آخر تحديث للموقع :

الجمعة 24 جمادى الأولى 1445هـ الموافق:8 ديسمبر 2023م 05:12:47 بتوقيت مكة

جديد الموقع

العِصْمة ..
الكاتب : فيصل نور ..

العِصْمة

      العصمة في اللغة تعني المنع، قيل عصمه يعصمه عصماً أي منعه ووقاه، واعتصم فلان بالله أي امتنع بلطفه من المعصية[1].
قال ابن قتيبة: عصم بمعنى منع ومنه العصمة في الدين إنما هو المنع من المعاصي[2].
     وهي عند اهل السنة للأنبياء وذلك للزوم أداء الرسالة وتبليغها. وقد يخطئون، ولكن الله تعالى لا يقرهم على خطئهم، بل يبين لهم خطأهم؛ رحمة بهم وبأممهم، ويعفو عن زلتهم، ويقبل توبتهم؛ فضلاً منه ورحمة، والله غفور رحيم.
     قال تعالى على لسان النبي صلى الله عليه وسلم:
     (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف: 110)
     (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ) (فصلت: 6)
 
والاختلاف الواقع في هذا الباب بين علماء المسلمين يرجع إلى أقسام أربعة، كما ذكره بعض العلماء:

  • ما يقع في باب العقائد.

  • ما يقع في التبليغ.

  • ما يقع في الاَحكام والفتيا.

  • في أفعالهم وسيرهم عليهم السلام.

     فأمّا الكفر والضلال في الاعتقاد فقد أجمعت الأُمّة على عصمتهم عنهما قبل النبوة وبعدها. غير أنّ الأزارقة من الخوارج جوّزوا عليهم الذنب، وكلُّ ذنبٍ عندهم كفر، فلزمهم تجويز الكفر عليهم، بل حُكي عنهم أنهم قالوا يجوز أن يبعث الله نبيّاً عَلِمَ أنّه يكفر بعد نبوته !
     وأمّا النوع الثاني، وهو ما يتعلّق بالتبليغ: فقد اتّفقت الأُمّة بل جميع أرباب الملل والشرائع على وجوب عصمتهم عن الكذب والتحريف فيما يتعلق بالتبليغ عمداً وسهواً إلاّ القاضي أبو بكر الباقلاني (ت: 403 ه‍)، فإنّه جوّز ما كان من ذلك على سبيل النسيان، وفلتات اللّسان.
     وأمّا النوع الثالث: وهو ما يتعلق بالفتيا: فاجمعوا على أنّه لا يجوز خطؤهم فيه عمداً وسهواً، إلاّ شرذمة قليلة.
     وأمّا النوع الرابع: وهو الذي يقع في أفعالهم: فقد اختلفوا فيه على خمسة أقوال:
     الأَول: مذهب الإِمامية: وهو أنّه لا يصدر عنهم الذنب لا صغيره ولا كبيره، لا عمداً ولا نسياناً، ولا يخطأ في التأويل، ولا للإسهاء من الله سبحانه. ولم يخالف فيه إلاّ الصدوق، وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد، فإنّهما جوّزا الإسهاء، لا السهو الذي يكون من الشيطان. وكذا القول في الأئمة.
     الثاني: قول أكثر المعتزلة: أنه وقت النبوة، وأما قبله وهو أنّه لا يجوز عليهم الكبائر، ويجوز عليهم الصغائر، إلاّ الصغائر الخسيسة المنفّرة كسرقة حبة، أو لقمة، وكل ما ينسب فاعله إلى الدناءة والضّعة.
     الثالث: قول أبي علي الجبائي: وهو أنّه لا يجوز أن يأتوا بصغيرة، ولا كبيرة على جهة العمد، لكن يجوز على جهة التأويل، أو السهو.
     الرابع: قول النظام وجعفر بن مبشر ومن تبعهما: وهو أنّه لا يقع منهم الذنب إلاّ على جهة السهو والخطأ، لكنّهم مؤاخذون بما يقع منهم سهواً، وإن كان موضوعاً عن أُممهم لقوّة معرفتهم وعلو رتبتهم، وكثرة دلائلهم، وإنّهم يقدرون من التحفظ على ما لا يقدر عليه غيرهم.
     الخامس: وهو أنّه يجوز عليهم الكبائر والصغائر، عمداً وسهواً وخطأً.
     ثمّ اختلفوا في وقت العصمة على ثلاثة أقوال:
     الأَول: وهو مذهب الإمامية: وهو أنّه من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه.
     الثاني: مذهب كثير من المعتزلة: وهو أنّه من حين بلوغهم، ولا يجوز عليهم الكفر والكبيرة قبل النبوة.
     الثالث: وهو قول أكثر الأَشاعرة ومنهم الفخر الرازي، وبه قال أبو هذيل، وأبو علي الجبائي من المعتزلة: إن فيجوز صدور المعصية عنهم.
هذا مجمل القول في الآراء حول العصمة[3].
 
بعض أقوال علماء الإمامية في عصمة الأَنبياء والأَئمة:
     ذكر النعماني عن أمير المؤمنين عليه السلام : حدود الامام المستحق للإمامة فمنها أن يعلم الامام المتولي عليه أنه معصوم من الذوب كلها صغيرها وكبيرها، لا يزل في الفتيا ولا يخطئ في الجواب ولا يسهو ولا ينسى، ولا يلهو بشئ من أمر الدنيا. والثاني أن يكون أعلم الناس بحلال الله وحرامه، وضروب أحكامه وأمره ونهيه، وجميع ما يحتاج إليه الناس، فيحتاج الناس إليه ويستغني عنهم. والثالث يجب أن يكون أشجع الناس لأنه فئة المؤمنين التي يرجعون إليها إن انهزم من الزحف انهزم الناس بانهزامه. والرابع يجب أن يكون أسخى الناس وإن بخل أهل الأرض كلهم لأنه إن استولى الشح عليه شح على ما في يديه من أموال المسلمين. والخامس العصمة من جميع الذنوب، وبذلك يتميز من المأمومين الذين هم غير معصومين، لأنه لو لم يكن معصوما لم يؤمن عليه أن يدخل فيما يدخل فيه الناس من موبقات الذنوب المهلكات، والشهوات واللذات، ولو دخل في هذه الأشياء لاحتاج إلى من يقيم عليه الحدود، فيكون حينئذ إماما مأموما، ولا يجوز أن يكون الامام بهذه الصفة[4].
 
الصدوق (ت: 381 ه): أن جميع الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام أفضل من الملائكة، وأنهم معصومون مطهرون من كل دنس ورجس، لا يهمون بذنب صغير ولا كبير ولا يرتكبونه [5].
ويقول: اعتقادنا في الأنبياء والرسل والأئمة والملائكة صلوات الله عليهم أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنبا، لا صغيرا ولا كبيرا، ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. ومن نفي عنهم العصمة في شئ من أحوالهم فقد جهلهم (وفي بعض النسخ: ومن جهلهم فهو كافر). واعتقادنا فيهم أنهم موصوفون بالكمال والتمام والعلم من أوائل أمورهم إلى أواخرها، لا يوصفون في شئ من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل[6]
 
     المفيد (ت: 413 ه): إنّ الذي أذهب إليه في هذا الباب إنّه لا يقع من الأَنبياء عليهم السلام ذنب بترك واجب مفترض ولا يجوز عليهم خطأ في ذلك ولا سهو يوقعهم فيه، وإن جاز منهم ترك نفل ومندوب إليه على غير القصد والتعمد، ومتى وقع ذلك منهم عوجلوا بالتنبيه عليه فيزولون عنه في أسرع مدة وأقرب زمان، فأما نبينا صلى الله عليه وآله وسلم خاصة والأَئمة من ذريته عليهم السلام فلم يقع منهم صغيرة بعد النبوة والإِمامة، من ترك واجب، ولا مندوب إليه، لفضلهم على من تقدّمهم من الحجج عليهم السلام، وقد نطق القرآن بذلك، وقامت الدلائل منه ومن غيره على ذلك للأَئمة من ذريته عليهم السلام[7].
     وقال: والأنبياء والأئمة عليهم السلام من بعدهم معصومون في حال نبوتهم وإمامتهم من الكبائر كلها والصغائر[8].
وقال: يشترط العصمة في الإمام كما تشترط في النبي عليه السلام. فإن قيل: ما الدليل على أن الإمام يجب أن يكون معصوما ؟ فالجواب: الدليل على ذلك من وجوه:
الأول: إنه لو جاز عليه الخطأ لافتقر إلى إمام آخر يسدده وننقل الكلام إليه ويتسلسل أو يثبت المطلوب.
الثاني: إنه لو فعل الخطيئة فإما أن يجب الانكار عليه أو لا فإن وجب الانكار عليه سقط محله من القلوب ولم يتبع والغرض من نصبه اتباعه. وإن لم يجب الانكار عليه سقط وجوب النهي عن المنكر وهو باطل.
الثالث: إنه حافظ للشرع فلو لم يكن معصوما لم يؤمن عليه الزيادة فيه والنقصان منه[9].
     وقال: إن جميع أنبياء الله صلوات الله عليهم معصومون من الكبائر قبل النبوة وبعدها وما يستخف فاعله من الصغائر كلها، وأما ما كان من صغير لا يستخف فاعله فجائز وقوعه منهم قبل النبوة وعلى غير تعمد وممتنع منهم بعدها على كل حال، وهذا مذهب جمهور الإمامية، والمعتزلة بأسرها تخالف فيه... وإن نبينا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ممن لم يعص الله عز وجل منذ خلقه الله عز وجل إلى أن قبضه ولا تعمد له خلافا ولا أذنب ذنبا على التعمد ولا النسيان، وبذلك نطق القرآن وتواتر الخبر عن آل محمد عليهم السلام، وهو مذهب جمهور الإمامية، والمعتزلة بأسرها على خلافه. وأما ما يتعلق به أهل الخلاف من قول الله تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) وأشباه ذلك في القرآن ويعتمدونه في الحجة على خلاف ما ذكرناه فإنه تأويل بضد ما توهموه، والبرهان يعضده على البيان، وقد نطق الفرقان بما قد وصفناه فقال - جل اسمه -: (والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى) فنفى بذلك عنه كل معصية ونسيان[10].
 
     المرتضى علم الهدى (ت: 436 ه): ومما يجب علمه أن حجة الشيعة الإمامية في صواب جميع ما انفردت به أو شاركت فيه غيرها من الفقهاء هي إجماعها عليه، لأن إجماعها حجة قاطعة ودلالة موجبة للعلم فإن انضاف إلى ذلك ظاهر كتاب الله جل ثناؤه أو طريقة أخرى توجب العلم وتثمر اليقين فهي فضيلة ودلالة تنضاف إلى أخرى وإلا ففي إجماعهم كفاية. وإنما قلنا: إن إجماعهم حجة لأن في إجماع الإمامية قول الإمام الذي دلت العقول على أن كل زمان لا يخلو منه، وأنه معصوم لا يجوز عليه الخطأ في قول ولا فعل فمن هذا الوجه كان إجماعهم حجة ودليلا قاطعا[11].
وقال: اختلف الناس في الأنبياء عليهم السلام. فقالت الشيعة الإمامية، لا يجوز عليهم شئ من المعاصي والذنوب كبيرا كان أو صغيرا، لا قبل النبوة ولا بعدها، ويقولون في الأئمة مثل ذلك[12].
 
     الطوسي (ت: 460 ه): في مسألة سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم: حديث ذو الشمالين وسهو النبي صلى الله عليه وآله وذلك مما تمنع منه الأدلة القاطعة في أنه لا يجوز عليه السهو والغلط صلى الله عليه وآله[13].
 
     العلامة الحلي (ت: 726 ه): إنّه لا يجوز أن يقع منه الصغائر والكبائر لا عمداً ولا سهواً ولا غلطاً في التأويل. ويجب أن يكون منزّهاً عن ذلك كلّه من أول عمره إلى آخره. وقال شارحه المقداد الحلي: وأصحابنا حكموا بعصمتهم مطلقاً قبل النبوة وبعدها عن الصغائر والكبائر عمداً وسهواً، بل وعن السهو مطلقاً، ولو في القسم الرابع، ونقصد به الافعال المتعلّقة بأحوال معاشهم في الدنيا مما ليس دينياً[14].
وقال: فإنه لو جاز عليه السهو والخطأ، لجاز ذلك في جميع أفعاله، ولم يبق وثوق بإخباراته عن الله تعالى، ولا بالشرايع والأديان، جواز أن يزيد فيها وينقص سهوا، فتنتفي فائدة البعثة. وفي المعلوم بالضرورة: أن وصف النبي صلى الله عليه وآله بالعصمة، أكمل وأحسن من وصفه بضدها، فيجب المصير إليه، لما فيه من الاحتراز عن الضرر المظنون، بل، المعلوم[15].
 
     بهاء الدين العاملي (ت: 1031 ه): عصمة الأَنبياء والأَئمة عليهم السلام من السهو والنسيان، مما انعقد عليه اجماعنا[16].
 
     المجلسي (ت: 1111 ه): أن أصحابنا الإمامية أجمعوا على عصمة الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم من الذنوب الصغيرة والكبيرة عمدا وخطأ ونسيانا قبل النبوة والإمامة وبعدهما: بل من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه، ولم يخالف فيه إلا الصدوق محمد بن بابويه وشيخه ابن الوليد قدس الله روحهما فجوزا الاسهاء من الله تعالى، لا السهو الذي يكون من الشيطان، ولعل خروجهما لا يخل بالاجماع، لكونهما معروفي النسب، وأما السهو في غير ما يتعلق بالواجبات والمحرمات كالمباحات والمكروهات فظاهر أكثر أصحابنا أيضا الاجماع على عدم صدوره عنهم، ويدل على جملة ذلك كونه سببا لتنفير الخلق منهم[17].
     وقال: اعلم أن الامامية رضي الله عنهم اتفقوا على عصمة الأئمة عليهم السلام من الذنوب صغيرها وكبيرها، فلا يقع منهم ذنب أصلا لا عمدا ولا نسيانا ولا لخطأ في التأويل، ولا للاسهاء من الله سبحانه[18].
وعد ذلك من ضروريات مذهب الإمامية[19].
 
     وقال بحر العلوم (ت: 1212 ه): وأما إسناد القول بالرأي إلى الأئمة عليهم السلام فلا يمتنع أن يكون كذلك في العصر المتقدم، وقد حكى جدي العلامة قدس سره في كتاب الايمان والكفر عن الشهيد الثاني طاب ثراه: أنه احتمل الاكتفاء في الايمان بالتصديق بامامة الأئمة عليهم السلام والاعتقاد بفرض طاعتهم، وإن خلا عن التصديق بالعصمة عن الخطأ. وادعى: أن ذلك هو الذي يظهر من جل رواتهم وشيعتهم، فإنهم كانوا يعتقدون أنهم عليهم السلام علماء أبرار، افترض الله طاعتهم، مع عدم اعتقادهم العصمة فيهم، وأنهم عليهم السلام مع ذلك كانوا يحكمون بإيمانهم وعدالتهم - قال -: وفي كتاب أبي عمرو الكشي جملة من ذلك  وكلامه رحمه الله وإن كان مطلقا، لكن يجب تنزيله على تلك الاعصار التي يحتمل فيها ذاك دون ما بعدها من الأزمنة، فان الامر قد بلغ فيها حد الضرورة قطعا[20].
 
     مرتضى الأنصاري (ت: 1281 ه): ويكفي في معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص به، والتصديق بنبوته وصدقه، فلا يعتبر في ذلك الاعتقاد بعصمته، أعني كونه معصوما بالملكة من أول عمره إلى آخره[21].
 
محمد رضا المظفر (ت: 1383 ه): ونعتقد أن الإمام كالنبي يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت، عمدا وسهوا. كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان، لأن الأئمة حفظة الشرع والقوامون عليه حالهم في ذلك حال النبي، والدليل الذي اقتضانا أن نعقتد بعصمة الأنبياء هو نفسه يقتضينا أن نعتقد بعصمة الأئمة، بلا فرق[22].
 
     حسن زادة الآملي (معاصر): الحق ان السفير الإلهي مؤيّد بروح القدس، معصوم في جميع أحواله وأطواره وشؤونه قبل البعثة، أو بعدها. فالنبي معصوم في تلقي الوحي وحفظه وابلاغه، كما انّه معصوم في أفعاله مطلقاً بالأَدلة العقلية والنقلية. فمن اسند إليه الخطأ فهو مخطئ، ومن اسند إليه السهو فهو أولى به[23].
 
وعلى هذه الأقوال سائر علماء الإمامية مما يغنينا عن ذكرها جميعاً.
 
وهناك خلاف في تحديد الزمن الذي ظهرت فيه هذه العقيدة وعلى يد من، فمن قائل على يد ابن سبأ، ومن ذهب إلى أنها ظهرت زمن هشام بن الحكم ومنهم من قال على يد محمد بن علي الأحول، شيطان الطاق، الذي يسميه الشيعة بمؤمن آل محمد، ومن قائل أيام الصادق رحمه الله، وهذا يتفق مع الذي سبق بإعتبار أنهما (أي هشام والأحول) كانا أيام الصادق رحمه الله.
 
     نقد هذه العقيدة.
 
