الكاتب : فيصل نور ..
مسجد جَمْكَران
يقع في قرية تسمى جمكران، وهي في الجهة الجنوبية الشرقية من مدينة قم، وتبعد عنها حوالى خمس كيلومترات. بالقرب من جبل معروف بمقام الخضر. وسمي بمسجد صاحب الزمان، وكان سابقاً يسمى بمسجد قدمكاه، أي مكان القدم ووطئة الرجْل.
يقصده الشيعة، ولا سيما في ليالي الأربعاء من كل أسبوع ، يتوسلون فيه بمهديهم المنتظر.
ويعود تاريخ هذا المسجد إلى القرن الرابع الهجري ، وقد ذكرت في كيفية تأسيسه قصة عجيبة ترتبط بمهدي الشيعة، سنأتي على ذكرها بالتفصيل.
ويعد هذا المسجد من العلائم البارزة لهذه المدينة. ومن النادر جدا أن يزور شخص مدينة قم ويغفل عن زيارة هذا المسجد والصلاة فيه .
وقد ذكر أن له صلاة مخصوصة بكيفية خاصة. وقد اتسعت رقعة هذا المسجد بعد أن كانت مساحته صغيرة ، وأصبح يتسع للآلاف من المصلين وخصص قسم منه إلى النساء ، وتشرف عليه هيئة خاصة تدير شؤونه ولوازمه وسائر مرافقه .
أما اختصاص ليلة الأربعاء من بين الليالي فلا يعرف له وجها ، ولعل ذلك من وضع البعض، او من قول ابن طاووس في أعمال مسجد السهلة بالكوفة حيث ذكر : إذا أردت أن تمضي إلى السهلة فاجعل ذلك بين المغرب والعشاء الآخرة من ليلة الأربعاء ، وهو أفضل من غيره من الأوقات[1].
قصة بناء المسجد:
جاء في تاريخ قم عن حسن بن مثلة الجمكراني قال : كنت ليلة الثلاثا السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة نائما في بيتي فلما مضى نصف من الليل فإذا بجماعة من الناس على باب بيتي فأيقظوني ، وقالوا : قم وأجب الإمام المهدي صاحب الزمان فإنه يدعوك . قال : فقمت وتعبأت وتهيأت ، فقلت : دعوني حتى ألبس قميصي ، فإذا بنداء من جانب الباب : " هو ما كان قميصك " فتركته وأخذت سراويلي ، فنودي : " ليس ذلك منك ، فخذ سراويلك " فألقيته وأخذت سراويلي ولبسته ، فقمت إلى مفتاح الباب أطلبه فنودي " الباب مفتوح " .
فلما جئت إلى الباب ، رأيت قوما من الأكابر ، فسلمت عليهم ، فردوا ورحبوا بي ، وذهبوا بي إلى موضع هو المسجد الآن ، فلما أمعنت النظر رأيت أريكة فرشت عليها فراش حسان ، وعليها وسائد حسان ، ورأيت فتى في زي ابن ثلاثين متكئا عليها ، وبين يديه شيخ ، وبيده كتاب يقرؤه عليه ، وحوله أكثر من ستين رجلا يصلون في تلك البقعة ، وعلى بعضهم ثياب بيض ، وعلى بعضهم ثياب خضر .
وكان ذلك الشيخ هو الخضر عليه السلام فأجلسني ذلك الشيخ عليه السلام ، ودعاني الإمام عليه السلام باسمي ، وقال : اذهب إلى حسن بن مسلم ، وقل له : إنك تعمر هذه الأرض منذ سنين وتزرعها ، ونحن نخربها ، زرعت خمس سنين ، والعام أيضا أنت على حالك من الزراعة والعمارة ؟ ولا رخصة لك في العود إليها وعليك رد ما انتفعت به من غلات هذه الأرض ليبنى فيها مسجد وقل لحسن بن مسلم إن هذه
أرض شريفة قد اختارها الله تعالى من غيرها من الأراضي وشرفها ، وأنت قد أضفتها إلى أرضك . وقد جزاك الله بموت ولدين لك شابين ، فلم تنتبه من غفلتك ، فإن لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة الله من حيث لا تشعر .
قال حسن بن مثلة : قلت يا سيدي لا بد لي في ذلك من علامة ، فان القوم لا يقبلون ما لا علامة ولا حجة عليه ، ولا يصدقون قولي ، قال : إنا سنعلم هناك فاذهب وبلغ رسالتنا ، واذهب إلى السيد أبي الحسن وقل له : يجيئ ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين ، ويعطيه الناس حتى يبنوا المسجد ، ويتم ما نقص منه من غلة رهق ملكنا بناحية أردهال ويتم المسجد ، وقد وقفنا نصف رهق على هذا المسجد ، ليجلب غلته كل عام ، ويصرف إلى عمارته . وقل للناس : ليرغبوا إلى هذا الموضع ويعزروه ويصلوا هنا أربع ركعات للتحية في كل ركعة يقرأ سورة الحمد مرة ، وسورة الاخلاص سبع مرات ويسبح في الركوع والسجود سبع مرات ، وركعتان للإمام صاحب الزمان عليه السلام هكذا : يقرأ الفاتحة فإذا وصل إلى " إياك نعبد وإياك نستعين " كرره مائة مرة ثم يقرؤها إلى آخرها وهكذا يصنع في الركعة الثانية ، ويسبح في الركوع و
السجود سبع مرات ، فإذا أتم الصلاة يهلل ويسبح تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام فإذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلي على النبي وآله مائة مرة ، ثم قال عليه السلام : ما هذه حكاية لفظه : فمن صلاها فكأنما في البيت العتيق .
قال حسن بن مثلة : قلت في نفسي كأن هذا موضع أنت تزعم أنما هذا المسجد للإمام صاحب الزمان مشيرا إلى ذلك الفتى المتكئ على الوسائد فأشار ذلك الفتى إلي أن اذهب .
فرجعت فلما سرت بعض الطريق دعاني ثانية ، وقال : إن في قطيع جعفر الكاشاني الراعي معزا يجب أن تشتريه فان أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه وإلا فتعطي من مالك ، وتجيئ به إلى هذا الموضع ، وتذبحه الليلة الآتية ثم تنفق يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم ذلك المعز على المرضى ، ومن به علة شديدة ، فان الله يشفي جميعهم ، وذلك المعز أبلق ، كثير الشعر ، وعليه سبع علامات سود وبيض : ثلاث على جانب وأربع على جانب ، سود وبيض كالدراهم .
فذهبت فأرجعوني ثالثة ، وقال عليه السلام : تقيم بهذا المكان سبعين يوما أو سبعا فان حملت على السبع انطبق على ليلة القدر ، وهو الثالث والعشرون وإن حملت على السبعين انطبق على الخامس والعشرين من ذي القعدة ، وكلاهما يوم مبارك .
قال حسن بن مثلة : فعدت حتى وصلت إلى داري ولم أزل الليل متفكرا حتى أسفر الصبح ، فأديت الفريضة ، وجئت إلى علي بن المنذر ، فقصصت عليه الحال ، فجاء معي حتى بلغت المكان الذي ذهبوا بي إليه البارحة ، فقال : والله إن العلامة التي قال لي الإمام واحد منها أن هذه السلاسل والأوتاد ههنا .
فذهبنا إلى السيد الشريف أبي الحسن الرضا فلما وصلنا إلى باب داره رأينا خدامه وغلمانه يقولون إن السيد أبا الحسن الرضا ينتظرك من سحر ، أنت من جمكران ؟
قلت : نعم ، فدخلت عليه الساعة ، وسلمت عليه وخضعت فأحسن في الجواب وأكرمني ومكن لي في مجلسه ، وسبقني قبل أن أحدثه وقال : يا حسن بن مثلة إني كنت نائما فرأيت شخصا يقول لي : إن رجلا من جمكران يقال له : حسن بن مثلة يأتيك بالغدو ، ولتصدقن ما يقول ، واعتمد على قوله ، فان قوله قولنا ، فلا تردن عليه قوله فانتبهت من رقدتي ، وكنت أنتظرك الآن .
فقص عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحا فأمر بالخيول لتسرج ، وتخرجوا فركبوا فلما قربوا من القرية رأوا جعفر الراعي وله قطيع على جانب الطريق فدخل حسن بن مثلة بين القطيع ، وكان ذلك المعز خلف القطيع فأقبل المعز عاديا إلى الحسن بن مثلة فأخذه الحسن ليعطي ثمنه الراعي ويأتي به فأقسم جعفر الراعي أني ما رأيت هذا المعز قط ، ولم يكن في قطيعي إلا أني رأيته وكلما أريد أن آخذه لا يمكنني ، والآن جاء إليكم ، فأتوا بالمعز كما أمر به السيد إلى ذلك الموضع وذبحوه .
وجاء السيد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه إلى ذلك الموضع ، وأحضروا الحسن بن مسلم واستردوا منه الغلات وجاؤا بغلات رهق ، وسقفوا المسجد بالجزوع وذهب السيد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه بالسلاسل والأوتاد وأودعها في بيته فكان يأتي المرضى والأعلاء ويمسون أبدانهم بالسلاسل فيشفيهم الله تعالى عاجلا ويصحون .
قال أبو الحسن محمد بن حيدر : سمعت بالاستفاضة أن السيد أبا الحسن الرضا في المحلة المدعوة بموسويان من بلدة قم ، فمرض بعد وفاته ولد له ، فدخل بيته وفتح الصندوق الذي فيه السلاسل والأوتاد ، فلم يجدها[2].
وهذه الرواية محل قبول عند علماء الشيعة أو بعضهم، وقد الگلپايگاني :ما رأيكم في الروايات الواردة في حق مسجد جمكران ؟ فاجاب : بسمه تعالى : لا بأس بالاعتماد على هذه الروايات ، والله العالم[3].
وقد صنف بعض علماء الشيعة كتب مستقله في ذكر هذا المسج. من ذلك:
خلاصة البلدان في أخبار قم وشرفها وذكر بناء مسجد جمكران، لمحمد بن محمد بن هاشم الحسيني الرضوي القمي[4].
مسجد جمكران في آراء علماء الشيعة :
عبد الكريم الحائري : محمد علي الآراكي في صلاة الجمعة بقم: حينما أشرف الشهر على الانتهاء، ذهب العالم الربّاني الحاج الشيخ محمد تقي البافقي إلى سماحة آية اللّه العظمى الشيخ عبد الكريم الحائري (مستفسراً عن رواتب طلبة الحوزة العلمية، فأجابه المرحوم الحائري قائلاً: ليس لدينا سوى التوكل على اللّه .. فتوجه الشيخ البافقي إلى مسجد جمكران للدعاء هناك، وبفضل ألطاف الإمام صاحب الزمان زالت مشكلة الرواتب تلك.
محمد تقي الخوانساري : كان يتوجه إلى هذا المسجد مشياً على الأقدام بصحبة محمد علي الآراكي.
مرتضى الحائري : إنّ مسجد جمكران هو أحد الآيات الباهرات لألطافه عجل اللّه تعالى فرجه الشريف وتوضيح هذا الأمر، الذي قد يجهله الكثيرون يقع في عدة نقاط:
-
قصة بناء مسجد جمكران التي وقعت في عالم اليقظة، ذُكرت في الكتاب المعتبر (تاريخ قم).
-
إنّ القصة تتضمن واقعة لا تختص بفردٍ بعينه، فقد أفاق الناس صباحاً يومها، ليروا المكان قد حُدّد بسلسلة ٍ أملاً في تصديقهم، وبقيت هذه السلسلة في بيت سيد محترم، يبدو أنه السيد أبو الحسن الرضا، فيستشفي بها الناس، ثم تختفي بعد ذلك بشكل عجيب.
-
إنّ مكاناً نائياً عن المدينة، ويقع وسط الصحراء، لا يستحق أن يبتدعه شخص جمكراني من تلقاء نفسه، وفي ليلة من ليالي شهر رمضان.
-
إنّ العوام من الناس غالباً ما يشاهدون حفيداً للأئمة، ويحددون مكان قبره مثلاً - أمّا التفكير ببناء مسجد فبعيد عن تصورهم.
-
لو كان ظهور هذا المسجد، ناجماً عن العواطف الدينية والمحبّة المفرطة للإمام صاحب الزمان لوجب أن يكون ثقل التوسل به كما هو الحال في هذا الزمان، حيث يزوره الناس، في ذلك المسجد ويتوسلون به، بينما يعرف ولحد الآن باسم مسجد جمكران، وكلّ ما ورد فيه، يعتبر من الاُمور المعنويّة المختصة بالمساجد، دون المقامات المشهورة.
-
إنّ نصّ الأمر مقترنٌ بأدلة ٍ أخرى، فقد ورد فيه صلاة تحية المسجد، والصلاة التي تكرر فيها آية {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} مائة مرة، وكذا التهليل، وتسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام .. وهذه الاُمور مما تدل عليه النصوص المختلفة.
-
في ذلك الزمان، حيث كانت قيمة الأرض زهيدة جداً، جاء الأمر بتخصيص قطعة صغيرة، تعادل حوالي ثلث مساحة المسجد الحالي، الذي توسع كثيراً في زماننا هذا (وعلى الظاهر أنّها تشمل المحراب والمنطقة المحيطة به) وهذا بضميمة ما اُخبر به الحسن بن مثلة، عن كيفية الأرض وغصبها، شاهد على وجود الحكم فيه.
إنني وإن لم أخلُ من الوسوسة، ولا أثق كثيراً بما يتناقله الناس، إلاّ أنني ومن خلال هذه الامارات أقطع بقدسية هذا المسجد المبارك، والحمد للّه على ذلك وعلى غيره من النّعم التي لا تحصى.
محمد حجّت الكوه كمري : انتدب أربعين رجلاً من الحوزة العلمية في قم، وأوعز لهم بالذهاب إلى مسجد جمكران، وقراء ة زيارة عاشوراء، والدعاء بعد أداء صلاة صاحب الزمان لعلّ اللّه يُنزل الغيث ببركته، وبالفعل فقد هطلت أمطار غزيرة في ذلك اليوم، بفضل رعاية الإمام صاحب الزمان وبركات مسجد جمكران. (نقلاً عن مهدي المرعشي).
البروجردي : لو حالفني التوفيق، لأنجزت عملين في قم: الأول: شقُ طريق إلى مسجد جمكران. والثاني: تشييد مستشفى في المدينة.
كيائى ناد : وذات مرّة حيث كان قد جاء لزيارة مسجد جمكران بواسطة العربة، وفي طريق عودته صلّى المغرب والعشاء في مسجد (كيهاني) وقال: لو كان بإمكاني لصليّت الفرائض في مسجد جمكران يومياً.
فاضل اللنكراني : كلّما كانت تعرض مشكلة لسماحة آية اللّه العظمى السيد البروجردي، كان المرحوم والدي الذي عُرف بحبّه للإمام عليه السلام وولعه الخاص بمسجد جمكران، يشير عليه بإهداء ذبيحة لمسجد جمكران كي تزال المشكلة.
اللاياني : كان يكتب طلبه عند الشدائد، ويرفقه بوردة ثم يتوجه إلى مسجد جمكران، حيث كان يولي عناية خاصة بالمسجد. وعن هذا الطريق كان يستمد العون من صاحب.
المرعشي النجفي : يسمى هذا المسجد بمسجد صاحب الزمان؛ لأنّه طالما شوهد هناك، وهذا المسجد المقدس، يحظى باحترام الشيعة قاطبة، منذ أن أوعز الإمام صاحب الزمان إلى الشيخ حسن بن مثلة بتأسيسه، وحتى يومنا هذا. أي بعد ما يناهز من ألف واثنين وعشرين عاماً .. كما أن الشيخ الجليل الصدوق له كتاب يسمى (مؤنس الحزين) وأنني وإن لم أرَ ذلك الكتاب، لكن الميرزا حسين النوري أستاذ أستاذي، يروي عن ذلك الكتاب، حيث ذكر فيه قصة وتاريخ هذا المسجد بالتفصيل. وإجمالاً فإن هذا المسجد يحظى باحترام علماء الشيعة الأعلام ومحدثيهم الكرام، وقد شوهدت كرامات عديدة له، وأنا شخصياً طالما شاهدت كراماتٍ هناك. وقد حالفني التوفيق في المبيت في ذلك المسجد أربعين ليلة من ليالي الأربعاء، ولا مجال للشك في أنّه من الأماكن التي تعدّ مهبطاً للبركات الإلهية. ويأتي بعد مسجد السهلة الذي هو من المساجد، التي تنسب للإمام صاحب الزمان حيث يزوره أهالي النجف ليالي الأربعاء. فهو أفضل مقام ومكان، يُنسب لمولانا صاحب الزمان بعد مسجد السهلة[5].
[1] بحار الأنوار، للمجلسي، 97 /445 ، مفاتيح الجنان، لعباس القمي، 601
[2] بحار الأنوار، للمجلسي، 53 /230 ، أنظر أيضاً : مستدرك الوسائل، للنوري الطبرسي، 3 /447 ، النجم الثاقب، للنوري الطبرسي، 2/51 ، إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب، لعلي اليزدي الحائري، 2 /50
[3] إرشاد السائل، للگلپايگاني، 198
[4] الذريعة، لآقا بزرگ الطهراني، 7 /216
[5] http://noor-alsada.com/vb/showthread.php?t=32850