آخر تحديث للموقع :

الأربعاء 12 ربيع الأول 1445هـ الموافق:27 سبتمبر 2023م 06:09:26 بتوقيت مكة

جديد الموقع

الإمامة والسياسة لإبن قتيبة ..
الكاتب : فيصل نور ..

الإمامة والسياسة لإبن قتيبة

     كتاب منسوب لإبن قتيبة رحمه الله، وقبل الشروع في بيان ذلك هذه ترجمة موجزة عنه.
     أبو محمد عبد الله بن عبد المجيد بن مسلم بن قتيبة الدينَوَري (213 – 276 ه / 828 – 889 م). أديب وفقيه ومحدث ومؤرخ عربي. أخذ الحديث عن أئمته المشهورين وفي مقدمتهم إسحاق بن راهويه، له العديد من المصنفات أشهرها تأويل مختلف الحديث، وتأويل غريب القرآن، ووعيون الأخبار، وأدب الكاتب، والمعارف وغيرها.
     من اقوال العلماء فيه :
     ابن النديم (ت : 438) : أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكوفي .. كان صادقاً فيما كان يرويه، عالماً باللغة، والنحو، وغريب القرآن ومعانيه، والشعر، والفقه؛ كثير التصنيف والتأليف[1] .
     الخطيب البغدادي (ت : 463 هـ) : عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، أبو محمد الكاتب الدينوري - وقيل : المروزي : وكان ثقة دينا فاضلا ، وهو صاحب التصانيف المشهورة[2].
     ابن الجوزي (ت : 597هـ ) : عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، المروزي ، وقيل : الدينَوَريّ لأنه أقام بالدينور مدة  سكن بغداد ، وحدّث بها عن إسحاق بن راهويه ، وأبي حاتم وغيرهما . وكان عالما ، ثقة ، دينا ، فاضلا وله التصانيف المشهورة[3].
     ابن خلِّكان (ت : 681 هـ) : أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري وقيل المروزي النحوي اللغوي صاحب كتاب المعارف وأدب الكاتب كان فاضلا ثقة[4].
     شيخ الإسلام ابن تيميّة (ت: 728 هـ) : كان أهل المغرب يعظمونه ويقولون : من استجاز الوقيعة فى ابن قتيبة يتهم بالزندقة ، ويقولون : كل بيت ليس فيه شىء من تصنيفه لا خير فيه . قلت : ويقال : هو لأهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة ، فإنه خطيب السنة ، كما أن الجاحظ خطيب المعتزلة[5].
     الذهبي (ت : 748 هـ) : ابن قتيبة من أوعية العلم، لكنه قليل العمل في الحديث[6]. وقال : عبد الله بن مسلم بن قتيبة ، أبو محمد ، صاحب التصانيف ، صدوق ، قليل الرواية[7]. وقال : العلامة الكبير ، ذو الفنون .. كان رأسا في علم اللسان العربي ، والاخبار وأيام الناس[8].
     ابن كثير (ت : 774 هـ) : النحوي اللغوي صاحب المصنفات البديعة المفيدة المحتوية على علوم جمة نافعة[9].
وغيرها كثير.
     أما الكتاب فهو عبارة عن سرد تاريخي لمرحلة تمتد من خلافة أبي بكر الصديق سنة 11هـ، حتى خلافة المأمون العباسي سنة 198هـ، والكتاب يحوي على الكثير مما يُعد طعناً في الصحابة رضي الله عنهم، وبعض الأخطاء التاريخية وغيرها، الأمر الذي يدعو إلى الريبة والشك في صحة نسبة الكتاب إليه رحمه الله. وقد خلص الكثير من الباحثين إلى هذه الحقيقة، وذكروا عدة دلائل تاكد أن نسبة هذا الكتاب لا تصح لإبن قتيبة. من هذه الدلائل:

  1. أن الذين ترجموا لابن قتيبة لم يذكر واحد منهم أنه الف كتابا في التاريخ يدعى الامامة والسياسة , ولا يعرف من مؤلفاته التاريخية الا كتاب المعارف والكتاب الذي ذكره صاحب كشف الظنون باسم تاريخ ابن قتيبة. اللهم إلا القاضي أبا عبد الله التوزي المعروف بابن الشباط (ت : 681 ه)، فقد نقل عنه في الفصل الثاني من الباب الرابع والثلاثين من كتابه"صلة السمط. وهو كتاب في الأدب والتاريخ في أربعة أجزاء كبار.

  2. أن المتصفح للكتاب يشعر أن ابن قتيبة اقام في دمشق والمغرب في حين أنه لم يخرج من بغداد الا الى الدينور. أقول : فيه نظر، إذ لم أقف على ما يدل على هذا في الكتاب.

  3. أن المنهج الذي سار عليه مؤلف كتاب الامامة والسياسة يختلف تماما عن منهج واسلوب ابن قتيبة في كتبه التي بين ايدينا. فابن قتيبة يقدم لمؤلفاته بمقدمات طويلة يبين فيها منهجه والغرض من مؤلفه بخلاف مؤلف الامامة والسياسة الذي قدم لكتابه بحدود ثلاث اسطر.

  4. المؤلف مالكي الهوى والمذهب، بينما كان ابن قتيبة حنفياً. أقول : وهذا الكلام فيه نظر.

  5. في الكتاب رواية عن أبي يعلى محمد بن عبد الرحمن الأنصاري المتوفى سنة 146 هـ قبل ولادة ابن قتيبة بخمس وستين سنة. أقول : لعل من استدل بهذا قد التبس عليه الأمر بين يعلى وليلى، إذ لا رواية في الكتاب عن ابن أبي ليلى قاضي الكوفة. انظر التالي أيضاً.

  6. يروي مؤلف الكتاب عن ابن أبي ليلى بشكل يشعر بالتلقي عنه، وابن أبي ليلى هذا هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه قاضي الكوفة توفي سنة 148 هـ، بينما ابن قتيبة ولد سنة 213 هـ. أقول : فيه نظر فالذي في الكتاب حدثنا ابن أبي ليلى التجيبى ، عن حميد ، عن أبيه أنه قال : لقد كانت الدابة تطلع في بعض غزوات موسى ..ألخ.

  7. الرواة والشيوخ الذين يروي عنهم ابن قتيبة عادة في كتبه لم يرد لهم ذكر في اي موضع من مواضع الكتاب. بل أن في هذا الكتاب رواة لم يرو عنهم ابن قتيبة في كتاب من كتبه من مثل ابي مريم وابن عفير. أقول : قد يرد هذا هذا أن الجاحظ ذكر في كتاب عيون الأخبار مثلاً : قال الجاحظ : قلت مرّة للحزاميّ : قد رضيت بقول الناس .. ألخ[10]. وقال في موضع آخر : وفيما أجاز لنا عمرو بن بحر الجاحظ من كتبه .. ألخ[11] وكذلك ورد في الإمامة والسياسة، قال عمرو بن بحر الجاحظ : حدثني سهل بن هارون ..ألخ[12].

  8. لم يهتم الكتاب بالحديث عن الفتوحات الاسلامية، بإستثناء فتح الأندلس والذي يظهر أن مؤلف الكتاب يرويها مشافهة من اناس عاصروا هذا الفتح من مثل (حدثتني مولاة لعبدالله بن موسى وكانت من أهل الصدق والصلاح أن موسى حاصر حصنها التي كانت من اهله )، و(حدثني بعض أهل افريقية أن موسى)، و(حدثنا بعض مشائخ المغرب(. والمعروف ان فتح الاندلس كان سنة 92هـ، أي قبل مولد ابن قتيبة بنحو مائة وواحد وعشرين عاما. أقول : وقد يرد على هذا القول أن قائل (حدثتني) ليس هو ابن قتيبة، وإنما هو الراوي للحديث المتقدم عليه وهو جعفر بن الأشتر، حيث ورد في الكتاب "وذكروا أن جعفر بن الأشتر ، قال : كنت فيمن غزا الأندلس مع موسى ، .. إلى أن قال بعد أسطر - : وحدثتني مولاة لعبد الله بن موسى ، وكانت من أهل الصدق والصلاح .. ألخ.

  9. إن مؤلف الكتاب يذكر فتح موسى بن نصير لمراكش مع أن هذه المدينة شيدها يوسف بن تاشفين سلطان المرابطين سنة 455 ه، وابن قتيبة توفي سنة (276هـ). أقول : ليس في الكتاب ذكر لمدينة مراكش.

  10. كتاب الامامة والسياسة يشتمل على اخطاء تاريخية واضحة مثل جعله ابا العباس والسفاح شخصيتين مختلفتين، وجعله هارون الرشيد الخلف المباشر للمهدي، واعتباره أن هاورون الرشيد أسند ولاية العهد لابنه المامون ثم لابنه الأمين. وهذه الأخطاء يتجنبها صغار المؤرخين، فضلاً عمن هو مثل ابن قتيبة. واذا رجعنا الى كتاب المعارف لابن قتيبة نجده يمدنا بمعلومات صحيحة عن السفاح والرشيد تخالف ما ذكره صاحب الامامة والسياسة. أقول : وهذا القول إشارة إلى ما جاء في الكتاب : أن أبا العباس ولى عمه عبد الله بن علي ، الذي يقال له السفاح . وقد يرد على هذا إنّ عبد الله بن علي عم أبي العباس أيضاً لقّب بالسفاح لكثرة من قتل من الخلق, وليس اللقب مختصاً بأبي العباس وإن كان هو قد اشتهر به. وقد لقب غيرهما بهذا الإسم. يقول ياقوت الحموي : ولا أنسى قتيلا بالكلاب وفيه قتل أخوهما السفاح ، ظمأ خيله حتى وردن جب الكلاب ، والسفاح : هو مسلمة بن خالد بن كعب بن بني حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب ، وفي ذلك اليوم سمي السفاح لأنه كان يسفح ما في أسقية أصحابه[13].

  11. من الملاحظ أن مؤلف الامامة والسياسة لايهتم بالتنسيق والتنظيم فهو يورد الخبر ثم ينتقل منه الى غيره ثم يعود ليتم الخبر الاول، وهذه الفوضى لا تتفق مع نهج ابن قتيبة الذي يستهدف التنسيق والتنظيم.

  12. مؤلف الامامة والسياسة يروي عن اثنين من كبار علماء مصر وابن قتيبة لم يدخل مصر ولا اخذ عن هذين العالمين.

  13. أن ابن قتيبة يحتل منزلة عالية لدى العلماء فهو عندهم من أهل السنة وثقة في علمه ودينه يقول عنه ابن تيمية (وان ابن قتيبة من المنتسبين الى احمد واسحاق والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة ) وهو خطيب السنة فهل يعقل ان يكون عالم بمنزلته يؤلف مثل هذا الكتاب الذي شوه التاريخ والصق بالصحابة الكرام ماليس فيهم[14].

     ولا شك أن في مجموع هذه الدلائل ما يورث الإطمئنان بعدم صحة نسبة الكتاب لإبن قتيبة رحمه الله وإن كان في بعض ما ورد كلام وقد ذكرناه.
     ومن الذين شككوا أو جزموا بوضع الكتاب على ابن قتيبة:

  • ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم بقوله : ان صح عنه جميع ما فيه. راجع ص 248.

  •  محب الدين الخطيب في مقدمة كتاب ابن قتيبة (الميسر والقداح) ص 26-27.

  • ثروت عكاشة في مقدمة كتاب ابن قتيبة (المعارف) ص 56.

  • عبدالله عسيلان في رسالة صغيرة مطبوعة بعنوان (كتاب الإمامة والسياسة في ميزان التحقيق العلمي).

  • عبد الحميد عويس في كتابه (بنو أمية بين الضربات الخارجية والانهيار الداخلي) ص 9-10.

  • سيد إسماعيل الكاشف في كتابه (مصادر التاريخ الإسلامي) ص33.

  • السيد أحمد صقر في مقدمة تحقيقه لتأويل مشكل القرآن ص32.

  • الجندي في كتابه عن ابن قتيبة ( 169-173).

  • فاروق حمادة في (مصادر السيرة النبوية)، ص91.

  • شاكر مصطفى في (التاريخ العربي والمؤرخون) (1/ 241-242).

  • المستشرق غاينفوس المجريطي ذكر ذلك في صدر كتابه عن الأندلس في سنة (1881م)، ثم تبعه الدكتور دوزي في صدر كتابه تاريخ الأندلس وآدابه، وكذلك المستشرق الأسباني جاينجوس الذي كان يشك في نسبته لابن قتيبة. وغيرهم.

     بقيت مسألة.
يقول الألوسي : عبد الله بن قتيبة رافضي غالٍ وعبد الله بن مسلم بن قتيبة من ثقات أهل السنة ، وقد صنف كتابا سماه بـ " المعارف " ، فصنف ذلك الرافضي كتابا ، وسماه بالمعارف أيضا قصداً للإضلال[15].
     أقول : ولا يبعد أيضاً أن يكون الإمامة والسياسة لإبن قتيبة الشيعي فنسب إلى ابن قتيبة السني خطأ، ولكني لم أجد من ذكر من علماء الشيعة أن لإبن قتيبة الشيعي كتاب بهذا الإسم ولا بإسم المعارف. والله أعلم.


[1]  الفهرست، لإبن النديم ، 85

[2]  تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، 10/ 168

[3]  المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، لإبن الجوزي، 12/ 276

[4]  وفيات الأعيان، لإبن خلكان، 3/ 42

[5]  مجموع الفتاوى، لإبن تيمية، 17/ 392

[6]  تذكرة الحفّاظ، للذهبي، 2/ 633

[7]  ميزان الإعتدال، للذهبي، 2/ 503

[8]  سير أعلام النبلاء، للذهبي، 13/ 297

[9]  البداية والنهاية، لإبن كثير، 11/ 56

[10]  عيون الأخبار، لإبن قتيبة، 2/ 41

[11]  المصدر السابق، 3/ 221

[12]  الإمامة والسياسة، لإبن قتيبة ، 2/ 166

[13]  معجم البلدان - الحموي - ج 4 / 473

[14] أنظر : الأستاذ ثروت عكاشة في تحقيقه لكتاب (المعارف) لابن قتيبة في (مقدمة التحقيق) ، كتاب الامامة السياسة في ميزان التحقيقي العلمي قراءة من رسالة للدكتور عبدالله عسيلان ، التاريخ العربي والمؤرخون  للدكتور شاكر مصطفى 

[15]  مختصر التحفة الاثنى عشرية، للألوسي، 32

عدد مرات القراءة:
2687
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :