آخر تحديث للموقع :

الأربعاء 12 ربيع الأول 1445هـ الموافق:27 سبتمبر 2023م 06:09:26 بتوقيت مكة

جديد الموقع

الجفر ..
الكاتب : فيصل نور ..

الجفر

     الجَفْرُ، بفتْحٍ فسكون، من أولاد المعز والشّاء - كما في الصحاح، واقتصر في المحكم على الشّاء، وتبعه المصنف، وزاد بعضهم: والضّأن -: ما عَظُم واستكْرش وجَفَرَ جَنْباه، أي اتَّسع. أو الجَفْرُ: هو إذا بلغ ولدُ المِعْزَى أربعة أَشْهر، وجَفَرَ جنْبَاه، وفُصِل عن أمه، وأخذ في الرَّعْي، قاله أبو عبيد. وقال ابن الأَعرابي: إنما لأربعة أشهرٍ أو خمسة مِن يوم ولد، وعنه أيضاً: الجَفْرُ: الحَمَلُ الصغير، والجَدْيُ بعد ما يُفْطَم ابن ستةِ أَشهر. والجمع أَجْفَارٌ وجِفَارٌ، بالكسر. وَجَفَرَةٌ، محرَّكةً[1].
     وقد جاء في كتب الشيعة روايات عدة فيها كلمة الجَفْر وشرحها، من ذلك:
     عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: جعلت فداك إني أسألك عن مسألة، ههنا أحد يسمع كلامي؟ قال: فرفع أبو عبد الله عليه السلام سترا بينه وبين بيت آخر فأطلع فيه ثم قال: يا أبا محمد سل عما بدا لك، قال: قلت: جعلت فداك إن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله علم عليا عليه السلام بابا يفتح له منه ألف باب ؟ قال: فقال: يا أبا محمد علم رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام ألف باب يفتح من كل باب ألف باب قال: قلت: هذا والله العلم قال: فنكت ساعة في الأرض ثم قال: إنه لعلم وما هو بذاك....إن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر ؟ قال قلت: وما الجفر ؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل.. الرواية[2].
     وجاء في بعض الروايات عن أكثر من جفر ولكل واحد منها لون:
     فعن أبي عبدالله عليه السلام قال: علمنا غابر ومزبور، ونكت في القلوب، ونقر في الاسماع ؟ وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض... فسئل عن تفسير هذا الكلام فقال:... أما الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله ولن يظهر حتى يقوم قائمنا أهل البيت، وأما الجفر الأبيض فوعاء فمه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكنت الله الأولى.. الرواية[3].
     وجاء في بعض الروايات تفصيل أكثر لما في هذا الجفر.
     فعن الصادق عليه السلام قال: نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله به محمدا والأئمة من بعده عليهم السلام، وتأملت منه مولد غائبنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الاسلام من أعناقهم[4].
     وذكروا قصة كتابة هذا الجفر في رواية طويله، اليكها بتمامها:
     عن الحسن بن راشد قال سمعت أبا إبراهيم يقول إن الله أوحى إلى محمد صلى الله عليه وآله انه قد فنيت أيامك وذهبت دنياك واحتجت إلى لقاء ربك فرفع النبي صلى الله عليه وآله يده إلى السماء وقال اللهم عدتك التي وعدتني انك لا تخلف الميعاد فأوحى الله إليه ان ائت أحدا أنت ومن تثق به فأعاد الدعاء فأوحى الله إليه امض أنت وابن عمك حتى تأتى أحدا ثم لتصعد على ظهره فاجعل القبلة في ظهرك ثم ادع واحس الجبل بمجيئك فإذا حسك فاعمد إلى جفرة منهن أنثى وهي تدعى الجفرة تجد قرينها الطلوع وتشخب أوداجها دما وهي التي لك فمر ابن عمك ليقم إليها فيذبحها ويسلخها من قبل الرقبة ويقلب داخلها فتجده مدبوغا وسأنزل عليك الروح وجبرئيل معه داوة وقلم ومداد ليس هو من مداد الأرض يبقى المداد ويبقى الجلد لا يأكله الأرض ولا يبليه التراب لا يزداد كل ما ينشر الا جدة غير أنه يكون محفوظا مستورا فيأتي وحى يعلم ما كان وما يكون إليك وتمليه على ابن عمك وليكتب ويمد من تلك الدوات فمضى ص حتى انتهى إلى الجبل ففعل ما امره فصادف ما وصف له ربه فلما ابتداء في سلخ الجفرة نزل جبرئيل والروح الأمين وعدة من الملائكة لا يحصى عددهم الا الله ومن حضر ذلك المجلس ثم وضع علي عليه السلام الجلد بين يديه وجاء به والدوات والمداد اخضر كهيئة البقل وأشد خضرا وأنور ثم نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وآله وجعل يملى على علي عليه السلام ويكتب على أنه يصف كل زمان وما فيه و غمزه بالنظر والنظر وخبره بكل ما كان وما هو كائن إلى يوم القيمة وفسر له أشياء لا يعلم تأويلها الا الله والراسخون في العلم فأخبره بالكاينين من أولياء الله من ذريته ابدا إلى يوم القيمة وأخبره بكل عدو يكون لهم في كل زمان من الأزمنة حتى فهم ذلك وكتب ثم اخبره بأمر يحدث عليه وعليهم من بعده فسأله عنها فقال الصبر الصبر وأوصى الأولياء بالصبر وأوصى إلى أشياعهم بالصبر والتسليم حتى يخرج الفرج وأخبره باشراط أوانه واشراط تولده وعلامات تكون في ملك بني هاشم فمن هذا الكتاب استخرجت أحاديث الملاحم كلها أو صار الوصي إذا أفضى إليه الامر تكلم بالعجب[5].
     والروايات أيضاً مختلفة في كون الجفر جلد ثور أو جلد شاة أو غيرهما.
     فعن عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن في الجفر ان الله تبارك وتعالى لما انزل ألواح موسى عليه السلام أنزلها عليه وفيها تبيان كل شئ وهو كائن إلى أن تقوم الساعة فلما انقضت أيام موسى أوحى الله إليه ان استودع الألواح وهي زبرجدة من الجنة الجبل فاتى موسى الجبل فانشق له الجبل فجعل فيه الألواح ملفوفة فلما جعلها فيه انطبق الجبل عليها فلم تزل في الجبل حتى بعث الله نبيه محمدا فاقبل ركب من اليمن يريدون النبي فلما انتهوا إلى الجبل انفرج الجبل وخرجت الألواح ملفوفة كما وضعها موسى فاخذها القوم فلما وقعت في أيديهم القى في قلوبهم ان لا ينظروا إليها وهابوها حتى يأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وانزل الله جبرئيل على نبيه فأخبره بأمر القوم وبالذي أصابوا فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وآله ابتدأهم النبي فسألهم عما وجدوا فقالوا وما علمك بما وجدنا فقال اخبرني به ربى وهي الألواح قالوا نشهد انك رسول الله فأخرجوها ودفعوها إليه فنظر إليها وقرأها وكتابها بالعبراني ثم دعا أمير المؤمنين عليه السلام فقال دونك هذه ففيها علم الأولين وعلم الآخرين وهي ألواح موسى وقد امرني ربى ان ادفعها إليك قال يا رسول الله لست أحسن قرائتها قال إن جبرئيل امرني ان امرك ان تضعها تحت رأسك ليلتك هذه فإنك تصبح وقد علمت قرائتها قال فجعلها تحت رأسه فأصبح وقد علمه الله كل شئ فيها فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله ان ينسخها فنسخها في جلد شاة وهو الجفر وفيه علم الأولين والآخرين وهو عندنا والألواح وعصا موسى عندنا ونحن ورثنا النبي صلى الله عليه وآله[6].
     وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ويحكم وتدرون ما الجفر، إنما هو جلد شاة وليست بصغيرة ولا كبيرة، فيها خط علي عليه السلام وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم[7].
     ومن روايات كونه جلد ثور ما جاء عن أبي عبيدة قال: سأل أبا عبد الله عليه السلام بعض أصحابنا عن الجفر فقال: هو جلد ثور مملوء علما[8].
     وجاء في بعض الروايات المتعلقة بالجفر عند الشيعة ما يفيد بوجود حسد بين بني الحسن وبين الحسين رضي الله عنهم، من ذلك:
     عن الحسين ابن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن عندي الجفر الأبيض، قال: قلت: فأي شئ فيه ؟ قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم عليهم السلام والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة، ونصف الجلدة، وربع الجلدة وأرش الخدش. وعندي الجفر الأحمر، قال: قلت: وأي شئ في الجفر الأحمر ؟ قال: السلاح وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل، فقال له عبد الله ابن أبي يعفور: أصلحك الله أيعرف هذا بنو الحسن ؟ فقال: إي والله كما يعرفون الليل أنه ليل والنهار أنه نهار ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والانكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيرا لهم[9].
     وعن علي بن سعد قال كنت قاعدا عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده أناس من أصحابنا فقال له معلى بن خنيس جعلت فداك ما لقيت من الحسن بن الحسن ثم قال له الطيار جعلت فداك بينا انا أمشي في بعض السكك إذ لقيت محمد بن عبد الله بن الحسن على حمار حوله أناس من الزيدية فقال لي أيها الرجل إلى إلى فان رسول الله قال من صلى صلواتنا واستقبل قبلتنا واكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله من شاء أقام ومن شاء ظعن فقلت له اتق الله ولا تغرنك هؤلاء الذين حولك فقال أبو عبد الله للطيار ولم تقل له غير هذا قال لا قال فهلا قلت له ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال ذلك والمسلمون مقرون له بالطاعة فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ووقع الاختلاف انقطع ذلك فقال محمد بن عبد الله بن علي العجب لعبد الله بن الحسن انه يهزأ ويقول هذا في جفركم الذي تدعون فغضب أبو عبد الله عليه السلام فقال العجب لعبد الله بن الحسن يقول ليس فينا امام صدق ما هو بامام ولا كان أبوه إماما ويزعم أن علي بن أبي طالب لم يكن إماما و يرد ذلك واما قوله في الجفر فإنما هو جلد ثور مذبوح كالجراب فيه كتب وعلم ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيمة من حلال وحرام املاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخطه علي عليه السلام بيده وفيه مصحف فاطمة ما فيه آية من القرآن وان عندي خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله ودرعه وسيفه ولوائه وعندي الجفر على رغم انف من زعم[10].
     ويتبين من الرواية الأخيرة أيضاً إضافة إلى الخلاف المزعوم بين بني الحسن وبين الحسين رضي الله عنهما وهم منه براء، أن مسألة الجفر ليس مسلم به بينهم، وأن آل الحسن لا يعرفونه. وقد ذكرت بعض روايات أن النظر في الجفر من خصائص الأنبياء والأئمة دون غيرهم.
     فعن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: إن ابني عليا أكبر ولدي وأبرهم عندي وأحبهم إلي وهو ينظر معي في الجفر ولم ينظر فيه إلا نبي أو وصي نبي[11].
     وعن نصر بن قابوس، قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام في منزله فأخذ بيدي فوقفني علي بيت من الدار، فدفع الباب فإذا علي ابنه عليه السلام وفي يده كتاب ينظر فيه، فقال لي يا نصر تعرف هذا ؟ قلت: نعم هذا علي ابنك قال: يا نصر أتدري ما هذا الكتاب الذي ينظر فيه ؟ قلت: لا، قال: هذا الجفر الذي لا ينظر فيه الا نبي أو وصي[12].
     وبناء على هذه الرواية، من أن الجفر لا ينظر فيه إلا نبي أو وصي، يتضح أن من زعم أن الجفر هو الكتاب المتداول الآن وأن فيه دوائر ورسوم وفيه أحرف، فمن خلال هذه الأحرف والدوائر والرسوم يعرفون ما يحدث وما هو حادث وغير ذلك، كله أوهام واكاذيب، فلم يثبت من طرق الشيعة أن أحداً يمتلك علم الجفر، ولعل المتدوال الآن هو لهارون بن سعيد البجليّ الزيدي، ويأتي الكلام فيه.
     وخلاصة ما مر من الروايات، أن المراد من الجفر إما الوعاء الذي فيه بعض الكتب وفيه علم ما يكون إلى يوم القيامة، وإما الجلد الذي كتب فيه علي رضي الله عنه بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أوحى الله عزوجل إليه، وأن الجفر هذا لا ينظر فيه إلا نبي أو وصي.
     رغم هذا يذكر الشيعة بعض قصص علمائهم واقوالهم التي تزعم بإطلاعهم على الجفر والعمل بما فيه، ومن ذلك ما ذكره المجلسي الأول أن الشيخ البهائي قال: إنّي عالمٌ في الجملة بما مضى، وأتمكّنُ من استخراج قواعد العلاّمة بالجَفْر الجامع " فقلت له: تعلم بعنوان أنّ كلَّ كلماته في هذا الجفر ولمّا جمع يصير القواعد ؟ فقال: " هذا المعنى يعلم به كلُّ واحد، ولكن أعلم بعنوان... وسعيت كثير السعي لإظهاره فلم يظهره[13].
     وذكر البهائي في كشكوله: أنّ الجفر ثمانية وعشرون جزءاً، وكلّ جزء ثمانية وعشرون صفحة، كلّ صفحة ثمانية وعشرون سطراً، كلّ سطر ثمانية وعشرون بيتاً، في كلّ بيت أربعة أحرف: الحرف الأوّل بعدد الجزء، والثاني بعدد الصفحة، والثالث بعدد الأسطر، والرابع بعدد البيوت، فاسم جعفر مثلاً يطلب من البيت العشرين من السطر السابع عشر من الصفحة السادسة عشرة من الجزء الثالث، وقس على ذلك[14].
     نماذج لموقف بعض علماء الشيعة المعاصرين من الجفر.
     سئل الخامنئي: هل يجوز تعلم علم الجفر والرمل والازياج وغيرها من العلوم التي تنبئ عن المغيبات ؟ فأجاب: ما عند الناس من هذه العلوم في الوقت الراهن لا تصلح غالبا للاعتماد عليها على وجه يفيد الوثوق والاطمئنان في كشف المغيبات والانباء عنها ولكن لا بأس بتعلم مثل الجفر والرمل على الوجه الصحيح إذا لم تترتب على ذلك مفسدة[15].
     وسئل الأراكي: هل يجوز تعلم علمى الجفر والرمل ؟ فأجاب: الظاهر انه لا بأس به اذا امكنه الوصول الى من عنده فان له اصلا مشروعا عند الائمة عليهم السلام كما في الاخبار[16].
     وسئل الگلپايگاني: هل يجوز تعلم علمي الجفر والرمل، وهل يجوز الاعتقاد في صحة نتائجهما ؟ فاجاب: يجوز تعلم الجفر ولكن الجفر الكامل عند الأئمة " عليهم السلام " والذي عند الناس ناقص خطأه أكثر من صوابه والله العالم[17].
     ويقول محمد الصدر: أن علم الجفر الذي هو استخدام الحروف لاستنتاج النتائج الغيبية ليس سحرا. ولا يقول أحد بحرمته. ويكفينا في جوازه ما دل من السنة على أنه كان لدى فاطمة سلام اللَّه عليها: الجفر الجامع وفيه كل شيء مسطور، حتى أرش الخدش[18].
 
     بقيت مسألة، وهي موقف أهل السنة من مسألة الجفر.
     لا شك أن كتاب الجفر هذا مما لا اصل له، وأنما هو مما نسبه الشيعة لعلي رضي الله عنه ولأئمة آل البيت رحمهم الله كشأن الكثير من الكتب بل والعقائد ـ ومما يدل على كذب مسألة كتاب الجفر هذا، ما جاء في صحيح البخاري عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال قلت لعلى رضي الله عنه هل عندكم شئ من الوحي الا ما في كتاب الله؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما اعلمه الا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن وما في هذه الصحيفة. قلت وما في الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر[19].
     وقال الحافظ ابن حجر: وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لان جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن عند أهل البيت لا سيما عليا أشياء من الوحي خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بها لم يطلع غيرهم عليها وقد سأل عليا عن هذه المسئلة أيضا قيس بن عبادة والأشتر النخعي وحديثهما في مسند النسائي[20].
     وقال ابن بطال: فيه ما يقطع بدعة الشيعة والمدعين على علي، رضي الله عنه، أنه الوصي، وأنه المخصوص بعلم من عند رسول الله، عليه الصلاة والسلام، لم يعرفه غيره حيث قال: ما عنده إلاَّ ما عند الناس من كتاب الله، ثم أحال على الفهم الذي الناس فيه على درجاتهم، ولم يخص نفسه بشيء غير ما هو ممكن في غيره[21].
     ولعلماء أهل السنة من كتاب الجفر مواقف وأقوال، منها: قال الفخر الرازي المفسّر وقد سُئل عن الجفر والجامعة: أنا لا أدري، ولكن هنا عالم فاضل يقال له نصير الدين، هو من أعلام الشيعة، سلوه عنها[22].
     ويقول البغدادي: ومن أعجب الأشياء أن الخطابية زعمت أن جعفرا الصادق قد أودعهم جلدا فيه علم كل ما يحتاج إليه من الغيب، وسموا ذلك الجلد جفرا، وزعموا أنه لا يقرأ ما فيه إلا من كان منهم[23].
     وقال ابن قتيبة: وأعجب من هذا التفسير تفسير الروافض للقرآن وما يدعونه من علم باطنه بما وقع إليهم من الجفر الذي ذكر هارون بن سعيد العجلي، وكان رأس الزيدية قال:
ألم تر أن الرافضين تفرقوا * فكلهم في جعفر قال منكرا
فطائفة قالوا إمام ومنهم * طوائف سمته النبي المطهرا
ومن عجب لم أقضه جلد جفرهم * برئت إلى الرحمن ممن تجفرا[24].
     ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وبهذا الحديث – حديث البخاري الذي مر- ونحوه من الأحاديث الصحيحة: استدل العلماء على أن كل ما يذكر عن علي وأهل البيت، من أنهم اختصوا بعلم خصهم به النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرهم: كذب عليهم، مثل ما يذكر منه الجفر والبطاقة والجدول وغير ذلك[25].
     وقال أيضا: وأما الكذب والأسرار التي يدعونها عن جعفر الصادق: فمن أكبر الأشياء كذبا، حتى يقال: ما كذب على أحد ما كذب على جعفر رضي الله عنه. ومن هذه الأمور المضافة كتاب " الجفر " الذي يدعون أنه كتب فيه الحوادث. والجفر: ولد الماعز. يزعمون أنه كتب ذلك في جلده[26].
     وقال: والكتب المنسوبة إلى علي، أو غيره من أهل البيت، في الإخبار بالمستقبلات كلها كذب، مثل كتاب " الجفر " و " البطاقة " وغير ذلك. وكذلك ما يضاف إليه من أنه كان عنده علم من النبي - صلى الله عليه وسلم - خصه به دون غيره من الصحابة[27].
     ويقول الذهبي: مناقب جعفر كثيرة، وكان يصلح للخلافة لسؤدده وفضله وعلمه وشرفه رضي الله عنه، وقد كذبت عليه الرافضة ونسبت إليه أشياء لم يسمع بها، كمثل كتاب الجفر[28].
     وقال ابن خلدون في مقدمته: واعلم اعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هارون بن سعيد العجلي وهو رأس الزيدية كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق وفيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم ولبعض الاشخاص منهم على الخصوص وقع ذلك لجعفر ونظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة والكشف الذي يقع لمثلهم من الأولياء وكان مكتوبا عند جعفر في جلد ثور صغير فرواه عنه هارون العجلي وكتبه وسماه الجفر باسم الجلد الذي كتب فيه لان الجفر في اللغة هو الصغير وصار هذا الاسم علما على هذا الكتاب عندهم وكان فيه تفسير القرآن وما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق وهذا الكتاب لم تتصل روايته ولا عرف عينه وإنما يظهر منه شواذ من الكلمات لا يصحبها دليل ولو صح السند إلى جعفر الصادق لكان فيه نعم المستند من نفسه أو من رجال قومه فهم أهل الكرامات وقد صح عنه أنه كان يحذر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصح كما يقول وقد حذر يحيى ابن عمه زيد من مصرعه وعصاه فخرج وقتل بالجوزجان كما هو معروف وإذا كانت الكرامة تقع لغيرهم فما ظنك بهم علما ودينا وآثارا من النبوءة وعناية من الله بالأصل الكريم تشهد لفروعه الطيبة[29].
     وقال محمد رشيد رضا: أما كتاب الجفر فلا يعرف له سند إلى أمير المؤمنين، وليس على النافي دليل، وإنما يطلب الدليل من مدعي الشيء، ولا دليل لمدعي هذا الجفر[30].


[1]  تاج العروس، للزبيدي، 6/ 203، انظر أيضاً: الصحاح، للجوهري، 2/ 615، مختار الصحاح،، للرازي، 63

[2]  الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 / 239، بصائر الدرجات - محمد بن الحسن بن فروخ ( الصفار ) 172، المحتضر - حسن بن سليمان الحلي 204، ينابيع المعاجز - السيد هاشم البحراني 129، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 26 / 39

[3]  الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 / 186، روضة الواعظين - الفتال النيسابوري  210، الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج 2 / 134، الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي - ج 2 / 894، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 26 / 18، 47 / 26، إعلام الورى بأعلام الهدى - الشيخ الطبرسي - ج 1 / 535، كشف الغمة في معرفة الأئمة - علي بن أبي الفتح الإربلي - ج 2 / 383

[4]  كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق 353، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 51 / 220، البرهان في تفسير القرآن - السيد هاشم البحراني - ج 4 / 92، النجم الثاقب - ميرزا حسين النوري الطبرسي - ج 2 / 442، مجمع النورين - الشيخ أبو الحسن المرندي 341، إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب - الشيخ علي اليزدي الحائري - ج 1 / 259، مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج 2 / 162

[5]  بصائر الدرجات - محمد بن الحسن بن فروخ ( الصفار ) 526، مختصر بصائر الدرجات - حسن بن سليمان الحلي 57، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 26 / 26، 40 / 197، مكاتيب الرسول - الأحمدي الميانجي - ج 2 / 67، تفسير الصراط المستقيم - السيد حسين البروجردي - ج 1 / 158

[6]  بصائر الدرجات - محمد بن الحسن بن فروخ ( الصفار ) 160، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 17 / 138، 26 / 46، البرهان في تفسير القرآن - السيد هاشم البحراني - ج 2 / 586:

[7]  الفصول المهمة في أصول الأئمة، للحر العاملي، 1 / 505

[8]  الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 / 241، ينابيع المعاجز - السيد هاشم البحراني 131، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 43 / 79، 195

[9]  الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 / 240، بصائر الدرجات - محمد بن الحسن بن فروخ ( الصفار ) 170   ، الوافي - الفيض الكاشاني - ج 3 / 582، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 26 / 37، جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج 1 / 138

[10]  بصائر الدرجات - محمد بن الحسن بن فروخ ( الصفار ) 176، خاتمة المستدرك - ميرزا حسين النوري الطبرسي - ج 5 / 315، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 26 / 42، 47 / 272، موسوعة أحاديث أهل البيت ( ع ) - الشيخ هادي النجفي - ج 10 / 302، معجم رجال الحديث - السيد الخوئي - ج 11 / 172

[11]  الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 / 312، الإرشاد - الشيخ المفيد - ج 2 / 249، الغيبة - الشيخ الطوسي 36، الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي - ج 2 / 897، مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج 3 / 476، الصراط المستقيم - علي بن يونس العاملي النباطي البياضي - ج 2 / 164، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 49 / 24، إعلام الورى بأعلام الهدى - الشيخ الطبرسي - ج 2 / 44، كشف الغمة في معرفة الأئمة - علي بن أبي الفتح الإربلي - ج 3 / 64

[12]  اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) - الشيخ الطوسي - ج 2 / 747، بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 49 / 27، مكاتيب الرسول - الأحمدي الميانجي - ج 2 / 46، جامع الرواة - محمد علي الأردبيلي - ج 2 / 291، منتهى المقال في احوال الرجال - الشيخ محمد بن إسماعيل المازندراني - ج 6 / 378، معجم رجال الحديث - السيد الخوئي - ج 20 / 156،قاموس الرجال - الشيخ محمد تقي التستري - ج 10 / 356، موسوعة المصطفى والعترة ( ع ) - الحاج حسين الشاكري - ج 10 / 452

[13]  الرسائل الرجالية، لمحمد بن محمد ابراهيم الكلباسي، 2/ 487

[14]  نقلاً عن الكشكول، ليوسف البحراني، 2/ 166

[15] أجوبة الاستفتاءات - السيد الخامنئي - ج 2 - ص 54

[16] توضيح المسائل ( فارسي ) - الشيخ محمد علي الأراكي - ص 602

[17]  إرشاد السائل - السيد الگلپايگاني - ص 97 - 98

[18]  ما وراء الفقه - السيد محمد الصدر - ج 3 - ص 53

[19]  صحيح البخاري، (3047)

[20]  فتح الباري، لإبن حجر العسقلاني، 1/ 182

[21]  عمدة القاري، للبدر العيني، 2/ 161

[22]  موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق، 7/ 137، تاريخ زويان، لعبد العزيز الطباطبائي، 80

[23]  الفرق بين الفرق، لعبد القادر البغدادي، 227

[24]  تأويل مختلف الحديث، لإبن قتيبة، 68

[25]  مجموع الفتاوى، لإبن تيمية، 2/ 217

[26]  المصدر السابق، 4/ 78

[27]  منهاج السنة النبوية، لإبن تيمية، 8/ 136

[28]  تاريخ الإسلام، للذهبي، 9/ 93

[29]  تاريخ ابن خلدون، لإبن خلدون، 1/ 334

[30]  مجلة المنار، 18/ 178


عدد مرات القراءة:
3659
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :