آخر تحديث للموقع :

الأحد 8 ذو القعدة 1444هـ الموافق:28 مايو 2023م 12:05:51 بتوقيت مكة

جديد الموقع

الطينة ..
الكاتب : فيصل نور ..

الطينة

     يعتقد الشيعة أنهم خلقوا من طينة خاصة خلافاً لغيرهم، وجرى المزج بينهما. فالمعاصي التي يرتكبها الشيعة إنما هي من تأثير الطينة الأخرى. والعكس صحيح أيضاً، أي أن الطاعات التي عند غير الشيعة، إنما هي من طينة الشيعة التي مزجت بطينتهم. وإذا كان يوم القيامة فإن معاصي الشيعة تذهب للمخالفين، وطاعات المخالفين ترجع للشيعة.
     وهذه العقيدة اكدتها عشرات الروايات في مصادر الشيعة، ولا يسعنا إيرادها جميعاً. منها:
     عن أبي إسحاق الليثي قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يا بن رسول الله اني أجد من شيعتكم من يشرب الخمر ويقطع الطريق ويخيف السبل ويزنى ويلوط ويأكل الربوا ويرتكب الفواحش ويتهاون بالصلاة والصيام والزكاة ويقطع الرحم ويأتي الكبائر ، فكيف هذا ولم ذاك ؟ فقال : يا إبراهيم هل يختلج في صدرك شئ غير هذا ، قلت : نعم يا بن رسول الله أخرى أعظم من ذلك ! فقال : وهو ما يا أبا إسحاق ؟ قال : فقلت يا بن رسول الله وأجد من أعدائكم ومناصبيكم من يكثر من الصلاة ومن الصيام ويخرج الزكاة ويتابع بين الحج والعمرة ويحرص على الجهاد ويأثر على البر وعلى صلة الأرحام ويقضي حقوق اخوانه ويواسيهم من ماله ويتجنب شرب الخمر والزنا واللواط وسائر الفواحش فمم ذاك ؟ ولم ذاك ؟ فسره لي يا بن رسول الله وبرهنه وبينه ، فقد والله كثر فكري وأسهر ليلي وضاق ذرعي... قال : يا إبراهيم ان الله تبارك وتعالى خلق أرضا طيبة ثم فجر منها ماء عذبا زلالا فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فقبلتها فاجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام طبقها وعمها ، ثم أنضب ذلك الماء عنها ، فاخذ من صفوة ذلك الطين طينا فجعله طين الأئمة عليهم السلام ، ثم أخذ ثفل ذلك الطين فخلق منه شيعتنا ولو ترك طينتكم يا إبراهيم على حاله كما ترك طينتنا لكنتم ونحن شيئا واحدا ، قلت : يا بن رسول الله فما فعل بطينتنا ؟ قال أخبرك يا إبراهيم خلق الله تعالى بعد ذلك أرضا سبخة خبيثة منتنة ، ثم فجر منها ماء أجاجا آسنا مالحا فعرض عليها ولايتنا أهل البيت فلم تقبلها فاجرى ذلك الماء عليها سبعة أيام حتى طبقها وعمها ، ثم نضب ذلك الماء عنها ، ثم أخذ من ذلك الطين فخلق منه الطغاة وأئمتهم ، ثم مزجه بثفل طينتكم ولو ترك طينتهم على حالها ولم يمزج بطينتكم لم يشهدوا الشهادتين ولا صلوا ولا صاموا ولا زكوا ولا حجوا ولا أدوا الأمانة ولا أشبهوكم في الصور وليس شئ أكبر على المؤمن من أن يرى صورة عدوه مثل صورته ، قلت يا بن رسول الله فما صنع بالطينتين ، قال : مزج بينهما بالماء الأول والماء الثاني ، ثم عركها عرك الأديم ، ثم أخذ من ذلك قبضة ، فقال : هذه إلى الجنة ولا أبالي ، وأخذ قبضة أخرى ، وقال : هذه إلى النار ولا أبالي ثم خلط بينهما ووقع من سنخ المؤمن وطينته على سنخ الكافر وطينته ووقع من سنخ الكافر وطينته على سنخ المؤمن وطينته ، فما رأيته من شيعتنا من زنا أو لواط أو ترك صلاة أو صوم أو حج أو جهاد أو خيانة أو كبيرة من هذه الكبائر فهو من طينة الناصب وعنصره الذي قد مزج فيه لان من سنخ الناصب وعنصره وطينته اكتساب المآثم والفواحش والكبائر . وما رأيت من الناصب من مواظبته على الصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وأبواب البر فهو من طينة المؤمن وسنخه الذي قد مزج فيه لان من سنخ المؤمن وعنصره وطينته اكتساب الحسنات واستعمال الخير واجتناب المآثم ... فإذا كان يوم القيامة نزع الله تعالى سنخ الناصب وطينته مع أثقاله وأوزاره من المؤمن فيلحقها كلها بالناصب وينزع سنخ المؤمن وطينته مع حسناته وأبواب بره واجتهاده من الناصب فيلحقها كلها بالمؤمن ... قال الليثي : يا بن رسول الله ما أعجب هذا تؤخذ حسنات أعدائكم فترد على شيعتكم ، وتؤخذ سيئات محبيكم فترد على مبغضيكم ؟ ! قال : أي الله الذي لا إله إلا هو فالق الحبة وبارئ النسمة وفاطر الأرض والسماء ما أخبرتك إلا بالحق وما أنبئتك إلا
الصدق ... خذها إليك يا أبا إسحاق فوالله انه لمن غرر أحاديثنا وباطن سرايرنا ومكنون خزائننا ، وانصرف ولا تطلع على سرنا أحدا إلا مؤمنا مستبصرا فإنك إن أذعت سرنا بليت في نفسك ومالك وأهلك وولدك[1]. والرواية طويلة جداً أخذنا منها مواضع الشاهد.
     وعن عبد الله بن القاسم الحضرمي ، عمن حدثه قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أرى الرجل من أصحابنا ممن يقول بقولنا خبيث اللسان ، خبيث الخلطة ، قليل الوفاء بالميعاد ، فيغمني غما شديدا ، وأرى الرجل من المخالفين علينا حسن السمت ، حسن الهدى ، وفيا بالميعاد ، فاغتم لذلك غما شديدا ، فقال : أو تدرى لم ذاك ؟ قلت : لا ، قال : ان الله تبارك وتعالى خلط الطينتين فعركهما ، وقال بيده هكذا راحتيه جميعا واحدة على الأخرى ، ثم فلقهما ، فقال : هذه إلى الجنة ، وهذه إلى النار ، ولا أبالي ، فالذي رأيت من خبث اللسان والبذاء وسوء الخلطة وقلة الوفاء بالميعاد من الرجل الذي هو من أصحابكم يقول بقولكم فبما التطخ بهذه من الطينة الخبيثة وهو عائد إلى طينته ، والذي رأيت من حسن الهدى وحسن السمت وحسن الخلطة والوفاء بالميعاد من الرجال من المخالفين فبما التطخ به من الطينة الطيبة ، فقلت : جعلت فداك فرجت عنى فرج الله عنك[2].
     وعن أبي بصير ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام ومعي رجل من أصحابنا ، فقلت له جعلت فداك يا بن رسول الله انى لاغتم وأحزن من غير أن أعرف لذلك سببا ؟ فقال أبو عبد الله " ع " : ان ذلك الحزن والفرح يصل إليكم منا لأنا إذا دخل علينا حزن أو سرور كان ذلك داخلا عليكم لأنا وإياكم من نور الله عز وجل فجعلنا وطينتنا وطينتكم واحدة ولو تركت طينتكم كما أخذت لكنا وأنتم سواء ، ولكن مزجت طينتكم بطينة أعدائكم ، فلولا ذلك ما أذنبتم ذنبا أبدا ، قال : قلت جعلت فداك أفتعود طينتنا ونورنا كما بدا ؟ فقال : أي والله يا عبد الله[3].
 
     والروايات كما ذكرنا كثيرة، وعندما حاول بعض المتقدمين من علماء الشيعة نفي هذه العقيدة، أو القول بأن أخبارها آحاد لا توجب علماً ولا عملاً فيجب ردّها وطرحها ، تصدى لهم علماء شيعة آخرين بالنقد والرد.
     يقول نعمة الله الجزائري (ت : 1112 هـ) : أن أصحابنا قد رووا هذه الأخبار بالأسانيد المتكثرة في الأصول وغيرها ، فلم يبق مجال في إنكارها ،والحكم عليها بأنها أخبار آحاد ،بل صارت أخباراً مستفيضة بل متواترة[4].
     وأما عن علة كونها سرية، كما جاء في قول الصادق رحمه الله لأبي إسحاق الليثي الذي مر : خذها إليك يا أبا إسحاق فوالله انه لمن غرر أحاديثنا وباطن سرايرنا ومكنون خزائننا ، وانصرف ولا تطلع على سرنا أحدا إلا مؤمنا مستبصرا فإنك إن أذعت سرنا بليت في نفسك ومالك وأهلك وولدك.
     قال : يجوز أن يكون تقية أو إتقاءاً على الشيعة، فإن عوامهم اذا سمعوا بمثل هذا اقبلوا على الإتيان بانواع المحارم والذنوب[5].
 
     أقول: لا يخفى أن واضع هذه العقيدة الفاسدة، ونسبتها للأئمة رحمهم الله وهم منها براء، إنما أراد تبرير الفساد والمعاصي المنتشرة بين الشيعة، وسوء معاملة بعضهم لبعض، ومن الهم والقلق الذي يجدونه ولا يعرفون سببه. فاخترع هذه العقيدة، بدلاً من الدعوة للرجوع للكتاب والسنة وما صح عن الأئمة.


[1] علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 2 / 606 ، بحار الأنوار، للمجلسي، 5/ 225 ، البرهان في تفسير القرآن - السيد هاشم البحراني - ج 3 / 413 ، تفسير نور الثقلين - الشيخ الحويزي - ج 4 / 37 ، تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب - الشيخ محمد بن محمد رضا القمي المشهدي - ج 9 / 437 ، الأربعين في حب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( ع ) - علي أبو معاش - ج 1 / 384

[2] المحاسن - أحمد بن محمد بن خالد البرقي - ج 1 / 137 ، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 5 / 251 ، موسوعة أحاديث أهل البيت ( ع ) - الشيخ هادي النجفي - ج 2 / 30

[3] علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 1 / 93 ، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 5 / 242 ، 58 / 145 ، 71 / 267 ، موسوعة أحاديث أهل البيت ( ع ) - الشيخ هادي النجفي - ج 3 / 134 ، ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 / 614

[4] الأنوار النعمانية، لنعمة الله الجزائري، 1/ 293

[5] المصدر السابق، 1/ 295

عدد مرات القراءة:
1669
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :