذه الروايات وروايات أخرى إلى أمرين:

  •  إن الخمس ليس ملكاً شخصياً للإمام، إنما هو متعلق بمقام ومنصب الإمامة،ويمثل ميزانية خاصة بالحكومة تكون تحت تصرف الحاكم الإسلامي لينفقها حيث تقتضي المصلحة كتقوية الحكومة الإسلامية والنظام الإسلامي وحفظ مصالح الإسلام والمسلمين، أو نشر ثقافة الدين وفكره وتعاليمه، أو غير ذلك.

  •  يفيد ظاهر بعض الروايات بتقسيم الخمس إلى ستة أقسام، وتخصيص نصفه للأيتام والفقراء وأبناء السبيل من الهاشميين إلا أن التمعن في هذه الروايات يوصلنا إلى النتيجة التالية: إن جميع الخمس متعلق بالإمام، وليس الهاشميون إلا أوضح الموارد للصرف وذلك لورود ذكرهمفي الآية الكريمة، ولإشارة الروايات إليهم. ويكون من واجب الحاكم الإسلامي أن يوفر لهم حاجاتهم من هذه الأموال.

إضافة إلى الأدلة المستقاة من الكتاب والسنة والعقل، يمكن الإفادة من القرائن والأدلة التالية في تأييد هذاالأمر:
- إن الشرع وحكمة التشريع يوجبان أن تكون مثل هذه الأموال الطائلة متعلقة بمقام الإمامة وليس شخص الإمام.
- أورد ثقة الإسلام الكليني كتاب الخمس في كتاب الحجة من أصول الكافي، ولم يورده في الكتب الفقهية، ويفهم من ذلك أن محدثاً وفقيهاً كبيراً كالكليني يرى أن الخمس من شؤون الحكومة والإمامة وأنه متعلق بمقام ومنصب الحاكم الإسلامي.
- لم يرد في التاريخ أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة رحمهم الله قد عزلوا صندوقاً خاصاً لسهم الهاشميين.
- يجمع الفقهاء على أن الفيء متعلق بالحكومة ويقع تحت تصرف القائد والحاكم الإسلامي، مع العلم أن آية الفيء ورد فيها ذكر ستة موارد للصرف كما هو شأن آية الخمس.
ففي الآيتين ذكرت الموارد الثلاثة الأولى محلاة باللام، والموارد الثلاثة الأخرى دون لام. من هنا فإن وحدة السياق تقتضي أن يكون حكم الخمس هو حكم الفيء ذاته، وأنه متعلق بالحاكم الإسلامي.
- هناك روايات عديدة في باب الخمس تقضي بتحليله في زمن الغيبة، وقد حملها الفقهاء على التقية أو غير ذلك، وقال بعضهم: إن الأئمة قد أباحوا الخمس لشيعتهم؛ لاقتضاء المصلحة ذلك.
وإباحة الأئمة لهذه الحقوق دليل على تعلقها كلها بهم، وإلا فكيف يبيحون النصف المتعلق بالهاشميين؟!
- لو كان الخمس ملكاً شخصياً للإمام لكان أمير المؤمنين عليه السلام قد طالب بسهمه من غنائم المسلمين في مختلف الغزوات باعتبارهسهم ذي القربى؛ لأن جميع المفسرين يعتقدون أن المراد بذي القربى هو الإمام، بينما لا نرى نحن في التاريخ حتى مورداً واحداً يشير إلى مطالبة الإمام بهذا السهم، إنما كان الخمس كله تحت تصرف الرسول، ما دام هو على قيد الحياة.
- لو كان نصف الخمس سهماً للهاشميين، لكان هذا المال يدفع إليهم بصورة مستقلة في صدر الإسلام، بينما لم يذكر أحد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو الأئمة رحمهم الله كانوا يستخرجون سهماً خاصاً للهاشميين ويدفعونه إليهم.
- قال البعض في معرض الحديث عن معنى الخمس وتاريخه: كان العرب متعارفين قبل الإسلام على دفع ربع الغنائم التي يصيبونها في غزواتهم إلى قائدهم ليتصرف بها حسب رأيه. ثم تغير الربع إلى الخمس بعد ظهور الإسلام. ويظهر هذا الأمر أن جميع الخمس حق للإمارة بمقتضى التشريع، وأنه يجب أن يكون تحت تصرف قائد المسلمين.
- كان هناك العديد من الصحابة المتفقهين في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لم ينقل عن أي منهم أنه تصرف بالحقوق الشرعية، وفي زمن أمير المؤمنين رضي الله عنه لم يذكر ولو لمرة واحدة أن الإمام الحسن أو الإمام الحسين تصرفبشيء منها. وهذا يفيد بحصر هذه الأموال بالحاكم الإسلامي وجعلها تحت اختياره. واذا كان خمس أرباح المكاسب غير موجود في صدر الإسلام وعصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإن أموالاً كثيرة كانت موجودة آنذاك، وهي متعلقة بمقام الحكومة والإمامة، ومنها خمس غنائم الحرب والفيء والأنفال.
والمعروف أن إمام المسلمين ووليهم الفقيه يتولى القيام بمسؤوليات مهمة، منها: تجهيز جيش المسلمين لصد الأعداء والمتآمرين، حفظ الإسلام ومقدساته، إجراء الحدود والديات، إدارة شؤون المجتمع الإسلامي، متابعة أوضاع الفقراء والمساكين.. إلخ.
فكيف يعقل أن تكون هذه الأمور بعض مسؤولياته، وليس له حق التصرف بالحقوق الشرعية أو بميزانية الدولة؟
إن هذه الحقوق الشرعية لا بد أن تكوذ متعلقة بمن يتحمل كل هذهالمسؤوليات المهمة، ثم إن الحاكم يعتبر برأي النظام الإسلامي بمثابة الأب، والمؤمنون هم عياله.
ففي أحاديث المعصومين وصف الولي الفقيه بأنه (وارث الأنبياء)، و(أمين الأنبياء)، و(أحصن الإسلام)، و(الحجة على الناس)، و(الحاكم)، و(القاضي)، و(مرجع الناس وملجأهم)، و(مسؤول الرعية وكفيلها... ) وما إلى ذلك، وهذه الأوصاف تبين أنه يشغل محل الإمام في زمن غيبته وينهض بجميع واجبات الحكومة الإسلامية، وهو الشخص الذي يعرض عليه الناس مشاكلهم، ويتخذون منه ملجأ لهم وملاذاً في جميع قضاياهم ومشاكلهم.
إن من أوضح صلاحيات الحاكم الإسلامي التصرف بهذه الحقوق، واستعمالها في تأمين مصالح المسلمين وتحقيق الأهداف السامية للنظام الإسلامي وفي رفع حاجات الناس، وطبيعي أنه لا يستطيع أن يقوم بشيء من هذه الأمور دون توفر الأموال اللازمة.
من هنا فإن نهوض ولي الفقيه في نظام الجمهورية الإسلامية بكل هذه الواجبات الخطيرة والمسؤوليات الثقيلة يقتضي أن تدفع له جميع الحقوق الشرعية وخصوصاً الخمس الذي هو (وجه الإمارة) وميزانية الدولة، ليصرفها في الموارد الضرورية ويؤمن بها حياة الفقراء والمساكين ولا سيما الهاشميين منهم. فإذا لم تكفِ هذه الحقوق لسد الحاجات عمد حينئذ إلى فرض ضرائب أخرى بحكم ولايته.
وليس من الصواب في شيء أن تكون هذه الأموال بيد شخص أو مجموعة من الأشخاص، ينفقونها حسب آرائهم، في الوقت الذي يكون حاكم المسلمين ووليهم الفقيه آخذاً على عاتقه إدارة المجتمع، ومسؤولاً عن الكثير من المشاكل في هذا المجتمع.
وما دام الفقيه الجامع للشرائط يتحمل في الدولة الاسلامية وظائف الأئمة وأعمالهم كافة(باستثناء ما يختص بهم)، فإن الأدلة المستقاة من الكتاب والسنة تقضي بدفع جميع هذه الحقوق إليه؛ ليتصرف بها حسب ما يراه، وليس لأحد حق التصرف بها دون رضاه أو إذن منه.
إذن فالأمر كله متعلق بالمال، حتى انقسم الفقهاء في تحديد صلاحيات الولي الفقيه والحاكم الإسلامي إلى قسمين، فمنهم من ذهب إلى حصرها في الموارد التي ورد فيها دليل شرعي صريح، وهي كالتالي:

  1. الولاية على أموال الأيتام والسفهاء ومن في حكمهم.

  2. الولاية على أموال الغائبين (الأشخاص الذين لا يد لهم على أموالهم لعدم حضورهم).

  3. الولاية في بعض الأمور المتعلقة بالزواج (كتزويج السفهاء مثلاً).

  4. الولاية على أموال الإمام عليه السلام (كنصف الخمس) والأموال المجهولة المالك، والإرث الذي لا وارث له.

ومنهم من اعتمد على الأدلة العامة في تعميم ولاية الفقيه، فجعل للولي الفقيه كل ما للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والإمام المعصوم إلا ما ورد فيه دليل خاص يستثني الفقية منه كإعلان الجهاد الابتدائي الذي يتعلق بالمعصوم وحده.
إذن المسألة في جُلها هي الأموال.
ولعل هذه التفاصيل قد وقف القارئ وخاصة الشيعي على علة هذا الصراع الكبير بين الشيعة في مسألة ولاية الفقيه.
وقد دفع البعض من المراجع حياتهم ومنزلتهم في هذا الصراع بسبب معارضتهم لنظرية ولاية الفقيه، كآية الله حسن طباطبائي، والمنتظري، وجواد مغنية، ومحمد صادق الصدر، والمرعشي النجفي، وشريعتمداري، وهذا الأخير كاد أن يدفع حياته ثمناً لمعارضته هذه الفكرة، كما يقول الموسوي: (وعندما أصر الإمام الشريعتمداري على موقفه المعارض أرسل الخميني عشرة آلاف شخص من جلاوزته يحملون العصي والهراوات إلى دار الإمام يريدون قتله وقتل أتباعه وهم ينادون بصوت واحد ويشيرون إلى دار الإمام "وكر التجسس هذا لابد من حرقه" ودافع حرس الإمام لشريعتمداري دفاع الأبطال عن دار الإمام واستشهد رجلين من أتباعه في ذلك الهجوم البربري الذي شنه إمام قائم على إمام قاعد. وهكذا أعطى الإمام الخميني درساً بليغاً للائمة الآخرين الذين أردوا الوقوف ضد ولايته ليعملوا أن مصير الإمام الشريعتمداري سيكون مصيرهم إذا ما أردوا الوقوف ضد رغبته)ـ.
أكذوبة مصطلح تقليد ومصطلح مرجعية:
والغريب بل والطريف في الأمر أن مصطلح تقليد أو مصطلح مرجعية ما هي إلا أكذوبة اخترعها المتأخرون، وقد اعترف الشيعة بذلك.
يقول شمس الدين: (مصطلح تقليد ومصطلح مرجعية هذانالمصطلحان وما يرادفهما ويناسبهما غيرموجودين في أي نص شرعي، وإنما همامستحدثان،وليس لهما أساس من حيث كونهماتعبيران يدلان على مؤسسة تقليد هي مؤسسةومرجعية هي مرجعية التقليد، يعني مؤسسة منحيث كونهما اثنين لمؤسسة، ليس لهما منالأخبار والآثار فضلاً عن الكتاب والكريمعلماً ولا أثراً. كل ما هو موجود بالنسبةلمادة قلّد خبر ضعيف لا قيمة له من الناحيةالاستنباطية إطلاقاً، وهو المرسل الشهير عنأبي الحسن، عن أبي محمد الحسن العسكري (رض)،ومتداول على ألسنة الناس: من كان من الفقهاءصائناً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمرمولاه، فللعوام أن يقلدوه. مادة قلّد موجود فقط بهذا النص، ولكن لا يعتمد عليه إطلاقاً. هذا تقليد، ومقلّد ومُقلّد لا أساس له. ومرجع لا أساس له)([212]).
أقول: والرواية مكذوبة كما قال شمس الدين، فهي من مرويات التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري لأن التفسير لم يثبت بطريق قابل للاعتماد عليه؛ فإن في طريقه جملة من المجاهيل كمحمد بن القاسم الاسترآبادي، ويوسف بن محمد بن زياد، وعلي بن محمد بن سيار. وقد ذكر الخوئي أن التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام إنما هو برواية هذين الرجلين، وكلاهما مجهول الحال، ولا يعتد برواية أنفسهما عن الإمام عليه السلام، اهتمامه عليه السلام بشأنهما، وطلبه من أبويهما إبقاءهما عنده،لإفادتهما العلم الذي يشرفهما الله به. هذا مع أن الناظر في هذا التفسير لا يشك في أنه موضوع، وجل مقام عالم محقق أن يكتب مثل هذا التفسير، فكيف بالإمام عليه السلام([213]).
ويقول شمس الدين أيضاً: (هذا المصطلح (مرجع أعلى) لا أساس له إطلاقاً بالشرع، ولا أساس له قبل الشرع الإسلامي في الفكر الإسلامي، أصلاً لا يوجد في الفكر الإسلامي، ولا الشرع الإسلاميخارج نطاق المعصومين، خارج نطاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا المعصومين الأئمة عليهم السلام، لا يوجد مرجع أعلى على الإطلاق. وأقول للتاريخ: إننا في عهد الشهيد السيد محمد باقر الصدر نحن مجموعة من الناس، وأنا واحد منهم رحم الله من توفاه، وحفظ الله من بقي حياً، نحن اخترعنا هذا المصطلح. في النجف اخترعنا مصطلح مرجع أعلى. وقبل مرحلة الستينات لا يوجد في أدبيات الفكر الإسلامي الشيعي هذا المصطلح على الإطلاق. هذا المصطلح نحن أوجدناه: السيد محمد باقر الحكيم، السيد محمد مهدي الحكيم، السيد محمد بحر العلوم، ولعله يمكن أن أقول بنحو المصادفة: إن جانب السيد الشهيد (رض) كان من الرعيل الأول، وهو أعلاهم وأسماهم. والداعي أنا محمد مهدي شمس الدين كنا مجموعة نعمل في مواجهة نظام عبدالكريم قاسم المؤيد للشيوعية في نطاق جماعة العلماء, وفي نطاق مجلة الأضواء، وأردنا أن نوجه خطاباً سياسياً للخارج، سواء كانت مرجعية السيد الحكيم هي المرجعية البارزة وليست الوحيدة،أو كانت مرجعية السيد البروجردي في إيران هي المرجعية البارزة. اخترعنا هذا المصطلح واستعملناه، وآسف إذا أصبح مصطلحاً رائجاً، وهو لا أساس له على الإطلاق، استخدمناه وأفادنا كثيراً، ولكن نحن استخدمناه كآلية لا نريده، ولا نريده غلاً، ولا نريده عائقاً)([214]).
وكانوا قبلها قد مهدوا لأطروحة لزوم تقليد الأعلم، رغم أن المتقدمين([215]) من علماء الشيعة لم يتطرقوا إلى هذه المسألة بالصورة التي نراها الآن، فشيخ الطائفة الطوسي مثلاً لم يتطرق لتقليد الأعلم عندما تكلم في ذكر صفات المفتي في كتابه عدة الأصول، بل خلص إلى القول أنه يجوز للعامي الذي لا يقدر على البحث والتفتيش تقليد العالم([216]).
نعم نُسب هذا القول إلى المرتضى، ولكن عندما نقرأ قوله في المسألة في سياقه العام لا نراه يشترط هذا، بل يراه أولى. يقول: (وإن كان بعضهم عنده أعلم من بعض أو أورع وأدين، فقد اختلفوا: فمنهم من جعله مخيراً، ومنهم من أوجب أن يستفتي المقدم في العلم والدين، وهو أولى)([217]). وأخطأ من نسب إليه دعوى الإجماع في هذه المسألة.
وقد أقر الشيعة بذلك كما يؤكد محمد مجاهد وهو شيخ الأنصاري (ت1281هـ) بأنه لم يصلهم أي تعريف أو شرح لمعنى الأعلم([218]).
ويُذكر أن كاشف الغطاء (ت1228هـ) أول من بيَّن أسس لزوم تقليد الأعلم، ولكن يبدو أن اختيار ابنه موسى كاشف الغطاء من بعده يدل على حصر الأعلمية في نطاق المدينة حيث كان ذلك في النجف فحسب.
ثم بدأت عبارات وجوب تقليد الأعلم تظهر بوضوح عند المعاصرين([219]).
بل وأخذوا يضعون عبارات من أمثال (سيد الفقهاء والمحققين وأعلم العلماء والمجتهدين وحجة الإسلام والمسلمين) على رسائلهم العلمية([220]).
ثم اختلفوا في مفهوم الأعلمية وتحديدها:
فمن قائل: المراد من الأعلم من يكون أعرف بالقواعد والمدارك للمسألة، وأكثر اطلاعاً لنظائرها وللأخبار، وأجود فهماً للأخبار، والحاصل أن يكون أجود استنباطاً، والمرجع في تعيينه أهل الخبرة والاستنباط([221]).
وقائل: المراد من الأعلم: عمدة ما يلاحظ فيه الأعلمية أمور ثلاثة: الأول العلم بطرق إثبات صدور الرواية، والدخيل فيه علم الرجال وعلم الحديث بما له من الشؤون كمعرفة الكتب ومعرفة الرواية المدسوسة بالاطلاع على دواعي الوضع... ومعرفة النسخ المختلفة وتمييز الأصح عن غيره والخلط الواقع بين متن الحديث وكلام المصنفين ونحو ذلك... الثاني فهم المراد من النص بتشخيص القوانين العامة للمحاورة وخصوص طريقة الأئمة عليهم السلام في بيان الأحكام ولعلم الأصول والعلوم الأدبية والاطلاع على أقوال من عاصرهم من فقهاء العامة دخالة تامة في ذلك. الثالث استقامة النظر في مرحلة تفريع الفروع على الأصول([222]).
وقائل: المراد من الأعلم من كان أحسن استنباطاً من غيره لكونه أقوى نظراً في تنقيح قواعد المسألة ومداركها، وأكثر خبرة في كيفية تطبيقها على مواردها، وأجود فهماً للأخبار في استنباط المسائل الفرعية من مضامينها مطابقة والتزاماً وإشارة وتلويحاً، وأكثر اطلاعاً بمدارك المسألة ونظائرها، كما يرشد إليه قوله (ع): أنتم أعلم الناس إن عرفتم معاني كلامنا، نعم لا عبرة بكثرة الاستنباط والإحاطة بالفروع الفقهية،لأنذلك يجامع مع ضعف الملكة أيضاً([223]).
وقائل: الأعلم من كان أقوى ملكة وأشد استنباطاً بحسب القواعد المقررة، ونعني به من أجاد في فهم الأخبار مطابقة والتزاماًوإشارة وتلويحاً، وفي فهم أنواع التعارض، وتميز بعضها عن بعض، وفي الجمع بينهما بإعمال القواعد المقررة لذلك مراعياً للتقريبات العرفية ونكاتها، وفي تشخيص مظان الأصول اللفظية والعملية، وهكذا إلى سائر وجوه الاجتهاد. وأما أكثر الاستنباط وزيادة الاستخراج الفعلي مما لا مدخلية له([224]).
وقائل: ليس المراد من الأعلم من هو أكثر اطلاعاً على الفروع الفقهية وحفظاً لمداركها من الآيات والروايات وغيرهما، بل المراد به من يكون استنباطه أرقى من الآخر بأن يكون أجود فهماً للأخبار والآيات، وأدق نظراً في تنقيح المباني الفقهية من القواعد الأصولية، وفي تطبيقها على المصاديق([225]).
وقائل: أن المراد بالأعلم هل هو أقدر من غيره على تنقيح القواعد التي يستنبط منها الأحكام الفرعية كالقواعد الأصولية، فإذا كان أحد المجتهدين أكثر اقتداراً من غيره على تشييد القواعد الأصولية فهو أعلم ممن لا يكون مثله في الاقتدار المزبور؟ أم المراد بالأعلم من يحصل له الجزم بالحكم بأن يستنبط الحكم من الأدلة بنحو الجزم واليقين، بخلاف غيره ممن يستنبطه من تلك الأدلة بنحو الظن، فكيفية الاستنباط لا تختلف، والاختلاف إنما هو في الإدراك، لأنه في أحدهما قطعي وفي الآخر ظني.
أم المراد بالأعلم من هو أسرع استنباطاً من غيره، كما إذا فرض أن الأعلم يستنبط حكم مسألة في نصف ساعة، وغيره يستنبطه في ساعة مثلاً، فالمراد بالأعلم حينئذ من هو أسرع استنباطاً من غيره.
أم المراد به من هو أكثر استنباطاً من غيره، كما إذا فرض أنه استنبط حكم ألف مسألة، وغيره استنبط حكم تسعمائة مسألة، فمن استنبط الألف فهو أعلم ممن استنبط أقل من ذلك، فالمدار في الأعلمية حينئذ على أكثرية عدد الأحكام المستنبطة فعلاً.
أم المراد به من يكون أشد مهارة من غيره في تطبيق الكبريات على صغرياتها، وتشخيص موارد الأصول حتى لا يجري أصل البراءة مثلا في مورد قاعدة الاشتغال وبالعكس. ولا يجري الأصل المسببي مع وجود الأصل السببي، وهكذا. لا سبيل إلى ما عدا الأخير، إذ في الأول: أن المدار في الاجتهاد إنما هو على الاستنباط الفعلي من الأدلة، دون تشييد المباني وتنقيح القواعد مع عدم الاقتدار على تطبيقها على الفروع، فإنه اجتهاد في مقدمات الاستنباط، وليس اجتهاداً في نفس الفروع، فالأصولي الذي يستفرغ وسعه في تحرير القواعد الأصولية وتهذيبها، ولكنه قاصر عن تطبيقها على الفروع، ليس بأعلم ممن يقدر على التطبيق المزبور وإن لم يكن مثله في تحرير القواعد الأصولية([226]).
وقائل: وملاك الأعلمية أن يكون أقدر من بقية المجتهدين على معرفة حكم الله تعالى، واستنباط التكاليف الإلهية من أدلتها، ومعرفته بأوضاع زمانه، بالمقدار الذي له مدخلية في تشخيص موضوعات الأحكام الشرعية، وفي إبداء الرأي الفقهي المقتضي لتبيين التكاليف الشرعية التي لها دخل في الاجتهاد أيضاً([227]).
وقائل: المراد بالأعلمية من بقية المجتهدين أن يكون المرجع المقلد أقدر منهم في استنباط الأحكام([228]).
أو: أن يكون المجتهد الذي يقلده أعلم، أي أقدر من كل مجتهدي زمانه في فهم أحكام الله تعالى([229]).
وقالوا: المراد من الأعلم من كان أحسن استنباطاً من غيره لكونه أقوى نظراً في تنقيح قواعد المسألة ومداركها، وأكثر خبرة في كيفية تطبيقها على مواردها، وأجود فهماً للأخبار في استنباط المسائل الفرعية من مضامينها مطابقة والتزاماً وإشارة وتلويحاً، وأكثر اطلاعاً بمدارك المسألة ونظائرها، كما يرشد إليه قوله عليه السلام: أنتم أعلم الناس إن عرفتم معاني كلامنا (نعم) لا عبرة بكثرة الاستنباط والإحاطة بالفروع الفقهية (لأن) ذلك يجامع مع ضعف الملكة أيضاً([230]).
ولا أدري كيف للعوام معرفة الأعلم؟! ورسائلهم العلمية مليئة بهكذا أسئلة من المقلدين،انظر مثلاً إلى سائل يسأل: بالنسبة للإنسان البعيد عن أجواء الحوزات العلمية كيف يمكنه أن يعلم بأن فلاناً من العلماء من أهل الخبرة أم لا، حتى يعتمد عليه في معرفة الأعلم من المجتهدين؟ فكان الجواب: الخوئي: لا بد من إحراز خبرويته كإحراز صلاحية أصل المرجع، ولو بالشياع المفيد للعمل أو الاطمئنان([231]).
فكيف للعامي البناء على الشياع والأمر فيه مضطرب وتدخل فيها المصالح؟
ولم يقنع آخرين بهذا المنهج لمعرفة الأعلم، إذ ربما يعتبر البعض أن المعيار في الأعلمية وعدمها هو السرعة في استباط الأحكام الشرعية، فمن كان سريعاً فيه فهو أعلم ممن كان بطيئاً، وهو معيار خاطىء، فربما كان المجتهد بطيئاً في عملية الاستباط، لكنه دقيق فيها، فيأتي رأيه أعمق من المجتهد الذي يكون أسرع منه، ولكن دون دقة في العمل.
وكذلك القول في كثرة الاستنباط إذا لم تترافق مع دقة كبيرة في استخراج الأحكام لا تكون دليلاً على الأعلمية.
وهكذا في معيار الحضور الذهني،وكثرة المؤلفات، وكثرة حضور دروس عدد كبير من الأساتذة،والسن مما يطول شرحه.
ثم أن الآيات والروايات الخاصة بجواز التقليد مطلقة. ولا يفهم منها اشتراط الأعلمية في المرجع.
وربما يوجد في أذهان البعض معيار آخر في هذا الأمر، هو كون الشخص من السادة، لكن المتتبع يرى أن مقاليد المرجعية والإفتاء كانت بيد غير السادة منذ عصر الغيبة الكبرى، أي: مع بداية مرجعية العالم الكبير أبو القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قَولَوَيه (229 هـ)، وحتى نهاية زعامة الميرزا الشيرازي (1053 هـ). كذلك فإنه لا يمكن أن يكون لبلد خاص، أو مدينة بعينها، دور في تحديد هذا الأمر، فالمعيار الصحيح للأعلم هو التمكن التام من أصول الفقه الاجتهادي والقدرة على إعادة الفروع إلى الأصول، والتطبيق الكلي على مصاديقه الخارجية، وأن يكون أقل خطأ من غيره في هذه الأمور، سواء كان في النجف، أو في قم، أو في مكان آخر. من هنا فإن ما يدعو إليه بعض الوكلاء الانتهازيين والنفعيين من ضرورة وجود المرجع خارج إيران، إن هو إلا خطة واضحة الأهداف، ونحن نمسك عن ذكر هذه الأهداف في الوقت الحاضر، مراعاة للمصلحة العامة.
وهنا ننبه العلماء الكبار إلى أن عليهم التصدي لمثل هؤلاء الأشخاص، والقيام بأنفسهم بالدعوة إلى المرجع الكفء، ليتسنى للناس تقليده حيثما كان، وعليهم بالإضافة إلى تقويم تقوى الفقهاء وبعدهم الديني والعلمي أن يقوّمواقدرتهم الإدارية وسعة أفقهم ونظرتهم إلى شؤون العالم المعاصر، فغيرخافٍ على أحد ما لهذه الأمور من أهمية بالغة في شخصية القيادة الإسلامية([232]).
ففي الماضي عند وفاة المرجع يبادر بعض الأساتذة إلى عقد مؤتمرات واجتماعات التوعية لمساعدة الناس في انتخاب الأحسن كما فعل المطهري، والبهشتي والطالقاني عند وفاة البروجردي. والآن ليس لهذه السيرة وجود.
وقبلهم كان تشخيص الأعلم في المراحل السابقة يتم بواسطة كبار الفقهاء، بل إن التاريخ يذكر لنا أن المجتهد الأعلم والمرجع في كل زمن يقوم بتحديد الأعلم من بعده لمعرفته به أكثر من غيره، ثم يعرّف الناس به.
فمن الأشخاص الذين حددوا المراجع من بعدهم، يمكن أن نذكر:

  • الوحيد البهبهاني (ت 1205هـ).

  • جعفر كاشف الغطاء (ت 1228 هـ).

  • الميرزا أبو القاسم القمي (ت 1227 هـ).

  • محمد حسن النجفي (ت 1226 هـ).

  • سعيد العلماء المازندراني (ت 1270 هـ).

  • مرتضى الأنصاري (ت 1281 هـ).

  • الميرزا حبيب الله الرشتي (ت 1312 هـ).

  • الميرزا محمد حسن الشيرازي(ت1312 هـ).

  • محمد كاظم اليزدي (ت 1337 هـ).

  • علي الجواهري حفيد صاحب الجواهر.

  • الميرزا محمد تقي الشيرازي (ت 1338 هـ).

  • أبو الحسن الأصفهاني (ت 1365 هـ).

  • حسين الطباطبائي البروجردي (ت 1380 هـ).

والآن بات الأمر أكثر وضوحاً فالمسألة كلها متعلقة بالخمس، وليس لأكذوبة الأعلمية التي اخترعوها أي علاقة بالدين أو الشرع، إنما هي لعبة أتقنها أصحابها في إزاء ضحاياهم حسنُو النية.
بل جوزوا للأتباع تقسيم الخمس بين اثنين إذا لم يتنازل أحدهما للآخر في مسألة الأعلمية، فليس همهم اضطراب الأمور الدينية على الأتباع، المهم الخمس وحسب.
يسأل أحدهم: (إذا تعذر على المكلف معرفة الأعلم في العصر الحاضر، وقلد أحد الموجودين بناء على أنه مبرء للذمة، فلمن يدفع الخمس؟ وإذا دفعه لأحد العلماء الذي يحمل إجازة من غير مقلد (المكلف) هل يصح ذلك؟
فيجد الجواب: يجب الفحص عن الأعلم والدفع إليه، وإذا لم يتبين الأعلم بعد الفحص يستأذن من أحد المحتملين للأعلمية ويدفع إلى الآخر، ومع عدم إذنهم يقسط بينهم)([233]).
ويعترف أحدهم قائلاً: (إن الأمر -أي: اختيار الأعلم- قد فُوض إلى خطباء المنابر والأشخاص الذين يكون معيارهم في انتخاب المرجع إعطاء الوكالة والإجازة في أخذ الحقوق، أي: الخمس، فشمر هؤلاء عن سواعدهم وطفقوا يدعون لموكليهم في كل محفل ومجلس، دون أن يعيروا اهتماماً لخصائص المرجع الجامع للشرائط، وبذلك تركوا الناس في ضياع وحيرة من أمرهم)([234]).
ويقول آخر: (أن المال يلعب دوراً كبيراً في عملية انتخاب المرجع الأعلى، ومع أن أساس المرجعية يفترض أن يقوم على العلموالتقوى إلا أن المال هو الذي يحسم عادة انتخاب شخص معين من بين الفقهاء العدولالأتقياء، ولا يكفي أن يكون الشخص فقيهاً وعادلاً لكي يصبح مرجعاً،إذا لم يكن يمتلكقوة مالية ترشحه لسدة المرجعية وتجلب الوكلاء إليه، ولا يعني هذا أن شخصاً جاهلاً أوفاسقاً يستطيع بسهولة أن يرتقي سدة المرجعية الدينية، ولكن لا يمكن إغفال دور المالفي ارتقاء شخص أو سقوط شخص آخر. وهذا ما يفسر سيطرة العنصر الفارسي لعشرات السنينعلى سدة المرجعية، وذلك نظراً لعلاقات المراجع الإيرانيين مع بني قومهم في إيرانالذين يقدمون التبرعات السخية إليهم عادة ولا يقدمونها إلى العرب أو العراقيين حتىلو كانوا أكثر علماً وتقوى منهم، بسبب عدم معرفتهم بهم أو عدم القدرة على التواصلاللغوي معهم.
وعندما تتكدس أموال هائلة لدى مرجع معين يستطيعأن يحدد بواسطتها المرجع الذي يخلفه، وذلك بضمان ضخ قدر كاف من المال لإدارةمرجعية خليفته حتى يشتهر ويستقطب الطلبة والوكلاء الذين سوف ينهالون عليه ويرشحونهعامة الناس باعتباره المرجع الأفقه والأورع والأتقى، فتدور عندها عجلة المرجعيةلذلك المرجع ويقوم باستيفاء الخمس من المؤمنين. وهذا ما يفسر بروز مراجع معينينفجأة بعد وفاة مرجع سابق لمجرد قدرتهم على توزيع الرواتب للطلبة والوكلاء في كلمكان، من دون أن يعرفوا بنظريات فقهية معينة أو يحتفظوا بسجل جهادي أو يقوموا بأيدور قيادي في الأمة.
ومن المعروف في الأوساط الحوزوية أن درجة شعبية أيمرجع تعرف عادة من خلال حجم الراتب الشهري الذي يوزعه على طلبة العلوم الدينية فيالنجف وقم ومشهد، فالمرجع الذي يوزع أعلى راتب بعد وفاة المرجع الأعلى السابق يعنيأنه أصبح المرجع الأعلى الجديد، وذلك لدلالة كمية المال على حجم التقليد الشعبي،بالرغم من عدم واقعية أو صحة هذا المؤشر مع احتمال حدوث تلاعب أو قيام جهات مشبوهةبضخ أموال هائلة لأغراض سياسية. ولكن ذلك، على أي حال، يشد حركة الوكلاءإلى المرجع الجديد لأخذ الوكالة منه والدعوة إلى تقليده وجباية الخمس باسمه وتسليمهإليه بعد أخذ حصتهم منه. وعادة ما تتراوح النسبة التي يأخذها الوكلاء بين الربعوالثلث والنصف من الخمس([235]).
من مساوئ الخمس:
وقد تكشفت مساوئ هذه القضية ومعها فضائح المرجعيات فيما يتعلق بالخمس بما لا يخفى على أحد، حتى ضج الشيعة أنفسهم بهذا.
يقول بازركان: (ومما يدعو للأسف أنه على امتداد تاريخ المرجعية الشيعية، كان ثمة من يحاول استغلال منصب المرجعية والمتاجرة بها)([236]).
ويقول القوجاني: (من المضحك أن حوالي خمسة عشر من فضلاء تلاميذ المرحوم الآخوند، بدأوا التحرك لبلوغ مقام الإفتاء والتقليد واستلام سهم الإمام وكسب الشهرة، رغم وجود حوالي خمسة من كبار مراجع التقليد المشهورين آنذاك، في حين أن القضاء والإفتاء من الواجبات الكفائية)([237]).
ويقول شمس الدين: (قد يقول قائل: إن المرجع الآن مبلّغ، يرسل مشايخ أو وكلاء للمناطق وهم يبلغون. أنا أعرف الآن مرجعاً غير مبلغ، يرسل وكلاء لا يبلغون.. وغالباً وظيفة هؤلاء هي جباية الحقوق الشرعية)([238]).
وكان شمس الدين يستنكر الاقتصار على مرجع واحد، ويقول: (لماذا يجب أن يكون هناك مرجع واحد في التقليد أساساً؟ من الثابت عندنا فقهياً مشروعية التبعيض في التقليد، وأن يقلد المكلف الواحد فقيهين، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة فقهاء، يقلد في العبادات فقيهاً، وفي البيوع والتجارات فقيهاً، وفي العلاقات الأسرية فقيهاً، وفي السياسات فقيهاً، لماذا الانحسار في فقيه واحد؟)([239]).
ويرى آخرون هذا الرأي أيضاً ولكن من باب التبعيض حيث قالوا: (إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات، والآخر أعلم في المعاملات، فالأحوط تبعيض التقليد، وكذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات مثلاً، والآخر في البعض الآخر)([240]).
ولكن لا أدري كيف سيقتسمون الخمس؟!
ويقول شمس الدين أيضاً في مسألة تقليد الميت: (أن عند الشيعة قول بمشروعة تقليد الميت ابتداءً، وهو قول قوي، وهو غير مشكور عند غيرنا من الفقهاء. نحن نميل إلى مشروعة تقليد الميت ابتداءً مثل سائر أهل السنة، وهو كما قلت قول قوي، ولكنه قول غير مشكور)([241]).
ولعل القارئ الأريب يدرك مقاصد الشيخ شمس الدين وتكراره لقول: غير مشكور، والذي يحاول إيصاله بطريقة غير مباشرة. فهل يريد شمس الدين أن ترسل الأخماس إلى المقابر؟ واللبيب بالإشارة..
ويقول السيد محمد العيناني: (من الناس طائفة قد جعلت التشيع مكسباً لها مثل النياحة والقصص.. لا يعرفون من التشيع إلا البكاء وحب المتدينين بالتشيع.. وجعلوا شعارهم لزوم المشاهد، وزيارة القبور، كالنساء الثواكل، يبكون على فقدان أجسامنا وهم بالبكاء على أنفسهم أولى)([242]).
ويقول أحد المقربين للخميني: (كان في أحد مساجد طهران شخص انتهازي يشرف على الشؤون الدينية فيه، ويدعي أنه ممثل للإمام في جميع الحقوق الشرعية لصالح الفلسطينيين.. فورد للإمام تساؤل عن مدى صحة تمثيل هذا الشخص له؟ ونقلت التساؤل للإمام، فقال: لا أجيب على هذا الاستفتاء؛ لأن هذا الشخص يرتبط بإحدى الشخصيات التي هي في طريقها إلى المرجعية.. وسوف يلحقها الضرر من وراء ذلك)([243]).
ويقول المطهري: (مما يدعو للأسف أن الناس يرون بأم عيونهم ما يقوم به أمناء بعض المراجع الكبار وأحفادهم، والمقربين إليهم من حياة بذخ وفوضى وتبذير لأموال المسلمين. فهل فكر أحدهم في الأضرار التي تلحقها هذه الأعمال بكيان الحوزة؟!)([244]).
عود على بدء. يشيع بعض الوكلاء أنه لا يجوز دفع شيء من الحقوق الشرعية لهؤلاء العلماء، بينما نرى جميع المراجع يقولون دون استثناء: إن من يقدم خدمة للإسلام والمسلمين يحق له أن يأخذ حاجته من سهم الإمام، ولم نجد مرجعاً في العراق أو في إيران يقول خلاف ذلك.
لا شك أن مراقبة أموال بيت المال والحقوق الشرعية على مستوي كبير من الأهمية، وليس ثمة نقاش في ذلك، إلا أن الأمر لا يعني حرمان بعض الأشخاص المستحقين من حقوقهم الشرعية. ونتيجة لهذا الأسلوب السيء الذى يتبعه بعض الوكلاء، نرى امتناع العلماء والفضلاء عن القبول بمسؤولية إدارة الشؤون الدينية في القرى والأرياف، وحتى في بعض المدن، ومن ثم نجد كثيراً من هذه المناطق تخلو من رجل دين يشرف على أداء الواجبات الدينية كصلاة الميت مثلاً. وهو نقص كبير يجب أن يهتم له بأسرع وقت، ويباشر بشأنه بخطوات أساسية، وإلا فإن آثاره السيئة ستتفاقم وسيتوسع نطاقها.
الأمر الآخر أن الشيخ الأنصاري والميرزا الشيرازي كانا لا يختاران وكلاءهما إلا من النخبة المؤمنة الذين لا ينفقون شيئاً من بيت المال إلا في الموضع المناسب، ولا يسعون لتحقيق مصالحهم الخاصة، ولم يكونوا يرون لأنفسهم الحق في نصف الحقوق، أو أكثر من ذلك أو أقل، كما يصنع بعض الوكلاء اليوم، الذي يؤذن إلى تضييع بيت المال وسهم الإمام بصنيعهم هذا.
وكان بعض الوكلاء النفعيين قبل الثورة الإسلامية يبذلون قصارى جهدهم في الدعوة إلى تقليد مرجع من خارج البلاد، ويأخذون بتهيئة الأجواء لذلك؛ لأنهم يستطيعون بهذه الطريقة أن يصلوا إلى أهدافهم مستغلين بعد المرجع وعدم قدرة الناس على الوصول إليه([245]).
ويقول آخر: (وعندما يكون المرجع مبتدءاً فإنه لا يحاسب وكلاءه بشدة ويغض الطرف عن الأموال التي يجبونها من أجل تركيز نفسه من خلال الدعاية التييقومون بها له، ولكنه عندما يشتهر ويكثر تقليد الناس له ويأخذ الوكلاء بالتهافتعليه والتنافس فيما بينهم لأخذ الوكالة منه، يقوم بالتدقيق في إعطاء الوكالات وفيمحاسبة الوكلاء).
ومن هنا يحدث التنافس وتحتدم المعارك بين المراجع أنفسهم الا من عصم الله، ويحاول البعض منهم استغلال نقاط الضعف والآراء التجديدية أو المخالفة للمشهور التي يقدمها أحد الفقهاء الجدد المنافسين، للانتقاص منه والتشكيك في اجتهاده وتحريم تقليده وصرف الناس عنه، في حين يقوم بعض المراجع الآخرين بمسايرة العامة والمصادقة على الخرافات والأساطير والبدع الشعبية طمعاً في كسب الناس وجرهم إليه. ويرضى بعض المراجع، في الواقع، بالسير وراء الناس وتقليد العوام بدلاً من هدايتهم وإرشادهم وقول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يلغي مهمته كفقيه أو عالم رباني.
الانتساب إلى أهل البيت بوابة الاكتساب من الخمس:
ويحسن بنا أن ننتبه إلى أن الفقهاء والمراجع الدينية يزعمون أنهم من أهل البيت، فترى أحدهم يروي لك سلسلة نسبه إلى الكاظم عليه السلام.
اعلم أنه يستحيل أن يكون هذا الكم الهائل من فقهاء العراق وإيران وسورية ولبنان ودول الخليج والهند وباكستان وغيرها من أهل البيت، ومَن أحصى فقهاء العراق وجد أن من المحال أن يكون عددهم الذي لا يُحْصَى من أهل البيت، فكيف إذا ما أحصينا فقهاء البلاد الأخرى ومجتهديها؟ لا شك أن عددهم يبلغ أضعافاً مضاعفة، فهل يمكن أن يكون هؤلاء جميعاً من أهل البيت؟؟
وفوق ذلك فإن شجرة الأنساب تُبَاعُ وتَشْتَرَى في الحوزة، فَمَن أراد الحصول على شرف النسبة لأهل البيت فما عليه إلا أن يأتي بأخته أو امرأته إذا كانت جميلة إلى أحد السادة ليتمتع بها، أو أن يأتيه بمبلغ من المال، وسيحصل بإحدى الطريقتين على شرف النسبة.
وهذا أمر معروف في الحوزة.
لذلك أقول: لا يغرنكم ما يصنعه بعض السادة والمؤلفين عندما يضع أحدهم شجرة نسبه في الصفحة الأولى من كتابه ليخدع البسطاء والمساكين كي يبعثوا له أخماس مكاسبهم.
وقد تصدى المراجع لهذه الظاهرة التي تفشت بسبب الخمس، بالقول: (لا يصدق مدعي السيادة بمجرد دعواه، نعم يكفي في ثبوتها كونه معروفاً ومشتهراً بها في بلده من دون نكير من أحد، ويمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال بعد إحراز عدالته بالدفع إليه بعنوان التوكيل في الإيصال إلى مستحقة أي شخص كان حتى الآخذ، ولكن الأولى عدم إعمال هذه الحيلة). وقالوا: (يثبت كونه هاشمياً بالعلم، والبينة، وبالشياع الموجب للاطمئنان، ولا يكفي مجرد الدعوى). وقالوا: (لا يصدق من ادعى النسب إلا بالبينة، ويكفي في الثبوت الشياع والاشتهار في بلده كما يكفي كل ما يوجب الوثوق والاطمئنان به). وقالوا: (يثبت الانتساب إلى هاشم بالقطع الوجداني، وبالبينة العادلة، وبالاشتهار به في بلد المدعي له). وقالوا: (إذا قال شخص: إني سيد، فلا يصح أن يعطى له الخمس، إلا أن يصدقه عادلان، أو يكون ذلك معروفاً بين الناس، بحيث يحصل للإنسان اليقين أو الاطمئنان بأنه سيد). وقالوا: (لا يجوز إعطاء الخمس لمن يدعي كونه هاشمياً، إلا إذا صدقه على ذلك شاهدان عادلان، أو كان مشهوراً به بين الناس بنحو يورث اليقين أو الاطمئنان به للمكلف، بل الأظهر كفاية حصول الظن بكونه هاشمياً في جواز إعطائه من الخمس، وإن لم يشهد له عدلان بذلك ولم يكن مشهوراً به بين الناس، أو في بلده وغيرها)([246]).
وهذان نموذجان من أسئلة المقلدين لمراجعهم في الباب مما يدل على حرصهم على هذا الأمر:
السؤال: (أخيراً عثرت على الوثيقة الشخصية لأحد أبناء عم والدي، وقد دون اسم صاحب الوثيقة الشخصية بعنوان سيد، وعلى هذا ومع الالتفات إلى أن المشهور في أوساط العشيرة هو أننا من السادة، ومع قرينية الدليل الذي حصلت عليه أخيراً فإنني أطلب رأيكم المبارك في مسألة سيادتي؟
الجواب: مجرد مثل هذه الوثيقة لأحد الأقرباء لا يعتبر حجة شرعية على سيادتك، فما لم تحرز سيادتك بالاطمئنان، أو استناداً إلى حجة شرعية ليس لك ترتيب الأحكام والآثار الشرعية للسيادة)([247]).
السؤال: (أنا رجل من بيت ملتزم. أهل والدي على قناعة تامة بأنهم من أسرة هاشمية ينتهي نسبها إلى مولانا جعفر بن أبي طالب الطيار - عليه السلام - ولقب العائلة يشير إلى هذا، المشكلة إن شجرة العائلة أخذها رجل إلى الحجاز في عام (1945م) واختفى من يومها ولم يهتم أحد بهذا الأمر، بالنسبة للأحكام الشرعية المتعلقة بالهاشمي هل تشملنا في هذه الحالة، وإذا كان الجواب: لا يشملنا، فكيف إذا تم إثبات انتماء عائلة الهاشمي بعد حين فهل يجب علي تطبيق أحكام الهاشمي بأثر رجعي أي: أن أرجع الصدقة التي أخذتها من غير الهاشمي مثلاً؟
الجواب: لا تنطبق الأحكام إلا مع الوثوق بصحة الانتساب)([248]).
ثم اعلم أنه يجوز إعطاء الخمس للسيد غير العادل، ولكن لا يجوز إعطاؤه للسيد غير الإمامي الإثني عشري([249]).
سيطرة أصحاب رؤوس الأموال على المرجعية:
ومن المساوئ الأخرى للخمس سيطرة أصحاب رؤوس الأموال على المرجعية من باب الخمس لتحقيق مآربهم، وكثيراً ما ضج المخلصون من الشيعة من هذه القضية. يقول أحدهم: (وسعياً وراء هذه الأهداف، يأخذ المترفون بالتقرب إلى بيوت المراجع شيئاً فشيئاً، ويبدأون بتقديم الهدايا وقسط يسير مما يتوجب عليهم من الحقوق الشرعية، ويتظاهرون بذلك بالالتزام والإيمان،حتى يصلول إلى تأييد المرجع وكسب ثقته، ولا تبقى علاقة المترفين بكيان المرجعية ضمن إطار علاقة المفتي بالمقلّد، بل تتجاوز ذلك أحياناً إلى التأثير على أفراد بيت المرجع، وعلى أخلاق المرجع ذاته وسلوكه الاجتماعي ونمط تفكيره، وحتى استنباطه للأحكام، مما يهدد رسالة الإفتاء ومهمتها، فبدلاً من أن تسهم الفتوى بحل معضلات المسلمين، وإفشاء العدالة الاجتماعية ومكافحة كنز الأموال، وأخذ الأموال الحرام والأملاك غير المشروعة، تصبح أداة لتثبيت الوضع الموجود، وإضفاء الشرعية عليه وعلى الخاطئة. وربما وصل الأمر إلى الاستناد إلى سيرة العقلاء والمتشرعة في تسويغ معاملات التجار والعلاقات الحاكمة في السوق،ويتم في هذا السياق توثيق الروايات الضعيفة للهرب من الربا، وتأويل الآيات والروايات الصحيحة الواردة بشأن الربا. أو إن الأمر يصل إلى حد إغفال ما يهدف إليه الإسلام من مكافحة للفقر والقضاء عليه، فتصبح الطريقة التي يتبعها الأغنياء في دفع الحقوق الشرعية هي الطريقة الصحيحة والدائمة، وحسب تعبير الإمام الخميني: (تغفل الروايات التي تتحدث على مشاركة الفقراء للأغنياء في أموالهم، وعلى لزوم تأمين الأغنياء لحياة الفقراء).
وربما حال أصحاب رؤوس الأموال دون تحقيق النمو والتنظيم في الحوزة، وأعاقوا تطويرها.
فعلى سبيل المثال: (حاول مؤسس الحوزة العلمية في قم آية الله عبد الكريم الحائري مساعدة بعض الطلاب في تعلم اللغات الأجنبية وبعض العلوم الحديثة، ليتمكنوا من الدعوة إلى الله في أوساط المثقفين وحتى في البلدان الأجنبية، وحين انتشر هذا الخبر،اجتمع بعض تجار طهران وقدموا إلى قممعترضين على عمل الحائري هذا، باعتبار أنهم لا يدفعون سهم الإمام ليتعلم الطلاب لغة الكفار، فإن استمر هذا العمل فإنهم سيضطرون إلى قطعه عنه، فرأى الحائري أن عملهم سيؤدي إلى زوال الحوزة وتقويض العمل الأساس، فانصرف عن عزمه)([250]).
ويضيف آخر: (ولعب بازار طهران دوراً كبيراً في تمويل المرجعية منذ القرن التاسععشر، وكان العامل الضاغط على المرجع السيد محمد حسن الشيرازي في إصدار فتوى تحريمالتنباك عام "1892" التي ألغت اتفاقية حصر التنباك بالشركة البريطانية، والتي كانالشاه ناصر الدين القاجاري قد وقعها مع بريطانيا، لأن البازار كان المتضرر الرئيسيمن تلك الاتفاقية. وظل البازار يشكل العامل الحاسم في ترجيح كفة مرجعية أي فقيه،وخاصة المراجع الفرس في العراق، فقد دعم البازار مرجعية السيد أبو الحسن الاصفهانيفي مقابل مرجعية الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، المرجع العراقي الشهير في النصفالأول من القرن العشرين، ولأنه لم يجد مصدراً تمويلياً كافياً فقد عجز عن الحلول فيمركز المرجعية العليا بالرغم من علمه الواسع وقدراته السياسية الفائقة، وعندماأصبح السيد محسن الحكيم مرجعاً أعلى في الستينات اضطر إلى أن يبعد جماعة العلماءالعربية ويقرب الفرس من حاشيته؛ لأنهم كانوا على علاقة وثيقة ببازار طهران وأقدر علىتوفير ميزانيته المالية التي كانت تقدر بعشرة آلاف دينار عراقي شهرياً. وانطوىبازار طهران على خطر التغطية على مصادر مالية مشبوهة (شاهنشاهية) كانت تتسلل بزيالتجار لتحقيق مآرب خاصة وتشكيل (لوبيات) في حواشي بعض المراجع للضغط عليهموتوجيههم الوجهة المطلوبة)([251]).
وهذه هي المسائل التي كان مرتضي المطهري يطلق عليها في كتاباته الإصلاحية (آفة العوام)، ومن تأثيرات (دفعة المال) من الذين يسميهم مغنية (إحسان المحسنين)، وهم من تضطر المرجعية لمداراتهم حرصاً على المصادر المالية.
بل بلغ الأمر بمغنية حدّاً دعاه إلى مهاجمة قطاع من دَفَعة الأموال بعنف، وحث المرجعية على مقاطعتهم وأموالهم، إذ يقول: (لوكنت المرجع في النجف الأشرف لرفضت المعونات من الأيدي القذرة التي تحاول التستر بالإحسان الملطخ بدماء الأبرياء)([252]).
وقد دعا محمد باقر الصدر في السبعينات في مقال له تحت عنوان (المرجعية الموضوعية) الى تأسيس أجهزة علمية ومالية وإدارية وسياسية تابعة للمرجع من أجل تنظيم عمل المرجعية وعلاقاتها العامة وتدقيق الحسابات المالية ونقل الخبرات للمراجع القادمين. وأطلق على المرجعية القائمة اسم (المرجعية الذاتية) وطالب بتطوير شكل الممارسة للعمل المرجعي وتشكيل مجلس يضم علماء الشيعة، وربط المرجع بهذا المجلس، من أجل صون العمل المرجعي من التأثر بالانفعالات الشخصية وتنفيذ سياسة المرجعية الصالحة التي تقرر من خلال ذلك المجلس، واقترح أن يقوم المجلس بترشيح المرجع الجديد بعد خلو المركز وإسناده وكسب ثقة الأمة إلى جانبه. كما انتقد طريقة تعامل الوكلاء مع (الحقوق المالية الشرعية) وأخذ النسب المئوية من تلك الأموال كالثلث أو الربع مما يجعل علاقة الوكيل بالمرجعية كعلاقة عامل المضاربة بصاحب رأس المال واقترح أن تسلم الأموال كاملة الى المرجعية وتقديم رواتب شهرية للوكلاء([253]).
المستعمر البريطاني والخمس:
وكذلك دخل المستعمر البريطاني على خط الخمس، ففي العراق وبعد سيطرة بريطانيا على تلك الدولة في منتصف القرن التاسع عشر بدأت سيطرتها على الأموال الخيرية المخصصة للحوزة، وراحت تتلاعب فيها وفي طريقة توزيعها في محاولة لمد نفوذها في الحوزة والسيطرة على المرجعية والتدخل عبرها في شئون العراق وإيران قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها، وهذا ما دفع المرجع الأعلى يومذاك الشيخ مرتضى الأنصاري للامتناع عن تسلم تلك الأموال التي هيمنت عليها بريطانيا، ولكن مراجع آخرين من الدرجة الثانية استمروا في استلام (الخيرية) وتوزيعها على الطلبة.
وفي بداية القرن العشرين حاول المقيم البريطاني المعين في بغداد ميجور نيو مارش استعمال (الخيرية) لأغراض سياسية ووسيلة لزيادة المحسوبية وتوسيع النفوذ والتأثير على انتخاب المرجع الأعلى.
وحاول الوزير البريطاني في إيران السيرآرثر هاردنغ استخدام نفوذ بعض المراجع الذين يستلمون (الخيرية) للتأثير على الأوضاع السياسية في إيران وقطع الطريق على السياسات الروسية في إيران. وهذا ما دفع عدداً من المراجع الكبار كالميرزا خليل والسيد كاظم اليزدي والسيد محمد إسماعيل الصدر عام (1908م) إلى رفض قبول أي سهم من (الخيرية) والاقتراح بتوزيعها على الفقراء، فاتجه المقيمون البريطانيون في بغداد للتفكير باستيراد مجتهدين متعاطفين من الهند يقبلون باستلام (الخيرية) وتوزيعها في العراق.
وقد أثار تدخل المقيم البريطاني في بغداد عام (1912م) لوريمر في عملية توزيع (الخيرية) قلق السلطات العثمانية من تزايد النفوذ البريطاني في العراق وخاصة في صفوف الشيعة والمرجعية، وحاولت حل اللجان التي شكلها لوريمر لتوزيع المال، ومنعت الرعايا العثمانيين وخاصة العرب من الانضمام إلى عضوية اللجان في كربلاء والنجف، وطلبت من القنصل الفارسي في بغداد أن يمارس ضغطاً على الأعضاء الفرس لتقديم استقالاتهم.
ولكن احتلال بريطانيا للعراق في الحرب العالمية الأولى أتاح لها مرة أخرى إمكانية توسيع نفوذها في صفوف الحوزة من خلال عملية توزيع الأموال (الخيرية) التي استمرت بها بعد الحرب. وأصبح البريطانيون أقدر على التلاعب بالنسيج القومي العربي الفارسي الهندي في الحوزة وتفضيل قوم على قوم.
وفي عام (1933م) قرر البريطانيون عدم إعطاء أية منحة لمن شارك في أي شكل من أشكال التحريض السياسي ضدهم وأسقطوا في ذلك العام اسم الشيح محمد حسين كاشف الغطاء من قائمة المتلقين بسبب نشاطاته المعارضة للحكم الموالي لهم في العراق، وجمدوا عام (1934م) اللجنة الموزعة فيكربلاء([254]).
عوام الشيعة جعلوا من مراجعهم مقلِدين:
ولم يقتصر الأمر على سيطرة هؤلاء على المرجعية، بل حتى عوام الشيعة جعلوا من مراجعهم مقلدِين (بكسر الدال) بدلاً من مقلدَين (بفتح الدال)، بسبب مسايرة المراجع لرغبات العوام بسبب قضية الخمس.
ولابأس بذكر أمثلة على ذلك لبيان بعض مساوئ بدعة الخُمُس هذه:
من ذلك مثلاً مسألة طهارة الكتابيعند الشيعة، حيث ذهب أكثر فقهاؤهم إلى نجاسة أهل الكتاب وحرموا طعامهم وشرابهم حتى الخبز والماء الذي باشروه، وفسروا الطعام بالحبوب في قوله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُم) [المائدة: 5]، إلا أن الكثير من المراجع الحاليين يرون طهارة الكتابي ولكن تقيتهم من العوام تمنعهم من الإفتاء.
يقول مغنية في ذلك: (إن كثيراً من المراجع الكبار على القول بطهارته، منهم السيد الحكيم والسيد الخوئي الذي أسر برأيه لمن يثق به)([255]).
وقال في موضع آخر بأنه عاصر ثلاثة من المراجع: الشيخ محمد رضا آل يس في النجف،والسيد صدر الدين الصدر في قم، والسيد محسن الأمين في لبنان، وقد أفتوا جميعهم بطهارة الكتابي وأسروا بذلك إلى من يثقون به، ولم يعلنوا ذلك خوفاً من المهوشين، وأن الكثير من الفقهاء يقولون بالطهارة ولكنهم يخشون أهل الجهل والله أحق أن يخشوه([256]).
ومثل ذلك القول في مراسم العزاء في عاشوراء وما يصاحبه من ضرب وتطبير بالسلاسل حتى تسيل الدماء.
يقول مغنية: (ما يفعله بعض عوام الشيعة في لبنان والعراق وإيران من لبس الأكفان وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في اليوم العاشر من محرم عادة مشينة بدعة في الدين والمذهب، وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون أن يأذن بها إمام أو عالم كبير كما هو الشأن في كل دين ومذهب، ولم يجرأ على مجابهتها أحد في أيامنا إلا قليل من العلماء وفي طليعتهم المرحوم السيد محسن الأمين العاملي الذي ألّف رسالة خاصة في تحريم هذه العادة وبدعتها، وأسمى الرسالة (التنزيه لأعمال الشيعة) والذي اعتقده أنها ستزول بمر الأيام)([257]).
وقد عانى السيد محسن الأمين من أولئك العاجزين عن مواجهة العوام، فبدلاً من أن يقفوا معه في محاربة هذه البدع وقفوا ضده خوفاً وتقية، منهم عبدالحسين صادق في النبطية والسيد عبدالحسين شرف الدين في صور وصالح الحلي الخطيب المشهور، وآل كاشف الغطاء والميرزا النائيني ومرتضى آل المظفر، واحتدم النزاع واشتد الصراع، وحمي وطيس المعركة، فانقسم الناس إلى طائفتين على ما اصطلح عليه العوام: (علويين) و(أمويين)، وكانوا الأمويون هم أتباع السيد محسن الأمين وقد كانوا أقلية لا يعتد بها وأكثرهم كانوا متسترين خوفاً من الأذى، وقد تجاوز الصراع الحدود المألوفة إلى خصومات ومهاترات والضرب والاعتداء، حتى قال الحلي في الأمين:
يا راكباً إما مررت بجلق              فأبصق بوجه أمينها المتزندق
وقال رضا الهندي:
ذرية الزهراء إن عددت              يوماً لتحصي الناس فيها الثنا
فلا تعدوا محسناً منهم                لأنها قد أسقطت محسنا
وقال آخر:
وما معول النجدي أدهي مصيبة               من القلم الجاري بمنع المآتم([258])
ويقول عالم شيعي آخر في هذا المقام: (وهناك معاناة أخرى يعانيها الشيعة إثر تبعيتهم لأولئك الفقهاء الذين سكتوا عن الحق. إنها المعاناة التي يعانيها الآلاف من الشيعة في يوم عاشوراء من ضرب السيوف على الرؤوس وضرب الأكتاف بالسلاسل إن هذا العمل بغض النظر عن المعاناة الجسدية فإنما هو تشويه لصورة الشيعة في العالم وفي الوقت نفسه إضرار بالنفس ومناقض لكرامة الإنسان)([259]).
ويضيف شيعي آخر: (والحق يقال: إن ما يفعله الشيعة من تلك الأعمال ليست هي من الدين في شيء، ولو اجتهد المجتهدون وأفتى بذلك المفتون ليجعلوا فيها أجراً كبيراً وثواباً عظيماً، فإنني لم أقنع بتلك المناظر المنفرة التي تشمئز منها النفوس وينفر منها العقل السليم وذلك عندما يعري الرجل جسمه ويأخذ بيده حديداً ويضرب نفسه في حركات جنونية صائحاً بأعلى صوته: حسين حسين، حسين حسين، والغريب في الأمر والذي يبعث على الشك أنك ترى هؤلاء الذين خرجوا عن أطوارهم وظننت بأن الحزن أخذ منهم كل مأخذ فإذا بهم بعد لحظات وجيزة من انتهاء العزاء تراهم يضحكون ويأكلون الحلوى ويشربون ويتفكهون، وينتهي كل شيء بمجرد انتهاء الموكب، والأغرب من ذلك أن معظم هؤلاء غير ملتزمين بالدين، ولذلك سمحت لنفسي بانتقادهم مباشرة عدة مرات وقلت لهم بأن ما يفعلونه هو فلكلور شعبي وتقليد أعمى.. ثم ذكر أن محمد باقر الصدر الذي أفاده بأن ما يراه من ضرب الأجسام وإسالة الدماء هو من فعل عوام الناس وجهالهم، ولا يفعل ذلك أي واحد من العلماء، وقال: وقد حضرت بنفسي في مناسبات عديدة مختلفة وفي بلدان عديدة موكب عاشوراء ولم أر أحداً من العلماء يفعل ذلك أبداً)([260]).
وقال في قضية أخرى وهي التدخين في المساجد والمآتم عند الشيعة: (وإنني أستغرب من المراجع عند الشيعة الذين يحرمون اللعب بالشطرنج، ولا يحرمون التدخين، وشتان بين ضرر كل منهما، وإنني كثيراً ما كنت ناقماً على هذا الوضع، وكثيراً ما أثرت هذه المسائل مع بعض العلماء فلم أجد من عنده الجرأة الكافية لمنعه وتحريمه، وأذكر أن الشهيد الصدر لم يكن يدخن أبداً، وقد سألته عن التدخين فقال: أنا لا أدخن وأنصح كل مسلم أن لا يدخن. ولكني لم أسمع منه التحريم صراحةً، ويقال: إن بعض المراجع حرمه على المبتدئين وكرهه للمدخنين، وبعضهم يحرمه ولكن لا يجرؤ على التصريح بذلك خوفاًأن يتهم بأنه يعمل بالقياس، وعلى المراجع أن يقولوا فيه قولاً صريحاً ولا يخشون في الله لومة لائم، وعليهم أن يحرموه ولو اجتهاداً منهم،أما أن يسكت العلماء والمراجع لأن الناس لا يقبلون ذلك فهذه مشكلة، أو أنهم يخافون من ردة فعل المدخنين فلا يقولون بكراهته، وقد سمعت بعضهم يجهد لإقناعي بأن فيه فوائد كثيرة، وهذا أمر خطير له أبعاده، وقد شجع شبان المسلمين الذين يعرفونه على مداومة التدخين)([261]).
وكتب ضد الشيخ الخالصي نحو خمسة عشر كتاباً، لأنه أبدى ملاحظات على الطقوس المذهبية الشيعية من بينها: المجالس الحسينية، ومواكب العزاء، فانفجرت العامة في وجه الخالصي، وأصدر بعض العلماء الشيعة فتاوى بتكفيره، وتعرض لحملة تعبوية ضارية، وأثار بعض المتعاملين الشيعة الصبية والأطفال للخروج في مظاهرات سخرية ضده.
ويمكن تلمس أثر المال في قيام كثيرمن الفقهاء بالفتوى حسب المشهور وليس وفقاً لقناعاتهم الخاصة، وذلك من أجل تجنبمعارضة بقية العلماء لهم وأملاً في كسب الناس، ولو كانت المرجعية بعيدة عن الماللما وجد الفقهاء صعوبة في التعبير عن آرائهم بحرية والفتوى حسب الأدلة والبراهينالمتوفر، كما يقول الكاتب.
وهذا آية الله النائيني صاحب كتاب "تنبيه الأمة وتنزيه الملة" التي أثبت فيها مشروعية الحركة الدستورية، حيث اضطر تحت تأثير العوام بجمع كل نسخ الرسالة من المكتبات وإتلافها، وكان يقوم بشراء نسخها من الأسواق مهما كانت قيمتها تجاوباً مع العوام.
 وهذا السيد هبة الدين الشهرستاني في منتصف العقد الثاني من القرن الميلادي الحالي، أفتى السيد هبة الدين الشهرستاني بحرمة نقل الجنائز من الأماكن البعيدة إلى النجف الأشرف، لما يؤدي ذلك من أمراض على إثرتفسخ جثة الميت في الطريق، حيث أن وسائط النقل البدائية تتطلب زمناً طويلاً لإيصال الموتى إلى النجف، وبخاصة بالنسبة للأماكن البعيدة. ومن الناحية الفقهية تعنون هذه الحالة بعنوان هتك حرمة الميت، وهذا أمر لا تجيزه الشريعة المقدسة، فقامت على إثر ذلك ضجة كبيرة تعرض أثناءها لمحاولة اغتيال فاشلة قام بها بعض العوام.
 وهذا الشيخ عبد الكريم اليزدي يروي آية الله المطهري، في كتابه الاجتهاد في الإسلام، أن مؤسس حوزة قم المقدسة الشيخ عبد الكريم اليزدي، طلب تدريس اللغات الأجنبية وبعض العلوم الحديثة، كمقدمات في الحوزة، لكي يتمكن طلبتها من عرض الإسلام على الطبقات الحديثة وفي البلدان الأجنبية. ولكن ما أن انتشر الخبر حتى جاءت جماعات من الناس من طهران إلى قم قائلين بأنهم يدفعون الخمس لتدريس الفقه والأصول إلى لغة الكفار، وأنهم سوف يفعلون كذا وكذا إذا نفذ هذا الاقتراح! فألغى الشيخ فكرته لأن الموقف قد يؤدي إلى انهيار الحوزة الوليدة.
 وهذا آية الله السيد البروجردي يروى الشيخ المطهري أيضاً في كتابه السابق أن السيد البروجردي ذكر في أثناء درسه الفقهي، ذات يوم، وبمناسبة البحث في تقية الشيعي من الشيعي، أنه -أي السيد البروجردي- كان يظن أن عليه أن يستنبط الأحكام وعلى الناس العمل بها، لكنه وجد بعد ذلك أن الأمر معكوس، فالناس تريد منه دائماً أن يفتي بما يوافق رغباتهم.
 ويروي الشيخ ناصر مكارم الشيرازي أن السيد البروجردي بعث إلى هيئات العزاء الحسيني توجيهاً يطلب منهم فيه ترك العادات المخلة وغير الصحيحة أثناء إقامة مراسم العزاء، فكان جوابهم: أننا نقلدك في (364) يوماً من السنة ولكننا في يوم عاشوراء لا نقلدك.
 هذه مجرد أمثلة. وهناك أمثلة أخرى في حياة االصدر والخميني على دور العوام السلبي في سير المرجعية.
 يقول آية الله المطهري في كتابه السابق: (إن الآفة التي أصابت مجتمعنا الديني بالشلل وأقعدته عن العمل هي الإصابة بالعوام... أن منظومتنا الدينية على إثر إصابتها بهذه الآفة لا تستطيع أن تكون طليعة فتتحرك أمام قافلة، وأن تهدي القافلة بالمعنى الصحيح للهداية، إنها مضطرة للتحرك وراء القافلة).
 ويقول أيضاً: (إن حكومة العوام هي منشأ رواج الرياء والمجاملة والتظاهر وكتمان الحقائق والاهتمام بالمظاهر وشيوع الألقاب والمقامات والتطلع إلى المراكز العليا في مجتمعنا الديني مما لا نظير له في العالم).
ومما لا شك فيه أن هذه الظاهرة أوجدت تذبذباً في حركة المصلحين، فنجد شخصية تقف إلى جانب الإصلاح في قضية إلى حد الزعامة، وفي الوقت نفسه تعارض الإصلاح في قضية أخرى وإلى حد الزعامة أيضاً.
 فالشيخ محمد رضا المظفر الذي قاد حركة الإصلاح في مناهج الحوزة ومؤسساتها الدراسية حتى وصل إلى قضية الخطابة الحسينية، محاولاً برمجتها فأثيرت في وجهه ضجة عنيفة، كان قبل ذلك يصطف مع الخط المعارض لحركة السيد محسن العاملي بشان إصلاح الشعائر الحسينية.
 والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء الذي تزعم دوراً إصلاحياً في الجانبين السياسي والاجتماعي سجل معارضته لحركة السيد العاملي، والشيخ النائيني الذي وقف إلى جانب الإصلاح السياسي بقوة ختم حياته بمعارضة هذه الحركة أيضاً.
 إن حكومة العوام، وعدم التنسيق والتخطيط، وقوة الجناح المحافظ، وتضارب أدوار المصلحين، عوامل سلبية أضعفت حركة الإصلاح في حياة المرجعية وجعلتها أقل بكثير مما ينبغي([262]).
وسيطرة العوام شديدة على كل رؤساء المذاهب الإسلامية بشكل عام، وتجرأ السيد هبة الدين الشهرستاني وقال بقدر كبير من الصراحة في الأربعينات من القرن الماضي في مجلته (العلم) في مقالة بعنوان: (علماؤنا والتجاهر بالحق) جاء فيها ما نصه: (وأما في القرون الأخيرة فالسيطرة أضحت للرأي العام على رأي الإعلام. فصار العالم والفقيه يتكلم من خوفه بين الطلاب غير ما يتلطف به بين العوام وبالعكس، ويختار في كتبه الاستدلالية غير ما يفتي به في الرسائل العملية، ويستعمل في بيان الفتوى فنوناً من السياسة والمجاملة خوفاً من هياج العوام. حتى أنه بلغنا عن فقيه سأله أحد السوقيين عن يهودي بكى على الحسين (ع) فوقعت دمعته على ثوبي، هل نجس الثوب أم لا؟ فأجاب المسكين خوفاً منه: إن جواب هذه المسألة عند الزهراء (ع). وسأل سوقي آخر فقيهاً عمن شج رأسه للحسين (ع) فأجابه كذلك، إلى غير ذلك، لكن هذه الحالة تهدد الدين بانقراض معالمه، واضمحلال أصوله، لأن جهّال الأمم يميلون من قلة علمهم، ونقص استعدادهم، وضعف طبعهم، إلى الخرافات وبدع الأقوام والمنكرات. فإذا سكت العلماء ولم يزجروهم أو ساعدوهم على مشتهياتهم، غلبت زوائد الدين على أصوله، وبدعه على حقائقه، حتى يمسي ذلك الدين شريعة وثنية همجية تهزأ بها الأمم)([263]).
كانت في النجف وكربلاء وغيرهما من بلاد العراق وقراه عادة من أسوأ العادات يعمل فيها العوام والجهلة أفظع المنكرات جهاراً، وهي العشرة الأولى من ربيع الأول، حيث يضربون فيها (الطرقات والمفرقعات) التي تشبه أصواتها المزعجة أصوات المدافع في الأزقة والشوارع وبين أرجل العابرين، وأكثر ما يقع الضرب في الصحن الشريف وعلى قبور العلماء وعند رأس الإمام أمير المؤمنين رضي الله عنه، ويسمون هذه الأيام تاسع ربيع وعيد الزهراء، ويزعم أوباشهم أن كل منكر فيها جائز، ويؤذون الغرباء من طلاب العلم وأهل المدارس بكل إهانة واستخفاف، وقد استمرت هذه العادة السيئة منذ عشرات السنين بل المئات حتى تمكنت، وفي كل سنة يزداد شرها وويلاتها، ويشترك الرجال والأطفال والنساء في التكالب عليها والعمل بها، ولا يستطيح أحد من أهل العلم والصلاح معارضتها وإنكارها والردع عنها.
فلما رأى سماحته أن البلاء قد تعاظم وتفاقم وأنه مسؤول عند الله بسكوته، استشار بعض السادة الأبرار والمؤمنين الأخيار في تصدّيه للمنع عنها، فأنكروا عليه أشد الإنكار، وقالوا: (هذه عادة تمكّنت من نفوس هؤلاء الرعاع من عهد بعيد، ولا يمكنهم الإقلاع عنها، نحن نخشى لو صعدت المنبر لتمنعهم عنها أن يرمون بالطرقات وأنت على المنبر وتكون البلية أعظم!)([264]).
وفي عهد حكم الشاه بدأ العمل بشق شارع في قم. ولكن الكثير من علماء تلك المدينة عرضوا هذا الشارع بذريعة أن الأهالي غير راضين ببيع أملاكم الخاصة ودورهم وعقاراتهم، وبعد انتهاء العمل فيه اجتنبوا السير فيه بحجة أنه مغصوب، فمشى فيه الإمام البروجردي الذي رأى في ذلك المشروع عملاً يصب في مسار الصالح العام فدافع عنه. فاعتبر البعض ذلك الموقف منه تأييداً لنظام الشاه، وسوغت لنفسها توجيه أنواع التهم إليه([265]).
 لذا ظهرت دعوات تصحيحية قادها بعض دعاة الإصلاح في هذه الحوزات كمرتضى المطهري الذي قال: حكومة العامة منشأ رواج الرياء والمجاملة والتظاهر، وكتمان الحق، والاهتمام بالمظاهر، وشيوع الألقاب والمقامات، والتطلع إلى المراكز العليا. حكومة العوام تدمي قلوب أحرارنا وطلاب الإصلاح فينا.
وقول هبة الدين الشهرستاني: (جهال الأمم يميلون من قلة علمهم، ونقص استعدادهم، وضعف طبعهم، إلى الخرافات وبدع الأقوام والمنكرات. فإذا سكت العلماء ولم يزجروهم أو ساعدوهم على مشتهياتهم... غلبت زوائد الدين على أصوله، وبدعه على حقائقه، حتى يمسي ذلك الدين شريعة وثنية همجية تهزأ بها الأمم)([266]).
وهكذا باع المراجع سكوتهم عن الحق بحفنةٍ من دولارات المريدين.
يقول الموسوي: (أعرف مجتهداً من مجتهدي الشيعة لا زال على قيد الحياة وقد ادَّخر من الخمس ما يجعله زميلاً لِقارون " الغابر أو القوارين المعاصرين، وهناك مجتهد شيعي في " إيران " قتل قبل سنوات معدودة كان قد أودع باسمه في المصارف مبلغاً يعادل عشرين مليون دولاراً أخذها من الناس طوعاً أو كرهاً باسم الخمس والحقوق الشرعية وبعد التي واللتيا ومحاكمات كثيرة استطاعت الحكومة الإيرانية وضع اليد على تلك الأموال كي لا يقتسمها الورثة فيما بينهم)([267]).
وأضاف آخر: (هناك أحاديث عن استيلاء أبناء مرجع معين توفي في التسعينات على أموال تقدر بمئات الملايين كانت مودعة فيبنوك أجنبية.
ويقال أن الحكومة العراقية استولت على مليوني دولار من حساب الخوئي في أواخر السبعينات.
ونظراً لحدوث بعض حالات التلاعب بأموال الخمس وتوريث بعض المراجع الأموال لأولادهم أخذ كثير من المؤمنين الشيعة ينادون بضبط سجلات لتقييد الوارد والصادر، أو يقومون بتوزيع حقوقهم الشرعية على الفقراء والمحتاجين والمشاريع الخيرية بأنفسهم، وذهب بعض منهم الى ضرورة تشكيل جمعيات خيرية تتكفل بجباية الأخماس والزكوات وتوزيعها على المستحقين وإعطاء قسط منها لرجال الدين العاملين أو طلبة العلوم الدينية، وقد اعتمدوا على فتوى المرجع الراحل السيد محسن الحكيم والعلماء السابقين الذين لم يكونوا يوجبون تسليم الأموال إلى المراجع وكانوا يجيزون إخراج صاحب الخمس للمال بنفسه وتوزيعه على المستحقين)([268]).
وصدق من قال: (لولا الخمس لاندثر المذهب الشيعي منذ زمن بعيد، فقد كان المال المتدفق من هذه الفريضة هائلاً للدرجة التي حولت المرجعيات الدينية الشيعية إلى أباطرة يحكمون كقادة الدول، ويتحكمون في العباد وأحوالهم، ويقدرون على أن يُسيروا في ركاب مذهبهم من يغريه بريق الذهب، فصادف المذهب مراحل انتعاش كبرى وتوسعت دائرة أتباعه، ولكن مع ملاحظة أن عدداً كبيراً منهم كان العامل المشترك بينهم الاستجابة للبريق الأصفر...
والحال هكذا أصبح منصب المرجع منصباً تهفو إليه القلوب وتتطلع له الأنظار، لأنه مصب القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، وأصبحت البلد التي تجمع كبار المرجعيات وتعد عاصمة المذهب الشيعي وقبلته العلمية، مدينة خليقة بأن توضع في مصاف الدول، كونها تجمع بقوة المال نفوذاً وسلطاناً هائلين، وقد تمكن الخميني بفضل قوة المرجعية الشيعية في قم وإمكاناته المالية الهائلة من إسقاط نظام الشاه في إيران، ومن ثم فتح المجال واسعاً لضخ كميات هائلة من الأموال إلى خزائن المرجعيات في قم في غيبة تامة للنجف...
وهذه القدرة التمويلية هي التي غذت وتغذي دور النشر التي تقذف سنوياً بمئات النشرات والكتب والمراجع المسمومة المليئة بما هو ضد الأمة الإسلامية ودينها، والتي كانت الصبغة الإيرانية الصفوية واضحة عليها طيلة السنوات الخمس والعشرين الماضية، حتى أن كثيراً من ذوي التطلعات والراغبين في الإثراء من الكتاب والصحفيين والإعلاميين بصفة عامة، وبعض رجال الدين والنافذين في مجالات مختلفة كانوا يسعون لتقديم خدماتهم للمارد المالي الصفوي الكسروي الفارسي، ولو بتحولهم إلى دعاة لهذا المذهب في بلادهم!!!!!
ويمتد أثر هذا المال المتراكم إلى العلاقة بين الشيعة والسنة، حيث يقول د. علي السالوس: وأعتقد أنه لولا هذه الأموال لما ظل الخلاف قائماً بين الجعفرية وسائر الأمة الإسلامية إلى هذا الحد، فكثير من فقهائهم يحرصون على إذكاء هذا الخلاف حرصهم على هذه الأموال([269]).
ويذكر بعض الباحثين أن توافر المال بهذه الصورة بين أيدي علماء الشيعة جعلهم - عن طريق أتباعهم - يحاولون السيطرة على معظم الأعمال التجارية والشركات ومواد التموين في البلاد التي يتواجدون فيها، حتى يتحكموا بأقوات الناس وضرورياتهم.
 وفي ظل الخمس تحول المرجعيات الدينية إلى ما يشبه شركات الجباية المنظمة، حيث يفتتح المرجع له في عدد كبير من الدول مكاتب ويتخذ وكلاء يقومون بتقديم الفتاوى للمقلدين بصفة ثانوية، وبجمع أموال الخمس منهم بصفة رئيسة، ويحدث بين هذه المكاتب والوكلاء تنافس محموم على جذب الأتباع المغفلين الذين يقدمون خمس أموالهم إلى المرجع الديني وهم يتمنون منه الرضا، وقد أصبحت منزلة المجتهد محل منافسة شديدة ويتهافت عليها أعداد كبيرة من علماء الشيعة، واللافت هنا أنه لا توجد أي رقابة على المرجع في تسلمه للأموال أوكيفية إنفاقه لها، ويقول بعض الباحثين في الشأن الشيعي أن: الفقه الشيعي المفبرك الذي اخترع فريضة الخمس واستحدث لها نصوص موضوعة لم يتحدث عن كيفية متابعة أو رقابة المجتهد في إنفاقه لهذه الأموال، بل تتحدث المراجع عن حرية مطلقة في هذا الباب ولذلك انتشر الفساد بين رجال الدين الشيعة بسبب هذه الأموال.
وعلى صعيد التنازع بين قم والنجف، فقد كان محمد صادق الصدر والد مقتدى الصدر، البارز حالياً، مرجعاً دينياً في العراق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، وكان معارضاً وناقماً على السيطرة الإيرانية على منصب المرجع في العراق، واتهم مراجع النجف بالفساد في إدارة أموال الخمس، وكشف أن العراقيين لا يستفيدون من هذه الأموال الطائلة التي تجبى منهم كل عام، بل إن أهالي النجف أنفسهم -حيث يعيش المرجعيات- يعانون من الفقر وشظف العيش في ظل مرجعيات تتحكم بعشرات الملايين من الدولارات، وقد كانت هذه المعارضة من صادق الصدر والتهديد بسلب مراجع النجف الإيرانيين مصدر قوتهم وعزتهم سبباً رئيساً في اغتياله عام (1999م) كما يرجح كثير من الباحثين على أيدي هذه المراجع وعلى رأسهم السيستاني والحكيم، وليس بأيدي مخابرات الرئيس صدام حسين كما زعموا يومها، وهو ما يفسر سبب العداء الواضح بين مقتدى بن صادق الصدر وهذه المراجع في الوقت الحالي، ومعروف أن أتباع الصدر قتلوا عبد المجيد الخوئي أحد معارضي نظام الرئيس صدام، والذي عاد إلى العراق على متن الدبابات البريطانية، وهو يعتبر ابن المرجع الخوئي المعروف - الذي مات عام (1993م)،- وكان الخوئي الابن قد قدم بغداد كما قلنا، في حماية قوات الاحتلال، للاضطلاع بدور في عهد ما بعد الرئيس صدام، لكنه قتل على باب منزل مقتدى الصدر وبأيدي أتباعه، والخوئي المقتول كان يدير مؤسسة الخوئي العالمية من لندن بعد أن ورث أموال الخمس بعد موت أبيه، وهي تعد حسب التقديرات غير الرسمية بعشرات الملايين من الدولارات التي لم يستطع أحد أن يسترجعها منه.
ونذكر مثالاً لما يكتبه بعض المثقفين الشيعة المعارضين لتلك الحال الفاسدة، حيث يقول الكاتب الشيعي سالم علي متحدثاً عن تسلسل الفساد في المرجعية بدءاً من الخوئي: (ورث المنصة - المرجعية - السيد الخوئي، وموقفه لا يحتاج إلى بيان، والمليارات التي ورّثها لأولاده وأرحامه لا تأكلها النيران، والجاه والنعيم الذي يعيشه أولئك فوق الخيال، بل يكفي أن يتأمل أحد كيف كان يعيش ولده مجيد في لندن، بل وكيف كان يحيا صهره جلال وأولاده الذين جابوا شرق الدنيا وغربها وهم ينثرون حقوق الفقراء من الشيعة على ملاذهم وملاهيهم). ويوسع الكاتب دائرة الاتهام لتشمل المرجعيات الإيرانية في العراق والتي يقول أنها كانت موالية لنظام الرئيس صدام حسين ولذلك: (لا غرو أن تتضخم ثروات هؤلاء المراجع، وتزداد قدراتهم، وتمتد شبكاتهم، وتجند لتحقيق هالاتهم الكثير من الأقلام المأجورة، والنيات الساذجة، حين تطارد اللعنة والاتهامات، بل والقتل غيرهم)، ثم يوجه الكاتب سهام نقد خاصة للسيستاني: (واليوم تطل علينا مرجعية لا يجهل حقيقتها إلا السذّج والبسطاء، انتقلت إلى يديها قدرات مادية ضخمة، وشبكات معقدة تمتد إلى أنحاء العالم، ومصالح مادية متشابكة ستكشفها الأيام، باتت ووفق سياسة لم تعد خافية تتحدث جزافاً وظلماً باسم شيعة العراق، ودون وجه حق، أوحجة منطقية خلا ما يروج له أتباعها ومريدوها.
