آخر تحديث للموقع :

الأحد 26 جمادى الأولى 1445هـ الموافق:10 ديسمبر 2023م 10:12:27 بتوقيت مكة

جديد الموقع

الولاية التكوينية ..
الكاتب : فيصل نور ..

الولاية التكوينية

     مصطلح مستحدث في كلمات المتأخرين عند الشيعة، وهو غير موجود في كلمات القدماء عندهم، ولم يرد لا في الكتاب ولا في السنة،  ولكن حملت بعض آيات القرآن ونصوص السنة عليه.
     ومعنى الولاية التكوينية عند الشيعة على خلاف بينهم في تفسيرها بأنها القدرة على فعل المعجزات ـ أي: خرق نواميس الطبيعة ـ والتسلط على الظواهر الكونية، وما يتعلق بعالم الوجود، كالاحياء والإماتة، والقبض والبسط، والإيجاد والخلق والمنع ونحو ذلك
     ويقابله الولاية التشريعية وهي القدرة والتصرف في أمور تتعلّق بعالم التشريع والقانون كالحلال والحرام والواجب والمباح والأحكام في الصحة والبطلان ونحو ذلك.
     وهناك شبه إجماع عند الشيعة بأنّ للأنبياء والائمة المعصومين عندهم ولاية تكوينية وتشريعية بموهبة وإذن من الله تعالى، واختلفت كلمتهم في معنى وحدود تلك الولاية وسعة قدرتها.وقالوا أن البحث في أدلّة ولاية التصرُّف ينحصر في إثبات وقوعها، وليس في إمكانها، وبالتالي فإنّ المصدر الوحيد لإثبات وقوع هذه الولاية هو النصوص الواردة.
     واستدلوا على ذلك ببعض ما جاء في القرآن من آيات:

  • كقوله تعالى: قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ.

  • وقوله تعالى:  فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ.

  • وقوله تعالى: قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ.. الآيات. وهذه الآية دليل على عدم اختصاص ولاية التصرُّف التكوينيّة بالأنبياء عليهم السلام.

  • وقوله تعالى: وَلَقَدْ آتيْنَاَ داوُدَ منَّا فَضْلاً يَا جبَالُ أَوِّبي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الحَديد.

 
     وأيدوا ذلك بروايات نسبوها للأئمة رحمهم الله، منها:

  • فعن أبي جعفر عن أبيه عليه السلام قال: ما بعث الله نبيا إلا أعطاه من العلم بعضه ما خلا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فإنه أعطاه من العلم كله فقال: " تبيانا لكل شئ " وقال: " كتبنا له في الألواح من كل شئ " وقال: " الذي عنده علم من الكتاب " ولم يخبر أن عنده علم الكتاب، ومن لا يقع من الله على الجميع وقال لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم : " أورثنا الكتاب الذين اصطفيناه من عبادنا " فهذا الكل ونحن المصطفون. وقال النبي صلى الله عليه وآله فيما سأل ربه " رب زدني علما " فهي الزيادة التي عندنا من العلم الذي لم يكن عند أحد من أوصياء الأنبياء ولا ذرية الأنبياء غيرنا، فبهذا العلم علمنا البلايا والمنايا وفصل الخطاب[1].

  • وعن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليه السلام قال: قلت له أسألك فداك عن ثلاث خصال أنفي عني فيه التقية قال: فقال ذلك لك، قلت: أسألك عن فلان بن فلان قال: فعليها لعنة الله بلعناته كلها ماتا والله وهما كافران مشركان بالله العظيم قلت الأئمة يحيون الموتى ويبرؤون الأكمة والأبرص ويمشون على الماء قال: ما أعطى الله نبيا شيئا قط إلا وقد أعطاه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وأعطاه ما لم يكن عندهم. قلت: وكل ما كان عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد أعطاه أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: نعم ثم الحسن والحسين عليهم السلام ثم بعد كل إمام إماما إلى يوم القيامة مع الزيادة التي تحدث في كل سنة وفي كل شهر ثم قال: أي والله في كل ساعة[2].

  • وعن علي بن معيد يرفعه قال: دخلت حبابة الوالبية على أبي جعفر عليه السلام محمد بن علي عليهم السلام قال: يا حبابة ما الذي أبطأك، قالت: قلت: بياض عرض لي في مفرق رأسي كثرت له همومي، فقال: يا حبابة ادنيني به قال: فدنوت منه فوضع يده في مفرق رأسي، ثم قال: ائتوا لها بالمرأة فأتيت فنظرت فإذا شعر مفرق رأسي قد اسود فسررت بذلك وسر أبو جعفر عليه السلام بسروري[3].

  • وعن علي ابن أبي حمزة عن أبي بصير قال حججت مع أبي عبد الله عليه السلام فلما كنا في الطواف قلت له: جعلت فداك يا بن رسول الله يغفر الله الخلق ؟ فقال: يا أبا بصير إن أكثر من ترى قردة وخنازير، قال: قلت له أرنيهم قال: فتكلم بكلمات ثم أمر يده إلى بصري فرأيتهم قردة وخنازير فهالني ذلك ثم أمر يده على بصري فرأيتهم كما كانوا في المرة الأولى ثم قال: يا أبا محمد أنتم في الجنة تحبرون وبين إطباق النار تطلبون فلا توجدون والله لا يجتمع في النار منكم ثلاثة لا والله ولا اثنان لا والله ولا واحد[4].

  • وعن أبي بصير قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام تريد أن تنظر بعينك إلى السماء. قلت نعم فمسح يده على عيني فنظرت إلى السماء[5].

  • وعن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام فقلت لهما: أنتما ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله قال: نعم، قلت: فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وارث الأنبياء علم كلما علموا ؟ فقال لي: نعم، فقلت: أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى ؟ وتبرؤا الأكمه والأبرص ؟ فقال لي: نعم بإذن الله ثم قال: ادن مني يا أبا محمد، فمسح يده على عيني ووجهي فأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت، وكل شئ في الدار، قال: أتحب أن تكون هكذا ولك ما للناس، وعليك ما عليهم يوم القيامة، أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصا ؟ قلت: أعود كما كنت قال: فمسح على عيني فعدت كما كنت. قال علي: فحدثت به ابن أبي عمير فقال: أشهد أن هذا حق كما أن النهار حق[6].

  • وعن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله أقدرنا على ما نريد، ولو شئنا أن نسوق الأرض بأزمتها[7].

     وغيرها من عشرات بل مئات الروايات في معاجر الأئمة بزعمهم.
     وكما هو واضح فالقرآن الكريم لم يأتي على ذكر هذه الولاية للأئمة، الأمر الذي اضطرهم إلى وضع الروايات والتي ذكرنا بعضها.
     وأجابوا عن هذا الإشكال بأن الكرامات والمعاجز التي صدرت عن الأئمة هي أمور متأخرة عن نزول القرآن، وليس بناء القرآن الكريم على الإخبار بكلّ ما سيتحقّق في المستقبل. نعم، بعد صدور الكرامات من الأنبياء والرسل، وثبوت الولاية التكوينية لهم يكون ثبوتها في حقّ الأئمة الأطهار عليهم السّلام ممكناً، وغير مستحيل عقلاً، بل يثبت صدورها منهم؛ لأنّهم أفضل من الأنبياء والرسل، كما نطقت به الروايات المتواترة إجمالاً. وثانياً: لو كان القرآن الكريم يصرح بأمامة الأئمة الاثنى عشر، وبثبوت الولاية التكوينية لهم لكان الناس يرتدّون على أدبارهم كفّاراً، أو كانوا يحرّفون القرآن الكريم؛ لأنّ أغلب القوم كانوا منحرفين عن خطّ أهل البيت عليهم السّلام[8].
 
     والأمر الآخر هو لماذا لم يستعمل الأئمة ولايتهم التكوينية على فرضها؟ أجاب الشيعة: أن هذا إدعاء باطل، فالأئمة استخدموا الولاية التكوينية، ومن أمثلة ذلك، قضية رد الشمس للإمام امير المؤمنين عليه السَّلام ومباشرة الامام علي بن الحسين عليه السَّلام دفن أبيه الامام الحسين عليه السَّلام وشهداء الطف وحضوره الى كربلاء في فترة زمنية محدودة رغم وجوده في سجن الكوفة آنذاك، وحضور الامام محمد بن علي الجواد عليه السَّلام لدى احتضار والده الامام علي بن موسى الرضا عليه السَّلام لساعات في خراسان حال كونه آنذاك في المدينة[9].
 
     وحسب فساد هذه العقيدة هذه الأجوبة، فتأمل.
 
     وهذه بعض أقوال علماء الشيعة في الولاية التكوينية، ويظهر منها الخلاف بينهم في المسألة:

  • محمد حسين النائيني (1355 هـ)  : لا يخفى ان ما استقر عليه مذهبنا المقدس من ولاية ائمتنا الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين على تمام ما في العالم هو اعظم من جميع ذلك، وهل مخاطبة الشمس والقمر والجمادات والنباتات والحيوانات معهم الا من فروع تلك الولاية المطلقة، ولو خاطبهم وكلمهم ما في السماوات والارضين يعرفون من يخاطبهم ويكلمهم بما لهم صلوات الله عليهم من الولاية عليه، والله العالم[10].

  • محمد جواد مغنية (ت: 1400 هـ): ذكر في  كتابه "فلسفات إسلامية"، على عدم كونها من ضرورات المذهب، وأنه لا دليل عليها، فكل شيء ممكن بإذن الله، ولكن العبرة بالوقوع لا بالإمكان، وبالإثبات لا بالثبوت، فوجوب الإيمان بولاية التكوين ليس من ضرورات الدين ولا المذهب.

  • علي الحسيني البهشتي (ت: 1401 هـ): سئل: هل الاعتقاد بأن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) متصرف في الأمور الكونية كيفما يشاء بمدد من الله يعتبر من الغلو؟ فأجاب: بسمه تعالى: الاعتقاد بالصورة المذكورة لا غلو فيه. والله العالم[11].

  • الخميني (1409 هـ): إن للامام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون[12].

  • الخوئي (ت: 1413 هـ): في ولايتهم عليهم السلام التكوينية أما الجهة الأولى، فالظاهر أنه لا شبهة في ولايتهم على المخلوق بأجمعهم، كما يظهر من الأخبار، لكونهم واسطة في الايجاد، وبهم الوجود، وهم السبب في الخلق، إذ لولاهم لما خلق الناس كلهم، وإنما خلقوا لأجلهم، وبهم وجودهم، وهم الواسطة في الإفاضة، بل لهم الولاية التكوينية لما دون الخالق. فهذه الولاية نحو ولاية الله تعالى على الخلق ولاية ايجادية، وإن كانت هي ضعيفة بالنسبة إلى ولاية الله تعالى على الخلق، وهذه الجهة من الولاية خارجة عن حدود بحثنا وموكولة إلى محله[13].

  • جواد التبريزي (ت: 1427 هـ): وأمّا الولاية التكوينية، فهي التصرّف التكويني بالمخلوقات إنساناً كان أو غيره، ويدلّ عليها آيات، منها قوله تعالى: {وَأوحَينَا إلَى' مُوسَى' أنْ ألْق عَصَاكَ فَإذَا هيَ تَلقَفُ مَا يَأفَكُونَ فَوَقَعَ الحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ فَقَبلوا هُنَالكَ وَانْقَلَبُوا صَاغرينَ} ومنها قوله تعالى: {إذ قَالَ اللّهُ يَا عيسَى' ابنَ مَريمَ اذكُر نعمَتي عَلَيكَ وَعَلى' وَالدَتَكَ إذ أيَّدتُكَ برُوح القُدُس تُكَلِّمُ النَّاسَ في المَهد وَكَهلاً وَإذ عَلَّمْتُكَ الكتَابَ وَالحكمَةَ وَالتَّورَاةَ وَالإنجيلَ وَإذ تَخلُقُ منَ الطِّين كَهَيئَة الطَّير بإذني فَتَنفُخُ فيهَا فَتَكُونُ طَيراً بإذني وَتُبرئُ الأكمَهَ وَالأبرَصَ بإذني} إلخ، حيث أسند اللّه الفعل إلى الأنبياء. وغيرها من الآيات. وبما أنّه لا يحتمل أن يكون ذلك ثابت للأنبياء دون نبيّنا (ص) فحينئذ ثبت ذلك لنبيّنا محمّد (ص)، وقد ثبت أنّ عليّاً (ع) نفس النبي (ص) بنصّ القرآن، ولا فرق بين الأئمة (ع). إذن ما ثبت للأنبياء ثبت للنبي (ص) وما ثبت له (ص) ثبت للأئمة (ع) إلا منصب النبوّة. نعم، الفرق بين الأنبياء والأئمة أنّ الأنبياء كانوا يفعلون ذلك لإثبات نبوّتهم بالمعجزة، وأمّا الأئمّة (ع) فكانوا لا يفعلون ذلك إلا في موارد نادرة كما ورد في الأخبار، وقد كان الناس مكلّفين بمعرفتهم امتحاناً من اللّه للأمّة بعد وفاة الرسول (ص)، حتّى يتميّز من يأخذ بقوله (ص) ومن لا يأخذ، ولذا ورد في الزيارة الجامعة أنّهم الباب المبتلى به الناس. فكيف يظنّ شخص يلتزم بإمامتهم وأنّهم عدل للنبي (ص) إلا في منصب النبوّة، ولا يلتزم بالولاية التكوينية لهم (ع). مع أنّ الحكمة الإلهية اقتضت أن تكون الولاية التكوينية بأيديهم حتّى يتمكّنوا من إبطال دعوى من يدّعي النبوّة بعد النبي (ص) بالسحر ونحو ذلك، مما يوجب إضلال الناس، واللّه العالم[14]. وقال: ولهم الولاية التكوينية كما ثبتت لسائر الأنبياء، وهم أفضل من سائر الأنبياء، والحكمة اقتضت ذلك حيث أنّهم ربّما يتصرّفون تصرّفاً تكوينياً لدفع كيد من يريد السوء في الدّين والمسلمين وإنّما يمتازون عن سائر الأنبياء حيث أنّهم يثبتون نبوّتهم بالمعجزة وخرق العادة بخلاف الأئمة (ع) فإنّ إمامتهم ثبتت بتعيين رسول اللّه (ص) وهم باب ابتلي به الناس بعد النبي (ص) كما ورد في زيارة الجامعة، ولذا قلّت تصرّفاتهم التكوينية ولم يتصرّفوا في اقتراح من الناس بل كانوا يفعلون في موارد قليلة لاقتضاء الحكمة والضرورة بإبطال مدّعي النبوّة أو الإمامة. وبنحو ذلك كما أوضحنا ذلك في بعض الاستفتاءات سابقاً، واللّه العالم[15]. وقال: إنّ المراد بالولاية التكوينية أنّ نفس الولي بما له من الكمال متصرّف في أُمور التكوين بإذن الله تعالى، لا على نحو الاستقلال، وهذا هو ظاهر الآية المباركة ( وأُبْرِئُ الأَكْمَه والأَبْرَصَ وأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ الله )، وقوله ( أَنَا آتِيكَ بِه قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ )، حيث نسب الفعل المباشر إلى نفسه. كما أنّ المراد من الإذن في الآية الإذن التكويني، بمعنى القدرة المفاضة من قبل الله تعالى، لا الإذن التشريعي. وأمّا الآيات النافية كقوله تعالى ( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً ولا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ الله ) فالمقصود بها نفي الاستقلال في التصرّف لا نفي الولاية المعطاة من قبل الله تعالى. هذا مضافاً إلى أنّ الأولياء لا يتصرّفون في التكوينيات استجابة لكلّ اقتراح يُطرح عليهم، وإنّما في خصوص الموارد التي شاءت حكمة الله التصرّف فيها لحفظ مصالح التشريع والتكوين. وبالجملة: فالولاية التكوينية بالمعنى الذي ذكرناه من العقائد الواضحة التي لا مجال للتشكيك فيها عند المتدبّر في الآيات والمتتبّع لحالات الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين في الأحاديث والأخبار، والله الهادي إلى سواء السبيل[16].

  • محمد صادق الصدر (1419 هـ): انما ثبتت الولاية التكوينية العامة للمعصومين الاربعة عشر دون غيرهم، بصفتهم خير من الخلق اجمعين. والفهم الفلسفي متعاضد مع الاخبار المتواترة في ذلك كقولهم عليهم السلام: الارض كلها للامام، ولو خليت لقلبت. وقول النبي: خلق الله السموات والارض من نوري. وغير ذلك. وانما ذلك بإقدار الله سبحانه لهم بذلك. اما سائر الانبياء فلهم من الولاية التكوينية بمقدار التخويل الالهي لهم. واما الآية فالمراد بها قطعا جانب الاستقلال عن الله سبحانه، كما في قوله تعالى {ليس لك من الامر شيء}. والآية المذكورة في السؤال نص في ذلك. ولكن هذا الاستقلال مجرد فرض لا وجود في واقع حياتهم عليهم السلام[17].

  • المنتظري (ت: 1430 هـ): الولاية - بمعنى التصرف و الاستيلاء على الشخص أو الأمر - إما تكوينية وإما تشريعية. ولا يخفى ثبوت كلتيهما بمرتبتهما الكاملة لله - تعالى. ويوجد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل لجميع الأنبياء أو أكثرهم وكذا للأئمة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين بل لبعض الأولياء الكرام أيضا مرتبة من الولاية التكوينية، بحسب ارتقاء وجودهم وتكاملهم في العلم والقدرة النفسانية والإرادة والمشية والارتباط بالله تعالى وعناية الله بهم. إذ جميع معجزات الأنبياء و الأئمة وكرامات الأولياء نحو تصرف منهم في التكوين، وان كانت مشيتهم في طول مشية الله وباذنه[18].

  • محمد تقي بهجت (ت: 1430 هـ): اذا جاز للملائكة الولاية على الرزق والاماتة ونحوهما، من دون لزوم شرك، جاز للنبي والوصي مثل ذلك، من دون لزوم شرك ايضا. بلا فرق بين الامرين، لانتماء الامور كلها الى مسبب الاسباب. وقد تحقق عندنا نزول الملائكة على الامام عليه السلام ليلة القدر في كل سنة، لما يرتبط بالحوادث التي ستقع في تلك السنة. ولا يلزك شرك بسبب هذا النزويل، ولا بسبب من ينزلون اليه. وقد جرت سنة الله على التسبيبات، مع غناه ذاتا، حتى التلفظ بقوله تعالى {كن}[19]. وقال: لا مانع من وساطة مثل جبرائيل عليه السلام وميكائيل عليه السلام في امور خاصة في عالم الاسباب، فكذا الانبياء عليهم السلام والاوصياء عليهم السلام، لا مانع من جريان الامور بإذنهم وإمضائهم ليلة القدر، ونحو ذلك، ولا مانع من هذا الامر ثبوتا، والدليل عليه قائم عند أهله اثباتا. والولاية التشريعية مربوطة بالاحكام الشرعية الجعلية. والولاية التكوينية مربوطة بسائر المقدرات الخارجية غير الجعلية. ولا يلزم التعطيل منها كما لا يلزم في وساطة الملائكة. وثبوت الولاية الكاملة الكليّة لغير المعصوم ممنوعة عقلا. واما كون الانسان مختارا، فلا ينافي اقدرية بعض افراد البشر بالنسبة الى البعض الآخر. واما فعلية القدرة، فلا كلام فيها في المعصوم، واما غير المعصوم فالله تعالى غالب، وله ان ينصر المظلوم لمصلحة، وان لا ينصر لمصلحة علم بها. كما وقع ذلك كثيرا[20].

  • محمد حسين فضل الله (ت: 1431 هـ): أنَّ الله تعالى أعطى الأنبياء والأئمَّة القدرات التكوينيَّة الَّتي يحتاجونها في نبوتهم وإمامتهم فقط، وفي حدود الوسائل التي يمكن أن يستخدموها، بحيث يتصرفون في الأشياء في هذه الدائرة. وأكَّد أن الولاية التكوينية ليست من المعتقدات الأساسيَّة، فلا يضرّ عدم الاعتقاد بها في إسلام الشخص وصحة معتقده، ولم يدّع أحد من العلماء، ومنهم القائلون بها، أنها من أصول المذهب أو ضرورياته.

  • ناصر المكارم الشيرازي (معاصر): وما الولاية التكوينية إلا القول بأن الأنبياء والأئمة يستطيعون - إذا لزم الأمر - أن يتصرفوا في عالم الخلق بإذن الله. وهذا مقام أرفع من مقام الولاية التشريعية، أي إدارة الناس وحكمهم ونشر قوانين الشريعة بينهم ودعوتهم إلى الله وهدايتهم إلى الصراط المستقيم. وبذلك يتضح جواب الذين ينكرون ولاية أهل الله التكوينية يعتبرونها ضربا من الشرك. فما من أحد يقول بأن للأنبياء والأئمة جهازا للخلق مستقلا في قبال الله. إنما هم يفعلون ما يفعلون بإذن الله وبأمر منه. غير أن منكري الولاية التكوينية يقولون إن مهمة الأنبياء تنحصر في الدعوة إلى الله وإبلاغ رسالته وأحكامه، وقد يتوسلون أحيانا بالدعاء إلى الله في بعض الأمور التكوينية، وأن هذا هو كل ما يقدرون عليه، مع أن هذه الآية والآيات الأخرى تفيد غير ذلك[21].

  • محمد صادق الروحاني (معاصر): ثبوت الولاية بهذا المعنى للنبي والأئمة المعصومين الذين يثبت لهم جميع ما يثبت للنبي صلى الله عليه وآله للروايات الكثيرة المتواترة مما لا ينبغي التوقف فيه[22]. وسئل: ما هي حدود الولاية التكوينية لأهل البيت عليهم السلام؟ فأجاب: باسمه جلّت أسماؤه. المراد بالولاية الثابتة لهم عليهم السلام كون زمام أمر العالم بأيديهم ولهم السلطنة التامة على جميع الأمور بالتصرف فيها كيفما شاؤوا إعداماً أو إيجاداً أو كون عالم الطبيعة منقاداً لهم، لا بنحو الإستقلال بل في طول قدرة الله تعالى وسلطنته واختياره بمعنى ان الله تبارك أقدرهم وملّكم كما أقدرنا على الأفعال الإختيارية، وقد دلّ الكتاب الكريم على ثبوت ذلك لأشخاص غيرهم: النمل آية 40 ص 380، آل عمران 49، الرعد 43[23].

  • علي الخامنئي (معاصر): رداً علي سؤال: هل للولي الفقيه ولاية تكوينية يمكنه على أساسها نسخ الأحكام الدينية لأي سبب كوجود مصلحة عامة ؟ فقال: بعد وفاة الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله لا يمكن نسخ أحكام الشريعة الإسلامية. وتغير الموضوع، أو عروض الضرورة والاضطرار، أو وجود مانع مؤقت من تنفيذ الحكم ليس نسخا، والولاية التكوينية على رأي من يقول بها مختصة بالمعصومين عليهم السلام. والولاية التكوينية تختصّ بالمعصومين عليهم السلام[24].

  • محمد الحسيني الشاهرودي (معاصر): القائل بالولاية التكوينية لا يدّعي أنّ الأنبياء والائمة يتصرّفون في الكون بقدرتهم الذاتية وبالاستقلال، وإذا كان في القرآن ما يدلّ على أنّهم لا يملكون شيئاً فمعناه أنّهم بدون إرادة الله ومشيئته وقدرته لا يملكون شيئاً، ولكن لا مانع من أن يتصرّفوا في الكون بالقدرة التي أودعها الله تعالى فيهم، لكن لا على نحو الاستقلال بل بإدارة الله، فالله تعالى منحهم هذه القدرة فيقولون للشيء كن فيكون لكن بإرادة الله ومع وجود هذه القدرة فيهم لا يتمكّنون من إعمالها إلا بأمر من الله تعالى وإرادته ومن الذي قال أنّ الله تعالى لابدّ أن يباشر بنفسه إدارة نظام الكون والحال أنّه يقال [والمدبرات أمراً] وقد جعل الله تعالى نظام العلّية والمعلوليّة وسيلةً لصدور كثير من الأشياء في الكون قد قيل بهذا الصدد (أبى الله أن يجري الأمور إلاّ بأسبابها) والمتتبّع للآيات القرآنية والروايات والحوادث التاريخية يجد نماذج كثيرة من خوارق العادات والمعجزات صدرت على يد الأنبياء والأوصياء وبقدرتهم وإرادتهم بحيث يعجز عنها غيرهم، وقد نسب القرآن إحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص إلى نبيّه عيسى بن مريم (عليه السلام) حيث قال: [وإذ تبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تحيي الموتى بإذني] وقول آصف بن برخيا [أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك] مع أنه كان له علم من الكتاب فكيف لمن عنده علم الكتاب كلّه ونسبة الفعل إلى الشخص ظاهرة في أنه هو الفاعل حقيقة وأنه صدر الفعل منه بقدرته وقوّته. نعم أذِن الله تعالى له في ذلك بأن أعطاه الله القدرة عليه وليس معناه أنّه دعا الله تعالى فأحيى الله الموتى استجابةً لدعائه، فإنّ هذا خلاف الظاهر جداً، وأمّا إنّ بعض الأنبياء والأوصياء لم يستعملوا هذه الولاية والقدرة في الحفاظ على حياتهم وحماية أنفسهم فهذا جوابه واضح لأنّهم لا يعملون قدرتهم إلا إذا أراد الله تعالى وأذن لهم في ذلك فإنّهم [عبادٌ مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون]، [وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين][25].

  • تقي الطباطبائي القمي (معاصر): لا إشكال في الولاية التكوينية للأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، بل للأولياء المقرّبين، والقرآن أكبر شاهد على ذلك، حيث تعرّض لموارد كثيرة من معاجز الأنبياء، كما ورد في سورة آل عمران الآية 49: [أنِّي أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبريءُ الكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على الولاية التكوينية بالصراحة، وأما الروايات فحدّث ولا حرج. ولا يكون ذلك إلا بإذنه عز وجل، كما صرحت الآية الشريفة بذلك، والذي يُنكر الولاية التكوينية إمّا جاهل - والجاهل عُذره جَهْلُه - وإمّا استحوذ عليه الشيطان فأنساه ذكر الله عز وجل[26].

  • بشير حسين النجفي (معاصر): مقصود من يدعي الولاية التكوينية للأنبياء أو الأئمة القدرة على التصرف بعنوان الإعجاز حيث اقتضت الضرورة ذلك ونفى المقدرة عنهم على ذلك يتنافى مع النصوص القرآنية الصريحة وكون ذلك مستنداً إلى الإذن الإلهي لفقدان القوة الذاتية المساوقة لوجوب الوجود فمثل قول الملك المرسل إلى مريم (ع) المتمثل بشراً: {لأهب لك غلاماً}... إلخ، صريح في أنه الواهب. وقوة إبراهيم على روية تنفذ الحواجب كما في الأخبار المعتبرة بعد ما وهبه الله من المراتب العالية ومنها الإمامة شاهد على ذلك وقوله في الكشف عن جلالة عيسى (ع): {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني}. وقوله: {إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير} وقوله: {وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله}، وغيرها من الآيات والروايات. ولا يعني ذلك أن المعاجز دائماً فعل النبي (ص) أو الإمام (ع) الذي ينبغي من ورائها الاحتجاج على صدقه؟؟؟ امتياز العلاقة مع الله سبحانه فإن القرآن أكبر المعاجز وهو فعله تعالى. كما لا يعني ذلك تولي الإمام (ع) أو النبي (ص) إدارة العالم في جانبه التكويني ورعاية شؤونه العائدة إلى الكون والفساد والخلق والإمامة والإحياء وهو تعطيل. والله الهادي[27].

  • مهدي الحسيني المرعشي (معاصر): إنّ مسألة الولاية التكوينية من المسائل المتفق عليها بيننا في كونها ثابتةٌ لهم (عليهم السلام) وذلك لأنّهم لهم القابلية لإفاضة الإعجاز عليهم عند توقّف المصلحة لذلك وهذا شيءٌ ليس بالكثير عليهم بل هو ثابتٌ لبعض الأولياء أيضاً كما يظهر من بعض الكلمات (لله رجالٌ إذا أرادوا أراد) ويشهد لذلك أيضاً قوله تعالى في قصّة عيسى (على نبيّنا وآله وعليه السلام) في سورة المائدة الآية 110: [وإذ تخلقُ من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني] فإنّه هنا قد نسب خلق الطير إلى عيسى غاية ما هناك أنّ الخلق كان بإذنه تعالى وإقداره لعيسى على ذلك ولا محذور فيه، والله العالم[28].

  • علي الأمين (معاصر): انكر في برامج "الحوار الصريح" لرمضان 1431 هجرية على قناة المستقلة نظرية "الولاية التكوينية" لأئمة أهل البيت التي قال بها عدد من علماء الشيعة الإثني عشرية قديما وحديثا، وأنكر علم الأئمة بالغيب وتصرفهم في الريح والسحاب، واستدل على ذلك بالقرآن الكريم والسنة النبوية وأقوال الإمام جعفر الصادق. كما عرض مقتطفات من كتاب للشيخ محمد جواد مغنية يعزز رأيه، ويبدي فيه الكاتب تحسره وأسفه على قول عدد من علماء الشيعة بنظرية الولاية التكوينية للأئمة[29].

  • علي الميلاني  (معاصر): الولاية التكوينيّة هي اذن الله سبحانه وتعالى للمعصوم في التّصرف في الكون بما تقتضيه المصلحة، وهي ثابتة للمعصوم والأدلة على ذلك من النقل والعقل كثيرة.

  • صادق الشيرازي (معاصر): سئل: هل يستطيع المعصومون الأربعة عشر سلام الله عليهم التحكّم في الطبيعة كإنزال المطر وبعث الرياح، وهل يدخل ذلك ضمن الولاية التكوينية"؟ فأجاب: "لقد تعرّض القرآن الحكيم إلى بعض الأمور الصادرة من الأنبياء السابقين، مثل إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله مما يندرج ضمن الولاية التكوينية، والمعصومون الأربعة عشر هم أعظم منزلة وأكبر مقاماً عند الله من سائر الأنبياء والأوصياء ولهم من ذلك الحظ الأكبر" .

  • كمال الحيدري (معاصر): المراد من الولاية التكوينية هو أن الله سبحانه وتعالى أقدر بعض عباده على القيام ببعض الأمور التكوينة، كما اقدر عيسى على أن يحيي الموتى، وكما اقدر الذي عنده علم من الكتاب على أن يأتي بعرش بلقيس قبل أن يرتد لسليمان طرفه, وهذا نحو من التفويض في عالم التكوين، ولكن ليس التفويض الباطل الذي هو الاستقلال عن الله، وإنما هو بحول الله وقوته وبإذنه سبحانه وتعالى. وقد ثبت هذا الأمر للخاتم الذي هو أفضل الأنبياء، وكذلك لأوصياءه الذين هم أفضل الأوصياء وراثة عن جدهم صلوات الله عليهم أجمعين، وأنهم كانوا يقدرون على جميع ما أقدر الله عليه الأنبياء والأوصياء السابقين، بل صريح الآيات القرآنية بينت أن الولاية التكوينية أعطيت لجميع الأنبياء، وليس لبعض الأنبياء دون بعض، ولكن كل بحسب درجته، وكذلك أعطيت لأوصياء الأنبياء عليهم السلام، قال تعالى: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي). والذي عنده علم من الكتاب هو وصي من أوصياء سليمان، ومن الواضح أن الإتيان بعرش من سبأ إلى فلسطين ممكن من خلال أسبابه الطبيعية، وأما هنا فقد قام به من غير طريق الأسباب الطبيعية، بل قام به من خلال سبب آخر. وكذلك أعطيت للجن والملائكة، قال تعالى: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)، وقال تعالى: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا).

 
     وخلاصة القول أن الشيعة في مسألة الولاية التكوينية على أقوال ثلاث:

  1. لا وجود للولاية التكوينية في القرآن ولا يوجد دليل واحد يدل عليها، واستدل على ذلك بأن القرآن الكريم نفسه يؤكد على أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يملك من أمره شيئا إلا ما ملكه الله بشكل طارئ. وأيضا الأنبياء لا يملكون أن يقدموا أي شئ فيما يقترحه الناس، ولو كانوا يملكون لاستجابوا لاقتراحات الناس.

  2. إمكان هذه الولاية التكوينية للأنبياء والأوصياء ولكن اختلف في وقوعها أو عدم وقوعها.

  3. إمكان هذه الولاية وأنها وقعت في المحيط الخارجي واستدلوا بأدلة ذكرنا بعضها[30].


[1] تفسير فرات الكوفي، لفرات بن إبراهيم الكوفي، 145، بحار الأنوار، للمجلسي، 26/64

[2] بصائر الدرجات - محمد بن الحسن بن فروخ ( الصفار ) 290، مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني - ج 3 /514، الأنوار الساطعة في شرح زيارة الجامعة - الشيخ جواد بن عباس الكربلائي - ج 5 /483

[3] بصائر الدرجات - محمد بن الحسن بن فروخ ( الصفار ) 290، الهداية الكبرى - الحسين بن حمدان الخصيبي 240، مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني - ج 5 /100

[4] بصائر الدرجات - محمد بن الحسن بن فروخ ( الصفار ) 290، مختصر بصائر الدرجات - حسن بن سليمان الحلي 113، دلائل الامامة - محمد بن جرير الطبري ( الشيعي ) 282، الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي - ج 2 /827، مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني - ج 5 /364، 365، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 47 /79، 65 /118

[5] بصائر الدرجات - محمد بن الحسن بن فروخ ( الصفار ) 290، دلائل الامامة - محمد بن جرير الطبري ( الشيعي ) 283، مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني - ج 5 /365، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 47 /78

[6] بصائر الدرجات - محمد بن الحسن بن فروخ ( الصفار ) 289، الثاقب في المناقب - ابن حمزة الطوسي 373، مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني - ج 5 /48، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 46 /237

[7] بصائر الدرجات - محمد بن الحسن بن فروخ ( الصفار ) 396، دلائل الامامة - محمد بن جرير الطبري ( الشيعي ) 226، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 46 /240، مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني - ج 5 /33

[8] أنظر شبكة رافد، أسئلة وردود، الولاية التكوينية، لماذا ذكر القرآن الولاية التكوينية للأنبياء ولم يذكرها لأهل البيت ع؟

[9] http://www.islam4u.com/ar/almojib/

[10] الفتاوى الصادرة عن الفقيه الاعظم امام المحققين المجدد الميرزا محمد حسين الغروي النائيني، تنظيم وتعليق حفيده جعفر الغروي النائيني، 3/554 مسالة 2017

[11] مسائل وردود،  وفق فتاوى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني البهشتي، 606
 
[12] الحكومة الإسلامية، للخميني، 75

 [13] مصباح الفقاهة، للخوئي 3/279

[14] صراط النجاة ( تعليق الميرزا التبريزي )، للخوئي، 3/419

[15] الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية، للميرزا جواد التبريزي، 81

[16] الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية، للميرزا جواد التبريزي، 80

[17] الشبهات البيروتية، لمحمد الصدر، 8

[18] دراسات في ولاية الفقيه، لحسين علي المنتظري، 1/74

[19] البرهان القاطع، اجوبة المسائل العراقية، مسالة 11

[20] البرهان القاطع، المجموعة الاولى، اجوبة المسائل الشامية، مسالة 8

[21] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، لمكارم الشيرازي، 2/508

[22] فقه الصادق، لمحمد صادق الروحاني، 16/155

[23] http://www.ansarweb.net/artman2/publish/23/article_3150.php

[24] أجوبة الاستفتاءات، للخامنئي، 1/23 (مسألة 63)

[25] ردود عقائدية، اجوبة الشبهات البيروتية، لمحمد الشاهرودي، 9 (الولاية التكوينية)

[26] ردود عقائدية، اجوبة الشبهات البيروتية، لتقي القمي، 9 (الولاية التكوينية)

[27] ردود عقائدية، اجوبة الشبهات البيروتية، لبشير النجفي، 9 (الولاية التكوينية)

[28] ردود عقائدية، اجوبة الشبهات البيروتية، لمهدي المرعشي، 9 (الولاية التكوينية)

[29] الحلقة العاشرة من برنامج "الحوار الصريح بعد التراويح"، يوم الجمعة 10 رمضان 1431 هجرية، الموافق 20 أغسطس 2010 ميلادية. 

[30] أنظر الأسرار الفاطمية، لمحمد فاضل المسعودي، 350

عدد مرات القراءة:
9893
إرسال لصديق طباعة
الجمعة 24 جمادى الأولى 1445هـ الموافق:8 ديسمبر 2023م 05:12:59 بتوقيت مكة
محمد علي  
شبهات يستخدمها الشيعة والرد عليها

"آية الولاية"
بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة/55].
يستدل الشيعة الإمامية بهذه الآية على إمامة علي (رض) وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم أجمعين) معتمدين على روايات التي تقول بأن آية الولاية نزلت في علي (رض).
وفيما يلي عرض الروايات التي تقول بأن آية الولاية نزلت في علي (رض) وبيان أسانيدها:
• قال الطبري في "جامع البيان" (رقم/12210): "حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه" انتهى.
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه أكثر من علة:
1- أحمد بن المفضل الحفري (أبو علي الكوفي)، قال فيه أبو حاتم الرازي: "كان صدوقاً، وكان من رؤساء الشيعة" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (77/2)، وقال فيه ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" (رقم/109) (ص/84): "صدوق شيعي في حفظه شيء" انتهى.
2- اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وهو مولى زينب بنت قيس بن مخرمة كما قال المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (132/3)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (87/1): "حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَحَدَّثَنِي بِهَا فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ" انتهى، وقال فيه ليث بن أبي سليم: "كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي" انتهى من "ميزان الأعتدال" للذهبي (237/1).

• قال الطبري في "جامع البيان" (رقم/12213): "حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ}، قال: علي بن أبي طالب" انتهى.
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه أكثر من علة:
1- أيوب بن سويد الرملي، قَالَ فيه أَحْمد بن حَنْبَل: "أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2)، وَقَالَ فيه النَّسَائِيّ في "الضعفاء والمتروكين" (ص/16): "لَيْسَ بِثِقَة" انتهى، وَقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بشَيْءٍ كَانَ يَسْرِقُ الأَحَادِيثَ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2).
2- عتبة بن أبي حكيم الشعباني، قال فيه علي بن المديني: "كَانَ ضَعِيفا" انتهى من "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني" (ص/159)، قال فيه النسائي: "ضعيف" انتهى من "تهذيب التهذيب" لابن حجر العسقلاني (94/7 - 95).

• قال الطبري في "جامع البيان" (رقم/12214): "حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، الآية، قال: نـزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع" انتهى.
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، وهو متروك الحديث، قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص/91): "غَالب بن عبيد الله مُنكر الحَدِيث" انتهى، وقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بثقة" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (109/7)، وَقَالَ فيه أبو حاتم الرَّازِيّ: "متروك الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (48/7)، وَقَالَ فيه ابن حبان البستي في "المجروحين" (201/2): "كَانَ مِمَّن يروي المعضلات عَن الثِّقَات حَتَّى رُبمَا سبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ" انتهى.

• قال الخطيب البغدادي في ترجمة إبراهيم بن أبي يحيى أبو إسحاق في "المتفق والمفترق" (258/1): "أخبرني بحديثه أبو الحسن محمد بن محمد بن علي الشروطي قال: حدثنا المظفر بن نظيف بن عبد الله مولى بني هاشم قال: حدثنا محمد بن مخلد قال: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد عن السدي عن أبي عيسى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ…} الآية…".
وهذه الرواية في سندها اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وقد سبق بيان حاله.

• قال ابن كثير في "تفسيره" (126/3): "وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى.
وهذه الرواية في سندها عبد الوهاب بن مجاهد، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (98/6) وقال: "عَبْد الْوَهَّابِ بْن مجاهد بْن جبر مولى السائب الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِيه، قَالَ وكيع: كَانُوا يَقُولُون: إنَّهُ لم يسمع من أَبِيه" انتهى، وقال فيه أحمد بن حنبل: "لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث" انتهى من "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (رقم/4477)، وقال فيه سفيان الثوري: "كَذَّاب" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (70/6).

• قال كثير في "تفسيره" (126/3): "وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" انتهى.
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه أكثر من علة:
1- موسى بن قيس الحضرمي (أبو محمد الكوفي)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (164/4): "مِنَ الْغُلَاةِ فِي الرَّفْضِ" انتهى. وساق له العقيلي بضعة احاديث وقال: "وَهُوَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ رَدِيئَةٍ بَوَاطِيلَ" انتهى من "الضعفاء الكبير" للعقيلي (165/4).
2- سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي، وهو ثقة لكن فيه تشيع قليل، حيث قال فيه العجلي: "تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ" انتهى من "سير أعلام النبلاء" للذهبي (299/5)، وقال فيه يحيى بن معين: "سلمة بن كهيل شيعي مغالٍ" انتهى من "تاريخ دمشق" لابن عساكر (126/22)، وقال فيه أبو داود السجستاني: "كان سلمة يتشيع" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال" لعلاء الدين مغلطاي (22/6). وتجدر الإشارة إلى أن الراوي الذي فيه تشيع - سواء كان خفيفاً أو غالياً - قد يروي رواية ضعيفة، وقد تكون هذه الرواية الضعيفة فيما يؤيد بدعته، وبالتالي ترد هذه الرواية؛ وذلك لأن المبتدع لا يجوز قبول روايته إذا كانت في روايته دعوة لبدعته، يقول ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (11/1): "وينبغي أن يُقيَّدَ قولنا بقبول رواية المبتدع –إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية– بشرط أن لا يكون الحديث الذي يُحدِّث به مما يعضُد بدعته ويُشيْدها. فإنا لا نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى" انتهى.

ونلاحظ مما سبق أن جميع أسانيد الروايات التي تقول بأن آية الولاية نزلت في علي (رض) - فيها كلام يضعف هذه الروايات، والله أعلم.

وهذا هو أبو جعفر محمد بن علي (محمد الباقر) يرد على الحاضرين بعد أن قالوا بأنهم بلغهم أن آية الولاية نزلت في علي بن أبي طالب (رض) قائلاً بأن علياً (رض) من الذين آمنوا، أي يقصد أن الآية نزلت في جميع المؤمنين، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (رقم/12211): "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نـزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا" انتهى.
وهذه الرواية سندها حسن.

فإذن الرواية التي تحكي أن علياً (رض) أدى الزكاة وهو راكع مثيرة للتعجب؛ فلا نعلم أن المزكي يعطي زكاته وهو راكع، ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!

قال ابن كثير في "تفسيره" (125/3 - 126): "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى" انتهى.

والذي زعم أنها نزلت في علي (رض) هو الثعلبي، وهو الملقب بحاطب الليل؛ لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح، وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير، حيث قال السيوطي - رحمه الله - في "الإتقان في علوم القرآن" (239/4): "وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب" انتهى.

قال ابن حجر العسقلاني في "الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف" (649/1): "رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" انتهى.

فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.

ويسمي الشيعة الإمامية آية الولاية بكسر الواو، وهو خطأ، والصحيح بفتح الواو، وسياق الآية يناسب هذا التنبيه؛ لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.

والأصح أن الآية نزلت في عبادة بن الصامت (رض) في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله (ص) والمؤمنين، والرواية التي ورد فيها بيان ذلك قد أخرجها الطبري بإسنادين مختلفين اللذين أحدهما حسن في "جامع البيان" (رقم/12207) (رقم/12208)، وفيما يلي عرض رواية الطبري التي جاءت بإسناد حسن:
قال الطبري: "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نـزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}= لقول عبادةَ: "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا"، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}" انتهى من "جامع البيان" للطبري (رقم/12207).

قال ابن كثير في "تفسيره" (127/3): "وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ" انتهى.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في "تفسيره" (ص/236): "فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله ذليلون" انتهى.

………………………………………………………
الأثنين 2 ربيع الأول 1445هـ الموافق:18 سبتمبر 2023م 09:09:28 بتوقيت مكة
محمد علي  
شبهات يستخدمها الشيعة والرد عليها

"آية الولاية"
بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة/55].
يستدل الشيعة الإمامية بهذه الآية على أمامة علي (رض) وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم أجمعين) مستدلين بما جاء في "تفسير الطبري" (425/10) والذي هو: "وأما قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم عُني به علي، وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين" انتهى.
وفيما يلي عرض الروايات التي تقول إن آية الولاية نزلت في علي (رض) والواردة في "جامع البيان" للطبري وبيان أسانيدها:
• قال الطبري: "حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه" انتهى من "جامع البيان" الطبري (رقم/12210).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه علل:
1- أحمد بن المفضل الحفري (أبو علي الكوفي)، قال فيه أبو حاتم الرازي: "كان صدوقاً، وكان من رؤساء الشيعة" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (77/2)، وقال فيه ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" (رقم/109) (ص/84): "صدوق شيعي في حفظه شيء" انتهى.
2- اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وهو مولى زينب بنت قيس بن مخرمة كما قال المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (132/3)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (87/1): "حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَحَدَّثَنِي بِهَا فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ" انتهى، وقال فيه ليث بن أبي سليم: "كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي" انتهى من "ميزان الأعتدال" للذهبي (237/1).
• قال الطبري: "حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ}، قال: علي بن أبي طالب" انتهى من "جامع البيان" للطبري (رقم/12213).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه علل:
1- أيوب بن سويد الرملي، قَالَ فيه أَحْمد بن حَنْبَل: "أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2)، وَقَالَ فيه النَّسَائِيّ في "الضعفاء والمتروكين" (ص/16): "لَيْسَ بِثِقَة" انتهى، وَقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بشَيْءٍ كَانَ يَسْرِقُ الأَحَادِيثَ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2).
2- عتبة بن أبي حكيم الشعباني، قال فيه علي بن المديني: "كَانَ ضَعِيفا" انتهى من "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني" (ص/159)، قال فيه النسائي: "ضعيف" انتهى من "تهذيب التهذيب" لابن حجر العسقلاني (94/7 - 95).
• قال الطبري: "حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، الآية، قال: نـزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع" انتهى من "جامع البيان" للطبري (رقم/12214).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، وهو متروك الحديث، قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص/91): "غَالب بن عبيد الله مُنكر الحَدِيث" انتهى، وقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بثقة" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (109/7)، وَقَالَ فيه أبو حاتم الرَّازِيّ: "متروك الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (48/7)، وَقَالَ فيه ابن حبان البستي في "المجروحين" (201/2): "كَانَ مِمَّن يروي المعضلات عَن الثِّقَات حَتَّى رُبمَا سبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ" انتهى.
وتجدر الإشارة إلى أن الخطيب البغدادي قد روى رواية التصدق بالخاتم في "المتفق والمفترق" (258/1) من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد، عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس (رض) قال: "تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ…} الآية".
وهذه الرواية في سندها اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وقد سبق بيان حاله.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية عبد الرزاق الصنعاني حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى.
وهذه الرواية في سندها عبد الوهاب بن مجاهد، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (98/6) وقال: "عَبْد الْوَهَّابِ بْن مجاهد بْن جبر مولى السائب الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِيه، قَالَ وكيع: كَانُوا يَقُولُون: إنَّهُ لم يسمع من أَبِيه" انتهى، وقال فيه أحمد بن حنبل: "لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث" انتهى من "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (رقم/4477)، وقال فيه سفيان الثوري: "كَذَّاب" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (70/6).
كما أورد ابن كثير أيضاً في "تفسيره" (126/3) رواية ابن أبي حاتم الرازي حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" انتهى.
وهذه الرواية في سندها أكثر من علة:
1- موسى بن قيس الحضرمي (أبو محمد الكوفي)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (164/4): "مِنَ الْغُلَاةِ فِي الرَّفْضِ" انتهى. وساق له العقيلي بضعة احاديث وقال: "وَهُوَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ رَدِيئَةٍ بَوَاطِيلَ" انتهى من "الضعفاء الكبير" للعقيلي (165/4).
2- سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي، وهو ثقة لكن فيه تشيع قليل، حيث قال فيه العجلي: "تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ" انتهى من "سير أعلام النبلاء" للذهبي (299/5)، وقال فيه يحيى بن معين: "سلمة بن كهيل شيعي مغالٍ" انتهى من "تاريخ دمشق" لابن عساكر (126/22)، وقال فيه أبو داود السجستاني: "كان سلمة يتشيع" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال" لعلاء الدين مغلطاي (22/6). ومن الجدير بالذكر أن الراوي الذي فيه تشيع خفيف كان أو غالٍ قد يروي رواية ضعيفة، وقد تكون هذه الرواية الضعيفة فيما يؤيد بدعته، وبالتالي ترد هذه الرواية؛ وذلك لأن المبتدع لا يجوز قبول روايته إذا كانت في روايته دعوة لبدعته، يقول ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (11/1): "وينبغي أن يُقيَّدَ قولنا بقبول رواية المبتدع –إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية– بشرط أن لا يكون الحديث الذي يُحدِّث به مما يعضُد بدعته ويُشيْدها. فإنا لا نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى" انتهى.
ونلاحظ مما سبق أن جميع أسانيد الروايات التي تقول بأن الآية نزلت في علي (رض) فيها كلام يضعف هذه الروايات، والله أعلم.
وهذا هو أبو جعفر محمد بن علي (محمد الباقر) يتعجب من سؤال أحد الحاضرين في مجلسه حول نزول الآية في علي بن ابي طالب ويرد عليهم بأن علياً من الذين آمنوا، أي يقصد ان الآية نزلت في جميع المؤمنين، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (رقم/12211): "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نـزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا" انتهى.
فإذن الرواية التي تحكي أن علياً أدى الزكاة وهو راكع؛ فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع، ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
قال ابن كثير في "تفسيره" (125/3 - 126): "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى" انتهى.
والذي زعم أنها نزلت في علي (رض) هو الثعلبي، وهو الملقب بحاطب الليل؛ لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح، وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير، حيث قال السيوطي - رحمه الله - في "الإتقان في علوم القرآن" (239/4): "وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب" انتهى.
قال ابن حجر العسقلاني في "الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف" (649/1): "رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" انتهى.
فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
و يسمي الشيعة الأمامية آية الولاية بكسر الواو، وهو خطأ، والصحيح بفتح الواو، وسياق الآية يناسب هذا التنبيه؛ لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
والاصح ان الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله (ص) والمؤمنين، حيث أخرج الطبري الرواية التي ورد فيها بيان ذلك في "جامع البيان" بإسنادين مختلفين أحدهما حسن، وفيما يلي عرض رواية الطبري التي جاءت بإسناد حسن:
قال الطبري: "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نـزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}= لقول عبادةَ: "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا"، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}" انتهى من "جامع البيان" للطبري (رقم/12207).
قال ابن كثير في "تفسيره" (127/3): "وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ" انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في "تفسيره" (ص/236): "فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله ذليلون" انتهى.

………………………………………………………
الأحد 1 ربيع الأول 1445هـ الموافق:17 سبتمبر 2023م 03:09:44 بتوقيت مكة
محمد علي  
شبهات يستخدمها الشيعة والرد عليها

"آية الولاية"
بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة/55].
يستدل الشيعة الإمامية بهذه الآية على أمامة علي (رض) وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم أجمعين) مستدلين بما جاء في "تفسير الطبري" (425/10) والذي هو: "وأما قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم عُني به علي، وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين" انتهى.
وفيما يلي عرض الروايات التي تقول إن آية الولاية نزلت في علي (رض) والواردة في "جامع البيان" للطبري وبيان أسانيدها:
• قال الطبري: "حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه" انتهى من "جامع البيان" الطبري (رقم/12210).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه علل:
1- أحمد بن المفضل الحفري (أبو علي الكوفي)، قال فيه أبو حاتم الرازي: "كان صدوقاً، وكان من رؤساء الشيعة" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (77/2)، وقال فيه ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" (رقم/109) (ص/84): "صدوق شيعي في حفظه شيء" انتهى.
2- اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وهو مولى زينب بنت قيس بن مخرمة كما قال المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (132/3)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (87/1): "حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَحَدَّثَنِي بِهَا فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ" انتهى، وقال فيه ليث بن أبي سليم: "كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي" انتهى من "ميزان الأعتدال" الذهبي (237/1).
• قال الطبري: "حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ}، قال: علي بن أبي طالب" انتهى من "جامع البيان" للطبري (رقم/12213).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه علل:
1- أيوب بن سويد الرملي، قَالَ فيه أَحْمد بن حَنْبَل: "أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2)، وَقَالَ فيه النَّسَائِيّ في "الضعفاء والمتروكين" (ص/16): "لَيْسَ بِثِقَة" انتهى، وَقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بشَيْءٍ كَانَ يَسْرِقُ الأَحَادِيثَ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2).
2- عتبة بن أبي حكيم الشعباني، قال فيه علي بن المديني: "كَانَ ضَعِيفا" انتهى من "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني" (ص/159)، قال فيه النسائي: "ضعيف" انتهى من "تهذيب التهذيب" لابن حجر العسقلاني (94/7 - 95).
• قال الطبري: "حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، الآية، قال: نـزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع" انتهى من "جامع البيان" للطبري (رقم/12214).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، وهو متروك الحديث، قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص/91): "غَالب بن عبيد الله مُنكر الحَدِيث" انتهى، وقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بثقة" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" (109/7)، وَقَالَ فيه أبو حاتم الرَّازِيّ: "متروك الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (48/7)، وَقَالَ فيه ابْن حبَان في "المجروحين" (201/2): "كَانَ مِمَّن يروي المعضلات عَن الثِّقَات حَتَّى رُبمَا سبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ" انتهى.
وتجدر الإشارة إلى أن الخطيب البغدادي قد روى رواية التصدق بالخاتم في "المتفق والمفترق" (258/1) من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد، عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس (رض) قال: "تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ…} الآية".
وهذه الرواية في سندها اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وقد سبق بيان حاله.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية عبد الرزاق الصنعاني حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى.
وهذه الرواية في سندها عبد الوهاب بن مجاهد، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (98/6) وقال: "عَبْد الْوَهَّابِ بْن مجاهد بْن جبر مولى السائب الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِيه، قَالَ وكيع: كَانُوا يَقُولُون: إنَّهُ لم يسمع من أَبِيه" انتهى، وقال فيه أحمد بن حنبل: "لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث" انتهى من "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (رقم/4477)، وقال فيه سفيان الثوري: "كَذَّاب" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (70/6).
كما أورد ابن كثير أيضاً في "تفسيره" (126/3) رواية ابن أبي حاتم الرازي حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" انتهى.
وهذه الرواية في سندها أكثر من علة:
1- موسى بن قيس الحضرمي (أبو محمد الكوفي)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (164/4): "مِنَ الْغُلَاةِ فِي الرَّفْضِ" انتهى. وساق له العقيلي بضعة احاديث وقال: "وَهُوَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ رَدِيئَةٍ بَوَاطِيلَ" انتهى من "الضعفاء الكبير" للعقيلي (165/4).
2- سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي، وهو ثقة لكن فيه تشيع قليل، حيث قال فيه العجلي: "تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ" انتهى من "سير أعلام النبلاء" للذهبي (299/5)، وقال فيه يحيى بن معين: "سلمة بن كهيل شيعي مغالٍ" انتهى من "تاريخ دمشق" لابن عساكر (126/22)، وقال فيه أبو داود السجستاني: "كان سلمة يتشيع" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال" لعلاء الدين مغلطاي (22/6). ومن الجدير بالذكر أن الراوي الذي فيه تشيع خفيف كان أو غالٍ قد يروي رواية ضعيفة، وقد تكون هذه الرواية الضعيفة فيما يؤيد بدعته، وبالتالي ترد هذه الرواية؛ وذلك لأن المبتدع لا يجوز قبول روايته إذا كانت في روايته دعوة لبدعته، يقول ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (11/1): "وينبغي أن يُقيَّدَ قولنا بقبول رواية المبتدع –إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية– بشرط أن لا يكون الحديث الذي يُحدِّث به مما يعضُد بدعته ويُشيْدها. فإنا لا نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى" انتهى.
ونلاحظ مما سبق أن جميع أسانيد الروايات التي تقول بأن الآية نزلت في علي (رض) فيها كلام يضعف هذه الروايات، والله أعلم.
وهذا هو أبو جعفر محمد بن علي (محمد الباقر) يتعجب من سؤال أحد الحاضرين في مجلسه حول نزول الآية في علي بن ابي طالب ويرد عليهم بأن علياً من الذين آمنوا، أي يقصد ان الآية نزلت في جميع المؤمنين، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (رقم/12211): "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نـزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا" انتهى.
فإذن الرواية التي تحكي أن علياً أدى الزكاة وهو راكع؛ فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع، ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
قال ابن كثير في "تفسيره" (125/3 - 126): "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى" انتهى.
والذي زعم أنها نزلت في علي (رض) هو الثعلبي، وهو الملقب بحاطب الليل؛ لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح، وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير، حيث قال السيوطي - رحمه الله - في "الإتقان في علوم القرآن" (239/4): "وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب" انتهى.
قال ابن حجر العسقلاني في "الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف" (649/1): "رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" انتهى.
فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
و يسمي الشيعة الأمامية آية الولاية بكسر الواو، وهو خطأ، والصحيح بفتح الواو، وسياق الآية يناسب هذا التنبيه؛ لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
والاصح ان الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله (ص) والمؤمنين، حيث أخرج الطبري الرواية التي ورد فيها بيان ذلك في "جامع البيان" بإسنادين مختلفين أحدهما حسن، وفيما يلي عرض رواية الطبري التي جاءت بإسناد حسن:
قال الطبري: "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نـزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}= لقول عبادةَ: "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا"، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}" انتهى من "جامع البيان" للطبري (رقم/12207).
قال ابن كثير في"تفسيره" (127/3): "وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ" انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في "تفسيره" (ص/236): "فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله ذليلون" انتهى.

………………………………………………………
السبت 29 صفر 1445هـ الموافق:16 سبتمبر 2023م 04:09:29 بتوقيت مكة
محمد علي  
شبهات يستخدمها الشيعة والرد عليها

"آية الولاية"
بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة/55].
يستدل الشيعة الإمامية بهذه الآية على أمامة علي (رض) وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم أجمعين) مستدلين بما جاء في "تفسير الطبري" (425/10) والذي هو: "وأما قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم عُني به علي، وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين" انتهى.
وفيما يلي عرض الروايات التي تقول إن آية الولاية نزلت في علي (رض) والواردة في "جامع البيان" للطبري وبيان أسانيدها:
• قال الطبري: "حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه" انتهى من "جامع البيان" الطبري (رقم/12210).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه علل:
1- أحمد بن المفضل الحفري (أبو علي الكوفي)، قال فيه أبو حاتم الرازي: "كان صدوقاً، وكان من رؤساء الشيعة" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (77/2)، وقال فيه ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" (رقم/109) (ص/84): "صدوق شيعي في حفظه شيء" انتهى.
2- اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وهو مولى زينب بنت قيس بن مخرمة كما قال المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (132/3)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (87/1): "حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَحَدَّثَنِي بِهَا فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ" انتهى، وقال فيه ليث بن أبي سليم: "كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي" انتهى من "ميزان الأعتدال" الذهبي (237/1).
• قال الطبري: "حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ}، قال: علي بن أبي طالب" انتهى من "جامع البيان" للطبري (رقم/12213).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه علل:
1- أيوب بن سويد الرملي، قَالَ فيه أَحْمد بن حَنْبَل: "أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2)، وَقَالَ فيه النَّسَائِيّ في "الضعفاء والمتروكين" (ص/16): "لَيْسَ بِثِقَة" انتهى، وَقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بشَيْءٍ كَانَ يَسْرِقُ الأَحَادِيثَ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2).
2- عتبة بن أبي حكيم الشعباني، قال فيه علي بن المديني: "كَانَ ضَعِيفا" انتهى من "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني" (ص/159)، قال فيه النسائي: "ضعيف" انتهى من "تهذيب التهذيب" لابن حجر العسقلاني (94/7 - 95).
• قال الطبري: "حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، الآية، قال: نـزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع" انتهى من "جامع البيان" للطبري (رقم/12214).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، وهو متروك الحديث، قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص/91): "غَالب بن عبيد الله مُنكر الحَدِيث" انتهى، وقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بثقة" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" (109/7)، وَقَالَ فيه أبو حاتم الرَّازِيّ: "متروك الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (48/7)، وَقَالَ فيه ابْن حبَان في "المجروحين" (201/2): "كَانَ مِمَّن يروي المعضلات عَن الثِّقَات حَتَّى رُبمَا سبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ" انتهى.
وتجدر الإشارة إلى أن الخطيب البغدادي قد روى رواية التصدق بالخاتم في "المتفق والمفترق" (258/1) من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد، عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس (رض) قال: "تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ…} الآية".
وهذه الرواية في سندها اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وقد سبق بيان حاله.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية عبد الرزاق الصنعاني حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى.
وهذه الرواية في سندها عبد الوهاب بن مجاهد، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (98/6) وقال: "عَبْد الْوَهَّابِ بْن مجاهد بْن جبر مولى السائب الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِيه، قَالَ وكيع: كَانُوا يَقُولُون: إنَّهُ لم يسمع من أَبِيه" انتهى، وقال فيه أحمد بن حنبل: "لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث" انتهى من "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (رقم/4477)، وقال فيه سفيان الثوري: "كَذَّاب" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (70/6).
كما أورد ابن كثير أيضاً في "تفسيره" (126/3) رواية ابن أبي حاتم الرازي حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" انتهى.
وهذه الرواية في سندها أكثر من علة:
1- موسى بن قيس الحضرمي (أبو محمد الكوفي)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (164/4): "مِنَ الْغُلَاةِ فِي الرَّفْضِ" انتهى. وساق له العقيلي بضعة احاديث وقال: "وَهُوَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ رَدِيئَةٍ بَوَاطِيلَ" انتهى من "الضعفاء الكبير" للعقيلي (165/4).
2- سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي، وهو ثقة لكن فيه تشيع قليل، حيث قال فيه العجلي: "تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ" انتهى من "سير أعلام النبلاء" للذهبي (299/5)، وقال فيه يحيى بن معين: "سلمة بن كهيل شيعي مغالٍ" انتهى من "تاريخ دمشق" لابن عساكر (126/22)، وقال فيه أبو داود السجستاني: "كان سلمة يتشيع" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال" لعلاء الدين مغلطاي (22/6). ومن الجدير بالذكر أن الراوي الذي فيه تشيع خفيف كان أو غالٍ قد يروي رواية ضعيفة، وقد تكون هذه الرواية الضعيفة فيما يؤيد بدعته، وبالتالي ترد هذه الرواية؛ وذلك لأن المبتدع لا يجوز قبول روايته إذا كانت في روايته دعوة لبدعته، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (11/1): "وينبغي أن يُقيَّدَ قولنا بقبول رواية المبتدع –إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية– بشرط أن لا يكون الحديث الذي يُحدِّث به مما يعضُد بدعته ويُشيْدها. فإنا لا نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى" انتهى.
ونلاحظ مما سبق أن جميع أسانيد الروايات التي تقول بأن الآية نزلت في علي (رض) فيها كلام يضعف هذه الروايات، والله أعلم.
وهذا هو أبو جعفر محمد بن علي (محمد الباقر) يتعجب من سؤال أحد الحاضرين في مجلسه حول نزول الآية في علي بن ابي طالب ويرد عليهم بأن علياً من الذين آمنوا، أي يقصد ان الآية نزلت في جميع المؤمنين، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (رقم/12211): "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نـزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا" انتهى.
فإذن الرواية التي تحكي أن علياً أدى الزكاة وهو راكع؛ فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع، ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
قال ابن كثير في "تفسيره" (125/3 - 126): "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى" انتهى.
والذي زعم أنها نزلت في علي (رض) هو الثعلبي، وهو الملقب بحاطب الليل؛ لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح، وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير، حيث قال السيوطي - رحمه الله - في "الإتقان في علوم القرآن" (239/4): "وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب" انتهى.
قال ابن حجر العسقلاني في "الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف" (649/1): "رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" انتهى.
فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
و يسمي الشيعة الأمامية آية الولاية بكسر الواو، وهو خطأ، والصحيح بفتح الواو، وسياق الآية يناسب هذا التنبيه؛ لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
والاصح ان الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله (ص) والمؤمنين، حيث أخرج الطبري الرواية التي ورد فيها بيان ذلك في "جامع البيان" بإسنادين مختلفين أحدهما حسن، وفيما يلي عرض رواية الطبري التي جاءت بإسناد حسن:
قال الطبري: "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نـزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}= لقول عبادةَ: "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا"، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}" انتهى من "جامع البيان" للطبري (رقم/12207).
قال ابن كثير في"تفسيره" (127/3): "وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ" انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في "تفسيره" (ص/236): "فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله
ذليلون" انتهى.

………………………………………………………
الجمعة 16 محرم 1445هـ الموافق:4 أغسطس 2023م 04:08:35 بتوقيت مكة
محمد علي  
شبهات يستخدمها الشيعة والرد عليها

"آية الولاية"
بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة/55].
يستدل الشيعة الإمامية بهذه الآية على أمامة علي - رضي الله عنه - وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - مستدلين بما جاء في تفسير الطبري، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (425/10): "وأما قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم عُني به علي، وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين" انتهى.
وفيما يلي عرض الروايات التي تقول إن آية الولاية نزلت في علي (رض) والواردة في "جامع البيان" للطبري وبيان أسانيدها:
• قال الطبري: "حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتَمَه" انتهى من "جامع البيان الطبري" (رقم/12210).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه علل:
1- أحمد بن المفضل الحفري (أبو علي الكوفي)، قال فيه أبو حاتم الرازي: "كان صدوقاً، وكان من رؤساء الشيعة" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (77/2)، وقال فيه ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" (رقم/109) (ص/84): "صدوق شيعي في حفظه شيء" انتهى.
2- اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وهو مولى زينب بنت قيس بن مخرمة كما قال المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (132/3)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (87/1): "حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَحَدَّثَنِي بِهَا فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ" انتهى، وقال فيه ليث بن أبي سليم: "كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي" انتهى من "ميزان الأعتدال" الذهبي (237/1).

• قال الطبري: "حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ}، قال: علي بن أبي طالب" انتهى من "جامع البيان للطبري" (رقم/12213).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه علل:
1- أيوب بن سويد الرملي، قَالَ فيه أَحْمد بن حَنْبَل: "أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2)، وَقَالَ فيه النَّسَائِيّ في "الضعفاء والمتروكين" (ص/16): "لَيْسَ بِثِقَة" انتهى، وَقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بشَيْءٍ كَانَ يَسْرِقُ الأَحَادِيثَ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2).
2- عتبة بن أبي حكيم الشعباني، قال فيه علي بن المديني: "كَانَ ضَعِيفا" انتهى من "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني" (ص/159)، قال فيه النسائي: "ضعيف" انتهى من "تهذيب التهذيب" لابن حجر العسقلاني (94/7 - 95).

• قال الطبري: "حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، الآية، قال: نـزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع" انتهى من "جامع البيان" للطبري (رقم/12214).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، وهو متروك الحديث، قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص/91): "غَالب بن عبيد الله مُنكر الحَدِيث" انتهى، وقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بثقة" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" (109/7)، وَقَالَ فيه أبو حاتم الرَّازِيّ: "متروك الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (48/7)، وَقَالَ فيه ابْن حبَان في "المجروحين" (201/2): "كَانَ مِمَّن يروي المعضلات عَن الثِّقَات حَتَّى رُبمَا سبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ" انتهى.

وتجدر الإشارة إلى أن الخطيب البغدادي قد روى رواية التصدق بالخاتم في "المتفق والمفترق" (258/1)، من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد، عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ...} الآية".
وهذه الرواية في سندها اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وقد سبق بيان حاله.

بالإضافة إلى ذلك، فقد أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية عبد الرزاق الصنعاني حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى.
وهذه الرواية في سندها عبد الوهاب بن مجاهد، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (98/6) وقال: "عَبْد الْوَهَّابِ بْن مجاهد بْن جبر مولى السائب الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِيه، قَالَ وكيع: كَانُوا يَقُولُون: إنَّهُ لم يسمع من أَبِيه" انتهى، وقال فيه أحمد بن حنبل: "لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث" انتهى من "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (رقم/4477)، وقال فيه سفيان الثوري: "كَذَّاب" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (70/6).

كما أورد ابن كثير أيضاً في "تفسيره" (126/3) رواية ابن أبي حاتم الرازي حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" انتهى.
وهذه الرواية في سندها أكثر من علة:
1- موسى بن قيس الحضرمي (أبو محمد الكوفي)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (164/4): "مِنَ الْغُلَاةِ فِي الرَّفْضِ" انتهى. وساق له العقيلي بضعة احاديث وقال: "وَهُوَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ رَدِيئَةٍ بَوَاطِيلَ" انتهى من "الضعفاء الكبير" للعقيلي (165/4).
2- سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي، وهو ثقة لكن فيه تشيع قليل، حيث قال فيه العجلي: "تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ" انتهى من "سير أعلام النبلاء" للذهبي (299/5)، وقال فيه يحيى بن معين: "سلمة بن كهيل شيعي مغالٍ" انتهى من "تاريخ دمشق" لابن عساكر (126/22)، وقال فيه أبو داود السجستاني: "كان سلمة يتشيع" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال" لعلاء الدين مغلطاي (22/6). ومن الجدير بالذكر أن الراوي الذي فيه تشيع خفيف كان أو غالٍ قد يروي رواية ضعيفة، وقد تكون هذه الرواية الضعيفة فيما يؤيد بدعته، وبالتالي ترد هذه الرواية؛ وذلك لأن المبتدع لا يجوز قبول روايته إذا كانت في روايته دعوة لبدعته، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (11/1): "وينبغي أن يُقيَّدَ قولنا بقبول رواية المبتدع –إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية– بشرط أن لا يكون الحديث الذي يُحدِّث به مما يعضُد بدعته ويُشيْدها. فإنا لا نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى" انتهى.

ونلاحظ مما سبق أن جميع أسانيد الروايات التي تقول إن الآية نزلت في علي - رضي الله عنه - فيها كلام يضعف هذه الروايات، والله أعلم.

وهذا هو أبو جعفر محمد بن علي (محمد الباقر) يتعجب من سؤال أحد الحاضرين في مجلسه حول نزول الآية في علي بن ابي طالب ويرد عليهم بأن علياً من الذين آمنوا، أي يقصد ان الآية نزلت في جميع المؤمنين، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (رقم/12211): "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نـزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا" انتهى.

فإذن الرواية التي تحكي أن علياً أدى الزكاة وهو راكع؛ فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع، ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
قال ابن كثير: "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى" انتهى من "تفسير ابن كثير" (125/3 - 126).
والذي زعم أنها نزلت في علي - رضي الله عنه - هو الثعلبي، وهو الملقب بحاطب الليل؛ لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح، وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير، حيث قال السيوطي - رحمه الله - في "الإتقان في علوم القرآن" (239/4): "وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب" انتهى.
قال ابن حجر العسقلاني: "رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" انتهى من "الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف" لابن حجر العسقلاني (649/1).
فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
و يسمي الشيعة الأمامية آية الولاية بكسر الواو، وهو خطأ، والصحيح بفتح الواو، وسياق الآية يناسب هذا التنبيه؛ لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
والاصح ان الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، حيث أخرج الطبري الرواية التي ورد فيها بيان ذلك في "جامع البيان" بإسنادين مختلفين أحدهما حسن، وفيما يلي عرض رواية الطبري التي جاءت بإسناد حسن:
قال الطبري: "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نـزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}= لقول عبادةَ: "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا" ، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}" انتهى من "جامع البيان للطبري" (رقم/12207).
قال ابن كثير في"تفسيره" (127/3): "وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ" انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في "تفسيره" (ص/236): "فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله ذليلون" انتهى.
………………………………………………………..
الأثنين 25 رمضان 1444هـ الموافق:17 أبريل 2023م 03:04:08 بتوقيت مكة
محمد علي  
شبهات يستخدمها الشيعة والرد عليها

"آية الولاية"
بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة/55].
يستدل الشيعة الإمامية بهذه الآية على أمامة علي - رضي الله عنه - وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - مستدلين بما جاء في تفسير الطبري، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (425/10): "وأما قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم عُني به علي، وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين" انتهى.
وفيما يلي عرض الروايات التي تقول إن آية الولاية نزلت في علي (رض) والواردة في "جامع البيان" للطبري وبيان أسانيدها:
• قال الطبري: "حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتَمَه" انتهى من "جامع البيان الطبري" (رقم/12210).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه علل:
1- أحمد بن المفضل الحفري (أبو علي الكوفي)، قال فيه أبو حاتم الرازي: "كان صدوقاً، وكان من رؤساء الشيعة" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (77/2)، وقال فيه ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" (رقم/109) (ص/84): "صدوق شيعي في حفظه شيء" انتهى.
2- اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وهو مولى زينب بنت قيس بن مخرمة كما قال المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (132/3)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (87/1): "حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَحَدَّثَنِي بِهَا فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ" انتهى، وقال فيه ليث بن أبي سليم: "كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي" انتهى من "ميزان الأعتدال" الذهبي (237/1).

• قال الطبري: "حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ}، قال: علي بن أبي طالب" انتهى من "جامع البيان للطبري" (رقم/12213).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه علل:
1- أيوب بن سويد الرملي، قَالَ فيه أَحْمد بن حَنْبَل: "أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2)، وَقَالَ فيه النَّسَائِيّ في "الضعفاء والمتروكين" (ص/16): "لَيْسَ بِثِقَة" انتهى، وَقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بشَيْءٍ كَانَ يَسْرِقُ الأَحَادِيثَ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2).
2- عتبة بن أبي حكيم الشعباني، قال فيه علي بن المديني: "كَانَ ضَعِيفا" انتهى من "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني" (ص/159)، قال فيه النسائي: "ضعيف" انتهى من "تهذيب التهذيب" لابن حجر العسقلاني (94/7 - 95).

• قال الطبري: "حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، الآية، قال: نـزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع" انتهى من "جامع البيان" للطبري (رقم/12214).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، وهو متروك الحديث، قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص/91): "غَالب بن عبيد الله مُنكر الحَدِيث" انتهى، وقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بثقة" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" (109/7)، وَقَالَ فيه أبو حاتم الرَّازِيّ: "متروك الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (48/7)، وَقَالَ فيه ابْن حبَان في "المجروحين" (201/2): "كَانَ مِمَّن يروي المعضلات عَن الثِّقَات حَتَّى رُبمَا سبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ" انتهى.

وتجدر الإشارة إلى أن الخطيب البغدادي قد روى رواية التصدق بالخاتم في "المتفق والمفترق" (258/1)، من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد، عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ...} الآية".
وهذه الرواية في سندها اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وقد سبق بيان حاله.

بالإضافة إلى ذلك، فقد أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية عبد الرزاق الصنعاني حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى.
وهذه الرواية في سندها عبد الوهاب بن مجاهد، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (98/6) وقال: "عَبْد الْوَهَّابِ بْن مجاهد بْن جبر مولى السائب الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِيه، قَالَ وكيع: كَانُوا يَقُولُون: إنَّهُ لم يسمع من أَبِيه" انتهى، وقال فيه أحمد بن حنبل: "لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث" انتهى من "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (رقم/4477)، وقال فيه سفيان الثوري: "كَذَّاب" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (70/6).

كما أورد ابن كثير أيضاً في "تفسيره" (126/3) رواية ابن أبي حاتم الرازي حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" انتهى.
وهذه الرواية في سندها أكثر من علة:
1- موسى بن قيس الحضرمي (أبو محمد الكوفي)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (164/4): "مِنَ الْغُلَاةِ فِي الرَّفْضِ" انتهى. وساق له العقيلي بضعة احاديث وقال: "وَهُوَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ رَدِيئَةٍ بَوَاطِيلَ" انتهى من "الضعفاء الكبير" للعقيلي (165/4).
2- سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي، وهو ثقة لكن فيه تشيع قليل، حيث قال فيه أحمد العجلي: "تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ" انتهى من "سير أعلام النبلاء" للذهبي (299/5)، وقال فيه يحيى بن معين: "سلمة بن كهيل شيعي مغالٍ" انتهى من "تاريخ دمشق" لابن عساكر (126/22)، وقال فيه أبو داود السجستاني: "كان سلمة يتشيع" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال" لعلاء الدين مغلطاي (22/6). ومن الجدير بالذكر أن الراوي الذي فيه تشيع خفيف كان أو غالٍ قد يروي رواية ضعيفة، وقد تكون هذه الرواية الضعيفة فيما يؤيد بدعته، وبالتالي ترد هذه الرواية؛ وذلك لأن المبتدع لا يجوز قبول روايته إذا كانت في روايته دعوة لبدعته، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (11/1): "وينبغي أن يُقيَّدَ قولنا بقبول رواية المبتدع –إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية– بشرط أن لا يكون الحديث الذي يُحدِّث به مما يعضُد بدعته ويُشيْدها. فإنا لا نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى" انتهى.

ونلاحظ مما سبق أن جميع أسانيد الروايات التي تقول إن الآية نزلت في علي - رضي الله عنه - فيها كلام يضعف هذه الروايات، والله أعلم.

وهذا هو أبو جعفر محمد بن علي (محمد الباقر) يتعجب من سؤال أحد الحاضرين في مجلسه حول نزول الآية في علي بن ابي طالب ويرد عليهم بأن علياً من الذين آمنوا، أي يقصد ان الآية نزلت في جميع المؤمنين، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (رقم/12211): "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نـزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا" انتهى.

فإذن الرواية التي تحكي أن علياً أدى الزكاة وهو راكع؛ فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع، ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
قال ابن كثير: "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى" انتهى من "تفسير ابن كثير" (125/3 - 126).
والذي زعم أنها نزلت في علي - رضي الله عنه - هو الثعلبي، وهو الملقب بحاطب الليل؛ لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح، وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير، حيث قال السيوطي - رحمه الله - في "الإتقان في علوم القرآن" (239/4): "وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب" انتهى.
قال ابن حجر العسقلاني: "رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" انتهى من "الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف" لابن حجر العسقلاني (649/1).
فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
و يسمي الشيعة الأمامية آية الولاية بكسر الواو، وهو خطأ، والصحيح بفتح الواو، وسياق الآية يناسب هذا التنبيه؛ لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
والاصح ان الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، حيث أخرج الطبري الرواية التي ورد فيها بيان ذلك في "جامع البيان" بإسنادين مختلفين أحدهما حسن، وفيما يلي عرض رواية الطبري التي جاءت بإسناد حسن:
قال الطبري: "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نـزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}= لقول عبادةَ: "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا" ، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}" انتهى من "جامع البيان للطبري" (رقم/12207).
قال ابن كثير في"تفسيره" (127/3): "وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ" انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في "تفسيره" (ص/236): "فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله ذليلون" انتهى.
………………………………………………………..
الخميس 8 شعبان 1444هـ الموافق:2 مارس 2023م 07:03:21 بتوقيت مكة
محمد علي  
شبهات يستخدمها الشيعة والرد عليها

"آية الولاية"
بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة/55].
يستدل الشيعة الإمامية بهذه الآية على أمامة علي - رضي الله عنه - وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - مستدلين بما جاء في تفسير الطبري، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (425/10): "وأما قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم عُني به علي، وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين" انتهى.
وفيما يلي عرض الروايات التي تقول إن آية الولاية نزلت في علي (رض) والواردة في "جامع البيان" للطبري وبيان أسانيدها:
• قال الطبري: "حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتَمَه" انتهى من "جامع البيان الطبري" (رقم/12210).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه علل:
1- أحمد بن المفضل الحفري (أبو علي الكوفي)، قال فيه أبو حاتم الرازي: "كان صدوقاً، وكان من رؤساء الشيعة" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (77/2)، وقال فيه ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" (رقم/109) (ص/84): "صدوق شيعي في حفظه شيء" انتهى.
2- اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وهو مولى زينب بنت قيس بن مخرمة كما قال المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (132/3)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (87/1): "حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَحَدَّثَنِي بِهَا فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ" انتهى، وقال فيه ليث بن أبي سليم: "كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي" انتهى من "ميزان الأعتدال" الذهبي (237/1).

• قال الطبري: "حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ}، قال: علي بن أبي طالب" انتهى من "جامع البيان للطبري" (رقم/12213).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه علل:
1- أيوب بن سويد الرملي، قَالَ فيه أَحْمد بن حَنْبَل: "أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2)، وَقَالَ فيه النَّسَائِيّ في "الضعفاء والمتروكين" (ص/16): "لَيْسَ بِثِقَة" انتهى، وَقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بشَيْءٍ كَانَ يَسْرِقُ الأَحَادِيثَ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2).
2- عتبة بن أبي حكيم الشعباني، قال فيه علي بن المديني: "كَانَ ضَعِيفا" انتهى من "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني" (ص/159)، قال فيه النسائي: "ضعيف" انتهى من "تهذيب التهذيب" لابن حجر العسقلاني (94/7 - 95).

• قال الطبري: "حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، الآية، قال: نـزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع" انتهى من "جامع البيان" للطبري (رقم/12214).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، وهو متروك الحديث، قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص/91): "غَالب بن عبيد الله مُنكر الحَدِيث" انتهى، وقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بثقة" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" (109/7)، وَقَالَ فيه أبو حاتم الرَّازِيّ: "متروك الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (48/7)، وَقَالَ فيه ابْن حبَان في "المجروحين" (201/2): "كَانَ مِمَّن يروي المعضلات عَن الثِّقَات حَتَّى رُبمَا سبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ" انتهى.

وتجدر الإشارة إلى أن الخطيب البغدادي قد روى رواية التصدق بالخاتم في "المتفق والمفترق" (258/1)، من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد، عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ...} الآية".
وهذا السند فيه اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وقد سبق بيان حاله.

بالإضافة إلى ذلك، فقد أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية عبد الرزاق الصنعاني حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى.
وهذا السند فيه عبد الوهاب بن مجاهد، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (98/6) وقال: "عَبْد الْوَهَّابِ بْن مجاهد بْن جبر مولى السائب الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِيه، قَالَ وكيع: كَانُوا يَقُولُون: إنَّهُ لم يسمع من أَبِيه" انتهى، وقال فيه أحمد بن حنبل: "لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث" انتهى من "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (رقم/4477)، وقال فيه سفيان الثوري: "كَذَّاب" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (70/6).

كما أورد ابن كثير أيضاً في "تفسيره" (126/3) رواية ابن أبي حاتم الرازي حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" انتهى.
وهذه الرواية في سندها أكثر من علة:
1- موسى بن قيس الحضرمي (أبو محمد الكوفي)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (164/4): "مِنَ الْغُلَاةِ فِي الرَّفْضِ" انتهى. وساق له العقيلي بضعة احاديث وقال: "وَهُوَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ رَدِيئَةٍ بَوَاطِيلَ" انتهى من "الضعفاء الكبير" للعقيلي (165/4).
2- سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي، وهو ثقة لكن فيه تشيع قليل، حيث قال فيه أحمد العجلي: "تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ" انتهى من "سير أعلام النبلاء" للذهبي (299/5)، وقال فيه يحيى بن معين: "سلمة بن كهيل شيعي مغالٍ" انتهى من "تاريخ دمشق" لابن عساكر (126/22)، وقال فيه أبو داود السجستاني: "كان سلمة يتشيع" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال" لعلاء الدين مغلطاي (22/6). ومن الجدير بالذكر أن الراوي الذي فيه تشيع خفيف كان أو غالٍ قد يروي رواية ضعيفة، وقد تكون هذه الرواية الضعيفة فيما يؤيد بدعته، وبالتالي ترد هذه الرواية؛ وذلك لأن المبتدع لا يجوز قبول روايته إذا كانت في روايته دعوة لبدعته، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (11/1): "وينبغي أن يُقيَّدَ قولنا بقبول رواية المبتدع –إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية– بشرط أن لا يكون الحديث الذي يُحدِّث به مما يعضُد بدعته ويُشيْدها. فإنا لا نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى" انتهى.

ونلاحظ مما سبق بأن جميع أسانيد الروايات التي تقول إن الآية نزلت في علي - رضي الله عنه - فيها كلام ما يضعف هذه الروايات، والله أعلم .

وهذا هو أبو جعفر محمد بن علي (محمد الباقر) يتعجب من سؤال أحد الحاضرين في مجلسه حول نزول الآية في علي بن ابي طالب ويرد عليهم بأن علياً من الذين آمنوا، أي يقصد ان الآية نزلت في جميع المؤمنين، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (رقم/12211): "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نـزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا" انتهى.

فإذن الرواية التي تحكي أن علياً أدى الزكاة وهو راكع؛ فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع، ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
قال ابن كثير: "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى" انتهى من "تفسير ابن كثير" (125/3 - 126).
والذي زعم أنها نزلت في علي - رضي الله عنه - هو الثعلبي، وهو الملقب بحاطب الليل؛ لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح، وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير، حيث قال السيوطي - رحمه الله - في "الإتقان في علوم القرآن" (239/4): "وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب" انتهى.
قال ابن حجر العسقلاني: "رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" انتهى من "الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف" لابن حجر العسقلاني (649/1).
فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
و يسمي الشيعة الأمامية آية الولاية بكسر الواو، وهو خطأ، والصحيح بفتح الواو، وسياق الآية يناسب هذا التنبيه؛ لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
والاصح ان الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، حيث أخرج الطبري الرواية التي ورد فيها بيان ذلك في "جامع البيان" بإسنادين مختلفين أحدهما حسن، وفيما يلي عرض رواية الطبري التي جاءت بإسناد حسن:
قال الطبري: "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نـزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}= لقول عبادةَ: "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا" ، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}" انتهى من "جامع البيان للطبري" (رقم/12207).
قال ابن كثير في"تفسيره" (127/3): "وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ" انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في "تفسيره" (ص/236): "فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله ذليلون" انتهى.
………………………………………………………..
الثلاثاء 6 شعبان 1444هـ الموافق:28 فبراير 2023م 10:02:35 بتوقيت مكة
محمد علي  
شبهات يستخدمها الشيعة والرد عليها

"آية الولاية"
بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة/55].
يستدل الشيعة الإمامية بهذه الآية على أمامة علي - رضي الله عنه - وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - مستدلين بما جاء في تفسير الطبري، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (425/10): "وأما قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم عُني به علي، وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين" انتهى.
وفيما يلي عرض الروايات التي تقول إن آية الولاية نزلت في علي (رض) والواردة في "جامع البيان للطبري" وبيان أسانيدها:
• قال الطبري: "حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتَمَه" انتهى من "جامع البيان الطبري" (رقم/12210).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه علل:
1- أحمد بن المفضل الحفري (أبو علي الكوفي)، قال فيه أبو حاتم الرازي: "كان صدوقاً، وكان من رؤساء الشيعة" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (77/2)، وقال فيه ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" (رقم/109) (ص/84): "صدوق شيعي في حفظه شيء" انتهى.
2- اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وهو مولى زينب بنت قيس بن مخرمة كما قال المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (132/3)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (87/1): "حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَحَدَّثَنِي بِهَا فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ" انتهى، وقال فيه ليث بن أبي سليم: "كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي" انتهى من "ميزان الأعتدال" الذهبي (237/1).

• قال الطبري: "حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ}، قال: علي بن أبي طالب" انتهى من "جامع البيان للطبري" (رقم/12213).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه علل:
1- أيوب بن سويد الرملي، قَالَ فيه أَحْمد بن حَنْبَل: "أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2)، وَقَالَ فيه النَّسَائِيّ في "الضعفاء والمتروكين" (ص/16): "لَيْسَ بِثِقَة" انتهى، وَقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بشَيْءٍ كَانَ يَسْرِقُ الأَحَادِيثَ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي الجرجاني (23/2).
2- عتبة بن أبي حكيم الشعباني، قال فيه علي بن المديني: "كَانَ ضَعِيفا" انتهى من "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني" (ص/159)، قال فيه النسائي: "ضعيف" انتهى من "تهذيب التهذيب" لابن حجر العسقلاني (94/7 - 95).

• قال الطبري: "حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، الآية، قال: نـزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع" انتهى من "جامع البيان" للطبري (رقم/12214).
وهذه الرواية سندها ضعيف فيه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، وهو متروك الحديث، قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص/91): "غَالب بن عبيد الله مُنكر الحَدِيث" انتهى، وقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بثقة" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" (109/7)، وَقَالَ فيه أبو حاتم الرَّازِيّ: "متروك الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (48/7)، وَقَالَ فيه ابْن حبَان في "المجروحين" (201/2): "كَانَ مِمَّن يروي المعضلات عَن الثِّقَات حَتَّى رُبمَا سبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ" انتهى.

وتجدر الإشارة إلى أن الخطيب البغدادي قد روى رواية التصدق بالخاتم في "المتفق والمفترق" (258/1)، من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد، عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ...} الآية".
وهذا السند فيه اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وقد سبق بيان حاله.

بالإضافة إلى ذلك، فقد أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية عبد الرزاق الصنعاني حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى.
وهذا السند فيه عبد الوهاب بن مجاهد، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (98/6) وقال: "عَبْد الْوَهَّابِ بْن مجاهد بْن جبر مولى السائب الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِيه، قَالَ وكيع: كَانُوا يَقُولُون: إنَّهُ لم يسمع من أَبِيه" انتهى، وقال فيه أحمد بن حنبل: "لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث" انتهى من "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (رقم/4477)، وقال فيه سفيان الثوري: "كَذَّاب" انتهى من "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (70/6).

كما أورد ابن كثير أيضاً في "تفسيره" (126/3) رواية ابن أبي حاتم الرازي حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" انتهى.
وهذه الرواية في سندها أكثر من علة:
1- موسى بن قيس الحضرمي (أبو محمد الكوفي)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (164/4): "مِنَ الْغُلَاةِ فِي الرَّفْضِ" انتهى. وساق له العقيلي بضعة احاديث وقال: "وَهُوَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ رَدِيئَةٍ بَوَاطِيلَ" انتهى من "الضعفاء الكبير" للعقيلي (165/4).
2- سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي، وهو ثقة لكن فيه تشيع قليل، حيث قال فيه أحمد العجلي: "تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ" انتهى من "سير أعلام النبلاء" للذهبي (299/5)، وقال فيه يحيى بن معين: "سلمة بن كهيل شيعي مغالٍ" انتهى من "تاريخ دمشق" لابن عساكر (126/22)، وقال فيه أبو داود السجستاني: "كان سلمة يتشيع" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال" لعلاء الدين مغلطاي (22/6). ومن الجدير بالذكر أن الراوي الذي فيه تشيع خفيف كان أو غالٍ قد يروي رواية ضعيفة، وقد تكون هذه الرواية الضعيفة فيما يؤيد بدعته، وبالتالي ترد هذه الرواية؛ وذلك لأن المبتدع لا يجوز قبول روايته إذا كانت في روايته دعوة لبدعته، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (11/1): "وينبغي أن يُقيَّدَ قولنا بقبول رواية المبتدع –إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية– بشرط أن لا يكون الحديث الذي يُحدِّث به مما يعضُد بدعته ويُشيْدها. فإنا لا نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى" انتهى.

ونلاحظ مما سبق بأن جميع أسانيد الروايات التي تقول إن الآية نزلت في علي - رضي الله عنه - فيها كلام ما يضعف هذه الروايات، والله أعلم .

وهذا هو أبو جعفر محمد بن علي (محمد الباقر) يتعجب من سؤال أحد الحاضرين في مجلسه حول نزول الآية في علي بن ابي طالب ويرد عليهم بأن علياً من الذين آمنوا، أي يقصد ان الآية نزلت في جميع المؤمنين، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (رقم/12211): "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نـزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا" انتهى.

فإذن الرواية التي تحكي أن علياً أدى الزكاة وهو راكع؛ فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع، ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
قال ابن كثير: "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى" انتهى من "تفسير ابن كثير" (125/3 - 126).
والذي زعم أنها نزلت في علي - رضي الله عنه - هو الثعلبي، وهو الملقب بحاطب الليل؛ لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح، وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير، حيث قال السيوطي - رحمه الله - في "الإتقان في علوم القرآن" (239/4): "وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب" انتهى.
قال ابن حجر العسقلاني: "رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" انتهى من "الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف" لابن حجر العسقلاني (649/1).
فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
و يسمي الشيعة الأمامية آية الولاية بكسر الواو، وهو خطأ، والصحيح بفتح الواو، وسياق الآية يناسب هذا التنبيه؛ لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
والاصح ان الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، حيث أخرج الطبري الرواية التي ورد فيها بيان ذلك في "جامع البيان" بإسنادين مختلفين أحدهما حسن، وفيما يلي عرض رواية الطبري التي جاءت بإسناد حسن:
قال الطبري: "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نـزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}= لقول عبادةَ: "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا" ، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}" انتهى من "جامع البيان للطبري" (رقم/12207).
قال ابن كثير في"تفسيره" (127/3): "وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ" انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في "تفسيره" (ص/236): "فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله ذليلون" انتهى.
………………………………………………………..
الخميس 1 شعبان 1444هـ الموافق:23 فبراير 2023م 06:02:06 بتوقيت مكة
محمد علي  
شبهات يستخدمها الشيعة والرد عليها

"آية الولاية"
بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة/55].
يستدل الشيعة الإمامية بهذه الآية على أمامة علي - رضي الله عنه - وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - مستدلين بما جاء في تفسير الطبري، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (425/10): "وأما قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم عُني به علي، وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين" انتهى.
وفيما يلي عرض الروايات التي تقول إن آية الولاية نزلت في علي (رض) والواردة في "جامع البيان للطبري" وبيان أسانيدها:
• (12210) حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتَمَه.
وهذا سند ضعيف فيه علل:
1- أحمد بن المفضل الحفري (أبو علي الكوفي): قال فيه أبو حاتم الرازي: "كان صدوقاً، وكان من رؤساء الشيعة" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (77/2)، وقال فيه ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" (رقم/109) (ص/84): "صدوق شيعي في حفظه شيء" انتهى.
2- اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي): وهو مولى زينب بنت قيس بن مخرمة كما قال المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (132/3)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (87/1): "حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَحَدَّثَنِي بِهَا فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ" انتهى، وقال فيه ليث بن أبي سليم: "كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي" انتهى من "ميزان الأعتدال الذهبي" (237/1).

• (12213) حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا"، قال: علي بن أبي طالب.
وهذا سند ضعيف فيه علل:
1- أيوب بن سويد الرملي: قَالَ فيه أَحْمد بن حَنْبَل: "أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي الجرجاني" (23/2)، وَقَالَ فيه النَّسَائِيّ في "الضعفاء والمتروكين" (ص/16): "لَيْسَ بِثِقَة" انتهى، وَقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بشَيْءٍ كَانَ يَسْرِقُ الأَحَادِيثَ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي الجرجاني" (23/2).
2- عتبة بن أبي حكيم الشعباني: قال فيه علي بن المديني: "كَانَ ضَعِيفا" انتهى من "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني" (ص/159)، قال فيه النسائي: "ضعيف" انتهى من "تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني" (94/7 - 95).

• (12214) حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: "إنما وليكم الله ورسوله"، الآية، قال: نـزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع.
وهذا سند ضعيف فيه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، وهو متروك الحديث، قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص/91): "غَالب بن عبيد الله مُنكر الحَدِيث" انتهى، وقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بثقة" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" (109/7)، وَقَالَ فيه أبو حاتم الرَّازِيّ: "متروك الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (48/7)، وَقَالَ فيه ابْن حبَان في "المجروحين" (201/2): "كَانَ مِمَّن يروي المعضلات عَن الثِّقَات حَتَّى رُبمَا سبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ" انتهى.

وتجدر الإشارة إلى أن الخطيب البغدادي قد روى رواية التصدق بالخاتم في "المتفق والمفترق" (258/1)، من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد، عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه: {إنما وليكم الله ورسوله...} الآية".
وهذا السند فيه اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وقد سبق بيان حاله.

بالإضافة إلى ذلك، فقد أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية عبد الرزاق الصنعاني حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى.
وهذا السند فيه عبد الوهاب بن مجاهد، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (98/6) وقال: "عَبْد الْوَهَّابِ بْن مجاهد بْن جبر مولى السائب الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِيه، قَالَ وكيع: كَانُوا يَقُولُون: إنَّهُ لم يسمع من أَبِيه" انتهى، وقال فيه أحمد بن حنبل: "لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث" انتهى من "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (رقم/4477)، وقال فيه سفيان الثوري: "كَذَّاب" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (70/6).

كما أورد ابن كثير أيضاً في "تفسيره" (126/3) رواية ابن أبي حاتم الرازي حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" انتهى.
وهذا السند فيه أكثر من علة:
1- موسى بن قيس الحضرمي (أبو محمد الكوفي)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (164/4): "مِنَ الْغُلَاةِ فِي الرَّفْضِ" انتهى. وساق له العقيلي بضعة احاديث وقال: "وَهُوَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ رَدِيئَةٍ بَوَاطِيلَ" انتهى من "الضعفاء الكبير للعقيلي" (165/4).
2- سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي، وهو ثقة لكن فيه تشيع قليل، حيث قال فيه أحمد العجلي: "تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ" انتهى من"سير أعلام النبلاء للذهبي" (299/5)، وقال فيه يحيى بن معين: "سلمة بن كهيل شيعي مغالٍ" انتهى من "تاريخ دمشق لابن عساكر" (126/22)، وقال فيه أبو داود السجستاني: "كان سلمة يتشيع" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال لعلاء الدين مغلطاي" (22/6). ومن الجدير بالذكر أن الراوي الذي فيه تشيع - سواء كان التشيع خفيف أو غالٍ - قد يروي رواية ضعيفة، وقد تكون هذه الرواية الضعيفة فيما يؤيد بدعته، وبالتالي ترد هذه الرواية، وذلك لأن المبتدع عندما يروي رواية (غير محفوظة عند أهل العلم) تؤيد بدعته، فلا يجوز قبولها، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (11/1): "وينبغي أن يُقيَّدَ قولنا بقبول رواية المبتدع –إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية– بشرط أن لا يكون الحديث الذي يُحدِّث به مما يعضُد بدعته ويُشيْدها. فإنا لا نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى" انتهى.

ونلاحظ مما سبق بأن جميع أسانيد الروايات التي تقول إن الآية نزلت في علي - رضي الله عنه - فيها كلام ما يضعف هذه الروايات، والله أعلم .

وهذا هو أبو جعفر محمد بن علي (محمد الباقر) يتعجب من سؤال أحد الحاضرين في مجلسه حول نزول الآية في علي بن ابي طالب ويرد عليهم بأن علياً من الذين آمنوا، أي يقصد ان الآية نزلت في جميع المؤمنين، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (425/10 - 426): "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون }، قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نـزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا" انتهى.

فإذن الرواية التي تحكي أن علياً أدى الزكاة وهو راكع؛ فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع، ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
قال ابن كثير: "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى" [تفسير ابن كثير 125/3 - 126].
والذي زعم أنها نزلت في علي - رضي الله عنه - هو الثعلبي، وهو الملقب بحاطب الليل؛ لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح، وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير. حيث قال السيوطي - رحمه الله - في "الإتقان في علوم القرآن" (239/4): "وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب" انتهى.
قال ابن حجر العسقلاني: "رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" [الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر العسقلاني، هامش الكشاف 649/1].
فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
و يسمي الشيعة الأمامية آية الولاية بكسر الواو، وهو خطأ، والصحيح بفتح الواو، وسياق الآية يناسب هذا التنبيه؛ لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
والاصح ان الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، حيث أخرج الطبري الرواية التي ورد فيها بيان ذلك في "جامع البيان" (424/10) بأسانيد مختلفة، ونحن سوف نعرض هذه الرواية بإسناد حسن كلآتي:
(12207) حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نـزلت: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"= لقول عبادةَ: "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا" ، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ.
قال ابن كثير في"تفسيره" (127/3): "وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ" انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في "تفسيره" (ص/236): "فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله ذليلون" انتهى.
………………………………………………………..
الأحد 27 رجب 1444هـ الموافق:19 فبراير 2023م 10:02:51 بتوقيت مكة
محمد علي  
شبهات يستخدمها الشيعة والرد عليها

"آية الولاية"
بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة/55].
يستدل الشيعة الإمامية بهذه الآية على أمامة علي - رضي الله عنه - وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - مستدلين بما جاء في تفسير الطبري، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (425/10): "وأما قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم عُني به علي، وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين" انتهى.
وفيما يلي عرض الروايات التي تقول إن آية الولاية نزلت في علي (رض) والواردة في "جامع البيان للطبري" وبيان أسانيدها:
• (12210) حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتَمَه.
وهذا سند ضعيف فيه علل:
1- أحمد بن المفضل الحفري (أبو علي الكوفي): قال فيه أبو حاتم الرازي: "كان صدوقاً، وكان من رؤساء الشيعة" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (77/2)، وقال فيه ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" (رقم/109) (ص/84): "صدوق شيعي في حفظه شيء" انتهى.
2- اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي): وهو مولى زينب بنت قيس بن مخرمة كما قال المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (132/3)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (87/1): "حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَحَدَّثَنِي بِهَا فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ" انتهى، وقال فيه ليث بن أبي سليم: "كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي" انتهى من "ميزان الأعتدال الذهبي" (237/1).

• (12213) حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا"، قال: علي بن أبي طالب.
وهذا سند ضعيف فيه علل:
1- أيوب بن سويد الرملي: قَالَ فيه أَحْمد بن حَنْبَل: "أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي الجرجاني" (23/2)، وَقَالَ فيه النَّسَائِيّ في "الضعفاء والمتروكين" (ص/16): "لَيْسَ بِثِقَة" انتهى، وَقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بشَيْءٍ كَانَ يَسْرِقُ الأَحَادِيثَ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي الجرجاني" (23/2).
2- عتبة بن أبي حكيم الشعباني: قال فيه علي بن المديني: "كَانَ ضَعِيفا" انتهى من "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني" (ص/159)، قال فيه النسائي: "ضعيف" انتهى من "تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني" (94/7 - 95).

• (12214) حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: "إنما وليكم الله ورسوله"، الآية، قال: نـزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع.
وهذا سند ضعيف فيه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، وهو متروك الحديث، قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص/91): "غَالب بن عبيد الله مُنكر الحَدِيث" انتهى، وقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بثقة" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" (109/7)، وَقَالَ فيه أبو حاتم الرَّازِيّ: "متروك الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (48/7)، وَقَالَ فيه ابْن حبَان في "المجروحين" (201/2): "كَانَ مِمَّن يروي المعضلات عَن الثِّقَات حَتَّى رُبمَا سبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ" انتهى.

وتجدر الإشارة إلى أن الخطيب البغدادي قد روى رواية التصدق بالخاتم في "المتفق والمفترق" (258/1)، من طريق أبو إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد، عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه: {إنما وليكم الله ورسوله...} الآية".
وهذا السند فيه اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وقد سبق بيان حاله.

بالإضافة إلى ذلك، فقد أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية عبد الرزاق الصنعاني حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى.
وهذا السند فيه عبد الوهاب بن مجاهد، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (98/6) وقال: "عَبْد الْوَهَّابِ بْن مجاهد بْن جبر مولى السائب الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِيه، قَالَ وكيع: كَانُوا يَقُولُون: إنَّهُ لم يسمع من أَبِيه" انتهى، وقال فيه أحمد بن حنبل: "لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث" انتهى من "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (رقم/4477)، وقال فيه سفيان الثوري: "كَذَّاب" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (70/6).

كما أورد ابن كثير أيضاً في "تفسيره" (126/3) رواية ابن أبي حاتم الرازي حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" انتهى.
وهذا السند فيه أكثر من علة:
1- موسى بن قيس الحضرمي (أبو محمد الكوفي)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (164/4): "مِنَ الْغُلَاةِ فِي الرَّفْضِ" انتهى. وساق له العقيلي بضعة احاديث وقال: "وَهُوَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ رَدِيئَةٍ بَوَاطِيلَ" انتهى من "الضعفاء الكبير للعقيلي" (165/4).
2- سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي، وهو ثقة لكن فيه تشيع قليل، حيث قال فيه أحمد العجلي: "تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ" انتهى من"سير أعلام النبلاء للذهبي" (299/5)، وقال فيه يحيى بن معين: "سلمة بن كهيل شيعي مغالٍ" انتهى من "تاريخ دمشق لابن عساكر" (126/22)، وقال فيه أبو داود السجستاني: "كان سلمة يتشيع" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال لعلاء الدين مغلطاي" (22/6). ومن الجدير بالذكر أن الراوي الذي فيه تشيع - سواء كان التشيع خفيف أو غالٍ - قد يروي رواية ضعيفة، وقد تكون هذه الرواية الضعيفة فيما يؤيد بدعته، وبالتالي ترد هذه الرواية، وذلك لأن المبتدع عندما يروي رواية (غير محفوظة عند أهل العلم) تؤيد بدعته، فلا يجوز قبولها، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (11/1): "وينبغي أن يُقيَّدَ قولنا بقبول رواية المبتدع –إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية– بشرط أن لا يكون الحديث الذي يُحدِّث به مما يعضُد بدعته ويُشيْدها. فإنا لا نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى" انتهى.

ونلاحظ مما سبق بأن جميع أسانيد الروايات التي تقول إن الآية نزلت في علي - رضي الله عنه - فيها كلام ما يضعف هذه الروايات، والله أعلم .

وهذا هو أبو جعفر محمد بن علي (محمد الباقر) يتعجب من سؤال أحد الحاضرين في مجلسه حول نزول الآية في علي بن ابي طالب ويرد عليهم بأن علياً من الذين آمنوا، أي يقصد ان الآية نزلت في جميع المؤمنين، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (425/10 - 426): "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون }، قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نـزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا" انتهى.

فإذن الرواية التي تحكي أن علياً أدى الزكاة وهو راكع؛ فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع، ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
قال ابن كثير: "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى" [تفسير ابن كثير 125/3 - 126].
والذي زعم أنها نزلت في علي - رضي الله عنه - هو الثعلبي، وهو الملقب بحاطب الليل؛ لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح، وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير. حيث قال السيوطي - رحمه الله - في "الإتقان في علوم القرآن" (239/4): "وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب" انتهى.
قال ابن حجر العسقلاني: "رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" [الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر العسقلاني، هامش الكشاف 649/1].
فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
و يسمي الشيعة الأمامية آية الولاية بكسر الواو، وهو خطأ، والصحيح بفتح الواو، وسياق الآية يناسب هذا التنبيه؛ لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
والاصح ان الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، حيث أخرج الطبري الرواية التي ورد فيها بيان ذلك في "جامع البيان" (424/10) بأسانيد مختلفة منها:
• (12207) حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نـزلت: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"= لقول عبادةَ: "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا" ، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ.
وإسناده حسن.
قال ابن كثير في"تفسيره" (127/3): "وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ" انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في "تفسيره" (ص/236): "فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله ذليلون" انتهى.
………………………………………………………..
الثلاثاء 5 ربيع الآخر 1444هـ الموافق:1 نوفمبر 2022م 01:11:25 بتوقيت مكة
محمد علي  
شبهات يستخدمها الشيعة والرد عليها

"آية الولاية"
بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة/55].
يستدل الشيعة الإمامية بهذه الآية على أمامة علي - رضي الله عنه - وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - مستدلين بما جاء في تفسير الطبري، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (425/10): "وأما قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم عُني به علي، وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين" انتهى.
وفيما يلي عرض الروايات في "جامع البيان للطبري" التي تقول إن الآية نزلت في علي (رض) وبيان أسانيدها:
• (12210) حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتَمَه.
وهذا سند ضعيف فيه علل:
1- أحمد بن المفضل الحفري (أبو علي الكوفي): قال فيه أبو حاتم الرازي: "كان صدوقاً، وكان من رؤساء الشيعة" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (77/2)، وقال فيه ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" (رقم/109) (ص/84): "صدوق شيعي في حفظه شيء" انتهى.
2- اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي): وهو مولى زينب بنت قيس بن مخرمة كما قال المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (132/3)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (87/1): "حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَحَدَّثَنِي بِهَا فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ" انتهى، وقال فيه ليث بن أبي سليم: "كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي" انتهى من "ميزان الأعتدال الذهبي" (237/1).

• (12213) حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا"، قال: علي بن أبي طالب.
وهذا سند ضعيف فيه علل:
1- أيوب بن سويد الرملي: قَالَ فيه أَحْمد بن حَنْبَل: "أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي الجرجاني" (23/2)، وَقَالَ فيه النَّسَائِيّ في "الضعفاء والمتروكين" (ص/16): "لَيْسَ بِثِقَة" انتهى، وَقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بشَيْءٍ كَانَ يَسْرِقُ الأَحَادِيثَ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي الجرجاني" (23/2).
2- عتبة بن أبي حكيم الشعباني: قال فيه علي بن المديني: "كَانَ ضَعِيفا" انتهى من "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني" (ص/159)، قال فيه النسائي: "ضعيف" انتهى من "تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني" (94/7 - 95).

• (12214) حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: "إنما وليكم الله ورسوله"، الآية، قال: نـزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع.
وهذا سند ضعيف فيه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، وهو متروك الحديث، قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص/91): "غَالب بن عبيد الله مُنكر الحَدِيث" انتهى، وقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بثقة" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" (109/7)، وَقَالَ فيه أبو حاتم الرَّازِيّ: "متروك الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (48/7)، وَقَالَ فيه ابْن حبَان في "المجروحين" (201/2): "كَانَ مِمَّن يروي المعضلات عَن الثِّقَات حَتَّى رُبمَا سبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ" انتهى.

وتجدر الإشارة إلى أن الخطيب البغدادي قد روى رواية التصدق بالخاتم في "المتفق والمفترق" (258/1)، من طريق أبو إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد، عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه: {إنما وليكم الله ورسوله...} الآية".
وهذا السند فيه اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وقد سبق بيان حاله.

بالإضافة إلى ذلك، فقد أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية عبد الرزاق الصنعاني حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى.
وهذا السند فيه عبد الوهاب بن مجاهد، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (98/6) وقال: "عَبْد الْوَهَّابِ بْن مجاهد بْن جبر مولى السائب الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِيه، قَالَ وكيع: كَانُوا يَقُولُون: إنَّهُ لم يسمع من أَبِيه" انتهى، وقال فيه أحمد بن حنبل: "لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث" انتهى من "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (رقم/4477)، وقال فيه سفيان الثوري: "كَذَّاب" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (70/6).

كما أورد ابن كثير أيضاً في "تفسيره" (126/3) رواية ابن أبي حاتم الرازي حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" انتهى.
وهذا السند فيه أكثر من علة:
1- موسى بن قيس الحضرمي (أبو محمد الكوفي)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (164/4): "مِنَ الْغُلَاةِ فِي الرَّفْضِ" انتهى. وساق له العقيلي بضعة احاديث وقال: "وَهُوَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ رَدِيئَةٍ بَوَاطِيلَ" انتهى من "الضعفاء الكبير للعقيلي" (165/4).
2- سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي، وهو ثقة لكن فيه تشيع قليل، حيث قال فيه أحمد العجلي: "تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ" انتهى من"سير أعلام النبلاء للذهبي" (299/5)، وقال فيه يحيى بن معين: "سلمة بن كهيل شيعي مغالٍ" انتهى من "تاريخ دمشق لابن عساكر" (126/22)، وقال فيه أبو داود السجستاني: "كان سلمة يتشيع" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال لعلاء الدين مغلطاي" (22/6). ومن الجدير بالذكر أن الراوي الذي فيه تشيع - سواء كان التشيع خفيف أو غالٍ - قد يروي رواية ضعيفة، وقد تكون هذه الرواية الضعيفة فيما يؤيد بدعته، وبالتالي ترد هذه الرواية، وذلك لأن المبتدع عندما يروي رواية (غير محفوظة عند أهل العلم) تؤيد بدعته، فلا يجوز قبولها، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (11/1): "وينبغي أن يُقيَّدَ قولنا بقبول رواية المبتدع –إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية– بشرط أن لا يكون الحديث الذي يُحدِّث به مما يعضُد بدعته ويُشيْدها. فإنا لا نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى" انتهى.

ونلاحظ مما سبق بأن جميع أسانيد الروايات التي تقول إن الآية نزلت في علي - رضي الله عنه - فيها كلام ما يضعف هذه الروايات، والله أعلم .

وهذا هو أبو جعفر محمد بن علي (محمد الباقر) يتعجب من سؤال أحد الحاضرين في مجلسه حول نزول الآية في علي بن ابي طالب ويرد عليهم بأن علياً من الذين آمنوا، أي يقصد ان الآية نزلت في جميع المؤمنين، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (425/10 - 426): "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون }، قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نـزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا" انتهى.

فإذن الرواية التي تحكي أن علياً أدى الزكاة وهو راكع؛ فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع، ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
قال ابن كثير: "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى" [تفسير ابن كثير 125/3 - 126].
والذي زعم أنها نزلت في علي - رضي الله عنه - هو الثعلبي، وهو الملقب بحاطب الليل؛ لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح، وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير. حيث قال السيوطي - رحمه الله - في "الإتقان في علوم القرآن" (239/4): "وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب" انتهى.
قال ابن حجر العسقلاني: "رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" [الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر العسقلاني، هامش الكشاف 649/1].
فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
و يسمي الشيعة الأمامية آية الولاية بكسر الواو، وهو خطأ، والصحيح بفتح الواو، وسياق الآية يناسب هذا التنبيه؛ لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
والاصح ان الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، حيث أخرج الطبري الرواية التي ورد فيها بيان ذلك في "جامع البيان" (424/10) بأسانيد مختلفة منها:
• (12207) حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نـزلت: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"= لقول عبادةَ: "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا" ، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ.
وإسناده حسن.
قال ابن كثير في"تفسيره" (127/3): "وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ" انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في "تفسيره" (ص/236): "فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله ذليلون" انتهى.
………………………………………………………..
الأثنين 21 صفر 1444هـ الموافق:19 سبتمبر 2022م 03:09:55 بتوقيت مكة
محمد علي  
شبهات يستخدمها الشيعة والرد عليها

"آية الولاية"
بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة/55].
يستدل الشيعة الإمامية بهذه الآية على أمامة علي - رضي الله عنه - وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - مستدلين بما جاء في تفسير الطبري، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (425/10): "وأما قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم عُني به علي، وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين" انتهى.
وفيما يلي عرض الروايات في "جامع البيان للطبري" التي تقول إن الآية نزلت في علي (رض) وبيان أسانيدها:
• (12210) حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتَمَه.
وهذا سند ضعيف فيه علل:
1- أحمد بن المفضل الحفري (أبو علي الكوفي): قال فيه أبو حاتم الرازي: "كان صدوقاً، وكان من رؤساء الشيعة" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (77/2)، وقال فيه ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" (رقم/109) (ص/84): "صدوق شيعي في حفظه شيء" انتهى.
2- اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي): وهو مولى زينب بنت قيس بن مخرمة كما قال المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (132/3)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (87/1): "حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَحَدَّثَنِي بِهَا فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ" انتهى، وقال فيه ليث بن أبي سليم: "كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي" انتهى من "ميزان الأعتدال الذهبي" (237/1).

• (12213) حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا"، قال: علي بن أبي طالب.
وهذا سند ضعيف فيه علل:
1- أيوب بن سويد الرملي: قَالَ فيه أَحْمد بن حَنْبَل: "أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي الجرجاني" (23/2)، وَقَالَ فيه النَّسَائِيّ في "الضعفاء والمتروكين" (ص/16): "لَيْسَ بِثِقَة" انتهى، وَقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بشَيْءٍ كَانَ يَسْرِقُ الأَحَادِيثَ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي الجرجاني" (23/2).
2- عتبة بن أبي حكيم الشعباني: قال فيه علي بن المديني: "كَانَ ضَعِيفا" انتهى من "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني" (ص/159)، قال فيه النسائي: "ضعيف" انتهى من "تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني" (94/7 - 95).

• (12214) حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: "إنما وليكم الله ورسوله"، الآية، قال: نـزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع.
وهذا سند ضعيف فيه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، وهو متروك الحديث، قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص/91): "غَالب بن عبيد الله مُنكر الحَدِيث" انتهى، وقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بثقة" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" (109/7)، وَقَالَ فيه أبو حاتم الرَّازِيّ: "متروك الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (48/7)، وَقَالَ فيه ابْن حبَان في "المجروحين" (201/2): "كَانَ مِمَّن يروي المعضلات عَن الثِّقَات حَتَّى رُبمَا سبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ" انتهى.

وقد روى الخطيب البغدادي رواية التصدق بالخاتم في "المتفق والمفترق" (258/1)، من طريق أبو إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد، عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه: {إنما وليكم الله ورسوله...} الآية".
وهذا السند فيه اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وقد سبق بيان حاله.

كما أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية عبد الرزاق الصنعاني حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى.
وهذا السند فيه عبد الوهاب بن مجاهد، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (98/6) وقال: "عَبْد الْوَهَّابِ بْن مجاهد بْن جبر مولى السائب الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِيه، قَالَ وكيع: كَانُوا يَقُولُون: إنَّهُ لم يسمع من أَبِيه" انتهى، وقال فيه أحمد بن حنبل: "لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث" انتهى من "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (رقم/4477)، وقال فيه سفيان الثوري: "كَذَّاب" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (70/6).

وأيضاً أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية ابن أبي حاتم الرازي حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" انتهى.
وهذا السند فيه أكثر من علة:
1- موسى بن قيس الحضرمي (أبو محمد الكوفي)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (164/4): "مِنَ الْغُلَاةِ فِي الرَّفْضِ" انتهى. وساق له العقيلي بضعة احاديث وقال: "وَهُوَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ رَدِيئَةٍ بَوَاطِيلَ" انتهى من "الضعفاء الكبير للعقيلي" (165/4).
2- سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي، وهو ثقة لكن فيه تشيع قليل، حيث قال فيه أحمد العجلي: "تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ" انتهى من"سير أعلام النبلاء للذهبي" (299/5)، وقال فيه يحيى بن معين: "سلمة بن كهيل شيعي مغالٍ" انتهى من "تاريخ دمشق لابن عساكر" (126/22)، وقال فيه أبو داود السجستاني: "كان سلمة يتشيع" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال لعلاء الدين مغلطاي" (22/6). ومن الجدير بالذكر أن الراوي الذي فيه تشيع - سواء كان التشيع خفيف أو غالٍ - قد يروي رواية ضعيفة، وقد تكون هذه الرواية الضعيفة فيما يؤيد بدعته، وبالتالي ترد هذه الرواية، وذلك لأن المبتدع عندما يروي رواية (غير محفوظة عند أهل العلم) تؤيد بدعته، فلا يجوز قبولها، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (11/1): "وينبغي أن يُقيَّدَ قولنا بقبول رواية المبتدع –إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية– بشرط أن لا يكون الحديث الذي يُحدِّث به مما يعضُد بدعته ويُشيْدها. فإنا لا نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى" انتهى.

ونلاحظ مما سبق بأن جميع أسانيد الروايات التي تقول إن الآية نزلت في علي - رضي الله عنه - فيها كلام ما يضعف هذه الروايات، والله أعلم .

وهذا هو أبو جعفر محمد بن علي (محمد الباقر) يتعجب من سؤال أحد الحاضرين في مجلسه حول نزول الآية في علي بن ابي طالب ويرد عليهم بأن علياً من الذين آمنوا، أي يقصد ان الآية نزلت في جميع المؤمنين، حيث قال الطبري في "جامع البيان" (425/10 - 426): "حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون }، قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نـزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا" انتهى.

فإذن الرواية التي تحكي أن علياً أدى الزكاة وهو راكع؛ فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع، ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
قال ابن كثير: "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى" [تفسير ابن كثير 125/3 - 126].
والذي زعم أنها نزلت في علي - رضي الله عنه - هو الثعلبي، وهو الملقب بحاطب الليل؛ لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح، وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير. حيث قال السيوطي - رحمه الله - في "الإتقان في علوم القرآن" (239/4): "وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب" انتهى.
قال ابن حجر العسقلاني: "رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" [الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر العسقلاني، هامش الكشاف 649/1].
فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
و يسمي الشيعة الأمامية آية الولاية بكسر الواو، وهو خطأ، والصحيح بفتح الواو، وسياق الآية يناسب هذا التنبيه؛ لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
والاصح ان الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، حيث أخرج الطبري الرواية التي ورد فيها بيان ذلك في "جامع البيان" (424/10) بأسانيد مختلفة منها:
• (12207) حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نـزلت: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"= لقول عبادةَ: "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا" ، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ.
وإسناده حسن.
قال ابن كثير في"تفسيره" (127/3): "وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ" انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في "تفسيره" (ص/236): "فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله ذليلون" انتهى.
………………………………………………………..
الخميس 10 صفر 1444هـ الموافق:8 سبتمبر 2022م 03:09:01 بتوقيت مكة
محمد علي  
شبهات يستخدمها الشيعة والرد عليها

"آية الولاية"
بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة/55].
يستدل الشيعة الإمامية بهذه الآية على أمامة علي - رضي الله عنه - وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - مستدلين بما جاء في تفسير الطبري، حيث قال الطبري في "تفسيره" (425/10): "وأما قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم عُني به علي، وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين" انتهى.
وفيما يلي عرض الروايات في "تفسير الطبري" التي تقول إن الآية نزلت في علي (رض) وبيان أسانيدها:
• (12210) حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتَمَه.
وهذا سند ضعيف فيه علل:
1- أحمد بن المفضل الحفري (أبو علي الكوفي): قال فيه أبو حاتم الرازي: "كان صدوقاً، وكان من رؤساء الشيعة" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (77/2)، وقال فيه ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" (رقم/109) (ص/84): "صدوق شيعي في حفظه شيء" انتهى.
2- اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي): وهو مولى زينب بنت قيس بن مخرمة كما قال المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (132/3)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (87/1): "حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَحَدَّثَنِي بِهَا فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ" انتهى، وقال فيه ليث بن أبي سليم: "كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي" انتهى من "ميزان الأعتدال الذهبي" (237/1).

• (12213) حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا"، قال: علي بن أبي طالب.
وهذا سند ضعيف فيه علل:
1- أيوب بن سويد الرملي: قَالَ فيه أَحْمد بن حَنْبَل: "أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي الجرجاني" (23/2)، وَقَالَ فيه النَّسَائِيّ في "الضعفاء والمتروكين" (ص/16): "لَيْسَ بِثِقَة" انتهى، وَقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بشَيْءٍ كَانَ يَسْرِقُ الأَحَادِيثَ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي الجرجاني" (23/2).
2- عتبة بن أبي حكيم الشعباني: قال فيه علي بن المديني: "كَانَ ضَعِيفا" انتهى من "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني" (ص/159)، قال فيه النسائي: "ضعيف" انتهى من "تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني" (94/7 - 95).

• (12214) حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: "إنما وليكم الله ورسوله"، الآية، قال: نـزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع.
وهذا سند ضعيف فيه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، وهو متروك الحديث، قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص/91): "غَالب بن عبيد الله مُنكر الحَدِيث" انتهى، وقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بثقة" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" (109/7)، وَقَالَ فيه أبو حاتم الرَّازِيّ: "متروك الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (48/7)، وَقَالَ فيه ابْن حبَان في "المجروحين" (201/2): "كَانَ مِمَّن يروي المعضلات عَن الثِّقَات حَتَّى رُبمَا سبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ" انتهى.

وقد روى الخطيب البغدادي رواية التصدق بالخاتم في "المتفق والمفترق" (258/1)، من طريق أبو إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد، عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه: {إنما وليكم الله ورسوله...} الآية".
وهذا السند فيه اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وقد سبق بيان حاله.

كما أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية عبد الرزاق الصنعاني حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى.
وهذا السند فيه عبد الوهاب بن مجاهد، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (98/6) وقال: "عَبْد الْوَهَّابِ بْن مجاهد بْن جبر مولى السائب الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِيه، قَالَ وكيع: كَانُوا يَقُولُون: إنَّهُ لم يسمع من أَبِيه" انتهى، وقال فيه أحمد بن حنبل: "لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث" انتهى من "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (رقم/4477)، وقال فيه سفيان الثوري: "كَذَّاب" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (70/6).

وكذلك أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية ابن أبي حاتم الرازي حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" انتهى.
وهذا السند فيه أكثر من علة:
1- موسى بن قيس الحضرمي (أبو محمد الكوفي)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (164/4): "مِنَ الْغُلَاةِ فِي الرَّفْضِ" انتهى. وساق له العقيلي بضعة احاديث وقال: "وَهُوَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ رَدِيئَةٍ بَوَاطِيلَ" انتهى من "الضعفاء الكبير للعقيلي" (165/4).
2- سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي، وهو ثقة لكن فيه تشيع قليل، حيث قال فيه أحمد العجلي: "تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ" انتهى من"سير أعلام النبلاء للذهبي" (299/5)، وقال فيه يحيى بن معين: "سلمة بن كهيل شيعي مغالٍ" انتهى من "تاريخ دمشق لابن عساكر" (126/22)، وقال فيه أبو داود السجستاني: "كان سلمة يتشيع" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال لعلاء الدين مغلطاي" (22/6). ومن الجدير بالذكر أن الراوي الذي فيه تشيع - سواء كان التشيع خفيف أو غالٍ - قد يروي رواية ضعيفة، وقد تكون هذه الرواية الضعيفة فيما يؤيد بدعته، وبالتالي ترد هذه الرواية، وذلك لأن المبتدع عندما يروي رواية (غير محفوظة عند أهل العلم) تؤيد بدعته، فلا يجوز قبولها، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (11/1): "وينبغي أن يُقيَّدَ قولنا بقبول رواية المبتدع –إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية– بشرط أن لا يكون الحديث الذي يُحدِّث به مما يعضُد بدعته ويُشيْدها. فإنا لا نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى" انتهى.

ونلاحظ مما سبق بأن جميع أسانيد الروايات التي تقول إن الآية نزلت في علي - رضي الله عنه - فيها كلام ما يضعف هذه الروايات، والله أعلم .

وهذا هو أبو جعفر محمد بن علي (محمد الباقر) يتعجب من سؤال أحد الحاضرين في مجلسه حول نزول الآية في علي بن ابي طالب ويرد عليهم بأن علياً من الذين آمنوا، أي يقصد ان الآية نزلت في جميع المؤمنين، حيث أخرج الطبري في "تفسيره" (425/10 - 426)، من طريق هناد بن السري قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون }، قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نـزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا.

فإذن الرواية التي تحكي أن علياً أدى الزكاة وهو راكع؛ فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع، ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
قال ابن كثير: "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى" [تفسير ابن كثير 125/3 - 126].
والذي زعم أنها نزلت في علي - رضي الله عنه - هو الثعلبي، وهو الملقب بحاطب الليل؛ لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح، وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير. حيث قال السيوطي - رحمه الله - في "الإتقان في علوم القرآن" (239/4): "وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب" انتهى.
قال ابن حجر العسقلاني: "رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" [الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر العسقلاني، هامش الكشاف 649/1].
فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
و يسمي الشيعة الأمامية آية الولاية بكسر الواو، وهو خطأ، والصحيح بفتح الواو، وسياق الآية يناسب هذا التنبيه؛ لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
والاصح ان الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، كما جاء في "تفسير الطبري" (424/10) بأسانيد مختلفة منها:
• (12207) حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نـزلت: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"= لقول عبادةَ: "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا" ، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ.
وإسناده حسن.
قال ابن كثير في"تفسيره" (127/3): "وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ" انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في "تفسيره" (ص/236): "فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله ذليلون" انتهى.
………………………………………………………..
الأحد 29 محرم 1444هـ الموافق:28 أغسطس 2022م 09:08:57 بتوقيت مكة
محمد علي  
شبهات يستخدمها الشيعة والرد عليها

"آية الولاية"
بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة/55].
يستدل الشيعة الإمامية بهذه الآية على أمامة علي - رضي الله عنه - وأنه أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - مستدلين بما جاء في تفسير الطبري، حيث قال الطبري في "تفسيره" (425/10): "وأما قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}؛ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم عُني به علي، وقال بعضهم عُني به جميع المؤمنين" انتهى .
وفيما يلي عرض الروايات في "تفسير الطبري" التي تقول إن الآية نزلت في علي (رض) وبيان أسانيدها:
•(12210) حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد ، فأعطاه خاتَمَه.
وهذا سند ضعيف فيه علل:
1.أحمد بن المفضل الحفري (أبو علي الكوفي): قال فيه أبو حاتم الرازي: "كان صدوقاً، وكان من رؤساء الشيعة" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (77/2)، وقال فيه ابن حجر العسقلاني في "تقريب التهذيب" (رقم/109) (ص/84): "صدوق شيعي في حفظه شيء" انتهى.
2.اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي): وهو مولى زينب بنت قيس بن مخرمة كما قال المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" (132/3)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (87/1): "حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَأَتَيْتُ السُّدِّيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَحَدَّثَنِي بِهَا فَلَمْ أُتِمَّ مَجْلِسِي حَتَّى سَمِعْتُهُ يَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمْ أَعُدْ إِلَيْهِ" انتهى، وقال فيه ليث بن أبي سليم: "كان بالكوفة كذابان، فمات أحدهما: السدي والكلبي" انتهى من "ميزان الأعتدال الذهبي" (237/1).

•(12213) حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال: حدثنا أيوب بن سويد قال: حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا"، قال: علي بن أبي طالب.
وهذا سند ضعيف فيه علل:
1.أيوب بن سويد الرملي: قَالَ فيه أَحْمد بن حَنْبَل: "أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي الجرجاني" (23/2)، وَقَالَ فيه النَّسَائِيّ في "الضعفاء والمتروكين" (ص/16): "لَيْسَ بِثِقَة" انتهى، وَقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بشَيْءٍ كَانَ يَسْرِقُ الأَحَادِيثَ" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي الجرجاني" (23/2).
2.عتبة بن أبي حكيم الشعباني: قال فيه علي بن المديني: "كَانَ ضَعِيفا" انتهى من "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني" (ص/159)، قال فيه النسائي: "ضعيف" انتهى من "تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني" (94/7 - 95).

•(12214) حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: "إنما وليكم الله ورسوله"، الآية، قال: نـزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع.
وهذا سند ضعيف فيه غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري، وهو متروك الحديث، قال فيه البخاري في "الضعفاء الصغير" (ص/91): "غَالب بن عبيد الله مُنكر الحَدِيث" انتهى، وقَالَ فيه يحيى بن معين: "لَيْسَ بثقة" انتهى من "الكامل في ضعفاء الرجال" (109/7)، وَقَالَ فيه أبو حاتم الرَّازِيّ: "متروك الحديث" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (48/7)، وَقَالَ فيه ابْن حبَان في "المجروحين" (201/2): "كَانَ مِمَّن يروي المعضلات عَن الثِّقَات حَتَّى رُبمَا سبق إِلَى الْقلب أَنه كَانَ الْمُتَعَمد لَهَا لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ" انتهى.

وقد روى الخطيب البغدادي رواية التصدق بالخاتم في "المتفق والمفترق" (258/1)، من طريق أبو إسحاق إبراهيم بن أبي يحيى قال: حدثنا محمد بن عمر يعني ابن بشير قال: حدثنا مطلب ابن زياد، عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟» فقال: ذاك الراكع، فأنزل الله تعالى فيه: {إنما وليكم الله ورسوله...} الآية".
وهذا السند فيه اسماعيل بن عبد الرحمن السدي (أبو محمد القرشي الكوفي)، وقد سبق بيان حاله.

كما أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية عبد الرزاق الصنعاني حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ : {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ " انتهى.
وهذا السند فيه عبد الوهاب بن مجاهد، ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (98/6) وقال: "عَبْد الْوَهَّابِ بْن مجاهد بْن جبر مولى السائب الْقُرَشِيّ عَنْ أَبِيه، قَالَ وكيع: كَانُوا يَقُولُون: إنَّهُ لم يسمع من أَبِيه" انتهى، وقال فيه أحمد بن حنبل: "لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث" انتهى من "العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد الله" (رقم/4477)، وقال فيه سفيان الثوري: "كَذَّاب" انتهى من "الجرح والتعديل لابن أبي حاتم" (70/6).

وكذلك أورد ابن كثير في "تفسيره" (126/3) رواية ابن أبي حاتم الرازي حول سبب نزول آية الولاية كالآتي:
"وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَحْوَلُ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ: تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ" انتهى.
وهذا السند فيه أكثر من علة:
1- موسى بن قيس الحضرمي (أبو محمد الكوفي)، قال فيه العقيلي في "الضعفاء الكبير" (164/4): "مِنَ الْغُلَاةِ فِي الرَّفْضِ" انتهى. وساق له العقيلي بضعة احاديث وقال: "وَهُوَ يُحَدِّثُ بِأَحَادِيثَ رَدِيئَةٍ بَوَاطِيلَ" انتهى من "الضعفاء الكبير للعقيلي" (165/4).
2- سلمة بن كهيل الحضرمي الكوفي، وهو ثقة لكن فيه تشيع قليل، حيث قال فيه أحمد العجلي: "تَابِعِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ فِي الحَدِيْثِ، وَفِيْهِ تَشَيُّعٌ قَلِيْلٌ" انتهى من"سير أعلام النبلاء للذهبي" (299/5)، وقال فيه يحيى بن معين: "سلمة بن كهيل شيعي مغالٍ" انتهى من "تاريخ دمشق لابن عساكر" (126/22)، وقال فيه أبو داود السجستاني: "كان سلمة يتشيع" انتهى من "إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال لعلاء الدين مغلطاي" (22/6). ومن الجدير بالذكر أن الراوي الذي فيه تشيع - سواء كان التشيع خفيف أو غالٍ - قد يروي رواية ضعيفة، وقد تكون هذه الرواية الضعيفة فيما يؤيد بدعته، وبالتالي ترد هذه الرواية، وذلك لأن المبتدع عندما يروي رواية (غير محفوظة عند أهل العلم) تؤيد بدعته، فلا يجوز قبولها، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان" (11/1): "وينبغي أن يُقيَّدَ قولنا بقبول رواية المبتدع –إذا كان صدوقاً ولم يكن داعية– بشرط أن لا يكون الحديث الذي يُحدِّث به مما يعضُد بدعته ويُشيْدها. فإنا لا نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى" انتهى.

ونلاحظ مما سبق بأن جميع أسانيد الروايات التي تقول إن الآية نزلت في علي - رضي الله عنه - فيها كلام ما يضعف هذه الروايات، والله أعلم .

وهذا هو أبو جعفر محمد بن علي (محمد الباقر) يتعجب من سؤال أحد الحاضرين في مجلسه حول نزول الآية في علي بن ابي طالب ويرد عليهم بأن علياً من الذين آمنوا، أي يقصد ان الآية نزلت في جميع المؤمنين، حيث أخرج الطبري في "تفسيره" (425/10 - 426)، من طريق هناد بن السري قال: حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال: سألته عن هذه الآية: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون }، قلت: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا! قلنا: بلغنا أنها نـزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا.

فإذن الرواية التي تحكي أن علياً أدى الزكاة وهو راكع؛ فهيئة مثيرة للتعجب أن يعطي المزكي زكاته وهو راكع، ولم لا يعطيها وهو ساجد!!!
قال ابن كثير: "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ راكِعُونَ فَقَدْ تَوَهَّمَ بعض الناس أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قوله وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ أَيْ فِي حَالِ رُكُوعِهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَذَلِكَ، لَكَانَ دَفْعُ الزَّكَاةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ مَمْدُوحٌ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ نَعْلَمُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى" [تفسير ابن كثير 125/3 - 126].
والذي زعم أنها نزلت في علي - رضي الله عنه - هو الثعلبي، وهو الملقب بحاطب الليل؛ لأنه لا يميز الصحيح من الضعيف، وأكثر رواياته عن الكلبي عن أبي صالح، وهو عند أهل العلم من أوهى ما يروى في التفسير. حيث قال السيوطي - رحمه الله - في "الإتقان في علوم القرآن" (239/4): "وأوهى طرقه - يعني طرق التفسير عن ابن عباس - طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب" انتهى.
قال ابن حجر العسقلاني: "رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة محمد بن علي الصائغ، وعند ابن مردويه من حديث عمار بن ياسر قال: وقف بعلي سائل وهو واقف في صلاته… الحديث. وفي إسناده خالد بن يزيد العمر وهو متروك، ورواه الثعلبي من حديث أبي ذر مطولا وإسناده ساقط" [الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر العسقلاني، هامش الكشاف 649/1].
فلا يمكن أن يبنى ركن الإمامة على هذه الآثار الضعيفة.
و يسمي الشيعة الأمامية آية الولاية بكسر الواو، وهو خطأ، والصحيح بفتح الواو، وسياق الآية يناسب هذا التنبيه؛ لأن السياق متعلق بمودة المؤمنين ومؤازرتهم لا بموضوع الإمامة.
والاصح ان الآية نزلت في عبادة بن الصامت في تبرُّئه من ولاية يهود بني قينقاع وحِلفهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، كما جاء في "تفسير الطبري" (424/10) بأسانيد مختلفة منها:
•(12207) حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا ابن إسحاق قال: حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -= وكان أحد بني عوف بن الخزرج= فخلعهم إلى رسول الله، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حِلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حِلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نـزلت: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"= لقول عبادةَ: "أتولى الله ورسوله والذين آمنوا" ، وتبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم= إلى قوله: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ.
وإسناده حسن.
قال ابن كثير في"تفسيره" (127/3): "وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلَّهَا نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ تَبَرَّأَ من حلف اليهود، وَرَضِيَ بِوَلَايَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ" انتهى.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في "تفسيره" (ص/236): "فولاية الله تدرك بالإيمان والتقوى. فكل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، ومن كان وليا لله فهو ولي لرسوله، ومن تولى الله ورسوله كان تمام ذلك تولي من تولاه، وهم المؤمنون الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود، بإقامتهم الصلاة بشروطها وفروضها ومكملاتها، وأحسنوا للخلق، وبذلوا الزكاة من أموالهم لمستحقيها منهم. وقوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أي: خاضعون لله ذليلون" انتهى.
………………………………………………………..
 
اسمك :  
نص التعليق :