الكاتب : فيصل نور ..
الشعائر الحسينية
طقوس يمارسها الشيعة لاستذكار معركة كربلاء ومقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وتنشط على وجه الخصوص ليلة ويوم العاشر من محرم، وكذلك بعد مرور 40 يوماً على إستشهاده رضي الله عنه، أي في (20 صفر).
وتتمثل بعض صور هذه الممارسات في التطبير، واللطم، والزنجير (الضرب بالسلاسل) ، والمشي على الجمر، وركضة طويريج وغيرها.
الجذور التاريخية :
حاول البعض البحث عن جذور تاريخية لهذه الشعائر في صورتها الأولى بالزعم أن بواكيرها ترجع إلى حركة (التوابين)، وهم الذين أختاروا سليمان بن صُرد الخزاعي رضي الله عنه سار بهم إلى قبر الإمام الحسين رضي الله عنه، فترحّموا عليه، وتابوا عنده من خذلانه وترك القتال معه، وجددوا العهد معه رضي الله عنه. والقول بأن المختار بن أبي عبيد الثقفي أقام مأتماً للحسين رضي الله عنه في داره بالكوفة، في يوم عاشوراء وأرسل النادبات في شوارع الكوفة، للندب على الحسين رضي الله عنه.
واستطاع الشيعة لأول مرة إقامة العزاء في بغداد، حيث خرج الناس الى الشوارع، وأغلقت الأسواق ونصبت المآتم، ولبس السواد ووضعت جرار الماء لسقي الناس، ثم سار الناس حفاة الاقدام حاسري الرؤوس الى كربلاء لزيارة الحسين رضي الله عنه، وكان ذلك في بغداد في يوم عاشوراء عام 353 هـ - 963م، في أيام معز الدولة البويهي. واستمر الأمر على ذلك طوال عهد الدولة البويهية. وتوقف عندما جاء السلاجة.
مرت الشعائر الحسينية عبر التاريخ في محطات كثيرة سواء تلك المتعلقة بإضافة الطقوس والممارسات أو تلك المتعلقة بالمجاهرة بها أو جعلها سرية في البيوت حسب توجهات النظم السائدة عبر التاريخ. وامتدت مع الزمن إقامة المجالس الحسينية إلى المساجد والمدارس الدينية وأضرحة أئمة الشيعة، بعد أن كانت مقتصرة على البيوت. ثم نشأت مواكب اللطم، وكان ذلك عام 1840م حيث أول موكب بقيادة محمد باقر أسد الله في الكاظمية. وبعده محمد جواد البلاغي في كربلاء.
وتم بناء أول حسينية في كربلاء عام 1906، ويرى البعض أنها (الحسينية الحيدرية) في الكاظمية عام 1297هـ/1876م، ثم تعددت الحسينيات بعدها، واستمرت المواكب الحسينية خلال الإحتلال الانكليزي للعراق، وبعد تأسيس المملكة العراقية عام 1921، أعلنت الحكومة العراقية يوم عاشوراء عطلة رسمية في عموم العراق.
وتطورت مسيرة الشعائر الحسينية في العصور الأخيرة حتى أصبحت مرتعاً خصباً لإلحاق طقوس وشعائر ما أنزل الله بها من سلطان فأخرجتها عن خطها المرسوم عند من يرى اقتصراها على صورتها الأولى من علماء الشيعة. وكانت هذه الإلحاقات سبباً في اشتداد الخلاف بين علماء الشيعة ومراجعهم بين مؤيد لهذه الممارسات خوفاً من العوام في الغالب، وبين معارض. وقد ذكرنا بعضاً من صور هذا الخلاف عند الكلام عن التطبير. ولعل أشهر من انتقد هذه الممارسات محسن الأمين العاملي (ت : 1952 م) في رسالة "التنزيه" في تنقية الشعائر الحسينية حيث لخص تحت باب "أمورٌ منكرة" المسائل التي أساءت للشعائر الحسينية، وهي كالتالي ننقلها بنصها:
-
الكذب بذكر الأمور المكذوبة المعلوم كذبها وعدم وجودها في خبر ولا نقلها في كتاب وهي تتلى على المنابر وفي المحافل بكرة وعشياً ولا من منكر ولا رادع. (وذكر طرفاً من ذلك في رسالته) وهو من الكبائر بالاتفاق لا سيما إذا كان كذباً على الله أو رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام.
-
ومنها إيذاء النفس وإدخال الضرر عليها بضرب الرؤوس وجرحها بالمدى والسيوف حتى يسيل دمها وكثيراً ما يؤدي ذلك إلى الإغماء بنزف الدم الكثير وإلى المرض أو الموت وطول برء الجرح. وبضرب الظهور بسلاسل الحديد وغير ذلك. وتحريم ذلك ثابت بالعقل والنقل وبما هو معلوم من سهولة الشريعة وسماحتها الذي تمدّح به رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله "جئتكم بالشريعة السهلة السمحاء" من رفع الحرج والمشقة في الدين بقوله تعالى {ما جعل عليكم في الدين من حرج}.
-
ومنها استعمال آلات اللهو كالطبل والزمر (الدمام) والصنوج النحاسية وغير ذلك.
-
ومنها تشبّه الرجال بالنساء في وقت التمثيل.
-
ومنها إركاب النساء الهوادج مكشّفات الوجوه وتشبيههن ببنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في نفسه محرم لما يتضمنه من الهتك والمثلة فضلاً عما إذا اشتمل على قبح وشناعة أخرى مثلما جرى في العام الماضي في البصرة من تشبيه امرأة خاطئة بزينب عليها السلام وإركابها الهودج حاسرة على ملأ من الناس.
-
ومنها صياح النساء بمسمع من الرجال الأجانب ولو فرض عدم تحريمه فهو معيب شائن منافٍ للآداب والمروءة يجب تنزيه المآتم عنه.
-
ومنها الصياح والزعيق بالأصوات المنكرة القبيحة.
-
ومنها كل ما يوجب الهتك والشنعة مما لا يدخل تحت الحصر ويختلف الحال فيه بالنسبة إلى الأقطار والأصقاع إلى غير ذلك. فإدخال هذه الأشياء في إقامة شعائر الحزن على الحسين عليه السلام من تسويلات إبليس ومن المنكرات التي تغضب الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وتغضب الحسين عليه السلام فإنه قُتل في إحياء دين جده صلى الله عليه وآله وسلم ورفع المنكرات فكيف يرضى بفعلها لا سيما إذا فُعلت بعنوان أنها طاعة وعبادة. أ.ه.
أنظر أيضاً : التطبير ، الزنجير (الزنجيل).