مُعَاوِيَةُ: قَدْ عَلِمْتُ أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْكَ يَا مِقْدَامُ
قال الامام ابو داود : " 3602 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْحِمْصِيُّ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ عَنْ بَحِيرٍ عَنْ خَالِدٍ قَالَ وَفَدَ الْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ وَعَمْرُو بْنُ الْأَسْوَدِ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ مِنْ أَهْلِ قِنَّسْرِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِلْمِقْدَامِ أَعَلِمْتَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ تُوُفِّيَ فَرَجَّعَ الْمِقْدَامُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَتَرَاهَا مُصِيبَةً قَالَ لَهُ وَلِمَ لَا أَرَاهَا مُصِيبَةً وَقَدْ وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِهِ فَقَالَ هَذَا مِنِّي وَحُسَيْنٌ مِنْ عَلِيٍّ فَقَالَ الْأَسَدِيُّ جَمْرَةٌ أَطْفَأَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فَقَالَ الْمِقْدَامُ أَمَّا أَنَا فَلَا أَبْرَحُ الْيَوْمَ حَتَّى أُغَيِّظَكَ وَأُسْمِعَكَ مَا تَكْرَهُ ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاوِيَةُ إِنَّ أَنَا صَدَقْتُ فَصَدِّقْنِي وَإِنْ أَنَا كَذَبْتُ فَكَذِّبْنِي قَالَ أَفْعَلُ قَالَ فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا كُلَّهُ فِي بَيْتِكَ يَا مُعَاوِيَةُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ قَدْ عَلِمْتُ أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْكَ يَا مِقْدَامُ قَالَ خَالِدٌ فَأَمَرَ لَهُ مُعَاوِيَةُ بِمَا لَمْ يَأْمُرْ لِصَاحِبَيْهِ وَفَرَضَ لِابْنِهِ فِي الْمِائَتَيْنِ فَفَرَّقَهَا الْمِقْدَامُ فِي أَصْحَابِهِ قَالَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَسَدِيُّ أَحَدًا شَيْئًا مِمَّا أَخَذَ فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ أَمَّا الْمِقْدَامُ فَرَجُلٌ كَرِيمٌ بَسَطَ يَدَهُ وَأَمَّا الْأَسَدِيُّ فَرَجُلٌ حَسَنُ الْإِمْسَاكِ لِشَيْئِهِ " اهـ. [1] ان هذا الاثر قد صححه الامام الالباني , ولكن هناك علة في الاثر من ناحية السند وهي عنعنة بقية , وهو بقية بن الوليد مشهو بالتدليس , فهذه العلة تجعل سند الحديث ضعيف والله اعلم , قال الحافظ احمد بن عبد الرحيم : " 4 ـ م عه: بقية بن الوليد مشهور بالتدليس مكثر له عن الضعفاء يعاني تدليس التسوية وهو أفحش أنواع التدليس " اهـ. [2] وقد نقل الامام الخطيب قول الامام النسائي في حكم عنعنة بقية بن الوليد , حيث قال : " أخبرني محمد بن علي المقرئ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري، قال: سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول: سألت أبا عبد الرحمن النسائي، وكان من أئمة المسلمين، قلت: ما تقول في بقية؟ قال: إن قال أخبرنا أو حدثنا فهو ثقة، وإن قال: عن، فلا يؤخذ عنه، لا يُدْرَى عمن أخذه " اهـ. [3] وقد ذكره الحافظ ابن حجر في طبقات المدلسين في المرتبة الرابعة , حيث قال : " (117) م 4 بقية بن الوليد الحمصي المحدث المشهور المكثر له في مسلم حديث واحد وكان كثير التدليس عن الضعفاء والمجهولين وصفه الائمة بذلك " اهـ. [4] وقد قال الحافظ بن حجر عن المرتبة الرابعة : " الرابعة : من اتفق على أنه لا يحتج بشئ من حديثهم الا بما صرحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل كبقية بن الوليد " اهـ. [5] فالاثر بسياق القصة ضعيف والله اعلم. اما من ناحية المتن ففيه فضيلة لمعاوية رضي الله عنه , وهو سماعه للتوجيه , وعدم اخذه العزة بالاثم اذا كلمه احد , فقد كان للمسلمين كالوالد مع اولاده , ولهذا نراه يكرم المقدام رضي الله عنه , ولا يُغلظ عليه , وخلاصة ما في الاثر ان المقدام قد راى في بيت معاوية اشياء فيها مخالفات شرعية يفعلها بعض حاشية معاوية ومن يعمل في بيته , ومعاوية رضي الله عنه معروف بالصبر , والحكمة في التعامل مع الناس , ولهذا اقر المقدام على ما قاله , ولا يلزم من هذا سكوت معاوية على الخطأ فكل مسلم له طريقته في اصلاح الخطأ. قال الشيخ العباد : " [ فقال المقدام : أما أنا فلا أبرح اليوم حتى أغيظك وأسمعك ما تكره ]. يعني بعدما حصل في هذا المجلس ما حصل، قال: أنا لا أبرح حتى أغيظك وأسمعك ما تكره -يخاطب معاوية رضي الله عنه- ثم سأله قال: (أنشدك بالله! هل تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم الذهب؟ قال: نعم، قال: أنشدك بالله! هل تعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير؟ قال: نعم، قال: أنشدك بالله! هل تعلم أن الرسول نهى عن لبس جلود السباع، والركوب عليها؟ فقال: نعم، قال: فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية!). يعني: في بعض حاشيته وبعض من هو من أهل بيته، ومعلوم أن معاوية رضي الله عنه لا يقر هذا ولا يرضاه، وقد يكون غافلاً عنه، وقد يكون علمه ونهى عنه، ويحمل ما جاء عن الصحابة من قبيل هذا على أحسن المحامل من باب إحسان الظن بهم. [ فقال معاوية : قد علمت أني لن أنجو منك يا مقدام ! ]. يعني: من كلامك، ومن نيلك مني " اهـ. [6]
1 - سنن ابي داود - باب فِى جُلُودِ النُّمُورِ وَالسِّبَاعِ – ج 4 ص 115. 2 - المدلسين - أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين العراقي – ص 37. 3 - تاريخ بغداد – ابو بكر احمد بن علي بن ثابت البغدادي – ج 7 ص 623. 4 - طبقات المدلسين – احمد بن علي بن حجر – ص 49. 5 - طبقات المدلسين – احمد بن علي بن حجر – ص 14. 6 - شرح سنن ابي داود - عبد المحسن بن حمد بن عبد المحسن بن عبد الله بن حمد العباد البدر – ج 23 ص 204.
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video