مع نجاح ثورة الخميني سنة 1979، سادت داخل أوساط الشيعة في العالم العربي روح ثورية معادية للدول والأنظمة، ولم تكن الساحة الكويتية بمنأى عن هذه الموجة، حيث ظهر تيار ثوري من الشباب، خاصة المنتمين إلى الطبقة الوسطى، وطمح إلى الإطاحة بالنظام واستبداله بنظام على غرار إيران، وتجلى ذلك المخطط خلال حرب الخليج.
وشهدت الساحة الكويتية من عام 1980 حتى عام 1988 موجات من أعمال العنف السياسي تمثلت في انتشار العمليات الإرهابية وتوزيع المنشورات التي تحرض على القضاء على النظام السياسي في الكويت، وإقامة جمهورية إسلامية على النمط الإيراني، ومحاولة اغتيال الأمير في عام 1985، وارتبطت أسماء بعض الشيعة الكويتيين بالتفجيرات التي حدثت في عام 1986، وتفجيرات يناير، ومايو، ويوليو عام 1987، والاضطرابات السياسية التي شهدتها منطقة مشرف في يناير 1987. وكان وراء هذه العمليات الإرهابية عدة منظمات شيعية مؤيدة للنظام الإيراني مثل "طلائع تغيير النظام للجمهورية الكويتية" و "صوت الشعب الكويتي الحر" و "منظمة الجهاد الإسلامي" و "قوات المنظمة الثورية للرسول محمد في الكويت"، فيما اشارت بعض التقارير إلى أن مجمل الحوادث كان وراءها "حزب الله ـ الكويت". وقد شكل الشيعة تجمع سياسي لهم تحت اسم "الائتلاف الإسلامي الوطني " نجح اثنين من مرشحيه في انتخابات 1992م واثنين من المدعومين منه وذلك على حساب خسارة نواب الشيعة المحسوبين على الحكومة ،لكنه سرعان ما جمد نشاطه نتيجة الخلافات الداخلية. وتشكل الأقلية الشيعية ما بين 5 ـ 6% من إجمالي عدد السكان في الكويت، وينقسم الشيعة على أساس عرقي إلى شيعة من أصل عربي، وينحدرون أساساً من المنطقة الشرقية من السعودية، ويطلق عليهم اسم "الحساوية" إضافة إلى أن عدداً منهم قدم إلى الكويت من البحرين ويسمون "البحارنة". والقسم الثاني شيعة من أصل إيراني، يطلق عليهم اسم "العجم" ويشكلون نسبة كبيرة من شيعة الكويت، وقد توالت هجرة هذه الجماعات منذ القرن التاسع عشر، وقد شجع الاستعمار البريطاني آنذاك هذا النوع من الهجرة لأسباب سياسية واقتصادية. أما مذهبيّاً، فينقسم شيعة الكويت إلى أربع مدارس مذهبية، أولها الشيخية، ويطلق عليهم اسم "جماعة الميرزا" وإمامهم الميرزا حسن الإحقاقي، ومعظم مقلدي الميرزا من "الحساوية"، ومذهب "الإخبارية، وهم "البحارنة" من مقلدي ميرزا إبراهيم جمال الدين، الذي يعد إمام الشيعة البحارنة، ثم الأصولية، وتنتشر هذه المدرسة بين شيعة العراق وإيران ولبنان، وأخيرا الخوئية، وهم بقية شيعة الكويت من أصول إيرانية. أزمة البدون ومن جهة أخرى تواجه الكويت مشكلة البدون، التي بدأت عام 1959 عندما صدر قانون الجنسية في الكويت، متجاهلا قبائل البدو الرحّل، ممن قدموا إلى الكويت بعد استقلال الكويت 1961 اذ لم يعالج القانون أمر من طالب بالجنسية الكويتية بعد هذا التاريخ، واعتبرتهم السلطات مهاجرين غير شرعيين. حقوق منقوصة ظلت هذة الأقلية محرومة من أبسط الحقوق حتى عام 2011 حيث قبلت السلطات بمنحهم الحق في التعليم والصحة وحق التسجيل المدني لكنها بقيت ترفض منحهم حق المواطنة، أى حقوق منقوصة. وخلال الأعوام القليلة الماضية، تظاهر البدون للمطالبة بالجنسية، وهو ما دفع الحكومة لأن تعمل على تغيير هذا الواقع، ففي عام 2014، قررت منحهم حق المواطنة، ولكن خارج الدولة، حيث تفاوضت الحكومة مع دولة جزر القمر التى عرضت استعدادها لتقديم جنسيتها للبدون مقابل الحصول على مزايا اقتصادية. وفي عام 2014، أعلنت وزارة الداخلية الكويتية أن البدون الذين يوافقون على الحصول على جنسية جزر القمر سيُمنحون حق الإقامة في الكويت ويتمتعون بخدمات التعليم والرعاية الصحية المجانية. صفقة مريبة لكن هذه الصفقة تبدو مريبة إلى حد كبير، نتيجة للعوامل الاقتصادية التي تكتنفها؛ حيث تتمتع الكويت، بفضل صادرات النفط ، بمعدل دخل فردي سنوي يبلغ 43.500 دولار، بينما جزر القمر، - دولة عضو في جامعة الدول العربية- لا يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الـ810 دولار، حيث يعيش نحو 18% من السكان على دخل يقل عن 1.90 دولار في اليوم. ولا تعد الكويت التي تتمتع بثراء فاحش أول دولة تطلب شراء جنسية القمريين، لكن سبقتها الإمارات العربية المتحدة، التي تمتلك أيضًا أقلية من البدون. مفاوضات على الصفقة من غير المعروف بالضبط مقدار الأموال التي قد تتضمنها صفقة الكويت مع جزر القمر، ولكن الاتفاق الذي جرى بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجزر القمر بلغت قيمته، وفق التقارير الواردة، نحو 200 مليون، وذلك مقابل بضعة آلاف من المواطنين، علمًا بأن هذه المبلغ يشكّل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي لجزر القمر، وهو ما يؤكد أن الاتفاق مع الكويت سيكون أكثر إغراءًا. ومن هذا المنطلق، قد يواجه السكان البدون خيارات مماثلة في المستقبل؛ إما الانتقال إلى ذاك البلد الفقير البعيد، أو قبول الانتقاص من حقوقهم في وطنهم بسبب حصولهم على الجنسية الجديدة، وقد يرتضي العديد منهم هذه الصفقة، إما بدافع رؤيتها كطريق للحصول على الجنسية الكويتية في نهاية المطاف أو طمعًا بالمزايا التي تقدمها الدولة.
شروق صبري - جريدة الدستور.
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video