الكاتب : فيصل نور ..
زيارة الناحية المقدسة
زيارة الناحية المقدسة، إحدى الزيارات المشهورة عند الشيعة للحسين رضي الله عنه، وهي زيارة يُزار بها في يوم عاشوراء وغيره من الأيّام، أي أنّها من الزيارات المُطلَقة. وهي منسوبة للنّاحية المقدّسة أي لمهدي الشيعة حسب زعمهم، وقد تناول الإمام فيها ما جرى على جده وأصحابه في كربلاء.
هناك زيارة مشهورة وأخرى غير مشهورة، والمشهورة تبدأ بالسّلام على أنبياء اللّه وأولياء دينه الأئمّة الأطهار ثمّ بالسّلام على أبي عبدالله الحسين الشّهيد وأنصاره الأبرار الأوفياء، ثمّ تعرّج على صفات أبي عبدالله وسيرته ونهجه قبل حركته في عاشوراء، وتبيّن الأرضيّة التي مهّدت لحركة سيّد الأحرار وثورته، ثم تتطرق لكيفية استشهاد الإمام وتُعدّد المصائب الّتي انصُبّت عليه في كربلاء، والحزن الّذي طبّق الخافقَين لفقده وشهادته، وبكاء السّماوات السّبع والأرضين السّبع وما فيهنّ وما بينهنّ على ما أصابه ولحق به، وما جرى في الكون من اهتزازة وارتباك، وفي الختام تنتهي بالدّعاء والتوسل بالائمّة.
وأمّا نسبة هذه الزّيارة لمهدي الشيعة فهي محل اختلاف وأخذ ورد وقع بين الأعلام طوال ما مضى من الأعوام.
الناحية المقدسة :
أواخر عهد حضور الأئمة وبسبب الظروف السياسية والاجتماعية الحاكمة آنذاك، کان الشيعة يستخدمون الألقاب التي عُرف بها الإمام مثل (الهادي، العسكري، المهدي) بدلاً عن التصريح باسمه، فراراً من الملاحقة وإخفاءً لما هم عليه.
ونري أول استخدمات لمصطلح «الناحية المقدسة» مشيراً إلي الإمام، في النصف الأول للقرن الثالث الهجري، فهناك من يقول إن هذا المصطلح خصّصّ للإمام الثاني عشر، وهناك من يقول إنه لم يخصص به بل لقد اُشير به إلى الامام الحادي عشر، الحسن العسكريّ أيضاً.
زيارة الناحية المشهورة :
هناك زيارة مشهورة وأخرى غير مشهورة، أما المشهورة فهي التي يُزار بها في يوم عاشوراء والمتداولة بين المؤمنين.
مصادر الزيارة وسندها :
من أقدم المصادر التي نقلت هذه الزيارة الشريفة كتاب المزار من كتب المفيد (ت 413 هـ) حسب المجلسي، حيث قال : قال المفيد في كتاب المزار بعد إيراد الزيارة التي نقلناها من المصباح ما هذا لفظه : زيارة أخرى في يوم عاشوراء برواية أخرى؛ إذا أردتَ زيارته بها في هذا اليوم فقف عليه وقل : السلام على آدم صفوة الله من خليقته ...
ولكن هذه الفقرة غير موجودة في المزار المطبوع وفضلاً عن ذلك كما ترى لم ينسبها المفيد إلي الإمام الحجة! وحتي المجلسي أيضاً لم ينسبها إلي الإمام بل قال : «والظاهر أن هذه الزيارة من مؤلفات السيد المرتضى والمفيد.
ونقل هذه الزيارة بعد المفيد : تلميذُه المرتضى (علم هدى) (ت 436 هـ) حسبما جاء في كتاب مصباح الزائر كما في نقل السيد الأمين في كتابه أعيان الشيعة لكنه أيضاً لم ينسبها إلي الإمام الحجة!
وأما ابن المشهدي (كان حيّاً سنة 595 هـ) في كتابه المزار الكبير يقول : زيارة أخرى في يوم عاشوراء لأبي عبدالله الحسين ممّا خرج من الناحية إلى أحد الأبواب ... وهذا منشأ انتساب هذه الزيارة إلى الإمام، فتصوّر البعض أنه لابد من أن يدلّ على الإمام الحجة! لكنه حذف السند فلايمكننا معرفة الرواة والطريق.
نقله ابن طاووس (ت 664 هـ) في مزاره، حيث قال : زيارة ثانية بألفاظ شافية يزاربها الحسين زار بها المرتضي علم الهدي قال : فإذا أردت الخروج فقل : أللّهمّ إليک توجهت .... ثم تدخل القبة الشريفة و تقف علي القبر الشريف و قل : السلام علي آدم صفوة الله ... . ومن هذين الكتابين الأخيرين نقل متأخّرو علماء الشيعة في مؤلّفاتهم في الحديث والمزار.
كما مر لم يصلنا سند هذه الزيارة ليمكننا تقييمه وحتى احتمل المجلسي أن تكون هذه الزيارة إنشاء المفيد أو المرتضى دون انتسابه إلى الإمام الحجة.
وأما زيارة الناحية المقدسة غير المشهورة وما يزار بها الشهداء فذكرها المجلسي ونقل قول الراوي خرج من الناحية سنة 252 فهذا قبل مولد مهدي الشيعة بأربع سنوات وقد صرح بهذا الإشكال المجلسي حيث قال : «واعلم أن في تاريخ الخبر إشكالا لتقدمها على ولادة القائم بأربع سنين» ثم قال : «ويحتمل أن يكون خروجه عن أبي محمد العسكري» ولم يذكر هذا التاريخ لزيارة الناحية المشهورة فلايجدر الخلط بينهما.
محتوى الزيارة :
إستشكل البعضُ بعضَ محتوي هذه الزيارة، منها :
عبارة «السَّلامُ عَلَى الاَجْسامِ الْعارِيَةِ فِى الْفَلَواتِ، تَنْهَشُهَا الذِّئابُ الْعادِياتُ، وَ تَخْتَلِفُ إِلَيْهَا السِّباعُ الضّارِياتُ» بينما جاء في خبر أبي مخنف الصحيح أن أهل الغاضرية من بني أسد دفنوا الحسين وأصحابه بيوم واحد أي في اليوم الحادي العشر من المحرم أي حيث كان العسكر زهاء عشرة آلاف لازالوا معسكرين هناك فلم تصل وحوش الفلوات الى تلك الجثث الطواهر الزواكي.
عبارة «فَهَوَيْتَ إِلَى الاَرضِ جَريحاً، تَطَؤُك َ الْخُيُولُ بِحَوافِرِها ... » مما ظاهره أنّ ذلک کان قبل قتل الحسين وذلک واضح البطلان والفساد.
عبارة «فَلَمّا رَأَيْنَ النِّسآءُ جَوادَك َ مَخْزِيّاً، وَ نَظَرْنَ سَرْجَك َ عَلَيْهِ مَلْوِيّاً، بَرَزْنَ مِنَ الْخُدُورِ، ناشِراتِ الشُّعُورِ عَلَى الْخُدُودِ، لاطِماتِ الْوُجُوهِ سافِرات» التي تدلّ علي أنهن خلعن الحجاب من شدة حزنهن!! ظاهر العبارة أن ذلك كان باختيارهن مسامحة في الحجاب وهذا لايمكننا الموافقة عليه وانفرد به هذا النص ولايؤيده أي خبر آخر.
وعبارة «الشِّمْرُ جالِسٌ عَلى صَدْرِكَ، وَ مُولِغٌ سَيْفَهُ عَلى نَحْرِك، قابِضٌ عَلى شَيْبَتِك َ بِيَدِهِ، ذابِحٌ لَك َ بِمُهَنَّدِهِ ... » التي لاتطابق الأخبار المعتبرة العديدة التي تدل على أنّ سنان بن أنس النخعي هو القاتل المباشر، ذبحه بأمر شمر بن ذي الجوشن.
شروح الزيارة :
من المتأخّرين الذين نقلوا هذه الزيارة في مؤلّفاتهم في الحديث والمزار :
المجلسيّ في بحار الأنوار (دون أن ينسب الزيارة للإمام) وتحفة الزائر، (الزيارة الرابعة للإمام الحسين ).
المحدّث النوري في مستدرك الوسائل.
إبراهيم بن محسن الكاشانيّ في الصحيفة المهديّة.
عباس القمّي في نَفَس المهموم.
محمد هادي الميلاني في قادتنا كيف نعرفهم.
حسين البروجردي في جامع أحاديث الشيعة.
ومن شروحها :
-
تحفه قائميه (فارسي)، الشيخ محمد باقر فقيهه ايماني.
-
الذخيرةالباقية (فارسي)، محمد جعفر شاملي الشيرازي.
-
سلام موعود (فارسي)، (بيان تحليلي وتوصيفي لزيارة الناحية المقدسة)، الدکتور محمد رضا سنگري.
-
شرح زيارة الناحية الكبرى، الحاج حيدر بن حبيب الله الموسوي النيشابوري الكنتوري.
-
الشمس الضاحية (فارسي)، نسبه في الذريعة لبعض الفضلاء المعاصرين.
-
كشف داحية في شرح زيارة الناحية، في ثلاث حصص، طبع بالهند كما في بعض الفهارس.
-
کشف داحية (اردو)، لبعض علماء الهند.
-
موعظة عظيم آبادية (الأردو) في شرح الزيارة الناحية، للسيد علي محمد النقوي.
-
همره نور، شرح زيارت ناحيه مقدسه (فارسي)، سيد هدايت الله طالقاني.
زيارة الناحية غير المشهورة :
والزيارة الثانية غير المشهورة وهي زيارة مروية عن الناحية المقدسة رواها السيد ابن طاووس في كتابه إقبال الأعمال، قال : رويناها بأسنادها إلى جدي أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، قال حدثنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عياش، قال : حدثني الشيخ الصالح أبو منصور بن عبد المنعم بن النعمان البغدادي (رحمة الله عليه)، قال : خرج من الناحية سنة اثنتين وخمسين ومائتين على يد الشيخ محمد بن غالب الأصفهاني حين وفاة أبي ، وكنت حديث السن، وكتبت أستأذن في زيارة مولاي أبي عبد الله وزيارة الشهداء.
فخرج إلي منه : «بسم الله الرحمن الرحيم، إذا أردت زيارة الشهداء فقف عند رجلي الحسين ، وهو قبر علي بن الحسين، فاستقبل القبلة بوجهك، فإن هناك حومة الشهداء، وأوم وأشر إلى علي بن الحسين ، وقل : السلام عليك يا أول قتيل، من نسل خير سليل، من سلالة إبراهيم الخليل ... ».
وقد تكرر ذكر هذه الزيارة ـ حسب نقل الشيخ المفيد والسيّد ابن طاووس ـ في أعمال أوّل شهر رجب وليلة النصف من شعبان، واشتملت على بعض الإضافات، كزيارة الإمام الحسين ، وزيارة علي الأكبر ، وباقي الشهداء ـ دون التعرّض لأسمائهم ـ وتُعرف هذه الزيارة بالزيارة الرجبيّة.
يقول ابن طاووس في خاتمة هذه الزيارة : «وقد تقدّم عدد الشهداء في زيارة عاشوراء برواية تخالف ما سطرناه في هذا المكان، ويختلف في أسمائهم أيضاً، وفي الزيادة والنقصان. وينبغي أن تعرف ـ أيّدك الله بتقواه ـ أنّنا اتّبعنا في ذلك ما رأيناه أو رويناه، ونقلنا في كلّ موضع كما وجدناه».
متن زيارة الناحية غير المشهورة :
إذا أردت زيارة الشهداء فقف عند رجلي الحسين ، وهو قبر علي بن الحسين ،فاستقبل القبلة بوجهك فإن هناك حومة الشهداء وأوم وأشر إلى علي بن الحسين وقل :
«السَّلامُ عَليكَ يَا أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنْ نَسْلِ خيرِ سَلِيلٍ مِنْ سُلالَهِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، صَلَّى اللَّهُ عَليكَ وَ عَلَى أَبِيكَ إِذْ قَالَ فِيكَ قَتَلَ اللَّهُ قَوْماً قَتَلُوكَ يَا بُني مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى الرَّحْمَنِ وَ عَلَى انْتِهَاکِ حُرْمَهِ الرَّسُولِ عَلَى الدُّنْيَا بَعْدَكَ الْعَفا كَأَنِّي بِكَ بينَ يَديكَ مَاثِلاً وَ لِلْكَافِرِينَ قَاتِلاً قَائِلاً :
أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسينِ بْنِ عَلِيٍّ…نَحْنُ وَ بيتِ اللَّهِ أَوْلَى بِالنَّبِيِّ
أَطْعَنُكُمْ بِالرُّمْحِ حَتَّى يَنْثَنِي…أَضْرِبُکُمْ بِالسّيفِ أَحْمِي عَنْ أَبِي
ضَرْبَ غُلامٍ هَاشِمِيٍّ عَرَبِيٍّ…وَاللَّهِ لا يَحْکُمُ فِينَا ابْنُ الدَّعِيِّ
حَتَّى قَضيتَ نَحْبَكَ وَ لَقِيتَ رَبَّكَ أَشْهَدُ أَنَّكَ أَوْلَى بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ أَنَّكَ ابْنُ رَسُولِهِ وَ حُجَّتُهُ وَ أَمِينُهُ وَ ابْنُ حُجَّتِهِ وَ أَمِينِهِ حَكَمَ اللَّهُ عَلَى قَاتِلِكَ مُرَّهَ بْنِ مُنْقِذِ بْنِ النُّعْمَانِ الْعَبْدِيِّ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ أَخْزَاهُ وَ مَنْ شَرِكَهُ فِي قَتْلِكَ وَ كَانُوا عَليكَ ظَهِيراً أَصْلاهُمُ اللَّهُ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً وَ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ مُلَاقِيكَ وَ مُرَافِقِي جَدِّكَ وَ أَبِيكَ وَ عَمِّكَ وَ أَخِيكَ وَ أُمِّكَ الْمَظْلُومَهِ وَ أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَعْدَائِكَ أُولِي الْجُحُودِ وَ السَّلامُ عَليكَ وَ رَحْمَهُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ».