آخر تحديث للموقع :

الجمعة 14 ربيع الأول 1445هـ الموافق:29 سبتمبر 2023م 09:09:39 بتوقيت مكة

جديد الموقع

الفَطَحِيّة ..
الكاتب : فيصل نور ..

الفَطَحِيّة

     فرقة شيعية قالت أن الإمامة بعد وفاة جعفر الصادق رحمه الله في ولده عبد الله المعروف بالأفطح. ويدخلونه بين أبيه وأخيه الكاظم، وقال البعض: أنهم يدخلونه بين الكاظم والرضا[1].
     والاَفطح كما في اللسان: عريض الرأس، ورأس أفطح ومفطّح: عريض[2].
     وقال الطريحي: الأفطح هو عبد الله بن جعفر الصادق ع ، هو أفطح الرأس ، وقيل أفطح الرجلين - أي عريضهما - . ورأس مفطح بالتشديد أي عريض . ورجل أفطح : بين الفتح أي عريض الرأس . وفطحه فطحا : جعله عريضا[3].
     يقول عالم الشيعة المفيد : وكان عبد الله بن جعفر أكبر إخوته بعد إسماعيل ، ولم تكن منزلته عند أبيه منزلة غيره من ولده في الاكرام ، وكان متهما بالخلاف على أبيه في الاعتقاد ، ويقال أنه كان يخالط الحشوية ، ويميل إلى مذاهب المرجئة ، وادعى بعد أبيه الإمامة ، واحتج بأنه أكبر إخوته الباقين ، فاتبعه على قوله جماعة من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ثم رجع أكثرهم بعد ذلك إلى القول بإمامة أخيه موسى عليه السلام لما تبينوا ضعف دعواه ، وقوة أمر أبي الحسن عليه السلام ودلالة حقه وبراهين إمامته ، وأقام نفر يسير منهم على أمرهم ودانوا بإمامة عبد الله ، وهم الطائفة الملقبة بالفطحية ، وإنما لزمهم هذا اللقب لقولهم بإمامة عبد الله وكان أفطح الرجلين ، ويقال إنهم لقبوا بذلك لأن داعيتهم إلى إمامة عبد الله كان يقال له عبد الله بن أفطح[4].
     وقال : وأما الفطحية فإن أمرها أيضا واضح وفساد قولها غير خاف ولا مستور عمن تأمله ، وذلك أنهم لم يدعوا نصا من أبي عبد الله - عليه السلام - على عبد الله وإنما عملوا على ما رووه من أن الإمامة تكون في الأكبر وهذا حديث لم يرو قط إلا مشروطا وهو أنه قد ورد أن الإمامة تكون في الأكبر ما لم تكن به عاهة ، وأهل الإمامة القائلون بإمامة موسى - عليه السلام - متواترون بأن عبد الله كان به عاهة في الدين لأنه كان يذهب إلى مذاهب المرجئة الذين يقعون في علي - عليه السلام – وعثمان وأن أبا عبد الله - عليه السلام - قال وقد خرج من عنده : " عبد الله هذا مرجئ كبير " وأنه دخل عليه عبد الله يوما وهو يحدث أصحابه فلما رآه سكت حتى خرج فسئل عن ذلك فقال : " أو ما علمتم أنه من المرجئة " . هذا مع أنه لم يكن له من العلم ما يتخصص به من العامة ، ولا روي عنه شئ من الحلال والحرام ، ولا كان بمنزلة من يستفتى في الأحكام ، وقد ادعى الإمامة بعد أبيه فامتحن بمسائل صغار فلم يجب عنها ولا تأتى للجواب فأي علة أكبر مما ذكرناه تمنع من إمامة هذا الرجل . مع أنه لو لم تكن علة تمنع من إمامته لما جاز من أبيه صرف النص عنه ، ولو لم يكن قد صرفه عنه لأظهره فيه ، ولو أظهره لنقل وكان معروفا في أصحابه ، وفي عجز القوم عن التعلق بالنص عليه دليل على بطلان ما ذهبوا إليه[5].
    وقال الكشي : هم القائلون بامامة عبد الله بن جعفر بن محمد ، وسموا بذلك : لأنه قيل إنه كان أفطح الرأس ، وقال بعضهم : كان أفطح الرجلين ، وقال بعضهم : انهم نسبوا إلى رئيس من أهل الكوفة يقال له : عبد الله بن فطيح . والذين قالوا بإمامته عامة مشايخ العصابة وفقهاؤها مالوا إلى هذه المقالة ، فدخلت عليهم الشبهة لما روي عنهم عليه السلام أنهم قالوا : الإمامة في الأكبر من ولد الامام
