آخر تحديث للموقع :

الجمعة 2 رمضان 1444هـ الموافق:24 مارس 2023م 01:03:19 بتوقيت مكة

جديد الموقع

المدرسة التفكيكية ..
الكاتب : فيصل نور ..

      مدرسة فكرية شيعية، اتخذت من مدينة مشهد الإيرانية مبعثاً لها، ومن مدينتي قم وأصفهان فروعا لأفكارها.
     والتفكيك في اللغة بمعنى الفرز والفصل والتنقية، وجعل الشيء خالصاً، ومدرسة التفكيك هي مدرسة تُعنى بضرورة التفكيك بين ثلاثة مسالك معرفية في تاريخ الفكر الإنساني وهي :

  1. المسلك القرآني.

  2. المسلك العرفاني.

  3. المسلك الفلسفي.

تهدف هذه المدرسة أساساً إلى فهم المعارف القرآنية فهماً خالصاً ونقياً بعيداً عن عملية التأويل والمزج بينها وبين الأفكار والمذاهب والنحل الأخرى، وكذلك بعيداً عن التفسير بالرأي وعن محاولات التحميل والإسقاط كي تبقى حقائق الوحي وأسس ومنطلقات (العلم الصحيح) نقية ومصونة لا تعكر صفوها معطيات الفكر الإنساني ولا يشوبها الذوق الإنساني[1].
 
     تعود جذور هذه المدرسة إلى جملةٍ من تعاليم عددٍ من علماء الدين في القرن الأخير، ويذكر الأستاذ محمد رضا الحكيمي وجوهاً ثلاثة رئيسية، يراها أركاناً ثلاثة لها، وهي :

  1. موسى الزرآبادي القزويني (1294 - 1353هـ).

  2. والميرزا مهدي الغروي الإصفهاني (1303 - 1365هـ).

  3. مجتبى القزويني (1318 - 1366 هـ).

     إلاّ أنّ الميرزا مهدي الإصفهاني يعدّ ـ من بين الثلاثة المشار إليهم ـ المؤسّس الحقيقيّ للقراءة التفكيكية، فقد قيل عنه : الميرزا مهدي الإصفهاني مؤسّس هذه المدرسة، ومن تنبثق هذه الحركة الفكرية من رؤاه وأفكاره،  وقد كان الإصفهاني معارضاً للفلسفة وللدراسات العقلية السائدة في المدارس الفلسفية في الحوزة، فاصلاً ما بين سبيل الدين وسبيل العقل الفلسفي، كما عدّ نفوذ التصوّف والفلسفة في العالم الإسلامي مؤامرةً هدفت إبعادَ الناس عن أهل البيت،  وقد صنّف الإصفهاني حركة الترجمات المشهورة مشروعاً مدروساً في هذا المجال : إن المطّلع على سياسة الخلفاء يتضح له ـ مثل الشمس ـ أن علّة ترجمة الفلسفة اليونانية وترويج المذهب الصوفي المستقى من اليونان لم تكن سوى محاولةٍ للتغلّب على علوم أهل البيت وقطع حاجة الناس إليهم، وذلك عندما فتحوا الباب على مصراعيه للمسائل كافّة أن يتحدّث فيها عبر منافذ الترجمة.
     وقد تعدّى الإصفهاني ذلك إلى القول بأن سبيل الشرع مختلفٌ تماماً عن سبيل العقل البشري، ذاكراً أن القرآن المجيد جاء على أكمل وجهٍ وأتمّ بيان لهدم أساس العلوم البشرية وقلعها من الجذور .
     ويخرج الإصفهاني في نهاية المطاف بهذه النتيجة وهي: ليس هناك أيّ مشترك ما بين العلوم البشرية والعلوم الإلهية، والتي يَسِمُها بالعلوم الجديدة، ذلك أنّها مختلفة عن سنخ العلوم البشرية القديمة، مصنفاً ذلك الباب الأوّل من أبواب الهداية، إنه يصرّ دوماً في مطاوي هذا الكتاب على هذا الفصل ما بين نوعي العلوم، فبعد نقله جملة موضوعات عديدة، يقوم الصفهاني بإجراء مقارنات، مدلّلاً على اختلاف سبيل الشريعة عن العلوم البشرية، مؤكّداً أن العلوم البشرية تمثل عين الجهالة، وأظلم ما هناك من ظلمات.
     أمّا السيّد موسى الزرآبادي فكان هو الآخر من أركان هذه المدرسة وأعمدتها، فإضافةً إلى العلوم النقلية كان الزرآبادي من طلاب الفلسفة الإسلامية ودارسيها، بل كانت له نتاجات بادية في هذا المضمار، مثل حاشيته على منظومة السبزواري، وشرحه لـ (سلامان وأبسال) لابن سينا.
     أما الرجل الثالث الأكثر تأثيراً في هذه المدرسة، فكان الشيخ مجتبى القزويني، كان هذا الرجل مفسّراً للقرآن مشهوراً، وله تأثير راسخ على التفكيكيين المعاصرين، وقد انشغل القزويني أربعين عاماً في تدريس العلوم النقلية والعقلية في مدينة مشهد المقدّسة، مربياً فريقاً من التلامذة البارزين، بيان الفرقان أهم كتب القزويني، كتبه باللغة الفارسية في خمسة مجلّدات، وقد استوعب الكتاب مجمل الأصول العقائدية الدينية.
     وعلى غرار من سلفه، اعتقد القزويني أن طريق الدين مختلف تماماً عن طريق الفلسفة والعرفان، وهو انفصال كان له وجود في غابر الزمان أيضاً، يقول: من الواضح لأرباب الاطلاع الواردين طريق فقهاء آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، وهم أنصار القرآن المجيد وأتباع سيد المرسلين، ممتاز منذ قديم الأيام عن طريق فلاسفة اليونان وعرفاء الصوفية، كما أنّ أتباع الفلسفة والعرفان مختلفون عن بعضهم البعض، فكلّ يرى طريقه الحق وسبيل غيره الباطل، ولم تكن لديهم مخاوف من مخالفة بعضهم بعضاً، ولهذا كان كل واحد منهم يتبرّئ من الآخر، إنها لمسلّمةٌ مخالفةُ سبيل القرآن والسنّة لطريق الفلسفة.
 
     وإذا ما تخطّينا مؤسّسي المدرسة أو جيلها الأوّل، وبلغنا الجيل الثاني، وجدنا أبرز ممثل للمدرسة، بل واضع اسمها الجديد، متجلّياً في الأستاذ محمد رضا الحكيمي، فقد كان واحداً من طلاب حوزة مشهد العلمية، وتلميذاً مباشراً للشيخ مجتبى القزويني، حيث أخذ أصول المدرسة ومبادئها منه.
     ويرتبط اسم المدرسة التفكيكية اليوم باسم الحكيمي، فقد نذر نفسه ووقفها للدفاع عن هذه المدرسة وشرح تصوّراتها وأفكارها، والمنافحة عن تعاليمها ومبادئها، وقد كانت المرّة الأولى التي كتب فيها الحكيمي مقالاً يحمل اسم: المدرسة التفكيكية، قد جاءت في شهرية: كيهان فرهنكي (العالم الثقافي) ، حيث سرد فيه أهم مبادئ المدرسة وأصولها.
     وفيما بعد، اعتبر الحكيمي أن هدفه من وراء كتابة ذلك المقال تركّز في أمور ثلاثة :

  1. شرح التفكير التفكيكي.

  2. المصالحة بين الاتجاهين الفكريين : التفكيكي وغيره.

  3.  التعرّض لذكر عدد من العلماء الربانيين التفكيكيين.

     رغم أن الأستاذ الحكيمي كان يواصل بجهوده طريقَ مؤسّسي مدرسة التفكيك، ويعلن أن أفكاره مطابقةً لأفكارهم، إلاّ أن الذي يبدو لنا أنه أحدث درجةً من التغيير في مبادئهم وأساسيّاتهم، مقدّماً قراءةً جديدة عن المدرسة هذه المرّة، من هنا فما نعرفه اليوم باسم: المدرسة التفكيكية، لا يصحّ اعتباره مطابقاً ومماهياً لما قاله مؤسّسوها.
     والذي يبدو أنّ ما يقدّمه لنا الحكيمي على أنه المدرسة التفكيكية يغاير ـ في الحدّ الأدنى ـ رؤى مؤسّسي المدرسة في مسائل رئيسية ثلاث هي :

  1. العلاقة ما بين الوحي والعقل والكشف.

  2. الاهتمام بالفلسفة والفلاسفة.

  3. البعد الاجتماعي ـ السياسي لمدرسة التفكيك.

     يذهب مؤسّس المدرسة التفكيكية إلى الانفصال الكامل ما بين الدين والعقل والعرفان، حتى أنه يركّز على المبدأ القائل بأنّ العلوم الإلهية إنما جاءت لاجتثاث العلوم البشرية ، وأنه لا سبيل إطلاقاً لمعرفة الله تعالى إلاّ عبر سبيل الوحي، وأن نوعيّة العلوم الإلهية مختلفة ومتمايزة عن سنخ العلوم البشرية تمايزاً تاماً، فالعلوم البشرية ـ بتمامها ـ جهالةٌ وظلام.
     أما الأستاذ الحكيمي، فهو يؤكّد ـ وهو يعرض هذا المبدأ ـ على الامتياز بين نوعي العلوم، كما سنرى لاحقاً، إلاّ أنه ربما ادعى أحياناً أن النسبة ما بين الفلسفة الإلهية الإسلامية والوحي القرآني ليست تبايناً كلياً، وإنما عدم التساوي الكلي ،  وبهذا يظهر بوضوح هذا العدول الجليّ عن المبدأ الرئيس في المدرسة التفكيكية، مع الحكيمي نفسه.
     يعدّ المؤسّسون الأوائل لمدرسة التفكيك كلاً من الفلسفة والعرفان ظواهر خارجة تماماً عن الإسلام، ومغايرة للدين، وقد كانوا يذهبون إلى أنّهما إنما أتيا من اليونان، وأن الخلفاء سعوا إلى ترويج هذه العلوم لسدّ باب أهل البيت،  ومنع الناس عن الرجوع إلى آل الوحي، ويعتقد الميرزا الإصفهاني أن هذه الدوافع الخاطئة شاهد على عدم صحّة الفلسفة والعرفان، كما ينقل ـ بعد قوله هذا ـ قصةً معارضة للفلسفة، تتضمّن حديثاً عن المأمون العباسي، وأنه حيث أراد توقيع اتفاق صلح ووقف إطلاق نار مع ملك قبرص، طلب منه الكتب اليونانية، وقد كانت هناك في خزانة هذا الملك مجموعةٌ من هذه الكتب لم يكن لأحد طريقٌ إليها، وبعد طلب المأمون، تشاور الملك مع المقرّبين منه في الموضوع، وقد خالف الجميعُ إرسال هذه الكتب إلى المسلمين، باستثناء قسّيس واحد اقترح على الملك إرسالها إليهم، قائلاً: إن هذه العلوم لا تغدو شرعيّةً في دولةٍ إلاّ بعد أن تُفسدها وتوقع الفُرقة والاختلاف بين علمائها.
     ثم ينقل الإصفهاني بعد ذلك أحاديث من هذا النوع، لا تخلو قراءتها من طرفةٍ ولطافة، إلاّ أن المدرسة التفكيكية الأولى على أي حال لم تكن ترى للفلسفة ولا العرفان أية قيمةٍ أو اعتبار، بل كانت تعتبر العرفاء والفلاسفة مدّعينَ الاستغناءَ عن أهل البيت.
     وفي هذه النقطة أيضاً، نلاحظ امتياز الحكيمي في قراءته للمدرسة التفكيكية، فقد أكّد في مواضع مختلفة على أنّ الفلسفة والعرفان يملكان قيمةً واعتباراً ومكانة، وأن المدرسة التفكيكية لم تكن بصدد رفضهما رفضاً مطلقاً، إنما طالبت بوضع حدود لهما وتعيين هذه الحدود تعييناً دقيقاً، إنّ المدرسة التفكيكيّة تكرّم الفلاسفة والعرفاء، لكنّها لا ترى موضوعات الفلسفة والعرفان متطابقةً تماماً ـ ومائة في المائة ودائماً في كل الموضوعات والمسائل والموارد ـ مع أسس الوحي وبناءاته،  بل يرى الحكيمي ضرورة مطالعة الفلسفة ودرسها في بعض الحالات، ولبعض الأشخاص، وضمن ظروف وشرائط خاصّة ، محاولاً تقديم تصوير تفكيكي عن الملا صدرا، ليدّعي بعد ذلك أنه ـ أي الحكيمي ـ حرّره (أي الملا صدرا) من التكفير عبر ذلك.
     وإضافةً إلى ذلك كلّه، يدعو الحكيمي في مقالته حول الاجتهاد والتقليد في الفلسفة إلى ضرورة التجديد، معتبراً أن احترام الفلسفة والفلاسفة يجب أن يصاحبه إعادة نظر في محتوى الفلسفة الإسلامية من جهات ثلاث هي: 1 ـ النقد. 2 ـ التجديد. 3 ـ التكميل، وقد تحدّث الحكيمي في مقالته هذه عمّا اعتبره الفلسفة الحيوية المتجدّدة الحراكية.
  من هذه الجهة نلاحظ أيضاً أن الحكيمي يعدل عن الأصل الأصيل القاضي بمخالفة الفلسفة، مما كان أخذ به مؤسّس هذه المدرسة نفسها، ولهذا وجدناه يعيد النظر في مبادئ المدرسة وأصولها، ومن الجدير ذكره أن موقف الحكيمي من المسألتين المشار إليهما أعلاه لم يكن واحداً ومستقرّاً، بل وجدنا فيهما تأرجحاً، يُشار إليه في محلّه[2].
     يقول محمد رضا الحكيمي الذي يتزعم هذه الحركة اليوم، في شرحه العام لمدرسة التفكيك: التفكيك في اللغة يعني الفصل بين شيئين، وكذلك تأصيل شيء ومنحه الصفاء والخلوص .. والمدرسة التفكيكية تعني المدرسة التي تفصل ما بين سبل المعرفة الثلاثة، ومدارس الفكر الثلاث التي عرفتها الإنسانية في تاريخها العلمي والفكري، أي: سبيل القرآن ومدرسته، وسبيل الفلسفة ومنهجها، وسبيل العرفان ومسلكه.
     وتهدف هذه المدرسة أيضاً إلى تصفية المعارف القرآنية، وتخليصها وتنقيتها، بعيداً عن الممارسات التأويلية، والاختلاطات الفكرية مع النحل الأخرى والأنظار الوافدة، والتخلّي ــ كما التنحّي ــ عن ممارسة أشكال التطويع أو التفسير بالرأي، حتى تبقى حقائق الوحي، وأصول العلم الصحيح محميةً من أي دخيل، ومصونةً عن أن تغدو مشوبةً بالأذواق البشرية ومعطيات الفكر الإنسان[3].
     تقوم فكرة التفكيك على ضرورة فصل المناهج فصلاً تاماً تقريباً، واعتبار الخلط المنهجي في الدرس الديني أكبر خطأ تاريخي وقع فيه المسلمون، ويعني التفكيكيون بفصل المناهج، فصلَ المنهج الفلسفي عن المنهج الديني القائم على فهم نصوص الوحي من جهة، وفصل المنهج الديني المذكور عن المنهج العرفاني الكشفي الصوفي القائم على شهود القلب من جهة أخرى، فلا يمكن فهم الدين من العقل الفلسفي، كما لا يمكن بلوغه من قلوب الإشراقيين الشهوديين.
     إنّ هذا الفصل أحرج المدرسة التفكيكية، ذلك أنّه سمح لخصومها المحدَثين بتصويرها حركةً أخبارية، سلفية، ظاهرية، متزمّتة، وهو ما أنكرته المدرسة التفكيكية بقوّة وشدّة.
     ولكي تعيد رسم تصوّراتها لمصادر المعرفة الدينية، وفقاً للتفكيك المشار إليه، عمدت الحركة التفكيكية إلى دراسة العقل وحجيّته، معتبرةً أنّ العقل العملي أساس لا ينبغي الحياد عنه، وبهذا تلاقت المدرسة التفكيكية بقوّة ــ هذه المرّة ــ مع الاتجاه الكانطي في الثقافة العالمية، دون أن تنكر دور العقل النظري، بل أبقت عليه في حدود البديهيات، غير أنّها لم تسمح للقسم النظري الموغل في النظرية منه بالدخول إلى ساحة الدين، وإن قبلت به حَكَماً في مجالات الفكر، والعلم، والثقافة الأخرى، مثل الطب، والرياضيات، والنجوم و .. ومعنى ذلك، شرعيةً مطلقةً للعقل العملي، وأخرى مطلقة للعقل النظري خارج حدود النطاق الديني، والاعتراف به أيضاً في حدود البديهيات حتى داخل الدين.
     وهذا ما حصل أيضاً مع تيار الكشف والشهود، فلم ينكر التفكيكّيون الكشف والشهود بقدر ما أرادوا إنكار مساهمته الموغلة في تفسير النصّ الديني[4].
 
المحاور والمرتكزات الأربعة للمدرسة التفكيكية :

  1. تجاوز مفاهيم وتعريفات وأصول الفلسفة وعدم إدخالها في فهم النص الديني.

  2. الرجوع إلى أهل اللغة لفهم معاني المفردات اللغوية.

  3. الرجوع إلى المعصوم وحده في فهم القرآن.

  4. الاعتماد على كاشفية العقل والعلم.

 
 
     ومع أن التيار السائد في الحوزة العلمية هو الداعي للرجوع للنص بعيداً عن مؤثرات الفلسفة وآلياتها، إلا أن تيار مدرسة التفكيك لم يتبلور كمدرسة فكرية ذات أسس منهجية واضحة إلا في بداية القرن الرابع عشر للهجرة، حيث تأسست في خراسان مدرسة نشطت بشكل كبير وبدأت معالمها تتضح وخياراتها تتبلور مع مجيء المؤسس الميرزا مهدي الأصفهاني (1303 - 1365 هـ/1885 ـ 1946 م)، ويأتي بعد الأصفهاني تلامذته الذين أخذوا المعارف منه وتلقوا أصول العقائد والحكمة عنده، وهم كثيرون لكن أبرزهم

  1. مجتبى القزويني (1318 - 1386 هـ/1900 - 1966 م)، وأبرز مؤلفاته التي ضمَّن فيها فكر ورؤى مدرسة التفكيك والذي يعد أحد أهم كتب المدرسة هو (بيان الفرقان)، وهو كتاب من خمسة مجلدات.

  2. محمد كاظم المدرسي (ت 1414 هـ/1994 م) فقيه عارف وهو أحد تلامذة الميرزا الأصفهاني البارزين، ألف كتاباً مهماً يندرج ضمن الكتب المنهجية لمدرسة التفكيك أسماه (بحوث في العلم)، كما أنه سعى بكل جد لتربية جيل من الفقهاء يحمل رسالة وفكر المدرسة، وبالفعل ربى أهم شخصية وأبرز فقيه وصل بالمدرسة إلى كمالها ونضوجها، وهو محمد تقي المدرسي.

  3. الميرزا حسن علي مرواريد (1329 - 1425 هـ/1911 - 2004 م) وهو أحد تلامذة الأصفهاني الذين كان لهم دور بارز في حوزة خراسان، حيث قام يتدريس معارف أهل البيت وتخرج عليه العديد من الطلبة والعلماء، وساهم بشكل مباشر في تكريس فكر مدرسة التفكيك في حوزة خراسان حتى أصبح التيار السائد هناك هو تيار مدرسة التفكيك، وجاء كتابه (تنبيهات حول المبدأ والمعاد) ليبرز فيه خلاصة رؤية مدرسة التفكيك حول وجود الله جلت قدرته والبراهين الدالة عليه، وحول الأدلة المثبتة للمعاد، وقد اختار هذين الأمرين لأن الفلسفة البشرية جاءت بالكثير من الأفكار الخاطئة حولهما، كنظرية وحدة الوجود، والقول بالمعاد الروحاني وغيرها.

  4. محمد باقر الملكي الميانجي (1324 - 1418 هـ/1906 - 1998 م)، وقد درس عند الاصفهاني الفقه والأصول والمعارف والعلوم الإسلامية، كما درس قبل ذلك عند مجتبى القزويني المباحث العقائدية ومعارف أهل البيت ودروساً في نقد الفلسفة، وقد ألف الميانجي العديد من الكتب التي يوضح فيها رؤية مدرسة التفكيك أهمها: توحيد الإمامية، ومناهج البيان في تفسير القرآن، وبدائع الكلام في تفسير آيات الأحكام، كما أن لديه تقريرات لدرس أصول الفقه للميرزا الأصفهاني، وتصب هذه الكتب في توضيح منهج مدرسة التفكيك في تنقية المعارف الدينية من الأفكار الفلسفية والعرفانية.

  5. الميرزا الشيخ جواد الطهراني (1325 - 1410 هـ/1907 - 1989 م)، الذي ركز جهده في الدفاع عن مدرسة التفكيك، كما قام بجهد كبير في نقد مدرسة العرفان من خلال تأليفه القيم: عارف وصوفي چه مي كويند؟ (العارف والصوفي ماذا يقولان؟) إذ يعتبر هذا الكتاب أبرز مؤلفات تلامذة الميرزا الأصفهاني الذي قدَّم فيه نقداً شديداً لمنهج العرفان وما مثلَّه هذا المنهج من امتداد للفكر الفلسفي، كما ركز نقده على الفكر الفلسفي من خلال كتابه الآخر (ميزان المطالب) الذي خصصه للبرهنة على أصول الدين من خلال استدعاء النص الديني وتبيان أغلاط الفلاسفة في مباحث التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد.

  6. علي النمازي الشاهرودي (1333 - 1405 هـ/1915 - 1985 م)، وهو فقيه عالم له تحقيقات مهمة في علم الرجال والحديث، وبلغ من الاهتمام بعلم الحديث ومعرفته حتى وصفه أحد الفقهاء المعاصرين بأنه مجلسي زمانه، كما أنه كان ملماً بالفلسفة متضلعاً في بحوثها، ويعد من الشخصيات البارزة على صعيد تطوير ونشر فكر مدرسة التفكيك، أبرز كتبه التي أبرز فيها فكر مدرسة التفكيك هي: (مستدرك سفينة البحار)، و (أبواب رحمت)، خصصه للبحث في أصول الدين، و (تاريخ الفلسفة والتصوف)، وهو كتاب أوضح فيه نظرة مدرسة التفكيك لمنهجي الفلسفة والتصوف، و (رسالة تفويض)، و (رسالة علم غيب إمام)، وغيرها من الكتب الذي سعى من خلالها لإبراز ضرورة تفكيك المعارف الدينية عن المعرفة البشرية.

  7. محمد جواد بن المحسن بن الحسين الخراساني (1331 - 1397 هـ/1913 - 1977 م)، وهو أحد شارحي أراء مدرسة التفكيك، وقد منحه أستاذه الأصفهاني إجازة الاجتهاد، أبرز كتبه التي أوضح فيها آراء مدرسة التفكيك هو (هداية الأمة إلى معارف الأئمة) وقد حمل فيه على الفلسفة والتصوف، واعتبر كتابه هذا أول كتاب من نوعه، حيث شرح فيه فقط مسألة التوحيد وما يتعلق بها من قضايا، لكن ما يلفت النظر أنه يختلف مع كل أقطاب مدرسة التفكيك في مسألة اعتبار المعرفة بالله تعالى فطرية بمعنى كونها مركوزة في فطرة الإنسان، حيث يرفض هذا الرأي ويناقشه، ويسعى لتوجيه الآيات والروايات التي جاءت في تعريف الفطرة والتي استند عليها أقطاب مدرسة التفكيك وغيرها من المدارس الفكرية.

     إن الحديث عن تلامذة الأصفهاني له أهمية كبرى إذ تبرز لنا عمق تأثير هذه المدرسة في تكوين العقل الشيعي المعاصر، إذ خرَّجت هذه المدرسة جيلاً من الفقهاء الذين ساهموا بشكل كبير في إعادة توجيه الفكر الديني داخل الحوزة العلمية التي تعتبر المؤثر الأول والأكبر في تشكيل الوعي والفكر الشيعي، وإذا نظرنا لعمق تأثير مدرسة التفكيك فإنه يمكننا القول: إنها أقوى المدارس الفكرية والمعرفية داخل الحوزة العلمية، وأحد الدلائل لذلك هو وصول روادها وحملة فكرها لأعلى مراتب التوجيه داخل الحوزة، ففي العصر الراهن نلحظ أن أكبر شخصية سياسية مؤثرة في إيران والمنطقة عموماً وهو مرشد الجمهورية الإسلامية علي الخامنئي أحد أنصار هذا الفكر ويلاحظ أنه بعد توليه منصب ولاية الفقيه دعم وساهم في نهضة مهمة لحقل الدراسات القرآنية على حساب الفلسفة التي بدأت تتراجع داخل الحوزة، وشخصية أخرى مؤثرة ولها نفوذ واسع داخل الحوزة هو علي السيستاني الذي يعد أحد تلامذة الأصفهاني المباشرين ولا زالت آراؤه تفرض حضورها في بحث الخارج الذي يلقيه على طلبته، وفي قم هناك شخصية بارزة على صعيد دراسات البحث الخارج وهو المرجع الديني حسين وحيد الخراساني الذي يعد أحد تلامذة الأصفهاني، كما أن أسرة الشيرازي ممثلة في المرجع الديني الكبير محمد الحسيني الشيرازي والسيد صادق الشيرازي، هم من أبرز أنصار مدرسة تفكيك المعارف، وهناك الكثير من الشخصيات المهمة التي تؤمن بفكرة التفكيك بين المناهج الثلاثة في المعرفة والتي ترى ضرورة الرجوع لمدرسة الوحي والإمامة لتحصيل المعارف[5].


[1] المدرسة التفكيكية،، لمحمد رضا حكيمي،11

[2] أنظر : المدرسة التفكيكية، قراءة نقدية في البناءات النظرية. مجلة نصوص معاصرة، 16 مايو 2014م

[3] مكتب تفكيك، لمحمد رضا الحكيمي، 46

[4] أنظر : العدد الثاني من مجلة نصوص معاصرة، ربيع، 2005م

[5] المدرسة التفكيكية .. والتأصيل للعقل الشيعي، لزكريا داوود، (مجلة البصائر، العدد 35، 1426 ه) بتصرف يسير.

عدد مرات القراءة:
4174
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :