الكاتب : فيصل نور ..
القزلباش
قْزْل باش كلمة تركية تعني "ذو الرؤوس الحمراء". وتطلق على جماعات عسكرية شيعية ازدهرت في الأناضول وكردستان، وأسهم بعضهم في تأسيس الدولة الصفوية في إيران. وقد سُموا بذلك نسبة إلى القبعات أو القلنسوات الحمر التي كانوا يلفونها على رؤوسهم، وتحتوي على 12 طيّة أو لفّة، إشارة للأئمة الإثنى عشر.
وكان الأتراك يطلقون هذا الاسم على عموم الفرس الشيعة.
ويُعتبر القزلباش من الصوفية ذات المذهب الشيعي الإثنى عشري، وكان زعيمهم الروحي حيدر أول من نظّم جيش القزل باش، وبعد وفاته استمر ولده إسماعيل شاه الصفوي في الإعتماد عليهم. بل ادّعى أن عليّاً رضي الله عنه هو الذي أوصاه بالاستعانة بهم لتأسيس الدولة الصفوية.
يقول سيوري أن الشاه إسماعيل رأى علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المنام وقال له: ابني لا تدَع القلق يشوش أفكارك أحضِر القزلباشية مع أسلحتهم الكاملة إلى المسجد وأؤمرهم أن يحاصروا الناس، وإذا أبدى هؤلاء أية معارضة أثناء الخطبة باسم أهل البيت فإن الجنود ينهون الأمر[1]. وفعل الشاه إسماعيل ما طلب منه في الجمعة مع أتباعه القزلباشية، وحاصر جامع تبريز وأعلن سيادة المذهب الإمامي الأثني عشري بقيادة الدولة الصفوية.
ويقول المؤرخ الإيراني أمير حسين خنجي : كان اهتمام السلاطين العثمانيين كله موجها إلى أوروبا، إلى ما قبل حرب تشالديران" جالديران"، وكانوا يواصلون فتوحاتهم في أوروبا الشرقية. ولم يبد السلطان العثماني بايزيد الثاني، رد فعل تجاه الدولة الصفوية عندما نشأت هذه الدولة في إيران، على الرغم من أن كثيرا من كبار إيران وعظمائها كانوا قد فروا من البلاد بسبب مظالم القزلباش ولجأوا إلى الدولة العثمانية وطلبوا منه التدخل.
ولكن التحريضات التي كان القزلباش يقومون بها في أراضي تلك البلاد، أدت إلى حرب تشالديران وضم الأراضي الإيرانية في أرزنجان وديار بكر وجزء من كردستان إلى الأراضي العثمانية في أعقاب ذلك.
لقد حول السلطان سليم اهتمامه إلى أوروبا بعد ذلك أيضا، وكانت خطة السلطان سليم هي أن يستولي على فينسيا - " هي التي يسميها العرب البندقية"، وجنوا، ليجرد الجيش من هناك إلى الأندلس " أسبانيا "- " قلت: ولم يكن ذلك مستحيلا على هذا السلطان لأنه كان أحد كبار عباقرة الحرب في تاريخ البشرية ".
كان الحكم الإسلامي لغرناطة في الأندلس قد انقرض قبل 22 سنة من حرب تشالديران على أيدي النصارى الأسبان، وانطوت سلطة مسلمي الأندلس، ولقي مسلمو الأندلس جميعا مصرعهم أو شردوا في شمال أفريقية، وأغرق سقوط الأندلس كل مسلمي العالم في مأتمٍ وحداد. وكان سليم يفكر منذ بداية حكمه في استعادة الأندلس من أيدي نصارى أوربا وتكوين دولة إسلامية في الأندلس مرة ثانية.
وسعيا وراء هذا الهدف أصدر أوامره للقوات البحرية العثمانية، بأن تصنع مائة سفينة حربية، وأن تجهزها بأحدث العتاد والمعدات العسكرية، وأكثرها كفاءة، وحدث في هذه الأثناء موضوع تجريد السلطان جيوشه إلى إيران.
لقد ظهرت أحداث معقدة وغامضة أيضا في الشرق الأوسط بعد حرب تشالديران مباشرة، وصرفت هذه الأحداث اهتمام السلطان عن خطة فتح أوروبا، ووجهته إلى البلاد العربية.