إذا مضى ، ثم منهم من رجع عن القول بإمامته لما امتحنه بمسائل من الحلال والحرام لم يكن عنده فيها جواب ، ولما ظهر منه من الأشياء التي لا ينبغي أن يظهر من الامام . ثم إن عبد الله مات بعد أبيه بسبعين يوما ، فرجع الباقون الا شذاذا منهم عن القول بإمامته إلى القول بامامة أبي الحسن موسى عليه السلام ورجعوا إلى الخبر الذي روي : أن الإمامة لا تكون في الأخوين بعد الحسن والحسين عليه السلام ، وبقي شذاذ منهم على القول بإمامته ، وبعد أن مات قال بامامة أبي الحسن موسى عليه السلام . وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لموسى يا بني : ان أخاك سيجلس مجلسي ويدعي الإمامة بعدي ، فلا تنازعه بكلمة فإنه أول أهلي لحوقا بي[6].
     وقال النوبختي : قالت الفطحية: الاِمامة بعد جعفر في ابنه عبد اللّه بن جعفر الاَفطح، وذلك أنّه كان عند مضيّ جعفر، أكبرُ وُلْدِه سناً وجلس مجلس أبيه وادّعى الاِمامة ووصية أبيه، واعتلّوا بحديث يروونه عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمد أنّه قال: الاِمامة في الاَكبر من وُلْد الاِمام، فمالَ إلى عبد اللّه والقول بإمامته جُلَّ من قال بإمامة أبيه جعفر بن محمد غير نفر يسير عرفوا الحقّ فامْتَحنَوا عبد اللّه بمسائل في الحلال والحرام من الصلاة والزكاة وغير ذلك فلم يجدوا عنده علماً، وهذه الفرقة القائلة بإمامة عبد اللّه بن جعفر هي «الفطحية» وسُمّوا بذلك لاَنّ عبد اللّه كان أفطح الرأس، وقال بعضهم: كان أفطح الرجلين، وقال بعض الرواة: نُسِبُوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له عبد اللّه بن فطيح، ومال إلى هذه الفرقة جلّ مشايخ الشيعة وفقهائها ولم يشكّوا في أنّ الاِمامة في «عبد اللّه بن جعفر» وفي وُلْده من بعده، فمات عبد اللّه ولم يخلِّف ذكراً، فرجع عامة الفطحية عن القول بإمامت هـ سوى قليل منهم ـ إلى القول بإمامة «موسى بن جعفر»، وقد كان رجع جماعة منهم في حياة عبد اللّه إلى موسى بن جعفر عليهما السلام، ثمّ رجع عامتهم بعد وفاته عن القول به، وبقى بعضهم على القول بإمامته ثمّ إمامة موسى بن جعفر من بعده، وعاش عبد اللّه بن جعفر بعد أبيه سبعين يوماً ونحوها[7].
     وكما مر فأن أغلب الشيعة قالوا بإمامته، وهذا الأمر من دلائل بطلان القول بالنص على الأئمة بأسمائهم. ومما يؤكد هذا ما رواة الكشي أيضاً، قال : عن هشام بن سالم ، قال ، كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله عليه السلام أنا ومؤمن الطاق أبو جعفر ، قال ، والناس مجتمعون على أن عبد الله صاحب الامر بعد أبيه ، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس مجتمعون عند عبد الله ، وذلك أنهم رووا عن أبي عبد الله عليه السلام أن الأمر في الكبير ما لم يكن به عاهة . فدخلنا نسأله عما كنا نسأل عنه أباه ، فسألناه عن الزكاة في كم تجب ؟ قال : في مائتين خمسة ، قلنا : ففي مائة ؟ قال : درهمان ونصف درهم ، قال ، قلنا له : والله ما تقول المرجئة هذا ، فرفع يديه إلى السماء ، فقال : لا والله ما أدري ما تقول المرجئة . قال فخرجنا من عنده ضلالا لا ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول ، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى من نقصد والى من نتوجه ، نقول إلى المرجئة ، إلى القدرية ، إلى الزيدية ، إلى المعتزلة ، إلى الخوارج . والرواية طويلة[8].
بقيت هنا أُمور ذكرها السبحاني:
الاَوّل : أنّ أكثر القائلين بإمامة عبد اللّه بن جعفر عدلوا عن رأيهم ، وقالوا بإمامة أخيه موسى بن جعفر بعد إمامة أبيه جعفر الصادق ، وأمّا القليل منهم فقال بإمامة موسى بن جعفر بعد الاَفطح ، فصار عبد اللّه الاِمام السابع ، وأخوه موسى الاِمام الثامن ، وبذلك يتجاوز عدد الاَئمّة عن الاثني عشر ، ولا أظن أنّهم وقفوا على عبد اللّه من دون الاعتقاد بإمامة الآخرين ، وإلاّ كانوا واقفة لا فطحية.
الثاني : الظاهر ممّا نقله الصدوق عن بعضهم أنّ القائلين بإمامة عبد اللّه كانوا معروفين بالشمطية كما أنّ بعض الفطحية قال بإمامة إسماعيل بن جعفر بعد رحيل عبد اللّه ، وإليك نص الصدوق ناقلاً عن بعضهم : قال : قال صاحب الكتاب : وهذه الشمطية تدّعي إمامة عبد اللّه بن جعفر بن محمد من أبيه بالوراثة والوصية ، وهذه الفطحية تدّعي إمامة إسماعيل ابن جعفر عن أبيه بالوراثة والوصية وقبل ذلك إنّما قالوا بإمامة عبد اللّه بن جعفر ويسمّون اليوم إسماعيلية. لاَنّه لم يبق للقائلين بإمامة عبد اللّه بن جعفر خلف ولا بقية ، وفرقة من الفطحية يقال لهم القرامطة ، قالوا بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر بالوراثة والوصية ، وهذه الواقفة على موسى بن جعفر تدّعي الاِمامة لموسى وترتقب لرجعته.
الثالث : بما أنّ أكثر القائلين بإمامة الاَفطح رجعوا عن رأيهم بعد ظهور الحقّ ، فلا ينبغي أن يكون ذلك سبباً لجرحهم ، نعم من بقى منهم على عقيدته ، وآمن بإمامة موسى بن جعفر أو إسماعيل بن جعفر حكمهم حكم سائر فرق الشيعة إذا كانوا متثبتين في القول ، فيوَخذ برواياتهم ، وإلاّ فلا.
الرابع : انّعدّ الفطحية مذهباً ونحلة ، أمر غير صحيح لوجهين :
أحدهما : أنّ القول بإمامة عبد اللّه نشأ عن شبهة ، دخلت في أذهانهم ، ثمّ زالت الشبهة ، ولم يبق إلاّالقليل.
وثانيهما : أنّ النحلة عبارة عن آراء في الاَصول والعقائد أو في الفروع والاَحكام تكون سبباً لتمييز طائفة عن أُخرى ، وأمّا الاتّفاق في عامة الاَصول مع اختلاف في أمر واحد ، كالاعتقاد بإمامة عبد اللّه ، فهذا مالا يبرر عدّ القول به نحلة ، والقائلون به فرقة. نعم ، من يريد تكثير النحل ، وزيادة عدد الفرق ، يصحّ له ذكرهم فرقة من الفرق.
الخامس : انّ الفطحية وإن اشتركت مع الواقفية في مسألة عدم الاعتراف بالاِمام الحقيقي ، ولكن الطائفة الاَولى كانت أقل تعصباً من الاَخرى بدليل أنّهم اعترفوا بإمامة موسى الكاظم عليه‌السلام بعد رحيل إمامهم الاَفطح ، لكن بين مُخطِّىَ نفسه في الاعتقاد بإمامة الاَفطح ، وبين مصوِّب إمامته مع إمامة الكاظم عليه‌السلام إلاّ أنّ الواقفية كانت متعصبة جدّاً حيث وقفت على إمامة موسى الكاظم عليه‌السلام ولم تتجاوزه ، وجرت مناظرات بينهم وبين القطعية الذين قطعوا بإمامة ابن الكاظم ، علي بن موسى الرضا.
يقول المجلسي الاَوّل : واعلم أنّ الفطحية كانوا أقربَ إلى الحقّ من الواقفية ، أو هم أبعد عن الحقّ من الفطحية ، لاَنّ الفطحية لا ينكرون بقية الاَئمّة عليهم‌السلام وكانوا يقولون بإمامتهم ، ولهذا شُبهُوا بالحمير ، بخلاف الواقفة ، فإنّهم شُبهوا بالكلاب الممطورة ، والشيخ ذكر الواقفية في كتاب الغيبة وأبطل مذهبهم بالاَخبار التي نقلوها[9]
وقال العلاّمة المامقاني : لا يخفى عليك أنّ القول بالفطحية أقرب مذاهب الشيعة إلى الحقّ من وجهين :
أحدهما : انّ كلّ مذهب من المذاهب الفاسدة يتضمّن إنكار بعض الاَئمّة عليهم‌السلام ، ومن المعلوم بالنصوص القطعية ، أنّ من أنكر واحداً منهم كان كمن أنكر جميعهم ، والفطحي يقول بإمامة الاثني عشر جميعاً ويضيف عبد اللّه بين الصادق والكاظم عليهما‌ السلام ، فهو يقول بإمامة ثلاثة عشر ، ويحمل أخبار الاثني عشر إماماً على الاثني عشر مِنْ ولد أمير الموَمنين عليهم‌السلام ، فلا يموت الفطحي إلاّ عارفاً بإمام زمانه بخلاف من ماتَ من أهل سائر المذاهب فإنّه يموت جاهلاً بإمام زمانه.
نعم من مات من الفطحية في السبعين يوماً زمان حياة عبد اللّه بعد أبيه مات غير عارف لاِمام زمانه فمات ميتة جاهلية بخلاف من مات بعد وفاة عبد اللّه.
ثانيهما : انّ كلّ مذهب من المذاهب الفاسدة قد تلقّى ممّن يعتقده إماماً من غير الاثني عشر فروعاً مخالفة لفروعنا بخلاف الفطحية فإنّ عبد اللّه لم يبق إلاّ سبعين ولم يتلقّوا منه حكماً فرعياً وإنّما يعملون في الفروع بما تلقّوه من الاَئمة الاثني عشر ، فالفطحية قائلون بالاثني عشر ، عاملون بما تلقّوه من الاثني عشر ، فليس خطأهم إلاّ زيادة عبد اللّه سبعين يوماً بين الصادق والكاظم عليهما ‌السلام ، وإيراث ذلك الفسقَ محلّ تأمّل[10].
يلاحظ على الثاني : بأنّ الواقفية أيضاً مثل الفطحية لم يتلقّوا فروعاً من غير الاَئمّة ، نعم انّ الفطحية أخذوا منهم جميعاً والواقفية اقتصرت على الاَئمّة السبعة ، فما ذكره من الوجه الثاني لا يعد فرقاً بين الطائفتين.
     من مشاهير الفطحية.
     من رواة الشيعة الذين وُصفوا بالفطحية، وهم بين من ثبت على القول بإمامة الاَفطح ومن رجع عنه:
1 ـ أحمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن فضّال بن عمر بن أيمن.
2 ـ إسحاق بن عمّار بن حيّان، مولى بني تغلب، أبو يعقوب الصيرفي الساباطي.
3 ـ الحسن بن علي بن فضال.
4 ـ عبد اللّه بن بكير بن أعين بن سنسن الشيباني الاَصبحي المدني.
5 ـ عبد اللّه بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام.
6 ـ علي بن أسباط بن سالم بياع الزطّي المقري.
7 ـ الاَزدي الساباطي (كوفي).
8 ـ علي بن الحسن بن علي بن فضّال.
9 ـ عمار بن موسى الساباطي.
10 ـ محمد بن الحسن بن علي بن فضّال.
11 ـ محمد بن سالم بن عبد الحميد.
12 ـ مصدق بن صدقة المدائني[11].


[1] أنظر : دراسات في علم الدراية - علي أكبر غفاري 140 ، معجم مصطلحات الرجال والدراية - محمد رضا جديدي نژاد 114 ،  مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج 54 395(ه‍)

[2] لسان العرب، لإبن منظور، 2/ 545، مادة "فطح"

[3] مجمع البحرين، للطريحي، 2/ 400

[4] الإرشاد، للمفيد، 2/ 210

[5] الفصول المختارة - الشيخ المفيد 312 ، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 37 / 14

[6] اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي )، 2/ 546

[7] فرق الشيعة، للحسن بن موسى النوبختي، 77

[8] اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) - الشيخ الطوسي - ج 2 / 565، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 47 / 262

[9] روضة المتقين، لمحمد تقي المجلسي، 14/ 395

[10] تنقيح المقال، لعبدالله المامقاني، ١ / ١٩٣ ، الفائدة السابعة.

[11] أنظر : بحوث في الملل والنحل، لجعفر السبحاني، 8/ 371

عدد مرات القراءة:
2990
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :