والصدر الذي حمل "لواء الإصلاح"، دخل إلى المنطقة الخضراء المحصنة التي تضم مقري الحكومة والبرلمان ومبان رسمية أخرى ليعتصم في خيمة حتى تحقيق الإصلاحات السياسية، دون أن تعترضه القوات الأمنية، فقط لأنه مرجع ديني .
والقوات الأمنية التي امتنعت قبل أسبوع عن تنفيذ قرار الحكومة العراقية، بزعامة حيدر العبادي، بحظر وصول أنصار الصدر إلى محيط المنطقة الخضراء للاعتصام، لم تجرؤ على اعتراض طريق زعيم التيار الصدري الذي لا يحمل أي لقب رسمي.
بل أن كاميرات النقل المباشر رصدت إقدام بعض الضباط المولجين حماية المنطقة الخضراء على تقبيل يد الصدر وتأدية التحية العسكرية للرجل، الأمر الذي يؤكد، حسب مراقبين، غياب مفهوم دولة المؤسسات في العراق لصالح "دولة المزارع".
وقال ناشط شارك في المظاهرات الشعبية والاعتصامات التي بدأت في المحافظات ذات الأغلبية السنية في ديسمبر عام 2012، إن المشاهد التي نقلتها وسائل الإعلام، الأحد، من المنطقة الخضراء تؤكد أن السلطات تنتهج سياسة الكيل بمكيالين.
وأضاف المصدر لـ"سكاي نيوز عربية"، طالبا عدم الكشف عن هويته، أن قوات الأمن والجيش تعاملت بعنف مفرط مع الاعتصامات الشعبية في 2013 في الرمادي في محافظة الأنبار ومدن أخرى في محافظات صلاح الدين ونينوى وديالى.
وبموازاة عمليات القمع ودفع الجيش إلى اقتحام ساحات الاعتصام، الأمر الذي أدى إلى سقوط قتلى في صفوف المدنيين الذين كانوا يطالبون برفع التهميش، عملت حكومة نوري المالكي وقتها إلى محاولة "شيطنة" المعتصمين، حسب المصدر نفسه.
واعتبر الناشط أن الأمر لم يقتصر على قمع و"شيطنة" المظاهرات الشعبية فحسب، بل دفعت هذه المحافظات ثمنا غاليا، حين انسحبت القوات الأمنية والجيش أمام هجمات تنظيم داعش المتشدد، لتسقط الأنبار والموصل والفلوجة وغيرها من المدن بقبضة الإرهاب.
إلا أن تعاطي السلطات مع "مظاهرات الصدر" الذي يرفع شعارات شعبية محقة حول محاربة الفساد تختلف كليا، فأنصاره يعتصمون منذ أسبوع خارج المنطقة الخضراء، وهو نصب خيمة على مرمى حجر من المقرات الحكومية وتحدى الحكومة وسط "ترحيب أمني".
وتكشف هذه المشاهد أن إيران نجحت منذ 2003 في ضرب "الدولة العراقية" ونشر الفوضى عبر تحويل "مؤسسات الدولة" إلى أجهزة ترتهن بمرجعيات دينية مرتبطة بطهران، وإن حاولت هذه المرجعيات أحيانا التمايز أو حتى إدعاء الخلاف مع نظام ولي الفقيه.
والخلافات التي تعصف بين تيارات سياسية مشاركة في السلطة على غرار ما يحصل اليوم، ليست إلا "مسرحية" مخرجها النظام الإيراني الذي يهدف إلى إبقاء هيمنته على العراق عبر "سياسة فرق تسد" ونشر مزيد من الفوضى وضرب مؤسسات الدولة.
وضابط الإيقاع الإيراني يتيح، حسب مراقبين، للصدر وغيره من الزعماء الذين ينتمون إلى تيارات مرتبطة بطهران، هامشا من الحرية على صعيد المعارضة وإطلاق مواقف "شعبوية" لمكاسب شخصية، إلا أنه يمنع ويقمع أي محاولة جدية من تيارات أجندتها عراقية فقط.