الكاتب : فيصل نور ..
المعاد الجسماني
مصطلح يطلق على الرجوع إلى الله تعالى في يوم القيامة، ورجوع أجزاء البدن المتفرقة إلى الاجتماع كما كانت في الدنيا، وحلول الروح فيه.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية آراء الناس في المعاد وقال :
-
أحدها: وهو مذهب سلف المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين المشهورين وغيرهم من أهل السنة والحديث من الفقهاء والصوفية والنظار وهو إثبات معاد الأرواح والأبدان جميعًا وأن الإنسان إذا مات كانت روحه منعمة أو معذبة ثم تعاد روحه إلى بدنه عند القيامة الكبرى.
-
الثاني: قول من يثبت معاد الأبدان فقط كما يقول ذلك كثير من المتكلمين الجهمية والمعتزلة المبتدعين من هذه الأمة.
-
الثالث: المعاد للنفس الناطقة بالموت فقط وأن الأبدان لا تعاد وهذا لم يقله أحد من أهل الملل لا المسلمين ولا اليهود ولا النصارى بل هؤلاء كلهم متفقون على إعادة الأبدان وعلى القيامة الكبرى ولكن من تفلسف من هؤلاء فوافق سلفه من الصابئة والفلاسفة المشركين على أن المعاد للروح وحده منهم من يقول بأن الأرواح تتناسخ إما في أبدان الآدميين أو أبدان الحيوان مطلقًا أو في موضع الأجسام النامية ومنهم من يقول بالتناسخ للأنفس الشقية فقط وكثير من محققيهم ينكر التناسخ.
-
الرابع إنكار المعادين جميعًا كما هو قول أهل الكفر من العرب واليونان والهند والترك وغيرهم[1].
وعند الشيعة:
يقول المجلسي: إعلم أنّ القول بالمعاد الجسماني ممّا اتفق عليه جميع المليين، وهو من ضروريات الدين، ومنكره خارج من عداد المسلمين، والآيات الكريمة على ذلك ناصّة لا يعقل تأويلها، والأخبار فيه متواترة لا يمكن ردّها، ولا الطعن فيها ، وقد نفاه أكثر ملاحدة الفلاسفة تمسكا بامتناع إعادة المعدوم ولم يقيموا دليلا عليه [2].
ويقول محمد رضا المظفر : فالمعاد الجسماني بالخصوص ضرورة من ضروريات الدين الاسلامي ، دل صريح القرآن الكريم عليها ( أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) " القيامة : 3 " ( وإن تعجب فعجب قولهم أإذا كنا ترابا إنا لفي خلق جديد ) " الرعد : 5 " ( أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد ) " ق : 14 "[3].
ويقول إبراهيم الموسوي: وهو الذي عليه الشيعة الإمامية الاثنا عشرية وهو القول بالمعاد الروحاني والجسماني معًا، وأغلب العامة المسلمين أيضًا ذهب إلى هذا القول أي معاد هذا الجسد الذي كان في الدنيا بروحه وجسمه يوم القيامة[4].
وعلى هذا القول الكثير من علماء الشيعة، وقلنا الكثير لأنه هناك مؤشرات على وجود خلاف بين المدارس الشيعية في هذه المسألة، ولعل هذه الأقوال تبينه:
يقول المجلسي : الأحوط والأولى التصديق بما تواتر في النصوص وعلم ضرورة من ثبوت الحشر الجسماني ، وسائر ما ورد فيها من خصوصياته ، وعدم الخوض في أمثال ذلك ، إذ لم نكلف بذلك ، وربما أفضى التفكر فيها إلى القول بشئ لم يطابق الواقع ولم نكن معذورين في ذلك ، والله الموفق للحق والسداد في المبدء والمعاد[5].
ويقول كاشف الغطاء : لا يجب على المكلفين ولا سيما العوام البحث عن كيفية المعاد الجسماني بل قد لا يجوز لهم ذلك كسائر قضايا القواعد النظرية والمباحث الحكمية مثل قضية القضاء والقد والخير والشر والاختيار والجبر وما إلى ذلك من المعضلات العويصة إذ قد تعلق الشبهة بذهن أحدهم ولا يقدر على التخلص منها فيكون من الهالكين [6].
