آخر تحديث للموقع :

الأربعاء 12 ربيع الأول 1445هـ الموافق:27 سبتمبر 2023م 06:09:26 بتوقيت مكة

جديد الموقع

وليد الكعبة ..
الكاتب : فيصل نور ..

وليد الكعبة

     من الألقاب التي يطلقها الشيعة على "علي بن أبي طالب" رضي الله عنه، إستناداً إلى روايات ذكرت أنه ولد داخل الكعبة، وأنه إنفرد بهذه الفضيلة.
     بل ذهبوا إلى القول بأن علة توجه المسلمين إلى الكعبة هو بسبب مولد رضي الله عنه فيها.
     يقول آل كاشف الغطاء : وفي ولادته رمز آخر لعله أدق وأعمق ، وهو أن حقيقة التوجه إلى الكعبة هو التوجه إلى ذلك النور المتولد فيها ، ولو أن القصد مقصور على محض التوجه إلى تلك البنية والأحجار لكان - أيضا – نوعا من عبادة الأصنام معاذ الله ولكن التناسب يقتضي أن البدن وهو تراب يتوجه إلى الكعبة التي هي تراب ، والروح التي هي جوهر مجرد تتوجه إلى النور المجرد ، وكل جنس لاحق بجنسه ، النور للنور ، والتراب للتراب . وإلى بعض هذا  أشار بعض الشعراء:
بشر في العين إلا أنه * من طريق الحق نور وهدى
جل أن تدركه أبصارنا * وتعالى أن نراه جسدا
فهو التسبيح زلفى راكع * سمع الله به من حمدا
تدرك الأفكار منه جوهرا * كاد من إجلاله أن يعمدا
فهو الكعبة والوجه الذي * وحد الله به من وحدا
     وهذان السطران من الشعر وإن كان فيه شئ من الغلو ففيه كثير من الحقيقة ، وفيه لمعات من التوحيد ، نعم ، نتوجه بأبداننا في صلواتنا إلى الكعبة ، وبأرواحنا إلى النور الذي أشرق وأضاء فيها[1].
     أما المشهور عند أهل السنة أن الذي وُلد في جوف الكعبة هو حكيم بن حزام بن خويلد رضي الله عنه. قال مسلم بن الحجاج ولد حكيم بن حزام في جوف الكعبة وعاش مائة وعشرين سنة[2].
     وقال النووي : حكيم بن حزام رضي الله عنه ومن مناقبه أنه ولد في الكعبة! قال بعض العلماء ولا يعرف أحد شاركه في هذا[3].
     وقال الحلبي: الذي ولد في الكعبة حكيم بن حزام، قال بعضهم: لا مانع من ولادة كليهما في الكعبة، لكن في النور حكيم بن حزام ولد في جوف الكعبة، ولا يعرف ذلك لغيره، وأما ما روي أن عليا ولد فيها فضعيف عند العلماء[4].
     وقال الحاكم النيسابوري : سمعت أبا الفضل الحسن بن يعقوب يقول: سمعت أبا محمد بن عبد الوهاب يقول: سمعت علي بن غنام العامري يقول: ولد حكيم بن حزام في جوف الكعبة وخلت أمه الكعبة فمخضت فيها فولدت في البيت[5].
     وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني : وحكى الزبير بن بكار أن حكيم بن حزام ولد في جوف الكعبة، قال وكان من سادات قريش في الجاهلي والإسلام[6].
 
     الروايات :
أولاً : من طرق الشيعة.
     محمد بن الفضيل الدروقي عن أبي حمزة الثمالي ، قال : سمعت علي بن الحسين " عليه السلام " يقول : إن فاطمة بنت أسد رضي الله عنها ضربها الطلق ، وهي في الطواف فدخلت الكعبة فولدت أمير المؤمنين " عليه السلام " فيها . قال عمر بن عثمان : ذكرت هذا الحديث لسلمة بن الفضل فقال : حدثني محمد بن إسحاق عن عمه وموسى بن بشار ، ان علي بن أبي طالب " عليه السلام " ولد في الكعبة ، وفى ذلك يقول السيد الحميري في شعر له :
ولدته في حرم الاله أمه * والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة * طابت وطاب وليدها والمولد
في ليلة غابت نحوس نجومها * وبدت مع القمر المنير الأسعد
ما لف في خرق القوابل مثله * إلا ابن آمنة النبي محمد[7].
     محمد بن الفضيل الدروقي، ليست له ترجمة، ولعلة محمد بن الفضيل الزرقي أو الرزقي وهو من أصحاب الصادق ، وعلى أي حال فإن كان الزرقي فهو مجهول[8].
 
          الطوسي : قال ابن شاذان : وحدثني إبراهيم بن علي ، باسناده عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام ، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم أمير المؤمنين عليه السلام ، وكانت حاملة بأمير المؤمنين عليه السلام لتسعة أشهر ، وكان يوم التمام ، قال : فوقفت بإزاء البيت الحرام ، وقد أخذها الطلق ، فرمت بطرفها نحو السماء ، وقالت : أي رب ، إني مؤمنة بك ، وبما جاء به من عندك الرسول ، وبكل نبي من أنبيائك ، وبكل كتاب أنزلته ، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل ، وإنه بنى بيتك العتيق ، فأسألك بحق هذا البيت ومن بناء ، وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني ويؤنسني بحديثه ، وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك لما يسرت علي ولادتي . قال العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب . لما تكلمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء ، رأينا البيت قد انفتح من ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، وغابت عن أبصارنا ، ثم عادت الفتحة والتزقت بأذن الله تعالى ، فرمنا أن نفتح الباب ليصل إليها بعض نسائنا ، فلم ينفتح الباب ، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله تعالى ، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام . قال : وأهل مكة يتحدثون بذلك في أفواه السكك ، وتتحدث المخدرات في خدورهن . قال : فلما كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه ، فخرجت فاطمة وعلي عليه السلام على يديها ، ثم قالت : معاشر الناس ، إن الله عز وجل) اختارني من خلقه ، وفضلني على المختارات ممن مضى قبلي ، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنها عبدت الله سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا ، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله ، ويسر عليها ولادة عيسى ، فهزت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتى تساقط عليها رطبا جنيا ، وإن الله تعالى اختارني وفضلني عليهما ، وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين ، لأني ولدت في بيته العتيق ، وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة وأوراقها ، فلما أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال : يا فاطمة ، سميه عليا ، فأنا العلي الاعلى ، وإني خلقته من قدرتي ، وعز جلالي ، وقسط عدلي ، واشتققت اسمه من اسمي ، وأدبته بأدبي ، وفوضت إليه أمري ، ووقفته على غامض علمي ، وولد في بيتي ، وهو أول من يؤذن فوق بيتي ، ويكسر الأصنام ويرميها على وجهها ، ويعظمني ويمجدني ويهللني ، وهو الامام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ، ووصيه ، فطوبى لمن أحبه ونصره ، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقه . قال : فلما رآه أبو طالب سره وقال علي عليه السلام : السلام عليك يا أبه ، ورحمة الله وبركاته . قال : ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله ، فلما دخل اهتز له أمير المؤمنين عليه السلام وضحك في وجهه ، وقال : السلام عليك ، يا رسول الله ، ورحمة الله وبركاته . قال : ثم تنحنح بإذن الله تعالى ، وقال : ( بسم الله الرحمن الرحيم * قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون ) إلى آخر الآيات . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قد أفلحوا بك ، وقرأ تمام الآيات إلى قوله : ( أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أنت والله أميرهم ، تميرهم من علومك فيمتارون ، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لفاطمة : اذهبي إلى عمه حمزة فبشريه به . فقالت : فإذا خرجت أنا ، فمن يرويه ؟ قال : أنا أرويه . فقالت فاطمة : أنت ترويه ؟ قال : نعم ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله لسانه في فيه ، فانفجرت منه اثنتا عثرة عينا ، قال : فسمي ذلك اليوم يوم التروية ، فلما أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نورا قد ارتفع من علي عليه السلام إلى عنان السماء . قال : ثم شدته وقمطته بقماط فبتر القماط ، قال : فأخذت فاطمة قماطا جيدا فشدته به فبتر القماط ، ثم جعلته في قماطين فبترهما ، فجعلته ثلاثة فبترها ، فجعلته أربعة أقمطة من رق مصر لصلابته فبترها ، فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلها ، فجعلته ستة من ديباج وواحدا من الادم فتمطى فيها فقطعها كلها بإذن الله ، ثم قال بعد ذلك : يا أمه لا تشدي يدي ، فإني احتاج إلى أن أبصبص لربي بإصبعي . قال : فقال أبو طالب عند ذلك : إنه سيكون له شأن ونبأ . قال : فلما كان من غد دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على فاطمة ، فلما بصر علي عليه السلام برسول الله صلى الله عليه وآله سلم عليه ، وضحك في وجهه ، وأشار إليه أن خذني إليك واسقني مما سقيتني بالأمس . قال : فأخذه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقالت فاطمة : عرفه ورب الكعبة . قال : فلكلام فاطمة ، سمي ذلك اليوم يوم عرفة - يعني أن أمير المؤمنين عليه السلام عرف رسول الله صلى الله عليه وآله - فلما كان اليوم الثالث ، وكان العاشر من ذي الحجة ، أذن أبو طالب في الناس أذانا جامعا ، وقال : هلموا إلى وليمة ابني علي . قال : ونحر ثلاث مائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم ، واتخذ وليمة عظيمة ، وقال : معاشر الناس ، ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلموا وطوفوا بالبيت سبعا ، وادخلوا وسلموا على ولدي علي فإن الله شرفه ، ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر[9].
     السند منقطع بين إبراهيم بن علي المعاصر لإبن شاذان وبين الصادق رحمه الله (ت: 148 ه).
     ابن شهر آشوب : عن يزيد بن قعنب وجابر الأنصاري انه كان راهب يقال له المثرم بن دعيب قد عبد الله مائة وتسعين سنة ولم يسأله حاجه فسأل ربه أنيريه وليا له فبعث الله بأبي طالب إليه فسأله عن مكانه وقبيلته فلما اجابه وثب إليه وقبل رأسه وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني وليه ، ثم قال : ابشر يا هذا ان الله ألهمني ان ولدا يخرج من صلبك هو ولي الله اسمه علي فان أدركته فاقرأه مني السلام ، فقال ما برهانه ؟ قال ما تريد ؟ قال طعام من الجنة في وقتي هذا ، فدعا الراهب بذلك فما استتم كلامه حتى اتى بطبق عليه من فاكهة الجنة رطب وعنب ورمان فتناول رمانة فتحولت ما في صلبه فجامع فاطمة فحملت بعلي وارتجت الأرض وزلزلت بهم أياما وعلت قريش الأصنام إلى ذروة أبي قبيس فجعل يرتج ارتجاجا حتى تدكدكت بهم الصخور وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجوهها فصعد أبو طالب الجبل وقال : أيها الناس ان الله قد احدث في هذه الليلة حادثة وخلق فيها خلقا ان لم تطيعوه وتقروا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم ، فأقروا به فرفع يده وقال : إلهي وسيدي أسألك بالمحمدية المحمودية وبالعلوية العالية وبالفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة فكانت العرب تدعو بها في شدايدها في الجاهلية وهي لا تعلمها ، فلما قربت ولادته أتت فاطمة إلى بيت الله وقالت . رب اني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب مصدقة بكلام جدي إبراهيم فبحق الذي بنى هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت علي ولادتي ، فانفتح البيت ودخلت فيه فإذا هي بحوراء ومريم وآسية وأم موسى وغيرهن فصنعن مثل ما صنعن برسول الله وقت ولادته . فلما ولد سجد على الأرض يقول : اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله واشهد ان عليا وصي محمد رسول الله بمحمد يختم الله النبوة وبي تتم الوصية وانا أمير المؤمنين فسلم على النساء وسأل عن أحوالهن وأشرقت السماء بضيائه ، فخرج أبو طالب يقول أبشروا فقد ظهر ولي الله يختم به الوصيين وهو وصي نبي رب العالمين ، ثم اخذ عليا فسلم علي عليه فسأله عن النسوة فذكر له ثم قال : فالحق بالمثرم وخبره بما رأيت فإنه في كهف كذا من جبل اكام فخرج حتى اتاه فوجده ميتا جسدا ملفوفا في مدرعة مسجى فإذا هناك حيتان فلما بصرنا به عزبتا في الكهف ودخل أبو طالب فقال : السلام عليك يا ولي الله ورحمة الله وبركاته ، فأحيي الله المثرم فقام يمسح وجهه ويقول : اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وان عليا ولي الله والامام بعد نبي الله ، فقال أبو طالب : ابشر فان عليا قد طلع إلى الأرض فسأل عن ولادته فقص عليه القصة فبكى المثرم ثم سجد شكرا ثم تمطى فقال : غطني بمدرعتي فغطاه فإذا هو ميت كما كان فأقام أبو طالب ثلاثا وخرجت الحيتان وقالتا : السلام عليك يا أبا طالب الحق بولي الله فإنك أحق بصيانته وحفظه من غيرك ، فقال من أنتما ؟ قالتا : نحن عمله نذب عنه الأذى إلى أن تقوم الساعة فحينئذ يكون أحدنا سابقه والآخر قائده إلى الجنة ، فانصرف أبو طالب[10].
     قال النمازي : يزيد بن قعنب  :لم يذكروه . روى الصدوق وغيره عن ثابت بن دينار ( أبي حمزة الثمالي ) ، عن سعيد بن جبير ، عنه ، حديث ميلاد أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة[11].
     الصدوق (ت : 381 ه) : حدثنا علي بن أحمد بن موسى الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد ابن جعفر الأسدي ، قال : حدثنا موسى بن عمران ، عن الحسين بن يزيد ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن ثابت بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال يزيد بن قعنب : كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب وفريق من عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام ، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملة به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق ، فقالت : رب إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل عليه السلام، وإنه بنى البيت العتيق ، فبحق الذي بنى هذا البيت ، وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت علي ولادتي . قال يزيد بن قعنب : فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره ، ودخلت فاطمة فيه ، وغابت عن أبصارنا ، والتزق الحائط ، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ، فعلمنا أن ذلك أمر من أمر الله عز وجل ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين عليه السلام، ثم قالت : إني فضلت على من تقدمني من النساء ، لان آسية بنت مزاحم عبدت الله عز وجل سرا في موضع لا يحب أن يعبد الله فيه إلا اضطرارا ، وإن مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطبا جنيا ، وإني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة وأرزاقها ، فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف : يا فاطمة ، سميه عليا ، فهو علي ، والله العلي الأعلى يقول : إني شققت اسمه من اسمي ، وأدبته بأدبي ، ووقفته على غامض علمي ، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي ، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ، ويقدسني ويمجدني ، فطوبى لمن أحبه وأطاعه ، وويل لمن أبغضه وعصاه[12].
     الدقاق لم يوثق[13]. وابن سنان قالوا فيه : متعارض فيه التوثيق والتضعيف فلا دليل على وثاقته[14]. وذكر النجاشي في ترجمته أنه : ضعيف جدا لا يعول عليه ولا يلتفت إلى ما تفرد به[15]. وقال الكشي : لا أستحل أن أروي أحاديث محمد بن سنان[16]. والمفضل قال فيه النجاشي : أبو عبد الله وقيل أبو محمد ، الجعفي ، كوفي ، فاسد المذهب ، مضطرب الرواية ، لا يعبأ به . وقيل إنه كان خطابيا . وقد ذكرت له مصنفات لا يعول عليها[17]. وقال فيه ابن الغضائري : المُفَضَّل بن عمر ، الجُعفيّ ، أبو عبد الله . ضعيف ، متهافت ، مرتفع القول ، خطابي . وقد زيد عليه شىء كثير ، وحمل الغلاة في حديثه حملا عظيماً. ولا يجوز أن يُكتب حديثه[18]. وكذلك حال بقية رجال السند لا يخلو من كلام.
     محمد بن علي العباسي ، قال : حدثنا علي بن علي البصري نزيل شيراز ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن داود ، قال : حدثنا الحسين بن أحمد بن علي الرياحي ، عن الحسين بن زيد ، عن أبيه يزيد بن قعيب الرياحي ، قال : كنت أنا والعباس بن عبد المطلب يوما جلوسا بإزاء بيت الله الحرام إذ أتت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام وكانت حاملة بعلي لتسعة أشهر إلا يوما ، فأصابها الطلق وكان يوم التمام ، فوقعت بإزاء بيت الله الحرام ، ثم رمت بطرفها نحو السماء ثم قالت : ربي إني مؤمنة بك وبما جاء من عندك إلى رسول أو نبي وبكل كتاب أنزلته ، وإني مصدقة بكلمات جدي إبراهيم الخليل ، وأنه بنى بيتك العتيق ، فبحق هذا البيت ومن بناه إلا يسرت ولادتي ، وبحق هذا المولود الذي في أحشائي . قال العباس ويزيد بن قعيب : فانفتح البيت وغابت عن أبصارنا ، فاجتهدنا أن تصل إليها واحدة من النساء فما قدرنا عليه ، فبقيت في هذا البيت ثلاثة أيام ثم أخذت عليا عليه السلام على يديها ، ثم قالت : معاشر الناس إن الله عز وجل اختارني من نساء خلقه وفضلني على جميع المختارات اللواتي مضين من قبلي ، اختار الله تعالى آسية بنت مزاحم وأنها عبدت الله تعالى في موضع لم يحب أن يعبد إلا اضطرارا ، واختار الله عز وجل مريم بنت عمران في ولادة عيسى عليهما السلام فهزت إليها بالجذع اليابس من النخلة في فلاة حتى تساقط رطبا جنيا ، وأن الله عز وجل اختارني وفضلني بابني ، ولدت في بيته العتيق ، وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنة ، فلما خرجت ومعي ولدي هتف بي هاتف : يا فاطمة سميه عليا فهو علي وأنا العلي الأعلى ، خلقته من قدرتي وقسط عدلي وعزة جلالي ، وشققت اسمه من اسمي ، وأدبته بأدبي ، وفوضت إليه أمر ديني ، ووقفته على غامض علمي ، وولد في بيتي ، وهو أول من يؤذن فوق بيتي ، ويكسر الأصنام ويرميها على وجوهها ، ويعظمني ويمجدني ويهللني ويقدسني ، وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ، وهو وصيه ، فطوبى لمن أطاعه ، والويل لمن عصاه.
     يقول النمازي : الحسين بن أحمد بن علي الرياحي : لم يذكروه . روى محمد بن أحمد بن داود الثقة الجليل عنه[19]. وبعض رجال السند لم أجد لهم ترجمة. وفي السند خلل وهو (الحسين بن زيد ، عن أبيه يزيد).
     وهناك روايات أخرى لا تخلو من إضطراب وبعضها منقطعة السند لا نرى ضرورة من حصرها هنا.
     ثم أنه قد جاء في كتب الشيعة ما يعارض هذه القصة حيث لم تذكر ولادته رضي الله عنه في الكعبة، فقد ذكر النيسابوري : قال أبو طالب : لما مضى من الليل الثلث أخذت فاطمة ما يأخذ النساء عند الولادة ، فقلت لها : ما بالك يا سيدة النساء ؟ قالت : إني أجد وهجا ، فقرأت عليها الاسم الذي فيه النجاة فسكنت ، فقلت لها : إني أنهض فأتيك بنسوة من صواحبك يعنك على أمرك في هذه الليلة ، فقالت : رأيك يا با طالب ، فلما قمت لذلك إذا أنا بهاتف هتف من زاوية البيت وهو يقول : أمسك يا أبا طالب فإن ولي الله لا تمسه يد نجسة ، وإذا أنا بأربع نسوة يدخلن عليها ، وعليهن ثياب كهيئة الحرير الأبيض ، وإذا رائحتهن أطيب من المسك الأذفر ، فقلن لها : السلام عليك يا ولية الله ، فأجابتهن ثم جلسن بين يديها ومعهن جؤنة من فضة ، وأنسنها حتى ولد أمير المؤمنين عليه السلام فلما ولد انتهيت إليه فإذا هو كالشمس الطالعة وقد سجد على الأرض وهو يقول : ( أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأشهد أن عليا وصي محمد رسول الله ، وبمحمد يختم الله النبوة وبي يتم الوصية ، وأنا أمير المؤمنين)[20].
ثانياً : من طرق أهل السنة.
     الحاكم النيسابوري (ت : 405 ه) : أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ثنا مصعب بن عبد الله فذكر نسب حكيم بن حزام وزاد فيه وأمه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزى وكانت ولدت حكيما في الكعبة وهي حامل فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة فولدت فيها فحملت في نطع وغسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم ولم يولد قبله ولا بعده في الكعبة أحد. قال الحاكم وهم مصعب في الحرف الأخير فقد تواترت الاخبار ان فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة[21].
     أقول : لم يذكر الحاكم رواية في ذلك. وقد تعقبه ابن الملقن رحمه الله بالقول: حَكِيم بن حزام رضي الله عنه ولد فِي جوف الكعبة، ولا يعرف أحد ولد فيها غيره، وأما ما رُوِي عن علي رضي الله عنه أنه ولد فيها فضعيف، وخالف الحاكم في ذلك[22].
     ابن المغازلي (ت : 483 ه) : أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد البيِّع قال : أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عبد الله بن خالد الكاتب قال : حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد بن سلم الخُتُّليّ قال : حدثني عمر بن أحمد بن رَوح الساجي حدّثني أبو طاهر يحيى بن الحسن العلوي قال : حدثني محمد بن سعيد الدارِمي حدّثنا موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين قال : كنت جالساً مع أبي ونحن زائران قبرَ جدّنا عليه السّلام وهناك نِسوان كثيرة ، إذ أقبلَت امرأة منهنّ فقلت لها : من أنت يرحمك الله ؟ قالت : أنا زيدة بنت قريبة بن العجلان من بني ساعدة ، فقلت لها : فهل عندك شيء تُحدّثينا ؟ فقالت : إي والله ، حدّثتني أُمّي أُمّ عمارة بنت عُبادة بن نَضلَة بن مالك بن العَجلان الساعدي انّها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً ، فقلت له : ما شأنك يا أبا طالب ؟ قال : إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة المخاض ، ثمّ وضع يديه على وجهه . فبينا هو كذلك ، إذ أقبل محمّد صلّى الله عليه وسلّم فقال له : ما شأنك يا عمِّ ؟ فقال : إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المَخاضَ ، فأخذ بيده وجاء وهي معه فجاء بها إلى الكعبة فأجلسها في الكعبة ، ثمّ قال : اجلسي على اسم الله ! قال : فَطُلِقَت طَلقةً فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منُظّفاً لم أر كَحُسنِ وجهه فسمّاه أبو طالب علياً وحَمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتّى أدّاه إلى منزلها . قال علي بن الحسين عليهما السلام : فوالله ما سمعتُ بشيء قطُّ إلاّ وهذا أحسنُ منه . كُنيتُه عليه السلام له كُنيَتانِ : إِحداهُما أبو الحَسَن[23].
     السند فيه مجاهيل، والمغازلي نفسه قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وعن كتابه هذا : قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفى أنه كذبٌ على من له أدنى معرفةٍ بالحديث[24].
     فأما قول الحاكم: " فقد تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة "، فـ (المتواتر) عند الحاكم ليس هو المتواتر عند الأصوليين، والذي يعنون به الخبر الذي يفيد العلم اليقيني الضروري لكثرة المخبرين به. كما نبّه على ذلك البلقيني في محاسن الاصطلاح، والعراقي في التقييد والإيضاح.
     فلا يتجاوز كلام الحاكم أن يكون إخبارًا عن أن هذا الأمر في زمنه كان من الأمور المشهورة بين الناس، ولا يدل على أكثر من ذلك؛ لما بيّنّاه من أن المتواتر عنده ليس هو المتواتر عند الأصوليين.
     وإذا تبيّنَ ذلك: فإن مجرّد الشهرة في زمن الحاكم المتوفَّى سنة (405 هـ)، لا تُغني شيئًا؛ خاصةً إذا خالفت مقالةً لمن هو أقرب زمنًا منه من زمن الحادثة التي اشتهرت في زمنه، وهو مصعب الزبيري المتوفَّى سنة (236 هـ)، وهو علّامةٌ في نسب قريشٍ وأخبارها، حيث نفى أن يكون أحدٌ قد وُلد في جوف الكعبة غير حكيم بن حزامٍ كما سبق.
     أما سبب شهرة هذا الأمر في زمن الحاكم فهو لأنه مما تدّعيه الشيعةُ لعلي رضي الله عنه، وهو عندهم يكاد يكون من المسلّمات، دون أن يكون لديهم برهانٌ صحيحٌ عليه. وفي الإمام الحاكم تشيّعٌ يسير، نص عليه أهل العلم. فلعل مصدره هو شهرة هذا الخبر في زمنه بين عموم الناس، والناس أخذوها من الشيعة ومن مثل هذه الأخبار غير المعتمدة[25].
 
     هذه هي الروايات المسندة التي وقفنا عليها. أما أقوال العلماء في الباب والتي أرسلوها إرسال المسلمات فلا يستدل بها، وإنما يستدل لها، ويصدق فيها "رُبَّ مشهورٍ لا أصل له".
     فتبين لك بعد التحقيق الذي مر بك أن القصة رغم شهرتها لا أصل صحيح لها. أما طامات المتون فحدث و لا حرج.
     أما الردود على القصة على فرض ثوبتها، فاليك بعضاً من أقوال العلماء في ذلك :

  • لا يستفاد منه حكم شرعي، لأن ولادته رضي الله عنه كانت قبل النبوة، يعني في الجاهلية. قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" : ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح" انتهى. ونحن مخاطبون بشريعة الإسلام، فلا حجة فيما كان قبل البعثة.

  • أمرنا الله تعالى بتعظيم المساجد في قوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ). قال السعدي رحمه الله: "(أَذِنَ) أي: أمر ووحي (أَن تُرفَعَ) يدخل في رفعها: بناؤها وكنسها وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يحترزون عند النجاسة، وعن الكافر وأن تصان من اللغو ورفع الأصوات فيها" انتهى[26]. فيجب تنزيه المساجد عن كشف العورات والدم الحاصل بسبب الولادة. وعلى فرض، أن امرأة أخذها الطلق وهي في المسجد ولم نستطع نقلها إلى مكان آخر، فهذه حالة ضرورة لا يستفاد منها جواز هذا العمل.

  • لماذا لم تذكر هذه المعجزة في القرآن، بينما ذكرت معاجز انبياء سابقين، وذكرت حادثة الفيل.

  • طفل ولد بطريقة اعجازية في عصر الجاهلية حيث كانت الناس تعبد الاصنام من الحجارة والتمور، الم يكن من المفروض ان يحدث ذلك ضجة كبيرة، من الممكن ان يعبدوه او يجعلوه ابن الله.

  • لماذا لم يلاحظ اليهود والنصارى هذه الحادثة ويعتبروا الامام علي نبياً، كونهم بحسب مصادر التاريخ،كانوا منتظرين لظهور نبي في الجزيرة العربية.

  • لماذا لم يتوهم الناس ويحصل لديهم التباس حول من هو النبي علي ام محمد.

  • لما أُهمل الاستناد إليها العلويون وأولاد أحفاد عليّ في مواجهة خصومهم.

  • أن هذه الولادة ليست منقبة لعلي رضي الله عنه، كما يعتقد الشيعة، إذ كان من المتعارف عليه في ذلك الوقت (في الجاهلية) أن المرأة إذا تعسرت ولادتها فإنهم يُحضرونها إلى الكعبة لتضع مولودها تحت قدمي "هُبل"، أملاً في أن يسهل هذا الصنم ولادتها.


[1] جنة المأوى، لكاشف الغطاء، 122

[2] صحيح مسلم، لمسلم بن الحجاج ، 5/ 11

[3] شرح صحيح مسلم للحافظ النووي، 2/ 142

[4] السيرة الحلبية، 1/ 226

[5] المستدرك، للحاكم النيسابوري، 3/ 482

[6] تهذيب التهذيب، لابن حجر، 2/ 385

[7] روضة الواعظين، للفتال النيسابوري، 81

[8] المفيد من معجم رجال الحديث، لمحمد الجواهري، 567

[9] الأمالي، للطوسي، 706

[10] مناقب آل أبي طالب، لإبن شهر آشوب المازندراني، 2/ 21

[11] مستدركات علم رجال الحديث، لعلي النمازي الشاهرودي، 8/ 258

[12] الأمالي - الشيخ الصدوق، 194 ، علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 1 / 135 ، معاني الأخبار - الشيخ الصدوق، 62

[13] المفيد من معجم رجال الحديث، لمحمد الجواهري، 384 ، كتاب الصلاة، للخوئي، 4/ 316 ، 379

[14] المفيد من معجم رجال الحديث، لمحمد الجواهري، 535

[15] فهرست اسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، للنجاشي، 328

[16] إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، للطوسي، 2/ 687

[17] فهرست اسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، للنجاشي، 416

[18] رجال ابن الغضائري، لأحمد بن الحسين الغضائري، 87

[19] مستدركات علم رجال الحديث، لعلي النمازي الشاهرودي، 3/ 90

[20] روضة الواعظين، للفتال النيسابوري، 76

[21] المستدرك، للحاكم النيسابوري، 3/ 483

[22] البدر المنير، 6/ 489

[23] مناقب علي بن أبي طالب (ع)، لابن المغازلي، 25

[24] أنظر : منهاج السنة النبوية، 7/ 15

[25] أنظر : http:/ / www.islamtoday.net/ fatawa/ quesshow-60-143282.htm

[26] تفسير السعدي، 663

عدد مرات القراءة:
2468
إرسال لصديق طباعة
الأثنين 10 محرم 1444هـ الموافق:8 أغسطس 2022م 04:08:44 بتوقيت مكة
حسين 
عمي شنو مو منقبه هذا الشق مو جود بالكعبه
 
اسمك :  
نص التعليق :