     قال شيخ الإسىلام ابن تيمية رحمه الله: قال الرافضي: (الفصل الثالث: في الأدلة الدالة على إمامة أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. الأدلة في ذلك كثيرة لا تحصى، لكن نذكر المهم منها، وننظم أربعة مناهج: المنهج الأول: في الأدلة العقلية، وهي خمسة:
     الأول: أن الإمام يجب أن يكون معصوما.
أما المقدمة الأولى: فلأن الإنسان مدنيّ بالطبع، لا يمكن أن يعيش منفردا، لافتقاره في بقائه إلى ما يأكل ويشرب ويلبس ويسكن، ولا يمكن أن يفعلها بنفسه، بل يفتقر إلى مساعدة غيره، بحيث يفزع كل واحد منهم إلى ما يحتاج إليه صَاحبه، حتى يتم قيام النوع. ولما كان الاجتماع في مظنّة التغالب والتغابن، بأن كل واحد من الأشخاص قد يحتاج إلى ما في يد غيره، فتدعوه قوته الشهوانية إلى أخذه وقهره عليه وظلمه فيه، فيؤدي ذلك إلى وقوع الهرج والمرج وإثارة الفتن، فلا بد من نصب إمامٍ معصوم يصدّهم عن الظلم والتعدّي، ويمنعهم عن التغالب والقهر، وينصف المظلوم من الظالم، ويوصِّل الحق إلى مستحقّه، لا يجوز عليه الخطأ ولا السهوولا المعصية، وإلا افتقر إلى إمام آخر، لأن العلة المُحْوِجة إلى نصب الإمام هي جواز الخطأ على الأمة، فلو جاز الخطأ عليه لاحتاج إلى إمام آخر، فإن كان معصوماً كان هو الإمام، وإلا لزم التسلسل.
     أما المقدمة الثانية فظاهرة، لأن أبا بكر وعمر وعثمان لم يكونوا معصومين اتفاقاً، وعليّ معصوم، فيكون هو الإمام).
     والجواب عن ذلك: أن نقول: كلتا المقدمتين باطلة. أما الأولى: فقوله: ((ولا بد من نصب إمام معصوم يصدّهم عن الظلم والتعدّي، ويمنعهم عن التغالب والقهر، وينصف المظلوم من الظالم، ويوصِّل الحق إلى مستحقِّه، لا يجوز عليه الخطأ ولا السهوولا المعصية)).
     فيقال له: نحن نقول بموجب هذا الدليل إن كان صحيحا، فإن الرسول هو المعصوم وطاعته واجبة في كل زمان على كل أحد. وعلم الأمة بأمره ونهيه أتم من علم آحاد الرعية بأمر الإمام الغالب، كالمنتظر ونحوه، بأمره ونهيه. فهذا رسول - صلى الله عليه وسلم - إمام معصوم، والأمة تعرف أمره ونهيه، ومعصومهم ينتهي إلى الغائب المنتظر، الذي لو كان معصوما لم يعرف أحدٌ لا أمره ولا نهيه، بل ولا كانت رعية عليّ تعرف أمره ونهيه، كما تعرف الأمة أمر نبيّها ونهيه، بل عند أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - من علم أمره ونهيه ما أغناهم عن كل إمام سواه، بحيث أنهم لا يحتاجون قط إلى المتولّى عليهم في شيء من معرفة دينهم، ولا يحتاجون في العمل إلى ما يحتاجون فيه إلى التعاون. وهم يعلمون أمره ونهيه أعظم من معرفة آحاد رعيّة المعصوم، ولوقُدِّر وجوده بأمره. فإنه لم يتولّ على الناس ظاهراً من ادُّعيت له العصمة إلا عليٌّ.
     ونحن نعلم قطعا أنه كان في رعيته باليمن وخراسان وغيرهما من لا يدري بماذا أمر ولا عمَّاذا نهى، بل نوّابه كانوا يتصرفون بما لا يعرفه هو.
     وأما الورثة الذين ورثوا علم محمد - صلى الله عليه وسلم - فهم يعرفون أمره ونهيه، ويَصْدُقُون في الإخبار عنه، أعظم من علم نواب عليّ بأمره ونهيه، ومن صِدْقهِم في الإخبار عنه.
وهم إنما يريدون أنه لا بد من إمام معصوم حيّ.
     فنقول: هذا الكلام باطل من وجوه:
     أحدها: أن هذا الإمام الموصوف لم يوجد بهذه الصفة. أما في زماننا فلا يُعرف إمام معروف يُدَّعى فيه هذا، ولا يدعى لنفسه، بل مفقود غائب عند متّبعيه، ومعدوم لا حقيقة له عند العقلاء. ومثل هذا لا يحصل به شيء من مقاصد الإمامة أصلا، بل من وَلِيَ على الناس، ولو كان فيه بعض الجهل وبعض الظلم، كان أنفع لهم ممن لا ينفعهم بوجه من الوجوه.
     وهؤلاء المنتسبون إلى الإمام المعصوم لا يوجدون مستعينين في أمورهم إلا بغيره، بل هم ينتسبون إلى المعصوم، وإنما يستعينون بكفور أوظلوم. فإذا كان المصدِّقون لهذا المعصوم المنتظر لم ينتفع به أحد منهم لا في دينه ولا في دنياه، لم يحصل لأحد به شيء من مقاصد الإمامة.
     وإذا كان المقصود لا يحصل منه شيء، لم يكن بنا حاجة إلى إثبات الوسيلة لأن الوسائل لا تُراد إلا لمقاصدها. فإذا جزمنا بانتفاء المقاصد كان الكلام في الوسيلة من السعي الفاسد، وكان هذا بمنزلة من يقول: الناس يحتاجون إلى من يطعمهم ويسقيهم، وينبغي أن يكون الطعام صفته كذا، والشراب صفته كذا، وهذا عند الطائفة الفلانية، وتلك الطائفة قد عُلم أنها من أفقر الناس، وأنهم معروفون بالإفلاس.
     وأي فائدة في طلب ما يُعلم عدمه، واتباع ما لا ينتفع به أصلا؟ والإمام يُحتاج إليه في شيئين. إما في العلم لتبليغه وتعليمه، وإما في العمل به ليعين الناس عل ذلك بقوته وسلطانه.
     وهذا المنتظر لا ينتفع لا بهذا ولا بهذا. بل ما عندهم من العلم فهو من كلام مَنْ قَبْله، ومن العمل، إن كان ممّا يوافقهم عليه المسلمون استعانوا بهم، وإلا استعانوا بالكفّار والملاحدة ونحوهم، فهم أعجز الناس في العمل، وأجهل الناس في العلم، مع دعوهم ائتمامهم بالمعصوم، الذي مقصوده العلم والقدرة، ولم يحصل لهم لا علم ولا قدرة، فعلم انتفاء هذا مما يدّعونه.
     وأيضا فالأئمة الاثنا عشر لم يحصل لأحدٍ من الأمة بأحد منهم جميع مقاصد الإمامة.
     أما من دون عليّ فإنما كان يحصل للناس من علمه ودينه مثل ما يحصل من نظرائه. وكان عليّ بن الحسين، وابنه أبو جعفر وابنه جعفر بن محمد يعلّمون الناس ما علّمهم الله، كما علمه علماء زمانهم، وكان في زمنهم من هو أعلم منهم وأنفع للأمة.
     وهذا معروف عند أهل العلم. ولوقدِّر أنهم كانوا أعلم وأَدْيَن، فلم يحصل من أهل العلم والدين ما يحصل من ذوي الولاية والقوة والسلطان، وإلزام الناس بالحق، ومنعهم باليد عن الباطل.
     وأما من بعد الثلاثة كالعسكريَيْن، فهؤلاء لم يظهر عليهم علم تستفيده الأمة، ولا كان لهم يد تستعين بها الأمة، بل كانوا كأمثالهم من الهاشميين لهم حرمة ومكانة، وفيهم من معرفة ما يحتاجون إليه في الإسلام والدين ما في أمثالهم، وهو ما يعرفه كثير من عوام المسلمين.
     وأما ما يختص به أهل العلم، فهذا لم يعرف عنهم. ولهذا لم يأخذ عنهم أهل العلم، كما أخذوا عن أولئك الثلاثة. ولو وجدوا ما يُستفاد لأخذوا، ولكن طالب العلم يعرف مقصوده.
     وإذا كان للإنسان نسب شريف، كان ذلك مما يعينه على قبول الناس منه. ألا ترى أن ابن عبّاس لما كان كثير العلم عَرَفت الأمه له ذلك، واستفادت منه، وشاع ذكره بذلك في الخاصة والعامة.
     وكذلك الشافعي لما كان عنده من العلم والفقه ما يُستفاد منه، عرف المسلمون له ذلك، واستفادوا ذلك منه، وظهر ذكره بالعلم والفقه.
     ولكن إذا لم يجد الإنسان مقصوده في محل لم يطلبه منه. ألا ترى أنه لو قيل عن أحد: أنه طبيب أو نحوي، وعُظِّم حتى جاء إليه الأطباء أوالنحاة، فوجدوه لا يعرف من الطب والنحو ما يطلبون، أعرضوا عنه، ولم ينفعه دعوى الجهّال وتعظيمهم؟
     وهؤلاء الإمامية أخذوا عن المعتزلة أن الله يجب عليه الإقدار والتمكين واللطف، بما يكون المكلَّف عنده أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، مع تمكّنه في الحالين.
     ثم قالوا: والإمامة واجبة، وهي أوجب عندهم من النبوة، لأن بها لطفاً في التكاليف. قالوا: إنّا نعلم يقينا بالعادات واستمرار الأوقات أن الجماعة متى كان لهم رئيس مهيب مطاع متصرّف منبسط اليد كانوا بوجوده أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإذا لم يكن لهم رئيس وقع الهرج والمرج بينهم، وكانوا عن الصلاح أبعد، ومن الفساد أقرب. وهذه الحال مشعرة بقضية العقل معلومة لا ينكرها إلا من جهل العادات، ولم يعلم استمرار القاعدة المستمرة في العقل. قالوا: وإذا كان هذا لطفا في التكليف لزم وجوبه. ثم ذكروا صفاته من العصمة وغيرها.
     ثم أورد طائفة منهم على أنفسهم سؤالا، فقالوا: إذا قلتم: إن الإمام لطف، وهو غائب عنكم، فأين اللطف الحاصل مع غيبته؟ وإذا لم يكن لطفه حاصلا مع الغيبة، وجاز التكليف، بطل أن يكون الإمام لطفاً في الدين. وحينئذ يفسد القول بإمامة المعصوم.
     وقالوا في الجواب عن هذا السؤال: إنَّا نقول: إن لطف الإمام حاصل في حالة الغيبة للعارفين به في حال الظهور. وإنما فات اللطف لمن لم يَقُل بإمامته. كما أن لطف المعرفة لم يحصل لمن لم يعرف الله تعالى، وحصل لمن كان عارفا به. قالوا: وهذا يُسقط هذا السؤال، ويوجب القول بإمامة المعصومين.
     فقيل لهم: لو كان اللطف حاصلا في حال الغيبة كحال الظهور، لوجب أن يستغنوا عن ظهوره، ويتبعوه إلى أن يموتوا. وهذا خلاف ما يذهبون إليه.
     فأجابوا بأنّا نقول: إن اللطف في غيبته عند العارف به من باب التنفير والتبعيد عن القبائح مثل حال الظهور، ولكن نوجب ظهوره لشيء غير ذلك، وهو رفع أيدي المتغلّبين عن المؤمنين، وأخذ الأموال ووضعها في مواضعها من أيدي الجبابرة، ورفع ممالك الظلم التي لا يمكننا رفعها إلا بطريقه، وجهاد الكفار الذي لا يمكن إلا مع ظهوره.
     فيقال لهم: هذا كلام ظاهر البطلان. وذلك أن الإمام الذي جعلتموه لطفاً، هو ما شهدت به العقول والعادات، وهو ما ذكرتموه. قلتم: إن الجماعة متى كان لهم رئيس مهيب مطاع متصرِّف منبسط اليد، كانوا بوجوده أقرب إلى الصلاح، وأبد عن الفساد، واشترطتم فيه العصمة. قلتم: لأن مقصود الانزجار لا يحصل إلا بها. ومن المعلوم أن الموجودين الذين كانوا قبل المنتظر، لم يكن أحد منهم بهذه الصفة: لم يكن أحد منهم منبسط اليد ولا متصرفا.
     وعليّ رضي الله عنه تولّى الخلافة، ولم يكن تصرفه وانبساطه تصرف من قبله وانبساطهم. وأما الباقون فلم تكن أيديهم منبسطة ولا متصرّفون، بل كان يحصل بأحدهم ما يحصل بنظرائه.
     وأما الغائب فلم يحصل به شيء، فإن المعترِف بوجوده إذا عَرَف أنه غاب من أكثر من أربعمائة سنة وستين سنة، وأنه خائف لا يمكنه الظهور، فضلا عن إقامة الحدود، ولا يمكنه أن يأمر أحداً ولا ينهاه - لم يزل الهرج والفساد بهذا.
     ولهذا يوجد طوائف الرافضة أكثر الطوائف هرجاً وفساداً، واختلافا بالألسن والأيدي، ويوجد من الاقتتال والاختلاف وظلم بعضهم لبعض، ما لا يوجد فيمن لهم متولٍّ كافر، فضلا عن متولٍّ مسلم، فأي لطف حصل لمتبعيه به؟
     وأما قولهم إن اللطف به يحصل للعارفين به، كما يحصل في حال الظهور، فهذه مكابرة ظاهرة؛ فإنه إذا ظهر حصل به من إقامة الحدود والوعظ وغير ذلك، ما يوجب أن يكون في ذلك لطفٌ لا يحصل مع عدم الظهور.
     وتشبيههم معرفته بمعرفة الله في باب اللطف، وأن اللطف به يحصل للعارف دون غيره، قياس فاسد. فإن المعرفة بأن الله موجود حيّ قادر، يأمر بالطاعة ويثيب عليا، وينهى عن المعصية ويعاقب عليها، من أعظم الأسباب في الرغبة والرهبة منه، فتكون هذه المعرفة داعية إلى الرغبة في ثوابه، بفعل المأمور وترك المحظور، والرهبة من عقابه إذا عصى، لعلم العبد بأنه عالم قادر، وأنه قد جرت سنته بإثابة المطيعين وعقوبة العاصين.
وأما شخص يعرف الناس أنه مفقود من أكثر من أربعمائة سنة، وأنه لم يعاقب أحداً، وأنه لم يثب أحداً، بل هو خائف على نفسه إذا ظهر، فضلا عن أن يأمر وينهى، فكيف تكون المعرفة به داعية إلى فعل ما أمر وترك ما حظر، بل المعرفة بعجزه وخوفه توجب الإقدام على فعل القبائح، لا سيما مع طول الزمان وتوالي الأوقات وقتا بعد وقت، وهو لم يعاقب أحداً ولم يثب أحداً.
     بل لو قُدِّر أنه يظهر في كل مائة سنة مرة فيعاقب، لم يكن ما يحصل به من اللطف مثل ما يحصل بآحاد ولاة الأمر، بل لو قيل: إنه يظهر في كل عشر سنين، بل ولو ظهر في السنة مرة، فإنه لا تكون منفعته كمنفعة ولاة الأمور الظاهرين للناس في كل وقت، بل هؤلاء - مع ذنوبهم وظلمهم في بعض الأمور - شرع الله بهم، وما يفعلونه من العقوبات، وما يبذلونه من الرغبات في الطاعات، أضعاف ما يقام بمن يظهر بعد كل مدة، فضلا عمَّن هو مفقود، يعلم جمهور العقلاء أنه لا وجود له، والمقرّون به يعلمون أنه عاجز خائف لم يفعل قط ما يفعله آحاد الناس، فضلا عن ولاة أمرهم.
     وأي هيبة لهذا؟ وأي طاعة، وأي تصرّف، وأي يد منبسطة؟ حتى إذا كان للناس رئيس مهيب مطاع متصرّف منبسط اليد، كانوا أقرب إلى الصلاح بوجوده.
     ومن تدبر هذا علم أن هؤلاء القوم في غاية الجهل والمكابرة والسفسطه، حيث جعلوا اللطف به في حال عجزه وغيبته، مثل اللطف به في حال ظهوره، وأن المعرفة به مع عجزه وخوفه وفقده لطف، كما لوكان ظاهراً قادراً آمنا، وأن مجرد هذه المعرفة لطف، كما أن معرفة الله لطف.
     الوجه الثاني: أن يقال: قولكم: لا بد من نصب إمامٍ معصوم يفعل هذه الأمور. أتريدون أنه لا بد أن يخلق الله ويقيم من يكون متصفاً بهذه الصفات؟ أم يجب على الناس أن يبايعوا من يكون كذلك؟
     فإن أردتم الأول، فالله لم يخلق أحداً متصفاً بهذه الصفات؛ فإن غاية ما عندكم أن تقولوا: إن عليًّا كان معصوما لكن الله لم يمكّنه ولم يؤيّده، لا بنفسه، ولا بجند خلقهم له حتى يفعل ما ذكرتموه.
     بل أنتم تقولون: إنه كان عاجزا مقهوراً مظلوما في زمن الثلاثة، ولما صار له جند، قام له جند آخرون قاتلوه، حتى لم يتمكن أن يفعل ما فعل الذين كانوا قبله، الذين هم عندكم ظلمة.
     فيكون الله قد أيد أولئك الذين كانوا قبله، حتى تمكنوا من فعل ما فعلوه من المصالح، ولم يؤيّده حتى يفعل ذلك.
     وحينئذ فما خلق الله هذا المعصوم المؤيِّد الذي اقترحتموه على الله.
     وإن قلتم: إن الناس يجب عليهم أن يبايعوه ويعاونوه.
     قلنا: أيضا فالناس لم يفعلوا ذلك، سواء كانوا مطيعين أو عصاة. وعلى كل تقدير فما حصل لأحد من المعصومين عندكم تأييد، لا من الله ولا من الناس. وهذه المصالح التي ذكرتموها لا تحصل إلا بتأييد، فإذا لم يحصل ذلك لم يحصل ما به تحصل المصالح، بل حصل أسباب ذلك، وذلك لا يفيد المقصود.
     الوجه الثالث: أن يقال: إذا كان لم يحصل مجموع ما به تحصل هذه المطالب، بل فات كثير من شروطها، فلم لا يجوز أن يكون الفائت هو العصمة؟ وإذا كان المقصود فائتا: إما بعدم العصمة، وإما بعجز المعصوم، فلا فرق بين عدمها بهذا أو بهذا، فمن أين يُعلم بدليل العقل أنه يجب على الله أن يخلق إماماً معصوما؟ وهو إنما يخلقه ليحصل به مصالح عباده، وقد خلقه عاجزاً لا يقدر على تلك المصالح، بل حصل به من الفساد ما لم يحصل إلا بوجوده.
     وهذا يتبين بالوجه الرابع: وهو أنه لو لم يخلق هذا المعصوم، لم يكن يجري في الدنيا من الشر أكثر مما جرى، إذا كان وجوده لم يدفع شيئاً من الشر، حتى يُقال: وجوده دفع كذا. بل وجوده أوجب أن كذَّب به الجمهور، وعادوا شيعته، وظلموه وظلموا أصحابه، وحصل من الشرور التي لا يعلمها إلا الله، بتقدير أن يكون معصوماً.
     فإنه بتقدير أن لا يكون عليّ رضي الله عنه معصوما، ولا بقية الاثنى عشر ونحوهم، لا يكون ما وقع من تولية الثلاثة، وبني أمية، وبني العباس، فيه من الظلم والشر ما فيه، بتقدير كونهم أئمة معصومين. وبتقدير كونهم معصومين فما أزالوا من الشر إلا ما يزيله من ليس بمعصوم، فصار كونهم معصومين إنما حصل به الشر لا الخير.
     فكيف يجوز على الحكيم أن يخلق شيئا ليحصل به الخير، وهو لم يحصل به إلا الشر لا الخير؟
     وإذا قيل: هذا الشر حصل من ظلم الناس له.
     قيل: فالحكيم الذي خلقه إذا كان خلقه لدفع ظلمهم، وهو يعلم أنه إذا خلقه زاد ظلمهم، لم يكن خلقه حكمة بل سفهاً، وصار هذا كتسليم إنسانٍ ولدَه إلى من يأمره بإصلاحه، وهو يعلم أنه لا يطيعه بل يفسده. فهل يفعل هذا حكيم؟
     الوجه الخامس: إذا كان الإنسان مدنياً بالطبع، وإنما وجب نصب المعصوم ليزيل الظلم والشر عن أهل المدينة، فهل تقولون: إنه لم يزل في كل مدينة خلقها الله تعالى معصوم يدفع ظلم الناس أم لا؟
     فإن قلتم بالأول، كان هذا مكابرة ظاهرة. فهل في بلاد الكفّار من المشركين وأهل الكتاب معصوم؟ وهل كان في الشام عند معاوية معصوم؟
     وإن قلتم: بل نقول: هو في كل مدينة واحد، وله نوّاب في سائر المدائن.
     قيل: فكل معصوم له نوّاب في جميع مدائن الأرض أم في بعضها؟
     فإن قلتم: في الجميع، كان هذا مكابرة. وإن قلتم: في البعض دون البعض.
     قيل: فما الفرق إذا كان ما ذكرتموه واجبا على الله، وجميع المدائن حاجتهم إلى المعصوم واحدة؟
     الوجه السادس: أن يُقال: هذا المعصوم يكون وحده معصوما؟ أوكلٌّ من نوابه معصوما؟ وهم لا يقولون بالثاني، والقول به مكابرة. فإن نوّاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا معصومين، ولا نوّاب عليّ، بل كان في بعضهم من الشر والمعصية ما لم يكن مثله في نوّاب معاوية لأميرهم، فأين العصمة؟
وإن قلت: يشترط فيه وحده.
     قيل: فالبلاد الغائبة عن الإمام، لا سيما إذا لم يكن المعصوم قادراً على قهر نوابه بل هو عاجز، ماذا ينتفعون بعصمة الإمام، وهم يصلّون خلف غير معصوم، ويحكم بينهم غير معصوم، ويطيعون غير معصوم، ويأخذ أموالهم غير معصوم؟
     فإن قيل: الأمور ترجع إلى المعصومين.
     قيل: لو كان المعصوم قادراً ذا سلطان، كما كان عمر وعثمان ومعاوية وغيرهم، لم يتمكن أن يوصّل إلى كل من رعيته العدل الواجب الذي يعلمه هو. وغاية ما يقدر عليه أن يولِّي أفضل من يقدر عليه، لكن إذا لم يجد إلا عاجزاً أوظالماً، فكيف يمكنه تولية قادر عادل؟
     فإن قالوا: إذا لم يخلق الله إلا هذا سقط عنه التكليف.
     قيل: فإذاً لم يجب على الله أن يخلق قادراً عادلاً مطلقا، بل أوجب على الإمام أن يفعل ما يقدر عليه، فكذلك الناس عليهم أن يولّوا أصلح من خلقه الله تعالى، وإن كان فيه نقص: إما من قدرته، وإما من عدله.
وقد كان عمر رضي الله عنه يقول: ((اللهم إليك أشكو جَلَدَ الفاجر وعجز الثقة))، وما ساس العالم أحدٌ مثل عمر، فكيف الظن بغيره؟
     هذا إذا كان المتولّى نفسه قادراً عادلا، فكيف إذا كان المعصوم عاجزاً؟ ومن الذي يُلْزمها بطاعته حتى تطيعه؟ وإذا أظهر بعض نوّابه طاعته حتى يولّيه، ثم أخذ ما شاء من الأموال، وسكن في مدائن الملوك، فأي حيلة للمعصوم فيه؟
     فعلم أن المعصوم الواحد لا يحصل به المقصود، إذا كان ذا سلطان، فكيف إذا كان عاجزاً مقهوراً؟ فكيف إذا كان مفقوداً غائبا لا يمكنه مخاطبة أحد؟ فكيف إذا كان معدوما لا حقيقة له؟
     الوجه السابع: أن يُقال: صَدُّ غيره عن الظلم، وإنصاف المظلوم منه، وإيصال حق غيره إليه فرع على منع ظلمه، واستيفاء حقِّه. فإذا كان عاجزاً مقهوراً لا يمكنه دفع الظلم عن نفسه، ولا استيفاء حقّه من ولايةٍ ومال، ولا حق امرأته من ميراثها، فأي ظلم يَدْفع؟ وأي حق يُوصِّل؟ فكيف إذا كان معدوما أو خائفا لا يمكنه أن يظهر في قرية أومدينة خوفا من الظالمين أن يقتلوه، وهو دائما على هذا الحال أكثر من أربعمائة وستين سنة، والأرض مملوءة من الظلم والفساد، وهو لا يقدر أن يعرّف بنفسه، فكيف يدفع الظلم عن الخلق، أو يُوصِّل الحق إلى المستحق؟ وما أخلق هؤلاء بقوله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَاْلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}
     الوجه الثامن: أن يُقال: حاجة الإنسان إلى تدبير بدنه بنفسه، أعظم من حاجة المدينة إلى رئيسها. وإذا كان الله تعالى لم يخلق نفس الإنسان معصومةً، فكيف يجب عليه أن يخلق رئيساً معصوما؟
     مع أن الإنسان يمكنه أن يكفر بباطنه، ويعصي بباطنه، وينفرد بأمور كثيرة من الظلم والفساد، والمعصوم لا يعلمها، وإن علمها لا يقدر على إزالتها، فإذا لم يجب هذا فكيف يجب ذاك؟
     الوجه التاسع: أن يقال: هل المطلوب من الأئمة أن يكون الصلاح بهم أكثر من الفساد، وأن يكون الإنسان معهم أقرب إلى المصلحة وأبعد عن المفسدة، مما لو عدموا ولم يقم مقامهم؟ أم المقصود بهم وجود صلاحٍ لا فساد معه؟ أم مقدار معين من الصلاح؟
     فإذا كان الأول، فهذا المقصود حاصل لغالب ولاة الأمور. وقد حصل هذا المقصود على عهد أبي بكر وعمر وعثمان، أعظم مما حصل على عهد عليّ. وهو حاصل بخلفاء بني أمية وبني العباس، أعظم مما هو حاصل بالاثنى عشر. وهذا حاصل بملوك الروم والترك والهند، أكثر مما هو حاصل بالمنتظر الملقّب صاحب الزمان، فإنه ما من أمير يتولى ثم يُقدَّر عدمه بلا نظير، إلا كان الفساد في عدمه أعظم من الفساد في وجوده، لكن قد يكون الصلاح في غيره أكثر منه، كما قد قيل: ((ستون سنة مع إمام جائر خير من ليلة واحدة بلا إمام)).
     وإن قيل: بل المطلوب وجود صلاحٍ لا فساد معه.
     قيل: فهذا لم يقع، ولم يخلق الله ذلك، ولا خلق أسبابا توجب ذلك لا محالة. فمن أوجب ذلك، وأوجب ملزوماته على الله، كان إمّا مكابراً لعقله، وإما ذامًّا لربّه. وخَلْقُ ما يمكن معه وجود ذلك، لا يحصل به ذلك، إن لم يخلق ما يكون به ذلك.
     ومثل هذا يقال في أفعال العباد، لكن القول في المعصوم أشد، لأن مصلحته تتوقف على أسباب خارجة عن قدرته، بل عن قدرة الله عند هؤلاء. الذين هم معتزلة رافضة، فإيجاب ذلك على الله أفسد من إيجاب خلق مصلحة كل عبد له.
     الوجه العاشر: أن يقال: قوله: ((لو لم يكن الإمام معصوما لافتقر إلى إمام آخر، لأن العلة المحوجة إلى إمام هي جواز الخطأ على الأمة، فلو جاز الخطأ عليه لاحتاج إلى إمام آخر)).
     فيقال له: لم لا يجوز أن يكون إذا أخطأ الإمام كان في الأمة من ينبهه على الخطأ، بحيث لا يحصل اتفاق المجموع على الخطأ، لكن إذا أخطأ بعض الأمة، نبهه الإمام أو نائبه أو غيره، وإن أخطأ الإمام أو نائبه نبهه آخر كذلك، وتكون العصمة ثابتة للمجموع، لا لكل واحد من الأفراد، كما يقوله أهل الجماعة؟
     وهذا كما أن كل واحد من أهل خبر التواتر يجوز عليه الخطأ، وربما جاز عليه تعمد الكذب، لكن المجموع لا يجوز عليهم ذلك في العادة. وكذلك الناظرون إلى الهلال أوغيره من الأشياء الدقيقة، قد يجوز الغلط على الواحد منهم، ولا يجوز على العدد الكثير.
     وكذلك الناظرون في الحساب والهندسة، ويجوز على الواحد منهم الغلط في مسألة أومسألتين، فأما إذا كثر أهل المعرفة بذلك، امتنع في العادة غلطهم.
     ومن المعلوم أن ثبوت العصمة لقوم اتفقت كلمتهم، أقرب إلى العقل والوجود من ثبوتها لواحدٍ. فإن كانت العصمة لا تمكن للعدد الكثير، في حال اجتماعهم على الشيء المعيّن، فان لا تمكن للواحد أَولى. وإن أمكنت للواحد مفرداً، فلإن تمكن له ولأمثاله مجتمعين بطريق الأَوْلى والأحرى.
     فعُلم أن إثبات العصمة للمجموع أَوْلى من إثباتها للواحد، وبهذه العصمة يَحْصُل المقصود المطلوب من عصمة الإمام، فلا تتعين عصمة الإمام.
     ومن جهل الرافضة إنهم يوجبون عصمة واحد من المسلمين، ويجوّزون على مجموع المسلمين الخطأ إذا لم يكن فيهم واحد معصوم. والمعقول الصريح يشهد أن العلماء الكثيرين، مع اختلاف اجتهاداتهم، إذا اتفقوا على قولٍ كان أولى بالصواب من واحد، وأنه إذا أمكن حصول العلم بخبرٍ واحد، فحصوله بالأخبار المتواترة أَوْلى.
     ومما يبيّن ذلك أن الإمام شريك الناس في المصالح العامة، إذ كان هو وحده لا يقدر أن يفعلها، إلا أن يشترك هو وهم فيها، فلا يمكنه أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق، ولا يوفّيها، ولا يجاهد عدواً إلا أن يعينوه، بل لا يمكنه أن يصلّي بهم جمعة ولا جماعة إن لم يصلّوا معه، ولا يمكن أن يفعلوا ما يأمرهم به إلا بقواهم وإرادتهم. فإذا كانوا مشاركين له في الفعل والقدرة، لا ينفرد عنهم بذلك، فكذلك العلم والرأي لا يجب أن ينفرد به بل يشاركهم فيه، فيعاونهم ويعاونونه، وكما أن قدرته تعجز إلا بمعاونتهم، فكذلك علمه يعجز إلا بمعاونتهم.
     الوجه الحادي عشر: أن يُقال: العلم الديني الذي يحتاج إليه الأئمة والأمة نوعان: علم كلّي، كإيجاب الصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، والزكاة، والحج، وتحريم الزنا والسرقة والخمر ونحو ذلك. وعلم جزئي، كوجوب الزكاة على هذا، ووجوب إقامة الحد على هذا، ونحو ذلك.
     فأما الأول، فالشريعة مستقلة به، لا تحتاج فيه إلى الإمام. فإن النبي إما أن يكون قد نصّ على كليات الشريعة التي لا بد منها، أوترك منها ما يحتاج إلى القياس. فإن كان الأول ثبت المقصود. وإن كان الثاني، فذلك القدر يحصل بالقياس.
     وإن قيل: بل ترك فيها ما لا يُعلم بنصّه ولا بالقياس، بل بمجرد قول المعصوم، كان هذا المعصوم شريكا في النبوّة لم يكن نائبا؛ فإنه إذا كان يُوجب ويحرّم من غير إسناد إلى نصوص النبي، كان مستقلا، لم يكن متّبعا له، وهذا لا يكون إلا نبيًّا، فأما من لا يكون إلا خليفة لنبيّ، فلا يستقل دونه.
     وأيضا فالقياس إن كان حجةً جاز إحالة الناس عليه، وإن لم يكن حجةً وجب أن ينصّ النبي على الكليّات.
وأيضا فقد قال تعالى: {اليَوْمَ أَكْملْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ اْلإِسْلاَمَ دِينًا}.
     وهذا نصٌ في أن الدين كامل لا يحتاج معه إلى غيره.
     وأما الجزئيات فهذه لا يمكن النصّ على أعيانها، بل لا بد فيها من الاجتهاد المسمّى بتحقيق المناط، كما أن الشارع لا يمكن أن ينصَّ لكل مصلٍّ على جهة القبلة في حقِّه، ولكل حاكم على عدالة كل شاهد، وأمثال ذلك.
     وإذا كان كذلك، فإن ادّعوا عصمة الإمام في الجزئيات، فهذه مكابرة، ولا يدَّعيها أحد، فإن عليًّا رضي الله عنه كان يولِّي من تبين له خيانته وعجزه وغير ذلك، وقد قطع رجلا بشهادة شاهدين، ثم قالا: أخطأنا. فقال: لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما.
     وكذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم -، ففي الصحيحين عنه أنه قال: ((إنكم تختصمون إلىَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضى بنحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار)).
     الوجه الثاني عشر: أن يُقال: العصمة الثابتة للإمام: أهي فعل للطاعات باختياره وتركه للمعاصي باختياره، مع أن الله تعالى عندكم لا يخلق اختياره؟ أم هي خلق الإرادة له؟ أم سلبه القدرة على المعصية؟
فإن قلتم بالأول، وعندكم أن الله لا يخلق اختيار الفاعلين، لزمكم أن الله لا يقدر على خلق معصوم.
     وإن قلتم بالثاني بطل أصلكم الذي ذهبتم إليه في القدرة.
     وإن قلتم: سَلْبُ القدرة على المعصية، كان المعصوم عندكم هو العاجز عن الذنب. كما يعجز الأعمى عن نقط المصاحف، والمُقعد عن المشي.
     والعاجز عن الشيء لا يُنهى عنه ولا يؤمر به، وإذا لم يُؤمر وُينه لم يستحق ثواباً على الطاعة، فيكون المعصوم عندكم لا ثواب له على ترك معصية، بل ولا على فعل طاعة. وهذا غاية النقص.
     وحينئذ فأيّ مسلم فُرض كان خيراً من هذا المعصوم، إذا أذنب ثم تاب، لأنه بالتوبة محيت سيئاته، بل بُدِّل بكل سيئة حسنة مع حسناته المتقدمة، فكان ثواب المكلَّفين خيراً من المعصوم عند هؤلاء، وهذا يناقض قولهم غاية المناقضة.
     وأما المقدمة الثانية: فلو قدر أنه لابد من معصوم، فقولهم ليس بمعصومٍ غير عليٍّ اتفاقاً ممنوع، بل كثير من الناس من عبَّادهم وصوفيتهم وجندهم وعامتهم يعتقدون في كثير من شيوخهم من العصمة، من جنس ما تعتقده الرافضة في الاثنى عشر، وربما عبَّروا عن ذلك بقولهم: ((الشيخ محفوظ)).
     وإذا كانوا يعتقدون هذا في شيوخهم، مع اعتقادهم أن الصحابة أفضل منهم، فاعتقادهم ذلك في الخلفاء من الصحابة أَوْلى.
     وكثير من الناس فيهم من الغلو في شيوخهم من جنس ما في الشيعة من الغلو في الأئمة.
     وأيضا فالإسماعيلية يعتقدون عصمة أئمتهم، وهم غير الاثنى عشر.
     وأيضا فكثير من أتباع بني أمية – أو أكثرهم - كانوا يعتقدون أن الإمام لا حساب عليه ولا عذاب، وأن الله لا يؤاخذهم على ما يطيعون فيه الإمام، بل تجب عليهم طاعة الإمام في كل شيء، والله أمرهم بذلك. وكلامهم في ذلك معروف كثير.
     وقد أراد يزيد بن عبد الملك أن يسير بسيرة عمر بن عبد العزير، فجاء إليه جماعة من شيوخهم، فحلفوا له بالله الذي لا إله إلا هو، أنه إذا ولَّى اللّهُ على الناس إماماً تقبل اللَهُ منه الحسنات وتجاوز عنه السيئات.
     ولهذا تجد في كلام كثير من كبارهم الأمر بطاعة وليّ الأمر مطلقا، وأن من أطاعه فقد أطاع الله. ولهذا كان يُضرب بهم المثل، يقال: ((طاعة شاميّة)).
     وحينئذ فهؤلاء يقولون: إن إمامهم لا يأمرهم إلا بما أمرهم الله به، وليس فيهم شيعة، بل كثير منهم يبغض عليًّا ويسبُّه.
     ومن كان اعتقاده أن كل ما يأمر به فإنما مما أمر الله به، وأنه تجب طاعته، وأن الله يثيبه على ذلك، ويعاقبه على تركه - لم يحتج مع ذلك إلى معصوم غير إمامه.
     وحينئذ فالجواب من وجهين: أحدهما: أن يُقال: كلٌّ من هذه الطوائف إذا قيل لها: أنه لا بد لها من إمام معصومٍ. تقول: يكفيني عصمة الإمام الذي ائتممت به، لا أحتاج إلى عصمة الاثنى عشر: لا عليّ ولا غيره. ويقول هذا: شيخي وقدوتي. وهذا يقول: إمامي الأموي والإسماعيلي. بل كثير من الناس يعتقدون أن من يطيع الملوك لا ذنب له في ذلك، كائنا من كان، ويتأوَّلون قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي اْلأَمْرِ مِنْكُمْ}.
     فإن قيل: هؤلاء لا يعتدّ بخلافهم.
     قيل: هؤلاء خيرٌ من الرافضة والإسماعيلية.
     وأيضا فإن أئمة هؤلاء وشيوخهم خير من معدوم لا يُنتفع به بحال. فهم بكل حال خير من الرافضة.
     وأيضا فبطلت حجة الرافضة بقولهم: لم تدّع العصمة إلا في عليّ وأهل بيته.
     فإن قيل: لم يكن في الصحابة من يدّعي العصمة لأبي بكر وعمر وعثمان.
     قيل: إن لم يكن فيهم من يدّعي العصمة لعليّ بطل قولكم. وإن كان فيهم من يدّعي العصمة لعليّ، لم يمتنع أن يكون فيهم من يدعي العصمة للثلاثة، بل دعوى العصمة لهؤلاء أَوْلى، فإنّا نعلم يقينا أن جمهور الصحابة كانوا يفضّلون أبا بكر وعمر، بل عليّ نفسه كان يفضلهما عليه، كما تواتر عنه. وحينئذ فدعواهم عصمة هذين أولى من دعوى عصمة عليّ.
     فإن قيل: فهذا لم يُنقل عنهم.
     قيل لهم: ولا نُقل عن واحدٍ منهم القول بعصمة عليّ. ونحن لا نثبت عصمة لا هذا ولا هذا، لكن نقول: ما يمكن أحداً أن ينفي نقل قول أحدٍ منهم بعصمة أحد الثلاثة، مع دعواهم أنهم كانوا يقولون بعصمة علي. فهذا الفرق لا يمكن أحدا ًأن يدّعيه، ولا ينقله عن واحد منهم. وحينئذ فلا يُعلم زمان ادّعى فيه العصمة لعليّ أو لأحدٍ من الاثنى عشر، ولم يكن من ذلك الزمان من يدّعي عصمة غيرهم، فبطل أن يحتج بانتفاء عصمة الثلاثة ووقوع النزاع في عصمة عليّ.
     الوجه الرابع عشر: أن يقال: إما أن يجب وجود المعصوم في كل زمان، وإما أن لا يجب. فإن لم يجب بطل قولهم. وإن وجب لم نسلّم على هذا التقدير أن عليًّا كان هو المعصوم دون الثلاثة. بل إذا كان هذا القول حقًّا، لزم أن يكون أبوبكر وعمر وعثمان معصومين، فإن أهل السنّة متفقون على تفضيل أبي بكر وعمر، وأنهما أحق بالعصمة من عليّ، فإن كانت العصمة ممكنة، فهي إليهما أقرب، وإن كانت ممتنعة، فهي عنه أبعد.
     وليس أحد من أهل السنّة يقول بجواز عصمة عليّ دون أبي بكر وعمر، وهم لا يسلّمون انتفاء العصمة عن الثلاثة، إلا مع انتفائها عن عليّ. فأما انتفاؤها عن الثلاثة دون عليّ، فهذا ليس قول أحدٍ من أهل السنة.
     وإذا قال: أنتم تعتقدون انتفاء العصمة عن الثلاثة.
     قلنا: نعتقد انتفاء العصمة عن عليّ، ونعتقد أن انتفاءها عنه أَوْلى من انتفائها عن غيره، وأنهم أحق بها منه إن كانت ممكنة، فلا يمكن مع هذا أن يحتج علينا بقولنا.
     وأيضا فنحن إنما نسلّم انتفاء العصمة عن الثلاثة، لاعتقادنا أن الله لم يخلق إماماً معصوماً. فإن قُدِّر أن الله خلق إماماً معصوما فلا يُشك أنهم أحق بالعصمة من كل من جاء بعدهم، ونفينا لعصمتهم لاعتقادنا هذا التقدير.
     وهنا جواب ثالث عن أصل الحجة، وهو أن يُقال: من أين علمتم أن عليًّا معصوم، ومن سواه ليس بمعصوم. فإن قالوا بالإجماع على ثبوت عصمة عليّ وانتفاء عصمة غيره كما ذكروه من حجتهم.
     قيل لهم: إن لم يكن الإجماع حجة بطلت هذه الحجة، وإن كان حجة في إثبات عصمة عليّ - التي هي الأصل - أمكن أن يكون حجة في المقصود بعصمة من حفظ الشرع ونقله. وكن هؤلاء يحتجّون بالإجماع، ويردّون كون الإجماع حجة، فمن أين علموا أن عليًّا هو المعصوم دون من سواه؟
     فإن ادّعوا التواتر عندهم عن النبي في عصمته، كان القول في ذلك كالقول في تواتر النص على إمامته، وحينئذ فلا يكون لهم مستند آخر.
     الجواب الرابع: أن يُقال: الإجماع عندهم ليس بحجة، إلا أن يكون قول المعصوم فيه، فإن لم يعرفوا ثبوت المعصوم إلا به لزم الدور، فإنه لا يُعرف أنه معصوم إلا بقوله، ولا يُعرف أن قوله حجة إلا إذا عُرف أنه معصوم، فلا يثبت واحد منهما.
     فعُلم بطلان حجتهم على إثبات المعصوم. وهذا يبين أن القوم ليس لهم مستند علمي أصلا فيما يقولون.
     فإذا قيل لهم: بم عرفتم أنه معصوم، وأن من سواه ليسوا معصومين؟
     قالوا: بأنه قال: أنا معصوم، ومن سواي ليس بمعصوم. وهذا مما يمكن كل أحد أن يقوله، فلا يكون حجة.
     فإذا قدِّر أن الحاجة إلى المعصوم ثابتة، فالكلام في تعيّنه. فإذا طُولب الإسماعيلي بتعيين معصومه، وما الدليل على أن هذا هو المعصوم دون غيره، لم يأت بحجة أصلا، وتناقضت أقواله.
     وكذلك الرافضي أخذ من القدرية كلامهم في وجوب رعاية الأصلح، وبنى عليه أنه لا بد من معصوم. وهي أقوال فاسدة، ولكن إذا طُولب بتعيينه، لم يكن له حجة أصلا، إلا مجرد قول من لم تثبت بعد عصمته: إني معصوم.
     فإن قيل: إذا ثبت بالعقل أنه لا بد من معصوم، فإذا قال عليّ: إني معصوم، لزم أن يكون هو المعصوم، لأنه لم يدّع هذا غيره.
     قيل لهم: لو قُدِّر ثبوت معصوم في الوجود، لم يكن مجرد قول شخص: أنا معصوم، مقبولاً لإمكان كون غيره هو المعصوم، وإن لم نعلم نحن دعواه، وإن لم يُظهر دعواه، بل يجوز أن يسكت عن دعوى العصمة وإظهارها على أصلهم، كما جاز للمنتظر أن يخفي نفسه خوفا من الظَّلَمَة.
     ومع هذا كله بتقدير دعوى عليّ العصمة، فإنما يُقبل هذا لو كان عليّ قال ذلك، وحاشاه من ذلك.
     وهذا جواب خامس وهو أنه إذا لم تكن الحجة على العصمة إلا قول المعصوم: إني معصوم، فنحن راضون بقول عليٍّ في هذه المسألة، فلا يمكن أحد أن يَنْقٍلَ عنه بإسناد ثابت أنه قال ذلك، بل النقول المتواترة عنه تنفي اعتقاده في نفسه العصمة.
     وهذا جواب سادس، فإن إقراره لقضاته على أن يحكموا بخلاف رأيه، دليل على أنه لم يعدّ نفسه معصوما.
     قال الرافضي: ((الوجه الثاني: أن الإمام يجب أن يكون منصوصاً عليه، لما بيَّنَّا من بطلان الاختيار، وأنه ليس بعض المختارين لبعض الأمة أَوْلى من البعض المختار الآخر، ولأدائه إلى التنازع والتشاجر، فيؤدّى نصب الإمام إلى أعظم أنواع الفساد التي لأجل إعدام الأقل منها أوجبنا نصبه. وغير عليٍّ من أئمتهم لم يكن منصوصا عليه بالإجماع فتعيّن أن يكون هو الإمام)).
     والجواب: عن هذا بمنع المقدمتين أيضا، لكن النزاع هنا في الثانية أظهر وأَبْيَن، فإنه قد ذهب طوائف كثيرة من السلف والخلف، من أهل الحديث والفقه والكلام، إلى النصّ على أبي بكر. وذهبت طائفة من الرافضة إلى النصّ على العباس.
     وحينئذ فقوله: ((غير عليّ من أئمتهم لم يكن منصوصاً عليه بالإجماع)) كذب متيقن فإنه لا إجماع على نفي النصّ عن غير عليّ. وهذا الرافضي المصنِّف، وإن كان من أفضل بني جنسه، ومن المبرّزين على طائفته، فلا ريب أن الطائفة كلها جُهَّال. وإلا فمن له معرفة بمقالات الناس كيف يدَّعى مثل هذا الإجماع؟!
ونجيب هنا بجواب ثالث مركَّب، وهو أن نقول: لا يخلوإما أن يُعتبر النص في الإمامة وإما أن لا يُعتبر. فإن اعتُبر منعنا المقدمة الثانية، إن قلنا: إن النص ثابت لأبي بكر. وإن لم يُعتبر بطلت المقدمة الأولى.
     وهنا جواب رابع: وهو أن نقول: الإجماع عندكم ليس بحجة، وإنما الحجة قول المعصوم، فيعود الأمر إلى إثبات النصّ بقول الذي يُدَّعى له العصمة. ولم يثبت بعد لا نص ولا عصمة، بل يكون قول القائل: ((لم يُعرف صحة قوله: أنا المعصوم، وأنا المنصوص على إمامتي)) حجة، وهذا من أبلغ الجهل. وهذه الحجة من جنس التي قبلها.
     وجواب خامس: وهو أن يُقال: ما تعني بقولك: ((يجب أن يكون منصوصاً عليه))؟. لأنه لا بد أن يقول: هذا هو الخليفة من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا، فيكون الخليفة بمجرد هذا النص؟ أم لا يصير هذا إماما حتى تُعقد له الإمامة مع ذلك؟
     فإن قلت بالأول. قيل: لا نسلّم وجوب النص بهذا الاعتبار. والزيدية مع الجماعة تنكر هذا النص، وهم من الشيعة الذين لا يُتَّهَمون عَلَى عليٍّ.
     أما قوله: ((إنه إذا لم يكن كذلك أدّى إلى التنازع والتشاجر)).
     فيقال: النصوص التي تدل على استحقاقه الإمامة وتُعلم دلالتها بالنظر والاستدلال، يحصل بها المقصود في الأحكام، فليست كل الأحكام منصوصة نصاًّ جليا يستوي في فهمه العام والخاص. فإذا كانت الأمور الكلية التي تجب معرفتها في كل زمان يُكتفى فيها بهذا النص، فَلأَن يكتفى بذلك في القضية الجزئية، وهو تولية إمام معيّن، بطريق الأَوْلى والأحرى. فإنّا قد بينا أن الكليات يمكن نصّ الأنبياء عليها، بخلاف الجزئيات.
     وأيضا فيه إذا كانت الأدلة ظاهرة في أن بعض الجماعة أحق بها من غيره استغنى بذلك عن استخلافه.
     والدلائل الدالّة على أن أبا بكر كان أحقهم بالإمامة ظاهرة بيّنة، لم ينازع فيها أحد من الصحابة، ومن نازع من الأنصار لم ينازع في أن أبا بكر أفضل المهاجرين، وإنما طلب أن يُولَّى واحدٌ من الأنصار مع واحدٍ من المهاجرين.
     فإن قيل: إن كان لهم هوى مُنٍعوا ذلك بدلالة النصوص.
     قيل: وإذا كان لهم هوى عصوا تلك النصوص وأعرضوا عنها، كما ادعيتم أنتم عليهم. فمع قصدهم الحق يحصل المقصود بهذا وبهذا، ومع العناد لا ينفع هذا لا هذا.
     وجواب سادس: أن يقال: النص على الأحكام على وجهين: نص كلي عام يتناول أعيانها، ونص على الجزئيات.
     فإن قلتم: لا بد من النصّ على الإمام. إن أردتم النصّ على العام الكلي: عَلَى ما يُشترك للإمام، وما يجب عليه، وما يجب له، كالنص على الحكّام والمفتين والشهود وأئمة الصلاة والمؤذنين وأمراء الجهاد، وغير هؤلاء ممن يتقلّد شيئا من أمور المسلمين - فهذه النصوص ثابتة - ولله الحمد - كثيرة، كما هي ثابتة على سائر الأحكام.
     وجواب سابع: وهو أن يقال: أنتم أوجبتم النص، لئلا يفضى إلى التشاجر، المفضى إلى أعظم أنواع الفساد التي لأجل إعدام الأقل منها أوجبتم نصبه.
     فيقال: الأمر بالعكس، فإن أبا بكر رضي الله عنه تولّى بدون هذا الفساد. وعمر وعثمان توليا بدون هذا الفساد. فإنما عَظُم هذا الفساد في الإمام الذي ادّعيتم أنه منصوص عليه دون غيره، فوقع في ولايته من أنواع التشاجر والفساد التي لأجل إعدام الأقل منها أوجبتم نصبه، فكان ما جعلتموه وسيلة إنما حصل معه نقيض المقصود، وحصل المقصود بدون وسيلتكم، فبطل كون ما ذكرتموه وسيلة إلى المقصود.
     وهذا لأنهم أوجبوا على الله ما لا يجب عليه، وأخبروا بما لم يكن، فلزم من كذبهم وجهلهم هذا التناقض.
     وجواب ثامن: وهو أن يقال: النصّ الذي يزيل هذا الفساد يكون على وجوه:
     أحدها: أن يخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بولاية الشخص ويثني عليه في ولايته، فحينئذ تعلم الأمة أن هذا إن تولّى كان محموداً مرضيا، فيرتفع النزاع، وإن لم يقل: وَلُّوه.
     وهذا النص وقع لأبي بكر وعمر.
     الثاني: أن يخبر بأمور تستلزم صلاح الولاة، وهذه النصوص وقعت في خلافة أبي بكر وعمر.
     الثالث: أن يأمر من يأتي بعد موته شخصا يقوم مقامه، فيدل على أنه خليفة من بعده. وهذا وقع لأبي بكر.
     الرابع: أن يريد كتابة كتاب، ثم يقول: إن الله والمؤمنون لا يولُّون إلا فلاناً، وهذا وقع لأبي بكر.
     الخامس: أن يأمر بالاقتداء بعده بشخص، فيكون هو الخليفة بعده.
    السادس: أن يأمر باتّباع سنّة خلفائه الراشدين المهديين، ويجعل خلافتهم إلى مدة معينة، فيدل على أن المتولين في تلك المدة هم الخلفاء الراشدون.
     السابع: أن يخص بعض الأشخاص بأمر يقضى أنه هو المقدَّم عنده في الاستخلاف، وهذا موجود لأبي بكر.
       كما في الصحيحين أنه قال لعائشة: ((ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه الناس من بعدي)) ثم قال: ((يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)).
     فعلم أن الله لا يولّي إلا أبا بكر والمؤمنون لا يبايعون إلا أبا بكر. وكذلك سائر الأحاديث الصحيحة تدلّ على أنه علم ذلك، وإنما كان ترك الأمر مع علمه أفضل، كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن الأمة إذا ولّته طوعاً منها بغير إلزام - وكان هو الذي يرضاه الله ورسوله - كان أفضل للأمة، ودلّ على علمها ودينها.
     قال الرافضي: ((الثالث: إن الإمام يجب أن يكون حافظا للشرع، لانقطاع الوحي بموت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقصور الكتاب والسنة على تفاصيل الأحكام الجزئية الواقعة إلى يوم القيامة، فلا بد من إمام منصوب من الله تعالى، معصوم من الزلل والخطأ، لئلا يترك بعض الأحكام، أويزيد فيها عمداً أوسهوا. وغير عليّ لم يكن كذلك بالإجماع)).
     والجواب من وجوه: أحدها: أنّا لا نسلم أنه يجب أن يكون حافظاً للشرع، بل يجب أن تكون الأمة حافظة للشرع. وحفظ الشرع يحصل بمجموع الأمة كما يحصل بالواحد ن بل الشرع إذا نقله أهل التواتر كان خيراً من أن ينقله واحد منهم. وإذا كان كل طائفة تقوم بهم الحجة تنقل بعضه، حصل المقصود. وعصمة أهل التواتر حصل في نقلهم أعظم عند بني آدم كلهم من عصمة من ليس بنبي، فإن أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا - ولوقيل إنهم معصومون - فما نقله المهاجرون والأنصار أبلغ مما نقله هؤلاء.
     وأيضا فإن كان أكثر الناس يطعنون في عصمة الناقل لم يحصل المقصود، فكيف إذا كان كثير من الأمة يكفّره؟
     والتواتر يحصل بأخبار المخبرين الكثيرين وإن لم تعلم عدالتهم.
     الوجه الثاني: أن يقال: أتريد به من يكون حافظا للشرع وإن لم يكن معصوما؟ أو من يكون معصوما؟ فإن اشترطت العصمة فهذا من الوجه الأول، وقد كررته، وتقدم الجواب عليه. وإن اشترطت مجرد الحفظ، فلا نسلم أن عليًّا كان أحفظ للكتاب والسنة، وأعلم بهما من أبي بكر وعمر، بل هما كانا أعلم بالكتاب والسنة منه، فبطل ما ادّعاه من الإجماع.
     الوجه الثالث: أن يقال: أتعني بكونه حافظا للشرع معصوما أنه لا يُعلم صحة شيء من الشرع إلا بنقله؟ أم يمكن أن يُعلم صحة شيء من الشرع بدون نقله؟
     إن قلت بالثاني لم يحتج لا إلى حفظه ولا إلى عصمته، فإنه إذا أمكن حفظ شيء من الشرع بدونه، أمكن حفظ الآخر، حتى يُحفظ الشرع كله من غير حاجة إليه.
     وإن قلت: بل معناه أنه لا يمكن معرفة شيء من الشرع إلا بحفظه.
     فيقال: حينئذ لا تقوم حجة على أهل الأرض إلا بنقله، ولا يُعلم صحة نقله حتى يُعلم أنه معصوم، ولا يُعلم أنه معصوم إلا بالإجماع على نفي عصمة من سواه، فإن كان الإجماع معصوماً أمكن حفظ الشرع به، وإن لم يكن معصوماً لم تُعلم عصمته.
     الوجه الرابع: أن يُقال: لماذا لا يجوز أن تكون العصمة في الحفظ والبلاغ ثابتة لكل طائفة بحسب ما حملته من الشرع. فالقرَّاء معصومون في حفظ القرآن وتبليغه، والفقهاء معصومون في فهم الكلام والاستدلال على الأحكام.
     وهذا هو الواقع المعلوم الذي أغنى الله به عن واحد معدوم.
     الوجه الخامس: أنه إذا كان لا يحفظ الشرع ويبلّغه إلا واحدٌ بعد واحد، معصوم عن معصوم، وهذا المنتظر له أكثر من أربعمائة وستين سنة لم يأخذ عنه أحدٌ شيئا من الشرع، فمن أين علمتم القرآن من أكثر من أربعمائة سنة؟ ولم لا يجوز أن يكون هذا القرآن الذي تقرؤونه ليس فيه شيء من كلام الله؟
     وكذلك من أين لكم العلم بشيء من أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحكامه، وأنتم لم تسمعوا شيئا من ذلك من معصوم، لأن المعصوم إما مفقود وإما معدوم؟
     فإن قالوا: تواتر ذلك عند أصحابنا بنقلهم عن الأئمة المعصومين.
     قيل: فإذا كان تواتر أصحابكم عن الأئمة يوجب حفظ الشرع ونقله، فلماذا لا يجوز أن يكون تواتر الأمة كلها عن نبيها أَوْلى بحفظ الشرع ونقله، من غير احتياج إلى نقل واحد عن واحد؟
     الوجه السادس: أن يقال: قولك: ((لانقطاع الوحي وقصور النصوص عن تفاصيل الأحكام)) أتريد به قصورها عن بيان جزئي بعينه؟ أوقصورها عن البيان الكليّ المتناول للجزئيات؟
     فإن ادّعيت الأول، قيل لك: وكلام الإمام وكل أحد بهذه المنزلة، فإن الأمير إذا خاطب الناس فلا بد أن يخاطبهم بكلام عام يعمّ الأعيان والأفعال وغير ذلك، فإنه من الممتنع أن يعيّن بخطابه كل فعل من كل فاعل في كل وقت، فإن هذا غير ممكن، فإذاً لا يمكنه إلا الخطاب العام الكليّ، والخطاب العام الكلي ممكن من الرسول.
     وإن ادّعيت أن نفس نصوص الرسول ليست عامة كلية.
     قيل لك: هذا ممنوع، وبتقدير أن يُمنع هذا في نصوص الرسول الذي هو أكمل من الإمام، فمنع ذلك من نصوص الإمام أَوْلى وأحرى، فأنت مضطر في خطاب الإمام إلى أحد أمرين: إما ثبوت عموم الألفاظ، وإما ثبوت عموم المعاني بالاعتبار. وأيّهما كان أمكن إثباته في خطاب الرسول، فلا يحتاج في بيانه الأحكام إلى الإِمام.
     الوجه السابع: أن يُقال: وقد قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}، وقال تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل}، وقال تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُول إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبينَ}  وأمثال ذلك.
     فيقال: وهل قامت الحجة على الخلق ببيان الرسول أم لا؟
     فإن لم تقم بطلت هذه الآيات وما كان في معناها، وإن قامت الحجة ببيان الرسول عُلم أنه لا يحتاج إلى معيّن آخر يفتقر الناس إلى بيانه، فضلا عن حفظ تبليغه، وأن ما جعل الله في الإنسان من القوة الناقلة لكلام الرسول وبيانه كافية من ذلك. لا سيما وقد ضمن الله حفظ ما أنزله من الذكر، فصار ذلك مأمونا أن يبدَّل أويغيَّر.
     وبالجملة دعوى هؤلاء المخذولين أن دين الإسلام لا يُحفظ ولا يُفهم إلا بواحدٍ معيّن، من أعظم الإفساد لأصول الدين. وهذا لا يقوله - وهو يعلم لوازمه - إلا زنديق ملحد، قاصد لإبطال الدين، ولا يُروج هذا إلا على مفرط في الجهل والضلال.
     الوجه الثامن: أن يُقال قد عُلم بالاضطرار أن أكثر المسلمين بلغهم القرآن والسنة بدون نقل عليّ، فإن عمر رضي الله عنه لما فتح الأمصار بعث إلى الشام والعراق من علماء الصحابة من علَّمهم وفقههم، واتصل العلم من أولئك إلى سائر المسلمين، ولم يكن ما بلّغه عليّ للمسلمين أعظم مما بلّغه ابن مسعود ومعاذ بن جبل وأمثالهما.
     وهذا أمر معلوم. ولو لم يُحفظ الدين إلا بالنقل عن عليّ لبطل عامة الدين؛ فإنه لا يمكن أن يُنقل عن عليّ إلا أمر قليل لا يحصل به المقصود والنقل عنه ليس متواتراً، وليس في زماننا معصوم يمكن الرجوع إليه، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وما أسخف عقول الرافضة!
     قال الرافضي: ((الرابع: أن الله تعالى قادر على نصب إمام معصوم، وحاجة العالم داعية إليه، ولا مفسدة فيه، فيجب نصبه. وغير عليّ لم يكن كذلك إجماعاً، فتعيّن أن يكون الإمام هو عليّ. أما القدرة فظاهرة، وأما الحاجة فظاهرة أيضاً لما بّيّنا من وقوع التنازع بين العالم. وأما انتفاء المفسدة فظاهر، لأن المفسدة لازمة لعدمه. وأما وجوب نصبه، فلأن ثبوت القدرة والداعي وانتفاء الصارف يجب الفعل)).
     والجواب: أن هذا هو الوجه الأول بعينه ولكن قرّره. وقد تقدمت الأجوبة عنه بمنع المقدمة الأولى وبيان فساد هذا الاستدلال، فإن مبناه على الاحتجاج بالإجماع، فإن كان الإجماع معصوماً أغنى عن عصمة عليّ، وإن لم يكن معصوماً بطلت دلالته على عصمة عليّ، فبطل الدليل على التقديرين.
     ومن العجب أن الرافضة تثبت أصولها على ما تدَّعيه من النص والإجماع، وهم أبعد الأمة عن معرفة النصوص والإجماعات، والاستدلال بها، بخلاف السنّة والجماعة؛ فإن السنّة تتضمن النص، والجماعة تتضمن الإجماع. فأهل السنّة والجماعة هم المتّبعون للنص والإجماع.
     ونحن نتكلم على هذا التقدير ببيان فساده، وذلك من وجوه:
     أحدها: أن يقال: لا نسلم أن الحاجة داعية إلى نصب إمام معصوم، وذلك لأن عصمة الأمة مغنية عن عصمته، وهذا مما ذكره العلماء في حكمة عصمة الأمة.
     الثاني: إن أُريد بالحاجة أن حالهم مع وجوده أكمل، فلا ريب أن حالهم مع عصمة نوّاب الإمام أكمل، وحالهم مع عصمة أنفسهم أكمل. وليس كل ما تقدّره الناس أكمل لكل منهم يفعله الله، ولا يجب عليه فعله.
     وأيضا فجعل غير النبي مماثلاً للنبي في ذلك، قد يكون من أعظم الشُّبَهْ والقدح في خاصة النبي، فإنه إذا وجب أن يؤمن بجميع ما يقوله هذا، كما يجب الإيمان بجميع ما يقوله النبي، لم تظهر خاصة النبوة، فإن الله أمرنا أن نؤمن بجميع ما أتى به النبيون، فلو كان لنا من يساومهم في العصمة، لوجب الإيمان بجميع ما يقوله، فيبطل الفرق.
     الوجه الثاني: أن يقال: المعصوم الذي تدعو الحاجة إليه: أهو القادر على تحصيل المصالح وإزالة المفاسد؟ أم هو عاجز عن ذلك؟ الثاني ممنوع؛ فإن العاجز لا يحصل به وجود المصلحة ولا دفع المفسدة، بل القدرة شرط في ذلك، فإن العصمة تفيد وجود داعية إلى الصلاح، لكن حصول الداعي بدون القدرة لا يوجب حصول المطلوب.
     وإن قيل: بل المعصوم القادر.
     قيل: فهذا لم يوجد. وإن كان هؤلاء الاثنا عشر قادرين على ذلك ولم يفعلوه، لزم أن يكونوا عصاة لا معصومين، وإن لم يقدروا لزم أن يكونوا عاجزين. فأحد الأمرين لازم قطعا أو كلاهما: العجز وانتفاء العصمة. وإذا كان كذلك، فنحن نعلم بالضرورة انتفاء ما استدل به على وجوده. والضروريات لا تعارض بالاستدلال.
     ففي الجملة لا مصلحة في وجود معصوم بعد الرسول إلا وهي حاصلة بدونه وفيه من الفساد ما لا يزول إلا بعدمه. فقولهم: ((الحاجة داعية إليه)) ممنوع. وقولهم: ((المفسدة فيه معدومة)) ممنوع.
     بل الأمر بالعكس؛ فالمفسدة معه موجودة، والمصلحة معه منتفية. وإذا كان اعتقاد وجوده قد أوجب من الفساد ما أوجب، فما الظن بتحقيق وجوده؟[24].
 
 
بعض ما جاء في القرآن الكريم، ومن روايات وأقوال من طرق الشيعة، والتي تتعارض والقول بالعصمة المزعومة.
 
أولاً: من القرآن الكريم:

  • (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) (طه: 121).

  • (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (الأعراف: 22).

  • (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (طه: 115).

  • (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة: 37).

  • (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) (الاعراف: 27).

  • (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * (فَلَمَّا آتَاهُمَا صالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (الأعراف: 189 - 190).

  • (قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين) (هود: 46).

  • (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ) (هود: 47).

  • (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنْ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (الأنعام:76-78).

  •  (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) (الصافات:88-89).

  • (قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ) (الأنبياء:62-63).

  • (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ) (التوبة: 114).

  • (يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ * يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (هود:74-76).

  • (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي.. الآية) (البقرة: 260 )

  • (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف: 24).

  • (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ) (يوسف:33).

  • (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) (يوسف:100).

  • (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي... الآية) (الأعراف: 143).

  • (قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً) (الكهف: 73).

  • (وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه) (الأعراف: 15).

  • (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (القصص: 16).

  • (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى) (طه:67).

  • (قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأعراف:150).

  • (لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ) (الكهف:73).

  • (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) (سورة الأنبياء 87).

  • (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون)) الصافات: 144).

  • (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) (ص: 24-25).

  • (وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب) (ص: 24).

  • (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ) (ص:30-33).

  • (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) (الشعراء: 82).

  •  (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ) (غافر: 55).

  • (إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً) (الكهف: 24).

  • (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى) (الأعلى:6-7).

  • (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ) (القلم: 48).

  • (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (التحريم: 1).

  • (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب) (إبراهيم: 41).

  • (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) (محمد: 19).

  • (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) (ص: 35).

  • (أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) (الأعراف: 155).

  • (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) (الفتح: 1-2).

  • (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) (عبس: 1-4). 

  •  (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (الأنفال:67-68).

  •  (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ.. الآية (الأحزاب: 37).

  • (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) (التوبة: 43).

  • (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) (غافر: 55).

  • (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ) (محمد: 19).

  • (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) (النصر: 3).

  • (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) (الضحى: 7).

  • (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأنعام: 68).

  • (لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) (آل عمران:128).

  • (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً * وَلا تُجَادِلْ عَنْ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً) (النساء:105-107]).

  • (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) (النساء:113).

 
 
ثانياً: السنة وروايات الأئمة:
 
     وهذه طائفة من الروايات من طرق الشيعة تتعارض والقول بعصمة الأنبياء والأئمة من حيث وقوع الخطأ والنسيان والسهو والجهل ببعض الأحكام والإستغفار من الذنوب، وفرضية موت الإمام اللاحق قبل السابق، وعدم إعتقاد أصحابهم بل وأهل بيتهم بعصمتهم، ومجادلتهم وتخطئتهم، وغيرها من مسائل لا تخفى على المتأمل فيها، الأمر الذي يغنينا عن التعليق عليها.
 
أولاً: الأنبياء عليهم السلام.
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه: التفكر في الوسوسة في الخلق والطيرة والحسد إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده[25].
     عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الرب تبارك وتعالى يقول: ادخلوا الجنة برحمتي، وانجوا من النار بعفوي، وتقسموا الجنة بأعمالكم فوعزتي لأنزلنكم دار الخلود ودار الكرامة، فإذا دخلوها صاروا على طول آدم ستين ذراعا "، وعلى ملد عيسى ثلاثا " وثلاثين سنة، وعلى لسان محمد العربية وعلى صورة يوسف في الحسن، ثم يعلو وجوههم النور، وعلى قلب أيوب في السلامة من الغل[26].
     القمي: قوله (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا) فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال وكلهم الله إلى أنفسهم فظنوا أن الشياطين قد تمثلت لهم في صورة الملائكة[27].
     عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن آدم شكا إلى الله عز وجل ما يلقى من حديث النفس والحزن، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال له: يا آدم، قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالها فذهب عنه الوسوسة والحزن[28].
     كان خمسة من الأنبياء سريانيون آدم وشيث وإدريس ونوح وإبراهيم عليهم السلام وكان لسان آدم عليه السلام العربية وهو لسان أهل الجنة فلما أن عصى ربه أبدله بالجنة ونعيمها الأرض والحرث وبلسان العربية السريانية[29].
     عن جعفر بن محمد عليه السلام: إذا كان يوم القيمة حشر الله الخلايق في صعيد واحد حفاة عراة غرلا قال: فقلت: جعلت فداك ما الغرل ؟ قال: كما خلقوا أول مرة فيقفون حتى يلجمهم العرق فيقولون: ليت الله يحكم بيننا ؟ ولو إلى النار يرون ان في النار راحة فيما هم فيه، ثم يأتون آدم فيقولون: أنت أبونا وأنت نبي فسل ربك يحكم بيننا ولو إلى النار فيقول آدم: لست بصاحبكم خلقني ربى بيده وحملني على عرشه وأسجد لي ملائكة، ثم أمرني فعصيته، ولكني أدلكم على ابني الصديق الذي مكث في قومه ألف سنة الا خمسين عاما يدعوهم كلما كذبوا أشتد تصديقه: نوح قال: فيأتون نوحا فيقولون: سل ربك حتى يحكم بيننا ولو إلى النار، قال: فيقول: لست بصاحبكم انى قلت: ان ابني من أهلي، ولكن أدلكم إلى من اتخذه الله خليلا في دار الدنيا ائتوا إبراهيم، قال: فيأتون إبراهيم فيقول: لست بصاحبكم انى قلت انى سقيم، ولكني أدلكم على من كلمه الله تكليما: موسى، قال فيأتون موسى فيقولون له، فيقول لست بصاحبكم انى قتلت نفسا[30].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ان الله تبارك وتعالى عرض على آدم في الميثاق ذريته. فمر به النبي صلى الله عليه وآله وهو متكئ، على علي عليه السلام وفاطمة صلوات الله عليهما تتلوهما والحسن والحسين عليهما السلام يتلوان فاطمة، فقال الله: يا آدم إياك ان تنظر إليهم بحسد اهبطك من جواري، فلما أسكنه الله الجنة مثل له النبي وعلى وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فنظر إليهم بحسد ثم عرضت عليه الولاية فأنكرها فرمته الجنة بأوراقها، فلما تاب إلى الله من حسده وأقر بالولاية ودعا بحق الخمسة محمد وعلى وفاطمة والحسن والحسين غفر الله له، وذلك قوله " فتلقى آدم من ربه كلمات " الآية[31].
     عن الرضا عليه السلام: ان آدم عليه السلام لما أكرمه الله تعالى ذكره باسجاد ملائكته وبادخاله الجنة قال في نفسه: هل خلق الله بشرا أفضل منى ؟ فعلم الله عز وجل ما وقع في نفسه فناداه ارفع رأسك يا آدم وانظر إلى ساق العرش فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا: لا اله إلا الله محمد رسول صلى الله عليه وله وسلم وعلي بن أبي طالب عليه السلام أمير المؤمنين وزوجته فاطمة سيده نساء العالمين والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة فقال آدم عليه السلام: يا رب من هؤلاء ؟ فقال عز وجل: هؤلاء من ذريتك وهم خير منك ومن جميع خلقي ولولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة والنار ولا السماء والأرض فإياك ان تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك عن جواري فنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم فتسلط عليه الشيطان حتى اكل من الشجرة التي نهى عنها وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة عليها السلام بعين الحسد حتى اكلت من الشجرة كما اكل آدم عليه السلام فأخرجهما الله عز وجل عن جنته فأهبطهما عن جواره إلى الأرض[32].
     عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إن الله تعالى عرض على آدم أسماء الأنبياء وأعمارهم، قال آدم باسم داود النبي فإذا عمره في العالم أربعون سنة فقال آدم عليه السلام: يا رب ما أقل عمر داود، وما أكثر عمري، يا رب إن أنا زدت داود من عمري ثلاثين سنة أثبت ذلك له ؟ قال: يا آدم نعم، قال: فاني قد زدته من عمري ثلاثين سنة فانفذ ذلك له وأثبتها له عندك واطرحها من عمري. قال أبو جعفر عليه السلام فأثبت الله تعالى لداود في عمره ثلاثين سنة، وكانت له عند الله مثبتة، فلذلك قول الله تعالى (يمحوا الله ما شاء ويثبت عنده أم الكتاب) قال فمحا الله ما كان عنده مثبتا لآدم وأثبت لداود ما لم يكن عنده مثبتا، قال: فمضى عمر آدم، فهبط عليه ملك الموت لقبض روحه، فقال له آدم: يا ملك الموت انه قد بقي من عمري ثلاثين سنة، فقال له ملك الموت: يا آدم ألم تجعلها لابنك داود النبي وطرحتها من عمرك حين عرض عليك أسماء الأنبياء من ذريتك وعرضت عليك أعمارهم وأنت يومئذ بوادي الدخياء، قال: فقال آدم ما أذكر هذا، قال: فقال له ملك الموت يا آدم لا تجحد، ألم تسأل الله تعالى أن يثبتها لداود ويمحوها من عمرك فأثبتها لداود في الزبور ومحاها من عمرك في الذكر، قال آدم: حتى اعلم ذلك. قال أبو جعفر: وكان آدم صادقا لم يذكر ولم يجحد، فمن ذلك اليوم أمر الله تبارك وتعالى العباد ان يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلى أجل مسمى لنسيان آدم وجحوده ما جعل على نفسه[33].
     عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: لأي شئ توضأ هذه الجوارح الأربع، وهي أنظف المواضع في الجسد ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله: لما أن وسوس الشيطان إلى آدم، ودنا آدم من الشجرة ونظر إليها، ذهب ماء وجهه، ثم قام، وهو أول قدم مشت إلى الخطيئة، ثم تناول بيده، ثم مسها فأكل منها، فطار الحلي والحلل عن جسده، ثم وضع يده على أم رأسه وبكى، فلما تاب الله عز وجل عليه، فرض الله عز وجل عليه وعلى ذريته الوضوء على هذه الجوارح الأربع، وأمره أن يغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة، وأمره بغسل الساعدين إلى المرفقين لما تناول منها وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على رأسه، وأمره بمسح القدمين لما مشى إلى الخطيئة[34].
     عن أبي جعفر عليه السلام قال كان عمر آدم عليه السلام من يوم خلقه الله إلى يوم قبضه تسعمائة وثلاثين سنة ودفن بمكة ونفخ فيه يوم الجمعة بعد الزوال ثم برأ زوجته من أسفل أضلاعه وأسكنه جنته من يومه ذلك فما استقر فيها الا ست ساعات من يومه ذلك حتى عصى الله وأخرجهما من الجنة بعد غروب الشمس وما بات فيها[35].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لقد طاف آدم عليه السلام بالبيت مائة عام ما ينظر إلى حواء ولقد بكى على الجنة حتى صار على خديه مثل النهرين العجاجين العظيمين من الدموع، ثم أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: حياك الله وبياك، فلما أن قال له: " حياك الله " تبلج وجهه فرحا وعلم أن الله قد رضي عنه، قال: " وبياك " فضحك. قال: ولقد قام على باب الكعبة و ثيابه جلود الإبل والبقر، فقال: اللهم أقلني عثرتي واغفر لي ذنبي وأعدني إلى الدار التي أخرجتني منها، فقال الله عز وجل: قد أقلتك عثرتك وغفرت لك ذنبك وسأعيدك إلى الدار التي أخرجتك منها[36].
     عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: لولا أن آدم أذنب ما أذنب مؤمن ابدا، ولولا أن الله عز وجل تاب على آدم ما تاب على مذنب ابدا[37].
     عن أبي عبدالله  عليه السلام: أصول الكفر ثلاثة: الحرص، والاستكبار، والحسد، فأما الحرص فان آدم (عليه السلام) حين نهي عن الشجرة، حمله الحرص على أن أكل منها وأما الاستكبار فإبليس حيث أمر بالسجود لآدم فأبى، وأما الحسد فابنا آدم حيث قتل أحدهما صاحبه[38].
     عن معمر بن يحيى، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما بال الناس يعقلون ولا يعلمون قال: إن الله تبارك وتعالى حين خلق آدم جعل أجله بين عينيه وأمله خلف ظهره، فلما أصاب الخطيئة حصل أمله بين عينيه وأجله خلف ظهره فمن ثم يعقلون ولا يعلمون[39].
     يقول الشريف المرتضى: فإن قال قائل: فما معنى قوله تعالى حاكيا عن إبراهيم عليه السلام: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الظالمين. فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون) أوليس ظاهر هذه الآية يقتضي أنه عليه السلام كان يعتقد في وقت من الأوقات الإلهية للكواكب، وهذا مما قلتم إنه لا يجوز على الأنبياء عليهم السلام. (الجواب): قيل له في هذه الآية جوابان: أحدهما أن إبراهيم عليه السلام إنما قال ذلك في زمان مهلة النظر، وعند كمال عقله وحضور ما يوجب عليه النظر بقلبه وتحريك الدواعي على الفكر والتأمل له، لأن إبراهيم عليه السلام لم يخلق عارفا بالله تعالى، وإنما اكتسب المعرفة لما أكمل الله تعالى عقله وخوفه من ترك النظر بالخواطر والدواعي[40].
     عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام قال إن إبراهيم لما قضى مناسكه رجع إلى الشام فهلك، وكان سبب هلاكه ان ملك الموت أتاه ليقبضه، فكره إبراهيم الموت فرجع ملك الموت إلى ربه عز وجل فقال إن إبراهيم كره الموت، فقال دع إبراهيم فإنه يحب ان يعبدني. قال حتى رأى إبراهيم شيخا كبيرا يأكل ويخرج منه ما يأكله فكره الحياة وأحب الموت[41].
     عن معاوية، قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عرفات، لم سمى عرفات ؟ - فقال: إن جبرئيل عليه السلام خرج بإبراهيم عليه السلام خصوصية يوم عرفة، فلما زالت الشمس قال له جبرئيل: " يا إبراهيم اعترف بذنبك، واعرف مناسكك "، وقد عرفه ذلك فسميت عرفات لقول جبرئيل عليه السلام: " اعترف واعرف "[42].
     عن أبي جعفر عليه السلام أن يعقوب عليه السلام كتب كتابا إلى عزيز مصر يتعطفه على نفسه وولده فنزل جبرئيل على يعقوب فقال له: يا يعقوب ان ربك يقول لك: من ابتلاك بمصائبك التي كتبت بها إلى عزيز مصر ؟ قال يعقوب: أنت بلوتني بها عقوبة منك وأدبا لي، قال الله: فهل كان يقدر على صرفها عنك أحد غيري ؟ قال يعقوب: اللهم لا، قال: أفما استحييت منى حين شكوت مصائبك إلى غيري ولم تستغث بي وتشكو ما بك إلي ؟ فقال يعقوب: أستغفرك يا الهي وأتوب إليك، وأشكو بثي وحزني إليك، فقال الله تبارك وتعالى: قد بلغت بك يا يعقوب و بولدك الخاطئين الغاية في أدبى، ولو كنت يا يعقوب شكوت مصائبك إلي عند نزولها بك واستغفرت وتبت إلي من ذنبك لصرفتها عنك بعد تقديري إياها عليك ولكن الشيطان أنساك ذكرى فصرت إلى القنوط من رحمتي[43].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال له بعض أصحابنا: ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف ؟ قال: حزن سبعين ثكلى حرى. وقيل للصادق: كيف يحزن يعقوب على يوسف وقد اخبره جبرئيل انه لم يمت وانه سيرجع إليه ؟ فقال: انه نسي ذلك[44].
     عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: ما كان دعاء يوسف عليه السلام في الجب، فإنا قد اختلفنا فيه ؟ فقال: إن يوسف عليه السلام لما صار في الجب، وأيس من الحياة، قال: اللهم إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك، فلن ترفع لي إليك صوتا، ولن تستجيب لي دعوة، فإني أسألك بحق الشيخ يعقوب، فارحم ضعفه، واجمع بيني وبينه، فقد علمت رقته علي وشوقي إليه. قال: ثم بكى أبو عبد الله الصادق عليه السلام، ثم قال: وأنا أقول: اللهم إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك، فلن ترفع لي إليك صوتا، فإني أسألك بك، فليس كمثلك شئ، وأتوجه إليك بمحمد نبيك نبي الرحمة، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله، يا الله. قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : قولوا هذا، وأكثروا منه، فإني كثيرا ما أقوله عند الكرب العظام[45].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما امر الملك بحبس يوسف في السجن ألهمه الله علم تأويل الرؤيا، فكان يعبر لأهل السجن رؤياهم وان فتيين ادخلا معه السجن يوم حبسه، فلما باتا أصبحا فقالا له: انا رأينا رؤيا فعبرها لنا، فقال: وما رأيتما ؟ فقال أحدهما: (انى أراني احمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه) وقال الآخر: انى رأيت أن أسقي الملك خمرا ففسر لهما رؤياهما على ما في الكتاب، ثم قال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك، قال: ولم يفزع يوسف في حاله إلى الله: فيدعوه فلذلك قال الله: (فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين) قال: فأوحى الله إلى يوسف في ساعته تلك: يا يوسف من أراك الرؤيا التي رأيتها ؟ فقال: أنت يا ربي، قال: فمن حببك إلى أبيك ؟ قال: أنت يا ربي: قال: فمن وجه السيارة إليك ؟ فقال: أنت يا ربي، قال: فمن علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعل لك من الجب فرجا ؟ قال: أنت يا ربي، قال: فمن جعل لك من كيد المرأة مخرجا ؟ قال: أنت يا ربي، قال: فمن انطق لسان الصبي بعذرك ؟ قال: أنت يا ربي، قال: فمن صرف عنك كيد امرأة العزيز والنسوة ؟ قال: أنت يا ربي ؟ قال: فمن ألهمك تأويل الرؤيا ؟ قال: أنت يا ربي، قال: فكيف استغثت بغيري ولم تستغث بي وتسئلني ان أخرجك من السجن، واستغثت وأملت عبدا من عبادي ليذكرك إلى مخلوق من خلقي في قبضتي ولم تفزع إلى ؟ البث في السجن بذنبك بضع سنين بإرسالك عبدا إلى عبد. قال ابن أبي عمير قال ابن أبي حمزة: فمكث في السجن عشرين سنة[46].
     عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: شكى يوسف في السجن إلى الله فقال يا رب بماذا استحققت السجن ؟ فأوحى الله إليه أنت اخترته حين قلت: رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه هلا قلت العافية أحب إلي مما يدعونني إليه[47].
     لما قال للفتى: اذكرني عند ربك أتاه جبرئيل فضربه برجله حتى كشط له عن الأرض السابعة فقال له: يا يوسف انظر ماذا ترى ؟ قال: أرى حجرا صغيرا ففلق الحجر فقال: ماذا ترى ؟ قال: أرى دودة صغيرة، قال: فمن رازقها ؟ قال: الله، قال: فان ربك يقول: لم انس هذه الدودة في ذلك الحجر في قعر الأرض السابعة، أظننت انى أنساك حتى تقول للفتى: (اذكرني عند ربك) ؟ لتلبثن في السجن بمقالتك هذه بضع سنين ! قال: فبكى يوسف عند ذلك حتى بكى لبكائه الحيطان، قال: فتأذى به أهل السجن، فصالحهم على أن يبكى يوما ويسكت يوما فكان في اليوم الذي يسكت أسوء حالا[48].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما تلقى يوسف يعقوب ترجل له يعقوب ولم يترجل له يوسف فلم ينفصلا من العناق حتى أتاه جبرئيل فقال له: يا يوسف، ترجل لك الصديق، ولم تترجل له، ابسط يدك، فبسطها فخرج نور من راحته، فقال له يوسف: ما هذا ؟ قال: هذا آية لا يخرج من عقبك نبي عقوبة[49].
     قال النبي صلى الله عليه وآله: أوحى الله عز وجل إلى أيوب عليه السلام (هل تدري ما ذنبك إلى، حين أصابك البلاء ؟) قال: لا. قال: إنك دخلت على فرعون فداهنت في كلمتين[50].
     لمّا تشاجر موسى والخضر في قضيّة السفينة والجدار والغلام، ورجع موسى إلى قومه، سأله أخوه هارون عمّا استعمله من الخضر في السفينة وشاهده من عجائب البحر. فقال: بينما أنا والخضر على شاطىء البحر إذ سقط بين أيدينا طائر فأخذ في منقاره قطرة من ماء البحر ورمى بها نحو المشرق، ثمّ أخذ ثانية ورمى بها نحو المغرب، ثمّ أخذ ثالثة ورمى بها نحو السماء، ثمّ أخذ رابعة ورمى بها نحو الأرض، ثمّ أخذ خامسة وعادها إلى البحر، فبهتنا لذلك، قال موس: وسألت الخضر عن ذلك فلم يجب، وإذا نحن بصيّاد يصطاد، فنظر إلينا وقال: ما لي أراكما في فكر من الطائر وتعجّب ؟ فقلنا: هو ذاك. فقال: أنا رجل صيّاد وقد فهمت إشارته وأنتما نبيّان ولا تعلمان ؟ ! فقلنا: لا نعلم إلاّ ما علّمنا الله - عزّ وجلّ -. فقال: هذا طائر في البحر يسمّى « مسلماً » أشار برمي الماء من منقاره إلى نحو المشرق والمغرب والسماء والأرض ورميه في البحر إلى أنّه يأتي في آخر الزمان نبيّ يكون علم أهل المشرق والمغرب وأهل السماء والأرض عند علمه مثل هذه القطرة الملقاة في البحر، ويرث علمه ابن عمّه ووصيّه، فسكن ما كنّا فيه من المشاجرة، واستقلّ كلّ واحد منّا علمه بعد ما كنّا معجبين بأنفسنا ومشينا، ثمّ غاب الصيّاد عنّا فعلمنا أنّه ملك بعثه الله - تعالى - إلينا يعرّفنا نقصنا حيث ادّعينا الكمال[51].
     عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام، قال: إن موسى بن عمران عليه السلام حين أراد أن يفارق الخضر (عليه السلام) قال له: أوصني، فكان مما أوصاه أن قال له: إياك واللجاجة، أو أن تمشي في غير حاجة، أو أن تضحك من غير عجب، واذكر خطيئتك، وإياك وخطايا الناس[52].
     عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن موسى بن عمران عليه السلام لما رأى حبالهم وعصيهم، كيف أوجس في نفسه خيفة ولم يوجسها إبراهيم عليه السلام حين وضع في المنجنيق وقذف به في النار ؟ فقال عليه السلام: إن إبراهيم عليه السلام حين وضع في المنجنيق كان مستندا إلى ما في صلبه من أنوار حجج الله عز وجل، ولم يكن موسى عليه السلام كذلك، فلهذا أوجس في نفسه خيفة ولم يوجسها إبراهيم عليه السلام[53].
     فلما طال الامر على بني إسرائيل في التيه والتوبة وكان قارون قد امتنع من الدخول معهم في التوبة وكان موسى يحبه فدخل عليه موسى، فقال يا قارون قومك في التوبة وأنت قاعد هاهنا ادخل معهم وإلا نزل بك العذاب، فاستهان به واستهزأ بقوله فخرج موسى من عنده مغتما فجلس في فناء قصره وعليه جبة شعر ونعلان من جلد حمار شراكهما من خيوط شعر بيده العصا، فامر قارون ان يصب عليه رمادا قد خلط بالماء، فصب عليه فغضب موسى غضبا شديدا وكان في كتفه شعرات كان إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدم، فقال موسى يا رب إن لم تغضب لي فلست لك بنبي، فأوحى الله إليه قد أمرت السماوات والأرض إن تطيعك فمرها بما شئت وقد كان قارون قد أمر أن يغلق باب القصر، فاقبل موسى فأومأ إلى الأبواب فانفجرت ودخل عليه فلما نظر إليه قارون علم أنه قد أوتي، فقال: يا موسى أسألك بالرحم الذي بيني وبينك، فقال له موسى يا بن لاوي لا تزدني من كلامك ! يا ارض خذيه، فدخل القصر بما فيه في الأرض ودخل قارون في الأرض إلى ركبتيه، فبكى وحلفه بالرحم، فقال له موسى يا بن لاوي لا تزدني من كلامك، يا ارض خذيه وابتلعيه بقصره وخزائنه. وهذا ما قال موسى لقارون يوم أهلكه الله فعيره الله بما قاله لقارون، فعلم موسى ان الله قد عيره بذلك فقال يا رب ان قارون دعاني بغيرك ولو دعاني بك لأجبته، فقال الله ما قلت يا بن لاوي لا تزدني من كلامك فقال موسى يا رب لو علمت أن ذلك لك رضى لأجبته[54].
     وعن أبي جعفر عليه السلام: بينا موسى يمشي على ساحل البحر، إذ جاء صياد فخر للشمس ساجدا وتكلم بالشرك، ثم ألقى شبكته فخرجت مملوءة، ثم ألقاها فخرجت مملوءة، ثم أعادها فخرجت مملوءة فمضى، ثم جاء آخر فتوضأ وصلى وحمد الله وأثنى عليه، ثم ألقى شبكته فلم يخرج فيها شئ - ثلاث مرات - غير سمكة صغيرة، فأخذها وحمد الله وأثنى عليه وانصرف. فقال موسى: يا رب، عبدك الكافر تعطيه مع كفره، وعبدك المؤمن لم تخرج له غير سمكة صغيرة، فأوحى الله إليه: انظر عن يمينك، فكشف له عما أعد الله لعبده المؤمن، ثم قال: أنظر عن يسارك، فكشف له عما أعد الله للكافر، فنظر، ثم قال: يا موسى ما نفع هذا الكافر ما أعطيته، ولا ضر هذا المؤمن ما منعته. فقال موسى: يا رب، يحق لمن عرفك أن يرضى بما صنعت[55].
     عن علي بن موسى الرضا عليه السلام: إن داود ظن أن ما خلق الله عز وجل خلقا هو أعلم منه، فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسورا المحراب، فقالا: (خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط * إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب) فعجل داود عليه السلام على المدعى عليه، فقال: (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه)، ولم يسأل المدعي البينة على ذلك، ولم يقبل على المدعى عليه فيقول: ما تقول ؟ فكان هذا خطيئة حكمه[56].
     عرائس الثعلبي: قال: لما علم داود بعد نزول الملكين أنهما نزلا لتنبيهه على الخطاء خر ساجدا أربعين يوما لا يرفع رأسه إلا لحاجة ولوقت صلاة مكتوبة، ثم يعود ساجدا ثم لا يرفع رأسه إلا لحاجة لابد منها، ثم يعود فيسجد تمام أربعين يوما لا يأكل ولا يشرب، وهو يبكي حتى نبت العشب حول رأسه، وهو ينادي ربه عز وجل ويسأله التوبة، وكان يقول في سجوده: " سبحان الملك الأعظم الذي يبتلي الخلق بما يشاء، سبحان خالق النور، إلهي لم أتعظ بما وعظت به غيري، سبحان خالق النور، إلهي أنت خلقتني وكان في سابق علمك ما أنا صائر إليه، سبحان خالق النور، إلهي يغسل الثوب فيذهب درنه ووسخه والخطيئة لازمة لي لا تذهب عني، سبحان خالق النور، إلهي أمرتني أن أكون لليتيم كالأب الرحيم وللأرملة كالزوج الرحيم فنسيت عهدك، سبحان خالق النور، الويل لداود إذا كشف عنه الغطاء فيقال: هذا داود الخاطئ، سبحان خالق النور، إلهي بأي عين أنظر إليك يوم القيامة وإنما ينظر الظالمون من طرف خفي ؟ إلهي بأي قدم أقوم أمامك يوم تزل أقدام الخاطئين ؟ سبحان خالق النور، إلهي الخطيئة لازمة لي سبحان خالق النور، إلهي من أين يطلب العبد المغفرة إلا من عند سيده ؟ سبحان خالق النور، إلهي مطرت السماء ولم تمطر حولي، سبحان خالق النور، إلهي أعشبت الأرض ولم تعشب حولي لخطيئتي، سبحان خالق النور، إلهي أنا الذي لا أطيق حر شمسك فكيف أطيق حر نارك ؟ سبحان خالق النور، إلهي أنا الذي لا أطيق صوت رعدك فكيف أطيق صوت جهنم ؟ سبحان خالق النور، إلهي كيف يستتر الخاطئون بخطاياهم وأنت شاهدهم حيث كانوا، سبحان خالق النور، إلهي قرح الجبين وجمدت العينان من مخافة الحريق على جسدي، سبحان خالق النور، إلهي تسبح لك الطير بأصوات ضعاف تخافك وأنا العبد الخاطئ الذي لم أرع وصيتك، سبحان خالق النور، إلهي الويل لداود من الذنب العظيم الذي أصاب، سبحان خالق النور إلهي أسألك يا إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب أن تعطيني سؤلي، فإن إليك رغبتي، سبحان خالق النور، اللهم برحمتك اغفر لي ذنوبي ولا تباعدني من رحمتك بهواي، اللهم إني أعوذ بك من دعوة لا تستجاب، وصلاة لا تقبل، وعمل لا يقبل سبحان خالق النور، اللهم اغفر لي بنور وجهك الكريم ذنوبي التي أوبقتني سبحان خالق النور، إلهي فررت إليك بذنوبي، واعترفت بخطيئتي فلا تجعلني من القانطين، ولا تخزني يوم الدين، سبحان خالق النور، إلهي قرح الجبين وفنيت الدموع، وتناثر الدود من ركبتي، وخطيئتي ألزم بي من جلدي، سبحان خالق النور. قالوا: فأتاه نداء: يا داود أجائع أنت فتطعم ؟ أم ظمآن أنت فتسقى ؟ أمظلوم أنت فتنصر ؟ ولم يجبه في ذكر خطيئته، فصاح صيحة هاج ما حوله، ثم نادى: يا رب الذنب الذي أصبت، فنودي: يا داود ارفع رأسك، فقد غفرت لك، فلم يرفع رأسه حتى جاءه جبرئيل فرفعه. وروي أنه لما نادى أوريا فلم يجبه بعد ذكر ما فعل بزوجته قام عند قبره، وجعل يحثو التراب على رأسه، ثم نادى: الويل لداود ثم الويل لداود، سبحان خالق النور، الويل لداود ثم الويل له حين يؤخذ بذقنه فيدفع إلى المظلوم، سبحان خالق النور، الويل لداود ثم الويل الطويل له حين يسحب على وجهه مع الخاطئين إلى النار، سبحان خالق النور، الويل لداود ثم الويل الطويل له حين تقر به الزبانية مع الظالمين إلى النار، سبحان خالق النور. قال: فأتاه نداء من السماء: يا داود قد غفرت لك ذنبك، ورحمت بكاءك، واستجبت دعاءك، وأقلت عثرتك. وعن أبي العالية قال: كان من دعاء داود عليه السلام: سبحانك إلهي إذا ذكرت خطيئتي ضاقت علي الأرض برحبها، وإذا ذكرت رحمتك ارتدت إلي روحي، إلهي أتيت أطباء عبادك ليداووا لي خطيئتي فكلهم عليك يدلني. وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: خد الدموع في وجه داود عليه السلام خديد الماء في الأرض[57].
     عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام أنك نعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا، قال: فبكى داود عليه السلام أربعين صباحا فأوحى الله عز وجل إلى الحديد: أن لن لعبدي داود فألان الله عز وجل له الحديد فكان يعمل كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم فعمل ثلاثمائة وستين درعا فباعها بثلاثمائة وستين ألفا واستغنى عن بيت المال[58].
     إن الله عز وجل أوحى إلى داود عليه السلام أني قد غفرت ذنبك وجعلت عار ذنبك على بني إسرائيل فقال: كيف يا رب وأنت لا تظلم ؟ قال: إنهم لم يعاجلوك بالنكرة[59].
عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله عز وجل أوحى إلى داود عليه السلام أن ائت عبدي دانيال فقل له: إنك عصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك، فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك، فأتاه داود عليه السلام فقال: يا دانيال إنني رسول الله إليك وهو يقول لك: إنك عصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك وعصيتني فغفرت لك فإن أنت عصيتني الرابعة لم أغفر لك، فقال له دانيال: قد أبلغت يا نبي الله، فلما كان في السحر قام دانيال فناجى ربه فقال: يا رب إن داود نبيك أخبرني عنك أنني قد عصيتك فغفرت لي وعصيتك فغفرت لي وعصيتك فغفرت لي وأخبرني عنك أنني إن عصيتك الرابعة لم تغفر لي، فوعزتك لئن لم تعصمني لأعصينك، ثم لأعصينك ثم لأعصينك[60].
عن الصادق عليه السلام قال: إن داود عليه السلام لما جعله الله عز وجل خليفة في الأرض وأنزل عليه الزبور أوحى الله عز وجل إلى الجبال والطيران يسبحن معه وكان سببه أنه إذا صلى ببني إسرائيل يقوم وزيره بعدما يفرغ من الصلاة فيحمد الله ويسبحه ويكبره ويهلله ثم يمدح الأنبياء عليهم السلام نبيا نبيا ويذكر من فضلهم وأفعالهم وشكرهم وعبادتهم لله سبحانه وتعالى والصبر على بلائه ولا يذكر داود، فنادى داود ربه فقال: يا رب قد أنعمت على الأنبياء بما أثنيت عليهم ولم تثن علي، فأوحى الله عز وجل إليه هؤلاء عباد ابتليتهم فصبروا وأنا اثني عليهم بذلك فقال يا رب فابتلني حتى أصبر، فقال يا داود تختار البلاء على العافية اني ابتليت هؤلاء وإنا لم اعلمهم وإنا أبتليك وأعلمك ان بلائي في سنة كذا وشهر كذا وفي يوم كذا، وكان داود عليه السلام يفرغ نفسه لعبادته يوما ويقعد في محرابه يوما ويقعد لبني إسرائيل فيحكم بينهم، فلما كان اليوم الذي وعده الله عز وجل اشتدت عبادته وخلا في محرابه وحجب الناس عن نفسه وهو في محرابه يصلي فإذا طائر قد وقع بين يديه جناحاه من زبر جد أخضر ورجلاه من ياقوت احمر ورأسه ومنقاره من لؤلؤ وزبرجد فأعجبه جدا ونسي ما كان فيه، فقام ليأخذه فطار الطائر فوقع على حائط بين داود وبين أوريا بن حنان وكان داود قد بعث أوريا في بعث فصعد داود عليه السلام الحائط ليأخذ الطير وإذا امرأة أوريا جالسة تغتسل فلما رأت ظل داود نشرت شعرها وغطت به بدنها، فنظر إليها داود فافتتن بها ورجع إلى محرابه، ونسي ما كان فيه وكتب إلى صاحبه في ذلك البعث لما ان يصيروا إلى موضع كيت وكيت يوضع التابوت بينهم وبين عدوهم، وكان التابوت في بني إسرائيل كما قال الله عز وجل " فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة " وقد كان رفع بعد موسى عليه السلام إلى السماء لما عملت بنو إسرائيل بالمعاصي، فلما غلبهم جالوت وسألوا النبي ان يبعث إليهم ملكا يقاتل في سبيل الله بعث إليهم طالوت وأنزل عليهم التابوت وكان التابوت إذا وضع بين بني إسرائيل وبين أعدائهم ورجع عن التابوت إنسان كفر وقتل ولا يرجع أحد عنه إلا ويقتل. فكتب داود إلى صاحبه الذي بعثه ان ضع التابوت بينك وبين عدوك وقدم أوريا بن حنان بين يدي التابوت فقدمه وقتل، فلما قتل أوريا دخل عليه الملكان وقعدا ولم يكن تزوج امرأة أوريا وكانت في عدتها وداود في محرابه يوم عبادته فدخلا عليه الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه ففزع داود منهما فقالا: ( لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ) ولداود حينئذ تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة إلى جارية، فقال أحدهما لداود: ( ان هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب ) اي ظلمني وقهرني، فقال داود كما حكى الله عز وجل: ( لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه - إلى قوله - وخر راكعا وأناب ) قال: فضحك المستعدى عليه من الملائكة وقال: وقد حكم الرجل على نفسه فقال داود: أتضحك وقد عصيت لقد هممت ان أهشم فاك، قال: فعرجا وقال الملك المستعدى عليه لو علم داود انه أحق بهشم فيه مني. ففهم داود الامر وذكر الخطيئة فبقي أربعين يوما ساجدا يبكي ليله ونهاره ولا يقوم إلا وقت الصلاة حتى انخرق جبينه وسال الدم من عينيه فلما كان بعد أربعين يوما نودي يا داود مالك أجائع أنت فنشبعك أم ظمآن فنسقيك أم عريان فنكسوك أم خائف فنؤمنك ؟ فقال: اي رب وكيف لا أخاف وقد عملت ما عملت وأنت الحكم العدل الذي لا يجوزك ظلم ظالم، فأوحى الله إليه تب يا داود، فقال اي رب وانى لي بالتوبة قال: صر إلى قبر أوريا حتى ابعثه إليك واسأله ان يغفر لك، فان غفر لك غفرت لك قال: يا رب فإن لم يفعل ؟ قال: أستوهبك منه، قال فخرج داود عليه السلام يمشي على قدميه ويقرأ الزبور وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى حجر ولا شجر ولا جبل ولا طائر ولا سبع إلا يجاوبه حتى انتهى إلى جبل وعليه نبي عابد يقال له حزقيل، فلما سمع دوي الجبال وصوت السباع علم أنه داود، فقال: هذا النبي الخاطئ فقال داود: يا حزقيل تأذن لي ان اصعد إليك ؟ قال: لا فإنك مذنب. فبكى داود عليه السلام فأوحى الله عز وجل إلى حزقيل يا حزقيل لا تعير داود بخطيئته وسلني العافية، فنزل حزقيل واخذ بيد داود وأصعده إليه، فقال له داود: يا حزقيل هل هممت بخطيئة قط ؟ قال: لا، قال: فهل دخلك العجب مما أنت فيه من عبادة الله عز وجل ؟ قال: لا قال: فهل ركنت إلى الدنيا فأحببت ان تأخذ من شهواتها ولذاتها ؟ قال: بلى ربما عرض ذلك بقلبي قال: فما تصنع ؟ قال: ادخل هذا الشعب فاعتبر بما فيه، قال: فدخل داود عليه السلام الشعب فإذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام نخرة وإذا لوح من حديد وفيه مكتوب فقرأه داود، فإذا فيه: أنا اروى بن سلمة ملكت الف سنة وبنيت الف مدينة، وافتضضت الف جارية وكان آخر أمري ان صار التراب فراشي والحجار وسادي والحيات والديدان جيراني فمن رآني فلا يغتر بالدنيا. ومضى داود حتى اتى قبر أوريا فناداه فلم يجبه ثم ناداه ثانية فلم يجبه ثم ناداه ثالثة فقال أوريا: مالك يا نبي الله لقد شغلتني عن سروري وقرة عيني قال يا أوريا اغفر لي وهب لي خطيئتي فأوحى الله عز وجل إليه يا داود بين له ما كان منك، فناداه داود فاجابه فقال: يا أوريا فعلت كذا وكذا وكيت وكيت: فقال أوريا: أيفعل الأنبياء مثل هذا ؟ فناداه فلم يجبه فوقع داود على الأرض باكيا فأوحى الله إلى صاحب الفردوس ليكشف عنه فكشف عنه فقال أوريا لمن هذا ؟ فقال: لمن غفر لداود خطيئته، فقال: يا رب قد وهبت له خطيئته، فرجع داود عليه السلام إلى بني إسرائيل وكان إذا صلى وزيره يحمد الله ويثنى على الأنبياء عليهم السلام ثم يقول: كان من فضل بني الله داود قبل الخطيئة كيت وكيت، فاغتم داود عليه السلام فأوحى الله عز وجل إليه يا داود قد وهبت لك خطيئتك وألزمت عار ذنبك ببني إسرائيل، قال: يا رب كيف وأنت الحكم العدل الذي لا تجور، قال: لأنه لم يعاجلوك بالنكيرة وتزوج داود عليه السلام بامرأة أوريا بعد ذلك فولد له منها سليمان عليه السلام ثم قال عز وجل: فغفرنا له ذلك وان له عندنا لزلفى وحسن مآب[61].
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش: أين خليفة الله في أرضه ؟ فيقوم داود النبي عليه السلام، فيأتي النداء من عند الله عز وجل: لسنا إياك أردنا وإن كنت لله خليفة[62].
     عن جعفر بن محمد عليه السلام في قوله عز وجل: (فتبسم ضاحكا من قولها) وقال: لما قالت النملة: (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنود وهم لا يشعرون) حملت الريح صوت النملة إلى سليمان عليه السلام وهو مار في الهواء والريح قد حملته فوقف وقال: علي بالنملة فلما أتى بها قال سليمان يا أيها النملة أما علمت إني نبي الله وإني لا أظلم أحدا، قالت النملة بلى قال سليمان عليه السلام: فلم حذرتهم ظلمي فقلت: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم قالت النملة: خشيت أن ينظر إلى زينتك فيفتتنوا بها فيبعدون عن ذكر الله تعالى، ثم قالت النملة: أنت أكبر أم أبوك داود ؟ قال سليمان: بل أبي داود قالت النملة: فلم زيد في حروف اسمك حرف على حروف اسم أبيك داود ؟ قال سليمان: ما لي بهذا علم قالت النملة: لأن أباك داود عليه السلام داوى جرحه بود فسمي داود وأنت يا سليمان أرجو أن تلحق بأبيك، قالت النملة: هل تدري لم سخرت لك الريح من بين سائر المملكة ؟ قال سليمان: ما لي بهذا علم قالت النملة: يعنى عز وجل بذلك لو سخرت لك جميع المملكة كما سخرت هذه الريح لكان زوالها من يدك كزوال الريح، فحينئذ تبسم ضاحكا من قولها ![63].
     قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قالت أم سليمان بن داود لسليمان عليه السلام: إياك وكثرة النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرا يوم القيامة[64].
     القمي: في قوله: ( ووهبنا لداود سليمان نعم العبد انه أواب - إلى قوله - حتى توارت بالحجاب ) وذلك أن سليمان كان يحب الخيل ويستعرضها فعرضت عليه يوما إلى أن غابت الشمس وفاتته صلاة العصر فاغتم من ذلك غما شديدا فدعا الله عز وجل أن يرد عليه الشمس حتى يصلى العصر فرد الله عليه الشمس إلى وقت العصر حتى صلاها ثم دعا بالخيل فاقبل يضرب أعناقها وسوقها بالسيف حتى قتلها كلها[65].
     ( وألقينا على كرسيه جسدا ) أي: وطرحنا عليه جسدا. والجسد الذي لا روح فيه، ثم أناب سليمان. واختلف العلماء في زلته وفتنته والجسد الذي ألقي على كرسيه على أقوال منها أن سليمان قال يوما في مجلسه: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، تلد كل امرأة منهن غلاما، يضرب بالسيف في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن، فلم تحمل منهم إلا امرأة واحدة، جاءت بشق ولد، رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ثم قال: فوالذي نفس محمد بيده، لو قال " إن شاء الله " لجاهدوا في سبيل الله فرسانا[66].
عن الكاظم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله أخي سليمان بن داود ما أبخله[67].
     عن علي بن الحسين عليه السلام أنه سئل حوت يونس: ما اسمك ؟ فقالت: اسمي نون. فقال لها: لم حبس يونس في بطنك ؟ فقالت: عرضت عليه ولاية أبيك فأنكرها، فحبس في بطني، فلما أقر بها وأذعن أمرت فقذفته، وكذلك من أنكر ولايتكم أهل البيت يخلد في نار الجحيم[68].
     وفي حديث أبي حمزة الثمالي: انه دخل عبد الله بن عمر على زين العابدين وقال: يا ابن الحسين أنت الذي تقول ان يونس بن متى إنما لقى من الحوت ما لقى لأنه عرضت عليه ولاية جدي فتوقف عندها ؟ قال: بلى ثكلتك أمك، قال: فأرني آية ذلك إن كنت من الصادقين، فأمر بشد عينيه بعصابة وعيني بعصابة ثم أمر بعد ساعة بفتح أعيننا فإذا نحن على شاطئ البحر تضرب أمواجه، فقال ابن عمر: يا سيدي دمي في رقبتك الله الله في نفسي، فقال: هيه وأريه إن كنت من الصادقين، ثم قال: يا أيتها الحوت قال: فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول: لبيك لبيك يا ولي الله، فقال: من أنت ؟ قال: انا حوت يونس يا سيدي، قال: انبئنا بالخبر، قال: يا سيدي ان الله تعالى لم يبعث نبيا من آدم إلى أن صار جدك محمد إلا وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت فمن قبلها من الأنبياء سلم وتخلص ومن توقف عنها وتتعتع في حملها لقى ما لقى آدم من المعصية وما لقى نوح من الغرق وما لقى إبراهيم من النار وما لقى يوسف من الجب وما لقى أيوب من البلاء وما لقى داود من الخطيئة إلى أن بعث الله يونس فأوحى الله إليه ان يا يونس تول أمير المؤمنين عليا والأئمة الراشدين من صلبه، في كلام له قال: فكيف أتولى من لم أره ولم اعرفه، وذهب مغتاظا، فأوحى الله تعالى إلي أن التقمي يونس ولا توهني له عظما، فمكث في بطني أربعين صباحا يطوف مع البحار في ظلمات مئات ينادي انه لا إله إلا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين قد قبلت ولاية علي بن أبي طالب والأئمة الراشدين من ولده فلما آمن بولايتكم امرني ربي فقذفته على ساحل البحر، فقال زين العابدين: ارجع أيها الحوت إلى وكرك، واستوى الماء[69].
     عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: وهو رافع يده إلى السماء: " رب لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا، لا أقل من ذلك ولا أكثر " قال: فما كان بأسرع من أن تحدر الدموع من جوانب لحيته، ثم أقبل علي فقال: يا ابن أبي يعفور إن يونس بن متى وكله الله عز وجل إلى نفسه أقل من طرفة عين فأحدث ذلك الذنب قلت فبلغ به كفرا - أصلحك الله - ؟ قال: لا ولكن الموت على تلك الحال هلاك[70].
عن أبي الصلت الهروي قال: قلت للرضا عليه السلام يا بن رسول الله إن في سواد الكوفة قوما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقع عليه السهو في صلاته، فقال: كذبوا لعنهم الله أن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو[71].
     يقول الصدوق: إن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله ويقولون: لو جاز أن يسهو عليه السلام في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ لان الصلاة عليه فريضة كما أن التبليغ عليه فريضة. وهذا لا يلزمنا، وذلك لان جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي صلى الله عليه وآله فيها ما يقع على غيره، وهو متعبد بالصلاة كغيره ممن ليس بنبي، وليس كل من سواه بنبي كهو، فالحالة التي اختص بها هي النبوة والتبليغ من شرائطها، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة لأنها عبادة مخصوصة والصلاة عبادة مشتركة، وبها تثبت له العبودية وبإثبات النوم له عن خدمة ربه عز وجل من غير إرادة له وقصد منه إليه نفي الربوبية عنه، لان الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله الحي القيوم، وليس سهو النبي صلى الله عليه وآله كسهونا لان سهوه من الله عز وجل وإنما أسهاه ليعلم أنه بشر مخلوق فلا يتخذ ربا معبودا دونه، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا، وسهونا من الشيطان وليس للشيطان على النبي صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله عليهم سلطان " إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون "وعلى من تبعه من الغاوين، ويقول الدافعون لسهو النبي صلى الله عليه وآله: إنه لم يكن في الصحابة من يقال له: ذو اليدين، وإنه لا أصل للرجل ولا للخبر وكذبوا لان الرجل معروف وهو أبو محمد بن عمير بن عبد عمرو المعروف بذي اليدين وقد نقل عن المخالف والمؤالف، وقد أخرجت عنه أخبار في كتاب وصف القتال القاسطين بصفين. وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله يقول: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله، ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن ترد جميع الأخبار وفي ردها إبطال الدين والشريعة. وأنا أحتسب الاجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي صلى الله عليه وآله والرد على منكريه إن شاء الله تعالى[72].
     وقال نعمة الله الجزائري: حكاية سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد روي بما يقارب عشرين سندا وفيها مبالغة وإنكار على من أنكره كما روي عن أبي الصلت الهروي قال قلت للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله إن في الكوفة قوما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقع عليه سهوفي صلاته. قال كذبوا  لعنهم الله إن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو. وبالجملة فهذا المضمون مروي بالطرق الصحيحة والحسان والموثقات والمجاهيل والضعاف فانكاره مشكل[73].
     عن الحسن بن صدقة قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام: أسلم رسول الله صلى الله عليه وآله في الركعتين الأولتين ؟ فقال: نعم، قلت: وحاله حاله قال: إنما أراد الله عز وجل أن يفقههم[74].
     عن أبي بكر الحضرمي قال: صليت بأصحابي المغرب فلما أن صليت ركعتين سلمت فقال: بعضهم إنما صليت ركعتين فأعدت فأخبرت أبا عبد الله عليه السلام فقال: لعلك أعدت ؟ فقلت نعم فضحك ثم قال: إنما يجزيك أن تقوم وتركع ركعة إن رسول الله صلى الله عليه وآله سهى في ركعتين ثم ذكر حديث ذي الشمالين قال: ثم قام فأضاف إليها ركعتين[75].
     عن الباقر عليه السلام: ان نبي الله صلى الله عليه وآله صلى بالناس ركعتين ثم نسي حتى انصرف فقال له ذو الشمالين: يا رسول الله أحدث في الصلاة شئ ؟ فقال: أيها الناس أصدق ذو الشمالين ؟ فقالوا: نعم لم تصل إلا ركعتين، فقام فأتم ما بقي من صلاته[76].
     عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر خمس ركعات ثم انفتل فقال له بعض القوم يا رسول الله هل زيد في الصلاة شئ ؟ قال: وما ذاك ؟ قال: صليت بنا خمس ركعات قال: فاستقبل القبلة وكبر وهو جالس ثم سجد سجدتين ليس فيهما قراءة ولا ركوع ثم سلم وكان يقول هما المرغمتان[77].
    عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول إن رسول الله صلى الله عليه وآله رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى آذاه حر الشمس ثم استيقظ فعاد ناديه ساعة وركع ركعتين ثم صلى الصبح وقال يا بلال مالك ؟ ! فقال: بلال أرقدني الذي أرقدك يا رسول الله، قال: وكره المقام وقال: نمتم بوادي الشيطان[78].
     عن سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل نسي أن يصلي الصبح حتى طلعت الشمس قال: يصليها حين يذكرها فإن رسول الله صلى الله عليه وآله رقد عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ثم صليها حين استيقظ ولكنه تنحى عن مكانه ذلك ثم صلى[79].
     عن سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: نام رسول الله صلى الله عليه وآله عن الصبح والله عز وجل أنامه حتى طلعت الشمس عليه وكان ذلك رحمة من ربك للناس الا ترى لو أن رجلا نام حتى تطلع الشمس لعيره الناس وقالوا: لا تتورع لصلواتك فصارت أسوة وسنة فإن قال رجل لرجل: نمت عن الصلاة قال: قد نام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فصارت أسوة و رحمة رحم الله سبحانه بها هذه الأمة[80].
     عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام قال: صلى النبي صلى الله عليه وآله صلاة وجهر فيها بالقراءة، فلما انصرف قال لأصحابه: هل أسقطت شيئا في القراءة ؟ - قال: فسكت القوم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: أفيكم أبي بن كعب ؟ - فقالوا: نعم، فقال: هل أسقطت فيها بشئ ؟ - قال: نعم يا رسول الله. إنه كان كذا وكذا، فغضب صلى الله عليه وآله ثم قال: ما بال أقوام يتلى عليهم كتاب الله فلا يدرون ما يتلى عليهم منه ولا ما يترك ! هكذا هلكت بنو إسرائيل، حضرت أبدانهم وغابت قلوبهم، ولا يقبل الله صلاة عبد لا يحضر قلبه مع بدنه[81].
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: للعبد أن يستثني ما بينه وبين أربعين يوما إذا نسي إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه ناس من اليهود فسألوه عن أشياء فقال لهم: تعالوا غدا أحدثكم ولم يستثن فاحتبس جبرئيل عليه السلام عنه أربعين يوما، ثم أتاه فقال: " ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت[82].
     عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله اللهم إنما أنا بشر أغضب وأرضى، فأيما مؤمن حرمته، وأقضيته ودعوت عليه فاجعله كفارة وطهورا وأيما كان (قويته)، أو حبوته، أو أعطيته، أو دعوت له ولا يكون لها أهلا، فاجعل ذلك عليه عذابا ووبالا[83].
     عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال الله تبارك وتعالى: يا محمد، قال: لبيك ربي قال: من لامتك من بعدك ؟ قال: الله أعلم. قال: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلين[84].
     وفي الرواية جهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخليفته من بعده.
     عن علي بن جعفر قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس إذ دخل عليه ملك له أربعة وعشرون وجها فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله حبيبي جبرئيل لم أرك في مثل هذه الصورة، قال الملك: لست بجبرئيل يا محمد بعثني الله عز وجل أن أزوج النور من النور، قال: من ممن ؟ قال: فاطمة من علي، قال: فلما ولى الملك إذا بين كتفيه محمد رسول الله، علي وصيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: منذ كم كتب هذا بين كتفيك ؟ فقال: من قبل أن يخلق الله آدم باثنين وعشرين ألف عام[85].
     عن الكاظم عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيه صلى الله عليه وآله فدك وما والاها، لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله " وآت ذا القربى حقه " فلم يدر رسول الله صلى الله عليه وآله من هم، فراجع في ذلك جبرئيل وراجع جبرئيل عليه السلام ربه فأوحى الله إليه أن ادفع فدك إلى فاطمة عليها السلام[86].
     وفي الرواية جهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذوي قرباه.
     القمي: فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة زوجه زينب بنت جحش وأبطأ عنه يوما فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله منزله يسأل عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر فنظر إليها وكانت جميلة حسنة فقال سبحان الله خالق النور وتبارك الله أحسن الخالقين ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزله ووقعت زينب في قلبه موقعا عجيبا، وجاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها زيد: هل لك ان أطلقك حتى يتزوجك رسول الله صلى الله عليه وآله فلعلك قد وقعت في قلبه ؟ فقالت: أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرتني زينب بكذا وكذا فهل لك ان أطلقها حتى تتزوجها ؟ فقال رسول الله: لا، اذهب فاتق الله وامسك عليك زوجك، ثم حكى الله فقال: (امسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق ان تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها - إلى قوله - وكان امر الله مفعولا) فزوجه الله من فوق عرشه[87].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وآله امرأة فأعجبته فدخل على أم سلمة وكان يومها فأصاب منها وخرج إلى الناس ورأسه يقطر، فقال: أيها الناس إنما النظر من الشيطان فمن وجد من ذلك شيئا فليأت أهله[88].
     القمي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من له علم بعمي حمزة، فقال الحرث بن سمية انا اعرف موضعه فجاء حتى وقف على حمزة فكره ان يرجع إلى رسول الله فيخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام يا علي اطلب عمك فجاء علي عليه السلام فوقف على حمزة فكره ان يرجع إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وقف عليه فلما رأى ما فعل به بكى ثم قال والله ما وقفت موقفا قط أغيظ علي من هذا المكان لان أمكنني الله من قريش لأمثلن بسبعين رجلا منهم، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال " وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله بل اصبر[89].
     عن علي عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث ببراءة مع أبي بكر فلما مضى أتى جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد لا يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك[90].
     وعن أبي رافع قال لما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله ببراءة مع أبي بكر انزل الله عليه تترك من ناجيته غير مرة وتبعث من لم أناجه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله فاخذ براءة منه ودفعها إلى علي عليه السلام فقال له على أوصني يا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له ان الله يوصيك ويناجيك قال فناجاه يوم براءة قبل صلاة الأولى إلى صلاة العصر[91].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ) قال: لما كان يوم الفتح اخرج رسول الله صلى الله عليه وآله أصناما من المسجد وكان منها صنم على المروة وطلبت إليه قريش ان يتركه وكان مستحيافهم بتركه ثم أمر بكسره، فنزلت هذه الآية[92].
     عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في مرض موته: ادعوا لي علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، فجاءا فوضع صلى الله عليه وآله يده على عاتق علي عليه السلام، والأخرى على أسامة، ثم قال: انطلقا بي إلى فاطمة. فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها، فإذا الحسن والحسين عليهما السلام يبكيان ويصطرخان وهما يقولان: أنفسنا لنفسك الفداء، ووجوهنا لوجهك الوقاء. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من هذان يا علي ؟ قال: هذان ابناك الحسن والحسين. فعانقهما وقبلهما، وكان الحسن عليه السلام أشد بكاء، فقال له: كف يا حسن، فقد شققت على رسول الله[93].
     علي بن إبراهيم بن هاشم: ان النبي صلى الله عليه وآله كان إذا انطلق بارزا سمع صوتا: يا محمد، فيأتي خديجة فيقول: يا خديجة قد خشيت أن يكون خالط عقلي شئ اني إذا خلوت أسمع صوتا وأرى نورا[94].
     عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: ان رسول الله صلى الله عليه وآله سحره لبيد بن أعصم اليهودي فقال أبو بصير لأبي عبد الله عليه السلام وما كاد أو عسى ان يبلغ من سحره قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام بلى كان النبي صلى الله عليه وآله يرى أنه بجامع وليس بجامع وكان يريد الباب ولا يبصره حتى يلمسه بيده والسحر حق وما يسلط السحر إلا على العين والفرج فاتاه جبرئيل عليه السلام فأخبره بذلك فدعا عليا عليه السلام وبعثه ليستخرج ذلك من بئر ذروان[95].
     عن عبد الله بن عباس، قال: جاع النبي صلى الله عليه وآله جوعا شديدا، فأتى الكعبة فتعلق بأستارها، فقال: رب محمد، لا تجع محمد أكثر مما أجعته. قال: فهبط جبرئيل عليه السلام ومعه لوزة. فقال: يا محمد، إن الله جل جلاله يقرأ عليك السلام. فقال: يا جبرئيل، الله السلام، ومنه السلام، وإليه يعود السلام فقال: إن الله يأمرك أن تفك عن هذه اللوزة، ففك عنها فإذا فيها ورقة خضراء نضرة مكتوب عليها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدت محمدا بعلي، ونصرته به، ما أنصف الله من نفسه من أتهم الله في قضائه، واستبطأ في رزقه[96].
     قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لليهود: يا إخوة القردة، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، يا عباد الطاغوت اخسؤوا أخساكم الله. فصاحوا يمينا وشمالا: يا أبا القاسم ما كنت فما بدا لك. قال الصادق عليه السلام: فسقطت العنزة من يده، وسقط رداءه من. خلفه، ورجع يمشي إلى ورائه حياء مما قال لهم صلى الله عليه وآله وسلم[97]. وفي رواية: قال: يا عبدة الطاغوت يا وجوه القردة والخنازير فعل الله بكم وفعل. فقالوا: يا أبا القاسم ما كنت فاحشا. فاستحيا، فرجع القهقرى[98]. وفي أخرى قال: يا إخوة القردة والخنازير، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين. فقالوا له: يا أبا القاسم، ما كنت جهولا ولا سبابا ! فاستحيى رسول الله صلى الله عليه وآله ورجع القهقرى قليلا "[99].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمت اليهودية النبي صلى الله عليه وآله في ذراع وكان النبي صلى الله عليه وآله يحب الذراع والكتف ويكره الورك لقربها من المبال[100].
     عن علي عليه السلام، قال: إن اليهود أتت امرأة منهم يقال لها: عبدة، فقالوا: يا عبدة، قد علمت أن محمدا قد هد ركن بني إسرائيل، وهدم اليهودية، وقد غالى الملا من بني إسرائيل بهذا السم له، وهم جاعلون لك جعلا على أن تسميه في هذه الشاة، فعمدت عبدة إلى الشاة فشوتها...  فلما وضعت الشاة بين يديه تكلمت كتفها، فقالت: مه يا محمد، لا تأكلني فإني مسمومة. فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله عبدة، فقال لها: ما حملك على ما صنعت ! فقالت: قلت: إن كان نبيا لم يضره، وإن كان كاذبا أو ساحرا أرحت قومي منه[101].
     قوله: (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) فإنها نزلت في مارية القبطية أم إبراهيم عليه السلام وكان سبب ذلك ان عايشة قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله ان إبراهيم ليس هو منك وإنما هو من جريح القبطي فإنه يدخل إليها في كل يوم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وقال لأمير المؤمنين عليه السلام: خذ السيف واتني برأس جريح فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام السيف ثم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله انك إذا بعثتني في أمر أكون فيه كالسفود المحماة في الوبر فكيف تأمرني أثبت فيه أو امض على ذلك ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: بل تثبت، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى مشربة أم إبراهيم فتسلق عليها فلما نظر إليه جريح هرب منه وصعد النخلة فدنا منه أمير المؤمنين عليه السلام وقال له انزل، فقال له يا علي ! اتق الله ما ها هنا أناس، اني مجبوب ثم كشف عن عورته، فإذا هو مجبوب، فاتي به إلى رسول صلى الله عليه وآله فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ما شأنك يا جريح ! فقال: يا رسول الله ان القبط يجبون حشمهم. ومن يدخل إلى أهليهم والقبطيون لا يأنسون إلا بالقبطيين فبعثني أبوها لادخل إليها وأخدمها وأؤنسها فأنزل الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ " الآية[102].
     عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله يوم فتح مكة متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول: اللهم ابعث إلي من بني عمي من يعضدني، فهبط عليه جبرئيل كالغضب فقال: يا محمد أوليس قد أيدك الله بسيف من سيوف الله مجرد على أعداء الله - يعني بذلك علي بن أبي طالب عليه السلام[103].
     قال علي عليه السلام: أتى النبي صلى الله عليه وآله رجل من الأنصار بابنة له فقال: يا رسول الله ! إن زوجها فلان بن فلان من الأنصار ضربها، فأثر في وجهها فأقدته لها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لك ذلك. فأنزل الله تعالى قوله: الرجال قوامون على النساء.. الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أردت أمرا وأراد الله سبحانه وتعالى غيره[104].
     عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية، قال اطلعت عائشة وحفصة على النبي صلى الله عليه وآله وهو مع مارية، فقال النبي صلى الله عليه وآله والله ما أقربها، فأمره الله ان يكفر يمينه. قال علي بن إبراهيم كان سبب نزولها ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان في بعض بيوت نسائه وكانت مارية القبطية تكون معه تخدمه وكان ذات يوم في بيت حفصة فذهبت حفصة في حاجة لها فتناول رسول الله مارية، فعلمت حفصة بذلك فغضبت وأقبلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وقالت يا رسول الله هذا في يومي وفي داري وعلى فراشي فاستحيا رسول الله منها، فقال كفى فقد حرمت مارية على نفسي ولا أطأها بعد هذا ابدا وأنا أفضي إليك سرا فان أنت أخبرت به فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فقالت نعم ما هو ؟ فقال إن أبا بكر يلي الخلافة بعدي ثم من بعده أبوك[105].
     عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قوم من قريش أنهم قالوا: أيرى محمد أنه قد أحكم الأمر في أهل بيته، ولئن مات لنعزلنها عنهم، ولنجعلها في سواهم. فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قام في مجمعهم، ثم قال: يا معشر قريش كيف بكم وقد كفرتم بعدي ثم رأيتموني في كتيبة من أصحابي أضرب وجوهكم ورقابكم بالسيف ؟ فنزل جبرئيل عليه السلام في الحال فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: قل: إن شاء الله[106].
     سمع رسول الله بكاء الحسن والحسين وهو على المنبر فقام فزعا ثم قال: أيها الناس ما الولد إلا فتنة لقد قمت إليها وما معي عقلي. وفي رواية: وما أعقل[107].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره، فقال: يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي صلى الله عليه وآله خمسة أرواح: روح الحياة فبه دب ودرج، وروح القوة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الايمان فبه آمن وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوة فإذا قبض النبي صلى الله عليه وآله انتقل روح القدس فصار إلى الامام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو، وروح القدس كان يرى به[108].
     قال الرضا عليه السلام: لقد أخبرني أبي عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من أنبيائه: أن أخبر فلان الملك أني متوفيه إلى كذا وكذا، فأتاه ذلك النبي فأخبره، فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير، فقال: يا رب أجلني حتى يشب طفلي وأقضي أمري، فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي أن ائت فلان الملك فأعلمه أني قد أنسيت في أجله وزدت في عمره خمس عشرة سنة، فقال ذلك النبي: يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط، فأوحى الله عز وجل إليه: إنما أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك، والله لا يسأل عما يفعل [109].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن نبيا من الأنبياء مرض فقال: لا أتداوى حتى يكون الذي أمرضني هو الذي يشفيني، فأوحى الله عز وجل لا أشفيك حتى تتداوى فإن الشفاء مني والدواء مني، فجعل يتداوي فأتى الشفاء[110].
 
ثانياً: الأئمة رحمهم الله.
     عن جابر قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن تفسير هذه الآية: ( الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش ) قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: نزلت في آل محمد[111].
     عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي. فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني. فإنما أنا وأنتم عبيد مملوكون لرب لا رب غيره. يملك منا ما لا نملك من أنفسنا، وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى، وأعطانا البصيرة بعد العمى[112].
     وعن علي عليه السلام: أيها الناس إني والله ما أحثكم على طاعة إلا وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهى قبلكم عنها[113].
     ومن كلمات كان يدعو بها عليه السلام اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني. فإن عدت فعد علي بالمغفرة. اللهم اغفر لي ما وأيت من نفسي ولم تجد له وفاء عندي. اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي. اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ. وسقطات الألفاظ. وشهوات الجنان. وهفوات اللسان[114].
     واجتمعوا على علي بن أبي طالب عليه السلام فبايعوه، فقام وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على النبي وآله، ثم قال: أما بعد، فإني قد كنت كارها لهذه الولاية، يعلم الله في سماواته وفوق عرشه على أمة محمد صلى الله عليه وآله حتى اجتمعتم على ذلك، فدخلت فيه، وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أيما وال ولي أمر أمتي من بعدي أقيم يوم القيامة على حد الصراط، ونشرت الملائكة صحيفته، فإن نجا فبعدله، وإن جار انتقض به الصراط انتقاضة تزيل ما بين مفاصله حتى يكون بين كل عضو وعضو من أعضائه مسيرة مائة عام، يخرق به الصراط، فأول ما يلقى به النار أنفه وحر وجهه[115].
     مدح قوم علي عليه السلام فقال: اللهم إنك أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلنا خيرا مما يظنون، واغفر لنا ما لا يعلمون[116].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال صلى علي عليه السلام بالناس على غير طهر وكانت الظهر ثم دخل فخرج مناديه ان أمير المؤمنين عليه السلام صلى على غير طهر فأعيدوا وليبلغ الشاهد الغائب[117].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وآله ابنة حمزة فقال: أما علمت أنها ابنة أخي من الرضاع ؟. وفي رواية: قال أمير المؤمنين عليه السلام في ابنة الأخ من الرضاع لا آمر به أحدا ولا أنهي عنه وإنما أنهي عنه نفسي وولدي وقال: عرض على رسول الله صلى الله عليه وآله أن يتزوج ابنة حمزة فأبى رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: هي ابنة أخي من الرضاع[118].
     قال أبو الدرداء: يا قوم، إني قائل ما رأيت، وليقل كل قوم منكم ما رأوا، شهدت علي بن أبي طالب عليه السلام: بشويحطات النجار، وقد اعتزل عن مواليه، واختفى ممن يليه، واستتر بمغيلات النخل، فافتقدته وبعد علي مكانه، فقلت: لحق بمنزله، فإذا أنا بصوت حزين ونغمة شجي وهو يقول: إلهي، كم من موبقة حملت عني فقابلتها بنعمتك، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري، وعظم في الصحف ذنبي، فما أنا مؤمل غير غفرانك، ولا أنا براج غير رضوانك. فشغلني الصوت واقتفيت الأثر، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام بعينه، فاستترت له، وأخملت الحركة، فركع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فزع إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى، فكان مما ناجى به الله أن قال: إلهي، أفكر في عفوك، فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي. ثم قال: آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها، فتقول: خذوه، فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشريته، ولا تنفعه قبيلته، يرحمه الملا إذا أذن فيه بالنداء. ثم قال: آه من نار تنضج الأكباد والكلى، آه من نار نزاعة للشوى، آه من غمرة من ملهبات لظى. قال: ثم أنعم في البكاء، فلم أسمع له حسا ولا حركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر. قال أبو الدرداء فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته فلم يتحرك وزويته فلم ينزو، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات والله علي ابن أبي طالب. قال: فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم، فقالت فاطمة عليها السلام: يا أبا الدرداء، ما كان من شأنه ومن قصته ؟ فأخبرتها الخبر، فقالت: هي والله - يا أبا الدرداء - الغشية التي تأخذه من خشية الله، ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه، فأفاق ونظر إلي وأنا أبكي، فقال: مم بكاؤك، يا أبا الدرداء ؟ فقلت: مما أراه تنزله بنفسك. فقال: يا أبا الدرداء، فكيف لو رأيتني ودعي بي إلى الحساب، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ ! فوقفت بين يدي الملك الجبار، قد أسلمني الأحباء، ورحمني أهل الدنيا، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية. فقال أبو الدرداء: فوالله ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله[119].
     عن بعض أصحاب علي عليه السلام أنه قيل له: كم تصدق ؟ ! ألا تمسك ؟ ! قال: إني والله لو أعلم أن الله قبل مني فرضا واحدا لأمسكت، ولكني والله ما أدري أقبل الله مني شيئا أم لا[120].
     عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام - في رواية طويلة – قال: يا رسول الله ما يبكيك ؟ فقال: يا علي ابكى لما يستحل منك في هذا الشهر كأني بك وأنت تصلى لربك وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربه على قرنك فخضب منها لحيتك قال أمير المؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول الله وذلك في سلامه من ديني ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : في سلامه من دينك[121].
     عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: هبط جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان إذا هبط وضعت له وسادة من ادم حشوها ليف ! فجلس بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد إن الله تعالى يقرؤك السلام ويخبرك أنه خصك بالنبوة وفضلك على جميع الأنبياء ويقرأ وصيك السلام ويخبرك أنه خصه بالوصية وفضله على جميع الأوصياء. قال: فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه فدعاه وأخبره بما قال جبرئيل عليه السلام، قال: فبكى علي بكاءا شديدا ثم قال: أسأل الله لا يسلبني ديني ولا ينزع مني كرامته وأن يعطيني ما وعدني[122].
     خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عرفة، وهو آخذ بيد علي عليه السلام، فقال: يا معشر الخلائق، إن الله تبارك وتعالى باهى بكم في هذا اليوم ليغفر لكم عامة، ثم التفت إلى علي عليه السلام، فقال له: وغفر لك يا علي خاصة[123].
     قال علي عليه السلام: ما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه علي وكتبته، منذ دعا رسول الله صلى الله عليه وىله وسلم لي بما دعا، وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنس حرفا واحدا، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملا قلبي علما وفهما وحكما ونورا، فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا ولم يفتني شئ لم أكتبه أفتتخوف علي النسيان فيما بعد ؟ فقال: لا لست أتخوف عليك النسيان والجهل[124]. وفي رواية: عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام اكتب ما املى عليك قال علي عليه السلام يا نبي الله وتخاف النسيان قال لست أخاف عليك النسيان وقد دعوت الله لك ان يحفظك فلا ينساك لكن اكتب لشركائك قال قلت ومن شركائي يا نبي الله قال الأئمة من ولدك[125].
     عن هاشم بن مساحق، عن أبيه: أنه شهد يوم الجمل، وأن الناس لما انهزموا اجتمع هو ونفر من قريش فيهم مروان، فقال بعضهم لبعض: والله لقد ظلمنا هذا الرجل ونكثنا بيعته على غير حدث كان منه، ثم لقد ظهر علينا فما رأينا رجلا كان أكرم سيرة ولا أحسن عفوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله منه، فتعالوا فندخل عليه ولنعتذرن مما صنعنا. قال: فدخلنا عليه، فلما ذهب متكلمنا يتكلم قال. انصتوا أكفكم، إنما أنا رجل منكم، فإن قلت حقا فصدقوني، وان قلت غير ذلك فردوه علي[126].
     علي عليه السلام: إنكم قد اجتمعتم لما اجتمعتم له، فانصتوا فأتكلم، فإن قلت حقا صدقتموني، وإن قلت باطلا ردوا علي ولا تهابوني، إنما أنا رجل كأحدكم[127].
     روى ابن ميثم أنه عليه السلام لما ملك الماء بصفين وسمح بأهل الشام في المشاركة كما سبق مكث أياما لا يرسل إلى معاوية أحدا ولا يأتيه من عنده أحد قال له أهل العراق: يا أمير المؤمنين خلفنا نساءنا وذرارينا بالكوفة وجئنا إلى أطراف الشام لنتخذها وطنا فأذن لنا في القتال فإن الناس يظنون أنك تكره الحرب كراهية الموت ومنهم من يظن أنك في شك من قتال أهل الشام ! ! فأجابهم عليه السلام بذلك[128].
     عن أبي عبد الله عليه السلام، في حديث طويل في قصة صلح الحديبية أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب كتاب الصلح: هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله والملا من قريش، فقال سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك اكتب هذا ما تقاضى عليه محمد بن عبد الله أتأنف من نسبك يا محمد ! فقال رسول الله أنا رسول الله وان لم تقروا، ثم قال امح يا علي ! واكتب محمد بن عبد الله، فقال أمير المؤمنين عليه السلام، ما أمحو اسمك من النبوة ابدا، فمحاه رسول الله صلى الله عليه وآله بيده[129].
     لما وقع الاتفاق على كتب القضية بين أمير المؤمنين عليه السلام وبين معاوية بن أبي سفيان، حضر عمرو بن العاص في رجال من أهل الشام، وعبد الله بن عباس في رجال من أهل العراق، فقال أمير المؤمنين عليه السلام للكاتب: اكتب هذا ما تقاضى عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. فقال عمرو بن العاص: اكتب اسمه واسم أبيه، ولا تسمه بإمرة المؤمنين، فإنما هو أمير هؤلاء وليس بأميرنا. فقال الأحنف بن قيس. لا تمح هذا الاسم، فإني أتخوف إن محوته لا يرجع إليك أبدا. فامتنع أمير المؤمنين عليه السلام من محوه، فتراجع الخطاب فيه مليا من النهار، فقال الأشعث بن قيس: امح هذا الاسم ترحه الله[130].
     قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي وقد خلفه في بعض مغازيه، فقال: يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي[131]. وفي رواية: وخلف أمير المؤمنين عليه السلام على المدينة فأوجف المنافقون بعلي عليه السلام فقالوا ما خلفه الا تشأما به فبلغ ذلك عليا فاخذ سيفه وسلاحه ولحق برسول الله صلى الله عليه وآله بالجرف، فقال له رسول الله يا علي ألم أخلفك على المدينة ؟ قال نعم ولكن المنافقين زعموا انك خلفتني تشأما بي، فقال كذب المنافقون يا علي أما ترضى أن تكون أخي وانا أخوك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وإن كان بعدي نبي لقلت أنت وأنت خليفتي في أمتي وأنت وزيري وأخي في الدنيا والآخرة، فرجع علي عليه السلام إلى المدينة[132].
     أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله عليا بما يلقى بعده، فبكى عليه السلام، وقال: يا رسول الله، أسألك بحقي عليك وقرابتي منك، وحق صحبتي إياك، لما دعوت الله عز وجل أن يقبضني إليه.  فقال صلى الله عليه وآله: أتسألني أن أدعو ربي لأجل مؤجل ؟ قال: فعلى ما أقاتلهم ؟ قال: على الاحداث في الدين[133].
     عن علي بن جعفر أنه سأل الكاظم عليه السلام عن الاختلاف في القضاء عن أمير المؤمنين عليه السلام في أشياء من المعروف (وفي بعض النسخ: الفروج) إنه لم يأمر بها ولم ينه عنها إلا أنه نهى عنها نفسه وولده، فقلت: كيف يكون ذلك ؟ قال: أحلتها آية، وحرمتها آية. فقلت: هل يصلح إلا بأن إحداهما منسوخة أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما ؟ قال: قد بين إذ نهى نفسه وولده. قلت له: فما منع أن يبين للناس ؟ قال: خشي أن لا يطاع، ولو أن أمير المؤمنين عليه السلام ثبتت قدماه أقام كتاب الله كله، والحق كله. وصلى حسن وحسين وراء مروان ونحن نصلي معهم[134].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن في الجفر ان الله تبارك وتعالى لما انزل ألواح موسى عليه السلام أنزلها عليه وفيها تبيان كل شئ وهو كائن إلى أن تقوم الساعة فلما انقضت أيام موسى أوحى الله إليه ان استودع الألواح وهي زبرجدة من الجنة الجبل فاتى موسى الجبل فانشق له الجبل فجعل فيه الألواح ملفوفة فلما جعلها فيه انطبق الجبل عليها فلم تزل في الجبل حتى بعث الله نبيه محمدا فاقبل ركب من اليمن يريدون النبي فلما انتهوا إلى الجبل انفرج الجبل وخرجت الألواح ملفوفة كما وضعها موسى فاخذها القوم فلما وقعت في أيديهم القى في قلوبهم ان لا ينظروا إليها وهابوها حتى يأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وانزل الله جبرئيل على نبيه فأخبره بأمر القوم وبالذي أصابوا فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وآله ابتدأهم النبي فسألهم عما وجدوا فقالوا وما علمك بما وجدنا فقال اخبرني به ربى وهي الألواح قالوا نشهد انك رسول الله فأخرجوها ودفعوها إليه فنظر إليها وقرأها وكتابها بالعبراني ثم دعا أمير المؤمنين عليه السلام فقال دونك هذه ففيها علم الأولين وعلم الآخرين وهي ألواح موسى وقد امرني ربى ان ادفعها إليك قال يا رسول الله لست أحسن قرائتها[135].
     لما أراد علي المسير إلى أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار، فحمد الله وأثنى عليه وقال: " أما بعد فإنكم ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، مباركو الفعل والأمر. وقد أردنا المسير إلى عدونا، وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم "[136].
     مر رجل على هاشم بن عتبة وهو صريع بين القتلى فقال له: اقرأ أمير المؤمنين السلام ورحمة الله، وقل له: أنشدك بالله إلا أصبحت وقد ربطت مقاود خيلك بأرجل القتلى، فإن الدبرة تصبح غدا لمن غلب على القتلى. فأخبر الرجل عليا بذلك، فسار على في بعض الليل حتى جعل القتلى خلف ظهره، وكانت الدبرة له عليهم[137].
     لما أراد أمير المؤمنين صلوات الله عليه المسير إلى الشام، اجتمع إليه وجوه أصحابه فقالوا: لو كتبت يا أمير المؤمنين إلى معاوية وأصحابه قبل مسيرنا إليهم كتابا تدعوهم إلى الحق، وتأمرهم بما لهم فيه الحظ، كانت الحجة تزداد عليهم قوة. فقال أمير المؤمنين عليه السلام لعبيد الله بن أبي رافع كاتبه: اكتب.. الرواية[138].
     اختلق معاويةكتابا نسبه إلى قيس بن سعد فقرأه على أهل الشام. فشاع في الشام كلها أن قيسا صالح معاوية وأتت عيون علي عليه السلام إليه بذلك فأعظمه وأكبره وتعجب له ودعا ابنيه حسنا وحسينا وابنه محمدا وعبد الله بن جعفر فأعلمهم بذلك وقال ما رأيكم فقال: عبد الله بن جعفر: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك اعزل قيسا من مصر. قال علي عليه السلام: والله إني غير مصدق بهذا على قيس فقال عبد الله: اعزله يا أمير المؤمنين فإن كان حقا ما قد قيل لا يعتزلك إن عزلته. قال: فإنهم لكذلك إذ جاءهم كتاب من قيس بن سعد وفيه: أما بعد فإني أخبرك يا أمير المؤمنين أكرمك الله وأعزك أن قبلي رجالا معتزلين سألوني أن أكف عنهم وأدعهم على حالهم حتى يستقيم أمر الناس وترى ويرون وقد رأيت أن أكف عنهم ولا أعجل بحربهم وأن أتألفهم فيما بين ذلك لعل الله أن يقبل بقلوبهم ويفرقهم عن ضلالتهم إنشاء الله والسلام فقال عبد الله بن جعفر: يا أمير المؤمنين إنك إن أطعته في تركهم واعتزالهم استسرى الامر وتفاقمت الفتنة وقعد عن بيعتك كثير ممن تريده على الدخول فيها ولكن مره بقتالهم فكتب إليه: أما بعد فسر إلى القوم الذين ذكرت فإن دخلوا فيما دخل فيه المسلمون وإلا فناجزهم والسلام. فلما أتى هذا الكتاب قيسا فقرأه لم يتمالك أن كتب إليه: أما بعد، يا أمير المؤمنين فالعجب لك تأمرني بقتال قوم كافين عنك لم يمدوا يدا للفتنة ولا أرصدوا لها فأطعني يا أمير المؤمنين وكف عنهم فإن الرأي تركهم والسلام. فلما أتاه الكتاب قال عبد الله بن جعفر: يا أمير المؤمنين ابعث محمد بن أبي بكر إلى مصر واعزل قيسا فبلغني والله أن قيسا يقول: إن سلطانا لا يتم إلا بقتل مسلمة بن مخلد لسلطان سوء والله ما أحب أن لي سلطان الشام مع سلطان مصر وأني قتلت ابن مخلد[139].
     لما رفع أهل الشام المصاحف على الرماح يدعون إلى حكم القرآن قال علي عليه السلام: " عباد الله، إني أحق من أجاب إلى كتاب الله، ولكن معاوية وعمرو بن العاص، وابن أبي معيط، وحبيب ابن مسلمة، وابن أبي سرح، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال. إنها كلمة حق يراد بها باطل. إنهم والله ما رفعوها أنهم يعرفونها ويعملون بها، ولكنها الخديعة والوهن والمكيدة. أعيروني سواعد كم وجماجمكم ساعة واحدة، فقد بلغ الحق، مقطعه، ولم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا ". فجاءه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكي السلاح، سيوفهم على عواتقهم، وقد اسودت جباههم من السجود، يتقدمهم مسعر بن فدكي، وزيد بن حصين، وعصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: يا علي، أجب القوم إلى كتاب الله إذا دعيت إليه، وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان، فوالله لنفعلنها إن لم تجبهم[140].
ففي قصة التحكيم بين الأمير ومعاوية واضطراره إلى اختيار أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال رضي الله عنه: والله ما كان عندي مؤتمنا ولا ناصحا، ولقد كان الذين تقدموني استولوا على مودته، وولوه وسلطوه بالإمرة على الناس، ولقد أردت عزله فسألني الأشتر فيه أن أقره فأقررته على كره مني له، وتحملت على صرفه من بعد[141].
 
     ومن خطبة له عليه السلام في ذم أهل العراق أما بعد يا أهل العراق فإنما أنتم كالمرأة الحامل حملت فلما أتمت أملصت ومات قيمها وطال تأيمها وورثها أبعدها أما والله ما أتيتكم اختيارا ولكن جئت إليكم سوقا ولقد بلغني أنكم تقولون علي يكذب. قاتلكم الله فعلى من أكذب. أعلى الله ؟ فأنا أول من آمن به. أم على نبيه ؟ فأنا أول من صدقه. كلا والله ولكنها لهجة غبتم عنها ولم تكونوا من أهلها. ويلمه كيلا بغير ثمن لو كان له وعاء، ولتعلمن نبأه بعد حين[142].
     ومن كلام له عليه السلام قاله لما اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة أيها الناس إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب حتى نهكتكم الحرب، وقد والله أخذت منكم وتركت، وهي لعدوكم أنهك. لقد كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا. وكنت أمس ناهيا فأصبحت اليوم منهيا. وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون[143].
     ومن خطبة له عليه السلام: منيت بمن لا يطيع إذا أمرت ولا يجيب إذا دعوت. لا أبا لكم ما تنتظرون بنصركم ربكم. أما دين يجمعكم ولا حمية تحمشكم أقوم فيكم مستصرخا وأناديكم متغوثا فلا تسمعون لي قولا. ولا تطيعون لي أمرا[144].
     وقال عليه السلام (لما بلغه إغارة أصحاب معاوية على الأنبار فخرج بنفسه ماشيا حتى أتى النخيلة)   فأدركه الناس وقالوا يا أمير المؤمنين نحن نكفيكهم) فقال عليه السلام: والله ما تكفونني أنفسكم فكيف تكفونني غيركم. إن كانت الرعايا قبلي لتشكو حيف رعاتها، وإنني اليوم لأشكو حيف رعيتي، كأنني المقود وهم القادة، أو الموزوع وهم الوزعة[145].
     ومن خطبة له عليه السلام: يا أشباه الرجال ولا رجال. حلوم الأطفال. وعقول ربات الحجال. لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم. معرفة والله جرت ندما وأعقبت سدما قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا.  وشحنتم صدري غيظا. وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا. وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب[146].
     ومن كلمات كان يدعو بها عليه السلام اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني. فإن عدت فعد علي بالمغفرة. اللهم اغفر لي ما وأيت من نفسي ولم تجد له وفاء عندي. اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثم خالفه قلبي. اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ. وسقطات الألفاظ. وشهوات الجنان. وهفوات اللسان[147].
     ومن كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود العبدي  وقد خان في بعض ما ولاه من أعماله): أما بعد فإن صلاح أبيك غرني منك، وظننت أنك تتبع هديه وتسلك سبيله، فإذا أنت فيما رقي إلي عنك لا تدع لهواك انقيادا، ولا تبقي لآخرتك عتادا، تعمر دنياك بخراب آخرتك، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك.  لئن كان ما بلغني عنك حقا لجمل أهلك وشسع نعلك خير منك. ومن كان بصفتك فليس بأهل أن يسد به ثغر، أو ينفذ به أمر، أو يعلى له قدر أو يشرك في أمانة، أو يؤمن على خيانة فأقبل إلي حين يصل إليك كتابي هذا إن شاء الله[148].
     عن الشعبي، قال: لما احتمل عبد الله بن عباس بيت مال البصرة وذهب به إلى الحجاز. كتب إليه علي بن أبي طالب: من عبد الله علي بن أبي طالب إلى عبد الله بن عباس أما بعد: فاني قد كنت أشركتك في أمانتي، ولم يكن أحد من أهل بيتي في نفسي أوثق منك لمواساتي وموازرتي وأداء الأمانة إلي فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدو عليه قد حرب، وأمانة الناس قد خربت، وهذه الأمور قد قست، قلبت لابن عمك ظهر المجن، وفارقته مع المفارقين، وخذلته أسوء خذلان الخاذلين. فكأنك لم تكن تريد الله بجهادك، وكأنك لم تكن على بينة من ربك، وكأنك انما كنت تكيد أمة محمد صلى الله عليه وآله على دنياهم، وتنوي غرتهم، فلما أمكنتك الشدة في خيانة أمة محمد أسرعت الوثبة وعجلت العدوة، فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب الأزل رمية المعزى الكسير. كأنك لا أبالك، انما جررت إلى أهلك تراثك من أبيك وأمك، سبحان الله، أما تؤمن بالمعاد ؟ أو ما تخاف من سوء الحساب ؟ أو ما يكبر عليك أن تشترى الإماء وتنكح النساء بأموال الأرامل والمهاجرين الذين أفاء الله عليهم هذه البلاد ؟ أردد إلى القوم أموالهم فوالله لئن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لاعذرن الله فيك، فوالله لو أن حسنا وحسينا فعلا مثل ما فعلت لما كان لهما عندي في ذلك هوادة، ولا لواحد منهما عندي فيه رخصة حتى آخذ الحق وأزيح الجور عن مظلومها، والسلام. قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس، أما بعد - فقد أتاني كتابك، تعظم علي إصابة المال الذي أخذته من بيت مال البصرة: ولعمري أن لي في بيت مال الله أكثر مما أخذت، والسلام. قال: فكتب إليه علي بن أبي طالب عليه السلام اما بعد - فالعجب كل العجب من تزيين نفسك، أن لك في بيت مال الله أكثر مما أخذت وأكثر مما لرجل من المسلمين: فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل، وادعاؤك مالا يكون ينجيك من الاثم، ويحل لك ما حرم الله عليك، عمرك الله أنك لانت العبد المهتدي إذا. فقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا وضربت بها عطنا تشتري مولدات مكة والطائف، تختارهن على عينك، وتعطي فيهن مال غيرك، وأني لاقسم بالله ربي وربك رب العزة: ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم لي حلال أدعه لعقبي ميراثا، فلا غرو وأشد باغتباطك تأكله رويدا رويدا، فكأن قد بلغت المدا وعرضت على ربك والمحل الذي يتمنى الرجعة والمضيع للتوبة كذلك وما ذلك ولات حين مناص - والسلام. قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس، اما بعد - فقد أكثرت علي فوالله لان ألقي الله بجميع ما في الأرض من ذهبها وعقيانها أحب إلي أن القي الله بدم رجل مسلم[149].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد قال: لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أمر الحسن بن علي عليه السلام أن ينادي في الناس لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى في الناس الحسن بن علي عليه السلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه السلام فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي صاحوا: واعمراه واعمراه فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له: ما هذا الصوت ؟ فقال: يا أمير المؤمنين الناس يصيحون: واعمراه واعمراه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قل لهم صلوا[150].
     عن قيس بن مسلم، قال: سمعت طارق بن شهاب يقول: لما نزل علي عليه السلام بالربذة سألت عن قدومه إليها، فقيل: خالف عليه طلحة والزبير وعائشة، وصاروا إلى البصرة، فخرج يريدهم، فصرت إليه، فجلست حتى صلى الظهر والعصر، فلما فرغ من صلاته قام إليه ابنه الحسن بن علي عليهما السلام فجلس بين يديه، ثم بكى، وقال: يا أمير المؤمنين، إني لا أستطيع أن أكلمك، وبكى. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لا تبك يا بني، وتكلم، ولا تحن حنين الجارية. فقال: يا أمير المؤمنين، إن القوم حصروا عثمان يطلبونه بما يطلبونه، إما ظالمون أو مظلومون، فسألتك أن تعتزل الناس وتلحق بمكة حتى تؤوب العرب وتعود إليها أحلامها، وتأتيك وفودها، فوالله لو كنت في جحر ضب لضربت إليك العرب آباط الإبل حتى تستخرجك منه، ثم خالفك طلحة والزبير فسألتك أن لا تتبعهما وتدعهما، فإن اجتمعت الأمة فذاك، وإن اختلفت رضيت بما قضى الله، وأنا اليوم أسالك ألا تقدم العراق وأذكرك بالله أن لا تقتل بمضيعة. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما قولك: إن عثمان حصر ؟ فما ذاك وما علي منه وقد كنت بمعزل عن حصره ؟ وأما قولك: ائت مكة، فوالله ما كنت لاكون الرجل الذي تستحل به مكة، وأما قولك: اعتزل العراق ودع طلحة والزبير ؟ فوالله ما كنت لأكون كالضبع تنتظر حتى يدخل عليها طالبها، فيضع الحبل في رجلها حتى يقطع عرقوبها، ثم يخرجها فيمزقها إربا إربا.. الرواية[151].
     ومن كلام له لما أشير عليه بأن لا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال والله لا أكون كالضبع تنام على طول اللدم. حتى يصل إليها طالبها ويختلها راصدها. ولكني أضرب بالمقبل إلى الحق المدبر عنه. وبالسامع المطيع العاصي المريب أبدا. حتى يأتي علي يومي فوالله ما زلت مدفوعا عن حقي مستأثرا علي منذ قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم حتى يؤم الناس هذا[152].
     عن ابن عباس ومجاهد وقتادة في قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات) الآية نزلت في علي وأبي ذر وسلمان والمقداد وعثمان بن مظعون وسالم انهم اتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل ولا يناموا على الفراش ولا يأكلوا اللحم ولا يقربوا النساء والطيب ويلبسوا المسوح ويرفضوا الدنيا ويسيحوا في الأرض وهم بعضهم أن يجب مذاكيره فخطب النبي صلى الله عليه وآله وقال: ما بال أقوام حرموا النساء والطيب والنوم وشهوات الدنيا أما اني لست آمركم أن تكونوا قسيسين ورهبانا فإنه ليس في ديني ترك اللحم والنساء ولا اتخاذ الصوامع وان سياحة أمتي ورهبانيتهم الجهاد، إلى آخر الخبر. أبو عبد الله (ع): نزلت في علي وبلال وعثمان بم مظعون، فاما علي فإنه حلف أن لا ينام بالليل أبدا إلا ما شاء الله، واما بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا واما عثمان بن مظعون فإنه حلف أن لا ينكح أبدا[153].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسلم على النساء وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ويقول: أتخوف أن تعجبني صوتها فيدخل علي أكثر مما أطلب من الاجر[154].
     عن أمير المؤمنين عليه السلام: ما أهمني ذنب أمهلت بعده حتى أصلي ركعتين[155].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المذي، فقال: إن عليا عليه السلام كان رجلا مذاء فاستحيى ان يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله لمكان فاطمة عليها السلام فأمر المقداد أن يسأله وهو جالس فسأله فقال: له النبي صلى الله عليه وآله ليس بشئ[156].
     وروى عن علي عليه السلام قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أخبروني أي شئ خير للنساء ؟ فعيينا بذلك كلنا حتى تفرقنا فرجعت إلى فاطمة عليها السلام فأخبرتها الذي قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس أحد منا علمه ولا عرفه فقالت ولكني أعرفه خير للنساء أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله سألتنا أي شئ خير للنساء وخير لهن أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال قال من أخبرك فلم تعلمه وأنت عندي قلت فاطمة فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال إن فاطمة بضعة منى[157].
     قال علي عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول اللَّه إنّك كنت وعدتني بالشهادة فاسأل اللَّه أن يعجّلها لي بين يديك. قال: فمن يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين[158].
     عن ابن عباس: كنت انا ورسول الله وعلي ابن أبي طالب بفناء الكعبة إذ أقبل شخص عظيم مما يلي الركن اليماني كفيل فتفل رسول الله وقال لعنت، فقال علي: ما هذا يا رسول الله ؟ قال: أو ما تعرفه ؟ ذاك إبليس اللعين، فوثب على واخذ بناصيته وخرطومه وجذبه فأزاله عن موضعه وقال لأقتلنه يا رسول الله، فقال رسول الله: أما علمت يا علي انه قد اجل له إلى يوم الوقت المعلوم، فتركه فوقف إبليس وقال: يا علي دعني أبشرك فما لي عليك ولا على شيعتك سلطان والله ما يبغضك أحد إلا شاركت أباه فيه كما هو في القرآن (وشاركهم في الأموال والأولاد)، فقال النبي دعه يا علي فتركه[159].
     عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، يسكنها من أمتي من أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام. فقال علي عليه السلام: يا رسول الله، ومن يطيق هذا من أمتك ؟ فقال: يا علي، أو ما تدري ما إطابة الكلام ؟ من قال إذا أصبح وأمسى: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، عشر مرات. وإطعام الطعام: نفقة الرجل على عياله، وأما الصلاة بالليل والناس نيام: فمن صلى المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الغداة في المسجد في جماعة، فكأنما أحيا الليل كله، وإفشاء السلام: أن لا يبخل بالسلام على أحد من المسلمين[160].
     قال علي عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: فقلت: فداك أبي وأمي انك لتعلم انك أخذتني من عمك أبى طالب ومن فاطمة بنت أسد وأنا صبي لا عقل لي، فغذيتني بغذائك، و أدبتني بأدبك فكنت لي أفضل من أبى طالب ومن فاطمة بنت أسد في البر والشفقة، وان الله تعالى هداني بك وعلى يديك واستنقذني مما كان عليه آبائي وأعمامي من الحيرة والشرك..الرواية[161].
     عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام: أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث عليا عليه السلام إلى اليمن فقال له وهو يوصيه: يا علي، أوصيك بالدعاء فإن معه الإجابة، وبالشكر فإن معه المزيد، وأنهاك من أن تخفر عهدا، أو تغير عليه، وأنهاك عن المكر فإنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وأنهاك عن البغي فإنه من بغي عليه لينصرنه الله[162].
     قال أمير المؤمنين عليه السلام: بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله إلى اليمن فقلت: يا رسول الله تبعثني وأنا حدث السن ولا علم لي بالقضاء، قال رسول الله: فانطلق فان الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، قال علي عليه السلام: فما شككت في قضاء بين اثنين[163].
     عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فوجهني إلى اليمن لأصلح بينهم، فقلت: يا رسول الله، إنهم قوم كثير، ولهم سن، وأنا شاب حدث[164].
     قضى علي عليه السلام في رجل جاء به رجلان فقالا: إن هذا سرق درعا، فجعل الرجل يناشده لما نظر في البينة وجعل يقول: والله لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله ما قطع يدي أبدا، قال: ولم ؟ قال: كان يخبره ربي عز وجل أني برئ فيبرأني ببراءتي، فلما رأى علي عليه السلام مناشدته إياه دعا الشاهدين، وقال لهما: اتقيا الله ولا تقطعا يد الرجل ظلما وناشدهما، ثم قال: ليقطع أحدكما يده ويمسك الاخر يده، فلما تقدما إلى المصطبة ليقطعا يده ضربا الناس حتى اختلطوا فلما اختلطوا أرسلا الرجل في غمار الناس وفرا حتى اختلطا بالناس، فجاء الذي شهدا عليه فقال يا أمير المؤمنين شهد علي الرجلان ظلما فلما ضربا الناس واختلطوا أرسلاني وفرا ولو كانا صادقين لما فرا ولم يرسلاني، فقال علي عليه السلام: من يدلني على هذين الشاهدين انكلهما؟[165].
     عن أبي عبد الله عليه السلام، في حديث طويل في قصة صلح الحديبية أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب كتاب الصلح: هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله والملا من قريش، فقال سهيل بن عمرو: لو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك اكتب هذا ما تقاضى عليه محمد بن عبد الله أتأنف من نسبك يا محمد ! فقال رسول الله أنا رسول الله وان لم تقروا، ثم قال امح يا علي ! واكتب محمد بن عبد الله، فقال أمير المؤمنين عليه السلام، ما أمحو اسمك من النبوة ابدا، فمحاه رسول الله صلى الله عليه وآله بيده[166].
     ومن خطبة له عليه السلام في ذم أهل العراق أما بعد يا أهل العراق فإنما أنتم كالمرأة الحامل حملت فلما أتمت أملصت ومات قيمها وطال تأيمها وورثها أبعدها أما والله ما أتيتكم اختيارا ولكن جئت إليكم سوقا ولقد بلغني أنكم تقولون علي يكذب. قاتلكم الله فعلى من أكذب. أعلى الله ؟ فأنا أول من آمن به. أم على نبيه ؟ فأنا أول من صدقه. كلا والله ولكنها لهجة غبتم عنها ولم تكونوا من أهلها. ويلمه كيلا بغير ثمن لو كان له وعاء، ولتعلمن نبأه بعد حين[167].
     ومن كلام له عليه السلام قاله لما اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة أيها الناس إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب حتى نهكتكم الحرب، وقد والله أخذت منكم وتركت، وهي لعدوكم أنهك. لقد كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا. وكنت أمس ناهيا فأصبحت اليوم منهيا. وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون[168].
     ومن خطبة له عليه السلام: منيت بمن لا يطيع إذا أمرت ولا يجيب إذا دعوت. لا أبا لكم ما تنتظرون بنصركم ربكم. أما دين يجمعكم ولا حمية تحمشكم أقوم فيكم مستصرخا وأناديكم متغوثا فلا تسمعون لي قولا. ولا تطيعون لي أمرا[169].
     وقال عليه السلام (لما بلغه إغارة أصحاب معاوية على الأنبار فخرج بنفسه ماشيا حتى أتى النخيلة)   فأدركه الناس وقالوا يا أمير المؤمنين نحن نكفيكهم) فقال عليه السلام: والله ما تكفونني أنفسكم فكيف تكفونني غيركم. إن كانت الرعايا قبلي لتشكو حيف رعاتها، وإنني اليوم لأشكو حيف رعيتي، كأنني المقود وهم القادة، أو الموزوع وهم الوزعة[170].
     ومن خطبة له عليه السلام: يا أشباه الرجال ولا رجال. حلوم الأطفال. وعقول ربات الحجال. لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم. معرفة والله جرت ندما وأعقبت سدما قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحا.  وشحنتم صدري غيظا. وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا. وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب[171].
     عن الشعبي، قال: لما احتمل عبد الله بن عباس بيت مال البصرة وذهب به إلى الحجاز. كتب إليه علي بن أبي طالب: من عبد الله علي بن أبي طالب إلى عبد الله بن عباس أما بعد: فاني قد كنت أشركتك في أمانتي، ولم يكن أحد من أهل بيتي في نفسي أوثق منك لمواساتي وموازرتي وأداء الأمانة إلي فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب، والعدو عليه قد حرب، وأمانة الناس قد خربت، وهذه الأمور قد قست، قلبت لابن عمك ظهر المجن، وفارقته مع المفارقين، وخذلته أسوء خذلان الخاذلين. فكأنك لم تكن تريد الله بجهادك، وكأنك لم تكن على بينة من ربك، وكأنك انما كنت تكيد أمة محمد صلى الله عليه وآله على دنياهم، وتنوي غرتهم، فلما أمكنتك الشدة في خيانة أمة محمد أسرعت الوثبة وعجلت العدوة، فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب الأزل رمية المعزى الكسير. كأنك لا أبالك، انما جررت إلى أهلك تراثك من أبيك وأمك، سبحان الله، أما تؤمن بالمعاد ؟ أو ما تخاف من سوء الحساب ؟ أو ما يكبر عليك أن تشترى الإماء وتنكح النساء بأموال الأرامل والمهاجرين الذين أفاء الله عليهم هذه البلاد ؟ أردد إلى القوم أموالهم فوالله لئن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لاعذرن الله فيك، فوالله لو أن حسنا وحسينا فعلا مثل ما فعلت لما كان لهما عندي في ذلك هوادة، ولا لواحد منهما عندي فيه رخصة حتى آخذ الحق وأزيح الجور عن مظلومها، والسلام. قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس، أما بعد - فقد أتاني كتابك، تعظم علي إصابة المال الذي أخذته من بيت مال البصرة: ولعمري أن لي في بيت مال الله أكثر مما أخذت، والسلام. قال: فكتب إليه علي بن أبي طالب عليه السلام اما بعد - فالعجب كل العجب من تزيين نفسك، أن لك في بيت مال الله أكثر مما أخذت وأكثر مما لرجل من المسلمين: فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل، وادعاؤك مالا يكون ينجيك من الاثم، ويحل لك ما حرم الله عليك، عمرك الله أنك لانت العبد المهتدي إذا. فقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا وضربت بها عطنا تشتري مولدات مكة والطائف، تختارهن على عينك، وتعطي فيهن مال غيرك، وأني لاقسم بالله ربي وربك رب العزة: ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم لي حلال أدعه لعقبي ميراثا، فلا غرو وأشد باغتباطك تأكله رويدا رويدا، فكأن قد بلغت المدا وعرضت على ربك والمحل الذي يتمنى الرجعة والمضيع للتوبة كذلك وما ذلك ولات حين مناص - والسلام. قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس، اما بعد - فقد أكثرت علي فوالله لان ألقي الله بجميع ما في الأرض من ذهبها وعقيانها أحب إلي أن القي الله بدم رجل مسلم[172].
     وذكروا أن بعض العمال أيضا حمل إليه في جملة الجباية، حبات من اللؤلؤ فسلمها إلى بلال وهو خازنه على بيت المال، إلى أن ينضاف إليها غيرها، ويفرقها فدخل يوما إلى منزله فوجد في أذن إحدى بناته الأصاغر حبة من تلك الحبات، فلما رآها اتهمها بالسرقة فقبض على يدها، وقال: والله لئن وجب عليك حد لأقيمن فيك، فقالت يا أمير المؤمنين. إن بلالا أعارنيها ليفرحني بها إلى أن تفرق مع أخواتها، فجذبها إلى بلال جذبا عنيفا وهو مغضب، فسأله عن صدق قولها فقال: هو كما ذكرت يا أمير المؤمنين، فقال: والله لا وليت لي عمار أبدا وخلى يد الجارية[173].
     لما رجع جرير إلى علي كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية، فاجتمع جرير والأشتر عند علي فقال الأشتر: أما والله يا أمير المؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى من خناقه، وأقام عنده، حتى لم يدع بابا يرجو روحه إلا فتحه، أو يخاف غمه إلا سده. فقال جرير: " والله لو أتيتهم لقتلوك - وخوفه بعمرو، وذي الكلاع، وحوشب ذي ظليم – وقد زعموا أنك من قتلة عثمان ". فقال الأشتر: " لو أتيته والله يا جرير لم يعيني جوابها، ولم يثقل على محملها، ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر ". قال: فائتهم إذا. قال: الآن وقد أفسدتهم ووقع بينهم الشر ؟.. فقال الأشتر: أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا، وأخبرتك بعداوته وغشه؟[174].
     خرج علي إلى دار جرير فشعث منها وحرق مجلسه، وخرج أبو زرعة بن عمر بن جرير فقال: أصلحك الله، إن فيها أرضا لغير جرير. فخرج على منها إلى دار ثوير بن عامر فحرقها وهدم منها، وكان ثوير رجلا شريفا، وكان قد لحق بجرير[175].
     قام الأشتر إلى علي عليه السلام، فكلمه بكلام بحضه على أهل الوقوف، فكره ذلك علي عليه السلام حتى شكاه، وكان من رأي علي عليه السلام ألا يذكرهم بشئ. فقال الأشتر: يا أمير المؤمنين، إنا وإن لم نكن من المهاجرين والأنصار، فإنا فيهم، وهذه بيعة عامة، والخارج منها عاص، والمبطئ عنها مقصر، فإن أدبهم اليوم باللسان وغدا بالسيف، وما من ثقل عنك كمن خف معك، وإنما أرادك القوم لأنفسهم فأردهم لنفسك. فقال علي عليه السلام: يا مالك دعني... فقال الأشتر: دعني يا أمير المؤمنين، أوقع بهؤلاء الذين يتخلفون عنك. فقال له علي عليه السلام: كف عني، فانصرف الأشتر وهو مغضب[176].
     روي أن الأشتر قال لما ولى علي عليه السلام بني العباس على الحجاز واليمن و العراق: " فلماذا قتلنا الشيخ بالأمس ؟ " وإن عليا عليه السلام لما بلغته هذه الكلمة أحضره ولاطفه واعتذر إليه... فخرج الأشتر وقد زال ما في نفسه[177].
     جاء عدي بن حاتم يلتمس عليا، ما يطأ إلا على إنسان ميت أو قدم أو ساعد، فوجده تحت رايات بكر بن وائل، فقال: يا أمير المؤمنين، ألا نقوم حتى نموت ؟ فقال على: ادنه. فدنا حتى وضع أذنه عند أنفه فقال: ويحك، إن عامة من معي يعصيني، وإن معاوية فيمن يطيعه ولا يعصيه[178].
     ثم إن أهل الشام دنوا منه والله ما يزيده قربهم منه ودنوهم إليه سرعة في مشية - فقال له الحسن: ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي إلى هؤلاء الذين صبروا لعدوك من أصحابك ؟ قال: يا بني إن لأبيك يوما لن يعدوه، ولا يبطئ به عنه السعي، ولا يعجل به إليه المشي. إن أباك والله ما يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه[179].
     ومن كلام له عليه السلام قاله لما اضطرب عليه أصحابه في أمر الحكومة أيها الناس إنه لم يزل أمري معكم على ما أحب حتى نهكتكم الحرب، وقد والله أخذت منكم وتركت، وهي لعدوكم أنهك. لقد كنت أمس أميرا فأصبحت اليوم مأمورا. وكنت أمس ناهيا فأصبحت اليوم منهيا. وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون[180].
     عن عبد الله بن جعفر ذو الجناحين قال لما جاء علي بن أبي طالب صلوات الله عليه مصاب محمد بن أبي بكر حيث قتله معاوية بن خديج السكوني بمصر جزع عليه جزعا " شديدا " وقال: ما أحلق مصر أن يذهب آخر الدهر فلوددت أني وجدت رجلا " يصلح لها فوجهته إليها فقلت: تجد، فقال: من ؟ فقلت: الأشتر قال: ادعه لي فدعوته فكتب له عهده[181].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الصلاة في رمضان في المساجد قال: لما قدم أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أمر الحسن بن علي عليه السلام أن ينادي في الناس لا صلاة في شهر رمضان في المساجد جماعة، فنادى في الناس الحسن بن علي عليه السلام بما أمره به أمير المؤمنين عليه السلام فلما سمع الناس مقالة الحسن بن علي صاحوا: واعمراه واعمراه فلما رجع الحسن إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له: ما هذا الصوت ؟ فقال: يا أمير المؤمنين الناس يصيحون: واعمراه واعمراه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قل لهم صلوا[182].
     ذكر المفيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة وادي الرمل، ويقال: إنها كانت تسمى بغزوة السلسلة قال: أين علي بن أبي طالب ؟ فقام أمير المؤمنين عليه السلام فقال: " أنا ذا يا رسول الله ؟ " قال: " امض إلى الوادي " قال: " نعم " وكانت له عصابة لا يتعصب بها حتى يبعثه النبي عليه السلام في وجه شديد. فمضى إلى منزل فاطمة عليها السلام، فالتمس العصابة منها ؟ فقالت: " أين تريد، أين بعثك أبي ؟ قال: إلى وادي الرمل " فبكت إشفاقا عليه. فدخل النبي صلى الله عليه وآله وهي على تلك الحال. فقال لها: " ما لك تبكين ؟ أتخافين أن يقتل بعلك ؟ كلا، إن شاء الله " فقال له علي عليه السلام: " لا تنفس علي بالجنة، يا رسول الله "[183].
     كان أمير المؤمنين عليه السلام قد اصطفى من السبي جارية، فبعث خالد بن الوليد بريدة الأسلمي إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال له: تقدم الجيش إليه فأعلمه ما فعل علي من اصطفائه الجارية من الخمس لنفسه[184].
     وذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وآله حمله على فرس، فقال: بأبي أنت وأمي ما لي وللخيل أنا لا أتبع أحدا " ولا أفر من أحد وإذا ارتديت سيفي لم أضعه إلا للذي أرتدي له[185].
     عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله فادعى عليه سبعين درهما ثمن ناقة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: يا أعرابي، ألم تستوف مني ذلك ؟ فقال: لا. فقال له النبي صلى الله عليه وآله: إني قد أوفيتك. قال الاعرابي: قد رضيت برجل يحكم بيني وبينك. فقام النبي صلى الله عليه وآله معه، فتحاكما إلى رجل من قريش. فقال الرجل للأعرابي: ما تدعي على رسول الله ؟ قال: سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه. فقال: ما تقول يا رسول الله ؟ فقال: قد أوفيته. فقال القرشي: قد أقررت له يا رسول الله بحقه، فإما أن تقيم شاهدين يشهدان بأنك قد أوفيته، وإما أن توفيه السبعين التي يدعيها عليك. فقام النبي صلى الله عليه وآله مغضبا يجر رداءه، وقال: والله لأقصدن من يحكم بيننا بحكم الله تعالى ذكره، فتحاكم معه إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال للأعرابي: ما تدعي على رسول الله ؟ قال: سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه. فقال: ما تقول يا رسول الله. قال: قد أوفيته. فقال يا أعرابي، إن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: قد أوفيتك، فهل صدق ؟ قال: لا، ما أوفاني. فأخرج أمير المؤمنين عليه السلام سيفه من غمده وضرب عنق الاعرابي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي، لم قتلت الاعرابي ؟ قال: لأنه كذبك يا رسول الله، ومن كذبك فقد حل دمه ووجب قتله. فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي، والذي بعثني بالحق نبيا، ما أخطأت حكم الله تبارك وتعالى فيه، فلا تعد إلى مثلها[186].
قضى أمير المءمنين عليه السلام في رجل كندي: أمر بقطع يده، وذلك أنه سرق، وكان الرجل من أحسن الناس وجها وأنظفهم ثوبا، فقال علي عليه السلام: ما أرى من حسن وجهك ونظافة ثوبك ومكانك من العرب تفعل مثل هذا الفعل فنكس الكندي ثم قال: الله الله في أمري يا أمير المؤمنين، فلا والله ما سرقت شيئا قط غير هذه الدفعة، فقال له ويحك قد عسى أن الله العلي الكريم لا يؤاخذك بذنب واحد أذنبته إن شاء، فبكى الكندي فأطرق أمير المؤمنين عليه السلام مليا ثم رفع رأسه وقال: ما أجد يسعني إلا قطعك، فاقطعوه فبكى الكندي وتعلق بثوبه وقال: الله الله في عيالي، فإنك إن قطعت يدي هلكت وهلك عيالي، وإني أعول ثلاثة عشر عيالا مالهم غيري، فأطرق مليا ينكت الأرض بيده، ثم قال: ما أجد يسعني إلا قطعك، أخرجوه فاقطعوا يده، فلما وقعت يده المقطوعة بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام قال الكندي، والله لقد سرقت تسعة وتسعين مرة، وإن هذه تمام المائة، كل ذلك يستر الله علي، قال: فقال الناس له: فما كان لك في طول هذه المدة زاجر ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لقد فرج عني، قد كنت مغموما بمقالتك الأولى[187].
     وبلغ معاوية ان النجاشي هجاه فدس قوما شهدوا عليه عند أمير المؤمنين عليه السلام انه شرب الخمر فأخذه علي فحده فغضب جماعة على علي في ذلك منهم طارق بن عبد الله النهدي فقال: يا أمير المؤمنين ما كنا نرى ان أهل المعصية والطاعة وأهل الفرقة والجماعة عند ولاة العقل ومعادن الفضل سيان في الجزاء حتى ما كان من صنيعك بأخي الحارث - يعني النجاشي - فأوغرت صدورنا وشتت أمورنا وحملتنا على الجادة التي كنا نرى ان سبيل من ركبها النار، فقال علي صلوات الله عليه: انها لكبيرة إلا على الخاشعين. يا أخا بني نهد هل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدها زكاة له وتطهيرا يا أخا بني نهد انه من اتى حدا فأقيم كان كفارته يا أخا بني نهد ان الله عز وجل يقول في كتابه العظيم ( ولا يجر منكم شنان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) فخرج طارق والنجاشي معه إلى معاوية ويقال انه رجع[188].
     عن أبيه أبي الأسود: أن رجلا سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن سؤال، فبادر فدخل منزله ثم خرج فقال: أين السائل ؟ فقال الرجل: ها أنا ذا يا أمير المؤمنين. قال: ما مسألتك ؟ قال: كيت وكيت، فأجابه عن سؤاله. فقيل: يا أمير المؤمنين، كنا عهدناك إذا سئلت عن المسألة، كنت فيها كالسكة المحماة جوابا، فما بالك أبطأت اليوم عن جواب هذا الرجل حتى دخلت الحجرة ثم خرجت فأجبته ؟ فقال: كنت حاقنا، ولا رأي لثلاثة: لحاقن ولا حازق[189].
     أن النبي أعطى عليا يوما ثلاثمائة دينار أهديت إليه قال علي: فأخذتها وقلت والله لأتصدقن الليلة من هذه الدنانير صدقة يقبلها الله مني فلما صليت العشاء الآخرة مع رسول الله اخذت مائة دينار وخرجت من المسجد فاستقبلتني امرأة فأعطيتها الدنانير فأصبح الناس بالغد يقولون تصدق علي الليلة بمائة دينار على امرأة فاجرة فاغتممت غما شديدا فلما صليت القابلة صلاة العتمة اخذت مائة دينار وخرجت من المسجد وقلت والله لأتصدقن الليلة بصدقة يتقبلها ربي مني فلقيت رجلا فتصدقت عليه بدنانير فأصبح ؟ أهل المدينة يقولون تصدق علي البارحة بمائة دينار على رجل سارق فاغتممت غما شديدا وقلت والله لأتصدقن الليلة صدقة يتقبلها ربي مني فصليت العشاء الآخرة مع رسول الله ثم خرجت من المسجد ومعي مائة دينار فلقيت رجلا فأعطيته إياها فلما أصبحت قال أهل المدينة تصدق علي البارحة بمائة دينار على رجل غني فاغتممت غما شديدا فأتيت رسول الله فخبرته فقال لي يا علي هذا جبرئيل يقول لك ان الله عز وجل قد قبل صدقاتك وزكى عملك[190].
     عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن عليا عليه السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبنى على واحد وأضاف إليه ستة ثم صلى الركعتين خلف المقام ثم خرج إلى الصفا والمروة فلما فرغ من السعي بينهما رجع فصلى الركعتين اللتين ترك في المقام الأول[191].
     قال عليه السلام في بعض أيام صفين وقد رأى الحسن عليه السلام يتشرع إلى الحرب املكوا عني هذا الغلام لا يهدني، فإنني أنفس بهذين (يعني الحسن والحسين عليهما السلام) على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله صلى الله عليه وآله[192].
     ومن وصية له عليه السلام بما يعمل في أمواله كتبها بعد منصرفه من صفين هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب في ماله ابتغاء وجه الله ليولجه به الجنة ويعطيه به الأمنة منها وإنه يقوم بذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف وينفق في المعروف، فإن حدث بحسن حدث وحسين حي قام بالأمر بعده وأصدره مصدره[193].
     عن أبي عبد الله، عن أبيه قال: تقاضى علي وفاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في الخدمة، فقضى على فاطمة بخدمة ما دون الباب، وقضى على علي ما خلفه. قال: فقالت فاطمة: فلا يعلم ما داخلني من السرور إلا الله باكفائي رسول الله صلى الله عليه وآله تحمل رقاب الرجال[194].
     عن علي عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل على ابنته فاطمة عليها السلام، وإذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها، فقطعتها ورمت بها[195].
     عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال حدثني أسماء بنت عميس قالت كنت عند فاطمة عليها السلام إذ دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي عنقها قلادة من ذهب كان اشتراها لها علي بن أبي طالب عليه السلام من فئ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا فاطمة لا يقول إن فاطمة بنت محمد تلبس لبس الجبابرة فقطعتها وباعتها واشترت بها رقبة فأعتقتها فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم[196].
     عن أبي عبد الله عليه السلام: قدم علي عليه السلام من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو بمكة فدخل على فاطمة عليها السلام وهي قد أحلت فوجد ريحا طيبة ووجد عليها ثيابا مصبوغة فقال: ما هذا يا فاطمة ؟ فقالت: أمرنا بهذا رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج علي عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله مستفتيا محرشا على فاطمة عليها السلام.. الرواية[197].
     عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد السفر سلم على من أراد التسليم عليه من أهله، ثم يكون آخر من يسلم عليه فاطمة عليها السلام فيكون توجهه إلى سفره من بيتها، وإذا رجع بدأ بها، فسافر مرة وقد أصاب علي عليه السلام شيئا من الغنيمة، فدفعه إلى فاطمة، ثم خرج، فأخذت سوارين من فضة وعلقت على بابها سترا، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل المسجد، فتوجه نحو بيت فاطمة عليها السلام كما كان يصنع، فقامت فرحة إلى أبيها صبابة وشوقا إليه، فنظر صلى الله عليه وآله وسلم فإذا في يدها سواران من فضة وإذا على بابها ستر، فقعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث ينظر إليها، فبكت فاطمة وحزنت وقالت: ما صنع هذا أبي قبلها، فدعت ابنيها ونزعت الستر من بابها وخلعت السوارين من يدها، ثم دفعت السوارين إلى أحدهما والستر إلى الاخر، ثم قالت لهما: انطلقا إلى أبي فاقرئاه السلام وقولا له: ما أحدثنا بعدك غير هذا، فما شأنك به؟.. الرواية[198].
     كان النبي صلى الله عليه وآله إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة عليها السلام فدخل عليها، فأطال عندها المكث، فخرج مرة في سفر فصنعت فاطمة عليها السلام مسكتين من ورق وقلادة وقرطين وسترا لباب البيت لقدوم أبيها وزوجها عليهما السلام، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه السلام دخل عليها فوقف أصحابه على الباب لا يدرون أيقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وقد عرف الغضب في وجهه حتى جلس عند المنبر، فظنت فاطمة عليها السلام أنه إنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله لما رأى من المسكتين والقلادة والقرطين والستر، فنزعت قلادتها وقرطيها ومسكتيها، ونزعت الستر، فبعثت به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وقالت للرسول: قل له صلى الله عليه وآله: تقرأ عليك ابنتك السلام، وتقول: اجعل هذا في سبيل الله. فلما أتاه وخبره، قال صلى الله عليه وآله: فعلت فداها أبوها - ثلاث مرات – ليست الدنيا من محمد ولا من آل محمد، ولو كانت الدنيا تعدل عند الله من الخير جناح بعوضة ما أسقى منها كافرا شربة ماء ثم قام فدخل عليها[199].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أوحى الله تعالى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله: قل لفاطمة: لا تعصي عليا، فإنه إن غضب غضبت لغضبه[200].
     قالت فاطمة لعلي عليهما السلام: يا بن عم، بعت الحائط الذي غرسه لك والدي ؟ قال: نعم، بخير منه عاجلا وآجلا. قالت: فأين الثمن ؟ قال: دفعته إلى أعين استحييت أن أذلها بذل المسألة قبل أن تسألني. قالت فاطمة: أنا جائعة، وابناي جائعان، ولا أشك إلا وأنك مثلنا في الجوع، لم يكن لنا منه درهم ! وأخذت بطرف ثوب علي عليه السلام، فقال علي: يا فاطمة، خليني. فقالت: لا والله، أو يحكم بيني وبينك أبي. فهبط جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول: اقرأ عليا مني السلام وقل لفاطمة: ليس لك أن تضربي على يديه ولا تلمزي بثوبه. فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وآله منزل علي عليه السلام وجد فاطمة ملازمة لعلي عليه السلام، فقال لها: يا بنية، ما لك ملازمة لعلي ؟ قالت: يا أبه، باع الحائط الذي غرسته له باثني عشر ألف درهم ولم يحبس لنا منه درهما نشتري به طعاما. فقال: يا بنية، إن جبرئيل يقرئني من ربي السلام، ويقول: أقرئ عليا من ربه السلام، وأمرني أن أقول لك: ليس لك أن تضربي على يديه. قالت فاطمة عليها السلام: فإني استغفر الله، ولا أعود أبدا[201].
     عن أبي جعفر عليه السلام قال شكت فاطمة عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا فقالت يا رسول الله ما يدع شيئا من رزقه إلا وزعه بين المساكين فقال لها يا فاطمة أتسخطيني في أخي وابن عمى إن سخطه سخطي وإن سخطي لسخط الله فقالت أعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله[202].
     قالت فاطمة: لما نزلت: (لا تجعلوا دعاء الرسول كدعاء بعضكم بعضا) هبت رسول الله أن أقول له: يا أبه، فكنت أقول: يا رسول الله، فأعرض عن مرة واثنتين أو ثلاثا، ثم أقبل علي فقال: يا فاطمة انها لم تنزل فيك ولا في أهلك ولا في نسلك أنت مني وأنا منك، إنما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش، أصحاب البذخ والكبر، قولي يا أبه فإنها أحيى للقلب وأرضى للرب[203].
     عن حبيب بن أبي ثابت قال: كان بين علي وفاطمة عليهما السلام كلام فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله والقى له مثال فأضطجع عليه فجاءت فاطمة عليها السلام فاضطجعت من جانب وجاء علي عليه السلام فأضطجع من جانب فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده فوضعها على سرته وأخذ يد فاطمة فوضعها على سرته فلم يزل حتى أصلح بينهما ثم خرج فقيل له يا رسول الله دخلت وأنت على حال وخرجت ونحن نرى البشرى في وجهك ؟ قال: ما يمنعني وقد أصلحت بين اثنين أحب من على وجه الأرض إلي[204].
     عن يعقوب بن شعيب قال: لما زوج رسول الله صلى الله عليه وآله عليا فاطمة عليهما السلام دخل عليها وهي تبكي فقال لها: ما يبكيك فوالله لو كان في أهلي خير منه ما زوجتكه وما أنا زوجته ولكن الله زوجك وأصدق عنك الخمس ما دامت السماوات والأرض. وفي رواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن فاطمة عليها السلام قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله: زوجتني بالمهر الخسيس، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أنا زوجتك ولكن الله زوجك من السماء وجعل مهرك خمس الدنيا ما دامت السماوات والأرض[205].
     قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا أبا الحسن، هل عندك شئ نتعشاه فنميل معك ؟ فمكث مطرقا لا بحير جوابا حياء من رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو يعلم ما كان من أمر الدينار، ومن أين أخذه، وأين وجهه، وقد كان أوحى الله تعالى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وآله أن يتعشى الليلة عند علي بن أبي طالب عليه السلام، فلما نظر رسول الله إلى سكوته فقال: يا أبا الحسن، مالك لا تقول: لا، فانصرف، أو تقول: نعم، فأمضي معك ؟ فقال حياء وتكرما: فاذهب بنا. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله: يد علي بن أبي طالب عليه السلام فانطلقا حتى دخلا على فاطمة الزهراء عليها السلام وهي في مصلاها، قد قضت صلاتها، وخلفها جفنة تفور دخانا، فلما سمعت كلام رسول الله صلى الله عليه وآله في رحلها خرجت من مصلاها، فسلمت عليه، وكانت أعز الناس عليه، فرد عليها السلام، ومسح بيده على رأسها، وقال لها: يا بنتاه، كيف أمسيت رحمك الله. قالت: بخير، قال: غفر الله لك وقد فعل، فأخذت الجفنة، فوضعتها بين يدي النبي صلى الله عليه وآله، فلما نظر علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الطعام وشم رائحته، رمى فاطمة عليها السلام بصره رميا شحيحا، فقالت له فاطمة عليها السلام: سبحان الله، ما أشح نظرك وأشده ! هل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا استوجبت به السخطة ؟ قال: وأي ذنب أعظم من ذنب أصبته ؟ أليس عهدي بك اليوم الماضي، وأنت تحلفين بالله مجتهدة، ما طعمت طعاما مذ يومين ؟ قال: فنظرت إلى السماء فقالت: إلهي يعلم في سمائه ويعلم في أرضه أني لم أقل إلا حقا. فقال لها: يا فاطمة، أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قط، ولم أشم مثل ريحه قط، وما أكلت أطيب منه قط؟[206].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان سبب نزول هذه الآية ان فاطمة عليها السلام رأت في منامها ان رسول الله صلى الله عليه وآله هم ان يخرج هو وفاطمة وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم من المدينة فخرجوا حتى جاوزوا من حيطان المدينة فعرض لهم طريقان فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله ذات اليمين حتى انتهى بهم إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله صلى الله عليه وآله شاة كبراء وهي التي في أحد أذنيها نقط بيض فأمر بذبحها فلما اكلوا منها ماتوا في مكانهم، فانتبهت فاطمة باكية ذعرة فلم تخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، فلما أصبحت جاء رسول الله صلى الله عليه وآله بحمار فاركب عليه فاطمة وامر أن يخرج أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام من المدينة، كما رأت فاطمة في نومها فلما خرجوا من حيطان المدينة عرض لهم طريقان فاخذ رسول الله صلى الله عليه وآله ذات اليمين كما رأت فاطمة عليها السلام حتى انتهوا إلى موضع فيه نخل وماء فاشترى رسول الله صلى الله عليه وآله شاة ذراء كما رأت فاطمة عليها السلام فامر بذبحها فذبحت وشويت فلما أرادوا اكلها قامت فاطمة وتنحت ناحية منهم تبكي مخافة ان يموتوا، فطلبها رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وقف عليها وهي تبكي فقال ما شأنك يا بنية ؟ قالت: يا رسول الله رأيت البارحة كذا وكذا في نومي وقد فعلت أنت كما رأيته في نومي فتنحيت عنكم لان لا أراكم تموتون، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى ركعتين ثم ناجى ربه فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد هذا شيطان يقال له الزها (وفي نسخه الرها)، وهو الذي أرى فاطمة هذه الرؤيا ويؤذي المؤمنين في نومهم ما يغتمون به فامر جبرئيل عليه السلام ان يأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: أنت أريت فاطمة هذه الرؤيا ؟ فقال: نعم يا محمد ! فبزق عليه ثلاث بزقات فشجه في ثلاث مواضع[207].
     عن علي بن الحسين عليه السلام، قال: لما ولدت فاطمة الحسن عليهما السلام، قالت لعلي على السلام : سمه. فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله. فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله، فأخرج إليه في خرقة صفراء، فقال: ألم أنهكم أن تلفوه في خرقة صفراء، ثم رمى بها وأخذ خرقة بيضاء فلفه فيها، ثم قال لعلي عليه السلام: هل سميته ؟ فقال: ما كنت لأسبقك باسمه ؟ فقال صلى الله عليه وآله: وما كنت لأسبق باسمه ربي عز وجل، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل أنه قد ولد لمحمد ابن فاهبط واقرئه السلام وهنئه، وقل له: إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون. فهبط جبرئيل عليه السلام فهنأه من الله عز وجل، ثم قال: إن الله عز وجل يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون. قال: وما كان اسمه ؟ قال: شبر. قال: لساني عربي. قال: سمه الحسن، فسماه الحسن. فلما ولد الحسين عليه السلام أوحى الله عز وجل إلى جبرئيل أنه قد ولد لمحمد ابن، فاهبط إليه وهنئه، وقل له: إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون. قال: فهبط جبرئيل فهنأه من الله تبارك وتعالى، ثم قال: إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون. قال: وما اسمه ؟ قال: شبير. قال: لساني عربي. قال: سمه الحسين، فسماه الحسين[208].
     ومن وصية له للحسن بن علي عليهما السلام: إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شئ قبلته. فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه، واستبان لك ما ربما أظلم علينا منه[209].
     عن أبي ذر رحمة الله عليه قال: كنت أنا وجعفر بن أبي طالب مهاجرين إلى بلاد الحبشة فأهديت لجعفر جارية قيمتها أربعة آلاف درهم فلما قدمنا المدينة أهداها لعلي عليه السلام تخدمه فجعلها علي عليه السلام في منزل فاطمة فدخلت فاطمة عليها السلام يوما فنظرت إلى رأس علي عليه السلام في حجر الجارية فقالت يا أبا الحسن فعلتها فقال لا والله يا بنت محمد ما فعلت شيئا فما الذي تريدين ؟ قالت تأذن لي في المصير إلى منزل أبى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها قد أذنت لك فتجلببت بجلبابها وتبرقعت ببرقعها وأرادت النبي صلى الله عليه وآله فهبط جبرئيل عليه السلام فقال يا محمد ان الله يقرءك السلام ويقول لك ان هذه فاطمة قد أقبلت إليك تشكو عليا فلا تقبل منها في علي شيئا فدخلت فاطمة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله جئت تشكين عليا قالت إي ورب الكعبة، فقال لها ارجعي إليه فقولي له رغم أنفي لرضاك، فرجعت إلى علي عليه السلام فقالت له يا أبا الحسن رغم أنفي لرضاك تقولها ثلاثا، فقال لها علي عليه السلام شكوتيني إلى خليلي وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وا سوأتاه من رسول الله[210].
     قال  المجلسي: والاخبار المشتملة على منازعتهما مأولة بما يرجع إلى ضرب من المصلحة، لظهور فضلهما على الناس أو غير ذلك مما خفي علينا جهته[211]. وقال في موضوع آخر: لعل منازعتها صلوات الله عليها إنما كانت ظاهرا لظهور فضله صلوات الله عليه على الناس، أو لظهور الحكمة فيما صدر عنه عليه السلام أو لوجه من الوجوه لا نعرفه[212].
     أتى رجل أبا عبد الله عليه السلام فقال له: يرحمك الله هل تشيع الجنازة بنار ويمشي معها بمجمرة أو قنديل أو غير ذلك مما يضاء به ؟ قال فتغير لون أبى عبد الله عليه السلام من ذلك واستوى جالسا ثم قال: إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها: أما علمت أن عليا قد خطب بنت أبي جهل فقالت: حقاما تقول ؟ فقال: حقا ما أقول ثلاث مرات فدخلها من الغيرة مالا تملك نفسها وذلك أن الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة وكتب على الرجال جهادا وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الاجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله، قال: فاشتد غم فاطمة من ذلك وبقيت متفكرة هي حتى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحسين على عاتقها الأيسر وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى ثم تحولت إلى حجرة أبيها فجاء علي فدخل حجرته فلم ير فاطمة فاشتد لذلك غمه وعظم عليه ولم يعلم القصة ما هي فاستحى ان يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد يصلي فيه ما شاء الله ثم جمع شيئا من كثيب المسجد واتكى عليه، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله ما بفاطمة من الحزن أفاض عليها من الماء ثم لبس ثوبه ودخل المسجد فلم يزل يصلي بين راكع وساجد وكلما صلى ركعتين دعا الله ان يذهب ما بفاطمة من الحزن والغم وذلك أنه خرج من عندها وهي تتقلب وتتنفس الصعداء فلما رآها النبي صلى الله عليه وآله انها لا يهنيها النوم وليس لها قرار قال لها قومي يا بنية فقامت فحمل النبي صلى الله عليه وآله الحسن وحملت فاطمة الحسين وأخذت بيد أم كلثوم فانتهى إلى علي عليه السلام وهو نايم فوضع النبي صلى الله عليه وآله رجله على رجل علي فغمزه وقال قم يا أبا تراب فكم ساكن أزعجته ادع لي أبا بكر من داره وعمر من مجلسه وطلحة فخرج علي فاستخرجهما من منزلهما واجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي أما علمت أن فاطمة بضعة منى وانا منها فمن آذاها فقد آذاني من آذاني فقد آذى الله ومن آذاها بعد موتى كان كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتى، قال: فقال علي بلى يا رسول الله، قال فما دعاك إلى ما صنعت ؟ فقال علي والذي بعثك بالحق نبيا ما كان منى مما بلغها شئ ولا حدثت بها نفسي، فقال النبي صدقت وصدقت ففرحت فاطمة عليها السلام بذلك وتبسمت حتى رئي ثغرها[213].
          الطبرسي: أقبلت (أي فاطمة رضي الله عنها بزعمهم لما انصرفت من عند أبي بكر رضي الله عنه في قصة فدك) على أمير المؤمنين، وأمير المؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها إليه، ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار، قالت: لأمير المؤمنين عليه السلام: يا بن أبي طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة ابني ! لقد أجهد في خصامي، وألفيته ألد في كلامي حتى حبستني قيلة نصرها والمهاجرة وصلها، وغضت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة، وعدت راغمة، أضرعت خدك يوم أضعت حدك افترست الذئاب، وافترشت التراب، ما كففت قائلا، ولا أغنيت طائلا ولا خيار لي، ليتني مت قبل هنيئتي، ودون ذلتي عذيري الله منه عاديا ومنك حاميا، ويلاي في كل شارق ! ويلاي في كل غارب ! مات العمد، ووهن العضد شكواي إلى أبي ! وعدواي إلى ربي ! اللهم إنك أشد منهم قوة وحولا، وأشد بأسا وتنكيلا[214].
     عن عبد الرحمان بن كثير الهاشمي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، من أين جاء لولد الحسين عليه السلام الفضل على ولد الحسن عليه السلام، وهما يجريان في شرع واحد ؟ فقال: لا أراكم تأخذون به، إن جبرئيل عليه السلام نزل على محمد صلى الله عليه وآله - وما ولد الحسين عليه السلام بعد - فقال: يولد لك غلام تقتله أمتك من بعدك ! فقال: يا جبرئيل، لا حاجة لي فيه. فخاطبه ثلاثا، ثم دعا عليا عليه السلام، فقال له: إن جبرئيل عليه السلام يخبرني عن الله تعالى أنه يولد لك غلام تقتله أمتك من بعدك، (فقلت: لا حاجة لي فيه). فقال علي عليه السلام: لا حاجة لي فيه يا رسول الله، فخاطب عليا ثلاثا، ثم قال: إنه يكون فيه وفي ولده الإمامة والوراثة والخزانة. فأرسل إلى فاطمة عليها السلام: إن الله يبشرك بغلام تقتله أمتي من بعدي ! قالت فاطمة عليها السلام: لا حاجة لي فيه. فخاطبها فيه ثلاثا، ثم أرسل إليها: لا بد من أن يكون، ويكون فيه الإمامة والوراثة والخزانة. فقالت له: رضيت عن الله. فعلقت وحملت بالحسين عليه السلام، فحملته ستة أشهر، ثم وضعته، ولم يعش مولود - قط - لستة أشهر غير الحسين عليه السلام، وعيسى بن مريم، فكفلته أم سلمة. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يأتيه في كل يوم فيضع لسانه في فم الحسين، فيمصه حتى يروى، فأنبت الله لحمه من لحم رسول الله صلى الله عليه وآله، ولم يرضع من فاطمة عليها السلام ولا من غيرها لبنا قط. فأنزل الله تعالى فيه: " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح في ذريتي ". فلو قال: " أصلح لي ذريتي " لكانوا كلهم أئمة، ولكن خص هكذا[215].
     انها لما ذكرت حالها وسألت جارية بكى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا فاطمة والذي بعثني بالحق ان في المسجد أربعمائة رجل ما لهم طعام ولا ثياب ولولا خشيتي خصلة لأعطيك ما سألت، يا فاطمة اني لا أريد ان ينفك عنك أجرك إلى الجارية واني أخاف أن يخصمك علي بن أبي طالب يوم القيامة بين يدي الله عز وجل إذا طلب حقه منك، ثم علمها صلاة التسبيح[216].
     سألت فاطمة رسول الله صلى الله عليه وآله خاتما فقال: ألا أعلمك ما هو خير من الخاتم، إذا صليت صلاة الليل فاطلبي من الله عز وجل خاتما فإنك تنالين حاجتك، قالت: فدعت ربها تعالى فإذا بهاتف يهتف: يا فاطمة الذي طلبت مني تحت المصلى، فرفعت المصلى فإذا الخاتم ياقوت لا قيمة له، فجعلته في إصبعها وفرحت، فلما نامت في ليلتها رأت في منامها كأنها في الجنة فرأت ثلاثة قصور لم تر في الجنة مثلها قالت: لمن هذه القصور قالوا: لفاطمة ببنت محمد، قالت: فكأنها دخلت قصرا من ذلك ودارت فيه فرأت سريرا قد مال على ثلاث قوائم فقالت: ما لهذا السرير قد مال على ثلاثة ؟ قالوا: لان صاحبته طلبت من الله تعالى خاتما فنزع أحد القوائم وصيغ لها خاتم وبقي السرير على ثلاث قوائم، فلما أصبحت دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقصت القصة، فقال النبي: معاشر آل عبد المطلب ليس لكم الدنيا إنما لكم الآخرة وميعادكم الجنة ما تصنعون بالدنيا فإنها زائلة غرارة، فأمره النبي ان ترد الخاتم تحت المصلى فردت ثم نامت على المصلى فرأت في المنام انها دخلت الجنة فدخلت ذلك القصر ورأت السرير على أربع قوائم، فسألت عن حاله فقالوا: ردت الخاتم ورجع السرير إلى هيئته[217].
      قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه لفاطمة عليها السلام وهي تقول: واكرباه لكربك يا أبتاه. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا كرب لأبيك بعد اليوم يا فاطمة إن النبي لا يشق عليه الجيب ولا يخمش عليه الوجه ولا يدعى عليه بالويل، ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم: تدمع العينان وقد يوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ولو عاش إبراهيم لكان نبيا[218].
     عن عمرو بن أبي المقدام قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: تدرون ما قوله تعالى: ( ولا يعصينك في معروف ) ؟ قلت: لا، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لفاطمة عليها السلام : إذا أنامت فلا تخمشي علي وجها ولا تنشري علي شعرا ولا تنادي بالويل ولا تقيمي علي نائحة[219].
     وفي رواية: صرخت وبكت، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله لبكائها، وقال: يا بنية لا تبكين ولا تؤذين جلساءك من الملائكة، هذا جبرئيل بكى لبكائك، وميكائيل وصاحب سر الله إسرافيل، يا بنية لا تبكين فقد بكت السماوات والأرض لبكائك[220].
     وفي رواية: فأكبت فاطمة عليها السلام تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول: ( وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل ) ففتح رسول الله صلى الله عليه وآله عينيه وقال بصوت ضئيل: ( يا بنية، هذا قول عمك أبي طالب، لا تقوليه، ولكن قولي: ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم[221].
     فأقبل أمير المؤمنين مسرعا حتّى دخل عليها وإذا بها ملقاة على فراشها... فناداها: يا فاطمة كلَّميني فأنا ابن عمّك عليّ ابن أبي طالب. قالت: ففتحت عينيها في وجهه ونظرت إليه وبكت وبكى، وقال: ما الَّذي تجدينه فأنا ابن عمّك عليّ بن أبي طالب، فقالت: يا ابن العمّ إنّي أجد الموت الذي لا بدّ منه ولا محيص عنه وأنا أعلم أنّك بعدى لا تصبر على قلَّة التزويج، فان أنت تزوّجت امرأة اجعل لها يوما وليلة واجعل لأولادي يوما وليلة، ولا تصح في وجوههما فيصبحان يتيمين غريبين منكسرين فانّهما بالأمس فقد اجدّهما: واليوم يفقدان امّهما[222].
     عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام، قال: لما خرج أمير المؤمنين علي عليه السلام من منزله، خرجت فاطمة عليه السلام والهة ! فما بقيت امرأة هاشمية الا خرجت معها حتى انتهت من القبر فقالت: خلوا عن ابن عمي، فوالذي بعث محمدا بالحق لئن لم تخلوا عنه، لأنشرن شعري، ولأضعن قميص رسول الله الذي كان عليه حين خرجت نفسه على رأسي ولأصرخن إلى الله.[223]
     من وصية أمبر المؤمنين لولده الحسن عليهما السلام: أي بني إني لما رأيتني قد بلغت سنا، ورأيتني أزداد وهنا بادرت بوصيتي إليك، وأوردت خصالا منها قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي، وأن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا[224].
     قال أمير المؤمنين لابنه الحسن عليهما السلام: لا تدعون إلى مبارزة وإن دعيت إليها فأجب فإن الداعي باغ والباغي مصروع[225].
     عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام يقولان: بينا الحسن بن علي عليهما السلام في مجلس أمير المؤمنين عليه السلام إذ أقبل قوم فقالوا: يا أبا محمد أردنا أمير المؤمنين عليه السلام، قال: وما حاجتكم ؟ قالوا: أردنا أن نسأله عن مسألة قال: وما هي تخبرونا بها، فقالوا: امرأة جامعها زوجها فلما قام عنها قامت بحموتها فوقعت على جارية بكر فساحقتها فألقت النطفة فيها فحملت فما تقول في هذا ؟ فقال الحسن عليه السلام: معضلة وأبو الحسن لها وأقول فإن أصبت فمن الله ثم من أمير المؤمنين عليه السلام وإن أخطأت فمن نفسي فأرجو أن لا أخطئ إن شاء الله[226].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عليا قال وهو على المنبر: لا تزوجوا الحسن فإنه رجل مطلاق، فقام رجل من همدان فقال: بلى والله لنزوجنه وهو ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وابن أمير المؤمنين عليه السلام فإن شاء أمسك وإن شاء طلق[227].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الحسن بن علي عليهما السلام طلق خمسين امرأة فقام علي عليه السلام بالكوفة فقال: يا معاشر أهل الكوفة لا تنكحوا الحسن فإنه رجل مطلاق فقام إليه رجل فقال: بلى والله لننكحنه فإنه ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وابن فاطمة عليها السلام فإن أعجبته أمسك وإن كره طلق[228].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى رجل أمير المؤمنين عليا عليه السلام فقال له: جئتك مستشيرا، إن الحسن عليه السلام والحسين عليه السلام وعبد الله بن جعفر (ره) خطبوا إلى فقال أمير المؤمنين عليه السلام: المستشار مؤتمن، أما الحسن، فإنه مطلاق للنساء، ولكن زوجها الحسين فإنه خير لابنتك[229].
     ذكر أن بعض عمال أمير المؤمنين عليه السلام أنفذ إليه في عرض ما أنفذ من حياته مال الفئ قطفا غلاظا، وكان عليه السلام يفرق كل شئ يحمل إليه من مال الفئ لوقته ولا يؤخره، وكانت هذه القطف قد جائته مساء، فأمر بعدها ووضعها في الرحبة ليفرقها من الغد، فلما أصبح عدها فنقصت واحدة فسأل عنها فقيل له: أن الحسن بن علي عليهما السلام، استعارها في ليلته على أن يردها اليوم، فهرول عليه السلام مغضبا إلى منزل الحسن بن علي عليهما السلام وهو يهمهم وكان من عادته أن يستأذن على منزله إذا جاء. فهجم بغير إذن فوجد القطيفة في منزله فأخذ بطرفها يجرها وهو يقول: النار يا أبا محمد، النار النار يا أبا محمد، النار حتى خرج بها[230].
     قال الحسين يوما لأخيه الحسن عليهما السلام يا حسن وددت ان لسانك لي وقلبي لك وكتب إليه الحسن عليه السلام يلومه على إعطاء الشعراء فكتب إليه أنت أعلم منى بأن خير المال ما وقى العرض[231].
     العياشي: كان مروان على المدينة خطب الناس فوقع في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: فلما نزل من المنبر أتى الحسين بن علي عليهما السلام المسجد فقيل له: إن مروان قد وقع في علي. قال: فما كان في المسجد الحسن؟ قالوا: بلى. قال: فما قال له شيئا ؟ قالوا: لا. فقام الحسين مغضبا حتى دخل على مروان فقال له: يا ابن الزرقاء وياابن آكلة القمل أنت الواقع في علي ؟ ! قال له مروان إنك صبي لا عقل لك. قال: فقال له الحسين. ألا أخبرك بما فيك وفي أصحابك وفي علي فان الله تبارك تعالى يقول: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) فذلك لعلي وشيعته (فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين) فبشر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام (وتنذر به قوما لدا) فذلك لك ولأصحابك[232]. وفي رواية: ان مروان بن الحكم خطب يوما فذكر علي بن أبي طالب فنال منه والحسن بن علي جالس، فبلغ ذلك الحسين فجاء إلى مروان وقال: يا ابن الزرقاء أنت الواقع في علي، في كلام له، ثم دخل على الحسن فقال: تسمع هذا يسب أباك فلا تقول له شيئا ! فقال: وما عسيت ان أقول لرجل مسلط يقول ما شاء ويفعل ما شاء[233].
     صعد معاوية المنبر فخطب الناس، وذكر أمير المؤمنين عليه السلام فنال منه ونال من الحسن، وكان الحسن والحسين صلوات الله عليهما حاضرين، فقام الحسين ليرد عليه فأخذ بيده الحسن فأجلسه[234].
     عن عمر بن إسحاق قال: كنت مع الحسن والحسين عليهما السلام في الدار، فدخل الحسن عليه السلام المخرج ثم خرج فقال: " لقد سقيت السم مرارا، ما سقيته مثل هذه المرة، لقد لفظت قطعة من كبدي، فجعلت أقلبها بعود معي " فقال له الحسين عليه السلام: ومن سقاكه ؟ فقال: * وما تريد منه ؟ أتريد قتله، إن يكن هو هو فالله أشد نقمة منك، وإن لم يكن هو فما أحب أن يؤخذ بي برئ "[235].
     وروى المدائني قال: نزل بالحسين ابنه ضيف، فاستسلف درهما اشترى به خبزا، واحتاج إلى الادام، فطلب من قنبر خادمهم أن يفتح له زقا من زقاق عسل جاءتهم من اليمن، فأخذ منه رطلا، فلما طلبها ليقسمها قال: يا قنبر أظن أنه حدث في هذا الزق حدث، قال: نعم يا أمير المؤمنين، و أخبره، فغضب وقال: علي بحسين، ورفع الدرة فقال: بحق عمي جعفر - وكان إذا سئل بحق جعفر سكن - فقال له: ما حملك إذ أخذت منه قبل القسمة ؟ قال: إن لنا فيه حقا، فإذا أعطيناه رددناه، قال: فداك أبوك وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم، أما لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل ثنيتيك لأوجعتك ضربا، ثم دفع إلى قنبر درهما كان مصرورا في ردائه وقال: اشتر به خير عسل تقدر عليه، قال عقيل: والله لكأني أنظر إلى يدي علي وهي على فم الزق وقنبر يقلب العسل فيه ثم شده وجعل يبكي ويقول: اللهم اغفر للحسين فإنه لم يعلم[236].
     عن أبي عبد الله عليه السلام أن رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي صلوات الله عليهما يمشي معه فلقيه عليه السلام: أين تذهب يا فلان ؟ قال: فقال له مولاه: أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها، فقال له الحسين عليه السلام: انظر أن تقوم على يميني فما تسمعني أقول فقل مثله، فلما أن كبر عليه وليه قال الحسين عليه السلام: " الله أكبر اللهم العن فلانا عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة، اللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله حر نارك وأذقه أشد عذابك فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أوليائك، ويبغض أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله"[237].
     كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده إذ أتاه الحسين مع أخيه الحسن عليهما السلام وقال: يا جداه قد تصارعت مع أخي الحسن ولم يغلب أحدنا الآخر وإنما نريد أن نعلم أينا أشد قوة من الآخر، فقال لهما النبي: حبيبي يا مهجتي إن التصارع لا يليق بكما ولكن اذهبا فتكاتبا فمن كان خطه أحسن كذلك تكون قوته أكثر[238].
     عن أبي عبد الله عليه السلام: إن الحسين بن علي عليهما السلام دعا رجلا إلى المبارزة فعلم به أمير المؤمنين عليه السلام فقال: لئن عدت إلى مثل هذا لأعاقبنك ولئن دعاك أحد إلى مثلها فلم تجبه لأعاقبنك، أما علمت أنه بغى[239].
     استيقظ الحسن عليه السلام فأقبل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: (يا أبت، اسقني). فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قام إلى لقحة كانت، فاحتلبها بيده، ثم جاء بالعلبة وعلى اللبن رغوة - ليناوله الحسن عليه السلام. فاستيقظ الحسين عليه السلام فقال: (يا أبت اسقني). فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا بني، أخوك، وهو أكبر منك وقد استسقاني قبلك. فقال الحسين عليه السلام: (اسقني قبله) فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يرقبه ويلين له ويطلب إليه أن يدع أخاه يشرب قبله، والحسين عليه السلام يأبى. فقالت فاطمة عليها السلام: يا أبت، كأن الحسن أحب إليك من الحسين ؟ قال صلى الله عليه وآله: ما هو بأحبهما إلي وإنهما عندي لسواء، غير أن الحسن استسقاني أول مرة، وإني وإياك وإياهما وهذا الراقد في الجنة لفي منزل واحد ودرجة واحدة. وعلي عليه السلام نائم لا يدري بشئ من ذلك[240].
     عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده عليهم السلام، قال: سئل الحسين بن علي عليهما السلام فقيل له: كيف أصبحت، يا بن رسول الله ؟ قال: أصبحت ولي رب فوقي، والنار أمامي، والموت يطلبني، والحساب محدق بي، وأنا مرتهن بعملي، لا أجد ما أحب، ولا أدفع ما أكره، والأمور بيد غيري، فإن شاء عذبني، وإن شاء عفا عني، فأي فقير أفقر مني ![241].
     عن الصادق عليه السلام: جرى بينه وبين محمد بن الحنفية كلام فكتب ابن الحنفية إلى الحسين: اما بعد يا أخي فان أبي وأباك علي لا تفضلني فيه ولا أفضلك وأمك فاطمة بنت رسول الله ولو كان من الأرض ذهبا ملك أمي ما وفت بأمك فإذا قرأت كتابي هذا فصر إلي حتى تترضاني فإنك أحق بالفضل مني والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ففعل الحسين ذلك فلم يجر بعد ذلك بينهما شئ[242].
     عن الحسن عليه السلام انّه لمّا حضرته الوفاة قال لأخيه الحسين عليه السلام: إذا أنا متّ فغسّلني وكفّني وصلّ علىّ، واحملني إلى قبر جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله فألحدني إلى جانبه، فإن منعت من ذلك وستمنع فلا تخاصم، ولا تحارب وردّني إلى البقيع[243].
     بعد قتل الحسين حارت فرقة من أصحابه وقالت: قد اختلف علينا فعل الحسن وفعل الحسين، لأنه إن كان الذي فعله الحسن حقًا واجبًا صوابًا من موادعته معاوية وتسليمه له عند عجزه عن القيام بمحاربته مع كثرة أنصار الحسن وقوتهم - فما فعله الحسين من محاربته يزيد بن معاوية مع قلة أنصار الحسين وضعفهم، وكثرة أصحاب يزيد حتى قُتل وقُتل أصحابه جميعًا باطل غير واجب، لأن الحسين كان أعذر في القعود من محاربة يزيد وطلب الصلح والموادعة من الحسن في القعود عن محاربة معاوية، وإن كان ما فعله الحسين حقًا واجبًا صوابًا من مجاهدته يزيد حتى قتل ولده وأصحابه، فقعود الحسن وتركه مجاهدة معاوية وقتاله ومعه العدد الكثير باطل، فشكوا في إمامتهما ورجعوا فدخلوا في مقالة العوام"[244].
     عن أبي حمزة الثمالي، قال: دخلت مسجد الكوفة، فإذا أنا برجل عند الأسطوانة السابعة قائما يصلي، يحسن ركوعه وسجوده، فجئت لأنظر إليه، فسبقني إلى السجود، فسمعته يقول في سجوده: اللهم إن كنت قد عصيتك فقد أطعتك في أحب الأشياء إليك، وهو الايمان بك، منا منك به علي لا منا به مني عليك، ولم أعصك في أبغض الأشياء إليك، لم أدع لك ولدا، ولم أتخذ لك شريكا، منا منك علي لا منا مني عليك، وعصيتك في أشياء على غير مكاثرة مني ولا مكابرة، ولا استكبار عن عبادتك، ولا جحود لربوبيتك، ولكن اتبعت هواي وأزلني الشيطان بعد الحجة والبيان، فإن تعذبني فبذنبي غير ظالم لي، وإن ترحمني فبجودك ورحمتك يا أرحم الراحمين. ثم انفتل وخرج من باب كندة فتبعته حتى أتى مناخ الكلبيين، فمر بأسود فأمره بشئ لم أفهمه، فقلت: من هذا ؟ فقال: هذا علي بن الحسين. فقلت: جعلني الله فداك، ما أقدمك هذا الموضع ؟ فقال: الذي رأيت[245].
     عن البزنطي قال: ذكر عند الرضا عليه السلام بعض أهل بيته، فقلت له: الجاحد منكم ومن غيركم واحد ؟ فقال: لا كان علي بن الحسين عليه السلام يقول: لمحسننا حسنتان ولمسيئنا ذنبان[246].
     عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما حضر علي بن الحسين عليهما السلام الوفاة ضمني إلى صدره، ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي عليه السلام حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به، قال: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله[247].
     عن طاوس اليماني، قال: مررت بالحجر فإذا أنا بشخص راكع وساجد، فتأملته فإذا هو علي بن الحسين عليهما السلام، فقلت: يا نفس، رجل صالح من أهل بيت النبوة، والله لأغتنمن دعاءه، فجعلت أرقبه حتى فرغ من صلاته ورفع باطن كفيه إلى السماء وجعل يقول: سيدي، سيدي، هذه يداي قد مددتهما إليك بالذنوب مملوءة، وعيناي بالرجاء ممدودة، وحق لمن دعاك بالندم تذللا أن تجيبه بالكرم تفضلا. سيدي، أمن أهل الشقاء خلقتني فأطيل بكائي، أم من أهل السعادة خلقتني فأبشر رجائي ؟ سيدي، ألضرب المقامع خلقت أعضائي، أم لشرب الحميم خلقت أمعائي ؟ سيدي، لو أن عبدا استطاع الهرب من مولاه لكنت أول الهاربين منك، لكني أعلم أني لا أفوتك. سيدي، لو أن عذابي مما يزيد في ملكك لسألتك الصبر عليه، غير أني أعلم أنه لا يزيد في ملكك طاعة المطيعين، ولا ينقص منه معصية العاصين. سيدي، ما أنا وما خطري، هب لي خطاياي بفضلك، وجللني بسترك، واعف عن توبيخي بكرم وجهك[248].
     عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن أبى ضرب غلاما له قرعة واحدة بسوط وكان بعثه في حاجة فأبطئ عليه فبكى الغلام وقال: الله يا علي بن الحسين تبعثني في حاجتك ثم تضربني ؟ قال: فبكى أبى وقال: يا بنى اذهب إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فصل ركعتين ثم قل: اللهم اغفر لعلي بن الحسين خطيئته يوم الدين ثم قال للغلام: اذهب فأنت حر لوجه الله قال أبو بصير: فقلت له: جعلت فداك كان العتق كفارة للذنب ؟ فسكت[249].
     روي أن علي بن الحسين عليهما السلام، ضرب غلاما له ثم قال: " قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله) " ووضع السوط من يده، فبكى الغلام، فقال له: " لم تبكي ؟ " فقال: لأني عبدك ممن أرجو أيام الله، فقال: " وأنت ترجو أيام الله، ولا أحب أن أملك من يرجو أيام الله، فائت قبر رسول
الله صلى الله عليه وآله، وقل: اللهم اغفر لعلي خطيئته، وأنت حر لوجه الله "[250].
     عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، قال: حضر علي بن الحسين عليهما السلام الموت، فقال: يا محمد، أي ليلة هذه ؟ قال: ليلة كذا وكذا. قال: وكم مضى من الشهر ؟ قال: كذا وكذا. قال: وكم بقي ؟ قال: كذا وكذا. قال: إنها الليلة التي وعدتها. قال: ودعا بوضوء فقال إن فيه لفأرة. فقال بعض القوم: إنه ليهجر. فقال: هاتوا المصباح فنظروا فإذا فيه فأرة، فأمر بذلك الماء فأهريق، وأتوه بماء آخر، ثم توضأ وصلى، حتى إذا كان آخر الليل توفي صلوات الله عليه[251].
     من دعاء زين العابدين عليه السلام: أسألك أن تعفو عني، وتغفر لي، فلست بريئا فأعتذر، ولا بذي قوة فأنتصر، ولا مفر لي فأفر، وأستقيلك عثراتي، وأتنصل إليك من ذنوبي التي قد أوبقتني وأحاطت بي فأهلكتني، منها فررت إليك رب تائبا فتب علي، متعوذا فأعذني، مستجيرا فلا تخذلني، سائلا فلا تحرمني معتصما فلا تسلمني، داعيا فلا تردني خائبا. دعوتك يا رب مسكينا مستكينا، مشفقا، خائفا، وجلا فقيرا مضطرا إليك، أشكو إليك يا إلهي ضعف نفسي عن المسارعة فيما وعدته أولياءك، والمجانبة عما حذرته أعداءك، وكثرة همومي ووسوسة نفسي. إلهي لم تفضحني بسريرتي، ولم تهلكني بجريرتي[252].
     من دعاء زين العابدين عليه السلام: إلهي أسألك أن تعصمني حتى لا أعصيك، فإني قد بهت وتحيرت من كثرة الذنوب مع العصيان، ومن كثرة كرمك مع الاحسان، وقد أكلت لساني كثرة ذنوبي، وأذهبت عني ماء وجهي، فبأي وجه ألقاك وقد أخلقت الذنوب وجهي ؟ ! وبأي لسان أدعوك وقد أخرست المعاصي لساني ؟ ! وكيف أدعوك وأنا العاصي ؟ ! وكيف لا أدعوك وأنت الكريم ؟ ! وكيف أفرح وأنا العاصي ؟ ! وكيف أحزن وأنت الكريم ؟ ! وكيف أدعوك وأنا أنا ؟ ! وكيف لا أدعوك وأنت أنت ؟ ! وكيف أفرح وقد عصيتك ؟ ! وكيف أحزن وقد عرفتك ؟ ! وأنا أستحيي أن أدعوك وأنا مصر على الذنوب، وكيف بعبد لا يدعو سيده ؟ ! وأين مفره وملجأه إن يطرده ؟ ! إلهي، بمن أستغيث إن لم تقلني عثرتي ؟ ! ومن يرحمني إن لم ترحمني ؟ ! ومن يدركني إن لم تدركني ؟ ! وأين الفرار إذا ضاقت لديك أمنيتي ؟ إلهي، بقيت بين خوف ورجاء، خوفك يميتني، ورجاؤك يحييني. إلهي، الذنوب صفاتنا، والعفو صفاتك. إلهي، الشيبة نور من أنوارك، فمحال أن تحرق نورك بنارك. إلهي، الجنة دار الأبرار، ولكن ممرها على النار، فيا ليتني إذا حرمت الجنة لم أدخل النار. إلهي، وكيف أدعوك وأتمنى الجنة مع أفعالي القبيحة ؟ ! وكيف لا أدعوك ولا أتمنى الجنة مع أفعالك الحسنة الجميلة ؟ ! إلهي، أنا الذي أدعوك وإن عصيتك، ولا ينسى قلبي ذكرك. إلهي، أنا الذي أرجوك وإن عصيتك، ولا ينقطع رجائي من رحمتك. إلهي، أنا الذي إذا طال عمري زادت ذنوبي، وطالت مصيبتي بكثرة ذنوبي، وطال رجائي بكثرة عفوك يا مولاي. إلهي، ذنوبي عظيمة، ولكن عفوك أعظم من ذنوبي. إلهي، بعفوك العظيم اغفر لي ذنوبي العظيمة، فإنه لا يغفر الذنوب العظيمة إلا الرب العظيم. إلهي، أنا الذي أعاهدك فأنقض عهدي، وأترك عزمي حين تعرض شهوتي، فأصبح بطالا وأمسي لاهيا، وتكتب ما قدمت يومي وليلتي. إلهي، ذنوبي لا تضرك وعفوك إياي لا ينقصك فاغفر لي ما لا يضرك، وأعطني ما لا ينقصك. إلهي، إن أحرقتني لا ينفعك وإن غفرت لي لا يضرك، فافعل بي ما لا يضرك ولا تفعل بي ما لا يسرك. إلهي، لولا أن العفو من صفاتك لما عصاك أهل معرفتك. إلهي، لولا أنك بالعفو تجود لما عصيتك وإلى الذنب أعود. إلهي، لولا أن العفو أحب الأشياء لديك لما عصاك أحب الخلق إليك. إلهي، رجائي منك غفران، وظني فيك إحسان، أقلني عثرتي ربي فقد كان الذي كان، فيا من له رفق بمن يعاديه، فكيف بمن يتولاه ويناجيه ؟ ! ويا من كلما نودي أجاب، ويا من بجلاله ينشئ السحاب، أنت الذي قلت: " من الذي دعاني فلم ألبه " ؟ " ومن الذي سألني فلم أعطه " ؟ " ومن الذي أقام ببابي فلم أجبه " ؟ وأنت الذي قلت: " أنا الجواد ومني الجود، وأنا الكريم ومني
الكرم، ومن كرمي في العاصين أن أكلاهم في مضاجعهم كأنهم لم يعصوني، وأتولى حفظهم كأنهم لم يذنبوني ". إلهي، من الذي يفعل الذنوب ؟ ومن الذي يغفر الذنوب ؟ فأنا فعال الذنوب، وأنت غفار الذنوب. إلهي، بئس ما فعلت من كثرة الذنوب والعصيان، ونعم ما فعلت من الكرم والاحسان. إلهي، أنت الذي أغرقتني بالجود والكرم والعطايا، وأنا الذي أغرقت نفسي بالذنوب والجهالة والخطايا، وأنت مشهور بالاحسان، وأنا مشهور بالعصيان. إلهي، ضاق صدري ولست أدري بأي علاج أدواي ذنبي ؟ فكم أتوب منها ؟ وكم أعود إليها ؟ وكم أنوح عليها ليلي ونهاري ؟ فحتى متى يكون وقد أفنيت بها عمري ؟! إلهي، طال حزني، ودق عظمي، وبلي جسمي وبقيت الذنوب على ظهري، فإليك أشكو سيدي فقري وفاقتي، وضعفي وقلة حيلتي. إلهي، ينام كل ذي عين، ويستريح إلى وطنه، وأنا وجل القلب وعيناي تنتظران رحمة ربي، فأدعوك يا رب فاستجب دعائي، واقض حاجتي، وأسرع بإجابتي. إلهي، أنتظر عفوك كما ينتظره المذنبون، ولست أياس من رحمتك التي يتوقعها المحسنون. إلهي، أتحرق بالنار وجهي، وكان لك مصليا ؟ ! إلهي، أتحرق بالنار عيني، وكانت من خوفك باكية ؟ ! إلهي، أتحرق بالنار لساني، وكان للقرآن تاليا ؟ ! إلهي، أتحرق بالنار قلبي، وكان لك محبا ؟ ! إلهي، أتحرق بالنار جسمي، وكان لك خاشعا ؟ ! إلهي، أتحرق بالنار أركاني، وكانت لك ركعا سجدا ؟ ! إلهي، أمرت بالمعروف وأنت أولى به من المأمورين، وأمرت بصلة السؤال وأنت خير المسؤولين. إلهي، إن عذبتني فعبد خلقته لما أردته فعذبته، وإن أنجيتني فعبد وجدته مسيئا فأنجيته. إلهي، لا سبيل لي إلى الاحتراس من الذنب إلا بعصمتك، ولا وصول لي إلى عمل الخير إلا بمشيتك، فكيف لي بالاحتراس ما لم تدركني فيه عصمتك ؟ ! إلهي، سترت علي في الدنيا ذنوبا ولم تظهرها، فلا تفضحني بها يوم القيامة على رؤوس العالمين. إلهي، جودك بسط أملي، وشكرك قبل عملي، فسرني بلقائك عند اقتراب أجلي. إلهي، إذا شهد لي الإيمان بتوحيدك، ونطق لساني بتحميدك، ودلني القرآن على فواضل جودك، فكيف ينقطع رجائي بموعودك ؟ ! إلهي، أنا الذي قتلت نفسي بسيف العصيان، حتى استوجبت منك القطيعة والحرمان، فالأمان الأمان، هل بقي لي عندك وجه الاحسان ؟ إلهي، عصاك آدم فغفرت له، وعصاك خلق من ذريته، فيا من عفا عن الوالد معصيته، أعف عن الولد العصاة لك من ذريته. إلهي، خلقت جنتك لمن أطاعك، ووعدت فيها ما لا يخطر بالقلوب، ونظرت إلى عملي، فرأيته ضعيفا يا مولاي، وحاسبت نفسي، فلم أجد أن أقوم بشكر ما أنعمت علي، وخلقت نارا لمن عصاك، ووعدت فيها أنكالا وجحيما وعذابا، وقد خفت يا مولاي أن أكون مستوجبا لها لكبير جرأتي، وعظيم جرمي، وقديم إساءتي، فلا يتعاظمك ذنب تغفره لي، ولا لمن هو أعظم جرما مني لصغر خطري في ملكك مع يقيني بك، وتوكلي ورجائي لديك. إلهي، جعلت لي عدوا يدخل قلبي، ويحل محل الرأي والفكرة مني، وأين الفرار إذا لم يكن منك عون عليه ؟ ! إلهي، إن الشيطان فاجر خبيث، كثير المكر، شديد الخصومة، قديم العداوة، كيف ينجو من يكون معه في دار وهو المحتال ؟ ! إلا أني أجد كيده ضعيفا، فإياك نعبد وإياك نستعين، وإياك نستحفظ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يا كريم يا كريم يا كريم[253].
     عن جعفر عليه السلام قال كان أبى يقول في جوف الليل في تضرعه أمرتني فلم أئتمر ونهيتني فلم أنزجر فها أنا عبدك بين يديك ولا أعتذر[254].
     عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام: أن فاطمة بنت علي بن أبي طالب لما نظرت إلى ما يفعل ابن أخيها علي بن الحسين بنفسه من الدأب في العبادة، أتت جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام الأنصاري، فقالت له: يا صاحب رسول الله، إن لنا عليكم حقوقا، ومن حقنا عليكم أن إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن تذكروه الله وتدعوه إلى البقيا على نفسه، وهذا علي بن الحسين بقية أبيه الحسين، قد انخرم أنفه، وثفنت جبهته وركبتاه وراحتاه دأبا منه لنفسه في العبادة[255].
     عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يا محمد إياك أن تمضغ علكا فإني مضغت اليوم علكا وأنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا[256].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اغتسل أبي من الجنابة فقيل له قد بقيت لمعة من ظهرك لم يصبها الماء فقال له: ما كان عليك لو سكت ثم مسح تلك اللمعة بيده[257].
     عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام قال: قال لي علي بن الحسين صلوات الله عليهما: يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق فقلت: يا أبه من هم ؟ قال: إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويباعد لك القريب وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بائعك باكلة أو أقل من ذلك وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك. وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعونا في كتاب الله عز وجل في ثلاث مواضع: قال الله عز وجل: " فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض و تقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم " وقال: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار " وقال في البقرة: " الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون"[258].
     عن زرارة قال: دخلت أنا وحمران - أو أنا وبكير - على أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: إنا نمد المطمار قال: وما المطمار ؟ قلت: التر فمن وافقنا من علوي أو غيره توليناه ومن خالفنا من علوي أو غيره برئنا منه، فقال لي: يا زرارة قول الله أصدق من قولك، فأين الذين قال الله عز وجل: " إلا المستضعفين من الرجال والنساء والوالدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا " أين المرجون لأمر الله ؟ أين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ؟ أين أصحاب الأعراف أين المؤلفة قلوبهم ؟ !. وزاد حماد في الحديث قال: فارتفع صوت أبي جعفر (عليه السلام) وصوتي حتى كان يسمعه من على باب الدار[259].
     عن جابر قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن مسألة أو سئل عنها فقال إذا لقيت موسى فاسئله عنها قال قلت أولا تعلمها قال بلى قلت فأخبرني بها قال لم يؤذن لي في ذلك[260].
     عن زرارة قال حدثني أبو جعفر عليه السلام أنه أراد أن يتزوج امرأة فكره ذلك أبي فمضيت فتزوجتها حتى إذا كان بعد ذلك زرتها فنظرت فلم أر ما يعجبني فقمت أنصرف فبادرتني القيمة معها إلى الباب لتغلقه علي، فقلت: لا تغلقيه لك الذي تريدين فلما رجعت إلى أبي أخبرته بالامر كيف كان فقال: أما إنه ليس لها عليك إلا نصف المهر وقال: إنك تزوجتها في ساعة حارة[261].
     عن زرارة، عن عبد الملك قال وقع بين أبي جعفر وبين ولد الحسن عليهما السلام كلام فبلغني ذلك  فدخلت على أبي جعفر عليه السلام فذهبت أتكلم فقال لي: مه، لا تدخل فيما بيننا[262].
     عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رسول الله صلى الله عليه وآله يتوب إلى الله عز وجل في كل يوم سبعين مرة، فقلت: أكان يقول: أستغفر الله وأتوب إليه ؟ قال: لا ولكن كان يقول: أتوب إلى الله قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتوب ولا يعود ونحن نتوب ونعود، فقال: الله المستعان[263].
     عن عبد الرحمن بن كثير، قال، قال أبو عبد الله عليه السلام يوما لأصحابه: لعن الله المغيرة ابن سعيد، ولعن يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها السحر والشعبذة والمخاريق. ان المغيرة كذب على أبي عليه السلام، فسلبه الله الايمان، وأن قوما كذبوا علي، مالهم أذاقهم الله حر الحديد، فوالله ما نحن الا عبيد الذي خلقنا واصطفانا، ما نقدر على ضر ولانفع وان رحمنا فبرحمته، وأن عذبنا فبذنوبنا، والله مالنا على الله من حجة، ولا معنا من الله براءة، وانا لميتون، ومقبورون، ومنشرون، ومبعوثون، وموقوفون، ومسئولون، ويلهم مالهم لعنهم الله فلقد آذوا الله وآذوا رسوله صلى الله عليه وآله في قبره وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي صلوات الله عليهم. وها انا ذا بين أظهر كم لحم رسول الله وجلد رسول الله، أبيت على فراشي خائفا وجلا مرعوبا، يأمنون وأفزع، وينامون على فرشهم، وأنا خائف ساهر وجل أتقلقل بين الجبال والبراري، أبرأ إلى الله مما قال في الا جدع البراد عبد بني أسد أبو الخطاب لعنه الله، والله لو ابتلوا بنا وأمرناهم بذلك لكان الواجب ألا يقبلوه فكيف ؟ وهم يروني خائفا وجلا، استعدي الله عليهم وأتبرأ إلى الله منهم. أشهدكم اني امرؤ ولدني رسول الله صلى الله عليه وآله وما معي براءة من الله، ان أطعته رحمني وان عصيته عذبني عذابا شديدا أو أشد عذابه[264].
     عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قتل الخطاف أو إيذائهن في الحرم، فقال: لا يقتلن فإني كنت مع علي بن الحسين عليه السلام فرآني وأنا أوذيهن فقال لي: يا بني لا تقتلهن ولا تؤذهن فإنهن لا يؤذين شيئا[265].
     عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: إن أول ما ملكته لديناران على عهد أبي، و كان رجل يشتري الاردية من صنعاء، فأردت أن أبضعه فقال أبي: لا تبضعه. قال: فدفعت إليه سرا من أبي، فخرج الرجل، فلما رجع بعثت إليه رسولا فقال له: ما دفع إلي شيئا. قال: فظننت أنه إنما استتر ذلك من أبي، ذهبت إليه بنفسي وقلت: الديناران ؟ قال: ما دفعت إلي شيئا ! فأتيت أبي، فلما رآني رفع إلي رأسه، ثم قال متبسما: يا بني ألم أقل لك أن لا تدفع إليه ؟ إنه من ائتمن شارب الخمر، فليس له على الله ضمان، إن الله يقول: (ولا تؤتوا السفاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما) فأي سفيه أسفه من شارب الخمر ؟ إن شهد لم تجز شهادته، وإن شفع لم يشفع، وإن خطب لم يزوج[266].
     عن الأزدي، قال: سمعت مالك بن أنس فقيه المدينة يقول: كنت أدخل إلى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، فيقدم لي مخدة، ويعرف لي قدرا، ويقول لي: يا مالك، إني أحبك، فكنت أسر بذلك وأحمد الله عليه. قال: وكان عليه السلام  رجلا لا يخلو من ثلاث خصال: إما صائما، وإما قائما، وإما ذاكرا، وكان من عظماء العباد، وأكابر الزهاد الذين يخشون الله عز وجل، وكان كثير الحديث، طيب المجالسة، كثير الفوائد، فإذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله اخضر مرة، واصفر أخرى، حتى ينكره من يعرفه. ولقد حججت معه سنة، فلما استوت به راحلته عند الاحرام كان كلما هم بالتلبية، انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يخر من راحلته، فقلت: قل يا بن رسول الله، ولابد لك من أن تقول. فقال: يا بن أبي عامر، كيف أجسر أن أقول: لبيك اللهم لبيك، وأخشى أن يقول عز وجل لي: لا لبيك ولا سعديك![267].
     عن عيسى بن أبي منصور وأبي أسامة الشحام و يعقوب الأحمر، قالوا: كنا جلوسا عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه زرارة فقال إن الحكم بن عيينة حدث عن أبيك أنه قال صل المغرب دون المزدلفة، فقال له أبو عبد الله عليه السلام انا تأملته ما قال أبى هذا قط كذب الحكم على أبي، قال: فخرج زرارة وهو يقول: ما أرى الحكم كذب على أبيه[268].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رآني علي بن الحسين عليه السلام وانا اقلع الحشيش من حول الفساطيط بمنى فقال: يا بني ان هذا لا يقلع[269].
عن ربعي بن عبد الله، عن الفضيل قال: ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام السهو فقال: وينفلت من ذلك أحد، ربّما أقعدت الخادم خلفي يحفظ عليّ صلاتي[270].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال بينا أبى في داره مع جارية له إذا اقبل رجل قاطب الوجه فلما رأيته علمت أنه ملك الموت قال فاستقبله رجل آخر طلق الوجه وحسن البشر فقال انك لست بهذا أمرت فبينا انا أحدث الجارية واعجبها مما رأيت فقبضت قال فقال أبو عبد الله عليه السلام فكسرت البيت الذي رأى أبى فيه ما رأى فليت ما هدمت من الدار انى لم اكسره[271].
     ان عبادا البصري جاء إلى أبي عبد الله عليه السلام وقد دخل مكة بعمرة مبتولة واهدى هديا فأمر به فنحر في منزله بمكة فقال له عباد: نحرت الهدي في منزلك وتركت ان تنحره بفناء الكعبة وأنت رجل يؤخذ منك ؟![272].
     عن الفضيل بن يسار قال: كان عباد البصري عند أبي عبد الله عليه السلام يأكل فوضع أبو عبد الله عليه السلام يده على الأرض، فقال له عباد: أصلحك الله أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن هذا؟[273].
     قال سفيان بن عيينة لأبي عبد الله عليه السلام: انه يروي أن علي بن بن طالب عليه السلام كان يلبس الخشن من الثياب، وأنت تلبس القوهي المرويّ[274].
     عن ابن سنان، قال، سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: بينا أنا في الطواف إذا رجل يجذب ثوبي، فالتفت فإذا عباد البصري، قال، يا جعفر بن محمد تلبس مثل هذا الثوب وأنت في الموضع الذي أنت فيه من علي – صلوات الله عليه -. قال، قلت: ويلك هذا ثوب قوهي اشتريته بدينار وكسر، وكان علي عليه السلام في زمان يستقيم له ما لبس فيه، ولو لبست مثل ذلك اللباس في زماننا لقال الناس هذا مراء مثل عباد[275].
     عن الأرقط ابن عم أبي عبد الله - قال: كان أبو عبد الله عليه السلام عند إسماعيل حين قبض فلما رأي الأرقط جزعه قال: يا أبا عبد الله قد مات رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: فارتدع ثم قال: صدقت أنا لك اليوم أشكر[276].
     عن صارم بن علوان الجوخي قال: دخلت أنا والمفضل ويونس بن ظبيان والفيض بن المختار والقاسم - شريك المفضل - على أبي عبد الله عليه السلام وعنده إسماعيل ابنه، فقال الفيض: جعلت فداك نتقبل من هؤلاء الضياع فنقبلها بأكثر مما نتقبلها، فقال: لا بأس به، فقال له إسماعيل ابنه: لم تفهم يا أبه. فقال أبو عبد الله عليه السلام: أنا لم أفهم، أقول لك: إلزمني فلا تفعل، فقال إسماعيل مغضبا[277].
     عن زرارة قال: كنت قاعدا عند أبي جعفر عليه السلام وليس عنده غير ابنه جعفر فقال: يا زرارة ان أبا ذر رضي الله عنه وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عثمان: كل مال من ذهب أو فضة يدار به ويعمل به ويتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، فقال أبو ذر رضي الله عنه: أما ما اتجر به أو دير وعمل به فليس فيه زكاة، إنما الزكاة فيه إذا كان ركازا أو كنزا موضوعا فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة، فاختصما في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال فقال: القول ما قال أبو ذر، فقال أبو عبد الله عليه السلام لأبيه: ما تريد إلى أن تخرج مثل هذا فيكف الناس أن يعطوا فقراءهم ومساكينهم ؟ ! ! فقال أبوه عليه السلام: إليك عني لا أجد منها بدا[278].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أحدكم ليكثر به الخوف من السلطان وما ذلك إلا بالذنوب فتوقوها ما استطعتم ولا تمادوا فيها[279].
     القاسم بن محمد عن حبيب الخثعمي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام السلام يقول: انا لنذنب ونسئ ثم نتوب إلى الله متابا[280].
     عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته وطلبت وقضيت إليه ان يجعل هذا الامر إلى إسماعيل فأبى الله الا ان يجعله لأبي الحسن موسى عليه السلام[281].
     زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن شيطانا قد ولع بابني إسماعيل يتصور في صورته ليفتن به الناس وانه لا يتصور في صورة نبي ولا وصي نبي فمن قال لك من الناس ان إسماعيل ابني حي لم يمت فإنما ذلك الشيطان تمثل له في صورة إسماعيل ما زلت ابتهل إلى الله عز وجل في إسماعيل ابني ان يحييه لي ويكون القيم من بعدي أبى ربى ذلك وان هذا شئ ليس إلى الرجل منا يضعه حيث يشاء وإنما ذلك عهد من الله عز وجل يعهده إلى من يشاء فشاء الله أن يكون موسى ابني وأبى أن يكون إسماعيل ولو جهد الشيطان ان يتمثل بابني موسى ما قدر على ذلك ابدا والحمد لله[282].
     عن محمد بن سليمان، عن أبيه قال: خرجت مع أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام إلى بعض أمواله فقام إلى صلاة الظهر فلما فرغ خر لله ساجدا فسمعته يقول بصوت حزين وتغرغر دموعه" رب عصيتك بلساني ولو شئت وعزتك لأخرستني وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لأصممتني وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكنعتني وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك لجذمتني وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزتك لعقمتني وعصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت بها علي وليس هذا جزاؤك مني " قال: ثم أحصيت له ألف مرة وهو يقول: " العفو العفو " قال: ثم الصق خده الأيمن بالأرض فسمعته وهو يقول، بصوت حزين " بؤت إليك بذنبي عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب غيرك يا مولاي " ثلاث مرات ثم الصق خده الأيسر بالأرض فسمعته يقول: " ارحم من أساء واقترف واستكان واعترف " ثلاث مرات ثم رفع رأسه[283].
     عن عيسى شلقان قال: كنت قاعدا فمر أبو الحسن موسى عليه السلام ومعه بهمة قال: قلت يا غلام ما ترى ما يصنع أبوك ؟ يأمرنا بالشئ ثم ينهانا عنه، أمرنا أن نتولى أبا الخطاب ثم أمرنا أن نلعنه ونتبرء منه ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام وهو غلام: إن الله خلق خلقا للايمان لا زوال له وخلق خلقا للكفر لا زوال له وخلق خلقا بين ذلك أعاره الايمان يسمون المعارين، إذا شاء سلبهم وكان أبو الخطاب ممن أعير الايمان[284].
     علي بن مهزيار قال: سمعت مولاي موسى بن جعفر صلوات الله عليه يدعو بهذا الدعاء وهو دعاء الاعتقاد: إلهي إن ذنوبي وكثرتها قد غبرت وجهي عندك، وحجبتني عن استئهال رحمتك، وباعدتني عن استنجاز مغفرتك، ولولا تعلقي بآلائك، وتمسكي بالرجاء لما وعدت أمثالي من المسرفين، وأشباهي من الخاطئين، بقولك " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم " وحذرت القانطين من رحمتك فقلت: " ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون " ثم ندبتنا برحمتك إلى دعائك فقلت: " ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين "[285].
     عن زرارة قال: رأيت داية أبي الحسن موسى عليه السلام تلقمه الأرز وتضربه عليه فغمني ما رأيته فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي: أحسبك غمك ما رأيت من داية أبي الحسن موسى ؟ قلت له: نعم جعلت فداك، فقال لي: نعم الطعام الأرز يوسع الأمعاء ويقطع البواسير، وإنا لنغبط أهل العراق بأكلهم الأرز والبسر فإنهما يوسعان الأمعاء ويقطعان البواسير[286].
     عن موسى بن نصر الرازي قال: قال رجل للرضا عليه السلام: أنت والله خير الناس، فقال له: لا تحلف يا هذا خير مني من كان اتقى لله تعالى وأطوع له والله ما نسخت هذه الآية: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)[287].
     عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال: الامام يولد ويلد ويصح ويمرض ويأكل ويشرب ويبول ويتغوط وينكح وينام وينسى ويسهو ويفرح ويحزن ويضحك ويبكي ويحيى ويموت ويقبر ويزار ويحشر ويوقف ويعرض ويسأل ويثاب ويكرم ويشفع[288].
     عن عبد الله بن طاووس قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام وقلت له: إن يحيى بن خالد سم أباك موسى بن جعفر صلوات الله عليهما ؟ قال: نعم سمه في ثلاثين رطبة، قلت له: فما كان يعلم أنها مسمومة ؟ قال: غاب عنه المحدث. قلت: ومن المحدث ؟ قال: ملك أعظم من جبريل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مع الأئمة صلوات الله عليهم، وليس كل ما طلب وجد، ثم قال: انك ستعمر فعاش مائة سنة[289].
     عن إبراهيم بن العباس يقول: سمعت علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: حلفت بالعتق ألا احلف بالعتق إلا أعتقت رقبة وأعتقت بعدها جميع ما أملك إن كان يرى أنه خير من هذا ( وأومى إلى عبد أسود من غلمانه ) بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن يكون لي عمل صالح فأكون أفضل به منه[290].
     عن علي بن مهزيار قال: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام يتفل في المسجد الحرام فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود ولم يدفنه[291]. رغم رواية جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام ان عليا عليه السلام قال: البزاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنه[292].
     جعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز، عن جماعة من الشيعة منهم علي بن بلال وأحمد بن هلال ومحمد بن معاوية بن حكيم والحسن بن أيوب بن نوح في خبر طويل مشهور قالوا جميعا: اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام نسأله عن الحجة من بعده، وفي مجلسه عليه السلام أربعون رجلا، فقام إليه عثمان بن سعيد بن عمرو العمري فقال له: يا بن رسول الله أريد أن أسألك عن أمر أنت أعلم به مني. فقال له: إجلس يا عثمان، فقام مغضبا ليخرج فقال: لا يخرجن أحد[293].
     قال أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام: إذا ظهر القائم عليه السلام ظهر براية رسول الله صلى الله عليه وآله ، وخاتم سليمان، وحجر موسى وعصاه، ثم يأمر مناديه فينادي: ألا لا يحملن رجل منكم طعاما ولا شرابا ولا علفا، فيقول أصحابه: إنه يريد أن يقتلنا ويقتل دوابنا من الجوع والعطش[294].
 
     ولا يسعنا حصر كل ما جاء في الباب، وفيما أوردنا كفاية. ثم اعلم أن من يستطيع صرف كل هذه الآيات والروايات عن ظاهرها، فهو غير عاجز عن إدخال إبليس الجنة. فتأمل.


[1] مختار الصحاح، 1/ 183

[2] التقريب، لابن قتيبة، 1/ 324

[3] أنظر: بحار الأنوار، للمجلسي، 11/ 89، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، للمجلسي، 25/ 272
الجزء: 25

[4] بحار الأنوار، للمجلسي، 90/ 64

[5] الأمالي، للصدوق، 738

[6] الإعتقادات في دين الإمامية، للصدوق، 96

[7] تفسير القرآن المجيد، للمفيد، 439

[8] تصحيح اعتقاد الإمامية، للمفيد، 129

[9] النكت الإعتقادية، للمفيد، 40

[10] أوائل المقالات، للمفيد، 62

[11] الإنتصار، للشريف المرتضى، 81

[12] تنزيه الأنبياء، للشريف الرضي، 15

[13] الإستبصار، للطوسي، 1/ 371

[14] إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين، للفاضل السيّوري،  304

[15]  الرسالة السعدية، للعلامة الحلي، 75

[16] نقلاً عن كتاب "التنبيه بالمعلوم" للحر العاملي، 59

[17] بحار الأنوار، للمجلسي، 17/ 108، 25/ 350

[18] بحار الأنوار، للمجلسي، 25/ 209

[19] المصدر السابق، 11/ 91

[20] الفوائد الرجالية، لمهدي بحر العلوم، 3/ 219

[21] فرائد الأصول، لمرتضى الأنصاري، 1/ 565

[22] عقائد الإمامية، لمحمد رضا المظفر، 67

[23] كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (تحقيق الآملي)، 471 (الهامش)

[24] بتصرف من منهاج السنة النبوية، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، الفصل الثالث في الأدلة على إمامة على رضي الله عنه

[25] الكافي، للكليني، 8/ 108

[26] الإختصاص، للمفيد، 356

[27] تفسير القمي، لعلي بن إبراهيم القمي، 1/ 358

[28] الأمالي، للصدوق، 637

[29] الإختصاص، للمفيد، 264

[30] تفسير العياشي، لمحمد بن مسعود العياشي، 2/ 310

[31] تفسير العياشي، لمحمد بن مسعود العياشي، 1/ 41

[32] عيون اخبار الرضا، للصدوق، 1/ 274، معاني الأخبار، للصدوق، 124

[33] علل الشرائع، للصدوق، 2/ 553

[34] الأمالي، للصدوق، 257

[35] تفسير القمي، لعلي بن إبراهيم القمي، 1/ 45

[36] معاني الأخبار، للصدوق، 269

[37] علل الشرائع، للصدوق، 1/ 84

[38] الكافي، للكليني، 2/ 289

[39] علل الشرائع، للصدوق، 1/ 92

[40] تنزيه الأنبياء عليهم السلام، للشريف المرتضى، 39، وقال الشهيد الثاني في حكم الإنسان في زمان مهلة النظر: أن الانسان في زمان مهلة النظر إذا أراد أن يعرف الله تعالى به فإن العارف الخمسة نظرية هل هو كافر أو مؤمن ؟ جزم السيد الشريف المرتضى رضي الله عنه بكفره. حقائق الإيمان، للشهيد الثاني، 133

[41] علل الشرائع، للصدوق، 1/ 38

[42] المحاسن، للبرقي، 2/ 335

[43] تفسير العياشي، لمحمد بن مسعود العياشي، 2/ 190

[44] تفسير العياشي، لمحمد بن مسعود العياشي، 2/ 188

[45] الأمالي، للصدوق، 488

[46] تفسير العياشي، لمحمد بن مسعود العياشي، 2/ 176 أنظر أيضاً: تفسير القمي، لعلي بن إبراهيم القمي، 1/ 353

[47] تفسير القمي، للقمي، 1/ 354

[48] تفسير العياشي، لمحمد بن مسعود العياشي، 2/ 177

[49] علل الشرائع، للصدوق، 1/ 55

[50] الدعوات (سلوة الحزين)، لقطب الدين الراوندي، 123

[51] المحتضر، لحسن بن سليمان الحلي، 181

[52] الأمالي، للصدوق، 401

[53] الأمالي، للصدوق، 753

[54] تفسير القمي، لعلي بن إبراهيم القمي، 2/ 145

[55] أعلام الدين في صفات المؤمنين، للحسن بن محمد الديلمي، 433

[56] الأمالي، للصدوق، 152

[57] بحار الأنوار، للمجلسي، 14/ 27

[58] الكافي، للكليني، 5/ 74

[59] الكافي، للكليني، 5/ 58

[60] الكافي، للكليني، 2/ 435

[61] تفسير القمي، لعلي بن إبراهبم القمي، 2/ 229

[62] الأمالي، للمفيد، 285

[63] عيون اخبار الرضا، للصدوق، 2/ 84

[64] الخصال، للصدوق، 28

[65] تفسير القمي، لعلي بن إبراهبم القمي، 2/ 234

[66] تفسير مجمع البيان، للطبرسي، 8/ 359

[67]علل الشرائع، للصدوق، 1/ 71

[68] دلائل الامامة، لمحمد بن جرير الطبري (الشيعي)، 211

[69] مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب، 3/ 281

[70] الكافي، للكليني، 2/ 581

[71] عيون أخبار الرضا، للصدوق، 2/ 219

[72] من لا يحضره الفقيه، للصدوق، 1/ 359

[73] الأنوار النعمانية، لنعمة الله الجزائري، 4/ 36

[74] الكافي، للكليني، 3/ 356

[75] الإستبصار، للطوسي، 1/ 370

[76] تهذيب الأحكام، للطوسي، 2/ 352

[77] تهذيب الأحكام، للطوسي، 2/ 349

[78] تهذيب الأحكام، للطوسي، 2/ 265

[79] الكافي، للكليني، 3/ 294

[80] المصدر السابق

[81] المحاسن، لأحمد بن محمد بن خالد البرقي، 1/ 260

[82] من لا يحضره الفقيه، للصدوق، 3/ 362

[83] النوادر، لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي، 170

[84] الكافي، للكليني، 1/ 442

[85] الكافي، للكليني،1/ 460

[86] الكافي، للكليني، 1/ 543

[87] تفسير القمي، لعلي بن إبراهيم القمي، 2/ 172

[88] الكافي، للكليني، 5/ 494

[89] تفسير القمي، لعلي بن إبراهيم القمي، 2/ 123

[90] الخصال، للصدوق، 578

[91] بصائر الدرجات، لمحمد بن الحسن الصفار، 431، الإختصاص، للمفيد، 200

[92] تفسير العياشي، لمحمد بن مسعود العياشي، 2/ 306

[93] الأمالي، للصدوق، 735

[94] مناقب آل أبي طالب، للمازندراني، 1/ 41

[95] طب الأئمة (ع)، لعبد الله وحسين بن سابور الزيات، 114 انظر أيضاً: تفسير فرات الكوفي - فرات بن إبراهيم الكوفي 619، مكارم الأخلاق - الشيخ الطبرسي 413، مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج 2 / 65، تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي - ج 10 / 492

[96] الأمالي، للصدوق، 648

[97] إعلام الورى، للطبرسي، 1/ 195

[98] تاريخ اليعقوبي، لليعقوبي، 2/ 52

[99] الإرشاد، للمفيد، 1/ 110

[100] الكافي، للكليني، 6/ 315

[101] الأمالي، للصدوق، 294

[102] تفسير القمي، لعلي بن إبراهيم القمي، 2/ 318

[103] مناقب آل أبي طالب، للمازندراني، 2/ 342

[104]  النوادر، لفضل الله الراوندي، 185

[105] تفسير القمي، لعلي بن إبراهيم القمي، 2/ 375

[106] الأمالي، للمفيد، 112

[107] مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب، 3/ 156

[108] الكافي، للكليني، 1/ 272

[109] التوحيد، للصدوق، 444، عيون أخبار الرضا، للصدوق، 1/ 161

[110] مكارم الأخلاق، للطبرسي، 362

[111] تفسير فرات الكوفي، لفرات بن إبراهيم الكوفي، 453

[112] نهج البلاغة، 2/ 201 (من خطبة له عليه السلام بصفين)

[113] نهج البلاغة، 2/ 90

[114] نهج البلاغة، 2/ 127

[115] الأمالي، للطوسي، 728

[116] نهج البلاغة، 4/ 22

[117] تهذيب الأحكام، للطوسي، 3/ 40، الإستبصار، للطوسي، 1/ 433

[118] الكافي، للكليني، 5/ 437

[119] الأمالي، للصدوق، 137

[120] الغارات، لإبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي، 1/ 90

[121] عيون اخبار الرضا، للصدوق، 2/ 265

[122] تفسير فرات الكوفي، لفرات بن إبراهيم الكوفي، 377

[123] الأمالي، للصدوق، 465

[124] الكافي، 1/ 64

[125] بصائر الدرجات، للصفار، 187

[126] الأمالي، للطوسي، 506

[127] الأمالي، للطوسي، 554

[128] بحار الأنوار، للمجلسي، 32/ 556

[129] تفسير القمي، لعلي بن إبراهيم القمي، 2/ 313

[130] الأمالي، للطوسي، 187

[131] الأمالي، للطوسي، 307

[132] تفسير القمي، لعلي بن إبراهيم القمي، 1/ 292

[133] الأمالي، للطوسي، 502

[134] بحار الأنوار، للمجلسي، 10/ 266

[135] بصائر الدرجات، للصفار، 160

[136] وقعة صفين، لابن مزاحم المنقري، 92

[137] وقعة صفين، لابن مزاحم المنقري، 353

[138] الأمالي، للطوسي، 183

[139] بحار الأنوار، للمجلسي، 33/ 538 وقال: وجدت في بعض الكتب أن عزل قيس عن مصر مما غلب أمير المؤمنين عليه السلام  أصحابه واضطروه إلى ذلك ولم يكن هذا رأيه كالتحكيم ولعله أظهر وأصوب.

[140] وقعة صفين، لابن مزاحم المنقري، 489

[141] الأمالي، للمفيد، 295

[142] نهج البلاغة، 1/ 118

[143] نهج البلاغة، 2/ 186

[144] نهج البلاغة، 1/ 90

[145] نهج البلاغة، 4/ 62

[146] نهج البلاغة، 1/ 70

[147] نهج البلاغة، 1/ 127

[148]  نهج البلاغة، 3/ 132

[149] اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، للطوسي، 1/ 279

[150] تهذيب الأحكام، للطوسي، 3/ 70

[151] الأمالي، للطوسي، 52

[152] نهج البلاغة، 1/ 41

[153] مناقب آل أبي طالب، للمازندراني، 1/ 369

[154] الكافي، للكليني، 2/ 648

[155] نهج البلاغة، 4/ 72

[156] تهذيب الأحكام، للطوسي، 1/ 18

[157] كشف الغمة، للإربلي، 2/ 94

[158] شرح نهج البلاغة، لميثم البحراني، 3/ 265

[159] مناقب آل أبي طالب، للمازندراني، 2/ 86

[160] الأمالي، للصدوق، 407

[161] كشف الغمة في معرفة الأئمة، للإربلي، 1/ 365                 

[162] الأمالي، للطوسي، 597

[163] مناقب آل أبي طالب، للمازندراني، 1/ 74

[164] الأمالي، للصدوق، 293

[165] من لا يحضره الفقيه، للصدوق، 3/ 27

[166] تفسير القمي، لعلي بن إبراهيم القمي، 2/ 313

[167] نهج البلاغة، 1/ 118

[168] نهج البلاغة، 2/ 186

[169] نهج البلاغة، 1/ 90

[170] نهج البلاغة، 4/ 62

[171] نهج البلاغة، 1/ 70

[172] اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، للطوسي، 1/ 279

[173] خصائص الأئمة، للشريف الرضي، 78 وقال: والصحيح، أن صاحب هذه القصة، كان ابن أبي رافع وهو الذي كان على بيت ماله

[174] وقعة صفين، لابن مزاحم المنقري، 59

[175] وقعة صفين، ابن مزاحم المنقري، 61

[176] الأمالي، للطوسي، 717

[177] بحار الأنوار، للمجلسي، 42/ 176

[178] وقعة صفين، ابن مزاحم المنقري،379

[179] وقعة صفين، ابن مزاحم المنقري، 249

[180] نهج البلاغة، 2/ 186

[181] الإختصاص، للمفيد، 79

[182] تهذيب الأحكام، للطوسي، 3/ 70

[183] الإرشاد، للمفيد، 1/ 113

[184] الإرشاد، للمفيد، 1/ 160

[185] الإختصاص، للمفيد، 149

[186] الأمالي، للصدوق، 162

[187] بحار الأنوار، للمجلسي، 40/ 287

[188] مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب، 1/ 408

[189] الأمالي، للطوسي، 514

[190]  مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب، 1/ 348

[191] تهذيب الأحكام، للطوسي، 5/ 112

[192] نهج البلاغة، 2/ 186

[193] نهج البلاغة، 3/ 22

[194] قرب الإسناد، للحميري، 52

[195] الأمالي، للصدوق، 552

[196] عيون اخبار الرضا، للصدوق، 2/ 48

[197] تهذيب الأحكام، للطوسي، 5/ 455

[198] مكارم الأخلاق، للطبرسي، 94

[199] الأمالي، للصدوق، 305

[200] الأمالي، للطوسي، 668

[201] الأمالي، للصدوق، 555

[202] كشف الغمة في معرفة الأئمة، للإربلي، 2/ 101

[203] مناقب آل أبي طالب، للمازندراني، 3/ 102

[204] علل الشرايع، للصدوق، 1/ 156 وقال: ليس هذا الخبر عندي بمعتمد.

[205] الكافي، للكليني، 5/ 378

[206] الأمالي، للطوسي، 616

[207] تفسير القمي، لعلي بن إبراهيم القمي، 2/ 355

[208] الأمالي، للصدوق، 197

[209] نهج البلاغة، 3/ 40

[210] علل الشرايع، للصدوق، 1/ 163

[211] بحار الأنوار، للمجلسي، 43/ 146

[212] بحار الأنوار، للمجلسي، 41/ 47

[213] علل الشرائع، للصدوق، 1/ 185

[214] الإحتجاج، للطبرسي، 1/ 145، انظر أيضاً: مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب، 2/ 50

[215] الإمامة والتبصرة، لعلي ابن بابويه القمي، 51

[216] مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب، 3/ 120

[217]  مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب، 3/ 118

[218] تفسير فرات الكوفي، لفرات بن إبراهيم الكوفي، 586

[219] الكافي، للكليني، 5/ 527

[220] بحار الأنوار، للمجلسي، 22/ 493

[221] الإرشاد، للمفيد، 1/ 186

[222] بحار الأنوار، للمجلسي، 13/ 26

[223]  المسترشد، لمحمد بن جرير الطبري ( الشيعي )، 381

[224] نهج البلاغة، 3/ 40

[225] نهج البلاغة، 4/ 52

[226] الكافي، للكليني، 7/ 203

[227] الكافي، للكليني، 6/ 56

[228] الكافي، للكليني، 6/ 56

[229] المحاسي، للبرقي، 2/ 601، يقول يوسف البحراني: وربما حمل بعضهم هذه الأخبار على ما تقدم في سابقها من سوء خلق في أولئك النساء أو نحوه مما يوجب أولوية الطلاق، ولا يخفى بعده، لأنه لو كان كذلك لكان عذرا شرعيا، فكيف ينهى أمير المؤمنين (عليه السلام) عن تزويجه والحال كذلك. وبالجملة فالمقام محل إشكال، ولا يحضرني الآن الجواب عنه، وحبس القلم عن ذلك أولى بالأدب. الحدائق الناضرة، ليوسف البحراني، 25/ 148. وقد عقد الحر العاملي في وسائله باباً لهذه الروايات أسماه " باب جواز رد الرجل المطلاق إذا خطب وإن كان كفوا في نهاية الشرف". وسائل الشيعة، 22/ 9

[230] خصائص الأئمة، للشريف الرضي، 78

[231] كشف الغمة، للإربلي، 2/ 241

[232] تفسير فرات الكوفي، لفرات بن إبراهيم الكوفي، 253

[233] مناقب آل أبي طالب، للمازندراني، 3/ 184

[234] الإرشاد، للمفيد، 2/ 15

[235] الإرشاد، للمفيد، 2/ 16

[236] بحار الأنوار، للمجلسي، 42/ 116

[237] الكافي، للكليني، 3/ 189

[238] بحار الأنوار، للمجلسي، 45/ 190

[239] الكافي، للكليني، 5/ 35

[240] كتاب سليم بن قيس، لسليم بن قيس الهلالي الكوفي، 274

[241] الأمالي، للصدوق، 707

[242] مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب المازندراني، 222

[243] إثبات الهداة، للحر العاملي،  2/ 566

[244] فرق الشيعة، للنوبختي، 25

[245] الأمالي، للصدوق، 389

[246] قرب الإسناد، للحميري، 357

[247] الكافي، للكليني، 2/ 331

[248] الأمالي، للصدوق، 288

[249] الزهد، لحسين بن سعيد الكوفي، 43

[250] مستدرك الوسائل، للنوري الطبرسي، 15/ 427

[251] دلائل الامامة، لمحمد بن جرير الطبري (الشيعي)، 208

[252] الصحيفة السجادية، لزين العابدين، 377

[253] الصحيفة السجادية، لزين العابدين، 476

[254] كشف الغمة، للإربلي، 2/ 329

[255] الأمالي، للطوسي، 647

[256] الكافي، للكليني، 4/ 114

[257] تهذيب الأحكام، للطوسي، 1/ 365

[258] الكافي، للكليني، 2/ 376

[259] الكافي، للكليني، 2/ 382 وقال المحقق: هذا مما يقدح به في زرارة ويدل على سوء أدبه.. ثم حاول تبربر فعله.

[260] بصائر الدرجات، للصفار، 64. قال المجلسي: إحالة الباقر عليه السلام جابرا على موسى عليه السلام غريب، إذ كان ولادته عليه السلام بعد وفاة الباقر عليه السلام بسنين، وكان وفاة جابر في سنة ولادة الكاظم عليه السلام على ما نقل، إلا أن يكون المراد إن أدركته فسله، أو يكون المراد بموسى بعض الرواة، ولم تكن المصلحة في خصوص هذا اليوم، أو تلك الساعة في الجواب. بحار الأنوار، للمجلسي، 23/ 182

[261] الكافي، للكليني، 5/ 336

[262] الكافي، للكليني، 8/ 84

[263] الكافي، للكليني، 2/ 438

[264] اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، للطوسي، 2/ 491

[265] الكافي، للكليني، 6/ 224

[266]  الخرائج والجرائح، لقطب الدين الراوندي، 1/ 278

[267] الأمالي، للصدوق، 234

[268] اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، للطوسي، 1/ 377

[269] تهذيب الأحكام، للطوسي، 5/ 379

[270] مستطرفات السرائر، لإبن إدريس الحلي، 614

[271] بصائر الدرجات، للصفار، 253

[272] تهذيب الأحكام، للطوسي، 5/ 374

[273] الكافي للكليني، 6/ 271

[274] اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي )، للطوسي، 2/ 690

[275] اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي )، للطوسي، 2/ 689

[276] كمال الدين وتمام النعمة، للصدوق، 72

[277] الغيبة، للطوسي، 50

[278] تهذيب الأحكام، للطوسي، 4/ 70

[279] الكافي، للكليني، 2/ 275 والمعروف عند الشيعة ان الأئمة كانوا في خوف من الخلفاء وأنهم كانوا في تقية بسببه.

[280]  الزهد، لحسين بن سعيد الكوفي، 73

[281] بصائر الدرجات، للصفار، 492 انظر أيضاً: الأصول الستة عشر، أصل زيد النرسي، 49

[282] الأصول الستة عشر، أصل زيد النرسي، 49

[283] الكافي، للكليني، 3/ 326

[284] الكافي، للكليني، 2/ 418

[285] مهج الدعوات ومنهج العبادات، لابن طاووس، 253

[286] الكافي، للكليني، 6/ 341

[287] عيون أخبار الرضا، للصدوق، 2/ 261

[288] عيون أخبار الرضا، للصدوق، 1/ 193

[289]: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، للطوسي، 2/ 863

[290] عيون أخبار الرضا ( ع )، للصدوق، 2/ 262

[291] الكافي، للكليني، 3/ 370

[292] تهذيب الأحكام، للطوسي، 3/ 256

[293] الغيبة، للطوسي، 357 (وعثمان بن سعيد بن عمرو العمري هو السفير الأول للمهدي عند الشيعة)

[294] الغيبة، للنعماني، 244

عدد مرات القراءة:
3319
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :