الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
هذا سؤال أتاني على موقع يوتيوب: السؤال: سورة الزخرف آية 19
في رواية حفص: {وجعلوا الملائكة الذين هم ( عِبَادُ ) الرحمن إناثًا }
في رواية ورش: { وجعلوا الملائكة الذين هم ( عِنْدَ) الرحمن إناثًا }
هذا اختلاف في الكلمة والمعنى, فهل هذا تحريفٌ للقرآن الكريم؟

الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين, وبعد:
القراءتان صحيحتان ولا شك في ذلك أبدًا ، والرسم العثماني بالفعل معجزة حقيقة!
فهي مكتوبة في مصحف عثمان هكذا “
” ، بدون تنقيط لكي تحتمل كل القراءات الواردة في هذه الكلمة.
فإذا قرأنا بقراءة حفص { عباد } وضعنا نقطة تحت النبرة فتُقرأ باءً، وعلى حرف الباء ألف صغير يُسمى ألف الإلحاق.
وإذا قرأنا بقراءة ورش { عند } وضعنا نقطة فوق النبرة، فتُقْرَأ نوًنا. والرسم العثماني واحد في الحالتينِ.

عباد الرحمن ، عند الرحمن
وقال الشاطبي رحمه الله في نظم الشاطبية: “عباد برفع الدال في عند غلغلا”.
ولا تَعَارُضَ بين الكلمتين، فكلاهما وَحْيٌ من الله سبحانه وتعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي كُلِّ قراءة أخبرنا الله بمعنى لا يَتَصَادَمُ أو يَتَعَارَضُ مع المعنى الآخر، بل المعاني تكمّل بعضها، فالله أخبرنا أن الملائكة هم عِبُادُ الله، وهذا للرد على من قال إن الملائكة إناث أو قال إن الملائكة بَنَاتُ الله، لأن كلمة “عِبَاد” جَمْعُ مُذَكَّر من عَبْد، فجاء الوصف للملائكة بالعبودية، وأخبرنا الله أن مكان هؤلاء عند الله، أي في السماء.
ومن يقرأ الآية الكريمة من أولها سيرى هذه الحقيقة، فالله يقول: { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا}. أي أن المشركين قالوا إن الملائكة إناث
مثال آخر على هذا النوع من القراءات:
كلمة مالك يوم الدين في سورة الفاتحة، مكتوبة “ملك” في قراءة عاصم والكسائي ويعقوب وخلف، ويوضع ألف الإلحاق الصغير لتعريف القاريء أنها تُقرأ هكذا “مَالِكِ”
أما في قراءة الباقيين فتقرأ هكذا على أصلها “مَلِكِ” بدون وضع ألف الإلحاق
هذا بالنسبة للفظها وكتابتها ، أما المعنى ففي قراءة حفص عن عاصم ” عباد الرحمن” أخبرنا الله سبحانه وتعالى أن الملائكة عباد لله ، وفيه رد على من يقول أن الملائكة بَنَاتُ الله، كما قال مشركو مكة وغيرهم.
أما قراءة “عِنْدَ الرحمن” عند ورش وغيره ؛ ففيه رد على أهل البدع الذين ينكرون صعود الملائكة عند الله.
فالقراءتان فيهما إعجاز في الرسم العثماني وفي المعنى البياني، الكلمة واحدة وعرفنا منها معنيين لا يتنقضان، حدثت فائدة للرد على فِرْقَتَينِ من المخالفين.
فسبحان منزّل القرآن سبحانه وتعالى
ينزّل الآية الواحدة بعدة قراءات ، وعند دراسة القراءات نجد كثيرًا من المعاني التي ترد على أهل البدع والمخالفين وتقطع حجتهم.
قال الشوكاني في فتح القدير:
[ قرأ الكوفيون : { عباد } بالجمع ، وبها قرأ ابن عباس . وقرأ الباقون : { عند الرحمن } بنون ساكنة ، واختار القراءة الأولى أبو عبيد ، لأن الإسناد فيها أعلى ، ولأن الله إنما كذبهم في قوله : إنهم بنات الله ، فأخبرهم أنهم عباده ، ويؤيد هذه القراءة قوله : { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ }. الأنببياء : 26 ، واختار أبو حاتم القراءة الثانية ، قال : وتصديق هذه القراءة قوله : { إِنَّ الذين عِندَ رَبّكَ }. الأعراف : 206 ]. أي الملائكة.
وبنفس قول الشوكاني قال القرطبي عليهما رحمة الله تعالى.
والحمد لله رب العالمين
كتبه أبو عمر الباحث
غفر الله له ولوالديه