وقبل ذلك كان نجل أبو الحسن الأصفهاني - أحد المراجع الشيعية - قد قتل لأسباب تتصل بالأموال الشرعية للمرجعية..
ولنا أن نتخيل عدداً محدوداً من رجال الدين يتحكمون في أرصدة تقدر بمئات الملايين من الدولارات - غير معروفة على وجه الدقة - ثم تبدأ فئات جديدة من رجال الدين في الظهور، وتسلك مسلكاً تنافسياً لسلب هؤلاء نفوذهم، وسحب البساط السحري من تحت أقدامهم، إن الصراع الذي ينشب في هذه الحالة خليق بأن يشكل الحدث الأبرز في تاريخ الشيعة المعاصر.
ولا توجد في الخليج مرجعية دينية مؤهلة لتقليدها وجمع أموال الخمس من الأتباع، ولذلك يتوزع شيعة الخليج بين مختلف المراجع الدينية، فهناك من يتبع السيستاني - إلايراني - في العراق، وآخرون يتبعون خامنئي المرشد الإيراني أو الشيرازي والتبريزي، وهم إيرانيون مقيمون في إيران، وقلة تتبع محمد حسين فضل الله في لبنان.
وهذا يعني أن الخمس الخليجي - المتضخم - يصب جزء كبير منه في جيب الإيرانيين، وهذا لعمري نفوذ هائل ومزرعة دجاج لا تتوقف عن بيض الذهب، وبدونه ستفقد قم مصدر دخل كبير لا يعوض، وهذا الفقد سيأتي في المقام الأول من المنافسة الواعدة للنجف العراقية، حيث الانتماء العربي له تأثير في هذا المجال، كما أن الفقه العراقي الشيعي يتميز عن مثيله الإيراني بالسهولة والبساطة إلى حد ما، ما يعني أن بوصلة التقليد والاتباع في الفتاوى ستبدأ في تغيير وجهتها نحو النجف، وهو ما يحفر أخاديد هائلة في خفايا العلاقة بين مرجعيات المدينتين الشيعيتين الأكبر.
وقد أثمر هذا الصراع الخفي بين قم والنجف في ظهور دعوات بين شيعة الخليج تطالب بمرجعيات دينية خليجية تتسلم أموال الخمس وتفتي أتباع المذهب بعيداً عن التنافس العراقي الإيراني على أموالهم، ولتظل البيضة داخل العش.
وهناك عوامل من شأنها أن تسعر هذا الصراع، منها أن تزايد معدلات استخراج النفط العراقي من شأنه أن يساهم في زيادة متوسط الدخل، ولو انتعش اقتصاد الدولة، فإن ذلك يعني زيادة هائلة في مدخولات الخمس التي يدفعها الشيعة العراقيون سواء إلى قم أوالنجف([270]).
وأنا أقرأ قصص الثروات الهائلة لهؤلاء المراجع وورثتهم التي جمعوها باسم الخمس وامتلأت بها البنوك، أستحضر سير أئمة آل البيت رضي الله عنهم أجمعين وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف كانوا يعيشون.
فقد روى القوم: أن علياً رضي الله عنه قال يوماً لفاطمة رضي الله عنها: يا فاطمة، هل عندك شيء تطعميني؟ قالت: والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أصبح عندي شيء يطعمه بشر، وما كان من شيء أطعمك منذ يومين إلا شيء أؤثرك به على نفسي وعلى الحسن والحسين، قال: أعلى الصبيين، ألا أعلمتني فآتيكم بشيء؟ قالت: يا أبا الحسن، إني لأستحيي من إلهي أن أكلفك ما لا تقدر، فخرج فاستقرض ديناراً([271]).
وفي رواية أخرى: دخل صلى الله عليه وسلم على فاطمة ووجدها صفراء من الجوع، فقال: مالي أرى وجهك أصفر؟ قالت: يا رسول الله، الجوع([272]).
فلا غرابة إذاً أن يقترض صلى الله عليه وآله وسلم من شدة الفاقة ليؤمن قوت نفسه وعياله، وله في ذلك حكايات رواها القوم، منها:
ما رواه علي رضي الله عنه من أن يهودياً كان له على رسول الله دنانير فتقاضاه، فقال له: يا يهودي، ما عندي ما أعطيك، قال: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني، فقال: إذاً أجلس معك، فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء الآخرة، والغداة([273]).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعاً من شعير، أخذها رزقاً لعياله([274]).
وعن الصادق: وقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وعليه دين، وقتل أمير المؤمنين عليه السلام، وعليه دين، ومات الحسن عليه السلام وعليه دين، وقتل الحسين عليه السلام وعليه دين([275]).
كل هذا رغم تشدده في أمر الدين، حتى ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم تركه للصلاة على من كان عليه دين حتى لو كان قليلاً، فهذا رجل مات على عهده صلى الله عليه وسلم وعليه ديناران، فأخبر بذلك فأبى أن يصلي عليه([276]).
ورجل آخر من الأنصار مات وعليه دين فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: لا تصلوا على صاحبكم حتى يقضي دينه([277]).
ورووا أنه جعل الدَّيْن قرين الكفر في الاستعاذة منهما، حيث قال: أعوذ بالله من الكفر والدين، قيل: يا رسول الله، أيعدل الدين بالكفر؟ فقال: نعم([278]).
ورووا عن الصادق: قال صلى الله عليه وآله وسلم: الدين راية الله عز وجل في الأرض، فإذا أراد أن يذل عبداً وضعه في عنقه([279]).
وعن الباقر: كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله، إلا الدين فإنه لا كفارة له إلا أداؤه([280]).
وعن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إياكم والدين فإنه شين للدين([281]).
وعن أبي عبد الله عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: إياكم والدين؛ فإنه مذلة بالنهار ومهمة بالليل وقضاء في الدنيا وقضاء في الآخرة([282]).
فما الذي اضطره صلى الله عليه وسلم إلى التدين وموته وهو عليه، رغم كل ما أورده القوم عنه في ذلك؟ فهل من كانت هذه حالهم كانوا يأخذون الخمس؟
وكذا كان حال علي رضي الله عنه إلى وفاته، فيوم أن تزوج الزهراء رضي الله عنها عيرتها نساء قريش بفقره، فجاءت أباها صلى الله عليه وآله وسلم شاكية: إنك زوجتني فقيراً لا مال له([283]).
وفي أخرى: قلن: زوجك رسول الله من عائل لا مال له([284]).
وهكذا عاش رضي الله عنه، ففي إحدى خطبه قال: والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها؟([285]).
حتى اضطر أن يبيع متاعه ليوفر ثمن قوت يومه، فعنه رضي الله عنه أنه قال: من يشتري سيفي هذا؟ فوالله لو كان عندي ثمن إزار ما بعته([286]).
وكان لا يزال رضي الله عنه يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدين إلى أن مات مديوناً.
فعن الباقر عليه السلام قال: قبض علي وعليه دين ثمانمائة ألف درهم([287]).
وهكذا كان حال أبنائه رضي الله عنهم، كما مر بك في رواية الصادق رحمه الله أنه قال: مات الحسن وعليه دين، ومات الحسين وعليه دين.
بل إن الحسين رضي الله عنه أتعب من جاء بعده، فقد أصيب وعليه دين بضعة وسبعون ألف دينار، فاهتم علي بن الحسين بدين أبيه حتى امتنع من الطعام والشراب والنوم في أكثر أيامه ولياليه([288]).
فهل عرف الخمس طريقه إلى هؤلاء؟ بل ذكروا ذلك صراحةً في رواية عن الباقر رحمه الله أنه قال: قبض علي عليه السلام وعليه دين ثمانمائة ألف درهم فباع الحسن عليه السلام ضيعة له بخمسمائة ألف فقضاها عنه وباع ضيعة له بثلاثمائة ألف فقضاها عنه وذلك أنه لم يكن يرزأ من الخمس شيئاً، وكانت تنوبه نوائب([289]).
والحق أن الكلام في هذا الباب يطول ولا يسعه هذا المختصر.
الخمس بين السائل والمجيب:
ولنأخذ الآن جولة سريعة ومختصرة في كتب الشيعة لنرى الخمس بين السائل والمجيب، وسنقتصر على كتب المعاصرين. ثم انظر كيف أنهم تشددوا وتفننوا في هذه المسألة، وستقف على أنه ليس هناك أي ضوابط شرعية أو ثوابت في الفتوى وكذلك إخضاعها للمزاج وكذا اختلاف الإجابات، ولعل ذلك يفضي إلى الاعتقاد أن جل هذه الأسئلة مصطنعة من أجل ترهيب الأتباع، أو أنها قد أجيب عنها بعيداً عن رأي المراجع، رغم أنني أرى أن الأمر سيان.
السؤال: ما حكم زجاجة العطر التي تم استخدام جزء منها خلال الحول (السنة) وبقي الجزء الآخر من العطر إلى الحول الآخر، فهل يجب تخميس الجزء الباقي؟
الجواب: بسمه تعالى: نعم يجب تخميسه، والله العالم([290]).
السؤال: بعض الأشخاص في الدول الغربية يسرقون من الشركات التابعة للدولة الكافرة ثم يأتون بهذه الأموال ويقولون: نريد أن نخمسها! فما حكم هذه الأموال وكيف يتم الخمس فيها، وهل تصبح حلالاً بعد إخراج الخمس منها؟
الجواب: لا تجوز السرقة المزبورة لما فيه من المهانة على المسلمين، وإذا ارتكب ذلك يجب فيه الخمس كسائر الأموال وتصبح حلالاً، إن شاء الله تعالى، والله العالم([291]).
السؤال: طاحونة تطحن الحنطة لعموم الناس، هل يتعلق بها الخمس والزكاة أم لا؟
الجواب: إذا كانت وقفا على العموم فليس فيها خمس([292]).
السؤال: شخص هوايته جمع العملات (عملات من دول مختلفة) هل يتعلق به الخمس؟
الجواب: يجب فيها الخمس([293]).
السؤال: هل يوجد خمس بعد مرور السنة على الكفن الذي يشتريه الإنسان لينظر إليه استحباباً ولتكفينه به بعد موته؟
الجواب: نعم([294]).
السؤال: ما هو حكم المتبقي من الكتب الإسلامية المطبوعة على نفقة المؤلف عند المؤلف بعد مرور الحول عليه؟
الجواب: يجب في الصورة المفروضة تخميس الكتاب، والله العالم([295]).
السؤال: الشجر الذي يوجد في دار الإنسان أو بستانه، هل يجب الخمس في نموه كل سنة؟ أم يكفي إخراج خمسه أولاً؟
الجواب: إن كان ذا ثمر يتمتع به قبل عام فليس فيه خمس، وإن كان لا يثمر أو سيثمر بعد عام أو أكثر فعن نماء كل سنة منه خالية من الثمر خمس ذلك النماء([296]).
السؤال: بعض المواد الغذائية والسلع الأخرى تباع بسعر حكومي، وتباع أيضاً في السوق الحرة ولكن بأضعاف السعر الحكومي، فإذا اشترى الشخص بالسعر الحكومي وبقي عنده شيء إلى آخر السنة فعلي أي قيمة يدفع الخمس؟
الجواب: بسمه تعالى: تخمس حسب قيمة السوق الحرة، والله العالم([297]).
السؤال: من صلى بثوب تعلق فيه الخمس فصلاته باطلة، فهل يعني هذا أنه يجب عليه الإعادة؟
الجواب: بسمه تعالى: لو صلى في ثوب تعلق بعينه الخمس عامداً وجبت الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه، والله العالم([298]).
السؤال: إذا اشترى كتاباً واستعاره آخر منه، ومضت عليه سنة كاملة عند المستعير، بحيث لم يتسن لصاحبه استعماله، فهل يجب عليهتخميسه، مع العلم أن المستعير قد استعمله؟
الجواب: نعم يجب دفع خمسه، والله العالم([299]).
السؤال: عندي بنت عمرها (12) سنة هلالية، حصلت على هدية قطعة قماش مما يقارب السنتين ولم تستعملها، فما حكمها من ناحية الخمس؟
الجواب: يجب عليها أن تخمسها بقيمتها الفعلية([300]).
السؤال: هل يجب على الطالب أن يخمس ما يعطى من كتب مدرسية وغيرها؟
الجواب: الخوئي: إذا حال عليها الحول ولم يستفد منها في أثنائه، وجب تخميسها كسائر الهدايا، والله العالم. التبريزي: إذا أعطي مجاناً فلا خمس في الشيء البسيط في قيمته([301]).
السؤال: الهدية مثل الساعة أو القلم أو الكتاب إذا لم تستعمل حتى مرت عليها سنة فهل يجب فيها الخمس؟
الجواب: الخوئي: نعم يجب تخميسها. التبريزي: إذا كان مالاً حقيراً فلا خمس فيه([302]).
السؤال: هل السنة الخمسية يجب أن تعتبر وتحاسب شمسية أو قمرية؟
الجواب: المكلف مخير في ذلك([303]).
 أقول: المفروض أن يكون الجواب: حتى لو كانت السنة مرّيخية أو زُحَلية، المهم أن تدفع.
السؤال: أنا طالب وأزاول دراستي ومريض ولا يمكنني العلاج لعدم توفر المقدار اللازم من المال، فأنا أجمع من أموالي في كل شهر ما أقدر عليه حتى يتوفر المقدار اللازم وأدخل المستشفى في العطلة الصيفية وخلال هذه الفترة يحين رأس السنة الخمسية فهل يجب علي تخميس المبلغ المتجمع لدي؟
الجواب: إذا كنت تشتغل وتستلم راتباً شهرياً فرأس سنتك يوم شروعك بالعمل أو الوظيفة، فكل ما يكون عندك يجب فيه الخمس([304]).
أقول: يبدو أن هذا السائل المسكين كان ينتظر من المرجع أن يدعوا له بالشفاء.
السؤال: إذا قرأنا من كتاب عشر صفحات فهل يطلق عليه أنه قد قرأ، بحيث لو دار عليه الحول لا يخمس أم كم ينبغي القراءة منه حتى إذا دار عليه الحول لا يخمس؟
الجواب: إذا كانت القراءة حسب الحاجة إليها في أثناء السنة فلا خمس فيه([305]).
السؤال: هل يجب الخمس في الأجزاء غير المقروءة من دورات الكتب خصوصاً إذا كان عمل الشخص في التتبع والبحث والتحقيق في التاريخ والأدب وغيرها من المجالات، فربما يحتاج اليوم هذا الجزء من الدورة ويحتاج الجزء الآخر منها بعد أكثر من سنة نظراً لمتطلبات العمل، هذا إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن دورات الكتب لا تباع مجزأة؟
الجواب: في مفروض السؤال لا خمس في البقية غير المقروء فيها([306]).
السؤال: الأواني المعدة للطعام والشراب إذا استعملت للزينة فقط فهل يعد هذا استعمالاً مسقطاً للخمس؟
الجواب: إذا كانت مما يعد عدمها نقصاً ووجودها متعارفاً في المقام فتحسب مؤنة لا خمس فيها عليه، والله العالم([307]).
السؤال: إذا جاء موسم الحج وفي نفس الوقت جاء موعد إخراج الخمس الذي عليه، فإذا أخرج الخمس نقصت أموال الحج فلا يستطيع الذهاب، وإن حج ولم يدفع الخمس منع حق من حقوق الله، فما العمل وأيهما يقدم؟
الجواب: لا بد من التخميس، فإن بقيت استطاعته وجب عليه الحج وإلا لم يجب([308]).
السؤال: هل الانتفاع من مجلد واحد من دورة تتكون من عدة مجلدات (كوسائل الشيعة مثلاً) يمكن أن يكون مسقطاً للخمس عن تلك الدورة كلها، أميجب قراءة صفحة من كل مجلد مثلاً؟
الجواب: لو كان مجموع الدورة في معرض الاحتياج، أو كان الحصول على المجلد المحتاج إليه متوقفاً على شراء دورة كاملة فلا خمس فيها،وإلا فيجب تخميس المجلدات الخارجة عن حاجته حالياً، ومجرد قراءةصفحة من كل مجلد لا يكفي في سقوط الخمس([309]).
السؤال: الكفن الذي يشترى ويبقى عدة سنوات هل يجب تخميسهأم أنهيجب دفع خمس قيمة الشراء؟
الجواب: إذا كان المال الذي اشترى به الكفن مخمساً فلا خمس عليهفيما بعد، وإلا فالخمس يتعلق بقيمته الفعلية([310]).
السؤال: أنا متزوج ولم أخمس في حياتي إذ ليس لدي ما أخمس. فأنا أملك أشياء عادية التي يستخدمها الإنسان في حياته، وأريد الذهاب إلى الحج وقال لي بعض الأصدقاء: إن فلوس الحج يجب أن تخمس هل هذا صحيح؟
الجواب: تملك الأشياء العادية لا يبرر الامتناع من دفع الخمس، فعليك أن تخمس كل ما يبقى لديك من مال بعد مرور سنة على بدء العمل سواء كان المال نقداً أم أشياء تصرف في البيت مثلاً كالأرز والدهن وكذلك أثاث البيت إذا لمتستعمل طول السنة، وأما بالنسبة للحج فإن صرفت فيه ما حصلت عليه من مال في تلك السنة لم يجب فيه الخمس، وإنكان من مال حصلته في السنة السابقة باحتساب مبدأ السنة أول يوم العمل وجب تخميس المال قبل صرفه([311]).
السؤال: إذا قرأنا من كتاب عشر صفحات فهل يطلق عليه أنه قد قرئ، بحيث لو دار عليه الحول لا يخمس؟ أم كم ينبغي القراءة منه حتى لا يخمس إذا دار عليه الحول؟
الجواب: الخوئي: إذا كانت القراءة حسب الحاجة إليها في أثناء السنة فلا خمس فيه. التبريزي: يضاف إلى جوابه: وإلا فلا يسقط الخمس فيه([312]).
السؤال: الكتب التي يشتريها المرء ومن شأنه أن يقتنيها ويستعملها،ولكن يمر أكثر من عام على عدم استعمالها، هل يجب فيها الخمس؟
الجواب: الحوائج التي ملكها ولم تقع طول السنة مورد متعته وجب إخراج خمسها([313]).
السؤال: ما حكم الماء الموجود في خزان فوق سطح الدار لاستعماله للمنزل حسب العادة هل يجب فيه الخمس إذا جاء رأس السنة؟
الجواب: لا يجب فيه الخمس، والله العالم([314]).
السؤال: ما حكم شراء وتربية طيور الزينة للمنزل، هل يجب الخمس بمجرد الشراء لأنها لا تعتبر من المؤونة؟
الجواب: بعض الطيور الوارد فيه النص في استحباب الإمساك بها في البيوت إذا كان بمقدار المتعارف لا خمس فيه، وفي غيره يجب التخميس([315]).
السؤال: هل يجب الخمس في الكتاب الذي لم يقرأ، مع أنه موضوع في المكتبة ومعرض للاستعمال، وإذا كان لا بد من قراءته وإلا لوجب الخمس فيه، فما هو المقدار من القراءة الذي يوجب صدق عنوان الاستعمال عليه؟
الجواب: يدور السقوط مدار صدق المؤنة والاحتياج العادي، لا مدار الاستعمال فقط([316]).
السؤال: من اشترى كتاباً فقهياً استدلالياً وهو ليس من أهل العلم، فلم يفهم ما فيه من أدلة الأحكام، ولكنه قرأ ما فيه من الأحكام وحال عليه الحول فهل يجب تخميسه؟
الجواب: في مثل ذلك يجب أداء خمسه([317]).
السؤال: قراءة الكتاب المفيد بقصد التهرب من الخمس، يسقط الخمس أم لا؟
الجواب: في مفروض السؤال: لا يسقط الخمس([318]).
السؤال: إذا كان المكلف لا يؤدي فريضة الخمس، ويملك منزلاً متعلق به الخمس ولا ندري أن الخمس متعلق بالذمة أو العين، هل يجوز لنا أن نصلي في منزله؟ ونتناول الطعام عنده، وإذا أهدانا ثوباً هل يجوز الصلاة فيه؟
الجواب: بسمه تعالى: إذا لم تعلموا بتعلق الخمس بعين ما تتصرفون فيه فلا بأس لكم، والله العالم([319]).
السؤال: تعلق بذمتي مبلغ مئة ألف تومان من السهم المبارك للإمام عليه السلام ويجب أن أدفعه إلى سماحتكم، ومن جهة أخرى هناك مسجد بحاجة إلى المساعدة، فهل تجيزون تسليم المبلغ المذكور إلى إمام جماعة ذلك المسجد لصرفه في بناء وإكمال ذلك المسجد؟
الجواب: في الوقت الحاضر أرى صرف السهمين المباركين في إدارة حوزات العلوم الدينية، وأما إكمال بناء المسجد فيمكن الاستفادة فيه من تبرعات المؤمنين([320]).
ومما يدل على أن الأمر كله تجارة في الدين تطبيق قوانين وعادات البيع والشراء في الخمس، كالمساومة ويسمونه المصالحة، وإليك بعضاً من هذا:
السؤال: شخص كان يجب عليه أداء خمس أرباحه عدة سنوات، ولكنه إلى الآن لم يدفع شيئاً بعنوان الخمس، ولا يتذكر مقدار ما وجب عليه دفعه من الخمس، والآن كيف يمكنه أن يبرئ ذمته من الخمس؟
الجواب: يجب عليه حساب جميع الأموال التي تعلق بها الخمس وأداء خمسها، وفي الموارد المشكوكة يجزيه المصالحة مع ولي الخمس، أو مع وكيله([321]).
السؤال: شخص يريد أن يحسب أمواله لأول مرة من أجل أداء خمسها، فما هو حكم الدار السكنية التي اشتراها، ولكنه لا يعلم بأي مال كان قد اشتراها؟ وإذا علم بأنه اشتراها بأموال كانت مدخرة لعدة سنوات فما هو حكمه؟
الجواب: إذا لم يعلم بكيفية الشراء يجب عليه على الأحوط المصالحة عن خمسها بشيء مع ولي أمر الخمس، ولو اشتراها بمال تعلق به الخمس وجب عليه دفع خمسها بالقيمة الفعلية، إلا أن يكون قد اشتراها في الذمة وبعد ذلك سدد دينه من مال غير مخمس ففي هذه الصورة يجب عليه دفع خمس ما سدد به دينه([322]).
السؤال: ما حكم من يريد أن يجعل لنفسه رأس سنة ليخمس أمواله، ولكنه لا يستطيع تذكر أرباح السنوات السابقة، وخاصة أنه كان يعتمد على والديه وربحه قليلاً؟
الجواب: يرجع إلى المصالحة مع الحاكم الشرعي([323]).
السؤال: هل يجوز لطالب العلم أن يصالح المؤمنين في مسألة الخمس والزكاة، بدون أخذ وكالة من المرجع؟
الجواب: لا يجوز المصالحة في الخمس، إلا بإذن الحاكم الشرعي، وأما في الزكاة فيجوز المصالحة فيها مع الفقير، ما لم تكن المصالحة موجبة لتفويت حق الفقير([324]).
ومن السؤال الأخير يتضح أمر آخر وهو التساهل في مسألة الزكاة، وتقديم الخمس عليه، ولهم في الباب إجابات صريحة في ذلك، منها:
السؤال: هل يجب الخمس والزكاة على الأولاد الذين لم يبلغوا سن التكليف أم لا؟
الجواب: زكاة المال لا تجب على الشخص غير البالغ، ولكن لو تعلق الخمس بماله وجب على وليه الشرعي أداء ذلك الخمس[325].
السؤال: ما هو وزن الذهب المطلوب الذي يجب فيه الزكاة وأن كان من الحلي الذي تلبسه المرأة بعد مرور سنة كاملة مع إنني أعلم أن الذهب الملبوس لا يخرج منه زكاة، ولكن إذا زاد عن المقدار المناسب فسوف يعتبر اكتناز وهذا حرام بحيث إن الذهب يلعب دوره في الاقتصاد؟
الجواب: لا تجب الزكاة في الذهب غير المسكوك بسكة المعاملة مهما كان، ولا يوجد الآن ذهب بسكة المعاملة، نعم يجب الخمس في ما لا يستعمله في مؤونة السنة منه كما لو اشترت المرأة حلياً ولم تلبسها أو كانت زائدة على ما يليق بشأنها([326]).
السؤال: هل تعتبر الحقوق الشرعية: الخمس، المظالم، الزكاة من شؤون الحكومة أم لا؟ وهل يستطيع من وجب عليه الخمس أن يعطي بنفسه سهم السادة والمظالم والزكاة إلى المستحقين؟
الجواب: أما الزكاة والمظالم فيجوز له تسليمهما إلى الفقراء المتدينين المتعففين، وأما الخمس فيجب عليه أن يدفعه إلى مكتبنا، أو إلى أحد وكلائنا المجازين ليصرف في الموارد الشرعية المقررة له([327]).
بل قالوها صراحةً، أن الخُمُس مقدم على الزكاة.
السؤال: الأموال التي تتعلق بها الزكاة: الغلات والنعم والنقدين، إذا حال عليها الحول، هل تخمس أيضاً، وعلى فرض التخميس أيهما يقدم أو لا؟
الجواب: نعم، إذا كانت بشرائط كل واحد منهما، والخمس منهما مقدم([328]).
ولا شك أنك لن تجد أحداً من طلاب الدنيا وحطامها يقدم (2،5 %) على (20%)، هذا رغم أن فريضة الزكاة قد وردت في القرآن حوالي ثلاثين مرة، ذكرت في سبع وعشرين منها مقترنة بالصلاة في آية واحدة، وكفّر الشارع منكرها. رغم هذا تشدد الشارع في جواز إخراجها وجعل لها شروطاً عدة يجب أن تتوافر حتى يستحل إخراجها، كالملك التام، والنماء، وبلوغ النصاب، والفضل عن الحوائج الأصلية، والسلامة من الدين، وحولان الحول.. إلى آخر هذه التفاصيل.
بينما لا نجد هذا كله عند القوم في الخمس الذي لم يرد فيه سوى آية واحدة وهي في مغانم الحروب كما عرفت، وفي الركاز، وهذين الموردين - الغنيمة والركاز - ليس لهما وجود فِعلي في زماننا هذا فضلاً عن الأزمنة الغابرة غير القريبة يوم أن انتفت أسباب وجودهما. رغم هذا لم يسلم من وجوب الخمس شيء حتى الكتب والعطورات وأكفان الموتى، حتى بلغ الخوف بالأتباع السؤال عن حكم الخمس في خزانات المياه الموجودة على أسطح المنازل كما مر بك. هذا فضلاً عن عدم استثناء الفقير المعدم منه كما مر، بل وتجب في ذمته، فقد سأل أحدهم: قبل حوالي (7) سنوات تعلق بذمتي مبلغ من الخمس،وقد داورته مع المجتهد وسددت جزءاً منه، وبقي الجزء الآخر بذمتي، ومنذ ذلك التاريخ وإلى الآن لم أستطع تسديد الباقي، فما هو تكليفي؟
فجاء الجواب: مجرد العجز فعلاً عن الأداء لا يوجب فراغ الذمة، بل يجب عليك تسديد ذلك الدين ولو بالتدريج متى استطعت لذلك([329]).
وبعد..
وبهذا نكون قد وقفنا على حقيقة مسألة الخمس عند الشيعة، ونستطيع أن نلخص البحث في التالي:

  •  لم يرد في الخمس سوى آية واحدة، وحديث واحد. والآية تحدثت عن الخمس في غنائم الحرب لا سائر المكاسب.

  •  والقرآن الكريم فرّق بين الغنائم والمكاسب، واعتراف الشيعة بذلك، ومحاولتهم تعميم الغنمية على مطلق المكاسب من خلال الروايات، والتي لم يصح منها شيء عند التحقيق كما مر بك. واضطرابهم في تأويل رواية من طرق الأئمة في حصر الخمس في غنائم الحروب.

  •  لا يوجد في كتب أهل السنة أبواب مستقلة للخمس،وإنما تجد ذكره عند بيان أحكام الغنائم في إحدى تفريعات أبواب الجهاد أو فيما يتعلق بأحد موارد الزكاة عند الكلام عن أحكام الركاز والمعادن، لأن الموردين المذكورين فيهما (الغنيمة والركاز) ليس لهما وجود فِعلي في زماننا هذا فضلاً عن الأزمنة الغابرة. وكذلك كتب المتقدمين من الشيعة كالكافي وغيره،بينما تجد عند الشيعة فيما بعد أبواب خاصة بالخمس في مصنفاتهم تبلغ مئات الصفحات، إلى أن انتهى بهم الأمر إلى وضع مصنفات ورسائل مستقلة في الخمس.

  •  اختلف الشيعة في مستحق الخمس، بين كونهم جميع فقراء المسلمين، أو اقتصاره على فقراء بني هاشم، وكذلك اختلفوا في استحقاق من انتسب إلى بني المطلب، أو إلى هاشم بالأمومة.

  •  اختلف الشيعة في حكم الخمس في غيبة الإمام المهدي إلى عشرات الأقوال، رغم ورود عدة روايات من طرق الأئمة رحمهم الله في تحليل وإباحة الخمس لشيعتهم، إلا أن علماء الشيعة قد غيّبوا هذه الروايات عن الأتباع.

  •  ليس في آية الخمس أو حديثه، بل ولا في روايات الخمس المنسوبة إلى الأئمة أن من مستحقي الخُمُس الفقية أو المجتهد أو المقلَد كما هو الحال الآن.

  • اعتراف الشيعة بأن التاريخ لم يذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو علي أو الحسن أو الحسين رضي الله عنهم قد أخذوا شيئاً من الخمس، ولا أن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قد ذكر شيئاً من ذلك في كتبه للولاة، واضطراب الشيعة في رد هذه الحقائق.

  • كتب الشيعة تبين بوضوح أن نظرية الخمس مرت بمراحل كثيرة عبر التاريخ، بدءاً بالإباحة المطلقة، وانتهاءً بالوجوب، ثم بحصر الوجوب في الفقيه، ثم المقلَد، ثم قول البعض بوجوب حصره في الولي الفقيه دون غيره. وإن هذا الحصر الأخير كان من أعظم أسباب الخلاف بين أنصار ولاية الفقيه وشورى الفقهاء.

  •  اعتراف الشيعة أن أموال الخمس ضخمة جداً، وأن جزءاً واحداً من آلاف الأجزاء من هذه المالية الضخمة يكفي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، فماذا يفعل بالأجزاء الكثيرة المتبقية؟

  •  اعتراف الشيعة أن مصطلح تقليد ومصطلح مرجعية ومرجع أعلى.. إلخ،اخترعه المتأخرون. وكذلك مسألة لزوم تقليد الأعلم. واختلافهم في تحديد الأعلم وكذلك اختلفوا في حصره في السادة دون غيرهم.

  •  إن الخمس من أعظم أسباب الصراع بين المراجع عند الشيعة، بل والصراع بين حوزة قم والنجف، وتاريخ الحوزات مليء بالفضائح بسبب الخمس، وشكوى الكثير من الإصلاحيين عند الشيعة من استغلال الخمس باسم الدين.

  •  من مساوئ الخمس سيطرة أصحاب رؤوس الأموال والعوام على المراجع من باب الخمس، وتأثيرهم على استنباطهم للأحكام، مما يهدد رسالة الإفتاء ومهمتها. وكذلك استغلال المستعمر له.

  •  تشدّد المراجع في وجوب إخراج أتباعهم للخمس، وفي كل شيء، كالدهن، والأرز، والطحين، والسكر، والملح، والحبوب، والدقيق، والشاي، والنفط، والغاز، والكبريت، والكحل والزئبق، وأثاث البيت، والكتب غير المقروءة، والكفن، وأشجار الزينة، وعيدية الأطفال، والساعة، والقلم، وسائر الهدايا والهبات، وأطقم الأواني المنزلية، وطيور الزينة، والأموال المحرمة والمسروقة، حتى لو غاص في أعماق البحار ووجد شيئاً سوف يجد من ينتظره على الشاطئ ليأخذ خمسه، ولو اشترى دابة ووجد في جوفها شيئاً له قيمة، ولو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شيئاً أخرج خمسه، وكذلك مايتركونه بعد مماتهم من ميراث.. إلخ، وتشددهم في ذلك حتى على الأطفال والفقراء والمرضى الذين يجمعون الأموال من أجل العلاج. رغم أن الكثير منها لا يصدق عليه اسم الكسب أو الفائدة لأنهم قالوا كما عرفت: إن الغنيمة هي الفائدة المكتسبة. وإن قالوا: إن المراد بالغنيمة هو الفائدة المكتسبة المحصلة بكسب، فحينئذ يخرج من الخمس الميراث، وكذلك الهبة والصدقة ; لبعد إطلاق الكسب على مثل قبول الهبة والصدقة.

  •  وقالوا في باب ذكر الوقت الذي يجب إخراج الخمس فيه: يجب إخراج الخمس حين حصول المال من غير مراعاة لحلول الحول عليه، ولا غير ذلك. ولا يعتبر الحول في شيء من الخمس، ولكن يؤخر ما يجب في أرباح التجارات احتياطاً للمكتسب.

  •  تساهل المراجع في الزكاة والحج وغيرهما، بل وقدموا الخمس على الزكاة والحج إذا تعارضا. وكذلك قالوا بعدم وجوب الخمس أو الزكاة في الخمس.

  •  تطبيق مبدأ المساومة والمحسوبيات في الخمس.


[1] لسان العرب 6/ 70.

[2] معجم مقاييس اللغة 2/ 217.

[3] انظر: أحكام القرآن لابن العربي 2/ 377، تبيين الحقائق 9/ 298، الكافي في فقه أهل المدينة 216.

[4] صحيح البخاري، 427                                                                          

[5] صحيح مسلم 1747

[6] سنن أبي داود 2755، سنن النسائي 3688.

[7] انظر: التمهيد 14/ 68-69، الحاوي الكبير 8/ 429، المجموع للنووي 19/ 371-373، المغني لابن قدامة 6/ 314.

[8] صحيح مسلم 204.

[9] المطلب هو أخو هاشم، عم عبد المطلب.

[10]صحيح البخاري 1428، صحيح مسلم 1710

[11] انظر: المغني لابن قدامة 2/ 274، بدائع الصنائع 2/ 157، مواهب الجليل 2/ 345، مغني المحتاج 3/ 112.

[12] صحيح البخاري 1428، صحيح مسلم 1710

[13] انظر: تهذيب اللغة 10/ 56، لسان العرب 5/ 356.

[14] انظر: تمام المنة 376.

[15] انظر: المبسوط للسرخسي 2/ 211، التمهيد لابن عبد البر 7/ 29-30، المغني لابن قدامة 2/ 326-329، المجموع للنووي 5/ 65.

[16] المصطلحات، إعداد مركز المعجم الفقهي 1046، معجم ألفاظ الفقه الجعفري، للدكتور أحمد فتح الله 180.

[17] الخصال، للصدوق 291، من لا يحضره الفقيه، للصدوق 2/ 41، تفسير العياشي، للعياشي 2/ 64.

[18] الكافي، للكليني 1/ 538، علل الشرائع، للصدوق 2/ 378

[19] الكافي، للكليني 1/ 545

[20] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 136 7/ 133، وسائل الشيعة، للحر العاملي 6/ 338، 17/ 369.

[21] بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار 49، بحار الأنوار، للمجلسي 93/ 191

[22] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 124،من لا يحضره الفقيه، للصدوق 2/ 40

[23] الأراضي، لمحمد إسحاق الفياض 234.

[24] الاستبصار، للطوسي 2/ 56.

[25] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 124.

[26] غنائم الأيام، للميرزا القمي 4/ 283.

[27] دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، للمنتظري 3/ 48.

[28] المقنع، للصدوق 171، الخصال، للصدوق 291

[29] وسائل الشيعة، للحر العاملي 6/ 341، بحار الأنوار، للمجلسي 90/ 46

[30] وسائل الشيعة، للحر العاملي 6/ 341.

[31] الخمس، لمرتضى الحائري 186-187(الحاشية).

[32] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 132

[33] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 121

[34] من لا يحضره الفقيه، للصدوق 2/ 40، تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 121

[35] وسائل الشيعة، للحر العاملي 6/ 343، جامع أحاديث الشيعة، للبروجردي 8/ 534.

[36] من لا يحضره الفقيه، للصدوق 2/ 39، تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 124، 139

[37] وسائل الشيعة، للحر العاملي 6/ 344.

[38] قواعد الأحكام، للحلي 1/ 361، إيضاح الفوائد، لابن العلامة 1/ 215، جامع المقاصد، للمحقق الكركي 3/ 50.

[39] من لا يحضره الفقيه، للصدوق 2/ 40، تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 121

[40] وسائل الشيعة، للحر العاملي 6/ 345.

[41] عيون أخبار الرضا، للصدوق 2/ 190

[42] تهذيب الأحكام، للطوسي 7/ 226

[43] تحرير الأحكام، للحلي 1/ 438.

[44] الكافي، للكليني 1/ 548، تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 121

[45] تقدم تخريجه.

[46] المقنعة، للمفيد 283، وسائل الشيعة، للحر العاملي 6/ 347

[47] تذكرة الفقهاء، للحلي 5/ 420، السرائر، لابن إدريس الحلي 1/ 485، مجمع الفائدة، للأردبيلي 4/ 309(الحاشية)، مدارك الأحكام، للعاملي 5/ 377(الحاشية)، غنائم الأيام، للميرزا القمي 4/ 313-314، جواهر الكلام، للجواهري 16/ 45، الحدائق الناضرة، ليوسف البحراني 12/ 346، كتاب الخمس، للأنصاري 37، كتاب الطهارة، للأنصاري 2/ 561، مصباح الفقيه، لآقا رضا الهمداني 3/ 124.

[48] المبسوط، للطوسي 1/ 236، الينابيع الفقهية 29ق1/ 181.

[49] وسائل الشيعة، للحر العاملين 6/ 352.

[50] تهذيب الأحكام، للطوسي 6/ 330

[51] من لا يحضره الفقيه، للصدوق 2/ 43

[52] الكافي، للكليني 5/ 125، تهذيب الأحكام، للطوسي 6/ 369

[53] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 124، 139

[54] المقنعة، للمفيد، 283، وسائل الشيعة، للحر العاملي 6/ 352

[55] مستمسك العروة، محسن الحكيم 9/ 520، العروة الوثقى، لمحمد صادق الروحاني 2/ 153، كتاب الخمس، للخوئي 193.

[56] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 123

[57] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 16

[58] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 123

[59] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 123

[60] الكافي، للكليني 1/ 545

[61] الكافي، للكليني 1/ 545

[62] الاستبصار، للطوسي 2/ 55

[63] وسائل الشيعة، للحر العاملي 6/ 351، الحدائق الناضرة، للبحراني 12/ 351، 425

[64] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 125

[65] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 125

[66] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 128

[67] الكافي، للكليني 1/ 539

[68] الكافي، للكليني 1/ 539

[69] الكافي، للكليني 1/ 544، تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 126

[70] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 128

[71] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 127

[72] وسائل الشيعة، للحر العاملي 6/ 361.

[73] رسائل المرتضى، للشريف المرتضى 3/ 257.

[74] مجمع الفائدة،للمحقق الأردبيلي 4/ 187 (الحاشية) حيث قال:وأما اشتراط كونهم منسوباً إلى الهاشم بالأب لا الأم فقط ففيه نظر.

[75] بحار الأنوار، للمجلسي 43/ 232، 233، وسائل الشيعة، للحر العاملي 14/ 316.

[76] الحدائق الناضرة، للبحراني 12/ 400 23/ 103، غنائم الأيام، للميرزا القمي 4/ 364، الكافي، للكليني 5/ 420

[77] عيون أخبار الرضا ع، للصدوق 2/ 80، بحار الأنوار، للمجلسي 48/ 127 93/ 240

[78] الكافي، للكليني 4/ 553، تهذيب الأحكام، للطوسي 6/ 6

[79] الكافي، للكليني 3/ 487

[80] الحدائق الناضرة، ليوسف البحراني 12/ 412-416.

[81] ويقصد بالشاذ: المحقق الأردبيلي، وصاحبي المداركوالذخيرة.

[82] فقه الرضا، 294.

[83] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 140.

[84] الكافي للكليني 1/ 548، الاستبصار للطوسي 2/ 60.

[85] كمال الدين وإتمام النعمة 520.

[86] الكافي للكليني 1/ 548.

[87] من لا يحضره الفقيه، للصدوق 2/ 41.

[88] من لا يحضره الفقيه، للصدوق 2/ 44.

[89] تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 136.

[90] الكافي للكليني 1/ 545.

[91] تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 141.

[92] الكافي للكليني 1/ 544، تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 121.

[93] تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 143.

[94] من لا يحضره الفقيه، للصدوق 2/ 44.

[95] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 137.

[96] علل الشرائع، للصدوق 2/ 377.

[97] تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 143.

[98] تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 138.

[99] علل الشرائع للصدوق 2/ 377.

[100] تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 138.

[101] من لا يحضره الفقيه، للصدوق 2/ 43.

[102] الكافي للكليني 1/ 408.

[103] تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 145.

[104] كمال الدين وإتمام النعمة 485.

[105] الكافي للكليني 8/ 285.

[106] تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 136.

[107] الكافي للكليني 1/ 546.

[108] من لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي 2/ 45.

[109] تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 137.

[110] تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 143.

[111] تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 144.

[112] الكافي للكليني 4/ 61.

[113] تفسير الإمام العسكري 87.

[114] الكافي للكليني 1/ 409.

[115] الكافي للكليني 1/ 409.

[116] الكافي للكليني 1/ 407، تهذيب الأحكام للطوسي 7/ 153.

[117] الكافي للكليني 1/ 408، الاستبصار للطوسي 3/ 108، بحار الأنوار للمجلسي 52/ 39.

[118] الكافي للكليني 1/ 408، جواهر الكلام 16/ 137.

[119] الكافي للكليني 1/ 409، الخصال للصدوق 291، فقه الرضا لعلي بن بابويه 293، جواهر الكلام 16/ 132.

[120] الكافي للكليني 1/ 409، جامع أحاديث الشيعة 8/ 118، فقه الصادق للروحاني 7/ 332 (الحاشية).

[121] الكافي للكليني 1/ 408.

[122] الكافي للكليني 1/ 409.

[123] الكافي للكليني 1/ 410.

[124] تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 148

[125] تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 147.

[126] مختلف الشيعة للحلي 3/ 340.

[127] النهاية للطوسي 200.

[128] المبسوط للطوسي 1/ 264.

[129] مختلف الشيعة للحلي 3/ 340.

[130] مختلف الشيعة للحلي 3/ 354.

[131] مدارك الأحكام 5/ 424 (الحاشية).

[132] مفاتيح الشريعة 229 مفتاح رقم 260.

[133] جواهر الكلام للجواهري 16/ 175، مستمسك العروة لمحسن الحكيم 9/ 580(الحاشية)، الينابيع الفقهية لعلي أصغر 5/ 259.

[134] منتقى الجمان 2/ 443.

[135] مختلف الشيعة للحيلي 3/ 340.

[136] الحدائق الناضرة، ليوسف البحراني 12/ 419-444

[137] التبيان، للطوسي 5/ 123.

[138] الخلاف، للطوسي 4/ 181.

[139] الخلاف، للطوسي 2/ 118.

[140] تهذيب الأحكام، للطوسي 4/ 124.

[141] تفسير مجمع البيان، للطبرسي 4/ 469.

[142] الحدائق الناضرة 12/ 347.

[143] التفسير الكاشف، لمحمد جواد مغنية 3/ 482.

[144] الفقه على المذاهب الخمسة 186.

[145] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، لناصر مكارم الشيرازي 5/ 435.

[146] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، لناصر مكارم الشيرازي 5/ 439.

[147] المنير 4/ 31.

[148] من هدي القرآن 4/ 60.

[149] كتاب البيع، للخميني 3/ 84.

[150] الشيعة والتصحيح، لموسى الموسوي 66.

[151] الانتصار للمرتضى 225.

[152] المهذب، للقاضي ابن البراج 1/ 180-181، الينابيع الفقهية، لعلي أصغر مرواريد 5/ 182.

[153] مجلة الحوزة 48/ 188 مقالة واعظ زاده الحراساني.

[154] كتاب الخمس، للأنصاري 331، كتاب الطهارة، للأنصاري 2/ 551.

[155] كتاب الخمس، للأنصاري 337.

[156] كتاب البيع، للخميني 2/ 655.

[157] راجع القول الثاني من في بيان المذاهب في هذه المسألة واختلاف الأصحاب فيها على أقوال متشعبة.

[158] تحرير الوسيلة، للخميني 1/ 366.

[159] عوائد الأيام للنراقي 581.

[160] وهو المصطلح الذي يطلق في الغالب على الخمس اليوم.

[161] نقله عن المجلسي في كتابه زاد المعاد: يوسف البحراني في الحدائق الناضرة 17/ 486،والجواهري في جواهر الكلام 16/ 187.

[162] كفاية الأحكام، للسبزواري 1/ 222.

[163] جواهر الكلام، للجواهري 16/ 155، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، للمنتظري 3/ 120.

[164] كتاب البيع، للخميني 2/ 662، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، للمنتظري 3/ 118.

[165] جواهر الكلام، للجواهري 16/ 177.

[166] مستند الشيعة، للنراقي 10/ 133.

[167] كتاب الخمس، للأنصاري 333، كتاب الطهارة، للأنصاري 2/ 551.

[168] صراط النجاة، لميرزا جواد التبريزي 1/ 201.

[169] جواهر الكلام، للجواهري 16/ 177.

[170] شرح اللمعة، للشيهد الثاني 2/ 79.

[171] كتاب الخمس، للأنصاري 337.

[172] كلمة التقوى، لمحمد أمين زين الدين 2/ 291.

[173] منهاج الصالحين، لمحمد إسحاق الفياض 2/ 84.

[174] منهاج الصالحين، لمحمد إسحاق الفياض 2/ 86.

[175] إرشاد السائل، للگلپايگاني 63.

[176] إرشاد السائل، للگلپايگاني 56.

[177] الفتاوى الميسرة، للسيستاني 239.

[178] منهاج الصالحين، للخوئي 1/ 348.

[179] انظر مثلاً: منهاج الصالحين، لمحمد الروحاني 1/ 368، منهاج الصالحين، للسيستاني 1/ 411، منهاج الصالحين، لمحمد صادق الروحاني 1/ 372، منهاج الصالحين، لمحمد إسحاق الفياض 2/ 85، منهاج الصالحين، للوحيد الخراساني 2/ 388.

[180] تحرير الوسلية، للخميني 1/ 366، هداية العباد، للگلپايگاني 1/ 332.

[181] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 2/ 190.

[182] إرشاد السائل، للگلپايگاني 69.

[183] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 315.

[184] صراط النجاة، لميرزا جواد التبريزي 3/ 354.

[185] إرشاد السائل، للگلپايگاني 56.

[186] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 2/ 463.

[187] منية السائل، للخوئي 58.

[188] إرشاد السائل، للگلپايگاني 63.

[189] إرشاد السائل، للگلپايگاني 71.

[190] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 315.

[191] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 320.

[192] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 320.

[193] استفتاءات، للسيستاني 122.

[194] انظر مثلاً: الخمس، لمرتضى الحائري 509.

[195] استفتاءات، للسيستاني 308.

[196] استفتاءات، للسيستاني 333.

[197] استفتاءات، للسيستاني 538.

[198] استفتاءات، للسيستاني 693.

[199] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 3/ 352.

[200] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 2/ 494.

[201] استفتاءات، للسيستاني 90.

[202] استفتاءات، للسيستاني 594.

[203] كتاب البيع، للخميني 2/ 655.

[204] دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، للمنتظري 3/ 218.

[205] دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، للمنتظري 3/ 126.

[206] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 316.

[207] الكافي للكليني 1/ 544، تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 126.

[208] الكافي للكليني 7/ 59، من لا يحضره الفقيه للصدوق 2/ 43، تهذيب الأحكام للطوسي 9/ 234.

[209] الكافي للكليني 1/ 540، تهذيب الأحكام للطوسي 4/ 128

[210] نقله عنه: الحر العاملي في وسائل الشيعة 9/ 490، والخميني في كتاب البيع 3/ 87.

[211] الاستبصار للطوسي 2/ 17

[212] المرجعية والتقليد عند الشيعة، لمحمد مهدي شمس الدين في محاضرة ألقيت في ذكرى مقتل محمد باقر الصدر عام 1994م.

[213] معجم رجال الحديث، للخوئي 13/ 157.

[214] المرجعية والتقليد عند الشيعة، لمحمد مهدي شمس الدين.

[215] عصر المتقدمين يبدأ من الغيبة الكبرى 329هـ إلى زمن العلامة الحلي المتوفى عام 726هـ.

[216] انظر: عدة الأصول، للطوسي 2/ 272.

[217] الذريعة، للسيد المرتضى 2/ 801.

[218] مفاتيح الأصول، لمحمد مجاهد 632.

[219] انظر مثلاً: مستند الشيعة، للنراقي 17/ 46، القضاء والشهادات، للأنصاري 57، العروة الوثقى، لليزدي 1/ 18، 37، 74، 75(الحاشية)، تحرير العروة الوثقى، لمصطفى الخميني 1/ 13 2/ 12، 28، الاجتهاد والتقليد، للخميني 99، الرسائل، للخميني 2/ 141، كتاب الاجتهاد والتقليد، للخوئي 107(الحاشية) 134، مصباح الفقاهة، للخوئي 3/ 288، تعاليق مبسوطة، لمحمد إسحاق الفياض 1/ 11(الحاشية)، تعليقة على العروة الوثقى، للسيستاني 1/ 11، فقه الصادق ع، لمحمد صادق الروحاني 5/ 172(الحاشية)، تحرير الوسيلة، للخميني 1/ 6، إرشاد السائل، للگلپايگاني 39، هداية العباد، للگلپايگاني 1/ 8، المسائل المنتخبة، للروحاني 10، منها: الصالحين، للروحاني 1/ 5، أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 16، استفتاءات، للسيستاني 274، العروة الوثقى، للروحاني 1/ 6، المسائل المنتخبة، للروحاني 10، توضيح المسائل، لمحمد تقي بهجت 8، صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 1/ 20 2/ 101، هداية العباد، للطف الله الصافي 1/ 5، المحكم في أصول الفقه، لمحمد سعيد الحكيم 6/ 349، زبدة الأصول، للروحاني 3/ 385.

[220] انظر مثلاً: جامع عباسى فارسي البهائي العاملي 1، الغاية القصوى فارسي، لليزدي 2/ 344.

[221] العروة الوثقى، السيد اليزدي 1/ 21، مستمسك العروة، لمحسن الحكيم 1/ 36، كتاب الاجتهاد والتقليد، للخوئي 203، تعاليق مبسوطة، لمحمد إسحاق الفياض 1/ 15، تعليقة على العروة الوثقى، للسيستاني 1/ 13، العروة الوثقى، لمحمد صادق الروحاني 1/ 6.

[222] تعليقة على العروة الوثقى، للسيستاني 1/ 13.

[223] نهاية الأفكار، لآقا ضياء العراقي 4 ق2/ 254، نهاية الأفكار، تقرير بحث آقا ضياء، للبروجردي 5/ 254.

[224] منتهى الدراية، للشوشتري 8/ 589.

[225] مصباح الأصول، تقرير بحث الخوئي، للبهسودي 3/ 456.

[226] منتهى الدراية، لمحمد جعفر الشوشتري 8/ 587، 588.

[227] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 9.

[228] توضيح المسائل، لمحمد تقي بهجت 8، منتخب الاحكام، للخامنئي 10.

[229] الأحكام الشرعية، للمنتظري 6.

[230] نهاية الأفكار، تقرير بحث آقا ضياء، للبروجردي 5/ 254.

[231] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 2/ 10.

[232] آراء في المرجعية الشيعية 96.

[233] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 1/ 503.

[234] آراء في المرجعية الشيعية 17.

[235] المرجعية الدينية الشيعية.. دولة في الدولة، لأحمد الكاتب.

[236] مجلة كيان، العدد 11/ 1993 مقابلة من المهندس بازركان.

[237] المرجعية والمؤهلات الأخلاقية آراء في المرجعية419.

[238] المرجعية والتقليد عند الشيعة، لمحمد مهدي شمس الدين في محاضرة ألقيت في ذكرى مقتل محمد باقر الصدر عام 1994م.

[239] المصدر السابق.

[240] العروة الوثقى، لليزدي 1/ 38، مستمسك العروة، لمحسن الحكيم 1/ 39، تحرير العروة الوثقى، لمصطفى الخميني 2/ 29، كتاب الاجتهاد والتقليد، للخوئي 369، تعاليق مبسوطة، لمحمد إسحاق الفياض 1/ 24، تعليقة على العروة الوثقى، للسيستاني 1/ 20.

[241] مصدر سابق.

[242] آداب النفس 189، مع علماء النجف، لمحمد جواد مغنية 121.

[243] قصص خاصة 1/ 74، الإمام الخميني والمرجعية آراء في المرجعية الشيعية323.

[244] المرجعية والروحانية، مجموعة مقالات 194، وقد نشرنا في موقعنا العديد من الوثائق التي تؤكد أمثال هذه التجاوزات. فضلاً عن مسائل أخرى كثيرة متعلقة بالمرجعية الشيعية. فراجعها على موقعنا:. www. fnoor. com

[245] راجع آراء في المرجعية الشيعية 99.

[246] تحرير الوسيلة، السيد الخميني 1/ 365، منهاج الصالحين، للخوئي 1/ 316، 348، هداية العباد، للگلپايگاني 1/ 332، المسائل المنتخبة، لمحمد الروحاني 236، منهاج الصالحين، لمحمد الروحاني 1/ 334، كلمة التقوى، لمحمد أمين زين الدين 2/ 289، الأحكام الشرعية، للمنتظري 326، 327، المسائل المنتخبة، للسيستاني 251، توضيح المسائل، لمحمد تقي بهجت 340، منهاج الصالحين، للسيستاني 1/ 375، 410، منهاج الصالحين، لمحمد سعيد الحكيم 1/ 419، منهاج الصالحين، لمحمد صادق الروحاني 1/ 337، 371، هداية العباد، للطف الله الصافي 1/ 284، المسائل الإسلامية، للشيرازي 435.

[247] أجوبة الاستفتاءات، لعلي الخامنئي 1/ 318.

[248] استفتاءات، للسيستاني 626.

[249] المسائل الإسلامية، لمحمد الشيرازي 435.

[250] آراء في المرجعية الشيعية 443.

[251] المرجعية الدينية الشيعية.. دولة في الدولة، لأحمد الكاتب.

[252] محمد جواد مغنية، لمهدي أحمدي 135.

[253] المرجعية الدينية الشيعية.. دولة في الدولة، لأحمد الكاتب.

[254] المرجعية الدينية الشيعية.. دولة في الدولة، لأحمد الكاتب.

[255] تفسير الكاشف 3/ 18.

[256] فقه الإمام الصادق،33.

[257] الجوامع والفوارق بين السنة والشيعة 184.

[258] السيد محسن الأمين، سيرته بقلمه وأقلام آخرين 115، هكذا عرفتهم، للخليلي 1/ 209، ديوان السيد رضا 153، معجم الخطباء، لداخل حسن 1/ 98 نقلاً عن: مرجعية المرحلة وغبار التغيير، لجعفر الشاخوري.

[259] يا شيعة العالم استيقظوا 35.

[260] كل الحلول عند آل الرسول، للتيجاني 148.

[261] المصدر السابق 169.

[262] انظر: مدخل إلى دراسة الدور الحضاري للمرجعية الإسلامية، مجلة المنهاج، العدد 8، مرجعية المرحلة وغبار التغيير، للشاخوري 327، الاجتهاد في الإسلام، محاضرات في الدين والاجتماع 2، لمرتضى المطهري.

[263] دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، لعلي الوردي 232، مجلة العلم، السنة الثانية 226 267.

[264] الإمام كاشف الغطاء، لمحمد جاسم الساعدي 147.

[265] الإمام البروجردي، لعبدالرحيم أباذي 91.

[266] دراسة في طبيعة المجتمع العراقي، لعلي الوردي 232.

[267] الشيعة والتصحيح.. الصراع بين الشيعة والتشيع لموسى الموسوي 68-69.

[268] المرجعية الدينية الشيعية.. دولة في الدولة، لأحمد الكاتب.

[269] أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله لعلي السالوس 408.

[270] مقال لصباح الراوي منشور في شبكة البصرة، 7 أيار  2007م.

[271] بحار الأنوار، للمجلسي 41/ 30، جامع أحاديث الشيعة، للبروجردي 8/ 375.

[272] الكافي، للكليني 5/ 529

[273] بحار الأنوار، للمجلسي 16/ 216، جامع أحاديث الشيعة، للبروجردي 18/ 277

[274] مستدرك الوسائل، للنوري الطبرسي 13/ 389 16/ 198، مكارم الأخلاق، للطبرسي 25، بحار الأنوار، للمجلسي 16/ 239

[275] الكافي، للكليني 3/ 204 5/ 93، من لا يحضره الفقيه، للصدوق 3/ 182، تهذيب الأحكام للطوسي 6/ 184

[276] الكافي، للكليني 5/ 93، من لا يحضره الفقيه، للصدوق 3/ 182، تهذيب الأحكام، للطوسي 6/ 183

[277] المحاسن، للبرقي 2/ 318، بحار الأنوار، للمجلسي 100/ 143.

[278] الخصال، للصدوق 44، علل الشرائع، للصدوق 2/ 528

[279] علل الشرائع، للصدوق 2/ 529، وسائل الشيعة، للحر العاملي 13/ 79

[280] علل الشرائع، للصدوق 2/ 528، من لا يحضره الفقيه، للصدوق 3/ 378

[281] من لا يحضره الفقيه، للصدوق 3/ 182

[282] الكافي، للكليني 5/ 95، تهذيب الأحكام، للطوسي 6/ 183

[283] كتاب الأربعين، لمحمد طاهر القمي الشيرازي 453، بحار الأنوار، للمجلسي 40/ 85

[284] المحتضر، لحسن بن سليمان الحلي 252، 316، بحار الأنوار، للمجلسي 40/ 18.

[285] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ع 2/ 60

[286] مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب 1/ 366، بحار الأنوار، للمجلسي 40/ 324

[287] وسائل الشيعة، للحر العاملي 18/ 322، بحار الأنوار، للمجلسي 40/ 338

[288] مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب 3/ 285، بحار الأنوار، للمجلسي، 46/ 52

[289] وسائل الشيعة، للحر العاملي 13/ 82، بحار الأنوار، للمجلسي 40/ 339 100/ 145

[290] إرشاد السائل، للگلپايگاني 59.

[291] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 1/ 498.

[292] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 325.

[293] استفتاءات، للسيستاني 375.

[294] استفتاءات، للسيستاني 688.

[295] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 1/ 168.

[296] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 1/ 198.

[297] إرشاد السائل، للگلپايگاني 57.

[298] المصدر السابق.

[299] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 3/ 131.

[300] استفتاءات، للسيستاني 367.

[301] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 2/ 186.

[302] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 2/ 186.

[303] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 314.

[304] استفتاءات، للسيستاني 221.

[305] منية السائل، للخوئي 55.

[306] منية السائل، للخوئي 56.

[307] منية السائل، للخوئي 64.

[308] منية السائل، للخوئي 52.

[309] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 281.

[310] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 323.

[311] استفتاءات، للسيستاني 281.

[312] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 1/ 166.

[313] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 1/ 166.

[314] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 1/ 498.

[315] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 1/ 500.

[316] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 2/ 165.

[317] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 1/ 163.

[318] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 3/ 351.

[319] إرشاد السائل، للگلپايگاني 61.

[320] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 321.

[321] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 288.

[322] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 290.

[323] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 2/ 191.

[324] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 3/ 352.

[325] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 326.

[326] استفتاءات، للسيستاني 113.

[327] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 320.

[328] صراط النجاة، للميرزا جواد التبريزي 3/ 119.

[329] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي 1/ 325.


عدد مرات القراءة:
4379
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :