إن هذا القران انزل على سبعة احرف
ان حديث النبي صلى الله عليه واله وسلم : ( إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ) . من الاحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم , فهو قطعي الثبوت لتواتره , واما من ناحية الدلالة , فقد اختلف الائمة في المعنى المراد منه , فحمله بعضهم على ان معنى الحرف هو اللغة , وحمله بعضهم على ان معنى الحرف هو الوجه , وعلى ضوء الفهم من الحديث تكلم العلماء في المعنى المراد منه , فما نراه من الاختلاف في معنى الحديث فهو من الاختلاف السائغ , وذلك لان الحديث الشريف محتمل لعدة معان , ففي الامر سعة , ورحمة للامة .
{ تواتر حديث ان هذا القران انزل على سبعة احرف }
ان هذا الحديث الشريف متواتر عن النبي صلى الله عليه واله وسلم , فقد قال الامام الكتاني : " 197- (أنزل هذا القرآن على سبعة أحرف) .
- أورده في الأزهار في كتاب الأدب من حديث (1) عمر (2) وعثمان (3) وأبي بن كعب (4) وأنس (5) وحذيفة بن اليمان (6) وزيد بن أرقم (7) وسمرة بن جندب (8) وسليمان بن صرد (9) وابن عباس (10) وابن مسعود (11) وعبد الرحمان بن عوف (12) وعمر بن أبي سلمة (13) وعمرو بن العاص (14) ومعاذ بن جبل (15) وهشام بن حكيم (16) وأبي بكرة (17) وأبي جهم (18) وأبي سعيد الخدري (19) وأبي طلحة الأنصاري (20) وأبي هريرة (21) وأم أيوب أحد وعشرين نفساً.
(قلت) ورد أيضاً من حديث (22) ابن عمر (23) وعبادة بن الصامت (24) وعبد الله بن عمرو بن العاص وفي الإبريز قال أبو عبيد وغيره من حفاظ الحديث أنه من الأحاديث المتواترة اهـ.
وفي شرح المواهب في كتاب المعجزات والخصائص هو متواتر رواه أحد وعشرون صحابياً ونص على تواتره أبو عبيد اهـ.
وذكر السيوطي في شرح ألفية العراقي أنه رواه نحو الثلاثين وقال أبو يعلى الموصلي في مسنده الكبير أن عثمان قام خطيباً على المنبر وقال أنشد الله امرءاً سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول أن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فقام الصحابة من كل جانب حتى ما أحصى عددهم وكل واحد يقول أنا سمعته يقول ذلك فقال عثمان وأنا سمعته يقوله وممن نص على تواتره من غير أبي عبيد والسيوطي الحاكم انظر شرح الموطأ للزرقاني وقد أفرد الكلام على هذا الحديث بالتأليف جماعة كالحافظ أبي شامة وغيره " اهـ .[1]
وقال ابو عبيد : " قَدْ تَوَاتَرَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا عَلَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ " اهـ .[2]
وهذا من رحمة الله تعالى على الامة , والتيسير لها , والامة مأمورة ان تقرأ القران بإي حرف من هذه الحروف كما قال النبي صلى الله عليه واله وسلم : " إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» " اهـ .[3]
وسوف اذكر بعض الاسانيد , والمصادر التي ورد فيها هذا الحديث الشريف .
في الصحيحين : " 4992 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ القَارِيَّ، حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ، فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ، لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْسِلْهُ، اقْرَأْ يَا هِشَامُ» فَقَرَأَ عَلَيْهِ القِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ»، ثُمَّ قَالَ: «اقْرَأْ يَا عُمَرُ» فَقَرَأْتُ القِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ» " اهـ .[4]
وفيهما ايضا : " 2980 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ " اهـ .[5]
وفي صحيح الامام مسلم : " 274 - (821) وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَ أَضَاةِ بَنِي غِفَارٍ، قَالَ: فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَقَالَ: «أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ»، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفَيْنِ»، فَقَالَ: «أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ»، ثُمَّ جَاءَهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ، فَقَالَ: «أَسْأَلُ اللهَ مُعَافَاتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ، وَإِنَّ أُمَّتِي لَا تُطِيقُ ذَلِكَ»، ثُمَّ جَاءَهُ الرَّابِعَةَ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَقْرَأَ أُمَّتُكَ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَأَيُّمَا حَرْفٍ قَرَءُوا عَلَيْهِ فَقَدْ أَصَابُوا " اهـ .[6]
وفي مسند الامام احمد : " 17542 - حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ، أَخْبَرَنِي بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جُهَيْمٍ: أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ هَذَا: تَلَقَّيْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْآخَرُ: تَلَقَّيْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَأَلَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " الْقُرْآنُ يُقْرَأُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَلَا تُمَارُوا فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ مِرَاءً فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ " (1)
__________
(1) إسناده صحيح على شرط الشيخين " اهـ .[7]
وفيه ايضا : " 17819 - حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَعْنِي الْمَخْرَمِيَّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ، مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْقُرْآنُ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، عَلَى أَيِّ حَرْفٍ قَرَأْتُمْ، فَقَدْ أَصَبْتُمْ، فَلَا تَتَمَارَوْا فِيهِ، فَإِنَّ الْمِرَاءَ فِيهِ كُفْرٌ " (1)
__________
(1) إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح " اهـ .[8]
وفيه ايضا :" 20179 - حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ " (1)
_____________
(1) صحيح لغيره " اهـ .[9]
وفيه ايضا : " 23326 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ " (1)
_____________
(1) صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن" اهـ .[10]
وفي سنن الامام الترمذي بسند حسن صحيح كما قال الامام الترمذي ووافقه عليه الامام الالباني : " 2944 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا الحسن بن موسى حدثنا شيبان عن عاصم عن زر ابن حبيش عن أبي بن كعب قال لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل فقال يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط قال يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف وفي الباب عن عمر وحذيفة بن اليمان وأبي هريرة وأم أيوب وهي امرأة أبي أيوب الأنصاري وسمرة وابن عباس وأبي جهيم بن الحارث بن الصمة وعمرو بن العاص وأبي بكرة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد روي عن أبي بن كعب من غير وجه " اهـ .[11]
وفي الاحاد والمثاني للامام ابن ابي عاصم : " 3320 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ أُمِّ أَيُّوبَ , قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ أَيُّهَا قَرَأْتَ أَصَبْتَ» " اهـ .[12]
وفي صحيح الامام ابن حبان : " 74 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، وَالْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ ثَلَاثًا، مَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ، فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ، فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ».
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ» أَضْمَرَ فِيهِ الِاسْتِطَاعَةَ، يُرِيدُ: اعْمَلُوا بِمَا عَرَفْتُمْ مِنَ الْكِتَابِ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَقَوْلُهُ: «وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ» فِيهِ الزَّجْرُ عَنْ ضِدِّ هَذَا الْأَمْرِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَسْأَلُوا مَنْ لَا يَعْلَمُ
__________
[تعليق الشيخ الألباني]
صحيح - ((الصحيحة)) (1522). " اهـ .[13]
وفي المعجم الكبير للامام الطبراني : " 10090 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ الْقَاضِي، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، ثنا أَخِي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» " اهـ .[14]
فمفهوم الاحاديث , ان الله تعالى قد جعل الخيار للمسلم بأن يقرأ بأي حرف كان , ولا يلزمه ان يقرأ بالاحرف السبعة جميعا , ولقد صرح بهذا المفهوم بعض الائمة الكبار , ومنهم الامام ابو عمرو الداني , حيث قال :" 47 - وَلم يلْزم أمته حفظهَا كلهَا وَلَا الْقِرَاءَة بأجمعها بل هِيَ مخيرة فِي الْقِرَاءَة بِأَيّ حرف شَاءَت مِنْهَا كتخييرها إِذا هِيَ حنثت فِي يَمِين وَهِي موسرة بِأَن تكفر بِأَيّ الْكَفَّارَات شَاءَت إِمَّا بِعِتْق وَإِمَّا بإطعام وَإِمَّا بكسوة وَكَذَلِكَ الْمَأْمُور فِي الْفِدْيَة بالصيام أَو الصَّدَقَة أَو النّسك أَي ذَلِك فعل فقد أدّى مَا عَلَيْهِ وَسقط عَنهُ فرض غَيره فَكَذَا أمروا بِحِفْظ الْقُرْآن وتلاوته ثمَّ خيروا فِي قِرَاءَته بِأَيّ الأحرف السَّبْعَة شَاءُوا إِذْ كَانَ مَعْلُوما أَنهم لم يلزموا اسْتِيعَاب جَمِيعهَا دون أَن يقتصروا مِنْهَا على حرف وَاحِد بل قيل لَهُم أَي ذَلِك قَرَأْتُمْ أصبْتُم فَدلَّ على صِحَة مَا قُلْنَا " اهـ .[15]
وكذلك الامام الطبري , حيث قال : " فَإِنْ قَالَ: فَمَا بَالُ الْأَحْرُفِ الْأُخَرِ السِّتَّةِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ، إِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْتَ، وَقَدْ أَقْرَأَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ، وَأَمَرَ بِالْقِرَاءَةِ بِهِنَّ، وَأَنْزَلَهُنَّ اللَّهُ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنُسِخَتْ فَرُفِعَتْ؟ فَمَا الدَّلَالَةُ عَلَى نَسْخِهَا وَرَفْعِهَا؟ أَمْ نَسِيَتْهُنَّ الْأُمَّةُ؟ فَذَلِكَ تَضْيِيعُ مَا قَدْ أُمِرُوا بِحِفْظِهِ، أَمْ مَا الْقِصَّةُ فِي ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ: لَمْ تُنْسَخْ فَتُرْفَعْ، وَلَا ضَيَّعَتْهَا الْأُمَّةُ، وَهِيَ مَأْمُورَةٌ بِحِفْظِهَا، وَلَكِنَّ الْأُمَّةَ أُمِرَتْ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَخُيِّرَتْ فِي قِرَاءَتِهِ وَحَفِظِهِ، بِأَيِّ تِلْكَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ شَاءَتْ، كَمَا أُمِرَتْ إِذَا هِيَ حَنَّثَتْ فِي يَمِينٍ وَهِيَ مُوسِرَةٌ أَنْ تُكَفِّرَ بِأَيِّ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ شَاءَتْ: إِمَّا بِعِتْقٍ، أَوْ إِطْعَامٍ، أَوْ كِسْوَةٍ، فَلَوْ أَجْمَعَ جَمِيعُهَا عَلَى التَّكْفِيرِ بِوَاحِدَةٍ مِنَ الْكَفَّارَاتِ الثَّلَاثِ، دُونَ حَظْرِهَا التَّكْفِيرَ بِأَيِّ الثَّلَاثِ شَاءَ الْمُكَفِّرُ، كَانَتْ مُصِيبَةً حُكْمَ اللَّهِ، مُؤَدِّيَةً فِي ذَلِكَ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا مِنْ حَقِّ اللَّهِ، فَكَذَلِكَ الْأُمَّةُ أُمِرَتْ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتِهِ، وَخُيِّرَتْ فِي قِرَاءَتِهِ بِأَيِّ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ شَاءَتْ ، فَرَأَتْ لِعِلَّةٍ مِنَ الْعِلَلِ، أَوْجَبَتْ عَلَيْهَا الثَّبَاتَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، قِرَاءَتُهُ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ، وَرَفْضَ الْقِرَاءَةَ بِالْأَحْرُفِ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ، وَلَمْ تُحْظَرْ قِرَاءَتُهُ بِجَمِيعِ حُرُوفِهِ عَلَى قَارِئِهِ، بِمَا أُذِنَ لَهُ فِي قِرَاءَتِهِ بِهِ. " اهـ .[16]
وقال : " فَإِنْ قَالَ بَعْضُ مَنْ ضَعُفَتْ مَعْرِفَتُهُ: وَكَيْفَ جَازَ لَهُمْ تَرْكُ قِرَاءَةٍ أَقْرَأَهُمُوهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُمْ بِقِرَاءَتِهَا؟ قِيلَ: إِنَّ أَمْرَهُ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ أَمْرَ إِيجَابٍ وَفَرْضٍ، وَإِنَّمَا كَانَ أَمْرَ إِبَاحَةٍ وَرُخْصَةٍ، لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِهَا لَوْ كَانَتْ فَرْضًا عَلَيْهِمْ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْ تِلْكِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ، عِنْدَ مَنْ يَقُومُ بِنَقْلِهِ الْحُجَّةَ، وَيَقْطَعُ خَبَرَهُ الْعُذْرُ، وَيُزِيلُ الشَّكَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْأُمَّةِ، وَفِي تَرْكِهِمْ نَقْلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ بِهَا مُخَيَّرِينَ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ فِي نَقَلَةِ الْقُرْآنَ مِنَ الْأُمَّةِ، مَنْ تَجِبِ بِنَقْلِهِ الْحُجَّةَ بِبَعْضِ تِلْكَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ " اهـ .[17]
لقد ذهب الامام الطبري الى ان المصاحف قد كُتبت على حرف واحد من الاحرف السبعة , وبين ان الله تعالى قد انزل القران على سبعة احرف , وجعل للمسلمين الخيار في قراءة اي حرف شاءت .
{ معنى سبعة احرف }
لقد تكلم العلماء عن حديث نزول القران على سبعة احرف , وخلاصة كلامهم ان معنى الحرف هو لغة من لغات العرب , او انه وجه من الوجوه , وانه لا يوجد في القرآن الكريم الذي يقرأ به المسلمون اي شيء يخرج عن الاحرف السبعة , سواء قالوا ان معنى الحرف هو اللغة , او ان معناه الوجه , وسواء قالوا ان المصحف العثماني قد كُتِبَ بحرف واحد من هذه الاحرف السبعة , او ببعضها , او بجميعها , فمع ان الاختلاف موجود في فهم الحديث الشريف , ولكن لم يقل احد من اهل السنة ان القران الموجود بين المسلمين قد حدث فيه خلل , او نقص , او تغيير , او تحريف والعياذ بالله , بل انهم متفقون على ان القران الكريم مصان من ان تناله يد التحريف .
ولقد جاء نص عن الامام ابن الجزري بأن القراءت التي تواترت , واتفق عليها علماء القراءات قد احتوت على بعض الاحرف السبعة من غير تعيين , حيث قال : " "الفصل الأول": "في أن العشرة بعض الأحرف السبعة" الذي لا شك فيه أن قراءة الأئمة السبعة والعشرة والثلاثة عشر وما وراء ذلك بعض الأحرف السبعة من غير تعيين، ونحن لا نحتاج إلى الرد على من قال إن القراءات السبعة هي الأحرف السبعة فإن هذا قول لم يقله أحد من العلماء، لا كبير ولا صغير، وإنما هو شيء اتبعه العلماء قديما وحديثا في حكايته والرد عليه وتخطئة أنفسهم وهو شيء يظنه جهلة العوام لا غير فإنهم يسمعون إنزال القرآن على سبعة أحرف وسبع روايات فيتخيلون ذلك لا غير " اهـ .[18]
فهذا نص من الامام ابن الجزري بان القراءات التي اتفق عليه الائمة هي بعض الحروف السبعة من غير تعيين .
وورد عنه نص اخر ان احكام الادغام , وغيرها من الاحرف السبعة متفرقة في القران الكريم , ولكن من ناحية الكلمات فان الاختيار قد وقع على حرف واحد من هذه الاحرف السبعة , وذلك لان الاباحة لهم بالقراءة على حرف واحد قد وردت , قال الامام ابن الجزري " قلت : المصحف كتب على حرف واحد لكن لكونه جرد عن النقط والشكل احتمل أكثر من حرف إذ لم يترك الصحابة إدغام ولا إمالة ولا تسهيلا ولا نقلا ولا نحو ذلك مما هو في باقي الأحرف الستة وإنما تركوا ما كان قبل ذلك من زيادة كلمة ونقص أخرى ونحو ذلك مما كان مباحا لهم القراءة به كما تقدم في آخر الباب الثاني " اهـ .[19]
ونص بعض اهل العلم المعتبرين على ان الاحرف السبعة متفرقة في جميع الالقران الكريم , قال الامام ابو عبيد : " وَلَيْسَ مَعْنَى تِلْكَ السَّبْعَةِ أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ الْوَاحِدُ يُقْرَأُ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ، هَذَا شَيْءٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَلَكِنَّهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ نَزَلَ عَلَى سَبْعِ لُغَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ، فَيَكُونُ الْحَرْفُ مِنْهَا بِلُغَةِ قَبِيلَةٍ، وَالثَّانِي بِلُغَةٍ أُخْرَى سِوَى الْأُولَى، وَالثَّالِثُ بِلُغَةٍ أُخْرَى سِوَاهُمَا، كَذَلِكَ إِلَى السَّبْعَةِ. وَبَعْضُ الْأَحْيَاءِ أَسْعَدُ بِهَا وَأَكْثَرُ حَظًّا فِيهَا مِنْ بَعْضٍ، وَذَلِكَ يُبَيَّنُ فِي أَحَادِيثَ تَتْرَى " اهـ .[20]
وقال الامام الازهري : " فالذي أذْهَبُ إليه في تفسيرِ قولهِ " نزل القرانُ على سَبْعَةِ أحرف؟ما ذهب إليه أبو عبيدٍ واتّبعه على ذلك أبو العباسِ أحمد بن يحيى.
فأما قول ابى عبيدٍ فإن عبد الله بن محمد ابن هاجَك اخبرنى عن أبن جَبَلَةَ عن ابى عبيدٍ أنه قال في قوله)على سبعة أحرف( يعنى سبعة لُغَاتٍ من لُغَات العَرَبِ. قال وليس معناه ان يكونَ في الحرِف الواحِد سبعَةُ أَوْجُهٍ هذا لَمْ نَسمعْ به.قال ولكن نقول هذه اللغاتُ السبعُ متفرقَةُ في القران فبعضه بِلُغِة قريش وبعضهُ بلغة هوازِنَ وبعضُه بلغة هُذيْلٍ وبعضُه بلغة أهِل اليَمَن، وكذلك سائِرُ اللغات ومعانيها في هذا كله وَاحِدَةُ. قال ومِمَّا يُبَيِّنُ ذلك قولُ ابن مسعود: إنى قد سمعت القراءَةَ ووجدتهم متقاربين فاقرءوا كما علمتم، إنما هو كقول أحدكم هَلُمَّ وتَعَال وأقْبِل.
وأخبرني المنذري عن أبى العباس أنه سُئِل عن قوله " نزل القران على سبعة أحرف؟فقال: ماهي الا لغاتُ. قلت: فأبو العباسِ النحوي وهو واحِدُ عصره، وقد ارْتَضى ما ذهبَ إليه أبو عبيد واستصوْبَه. قلت: وهذه الأحْرُفُ السبعةُ التي معْنَاهَا اللغاتُ غيرُ خارِجَةٍ من الذي كُتِبَ في مصاحف المسلمين التي أجتمع عليها السلفُ المرضيُّون والخلف المتبعون فمن قَرَأ بحرفٍ لا يُخُالِفُ المصحفَ بزيادةٍ او نُقصانٍ أو تقديمِ مؤخرٍ أو تأخيرِ مُقَدَّم وَقَدْ قَرَأ به إمامُ من أئمة القُراءِ المُشْتهرين في الامْصَارِ فقد قرأ بحرْفٍ من الحُرُوف السبعة التي نزل بها القران، ومن قرأ بحرفٍ شاذٍ يُخَالِفُ المصحفَ، وخالَفَ بذلك جمهورَ القراةِ المعروفين، فهو غيرُ مصيبٍ. وهذا مذهبُ أهِل العِلْم الذين هم القُدْوَةُ، ومذهبُ الراسخِين في عِلِم القران قديماً وحديثاً، والى هذا أوْمَي أبو العباس النحويُّ، وأبو بكر الأنباري في كتاب له ألَّفَه في أتَباع ما في المصحَفِ الإمامِ، وافقه على ذلك أبو بكرٍ مجاهدُ مُقْرِئ أهِل العِراق وغيرُه من الاثْبَاتِ المُتْقِنِين. ولا يجوز عندي غيرُ ما قالوا، والله يوفقنا للاتباع وتجنُّبِ الأبْتداع، إنه خير مُوَفَق وخيرُ مُعين " اهـ .[21]
وقال الامام ابن قتيبة : " وإنما تأويل قوله، صلّى الله عليه وآله وسلّم: «نزل القرآن على سبعة أحرف» : على سبعة أوجه من اللغات متفرّقة في القرآن، يدلّك على ذلك قول رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم: «فاقرؤوا كيف شئتم» " اهـ .[22]
وقال الامام ابن الاثير : " { حرف } ( ه ) فيه [ نَزل القُرآن على سَبْعة أحْرُف كُلُّها كَافٍ شَافٍ ] أراد بالحرف اللُّغَة يعني على سَبْع لُغات من لُغات العَرب : أي إِنها مُفَرّقة في القرآن فبَعضُه بلغة قُرَيش وبعضُه بلُغة هُذَيْل وبعضه بلغة هَوازن وبعضُه بلُغة اليَمن وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سَبْعة أوْجُه عَلَى أنه قد جاء في القرآن ما قد قُرِئ بسَبْعةٍ وعَشْرة كقوله تعالى [ مالكِ يوم الدِّين ] و [ عَبدَ الطاغُوتَ ] ومِمَّا يبَيَن ذلك قولُ ابن مسعود : إنِّي قد سمعتُ القَرَأَةَ فوجَدْتُهم مُتَقارِبين فاقْرَأوا كما عُلِّمْتم إنّما هو كقول أحَدِكُم : هَلُمَّ وتَعَالَ وأقْبِل . وفيه أقول غير ذلك هذا أحْسَنُها " اهـ .[23]
وقال الامام ابو عمرو الداني : " وَهَذِه الْقرَاءَات كلهَا وَالْأَوْجه بأسرها من اللُّغَات هِيَ الَّتِي أنزل الْقُرْآن عَلَيْهَا وَقَرَأَ بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأقرا بهَا وأباح الله تَعَالَى لنَبيه الْقِرَاءَة بجميعها وَصوب الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَرَأَ بِبَعْضِهَا دون بعض كَمَا تقدم فِي حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ وَفِي حَدِيث أبي بن كَعْب وَعَمْرو بن الْعَاصِ وَغَيرهم " اهـ .[24]
وقال ايضا : " وَأَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وَمن بالحضرة من جَمِيع الصَّحَابَة قد أثبتوا جَمِيع تِلْكَ الأحرف فِي الْمَصَاحِف وأخبروا بِصِحَّتِهَا وأعلموا بصوابها وخيروا النَّاس فِيهَا كَمَا كَانَ صنع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " اهـ .[25]
وقال : " وَأَن عُثْمَان رَحمَه الله تَعَالَى أحسن وَأصَاب ووفق لفضل عَظِيم فِي جمع النَّاس على مصحف وَاحِد وقراءات محصورة وَالْمَنْع من غير ذَلِك وَأَن سَائِر الصَّحَابَة من عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَمن غَيره كَانُوا متبعين لرأي أبي بكر وَعُثْمَان فِي جمع الْقُرْآن وَأَنَّهُمْ أخبروا بصواب ذَلِك وشهدوا بِهِ وَأَن عُثْمَان لم يقْصد قصد أبي بكر فِي جمع نفس الْقُرْآن بَين لوحين وَإِنَّمَا قصد جمع الصَّحَابَة على الْقرَاءَات الثَّابِتَة الْمَعْرُوفَة عَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَألقى مَا لم يجر مجْرى ذَلِك وَأَخذهم بمصحف لَا تَقْدِيم فِيهِ وَلَا تَأْخِير
77 - وَأَنه لم يسْقط شَيْئا من الْقرَاءَات الثَّابِتَة عَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا منع مِنْهَا وَلَا حظر الْقِرَاءَة بهَا إِذْ لَيْسَ إِلَيْهِ وَلَا إِلَى غَيره أَن يمْنَع مَا أَبَاحَهُ الله تَعَالَى وَأطْلقهُ وَحكم بصوابه وَحكم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للقارئ بِهِ أَنه محسن مُجمل فِي قِرَاءَته وَأَن الْقُرَّاء السَّبْعَة ونظائرهم من الْأَئِمَّة متبعون فِي جَمِيع قراءاتهم الثَّابِتَة عَنْهُم الَّتِي لَا شذوذ فِيهَا وَأَن مَا عدا ذَلِك مَقْطُوع على إِبْطَاله وفساده وممنوع من إِطْلَاقه وَالْقِرَاءَة بِهِ فَهَذِهِ الْجُمْلَة الَّتِي نعتقدها ونختارها فِي هَذَا الْبَاب وَالْأَخْبَار الدَّالَّة على صِحَة جَمِيعهَا كَثِيرَة وَلها مَوضِع غير هَذَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق " اهـ .[26]
ومن الذين جزموا بان القران الكريم قد احتوى على الاحرف السبعة الامام الزرقاني , حيث قال في المناهل : " 8- بقاء الأحرف السبعة في المصاحف ننتقل بك إلى نقطة أخرى: هل الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم لها وجود في المصاحف العثمانية.
ذهب جماعة من الفقهاء والقراء والمتكلمين إلى أن جميع هذه الأحرف موجودة بالمصاحف العثمانية.
واحتجوا بأنه لا يجوز للأمة أن تهمل نقل شيء منها وأن الصحابة أجمعوا على نقل المصاحف العثمانية من الصحف التي كتبها أبو بكر وأجمعوا على ترك ما سوى ذلك. ومعنى هذا أن الصحف التي كانت عند أبي بكر جمعت الأحرف السبعة ونقلت منها المصاحف العثمانية بالأحرف السبعة كذلك.
وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين إلى أن المصاحف العثمانية مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل متضمنة لها.
وذهب ابن جرير الطبري ومن لفَّ لفَّه إلى أن المصاحف العثمانية لم تشتمل إلا على حرف واحد من الحروف السبعة وتأثروا في هذا الرأي بمذهبهم في معنى الحروف السبعة وما التزموه فيه من أن هذه السبعة كانت في صدر الإسلام أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وخلافة أبي بكر وعمر وصدر من خلافة عثمان.
ثم رأت الأمة بقيادة عثمان أن تقتصر على حرف واحد من السبعة جمعا لكلمة المسلمين فأخذت به وأهملت كل ما عداه من الأحرف الستة ونسخ عثمان المصاحف بهذا الحرف الذي استبقته الأمة وحده. وسيأتي بيان هذا المذهب وما ورد عليه من توهين.
والتحقيق أن القول باشتمال المصاحف العثمانية على الأحرف السبعة كلها أو بعضها يتوقف على أمرين: أحدهما تحديد المراد من الأحرف السبعة وثانيهما الرجوع إلى ما هو مكتوب وماثل بتلك المصاحف في الواقع ونفس الأمر.
ولقد أسلفنا لك ما اخترنا في تحديد المراد من الأحرف السبعة وأنها الأوجه التي يرجع إليها كل اختلاف في القراءات سواء منها ما كان صحيحا وشاذا ومنكرا وأنها تنحصر في سبعة على ما ذكره الرازي الذي حالفه التوفيق في الدقة والاستقراء التام.
ونحن إذا رجعنا بهذه الأوجه السبعة إلى المصاحف العثمانية وما هو مخطوط بها في الواقع ونفس الأمر نخرج بهذه الحقيقة التي لا تقبل النقض ونصل إلى فصل الخطاب في هذا الباب وهو أن المصاحف العثمانية قد اشتملت على الأحرف السبعة كلها ولكن على معنى أن كل واحد من هذه المصاحف اشتمل على ما يوافق رسمه من هذه الأحرف كلا أو بعضا بحيث لم تخل المصاحف في مجموعها عن حرف منها رأسا.
ولنبين ذلك في المذهب الذي اخترناه:
أما الوجه الأول: منه وهو اختلاف الأسماء إفراده وجمعا الخ نحو قوله سبحانه {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} المقروءة بجمع الأمانة وإفرادها فقد اشتمل عليهما المصحف إذ كان الرسم العثماني فيه هكذا:
{لأمنتهم} برسم المفرد في الحروف ولكن عليها ألف صغيرة لتشير إلى قراءة الجمع وغير منقوطة ولا مشكولة.
وأما الوجه الثاني: وهو اختلاف تصريف الأفعال نحو قوله سبحانه {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} المقروءة بكسر الكاف وضمها في الفعل فقد وافقت كلتا القراءتين رسم المصحف العثماني أيضا لأن هيكل الفعل واحد في الخط لا يتغير في كلتا القراءتين والمصحف العثماني لم يكن معجما ولا مشكولا.
وأما الوجه الثالث: وهو اختلاف وجوه الإعراب كقراءة {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ} بفتح الراء وضمها فإن الرسم يحتملهما كالوجه السابق وهو واضح.
وأما الوجه الرابع: وهو الاختلاف بالنقص والزيادة فمنه ما يوافق الرسم في بعض المصاحف نحو قوله سبحانه في سورة التوبة: {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ} وقرئ {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا} بزيادة لفظ {مِنْ} وهما قراءتان متواترتان وقد وافقت كلتاهما رسم المصحف بيد أن ذات الزيادة توافق رسم المصحف المكي لأن لفظ من ثابتة فيه. أما حذفها فإنه يوافق رسم غير المصحف المكي حيث لم تثبت فيه أي في غير المصحف المكي. ومن هذا الوجه ما لا يوافق رسم المصحف بحال من الأحوال نحو قوله سبحانه: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} وقرأ ابن عباس هكذا "يأخذ كل سفينة صالحة غصبا" بزيادة كلمة صالحة فإن هذه الكلمة لم تثبت في مصحف من المصاحف العثمانية فهي مخالفة لخط المصحف وذلك لأن هذه القراءة وما شاكلها منسوخة بالعرضة الأخيرة أي عرض القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل آخر حياته الشريفة. ويدل على هذا النسخ إجماع الأمة على ما في المصاحف فتلخص مما ذكرنا أن بعض هذا الوجه الرابع اشتملت عليه المصاحف وبعضه لم تشتمل عليه لأنه نسخ.
وأما الوجه الخامس: وهو الاختلاف بالتقديم والتأخير فهو مثل سابقه. منه ما هو موافق لرسم المصحف نحو قوله سبحانه في سورة التوبة: {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً} قرئ الفعل بالبناء للفاعل في الأول وللمفعول في الثاني وقرئ بالعكس وهما قراءتان متواترتان ولا يخالف شيء منهما رسم المصحف. ومنه ما خالف رسم المصحف نحو قوله سبحانه: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} وقرئ وجاءت سكرة الحق بالموت فإن هذه القراءة الثانية لا يحتملها رسم المصحف وإن كانت منقولة عن أبي بكر الصديق وطلحة بن مطرف وزين العابدين رضي الله عنهم لكنها لم تتواتر فهي منسوخة بالعرضة الأخيرة وبإجماع الصحابة على المصحف العثماني فلا يجوز القراءة بها بخلاف القراءة الأولى لأنها وافقت خط المصحف واستقرت القراءة بها دون نسخ. ومثل ذلك قوله سبحانه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} وقرئ إذ جاء فتح الله والنصر فالأولى هي التي وافقت الرسم. والثانية لم توافقه فهي منسوخة أيضا لما ذكرنا.
وأما الوجه السادس: وهو الاختلاف بالإبطال فقد وافق بعضه رسم المصحف وخالفه البعض أيضا. مثال ما وافق الرسم قوله سبحانه: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وقرئ فتثبتوا وهما قراءاتان متواترتان. وتوافق كلتاهما رسم المصحف. ومثال الثاني قراءة إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله وقراءة "وتكون الجبال كالصوف المنفوش" فإنهما مخالفتان لرسم المصحف. وذلك لنسخهما بالعرضة الأخيرة أيضا واستقرار الأمر على ما وافق الرسم منه وهو قراءة {فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وقراءة {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} .
وأما الوجه السابع: وهو الاختلاف بسبب تباين اللهجات فيوافق رسم المصحف موافقة تامة. لأنه اختلاف شكلي لا يترتب عليه تغيير جوهر الكلمة وهو ظاهر وتجد شواهد كثيرة في خط المصحف تدل على بعض هذا النوع من الاختلاف نحو {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} فإنها رسمت هكذا بياء في الفعل بعد التاء وبقلب ألف موسى ياء ومن غير شكل ولا إعجام " اهـ .[27]
فقد بين الامام الزرقاني ان المراد من الحرف هو الوجه , وقد جاءت هذه الحروف جميعا في المصاحف .
فكل من قال بان معنى الحرف هو اللغة , او الوجه , فقد جاء بادلة على قوله , ولا يلزم من هذا طعن بالقران الكريم , وذلك لان هذه الاقوال مبنية على الاختلاف في فهم الحديث النبوي الشريف اذ ان دلالة الحديث الشريف محتملة لهذه المعاني , فأقوال اهل العلم مبنية على فهم النصوص الشرعية , ومعناها في اللغة, وخلاصة الامر انه لم يرد عن عالم من علماء اهل السنة القول بتحريف القران , او الطعن به .
ولقد بين شيخ الاسلام ابن تيمية ان المصاحف متواترة منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم , وان القراء السبعة رحمهم الله لم يختصوا بالاحرف السبعة وان هذا لم يقله العلماء , بل ان القراءة المعروفة عن السلف الموافقة للمصحف معتبرة بغير خلاف , قال شيخ الاسلام : " وَالْقُرْآنُ الَّذِي بَيْنَ لَوْحَيْ الْمُصْحَفِ مُتَوَاتِرٌ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَصَاحِفَ الْمَكْتُوبَةَ اتَّفَقَ عَلَيْهَا الصَّحَابَةُ وَنَقَلُوهَا قُرْآنًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ مُتَوَاتِرَةٌ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ نَعْلَمُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّهَا مَا غُيِّرَتْ وَالْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ عَنْ السَّلَفِ الْمُوَافِقَةُ لِلْمُصْحَفِ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ بَيْنَ قِرَاءَةِ أَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ وَخَلْفٍ وَبَيْنَ قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَأَبِي عَمْرٍو وَنُعَيْمٍ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا إنَّ الْقِرَاءَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ. فَإِنَّ هَؤُلَاءِ: إنَّمَا جَمَعَ قِرَاءَاتِهِمْ أَبُو بَكْرٍ ابْنُ مُجَاهِدٍ بُعْدَ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَاتَّبَعَهُ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ وَقَصَدَ أَنْ يَنْتَخِبَ قِرَاءَةَ سَبْعَةٍ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ إنَّ مَا خَرَجَ عَنْ هَذِهِ السَّبْعَةِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا إنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ} أُرِيدَ بِهِ قِرَاءَةُ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ " اهـ .[28]
ثم نقل اقوال ائمة المسلمين في ان بعضهم قد قال بأن المصاحف قد كُتبت على الاحرف السبعة , وبعضهم قد قال بانها قد كُتبت على حرف واحد من الحروف السبعة .
