الكاتب : فيصل نور ..
رأس الحسين
أي رأس الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، بعد واقعة كربلاء. والخلاف في مكان دفنه. وهو خلاف مشهور بين المسلمين، بل وبين الشيعة أنفسهم، ووصل إلى حوالى ثمانية أقوال، وإليك بعضاً من تفاصيل أشهرها:
تحت عنوان التحقيق في مكان رأس الحسين، قال محمد عبدالهادي الشيباني ما ملخصه[1] : إن منشأ الاختلاف في موضع رأس الحسين رضي الله عنه عند عامة الناس إنما هو ناتج عن تلك المشاهد المنتشرة في ديار المسلمين التي أقيمت في عصور التخلف الفكري والعقدي وكلها تدعي وجود رأس الحسين!
ثم إن الجهل بموضع رأس الحسين جعل كل طائفة تنتصر لرأيها في ادعاء وجود الرأس عندها. والأماكن التي ذكر أن رأس الحسين مقبور بها ستة مدن، هي:
-
دمشق.
-
الرقة.
-
عسقلان.
-
القاهرة.
-
كربلاء.
-
المدينة.
ولكي نصل إلى تحديد دقيق بشأن مكان رأس الحسين فإنا سنعرض إلى كل هذه المدن التي ذكر بأن الرأس موجود بها ثم نناقش الروايات التي ذكرت ذلك ومن ثم نحدد مكان الرأس بعد النقد والتمحيص لهذه الروايات.
أولاً: دمشق :
ذكر البيهقي في المحاسن والمساوئ ( بدون سند ! ): أن يزيد أمر بغسل الرأس وجعله في حرير وضرب عليه خيمة ووكل به خمسين رجلاً" . وقال ابن كثير: "وذكر ابن أبي الدنيا من طريق عثمان بن عبدالرحمن عن محمد بن عمر بن صالح –وهما ضعيفان أن الرأس لم يزل في خزانة يزيد بن معاوية حتى توفي فأخذ من خزانته وكفن ودفن داخل باب الفراديس من مدينة دمشق.
قلت: ويعرف مكانه بمسجد الرأس اليوم داخل باب الفراديس".
وقد ذكر النعيمي: من مساجد دمشق: "مسجد الرأس ويقال بأن فيه رأس الحسين رضي الله عنه ".
وأما ابن عساكر فقد ساق بإسناده عن ريا حاضنة يزيد بن معاوية:" أن الرأس مكث في خزائن السلاح حتى ولي سليمان فبعث فجيء به فبقي عظماً فطيبه وكفّنه فلما وصلت المسودة ( أي العباسيين ) سألوا عن موضع الرأس ونبشوه فاأعلم ماُصنع به".
قال الذهبي معقباً على هذه القصة: "وهي قوية الإسناد".
ويبدو أن الذهبي لم يتراجع عن تقويته لإسناد هذه القصة كما نقله عنه تلميذه ابن أبيك الصفدي. (شرح رسالة ابن زيدون) ولكن عند النظر في إسناد هذه القصة نجد أن ابن عساكر قد جاء بهذه القصة أثناء ترجمة "ريا" حاضنة يزيد واعتمد في إسناده على طريق واحد فقط وهو: أحمد بن محمد بن حمزة الحضرمي عن أبيه عن جده عن أبي حمزة ابن يزيد الحضرمي .
وسند ابن عساكر هذا سند ضعيف ولا أعلم على أي شيء اعتمد الذهبي في تقويته لهذا السند؟! مع أنه سوف يضعف كما سنرى الراوي فالراوي أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الحضرمي البتلهي: ضعيف.
قال ابن حبان عن والده محمد بن يحيى : ثقة في نفسه ويتقى حديثه ما روى عنه أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وأخوه عبيد فإنهما يدخلان عليه كل شيء.
وهذه القصة من رواية ابنه أحمد فهو مما يتقى ويترك.
وقال عنه الذهبي: له مناكير وقال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر ثم إن جد أبيه بن يزيد الحضرمي لم أعثر له ترجمة.
هذا من جهة السند وأما بالنسبة للمتن فإن هذه الرواية يبدو فيها الكذب واضحاً وفي سياقها نكاره ظاهرة حيث مخالفتها للروايات الصحيحة التي تؤكد حسن معاملة يزيد لأبناء وأسرة الحسين.
ثم إن في المتن نزعة رافضية واضحة حيث ورد في الرواية "ولقد جاء رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له –أي يزيد لقد أمكنك الله من عدو الله وابن عدو أبيك فاقتل هذا الغلام أي علي بن الحسين ... فاقطع أصل هذا البيت.. "
وأخيراً فإن راوية القصة (ريا ) هذه ذكرها ابن عساكر ولم يذكر فيها جرحاً ولا تعديلاً وتكون بذلك مجهولة.
وبهذا تكون رواية ابن عساكر التي قواها الذهبي رواية ساقطة لا يعتمد عليها بأي حال من الأحوال وقد أورد الذهبي بإسناده عن أبي كريب قال: كنت فيمن توثب على الوليد بن يزيد بدمشق فأخذت سفطاً وقلت فيه غنائي فركبت فرسي وخرجت من باب توما قال: ففتحه فإذا فيه رأس مكتوب عليها هذا رأس الحسين بن علي فحفرت فيه بسيفي فدفنته؟ . وهي رواية ضعيفة جداً وفي سند هذه الحكاية من لم أعثر لهم على ترجمة وقد علق المحقق على هذه الحكاية بقوله: "لا يصح فيه من لا يعرف".
ومن ناحية أخرى ما هي فائدة يزيد من احتفاظه برأس الحسين وجعله في خزائن سلاحه ؟!
ثانياً: كربلاء :
لم يقل أحد بأن الرأس في كربلاء إلا الإمامية فإنهم يقولون: بأن الرأس أعيد إلى كربلاء بعد أربعين يوماً من
القتل ودفن بجانب جسد الحسين رضي الله عنه وهو يوم معروف عندهم يسمون الزيارة فيه زيارة الأربعين. ويكفي أن هذا القول إنما تفرد به الإمامية (الرافضة ) هم أكذب الخلق على الإطلاق ومن نظر في كتبهم عرف هذه الحقيقة وقد أنكر أبو نعيم (الفضل بن دكين ) على من زعم أنه يعرف قبر الحسين رضي الله عنه.
وقد ذكر ابن جرير وغيره أن موضع قتله عفى أثره حتى لم يطلع أحد على تعيينه .
ثالثاً: الرقة :
لقد انفرد سبط ابن الجوزي بإيراد خبر يذكر أن الرأس قبر بالرقة وقال: إن الرأس بمسجد الرقة على الفرات وأنه لما جيء به بين يدي يزيد بن معاوية قال: "لأبعثن إلى آل أبي معيط عن رأس عثمان" وكانوا بالرقة فدفنوه في بعض دورهم ثم دخلت تلك الدار بالمسجد الجامع وهو إلى جانب سور هناك.
وهذا خبر مستبعد ؛ فالرواية ليست مسندة ولا نعلم أي مصدر اعتمد عليه سبط ابن الجوزي حينما نقل هذا الرأي ثم إن سبط ابن الجوزي متأخر جداً عن الحدث (ت 654هـ ) ثم إضافة إلى ما سبق فإن الخبر فيه نكارة واضحة لمخالفته النصوص الصحيحة التي ثبت فيها حسن معاملة يزيد لأسرة الحسين وتحسّره وندمه على قتله ثم إن سبط ابن الجوزي هذا على علو قدره ومكانته قال عنه الذهبي "ورأيت له مصنفاً يدل على تشيعه".
رابعاً: عسقلان :
قال الشبلنجي: "ذهبت طائفة إلى أن يزيد أمر أن يُطاف بالرأس في البلاد فطيف به حتى انتهى إلى عسقلان فدفنه أميرها بها". ( نور الأبصار ص 121). ولعل الشبلنجي هو الوحيد الذي قّدم تفسيراً عن كيفية وصول الرأس إلى عسقلان وأما غيره فقد ذكروا بدون مسببات أن الرأس في عسقلان فقط.
وتعتبر رواية الشبلنجي رواية منكرة بعيدة عن التصور فكيف بالواقع المحتم في تلك الفترة بالذات؟!
فهي بالإضافة إلى مخالفتها للروايات الصحيحة التي تفيد أن يزيد تعامل مع أسرة الحسين تعاملاً حسناً فإن الرواية تعطي تصوراً بعيداً جداً عن واقع المسلمين في ذلك الحين.
فكيف يُعقل أن يُقدم يزيد على هذا العمل من أن يطوف برأس الحسين رضي الله عنه في بلاد المسلمين والمسلمون لا يتأثرون من هذا الصنيع برأس الحسين رضي الله عنه؟
ثم أي غرض لهم في دفنه بعسقلان وكانت إذ ذاك ثغراً يقيم بها المرابطون؟ فإن كان قصدهم تعفيه أثره فعسقلان تُظهره لكثرة من ينتابها للرباط وإن كان قصدهم بركة البقعة فكيف يُقصد هذا ممن يقول: إنه عدو له –أي يزيد مستحل لدمه ساع في قتله".
وهكذا فقد ثبت من الجهة النظرية والعملية استبعاد بل استحالة دفن الرأس بعسقلان.
ولقد أنكر جمع من المحققين هذا الخبر فقال القرطبي: "وما ذكر أنه في عسقلان فشيء باطل".
وأنكر شيخ الإسلام ابن تيمية وجود الرأس بعسقلان وتابعه على ذلك ابن كثير.
خامساً: القاهرة :
يبدو أن اللعبة التي قام بها العبيديون (الفاطميون ) قد انطلت على الكثير من الناس.فبعد أن عزم الصليبيون الاستيلاء على عسقلان سنة تسع وأربعين وخمسمائة ( 549هـ ) خرج الوزير الفاطمي طلائع بن زريك هو وعسكره حفاة إلى الصالحية فتلقى الرأس ووضعه في كيس من الحرير الأخضر على كرسي من الأبنوس وفرش تحته المسك والعنبر والطيب ودفن في المشهد الحسيني قريباً من خان الخليلي في القبر المعروف وكان ذلك في يوم الأحد الثامن من جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة .
وقد ذكر الفارقي أن الخليفة الفاطمي نفسه قد خرج وحمل الرأس وذكر الشبلنجي أن الوزير طلائع افتدى الرأس من الإفرنج ونجح في ذلك بعد تغلبهم على عسقلان وافتداه بمال جزيل.
ولقد حاول بعض المؤرخين أن يؤكدوا على أن الرأس قد نقل فعلاً من عسقلان إلى مصر وأن المشهد الحسيني في مصر إنما هو حقيقة مبني على رأس الحسين رضي الله عنه .
والعجيب أن القلقشندي استدل على صحة وجود الرأس بمصر بالحادثة التالية : أن القاضي محب الدين بن عبد الظاهر ذكر في كتابه خطط القاهرة أن السلطان صلاح الدين الأيوبي حين استولى على قصر الفاطميين أمسك خادماً من خدام القصر وعذبه بأن حلق رأسه وكفى عليه طاساً وجعل فيه خنافس فأقام ثلاثة أيام لم يتأثر بذلك فدعاه السلطان وسأله عن شأنه هل معه طلسم وقاه ذلك فقال: لا أعلم شيئاً غير أني حملت رأس الحسين على رأسي حين أتي به إلى المشهد فخلى سبيله وأحسن إليه"!!
وأما الصوفية فيرون أن رأس الحسين هو بالمشهد القاهري ويذكرون سمجاً من الخرافة حيث يرون أن القطب يزوره كل يوم بالمشهد القاهري!
وأما أحد المتأخرين وهو حسين محمد يوسف فقد أثبت أن الرأس الموجود في المشهد الحسيني هو حقيقة رأس الحسين وخطّأ من يقول بغير ذلك؛
وكان الاستدلال الذي جاء به هو : تلك المنامات والكشوفات التي تجلت لبعض المجاذيب (الصوفية ) التي جاء في بعضها أن الرأس هو في الحقيقة رأس الحسين !!
ثم أورد تأييداً لهذا القول باستحداث قاعدة قال فيها "إن الرأس يوجد في القاهرة وذلك بسبب الشك الذي تعارض مع اليقين" واليقين (هم أصحاب الكشف ) !!
وكما يبدو فإن الوطنية لعبت دوراً كبيراً في هذا التأكيد على أن رأس الحسين موجودة في القاهرة . ( انظر : . (1/513 للسخاوي اللطيفة التحفة)
وهكذا فإن الاستدلال على وجود الرأس في القاهرة كان مبنياً ومستنًدا على أن الرأس كان في عسقلان وقد أثبتنا قبل قليل بطلان وجود الرأس بعسقلان وبالتالي يكون الرأس الذيُحمل إلى القاهرة والمشهد المعروف اليوم والمقام عليه المسمى بالمشهد الحسيني كله كذب وليس له أي علاقة برأس الحسين رضي الله عنه . وإذا ثبت أن الرأس الذي كان مدفوناً بعسقلان ليس في الحقيقة رأس الحسين فإذاً متى اّدعي أن رأس الحسين بعسقلان وإلى من يعود ذلك الرأس؟
يقول النويري: إن رجلاً رأى في منامه وهو بعسقلان أن رأس الحسين في مكان بهاُعيّن له في منامه فنبش ذلك الموضع وذلك في أيام المستنصر با العبيدي صاحب مصر ووزارة بدر الجمالي فابتنى له بدر الجمالي مشهداً بعسقلان. ( نهاية الأرب 478/20). وقام الأفضل بعد ذلك بإخراجه وعطّره ووضعه في مكان آخر من عسقلان وابتنى عليه مشهداً كبيراً.
ولعلك تعجب من إسراع العبيديين الرافضة لإقامة المشهد على هذا الرأس لمجرد رؤية رجل فقط؟ ولكن إذا عرفت تاريخ العبيديين فإن الأمر لا يُستغرب . فإحساسهم بأن الناس لا يصدقون نسبتهم إلى الحسين جعلهم يلجؤون إلى تغطية هذا الجانب باستحداث وجود رأس الحسين بعسقلان ويُظهرون من الاهتمام به وبناء المشهد عليه والإنفاق على ترميمه وتحسينه من الأموال الشيء الكثير ؛ حتى يصدقهم الناس ويقولون: إنه لو لم يكن لهم نسب فيه لما اهتموا به إلى هذا الحد.
ثم إن هناك بعداً سياسياً آخر باستحداث وادعاء وجود رأس الحسين بعسقلان دون غيرها من المناطق التي تقع تحت سيطرتهم وهو محاولة مجابهة الدول السنية التي قامت في بلاد الشام ومن المعروف أن حكومة المستنصر با العبيدي قد صادفت قيام دولة السلاجقة السنية التي تمكن قائدها طغرلبك السلجوقي من دخول بغداد سنة سبع وأربعين وأربعمائة.
وأيضاً فإن العبيديين يَرُمون من استحداث قبر الحسين بعسقلان حماية مصر بوضع أقصى خط لها في شمالها ثم يكون قبر الحسين محفزاً لجنودهم للقتال والدفاع عنه وذلك إذا انحسر نفوذهم من بلاد الشام
وخاصة إذا تعرضوا لهجوم شامل من دولة السلاجقة السنية البالغة القوة في ذلك الحين. ولما أن غزى الصليبيون بلاد الشام واستطاعوا اكتساح الدويلات السنية وسيطروا على فلسطين واستولوا على القدس خشي العبيديون من استيلاء الصليبيين على عسقلان فأرادوا أن يجعلوا من القاهرة المكان المناسب لهذا الرأس وحتى يبدوا أمام الناس بأنهم حريصون على رأس جّدهم مما يدفع الشبهة عنهم أكثر فأكثر.
ومما يدل على أن استحداث وجود الرأس بعسقلان ونقله إلى مصر ما هو إلا خطة عبيدية ؛ أنه لم يرد أن رأس الحسين وجد في عسقلان في أي كتاب قبل ولاية المستنصر الفاطمي. وهذا مما يعزز كذب العبيديين وتحقيق أغراض خاصة لهم بذلك.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا الرأس المزعوم في مصر ليس في الأصل سوى رأس راهب.
وأنكر عمر بن أبي المعالي أن يكون رأس الحسين قد وجد بعسقلان أو مصر وذلك "لأنه لم يوجد في تاريخ من التواريخ أنه –أي الرأس نقل إلى عسقلان أو إلى مصر ويقوي ذلك أن الشام ومصر لم يكن فيهما شيعة علوية يُنقل إليهم ...". ( نهاية الأرب للنويري 481/20).
وقد نقل ابن دحية في كتابه "العلم المشهور" الإجماع على كذب وجود الرأس بعسقلان أو بمصر ونقل الإجماع أيضاً على كذب المشهد الحسيني الموجود في القاهرة وذكر أنه من وضع العبيديين وأنه لأغراض فاسدة وضعوا ذلك المشهد .
وقد أنكر وجود الرأس في مصر كل من: ابن دقيق العبد وأبو محمد بن خلف الدمياطي وأبو محمد بن القسطلاني وأبو عبد الله القرطبي وغيرهم.
وقال ابن كثير "وادعت الطائفة المسماة بالفاطميين الذين ملكوا مصر قبل سنة أربعمائة إلى سنة ستين وخمسمائة أن رأس الحسين وصل إلى الديار المصرية ودفنوه بها وبنوا عليه المشهد المشهور بمصر الذي يقال له تاج الحسين بعد سنة خمسمائة .
وقد نص غير واحد من أئمة أهل العلم على أنه لا أصل لذلك وإنما أرادوا أن يروجوا بذلك بطلان ما ادعوه من النسب الشريف وهم في ذلك كذبة خونة وقد نص على ذلك القاضي الباقلاني وغير واحد من أئمة العلماء في دولتهم قلت: والناس أكثرهم يروج عليهم مثل هذا فإنهم جاءوا برأس فوضعوه في مكان هذا المسجد المذكور وقالوا هذا رأس الحسين فراج ذلك عليهم واعتقدوا ذلك والله أعلم".
سادساً: المدينة المنورة :
ذكر ابن سعد : أن يزيد بعث بالرأس إلى عمرو بن سعد والي المدينة فكفنه ودفنه بالبقيع إلى حيث قبر أمه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال البلاذري: حدثنا عمر بن شبه حدثني أبو بكر عيسى بن عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه قال: إن الرأس بعث به يزيد إلى عمرو بن سعيد والي المدينة .
وهذه الرواية عن واحد من أهل البيت ولا شك أن أحفاد الحسين هم أعلم الناس برأس الحسين رضي الله عنه وبذلك يكون كلامهم مقدماً على كلام غيرهم بشأن وجود الرأس.
ثم بالنظر إلى حسن تعامل يزيد مع آل الحسين وندمه على قتل الحسين رضي الله عنه يكون من المتمات لما أبداه يزيد تجاه آل الحسين هو احترام رأس أبيهم فبإرسال رأس الحسين إلى والي المدينة وأمره بأن يدفن بجانب قبر أمه يكون يزيد قد أدى ما يتوجب عليه حيال رأس الحسين وحيال آل الحسين بل وحيال أقارب الحسين في المدينة وكبار الصحابة والتابعين.
"ثم إن دفنه بالبقيع: هو الذي تشهد له عادة القوم فإنهم كانوا في الفتن إذا قتل الرجل منهم –لم يكن منهم سلموا رأسه وبدنه إلى أهله كما فعل الحجاج بابن الزبير لما قتله وصلبه ثم سلموه إلى أهله وقد علم أن سعي الحجاج في قتل ابن الزبير وأن ما كان بينهما من الحروب أعظم بكثير مما كان بين الحسين وبين خصومه". كما أننا لا نجد انتقاداً واحداً اْنتُقِد فيه يزيد سواء من آل البيت أو من الصحابة أو من التابعين فيما يتعلق بتعامله مع الرأس فظني أن يزيد لو أنه تعامل مع الرأس كما تزعم بعض الروايات من الطوفان به بين المدن والتشهير برأسه لتصرف الصحابة والتابعين تصرفاً آخراً على أثر هذا الفعل ولما رفض كبارهم الخروج عليه يوم الحرة ولرأيناهم ينضمون مع ابن الزبير المعارض الرئيس ليزيد . ويؤيد هذا الرأي قول الحافظ أبو يعلى الهمداني: "إن الرأس قبر عند أمه فاطمة رضي الله عنها وهو أصح ما قيل في ذلك". وهو ما ذهب إليه علماء النسب مثل: الزبير بن بكار ومحمد بن الحسن المخزومي. وذكر عمر بن أبي المعالي أسعد بن عمار في كتابه "الفاصل بين الصدق والـَمْين في مقر رأس الحسين" أن
جمعا من العلماء الثقات كابن أبي الدنيا وأبي المؤيد الخوارزمي وأبي الفرج بن الجوزي قد أكدوا أن الرأس مقبور في البقيع بالمدينة " .
وتابعهم على ذلك القرطبي . وقال الزرقاني: قال ابن دحية : ولا يصح غيره. وشيخ الإسلام يميل إلى أن الرأس قد بعث به إلى واليه على المدينة عمرو بن سعيد وطلب منه أن يقبره بجانب أمه فاطمة رضي الله عنها والذي جعل شيخ الإسلام يرى ذلك هو : "أن الذي ذكر أن الرأس نقل إلى المدينة هم من العلماء والمؤرخين الذين يعتمد عليهم مثل الزبير بن بكار صاحب كتاب الأنساب ومحمد بن سعد كاتب الواقدي صاحب الطبقات ونحوهما من المعروفين بالعلم والثقة والإطلاع وهم أعلم بهذا الباب وأصدق فيما ينقلونه من المجاهيل والكذابين وبعض أهل التاريخ الذين لا يوثق بعلمهم وقد يكون الرجل صادقاً ولكن لا خبرة له بالأسانيد حتى يميز بين المقبول والمردود أو يكون سيء الحفظ أو متهماً بالكذب أو بالتزيد في الرواية كحال كثير من الأخباريين والمؤرخين".
وبذلك يكون رأس الحسين مقبوراً بجانب أمه فاطمة رضي الله عنها وهو الموافق لما ثبت في الروايات من حسن تعامل يزيد مع آل الحسين ثم هو الأقرب إلى الواقع الذي يملي على يزيد إرساله إلى المدينة ليقبر بجانب أمه رضي الله عنهما).
أقوال علماء الشيعة في المسألة:
لا تخرج أقوال علماء الشيعة عن الخلاف المذكور عند أهل السنة، ولا فائده من تكرارها، ولكنهم أضافوا قولين آخرين:
القول الأول : انه عند أبيه لورود أخبار بذلك. منها ما رواه الكليني أنه قال لولده إسماعيل : قم فسلم على جدك الحسين عليه السلام ، فقلت : جعلت فداك أليس الحسين بكربلا ؟ فقال : نعم ولكن لما حمل رأسه إلى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليه السلام[2].
القول الآخر : أنه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين رضي الله عنه. فعن أبان بن تغلب قال : كنت مع أبي عبد الله عليه السلام فمر بظهر الكوفة فنزل فصلي ركعتين ، ثم تقدم فصلى ركعتين ، ثم سار قليلا فنزل فصلي ركعتين ، ثم قال : هذا موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، قلت : جعلت فداك والموضعين اللذين صليت فيهما ؟ قال : موضع رأس الحسين عليه السلام[3].
وهذان القولان من مختصات الامامية، ولم يقل بها أحد من غيرهم.
ولكن هناك شبه إجماع عند الشيعة على أنه مدفون بكربلاء عند جثته رضي الله عنه أعيد إليها بعد أربعين يوماً. وذهب الى ذلك المرتضى وابن شهر آشوب والطوسي والفتال النيسابوري والطبرسي صاحب (إعلام الورى)، وابن نما الحلي وقال: انما الذي عليه المعول من الأقوال إنه أعيد الى الجسد بعدما طيف به في البلاد ودفن معه. والمجلسي وقال إنه المشهور بين علمائنا الإمامية رده علي بن الحسين ، والقزويني وقال: في العشرين من صفر رد رأس الحسين الى جثته.
وغيرهم.
أنظر أيضاً : أربعينية الحسين.
[1] مواقف المعارضة في عهد يزيد بن معاوية (60-64 هـ)، لمحمد بن عبدالهادي بن رزّان الشيباني، 387
[2] الكافي، للكليني، 4/571 ، انظر أيضاً : كامل الزيارات، لإبن قولويه، 83
[3] الكافي، للكليني، 4/571