قول معاوية في علي رضي الله عنهما ..
قال الحافظ ابن كثير : " وقال جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال: لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته ؟ فقال: ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم " اهـ .[1] وقد اسند هذا الاثر الحافظ ابو القاسم بن عساكر , حيث قال : " أخبرنا أبو محمد طاهر بن سهل أنا أبو الحسن بن صصرى إجازة نا أبو منصور العماري نا أبو القاسم السقطي نا إسحاق السوسي حدثني سعيد بن المفضل نا عبد الله ابن هاشم عن علي بن عبد الله عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال لما جاء قتل علي إلى معاوية جعل يبكي ويسترجع فقالت له امرأته تبكي عليه وقد كنت تقاتله فقال لها ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم " اهـ .[2] وفي امالي الصدوق : " 990 / 2 - حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل ( رضي الله عنه ) ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، قال : حدثنا محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، عن يونس بن ظبيان ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ ابن نباتة ، قال : دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية بن أبي سفيان ، فقال له : صف لي عليا . قال : أو تعفيني . فقال : لا ، بل صفه لي . فقال له ضرار : رحم الله عليا ، كان والله فينا كأحدنا ، يدنينا إذا أتيناه ، ويجيبنا إذا سألناه ، ويقربنا إذا زرناه ، لا يغلق له دوننا باب ، ولا يحجبنا عنه حاجب ، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا ، لا نكلمه لهيبته ، ولا نبتديه لعظمته ، فإذا تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم . فقال معاوية : زدني من صفته . فقال ضرار : رحم الله عليا ، كان والله طويل السهاد ، قليل الرقاد ، يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار ، ويجود لله بمهجته ، ويبوء إليه بعبرته ، لا تغلق له الستور ، ولا يدخر عنا البدور ، ولا يستلين الاتكاء ، ولا يستخشن الجفاء ، ولو رأيته إذ مثل في محرابه ، وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، وهو قابض على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، وهو يقول : يا دنيا ، إلي تعرضت ، أم إلي تشوقت ، هيهات هيهات لا حاجة لي فيك ، أبنتك ثلاثا لا رجعة لي عليك . ثم يقول : واه واه لبعد السفر ، وقلة الزاد ، وخشونة الطريق . قال : فبكى معاوية ، وقال : حسبك يا ضرار ، كذلك كان والله علي ، رحم الله أبا الحسن " اهـ .[3] وقال الحر العاملي : " 2 - وباسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن علي بن إسماعيل ، عن أحمد بن النضر ، عن الحسين بن عمرو ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب أن معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري : إن ابن أبي الجسرين وجد رجلا مع امرأته فقتله فاسأل لي عليا عن هذا ، قال أبو موسى : فلقيت عليا عليه السلام فسألته - إلى أن قال : فقال : أنا أبو الحسن إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهدوا لأدفع برمته . محمد بن علي بن الحسين باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى مثله " اهـ .[4] فهذه الاثار كلها دالة على اعتقاد معاوية رضي الله عنه بعلم , وفضل علي رضي الله عنه , وما كان سبب القتال بينهما الا الاقتصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه , وقد ورد ذلك مصرحا به من معاوية رضي الله عنه , قال الامام ابن ابي شيبة : " 31193- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ مُوسَى بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ رُمَّانَةَ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، قَالَ : قَالَ مُعَاوِيَةُ : مَا قَاتَلْت عَلِيًّا إلاَّ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ " اهـ .[5] وقال العلامة العمري : " وكان معاوية يؤكد على هذا المعنى " ما قاتلت علياً إلا في أمر عثمان "- 3 ابن أبي شيبة: المصنف 11: 92 بإسناد حسن " اهـ .[6] وقال الامام ابن حجر : " وَقَدْ ذَكَرَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ أَحَدَ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ صِفِّينَ فِي تَأْلِيفِهِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ أَنْتَ تُنَازِعُ عَلِيًّا فِي الْخِلَافَةِ أَوْ أَنْتَ مِثْلُهُ قَالَ لَا وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنِّي وَأَحَقُّ بِالْأَمْرِ وَلَكِنْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا وَأَنا بن عَمِّهِ وَوَلِيُّهُ أَطْلُبُ بِدَمِهِ فَأْتُوا عَلِيًّا فَقُولُوا لَهُ يَدْفَعُ لَنَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ فَأَتَوْهُ فَكَلَّمُوهُ فَقَالَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعَةِ وَيُحَاكِمُهُمْ إِلَيَّ فَامْتَنَعَ مُعَاوِيَةُ " اهـ .[7] ولقد صرح علماء الاسلام على ان ما حدث بين معاوية وعلي رضي الله عنهما ما هو الا امر اجتهادي يتعلق بالمصلحة , والمفسدة , ولا يلزم منه التكفير , او الطعن لاحد الفريقين , قال الامام الغزالي : " وما جرى بين معاوية وعلي رضي الله عنهما كان مبنيا على الاجتهاد لا منازعة من معاوية في الإمامة إذ ظن علي رضي الله عنه أن تسليم قتلة عثمان مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بالعسكر يؤدي إلى اضطراب أمر الإمامة في بدايتها فرأى التأخير أصوب وظن معاوية أن تأخير أمرهم مع عظم جنايتهم يوجب الإغراء بالأئمة ويعرض الدماء للسفك " اهـ .[8] وقال الامام ابو الحسن الاشعري : " وكذلك ما جرى بين سيدنا علي ومعاوية رضي الله عنهما فدل على تأويل واجتهاد وكل الصحابة أئمة مأمونون غير متهمين في الدين وقد أثنى الله ورسوله على جميعهم وتعبدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم والتبري من كل من ينقص أحدا منهم رضي الله عنهم أجمعين " اهـ .[9] وقال شيخ الاسلام : " و " مُعَاوِيَةُ " لَمْ يَدَّعِ الْخِلَافَةَ ؛ وَلَمْ يُبَايَعْ لَهُ بِهَا حَيْنَ قَاتَلَ عَلِيًّا ، وَلَمْ يُقَاتِلْ عَلَى أَنَّهُ خَلِيفَةٌ ، وَلَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْخِلَافَةَ ، وَيُقِرُّونَ لَهُ بِذَلِك ، وَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ يُقِرُّ بِذَلِك لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْهُ ، وَلَا كَانَ مُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ يَرَوْنَ أَنْ يَبْتَدُوا عَلِيًّا وَأَصْحَابَهُ بِالْقِتَالِ ، وَلَا يَعْلُوَا . بَلْ لَمَّا رَأَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ وَمُبَايَعَتُهُ ، إذْ لَا يَكُون لِلْمُسْلِمَيْنِ إلَّا خَلِيفَةٌ وَاحِدٌ ، وَأَنَّهُمْ خَارِجُونَ عَنْ طَاعَتِهِ يَمْتَنِعُونَ عَنْ هَذَا الْوَاجِبِ ، وَهُمْ أَهْلُ شَوْكَةٍ رَأَى أَنْ يُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يُؤَدُّوا هَذَا الْوَاجِبَ ، فَتَحْصُلَ الطَّاعَةُ وَالْجَمَاعَةُ . وَهُمْ قَالُوا : إنَّ ذَلِك لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ، وَإِنَّهُمْ إذَا قُوتِلُوا عَلَى ذَلِك كَانُوا مَظْلُومِينَ قَالُوا : لِأَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَقَتَلَتُهُ فِي عَسْكَرِ عَلِيٍّ ، وَهُمْ غَالِبُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ ، فَإِذَا امْتَنَعْنَا ظَلَمُونَا وَاعْتَدَوْا عَلَيْنَا . وَعَلِيٌّ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُمْ ، كَمَا لَمْ يُمْكِنْهُ الدَّفْعُ عَنْ عُثْمَانَ ؛ وَإِنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نُبَايِعَ خَلِيفَةً يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْصِفَنَا وَيَبْذُلَ لَنَا الْإِنْصَافَ " اهـ .[10] وقال الحافظ ابن حجر الهيتمي : " وَمن اعْتِقَاد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن مَا جرى بَين مُعَاوِيَة وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا من الحروب فَلم يكن لمنازعة مُعَاوِيَة لعَلي فِي الْخلَافَة للْإِجْمَاع على حقيتها لعَلي كَمَا مر فَلم تهج الْفِتْنَة بِسَبَبِهَا وَإِنَّمَا هَاجَتْ بِسَبَب أَن مُعَاوِيَة وَمن مَعَه طلبُوا من عَليّ تَسْلِيم قتلة عُثْمَان إِلَيْهِم لكَون مُعَاوِيَة ابْن عَمه فَامْتنعَ عَليّ ظنا مِنْهُ أَن تسليمهم إِلَيْهِم على الْفَوْر مَعَ كَثْرَة عَشَائِرهمْ واختلاطهم بعسكر عَليّ يُؤَدِّي إِلَى اضْطِرَاب وتزلزل فِي أَمر الْخلَافَة " اهـ .[11]
1 - البداية والنهاية - ابو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير - ج 8 ص 139 . 2 - تاريخ دمشق - ابو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر- ج 59 ص 142 . 3 - الأمالي - الشيخ الصدوق - ص 724 , وحلية الابرار– هاشم البحراني – ج 2 ص 211 – 212 . 4 - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 19 ص 102 . 5 - المصنف - ابو بكر عبد الله بن محمد بن ابي شيبة - ج 11 ص 92 . 6 - عصر الخلافة الراشدة – الشيخ اكرم ضياء العمري – ج 1 ص 464 . 7 - فتح الباري - احمد بن علي بن حجر - ج 13 ص 86 . 8 - إحياء علوم الدين - ابو حامد محمد بن محمد الغزالي - ج 1 ص 115 . 9 - الإبانة عن أصول الديانة - ابو الحسن علي بن اسماعيل الأشعري - ج 1 ص 251 . 10 - مجموع الفتاوى - ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية - ج 35 ص 72 - 73 . 11 - الصواعق المحرقة - أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي - ج 2 ص 622 .
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video