إن الربط بين تواجد الأوروبيين وسط القزلباش الصفويين كتجار وظهور الأمور التي حولت اهتمام السلطان سليم إلى إيران والبلاد العربية أمر صعب وعسير بالنسبة لكاتب التاريخ، ولا يمكن في غياب الوثائق التاريخية أبداء رأي قاطع في مثل هذا الشأن، ولكن بعض الإشارات تؤيد هذا الظن، فنصوص الرسائل المتبادلة على سبيل المثال بين شارل الخامس إمبراطور إسبانيا وألمانيا وهو لندا وبعض إيطاليا، والشاه إسماعيل - الذي اقترح كل واحد فيهما على الآخر أن يتحدا ويهاجما الدولة العثمانية من الشرق والغرب- تدل على التواجد الفعال للجواسيس الأوروبيين في صفوف القزلباش.
وقد ذكر الشاه إسماعيل في رسالته إلى شارل أنه أرسل رسالة إلى ملك البرتغال كذلك، وأنه ينتظر منه الرد، وأرسل رسالة أخرى إلى ملك المجر.
ويؤكد الشاه إسماعيل في رده على رسالة لشارل الخامس على الاتحاد بينهما، ويقول له: " وكما تقول فإنني أريد أن يكون كل منا حليفا للآخر في السراء والضراء، وإذا ما تخلى أحدنا عن الآخر فإنه يستحق عقاب الله القهار، وعليك بناء على هذا أن تُقدم على إعداد الجيش بأقصى سرعة".
إن هذا الأمر يقوي ظننا في الوجود الفعال للجواسيس الأوروبيين في بلاط الشاه إسماعيل. وكما ورد في رسالة الملك شارل فإن حامل رسالة الشاه إسماعيل كان " قسيسا مارونيا " من أهل جبل عامل بلبنان، وكان يدعى بطرس.
يهتم بعض المؤرخين بالربط بين حرب تشالديران التي كانت فاتحة الحرب الطويلة الأمد بين الدولة العثمانية وإيران وانصراف العثمانيين عن فتح أوروبا من ناحية والتحركات السرية للجواسيس الأوروبيين في الدولتين من ناحية أخرى.
وما يمكن قوله وهو صحيح أيضا أن منازعات الدولة العثمانية وإيران صرفت أنظار تلك الدولة تماما عن أوروبا التي كانت لديها خطط طويلة وبعيدة المدى بالنسبة لها، وأنقذت أوروبا من خطر محتم.
وقد أعطى المؤرخون الغربيون كل هذه الأهمية لظهور القزلباش في إيران بسبب أنهم اشعلوا النزاعات الطويلة الأمد بين العثمانيين والإيرانيين مع توليهم زمام الأمور في إيران وقيامهم بتحريض أنصارهم في الأناضول، وأبعدوا أنظار العثمانيين عن أوروبا، وخلصوا الأوروبيين من الخطر المؤكد.
لقد كان القزلباش بمثابة هدية سماوية تسببت في نجاة أوروبا من السقوط في يد العثمانيين " المسلمين".
إن كلمة "لو" لا مجال لها في الأبحاث التاريخية، ولكن لو لم يظهر القزلباش في إيران، ولو لم تبدأ الحروب بين إيران والدولة العثمانية، لأمكننا بالمعرفة التي لدينا عن وضع أوروبا في ذلك الوقت ووضع الجيش العثماني الإدعاء بأن مسيرة التاريخ في أوروبا كانت ستأخذ طريقا آخر بالتأكيد، وكان التاريخ سيتغير بالتبعية.
ويمكن بالتأكيد الإدعاء بأن ظهور القزلباش في إيران وخلقهم للأخطار في الدولة العثمانية كان العامل الوحيد الذي أبعد اهتمام العثمانيين عن أوروبا وحوله إلى الشرق.
وبعبارة أخرى فإن ظهور القزلباش الصفويين كان العامل الأهم الذي منع استمرار انتشار الإسلام في الغرب، وحول أنظار العثمانيين عن أوروبا إلى بلاد الشرق مما نتج عنه نجاة الحضارة الغربية ووصول البشرية إلى وضعها الحالي.
لقد تسببت تحريضات الأوروبيين كذلك في الحروب الطويلة الأمد بين إيران والدولة العثمانية بعد ذلك، وشغلت الدولة العثمانية بالشرق لقرنين قادمين[2].
[1] إيران في العصر الصفوي ، لراجر سيوري، 64
[2] أنظر : إيران الصفوية كيف صار الإيرانيون شيعة صفويين؟، لأمير حسين خنجي، ترجمة الدكتور أحمد حسين بكر، 245