ويظهر من هذه الأقوال وغيرها هو ذهاب البعض من علماء الشيعة في تفسير المعاد الجسماني إلى رأي ظاهره المخالفة لما اجمع عليه العلماء. ومن هؤلاء الأحسائي:
يقول الأحسائي[7] : والكلام في خصوص إعادة الإنسان ما المعاد منه، أما نفسه فاتفق المتشرعون من الأولين والآخرين على عودها يوم القيامة بالدليل العقلي والنقلي. وأما الجسم فالقائلون بأحكام الشرائع قائلون بإعادته بالدليل النقلي تسليما لاخبارات الكتب السماوية ولحملتها حيث لم يجدوا في عقولهم ما يدل عليه عقلاً. والقائلون بإعادة الجسم اختلفوا في المعاد ما هو؟ هل هو ما انتسب إلى نفسه وإن تغير في مادته وتبدل؟ أم المعاد هو الموجود في الدنيا بمادته وإن تبدلت صورته ؟ أم هو الموجود في الدنيا بمادته وصورته من غير تبديل ولاتغيير؟ أم هو الموجود بصورته في الدنيا لا بمادته؟... ثم قال : وأما القول الثاني فهو الحق الذي يشهد بحقيته العقل والنقل. ثم رد على التسائل فإن قلتَ: ظاهر كلامِك أن هذا الجسد لا يبعث وهو مخالف لما عليه أهل الإسلام .من أنها تبعث كما قال تعالى: )وَأن الله يَبْعَثُ مَنْ الْقُبُورِ(. قلتُ: هذا الّذي قلتُ هو ما يقوله المسلمون قاطبة فإنهم يقولون أن الأجساد التي يحشرون فيها هي هذه التي في الدنيا بعينها ولكنّها تصفّى من الكدورة والأّعراض، إذ الإجماع من المسلمين منعقد على أنها لا تبعث على هذه الكثافة بل تصفى فتبعث صافية وهي هي بعينها وهذا الذي قلتُ وإيّاه أردتُ، فإن هذه الكثافة تفنى يعني تلحق بأصلها ولا تعلّق لها بالروح ولا بالطاعة والمعصية ولا باللذة والألم ولا إحساس لها، وأنما هي في الإنسان بمنزلة ثوبه وهذه الكثافة هي الجسد العنصري الذي عنيتُ فافهم.[8]
ودافع بعض أصحابة عن مقولاته هذه بالقول : أن من جملة ما اتهم به الشيخ الأجل الأوحد، إنكاره للمعاد الجسماني , وهذه التهمة وردت من عديد
أ- بعضهم من المتقدمين:
كالملا رضا الواعظ الهمداني في كتابه هدية النملة حيث أشار إلى الجسد الأصلي وهو كامن في هذا الجسد المحسوس وهو مركب الروح فيقوم للحساب وهذا الجسد هو الذي يتألم ويتنعم , بالتالي يكون الجسد الدنيوي الذي نعيش به آلان لايكون محلا للحساب او العقاب والتنعم. مدعيا بذلك أن هذا كلام الشيخ الأوحد قدس سره، وماذكره لا أثر له، لا نقلا ولا معنى في كتب الشيخ الأوحد قدس سره.
ب- والبعض الآخر من المتأخرين:
حيث ما زالت هذه التهمة تتداول بينهم حتى في زماننا هذا متجاهلين ماشرحه وحققه تلامذته ومحبيه في الدفاع عنه.
ذكر تقسيم الجسد:
ذكر الشيخ الأوحد في شرح الزيارة الجامعة فقرة وأجسادكم في الأجساد أن للأنسان جسمان وجسدان:
الأول: الجسد الأولي العنصري: وهو متألف من العناصر الزمانية وهو كالثوب يلبسه الإنسان ويخلعه ولا لذة له ولا ألم ولا طاعة ولا معصية وهو بمنزلة الكثافة , فنلاحظ أن مايذهب من زيد لاينقص زيد كالأظافر والشعر واللحم الزائد بل يبقى هو هو.
الثاني: الجسد الثانوي الأصلي: وهو الجسد الباقي بعد فناء الحسد العنصري فعندما يوضع الإنسان في قبره يتحلل جدسه المكون من العناصر ولايبقى شيء منه , وإنما الباقي هو الجسم الأًصلي الذي يبقى مستديرا في القبر كما قال الإمام الصادق عليه السلام حينما سأل عن الميت يبلى جسده قال: (نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم إلا طينته التي خلق منها فإنها لا تبلى تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرة). فإذا إراد الله تعالى أن يبعثه يبعث هذا الجسد كصورته في الدنيا من الرأس والجسد والبطن الخ .. وهذا الجسد هو الذي اتفق عليه جميع المسلمين قاطبة ببعث الأجساد بعد أن تصفى من الكدورات والعوارض.
الإشتباه من أين حصل؟
تعبير الشيخ الأوحد بإصطلاح جديد لم يعتاده غيره وهو الجسد العنصري في مقابل الفضلات والعوارض والكدورات المكون من العناصر الأربعة , والجسد الأًصلي مقابل مايبعث حقيقة بالروح يوم القيامة , هذا الإصطلاح توهم الكثير به , بأن الشيخ الأوحد قدس سره ينكر بعث الأجساد بينما ماقرره الشيخ هو بعينه مايقول به المسلون ولكن بطريقة تعبير مختلفة , وبذوق آخر.
وهناك الكثير من العلماء أقروا عدم حشر الفضلات والكدورات أي الجسم العنصري الزماني ومنهم:
-
المحقق الطوسي خواجة نصر الدين في كتاب التجريد (ولايجب إعادة فضلات المكلف).
-
القوشجي في شرح التجريد (ولايمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها).
-
العلامة الحلي في شرح التجريد (الواجب في المعاد هوإعادة تلك الأجزاء الأصلية).
-
السيد الأواه السيد عبدالله في مصابيح الأنوار (أن تشخص الإنسان إنما هو بالأجزاء الأصلية ولامدخل لسائر الأجزاء والعوارض فيه).
والخلاصة ان مسألة الإعتقاد بالمعاد الجسماني يوم القيامة الاعتقاد بعود الأرواح إلى الأجساد فحسب، ولكن لما توسع الشيخ في البيان، فهمه البعض بما يخرجه عن الشرع لأن مافهموه إنكار الشيخ للمعاد الجسماني الذي هو من أصول الدين ... لذا اعتقدوا ان هذا مأخذ عليه[9].
([1]) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، لشيخ الإسلام ابن تيمية، 6/312
[2] بحارالأنوار، للمجلسي، 7/ 48
[3] عقائد الإمامية، لمحمد رضا المظفر، 127
[4] عقائد الإمامية الاثناعشرية، لإبراهيم الموسوي، 1/64
[5] بحار الأنوار، للمجلسي، 7/53
[6] الفردوس الأعلى، لمحمد كاشف الغطاء، 223
[7] شرح الرسالة العرشية، لأحمد الأحسائي، 2/272 وما بعدها
([8]) شرح الزيارة الجامعة، لأحمد الأحسائي، 4/45
[9] أنظر : http://www.alashwan.org/news_iphone.php?ashwan_action=detail&id=32