قال شيخ الاسلام : " فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ أَنَّهَا حَرْفٌ مِنْ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ؛ بَلْ يَقُولُونَ: إنَّ مُصْحَفَ عُثْمَانَ هُوَ أَحَدُ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ للعرضة الْآخِرَةِ الَّتِي عَرَضَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِبْرِيلَ وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ الْمَشْهُورَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَذَهَبَ طَوَائِفُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ إلَى أَنَّ هَذَا الْمُصْحَفَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ وَقَرَّرَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَانِي وَغَيْرِهِ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ تُهْمِلَ نَقْلَ شَيْءٍ مِنْ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِ هَذَا الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ الْعُثْمَانِيِّ وَتَرْكِ مَا سِوَاهُ حَيْثُ أَمَرَ عُثْمَانُ بِنَقْلِ الْقُرْآنِ مِنْ الصُّحُفِ الَّتِي كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ كَتَبَا الْقُرْآنَ فِيهَا ثُمَّ أَرْسَلَ عُثْمَانُ بِمُشَاوَرَةِ الصَّحَابَةِ إلَى كُلِّ مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ بِمُصْحَفِ وَأَمَرَ بِتَرْكِ مَا سِوَى ذَلِكَ. قَالَ هَؤُلَاءِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْهَى عَنْ الْقِرَاءَةِ بِبَعْضِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ. وَمَنْ نَصَرَ قَوْلَ الْأَوَّلِينَ يُجِيبُ تَارَةً بِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَى الْأُمَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ جَائِزًا لَهُمْ مُرَخَّصًا لَهُمْ فِيهِ وَقَدْ جُعِلَ إلَيْهِمْ الِاخْتِيَارُ فِي أَيِّ حَرْفٍ اخْتَارُوهُ كَمَا أَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ مَنْصُوصًا؛ بَلْ مُفَوَّضًا إلَى اجْتِهَادِهِمْ؛ وَلِهَذَا كَانَ تَرْتِيبُ مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبِ مُصْحَفِ زَيْدٍ وَكَذَلِكَ مُصْحَفُ غَيْرِهِ " اهـ .[29]
وقال: " وَإِنَّمَا تَنَازَعَ النَّاسُ مِنْ الْخَلَفِ فِي الْمُصْحَفِ الْعُثْمَانِيِّ الْإِمَامِ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَالْأُمَّةُ بَعْدَهُمْ هَلْ هُوَ بِمَا فِيهِ مِنْ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَةِ وَتَمَامِ الْعَشَرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ هُوَ حَرْفٌ مِنْ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا؟ أَوْ هُوَ مَجْمُوعُ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ وَالثَّانِي قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْقُرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْأَحْرُفَ السَّبْعَةَ لَا يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا خِلَافًا يتضاد فِيهِ الْمَعْنَى وَيَتَنَاقَضُ؛ بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا كَمَا تُصَدِّقُ الْآيَاتُ بَعْضُهَا بَعْضًا. وَسَبَبُ تَنَوُّعِ الْقِرَاءَاتِ فِيمَا احْتَمَلَهُ خَطُّ الْمُصْحَفِ هُوَ تَجْوِيزُ الشَّارِعِ وَتَسْوِيغُهُ ذَلِكَ لَهُمْ؛ إذْ مَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى السُّنَّةِ وَالِاتِّبَاعِ لَا إلَى الرَّأْيِ وَالِابْتِدَاعِ. أَمَّا إذَا قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ هِيَ الْأَحْرُفُ السَّبْعَةُ فَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى إذَا قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ حَرْفٌ مِنْ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قَدْ سُوِّغَ لَهُمْ أَنْ يَقْرَءُوهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ مَعَ تَنَوُّعِ الْأَحْرُفِ فِي الرَّسْمِ؛ فَلَأَنْ يُسَوَّغَ ذَلِكَ مَعَ اتِّفَاقِ ذَلِكَ فِي الرَّسْمِ وَتَنَوُّعِهِ فِي اللَّفْظِ أَوْلَى وَأَحْرَى وَهَذَا مِنْ أَسْبَابِ تَرْكِهِمْ الْمَصَاحِفَ أَوَّلَ مَا كُتِبَتْ غَيْرَ مَشْكُولَةٍ وَلَا مَنْقُوطَةٍ؛ لِتَكُونَ صُورَةُ الرَّسْمِ مُحْتَمِلَةً لِلْأَمْرَيْنِ كَالتَّاءِ وَالْيَاءِ وَالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَهُمْ يَضْبِطُونَ بِاللَّفْظِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ وَيَكُونُ دَلَالَةُ الْخَطِّ الْوَاحِدِ عَلَى كِلَا اللَّفْظَيْنِ الْمَنْقُولَيْنِ الْمَسْمُوعَيْنِ الْمَتْلُوَّيْنِ شَبِيهًا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ الْمَنْقُولَيْنِ الْمَعْقُولَيْنِ الْمَفْهُومَيْنِ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَقَّوْا عَنْهُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِتَبْلِيغِهِ إلَيْهِمْ مِنْ الْقُرْآنِ لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ جَمِيعًا " اهـ .[30]
ثم بين رحمه الله بأن الاختلاف في القراءات من اختلاف التنوع , وليس من خلاف التضاد , حيث قال في منهاج السنة : " أَنَّ الْخِلَافَ نَوْعَانِ: خِلَافُ تَضَادٍّ، وَخِلَافُ تَنَوُّعٍ، فَالْأَوَّلُ: مِثْلَ أَنْ يُوجِبُ هَذَا شَيْئًا وَيُحَرِّمُهُ الْآخَرُ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مِثْلُ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي يَجُوزُ كُلٌّ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا يَخْتَارُ قِرَاءَةً، وَهَذَا يَخْتَارُ قِرَاءَةً، كَمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ، بَلِ اسْتَفَاضَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «إِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، كُلُّهَا شَافٍ كَافٍ» " اهـ .[31]
{ ضابط قبول القراءة عند علماء القراءات }
لقد وضع العلماء ضوابط لقبول القراءة , وجعلها حجة حتى لا يكون الامر غير منضبط , فيأتي كل من هب , ودب ليتكلم في القران الكريم بغير علم , ولا هدى , ووضع العلماء لهذه الضوابط هو من باب المحافظة على القران الكريم , والعناية به , لقد وضع العلماء ثلاثة ضوابط لقبول القراءة , وهي : الرسم , وموافقة العربية , والسند , فاذا توفرت هذه الثلاثة فان القراءة معتبرة , ومتعبد فيها لله تعالى .
قال الامام ابن الجزري : " كُلُّ قِرَاءَةٍ وَافَقَتِ الْعَرَبِيَّةَ وَلَوْ بِوَجْهٍ، وَوَافَقَتْ أَحَدَ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ وَلَوِ احْتِمَالًا وَصَحَّ سَنَدُهَا، فَهِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي لَا يَجُوزُ رَدُّهَا وَلَا يَحِلُّ إِنْكَارُهَا، بَلْ هِيَ مِنَ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ وَوَجَبَ عَلَى النَّاسِ قَبُولُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ عَنِ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ، أَمْ عَنِ الْعَشْرَةِ، أَمْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمَقْبُولِينَ، وَمَتَى اخْتَلَّ رُكْنٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ أُطْلِقَ عَلَيْهَا ضَعِيفَةٌ أَوْ شَاذَّةٌ أَوْ بَاطِلَةٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ عَنِ السَّبْعَةِ أَمْ عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّحْقِيقِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، " اهـ .[32]
وقال الزرقاني : " لعلماء القراءات ضابط مشهور يزنون به الروايات الواردة في القراءات فيقول: كل قراءة وافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديرا ووافقت العربية ولو بوجه وصح إسنادها ولو كان عمن فوق العشرة من القراء فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ولا يحل إنكارها بل هي من الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن " اهـ .[33]
وقال الامام السيوطي : " قُلْتُ: أَتْقَنَ الْإِمَامُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ هَذَا الْفَصْلَ جِدًّا وَقَدْ تَحَرَّرَ لِي مِنْهُ أَنَّ الْقِرَاءَاتِ أَنْوَاعٌ:
الْأَوَّلُ: الْمُتَوَاتِرُ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ جَمْعٌ لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ مِثْلِهِمْ إِلَى مُنْتَهَاهُ وَغَالِبُ الْقِرَاءَاتِ كَذَلِكَ.
الثَّانِي: الْمَشْهُورُ وَهُوَ مَا صَحَّ سَنَدُهُ وَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ التَّوَاتُرِ وَوَافَقَ الْعَرَبِيَّةَ وَالرَّسْمَ واشتهر عن القراء فلم يعده مِنَ الْغَلَطِ وَلَا مِنَ الشُّذُوذِ وَيُقْرَأُ بِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْجَزَرِيِّ وَيُفْهِمُهُ كَلَامُ أَبِي شَامَةَ السَّابِقُ وَمِثَالُهُ مَا اخْتَلَفَتِ الطُّرُقُ فِي نَقْلِهِ عَنِ السَّبْعَةِ فَرَوَاهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَأَمْثِلَةُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي فَرْشِ الْحُرُوفِ مِنْ كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ كَالَّذِي قَبْلَهُ وَمِنْ أَشْهَرِ مَا صُنِّفَ فِي ذَلِكَ التَّيْسِيرُ لِلدَّانِيِّ وقصيدة الشاطبي وأوعية النَّشْرُ فِي الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ وَتَقْرِيبِ النَّشْرِ كِلَاهُمَا لِابْنِ الْجَزَرِيِّ.
الثَّالِثُ: الْآحَادُ وَهُوَ مَا صَحَّ سَنَدُهُ وَخَالَفَ الرَّسْمَ أَوِ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَمْ يَشْتَهِرْ الِاشْتِهَارَ الْمَذْكُورَ وَلَا يُقْرَأُ بِهِ ....." اهـ . [34]
لقد عد الامام السيوطي المرتبة الاولى هي مرتبة التواتر , وهذا متيقن منه , ولا علاقة له بهذه الضوابط اذ ان ثبوته لا يحتاج الى شيء اخر , واما الذي لا يبلغ درجة التواتر فهو الذي تكلم عنه الامام السيوطي وفهمه من كلام الامام ابن الجزري , فجعل صحة السند مقرونة برسم المصحف , وموافقة العربية ولو بوجه , وان يكون مشتهرا عند القراء , وهذه النقطة لا بد من الانتباه لها , فالذي يعرف موافقة رسم المصحف , وموافقة العربية ولو بوجه هم ائمة علم القراءات , ولهذا ينبغي ان تكون الشهرة والقبول من ائمة الشأن .
ولقد اشترط بعض اهل العلم التواتر في السند دون غيره , قال العلامة الدمياطي : " ثم أن القراء الموصوفين بما ذكر بعد ذلك تفرقوا في البلاد وخلفهم أمم بعد أمم فكثر الاختلاف وعسر الضبط فوضع الأئمة لذلك ميزانا يرجع إليه وهو السند والرسم والعربية فكل ما صح سنده ووافق وجها من وجوه النحو سواء كان أفصح أم فصيحا مجمعا عليه أو مختلفا فيه اختلافا لا يضر مثله ووافق خط مصحف من المصاحف المذكورة فهو من السبعة الأحرف المنصوصة في الحديث فإذا اجتمعت هذه الثلاثة في قراءة وجب قبولها سواء كانت عن السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين نص على ذلك الداني وغيره ممن يطول ذكرهم إلا أن بعضهم لم يكتف بصحة السند بل اشترط مع الركنين التواتر والمراد بالمتواتر ما رواه جماعة عن جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب من البداءة إلى المنتهى من غير تعيين عدد على الصحيح " اهـ .[35]
وقال الامام الغزالي : " وَطَرِيقُ إثْبَاتِ الْكِتَابِ وَإِنَّهُ التَّوَاتُرُ فَقَطْ " اهـ .[36]
وقال : " [النَّظَرُ الثَّانِي فِي حَدّ الْقُرْآن]
النَّظَرُ الثَّانِي: فِي حَدِّهِ وَحَدُّ الْكِتَابِ مَا نُقِلَ إلَيْنَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ عَلَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الْمَشْهُورَةِ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا. وَنَعْنِي بِالْكِتَابِ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ، وَقَيَّدْنَاهُ بِالْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ بَالَغُوا فِي الِاحْتِيَاطِ فِي نَقْلِهِ حَتَّى كَرِهُوا التَّعَاشِيرَ وَالنَّقْطَ وَأَمَرُوا بِالتَّجْرِيدِ كَيْ لَا يَخْتَلِطَ بِالْقُرْآنِ غَيْرُهُ، وَنُقِلَ إلَيْنَا مُتَوَاتِرًا، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَكْتُوبَ فِي الْمُصْحَفِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ هُوَ الْقُرْآنُ، وَأَنَّ مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْهُ فَلَيْسَ مِنْهُ. إذْ يَسْتَحِيلُ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى حِفْظِهِ أَنْ يُهْمَلَ بَعْضُهُ فَلَا يُنْقَلُ أَوْ يُخْلَطَ بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ " اهـ .[37]
وكذلك الامام ابن قدامة , حيث قال : " فأما ما يخرج عن مصحف عثمان كقراءة ابن مسعود وغيرها فلا ينبغي أن يقرأ بها في الصلاة لأن القرآن ثبت بطريق التواتر وهذه لم يثبت التواتر بها " اهـ .[38]
فقد جعل العلامة الدمياطي ان الميزان في قبول القراءة هو موافقة خط المصاحف , ولقد ثبتت المصاحف بالتواتر , فلهذا نقول ان الخلاف في موضوع السند كضابط مع الرسم وموافقة العربية سواء كان متواترا , او احادا فهو اختلاف صوري لا اكثر , وذلك لان رسم المصحف قد ثبت بالتواتر فرجع الامر الى التواتر مرة اخرى , فمن قال بصحة السند مع الضابطين الاخرين فإن قوله يؤدي بكل الاحوال الى القول بالتواتر سواء صرح بالتواتر , ام صرح بالاحاد , وذلك لان مرجع السند الصحيح مع ضابط رسم المصحف الثابت بالتواتر يؤدي الى ثبوت هذه القراءة بالتواتر من كل وجه , والله الموفق .
ولقد فصل في هذا الامام الزرقاني حيث قال في المناهل: " إنما اكتفى القراء في ضابط القراءة المشهورة بصحة الإسناد مع الركنين الآخرين ولم يشترطوا التواتر: مع أنه لا بد منه في تحقق القرآنية لأسباب ثلاثة:-
أحدها: أن هذا ضابط لا تعريف والتواتر قد لوحظ في تعريف القرآن على أنه شطر أو شرط على الأقل. ولم يلحظ في الضابط لأنه يغتفر في الضوابط ما لا يغتفر في التعاريف. فالضوابط ليست لبيان الماهية والحقيقة.
ثانيها: التيسير على الطالب في تمييز القراءات المقبولة من غيرها فإنه يسهل عليه بمجرد رعايته لهذا الضابط أن يميز القراءات المقبولة من غير المقبولة. أما إذا اشترط التواتر فإنه يصعب عليه ذلك التمييز لأنه يضطر في تحصيله إلى أن يصل إلى جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب في كل طبقة من طبقات الرواية. وهيهات أن يتيسر له ذلك.
ثالثها: أن هذه الأركان الثلاثة تكاد تكون مساوية للتواتر في إفادة العلم القاطع بالقراءات المقبولة. بيان هذه المساواة أن ما بين دفتي المصحف متواتر ومجمع عليه من الأمة في أفضل عهودها وهو عهد الصحابة فإذا صح سند القراءة ووافقت قواعد اللغة ثم جاءت موافقة لخط هذا المصحف المتواتر كانت هذه الموافقة قرينة على إفادة هذه الرواية للعلم القاطع وإن كانت آحادا.
ولا تنس ما هو مقرر في علم الأثر من أن خبر الآحاد يفيد العلم إذا احتفت به قرينة توجب ذلك.
فكأن التواتر كان يطلب تحصيله في الإسناد قبل أن يقوم المصحف وثيقة متواترة بالقرآن. أما بعد وجود هذا المصحف المجمع عليه فيكفي في الرواية صحتها وشهرتها ما وافقت رسم هذا المصحف ولسان العرب.
قال صاحب الكواكب الدرية نقلا عن المحقق ابن الجزري ما نصه: قولنا: وصح سندها نعني به أن يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله وهكذا حتى ينتهي وتكون مع ذلك مشهورة عند أئمة هذا الشأن الضابطين له غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذ به بعضهم " اهـ .[39]
فالمستفاد من كلام الامام الزرقاني , ان القران لا بد من ثبوته بالتواتر , ثم بين ان هذه ضوابط , والضوابط فيها تساهل عند اهل العلم , ثم قرر بعد ذلك تواتر خط المصحف الشريف , وان هذا المصحف المتواتر مجمع عليه , فرجع الامر الى التواتر بكل الاحوال , حتى لو قال قائل بالاحاد , وذلك لان هذا الاحاد متوقف قبوله على عرضه على خط المصحف المتواتر , وكذلك له وجه في اللغة العربية , فالامر في كل الاحوال مبني على التواتر والله الموفق لكل خير .
{ ما جاء في كتب الشيعة فيما يتعلق بالقراءات }
لقد صرح المازندراني وهو من علماء الامامية بأن المراد من الاحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب , حيث قال : " قوله ( إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا ) أي على ثلاثة وسبعين لغة مثل قوله ( عليه السلام ) « نزل القرآن على سبعة أحرف » فإن المراد أنه على سبع لغات من لغات العرب كلغة قريش ولغة هذيل ولغة هوازن ولغة اليمن وغيرها " اهـ . [40].
وقال الحر العاملي : " 74 - باب وجوب القراءة في الصلاة وغيرها بالقراءات السبعة المتواترة دون الشواذ والمروية
( 7630 ) 1 - محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن بن أبي هاشم عن سالم أبي سلمة قال قرأ رجل على أبي عبد الله ( عليه السلام ) وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرأها الناس فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم فإذا قام القائم قرأ كتاب الله على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي ( عليه السلام ) الحديث .
( 7631 ) 2 - وعن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال قلت له جعلت فداك إنا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم ؟ فقال لا اقرؤا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم .
( 7632 ) 3 - وعنهم عن سهل عن علي بن الحكم عن عبد الله بن جندب عن سفيان بن السمط قال سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن تنزيل القرآن فقال : اقرؤا كما علمتم .
( 7633 ) 4 - وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن داود بن فرقد والمعلى بن خنيس جميعا قالا : كنا عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقال إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال ثم قال أما نحن فنقرؤه على قراءة أبى
( 7634 ) 5 - الفضل بن الحسن الطبرسي في ( مجمع البيان ) نقلا عن الشيخ الطوسي قال روى عنهم عليهم السلام جواز القراءة بما اختلف القراء فيه .
( 7635 ) 6 - محمد بن علي بن الحسين في كتاب ( الخصال ) عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أحمد بن هلال عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله أتاني آت من الله فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد فقلت : يا رب وسع على أمتي فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن ( على حرف واحد فقلت : يا رب وسع على أمتي فقال إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن ) على سبعة أحرف " اهـ .[41]
فالمفهوم من اسم الباب والروايات الواردة ان الشيعة مأمورون بأن يقرأوا كما يقرأ الناس (( والمقصود بالناس هم اهل السنة وهذا واضح لانهم هم الذين حفظوا القران الكريم ونقلوه جيلا بعد جيل وتحقق بهم التواتر )) , وفي بعض هذه الروايات ايضا امر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله وسلم ان يقرأ القران على سبعة احرف , والنبي صلى الله عليه واله وسلم هو المعلم للامة , ومنه يأخذون التشريع , وذلك لان الله تعالى قد امتن به على الامة في تلاوة الايات , والتزكية , وتعليمهم الكتاب والحكمة , كما قال الله تعالى : " لقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) : ال عمران } , فما علمهم النبي صلى الله عليه واله وسلم فهم مقتدون به , ولقد قرا النبي صلى الله عليه واله وسلم القران على سبعة احرف , وقد اخذت الامة قراءة القران الكريم من نبيها صلى الله عليه واله وسلم .
وتوجد اشكالية عند الامامية الا وهي : انه قد ورد عندهم ان القراءة الصحيحة المعتبرة هي قراءة ابي بن كعب رضي الله عنه , وقد اعترف الفيض الكاشاني بأن هذه القراءة لم تُضبط عند الامامية ولم تصل اليهم جميع الفاظها , قال الفيض الكاشاني : " 9085 3 الكافي، 2/ 634/ 27/ 1 محمد عن أحمد عن علي بن الحكم عن عبد اللَّه بن فرقد و المعلى بن خنيس قالا كنا عند أبي عبد اللَّه ع و معنا ربيعة الرأي فذكر القرآن فقال أبو عبد اللَّه ع إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال فقال ربيعة ضال فقال نعم ضال ثم قال أبو عبد اللَّه ع أما نحن فنقرأ على قراءة أبي
بيان
المستفاد من هذا الحديث أن القراءة الصحيحة هي قراءة أبي بن كعب و أنها الموافقة لقراءة أهل البيت ع إلا أنها اليوم غير مضبوطة عندنا إذ لم يصل إلينا قراءته في جميع ألفاظ القرآن و ربما يجعل المكتوب بصورة أبي في هذا الحديث الأب المضاف إلى ياء المتكلم و هو بعيد جدا " اهـ .[42]
فنقول للامامية ان لم تقولوا , او تعتقدوا بما يقوله اهل السنة , فانكم على ضياع , وضلال , وذلك لعدم وجود قران محفوظ عندكم , فالمحفوظ هو القران الكريم الذي كتبه الصحابة الكرام بأمر امير المؤمنين عثمان رضي الله عنه نقلا عن النبي صلى الله عليه واله وسلم .
ولقد ورد عند الامامية وجوب القراءة بالقراءات السبعة المتواترة الموجودة عند اهل السنة , ولقد نقلت كلام الحر العاملي بذلك في اسم الباب الذي بوبه في وسائل الشيعة , وقال محمد جواد العاملي : " وقال الشهيد الثاني في « المقاصد العلية » : إن كلا من القراءات السبع من عند الله تعالى نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلم الطاهرين تخفيفا على الأمة وتهوينا على أهل هذه الملة " اهـ . [43].
وقال الحلي : " يجوز أن يقرأ بأي قراءة شاء من السبعة لتواترها أجمع ولا يجوز أن يقرأ بالشاذ وإن اتصلت روايته لعدم تواترها وأحب القرآن إلى ما قرأه عاصم من طريق أبي بكر بن عياش وقراءة أبي عمرو بن أبي العلا فإنهما أولى من قراءة حمزة والكسائي لما فيهما من الادغام والإمالة وزيادة المد وذلك كله تكلف ولو قرأ به صحت صلاته بلا خلاف " اهـ .[44]
وقال اليزدي : " مسألة 50 : الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبعة وإن كان الأقوى عدم وجوبها ، بل يكفي القراءة على النهج العربي وإن كانت مخالفة لهم في حركة بنية أو إعراب " اهـ . [45]
وقال الوحيد البهبهاني : " والمشهور بيننا : جواز العمل بقراءة السبعة المشهورة ، والدليل على ذلك تقرير الأئمة عليهم السلام بل الامر بأنه يقرأ كما يقرأ الناس إلى قيام القائم عليه السلام " اهـ .[46]
وقال الفياض : " مسألة 614 : يجب أن تكون القراءة صحيحة ، بمعنى أن تكون موافقة لما هو مكتوب في المصحف الشريف أو لإحدى القراءات السبعة المشهورة ، فيجب على المصلي أداء حروف الكلمات وإخراجها من مخارجها على النحو اللازم في لغة العرب ، وأن تكون هيئة الكلمة موافقة للأسلوب العربي الصحيح في الحركات والإعراب والبناء والسكون والحذف والقلب والإدغام والمد الواجب وغير ذلك ، فإن أخل بشيء من ذلك عامدا وملتفتا بطلت الصلاة " اهـ . [47].
ومن طوام المجلسي في هذا الموضوع انه نقل جواز القراءة بهذا القران الى ان يظهر مهديهم فيقرأ بقراءة واحدة , وهذا يعني ان هناك خللا في هذا القران والعياذ بالله تعالى , فلو لم يعتقد المجلسي , وغيره ممن يقول بقوله بخلل في القران , فلماذا يعلمهم مهديهم قراءة واحدة فقط , ويلغي الباقي ؟ !!! , قال المجلسي : " " ولا ريب في أنه يجوز لنا الان أن نقرأ موافقا لقراءاتهم المشهورة كما دلت عليه الأخبار المستفيضة إلى أن يظهر القائم عليه السلام ، ويظهر لنا القرآن على حرف واحد ، وقراءة واحدة ، رزقنا الله تعالى إدراك ذلك الزمان " اهـ .[48]
فقد اكد المجلسي في قوله ان الامام يُظهر القران الموجود عنده على حرف واحد , وقراءة واحدة , ولو كان القران الموجود عنده موافقا لمصاحف المسلمين لما كانت هناك حاجة الى اظهاره , وحصر القراءة به !!! .
{ انزل القران على ثلاثة احرف }
قال الامام الالباني : " 2958 - ( أنزل القرآن على ثلاثة أحرف ) .
ضعيف
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 4/195 ) ، والحاكم ( 2/223 ) ، وأحمد ( 5/22 ) ، والبزار ( ص 226 - زوائده ) ، وابن عدي ( 77/2 ) ، وتمام في " الفوائد " ( 6/110/2 ) من طريق عفان بن مسلم قال : حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به . وقال الحاكم : " احتج البخاري برواية الحسن عن سمرة ، واحتج مسلم بأحاديث حماد بن سلمة ، وهذا الحديث صحيح ، وليس له علة " . ووافقه الذهبي .
وأقول : بلى فيه علتان :
الأولى : عنعنة الحسن - وهو البصري - فقد كان مدلسا ، والبخاري إنما احتج بروايته التي صرح فيها بالتحديث فتنبه .
والأخرى : الاختلاف في لفظه على حماد ؛ فرواه عفان عنه هكذا . وقال بهز : حدثنا حماد بن سلمة .... فساقه بلفظ : " .... سبعة أحرف " .
أخرجه أحمد ( 5/16 ) .
قلت : وهذا هو الصواب لموافقته لسائر أحاديث الباب ، وقد خرجت بعضها في " صحيح أبي داود " ( 1327 ) .
والحديث أورده ابن عدي في جملة أحاديث أنكرت على حماد بن سلمة ، وقال عقبة : " لا أعلم يرويه بهذا الإسناد غير حماد بن سلمة ، وقال : " على ثلاثة أحرف " ، ولم يقله غيره " .
والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " ( 7/152 ) بلفظ : " كان يأمرنا أن نقرأ القرآن كما أقرأناه ، وقال : إنه نزل على ثلاثة أحرف فلا تختلفوا فيه فإنه مبارك كله ، فاقرؤوه كالذي أقرئتموه " ؛ وقال : " رواه الطبراني والبزار وقال : " لا تجافوا عنه " بدل " ولا تحاجوا فيه "
وإسنادهما ضعيف " .
قلت : كذا الأصل ! وأنت ترى أنه ليس فيه " ولا تحاجوا فيه " وإنما " فلا تختلفوا فيه " . وكذلك هو في " زوائد البزار " ( ص 226 ) . فالله أعلم . وقد أورده السيوطي في " الجامع " من رواية ابن الضريس بلفظ : " فلا تختلفوا فيه ولا تحاجوا فيه " فجمع بين اللفظين .
وإسناد البزار هكذا : حدثنا خالد بن يوسف : حدثني أبي : حدثنا خبيب بن سليمان عن أبيه عن سمرة .
قلت : وهذا سند ضعيف جدا ، خالد بن يوسف - وهو ابن خالد السمتي - قال الذهبي : " أما أبوه فهالك ، وأما هو فضعيف " اهـ .[49]
وحتى لو تنزلنا وقلنا ان الاثر معتبر , فلا اشكال في ذلك , وذلك لان الثلاثة جزء من السبعة , ولم يرد في رواية الثلاثة احرف ما يدل على الحصر , فيبطل اي اشكال لأي احد اذا اراد ان يُشكِل به .
{ أتاني جبريل فقال: اقرأ القرآن على حرف واحد }
في كنز العمال : " 3090- "أتاني جبريل فقال: اقرأ القرآن على حرف واحد" . "ابن منيع ص عن سليمان بن صرد" اهـ .[50]
فالوارد من حديث سليمان بن الصرد في عدد الحروف هو سبعة كما نقل ابن جرير الطبري , حيث قال : " حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ، يَرْفَعُهُ، قَالَ: " أَتَانِي مَلَكَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْرَأْ. قَالَ: عَلَى كَمْ؟ قَالَ: عَلَى حَرْفٍ، قَالَ: زِدْهُ، حَتَّى انْتَهَى بِهِ إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ " اهـ .[51]
فاثر سليمان بن الصرد رحمه الله فيه سبعة احرف , ولقد نقل الحافظ ابن كثير سند احمد بن منيع الى سليمان بن الصرد وان فيه سبعة احرف , قال الحافظ ابن كثير : " "حديث آخر" فى معناه عن سليمان بن صرد, قال ابن جرير: حدثنا إسماعيل بن موسى السدى، ثنا شريك عن أبى إسحاق، عن سليمان بن صرد يرفعه، قال: "أتانى ملكان فقال أحدهما: اقرأ، قال: "على كم"؟ قال: على حرف، قال: "زده، حتى انتهى إلى سبعة أحرف ".
ورواه النسائى فى "اليوم والليلة" عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام، عن اسحاق الأزرق، عن العوام بن حوشب، عن أبى إسحاق، عن سليمان بن صرد، قال: أتى أُبَيّ بن كعب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجلين اختلفا فى القراءة، فذكر الحديث.
وهكذا رواه أحمد بن منيع، عن يزيد بن هارون، عن العوام ابن حوشب به " اهـ .[52]
فالاثر الذي ورد بالسند الى سليمان بن الصرد رحمه الله فيه الاستزادة الى سبعة احرف , وقد بينت بالنقل عن الحافظ ابن كثير ان هذا السند من احمد بن منيع الى سليمان بن الصرد , فاقول ان ما جاء في كنز العمال بغير سند , فنحتاج الى السند اولا , ومن الممكن ان صاحب الكنز قد نقل جملة من الاثر فقط , فالمعتبر ما جاء مسندا من طريق سليمان بن الصرد رحمه الله وفيه الاستزادة الى السبعة احرف والله الموفق .
{ انزل القران على اربعة احرف }
قال الامام الالباني : " 6163/ م - (أُنْزِلَ القرآنُ على أربعةِ أحرفٍ: حلالٍ، وحرامٍ، لاَ يُعذَر أحدٌ بالجهالة به، وتفسيرٍ تُفسِّرُه العرب، وتفسيرٍ تفسِّره العلماء،
ومتشابهٍ لاَ يَعلَمُه إلا اللهُ، ومَنِ ادَّعى علمه سوى اللهِ؛ فهو كاذبٌ) .
ضعيف جداً.
أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره " (1/36) من طريق
الكلبي عن أبي صالح مولى أم هانئ عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: ... فذ كره، وقال: "في إسناده نظر".
قلت: وآفته (الكلبي) - وهو: محمد بن السائب، النسابة المفسر المشهور -:
قال الذهبي في "المغني ": "تركوه، كذبه سليمان التيمي وزائدة وابن معين، وتركه القطان وعبد الرحمن ".
وقال الحافظ: "متهم بالكذب، ورمي بالرفض".
وأبو صالح مولى أم هانئ، اسمه: (باذام) ، وهو ضعيف.
والحديث رواه ابن جرير من طريق أبي الزناد قال: قال ابن عباس: ... فذكره
موقوفاً نحوه. وإسناده ضعيف " اهـ .[53]
وقد جاء هذا الاثر في مسند الشاميين للامام الطبراني : " 1385 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدوسِ بْنِ كَامِلٍ السَّرَّاجُ، ثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْبَغْدَادِيُّ حَ وَحَدَّثَنَا عُبَيْدٌ الْعِجْلُ، ثَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى الْمُسْتَمْلِيُّ، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمٍ , ثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَرْبَعَةِ وجُوهٍ: فَوَجْهٌ حَلَالٌ وَحَرَامٌ وَلَا يَسَعُ أَحَدًا جَهَالَتُهُ , وَوَجْهٌ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ , وَوَجْهٌ تَأْوِيلٌ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ , وَوَجْهُ تَأْوِيلٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ , مَنِ انْتَحَلَ مِنْهُ عِلْمًا فَقَدْ كَذَبَ " اهـ .[54]
وهذا الاثر ضعيف ايضا , وعلته ابو صالح مولى ام هانيء وهو باذام , ضعيف , قال الامام البخاري : " 43 - باذام أَبُو صَالح مولى أم هَانِئ الهاشمية أُخْت عَليّ بن أبي طَالب كُوفِي قَالَ بن سِنَان ترك بن مهْدي حَدِيث أبي صَالح ..." اهـ .[55]
وقال الامام النسائي : " 72 - باذام أَبُو صَالح الْكَلْبِيّ ضَعِيف كُوفِي " اهـ .[56]
وقال الامام ابن الجوزي : " 489 - باذم وَيُقَال ناذان بن صَالح مولى أم هانىء صَاحب الْكَلْبِيّ كُوفِي يحدث عَن ابْن عَبَّاس وَلم يسمع مِنْهُ
ترك ابْن مهْدي حَدِيثه وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيف وَقَالَ ابْن عدي لَا أعلم أحدا من الْمُتَقَدِّمين رضيه وَقَالَ أَبُو الْفَتْح الْأَزْدِيّ هُوَ كَذَّاب " اهـ .[57]
وقد ذكره الامام الذهبي في ديوان الضعفاء في موضعين , حيث قال : " 544 - باذام، أبو صالح: وبالكنية أشهر، ضعيف الحديث. -عه- " اهـ .[58]
وقال : " 4953 - أبو صالح باذام. مولى أم هانئ: تركه ابن مهدي: مر -عه- " اهـ .[59]
وقال الحافظ ابن حجر : " 634 - باذام بالذال المعجمة ويقال آخره نون أبو صالح مولى أم هانئ ضعيف يرسل من الثالثة 4 " اهـ .[60]
{ ان الله انزل القران على خمسة احرف }
قال الامام الطبري : " وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنِ الْأَحْوَصِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى خَمْسَةِ أَحْرُفٍ: حَلَالٍ، وَحَرَامٍ، وَمُحْكَمٍ، وَمُتَشَابِهٍ، وَأَمْثَالٍ، فَأَحِلَّ الْحَلَالَ وَحَرِّمِ الْحَرَامَ، وَاعْمَلْ بِالْمُحْكَمِ، وَآمِنْ بِالْمُتَشَابِهِ، وَاعْتَبِرْ بِالْأَمْثَالِ " اهـ .[61]
هذا الاثر لا يصح سندا وعلته الاحوص بن حكيم , قال الامام النسائي : " 62 - الْأَحْوَص بن حَكِيم بن عُمَيْر ضَعِيف شَامي " اهـ .[62]
وقال الامام الدار قطني : " 120- الأحوص بن حكيم الحمصي منكر الحديث " اهـ .[63]
وقال الامام الذهبي : " 499 – ق احوص بن حَكِيم الْحِمصِي عَن انس
قَالَ ابْن معِين لَا شَيْء وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيف " اهـ .[64]
قال الحافظ ابن حجر : " 290 الأحوص بن حكيم بن عمير العنسي بالنون أو الهمداني الحمصي ضعيف الحفظ من الخامسة وكان عابدا ق " اهـ .[65]
واما من ناحية المتن فان الاثر يتعلق بما جاء في القران الكريم من تفصيل في احكامه , وحمل الحرف الوارد في اثر ابن مسعود رضي الله عنه يراد به الوجه , او المعنى المتعلق باحكام القران الكريم , وما فيه من تفصيل , فخلاصة الكلام ان متن الاثر لا علاقة له بالاحرف التي نزل بها القران , وتخيير النبي صلى الله عليه واله وسلم الامة في قراءة اي حرف .
وفي فضائل القران للامام ابي عبيد : " حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى خَمْسَةِ أَحْرُفٍ: حَلَالٍ، وَحَرَامٍ، وَمُحْكَمٍ، وَمُتَشَابِهٍ، وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ، فَأَحِلُّوا حَلَالَهُ، وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ، وَاعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ، وَآمَنُوا بِمُتَشَابِهِهِ، وَاعْتَبِرُوا بِأَمْثَالِهِ " اهـ .[66]
وهذا الاثر لا يصح وفيه علتان :
1 – ضعف ابي بكر بن عبد الله بن ابي مريم .
قال الامام النسائي : " 668 - أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم ضَعِيف " اهـ .[67]
وقال الامام الذهبي : " 4873 - أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني: قيل: اسمه بكر، وقيل: بكير، وقيل: عمر، وليس حديثه بصحيح، ضعفه أحمد وغيره لكثرة حديثه. -د، ت، ق- " اهـ .[68]
وقال الحافظ ابن حجر : " 7974 أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي وقد ينسب إلى جده قيل اسمه بكير وقيل عبد السلام ضعيف وكان قد سرق بيته فاختلط من السابعة مات سنة ست وخمسين د ت ق " اهـ .[69]
2 – الانقطاع فإن راشد بن سعد تابعي , وليس بصحابي , قال الامام العجلي : " 408- راشد بن سعد: "شامي"، تابعي، ثقة " اهـ .[70]
وقال الامام الذهبي : " 2067 - بخ عه رَاشد بن سعد المقرائي تَابِعِيّ مَشْهُور ثِقَة قَالَ ابْن حزم ضَعِيف " اهـ .[71]
{ انزل القران على عشرة احرف }
قال الامام السيوطي : " ( 2823 ) ( ( أُنْزِلَ القُرْآنُ على عَشْرَة أحْرُفٍ بَشيرٌ ونَذِيرٌ وناسِخٌ ومَنْسوخٌ وعِظَةٌ ومَثَلٌ ومُحْكَمٌ ومُتشابهٌ وحَلالٌ وحَرامٌ ) ) ( السجزي في الإبانة ) عن علي " اهـ .[72]
ان هذا الاثر من ناحية السند ضعيف , قال الامام الالباني : " 1339 - أنزل القرآن على عشرة أحرف بشير ونذير وناسخ ومنسوخ وعظة ومثل ومحكم ومتشابه وحلال وحرام
(السجزي في الإبانة) عن علي.
__________
[حكم الألباني]
(ضعيف) " اهـ .[73]
واما من ناحية المتن فان مراد علي رضي الله عنه بالعشرة احرف قد بينها بنفسه في المتن , وهو الوجوه التي جاء بها القران بما يتعلق بالمعاني , فالحلال والحرام والناسخ والمنسوخ , وباقي المعاني التي جاءت في الاثر لا علاقة لها باختلاف القراءة من باب التيسير على الامة, فالاثر قد بين نفسه بنفسه , قال الامام المناوي : " (أنزل الْقُرْآن على عشرَة أحرف) أَي عشرَة وُجُوه (بشير) اسْم فَاعل من الْبشَارَة وَهِي الْخَبَر السار (ونذير) من الْإِنْذَار الْإِعْلَام بِمَا يخَاف مِنْهُ (وناسخ ومنسوخ) أَي حكم مزال بِحكم (وعظة) أَي موعظة (وَمثل ومحكم) أَي أحكمت عِبَارَته عَن الإحتمال (ومتشابه) عِبَارَته مشتبهة مُحْتَملَة (وحلال وَحرَام) وهما حرفا الْأذن والزجر والبشارة والنذارة (السجْزِي فِي) كتاب (الْإِبَانَة) عَن أصُول الدّيانَة (عَن عَليّ) أَمِير الْمُؤمنِينَ " اهـ .[74]
299 - نظم المتناثر من الحديث المتواتر - أبو عبد الله محمد بن أبي الفيض جعفر الحسني الإدريسي الكتاني - ص 174 .
300 - فضائل القرآن – ابو عبيد القاسم بن سلام - ص 339 .
301 - صحيح البخاري - بَابُ أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ - ج 6 ص 184 , وصحيح مسلم - بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَبَيَانِ مَعْنَاهُ – ج 1 ص 560 .
302 - صحيح البخاري - بَابُ أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ - ج 6 ص 184 , وصحيح مسلم - بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَبَيَانِ مَعْنَاهُ – ج 1 ص 560 .
303 - صحيح البخاري - بَابُ أُنْزِلَ القُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ - ج 6 ص 184 , وصحيح مسلم - بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَبَيَانِ مَعْنَاهُ – ج 1 ص 561 .
304 - صحيح مسلم - بَابُ بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ وَبَيَانِ مَعْنَاهُ – ج 1 ص 562 .
305 - مسند الامام احمد – تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط – ج 29 ص 85 .
306 - مسند الامام احمد – تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط – ج 29 ص 353 - 354 .
307 - مسند الامام احمد – تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط – ج 33 ص 350 .
308 - مسند الامام احمد – تحقيق الشيخ شعيب الارناؤوط – ج 38 ص 352 , والمعجم الكبير- ابو القاسم سليمان بن احمد الطبراني – ج 3 ص 167 .
309 - صحيح وضعيف سنن الترمذي – محمد ناصر الدين الالباني - ج 6 ص 444 .
310 - الآحاد والمثاني - أبو بكر أحمد بن عمرو بن الضحاك الشيباني – ج 6 ص 104 , ومعرفة الصحابة – ابو نعيم احمد بن عبد الله الاصبهاني - ج 24 ص 78 .
311 - التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان – محمد ناصر الدين الالباني – ج 1 ص 196 .
312 - المعجم الكبير- ابو القاسم سليمان بن احمد الطبراني – ج 10 ص 102 .
313 - الاحرف السبعة – ابو عمر الداني عثمان بن سعيد بن عثمان– ص 46 .
314 - تفسير الطبري – محمد بن جرير الطبري - ج 1 ص 58 – 59 .
315 - تفسير الطبري – محمد بن جرير الطبري - ج 1 ص 64 .
316 - منجد المقرئين ومرشد الطالبين - شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن يوسف بن الجزري – ص 70 .
317 - منجد المقرئين ومرشد الطالبين - شمس الدين أبو الخير ابن الجزري، محمد بن محمد بن يوسف (المتوفى: 833هـ) – ص 71 .
318 - فضائل القرآن – ابو عبيد القاسم بن سلام - ص 339 , والسنن الكبرى – ابو بكر احمد بن الحسين البيهقي – ج 2 ص 538 .
319 - تهذيب اللغة - أبو منصور محمد بن أحمد الازهري – ج 2 ص 98 .
320 - تاويل مشكل القران – ابو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري – ص 30 .
321 - النهاية في غريب الأثر - أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري - ج 1 ص 938 .
322 - الاحرف السبعة – ابو عمر الداني عثمان بن سعيد بن عثمان– ص 53 .
323 - الاحرف السبعة – ابو عمر الداني عثمان بن سعيد بن عثمان– ص 60 - 61 .
324 - الاحرف السبعة – ابو عمر الداني عثمان بن سعيد بن عثمان– ص 62 - 63 .
325 - مناهل العرفان في علوم القران - محمد عبد العظيم الزُّرْقاني – ج 1 ص 168 – 172 .
326 - مجموع الفتاوى – احمد بن عبد الحليم بن تيمية - ج 2 ص 569 – 570 .
327 - مجموع الفتاوى – احمد بن عبد الحليم بن تيمية - ج 13 ص 395 – 396 .
328 - مجموع الفتاوى – احمد بن عبد الحليم بن تيمية - ج 13 ص 401 – 402 .
329 - منهاج السنة النبوية – احمد بن عبد الحليم بن تيمية - ج 6 ص 121 – 122 .
330 - النشر في القراءات العشر – ابو الخير محمد بن محمد بن يوسف بن الجزري - ج 1 ص 19 .
331 - مناهل العرفان - محمد عبد العظيم الزُّرْقاني – ج 1 ص 418 .
332 - الاتقان في علوم القران – عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي – ج 1 ص 264 .
333 - إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربعة عشر - أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطيّ، شهاب الدين الشهير بالبناء - ج 1 ص 8 .
334 - المستصفى – ابو حامد محمد بن محمد الطوسي - ج 1 ص 8 .
335 - المستصفى – ابو حامد محمد بن محمد الطوسي - ج 1 ص 81 .
336 - المغني – موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي – ج 1 ص 568 .
337 - مناهل العرفان - محمد عبد العظيم الزُّرْقاني – ج 1 ص 427 – 428 .
338 - شرح أصول الكافي - محمد صالح المازندراني - ج 5 - ص 317 .
339 - وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 6 ص 162 – 164 .
340 - الوافي - الفيض الكاشاني - ج 9 ص 1776 .
341 - مفتاح الكرامة - محمد جواد العاملي - ج 7 - شرح ص 215 .
342 - منتهى المطلب - الحلي - ج 1 ص 273 .
343 - العروة الوثقى - اليزدي - ج 2 ص 519 – 520 .
344 - الفوائد الحائرية - الوحيد البهبهاني - ص 286 .
345 - منهاج الصالحين - محمد إسحاق الفياض - ج 1 - ص 251 .
346 - بحار الأنوار - المجلسي - ج 82 ص 65 – 66 .
347 - سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة – محمد ناصر الدين الالباني – ج 6 ص 532 – 534 .
348 - كنز العمال - علاء الدين علي بن حسام الدين المتقي الهندي – ج 2 ص 54 .
349 - تفسير الطبري – محمد بن جرير الطبري – ج 1 ص 28 .
350 - فضائل القران – اسماعيل بن عمر بن كثير – ص 107 – 109 .
351 - سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة – محمد ناصر الدين الالباني – ج 13 ص 371 .
352 - مسند الشاميين – ابو القاسم سليمان بن احمد الطبراني – ج 2 ص 320 .
353 - الضعفاء – ابو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري – ص 23 .
354 - الضعفاء والمتروكون – احمد بن علي بن شعيب النسائي – ص 23 .
355 - الضعفاء والمتروكون – عبد الرحمن بن علي بن الجوزي – ج 1 ص 135 .
356 - ديوان الضعفاء – محمد بن احمد الذهبي – ص 44 .
357 - ديوان الضعفاء – محمد بن احمد الذهبي – ص 461 .
358 - تقريب التهذيب – احمد بن علي بن حجر - ج 1 ص 163 .
359 - تفسير الطبري – محمد بن جرير الطبري – ج 1 ص 64 .
360 - الضعفاء والمتروكون – احمد بن علي بن شعيب النسائي – ص 20 .
361 - الضعفاء والمتروكون – ابو الحسن علي بن عمر الدارقطني – ج 1 ص 259 .
362 - المغني في الضعفاء – محمد بن احمد الذهبي – ج 1 ص 64 .
363 - تقريب التهذيب – احمد بن علي بن حجر – ص 96 .
364 - فضائل القران – ابو عبيد القاسم بن سلام – ص 100 .
365 - الضعفاء والمتروكون – احمد بن علي بن شعيب النسائي – ص 115 .
366 - ديوان الضعفاء – محمد بن احمد الذهبي – ص 453 .
367 - تقريب التهذيب – احمد بن علي بن حجر – ص 623 .
368 - الثقات - أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي - ص 151 .
369 - المغني في الضعفاء – محمد بن احمد الذهبي – ج 1 ص 226 .
370 - الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير – عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي - ج 1 ص 260 .
371 - ضعيف الجامع الصغير وزياداته – محمد ناصر الدين الالباني – ج 1 ص 193 .
372 - التيسير بشرح الجامع الصغير ـ محمد بن عبد الرؤوف المناوي - ج 1 ص 771 .
373 - مسند الامام احمد - تحقيق شعيب الارناؤوط - ج 2 ص 376 .
نزول القرآن علي سبعة أحرف ..
نقول أن هذا القول لا تؤمن به الرافضة , وذلك أن عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : إن الناس يقولون إن القرآن نزل على سبعة أحرف . فقال : كذبوا أعداء الله ولكنه نزل على حرف واحد من عند واحد . الكافي جـ 2 ص ( 630 ) أما بالنسبة لأهل السنة أهل الحق والوسطية فهم يؤمنون بذلك , وقول جعفر الصادق أو المنسوب إليه ( من عند واحد ) فهذا صحيح , فالله تعالى واحد أحد , ولكن قوله ( على حرف واحد ) فهذا فيه تكذيب للحقيقة , حيث ثبت بالأدلة القطعية النقلية منها والعقلية وقوع تعدد القراءات , وأن القرآن نزل على سبعة أحرف , والاختلاف هو اختلاف تعددي وسردي , وليس اختلاف تضاد وتناقض , فروايات نزل القرآن على سبعة أحرف إنما تعني فقط التوسعة على الناس بقراءة القرآن بمترادفات من اللفظ الواحد من ملاحظة أن جميع هذه المترادفات قد نزلت فعلاً من عند الله تعالى , وليس في ذاك أي انتقاص كيف يتوهم الرافضة من الذات الإلهية , لأن الذي أنزل الحرف الواحد هو نفسه جل جلاله الذي أنزل بقية الأحرف.
الطعن في أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف(*)
مضمون الشبهة:
يطعن بعض المغرضين في صحة أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف، بدعوى أنها ليست من الوحي في شيء، وأن هذه القراءات ما هي إلا نتيجة لتطور الزمن واختلاف الأجناس.
مستدلين على ذلك بأن القرآن قد نزل بلغة واحدة أو لهجة واحدة هي لغة قريش ولهجتها، ولم يكد يتناولها القراء من القبائل المختلفة حتى كثرت قراءاته، وتعددت اللهجات فيه، وتباينت تباينا كبيرا بسبب اختلاف لهجات القراء، ويضيفون سببا آخر في التعدد والاختلاف وهو خلو المصاحف العثمانية من النقط والشكل مدة زمنية كبيرة.
ويزعمون أن هذه الأحاديث تتعارض مع قوله تعالى )أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (82)( (النساء).
إذ إن هذه الأحاديث تدل على أن في القرآن اختلافا كثيرا، بينما ينفي الله عن هذا القرآن الاختلاف، لذلك وجب رد مثل هذه الأحاديث.
رامين من وراء ذلك إلى إسقاط هذه الأحاديث الصحيحة التي أثبتت نزول القرآن على سبعة أحرف.
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف أحاديث صحيحة متواترة المعنى، رواها أكثر من عشرين صحابيا، وهذه الأحرف السبعة وحي من عند الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - وليست من اختراع القراء كما زعم هؤلاء.
2) لو كان اختلاف القراءات بسبب خلو المصاحف من الشكل والإعجام لكان القارئ الذي يقرأ الكلمة وفق رسم معين يلتزمه في أمثاله ونظائره في القرآن كله، والحاصل غير ذلك، فهناك كلمات ترد وفق رسم ما في سياق، ثم تأتي برسم آخر في سياق آخر في نفس القراءة، ولو لم تتعلق القراءة بالوحي لما اختلف الرسم، أما القول بأن اختلاف لهجات القبائل هو السبب في تنوع القراءات فهذا مردود؛ إذ إن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم قد اختلفا في القراءة، وهما من قبيلة واحدة هي قريش، وأقر النبي - صلى الله عليه وسلم - كل واحد منهما على حرفه.
3) إن نزول القرآن على الأحرف السبعة كان لحكم جليلة، تدل على أنها وحي من عند الله تبارك وتعالى، منها: التيسير على الأمة، ومكافأة الفروع اللسانية المختلفة للعرب، وتعدد المعجزات بتعدد القراءات، والاصطفاء من اللهجات المختلفة لتهذيبها وجمعها في القرآن.
4) الاختلاف الذي أثبتته الأحاديث النبوية، والذي ينفيه القرآن، ليسا على مدار واحد، فالأحاديث تثبت التنوع في طرق الأداء للألفاظ، والقرآن ينفي التناقض والتدافع في المعنى.
التفصيل:
أولا. أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف صحيحة ثابتة، والأحرف السبعة وحي من عند الله:
لقد أنزل القرآن الكريم على سبعة أحرف ورويت لنا - هذه الأحرف - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متواترة؛ إذ إن الصحابة الكرام رووا القرآن لنا «على طرق مختلفة في بعض ألفاظه وكيفيات الحروف في أدائها، وتنوقل ذلك واشتهر إلى أن استقرت، منها سبع طرق معينة تواتر نقلها أيضا بأدائها، واختصت بالانتساب إلى من اشتهر بروايتها من الجم الغفير فصارت هذه القراءات السبع أصولا للقراءة"[1].
وقد تواترت الأحاديث التي تثبت نزول القرآن على سبعة أحرف في معانيها؛ روى البخاري بعضها في صحيحه وترجم لها بقوله «باب أنزل القرآن على سبعة أحرف» وذكر منها بسنده عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: أقرأني جبريل - عليه السلام - على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف»[2].
وروى عن عمر بن الخطاب قال: «سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم، فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: كذبت، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أقرأنيها على غير ما قرأت. فانطلقت به أقوده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله، اقرأ يا هشام. فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت. ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف. فاقرأوا ما تيسر منه»[3].
وبوب الإمام النووي على صحيح مسلم في صحيحه بابا بعنوان «باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه»؛ وذكر فيه حديث ابن عباس وحديث عمر السابقين، وروى أحاديث أخرى تثبت ذلك، منها ما رواه عن أبي بن كعب «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان عند أضاة بني غفار[4] قال فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف، فقال: «أسأل الله معافاته، ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك»، ثم أتاه فقال: «إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين، فقال: أسأل الله معافاته، ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الثالثة فقال: «إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك» ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا»[5].
وهناك العديد من الأحاديث الصحيحة التي تثبت ذلك في غير الصحيحين. ولقد جاء هذا النقل الصحيح من طرق مختلفة كثيرة، وروي هذا الحديث عن جمع كبير من الصحابة، منهم عمر بن الخطاب، وعثمان، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو هريرة، وأبو بكر، وأبو جهم، وأبو سعيد الخدري، وأبو طلحة الأنصاري، وأبي بن كعب، وزيد بن أرقم، وسمرة بن جندب، وسلمان بن صرد، وعبد الرحمن بن عوف، وعمرو بن أبي سلمة، وعمرو بن العاص، ومعاذ بن جبل، وهشام بن حكيم، وأنس، وحذيفة، وأم أيوب امرأة أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنهم - أجمعين. فهؤلاء أحد وعشرون صحابيا، ما منهم إلا رواه وحكاه[6].
ومن هذه الروايات المتفق على صحتها يظهر إفك من زعم بأن روايات نزول القرآن على سبعة أحرف مكذوبة، بل هي في غاية الصحة باتفاق صيارفة الحديث.
وظهر في الروايات السابقة أن اختلاف القراء إنما حدث في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما تلاه عليهم وسمعوه منه مشافهة، ولم يأت هذا الخلاف نتيجة النظر في المصحف المكتوب المقروء الخالي من النقط والشكل كما زعم هؤلاء المشككون.
ولذلك فالقراءات قرآن أيضا نزل من عند الله - عز وجل - وما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يضيق على أمته واسعا يسر به الله تعالى على عباده، بل هو الذي كان يطلب من الله هذا التيسير وقد أعطاه الله ما أراده.
ولما كانت هذه الحروف السبعة وحيا من عند الله - عز وجل - إلى نبيه الكريم نقلها لنا العدول في كل طبقة حتى وصلت إلينا كما أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد كان الصحابة الكرام يختلفون في الأخذ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنهم من أخذ القرآن عنه بحرف واحد، ومنهم من أخذه عنه بحرفين، ومنهم من زاد على ذلك، حتى تفرقوا بعد ذلك في الأمصار، وهم على هذا الحال، فاختلف بسبب ذلك أخذ التابعين عنهم، وأخذ تابعي التابعين، وهكذا حتى وصلت هذه القراءات إلى الأئمة الذين تخصصوا وانقطعوا للقراءات يتلونها وينشرونها، وإن كان الاختلاف يرجع إلى أمور يسيرة بالنسبة إلى مواضع الاتفاق الكثيرة، لكنه اختلاف في حدود الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن الكريم، وكلها من عند الله - عز وجل - لا من عند الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من القراء أو غيرهم[7].
ولقد وضع العلماء ضوابط وأركانا للقراءة التي تعتبر صحيحة ومقبولة وهي:
1. التواتر، وهو: نقل جماعة عن جماعة تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، من أول السند إلى منتهاه.
2. موافقة أحد المصاحف العثمانية.
3. موافقة وجه من أوجه اللغة العربية.
ولقد تحققت هذه الأركان في قراءات الأئمة العشرة، الذين نسبت إليهم وجوه اختلاف ألفاظ القرآن الكريم، نقلا عن التابعين، عن الصحابة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل - عليه السلام - عن رب العزة جل وعلا.
وذكر الإمام القرطبي أنه قد أجمع المسلمون في جميع الأمصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة فيما رووه ورأوه من القراءات، وكتبوا في ذلك مصنفات واستمر الإجماع على الصواب، وحصل ما وعد الله به من حفظ الكتاب. وعلى هذا الأئمة المتقدمون والفضلاء المحققون كابن جرير الطبري والقاضي أبي بكر بن أبي الطيب وغيرهما[8].
وقال الإمام المحقق ابن الجزري، والعلامة ابن السبكي: القراءات السبع التي اقتصر عليها الشاطبي، والثلاث التي هي قراءة أبي جعفر، وقراءة يعقوب، وقراءة خلف، متواترة معلومة من الدين بالضرورة، وكل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدين بالضرورة أنه منزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يكابر في شيء من ذلك إلا جاهل، وليس تواتر شيء من ذلك مقصورا على من قرأ بالروايات، بل هي متواترة عند كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولو كان مع ذلك عاميا ولا يحفظ من القرآن حرفا، وحظ كل مسلم وحقه أن يدين لله - تبارك وتعالى - وتجزم نفسه بأن ما ذكرناه متواتر معلوم باليقين، لا تتطرق إليه الظنون ولا الارتياب إلى شيء منه[9].
وبعد هذا العرض ماذا تعني هذه الحروف السبعة؟!
ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد، على معنى أنه حيث تختلف لغات العرب في التعبير عن معنى من المعاني يأتي منزلا بألفاظ على قدر هذه اللغات لهذا المعنى، وحيث لا يكون هناك اختلاف فإنه يأتي بلفظ واحد أو أكثر، واختلفوا في تحديد اللغات السبع؛ فقيل: هي لغات: قريش، وهذيل، وثقيف، وهوازن، وكنانة، وتميم، واليمن.
فالقراءة على سبعة أحرف أي أن يقرأ القاريء على سبعة أوجه يجوز أن يقرأ بكل وجه منها، وليس المراد أن كل كلمة أو جملة منه تقرأ على سبعة أوجه، بل المراد أن غاية ما انتهى إليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة إلى سبعة، فإن قيل فإنا نجد بعض الكلمات يقرأ على أكثر من سبعة أوجه، فالجواب أن غالب ذلك إما لا يثبت الزيادة، وإما أن يكون من قبيل الاختلاف في كيفية الأداء كما في المد والإمالة ونحوهما[10].
فالمراد إذن أن القرآن أنزل على هذه التوسعة بحيث لا يتجاوز وجوه الاختلاف سبعة أوجه في الحرف الواحد.
ويقول الدكتور عماد السيد الشربيني: «المراد بالأحرف في الأحاديث السابقة وجوه في الألفاظ وحدها لا محالة بدليل أن الخلاف الذي صورته لنا الروايات المذكورة كان دائرا حول قراءة الألفاظ لا تغير المعنى"[11].
وننبه إلى أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم ليست هي القراءات السبع المنقولة عن الأئمة السبعة المعروفين عند القراء. فهذا خطأ كبير، غالبا ما يقع فيه الكثير من عامة الناس، ممن لم يأخذوا من علوم القرآن والحديث بحظ ولا نصيب، فإن ذلك لا يصح؛ لأن الأحرف التي نزل بها القرآن، أعم من تلك القراءات المنسوبة إلى الأئمة السبعة القراء، عموما مطلقا، وأن هذه القراءات أخص من تلك الأحرف السبعة النازلة خصوصا مطلقا. ذلك؛ لأن الوجوه التي أنزل الله عليها كتابه، تنتظم كل وجه قرأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقرأه أصحابه، وذلك ينتظم القراءات السبع المنسوبة إلى هؤلاء الأئمة السبعة القراء، كما ينتظم ما فوقها إلى العشرة وما بعد العشرة، وما كان قرآنا ثم نسخ، ولم يصل إلى هؤلاء القراء جميعا؛ ولهذا نصوا في المذهب المختار على أنه يشمل كل وجوه القراءات صحيحها وشاذها.
كما أن السبعة لم يكونوا قد خلقوا، ولا وجدوا حين نطق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث الشريف، ومحال أن يفرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - على نفسه وعلى أصحابه ألا يقرءوا بهذه الأحرف السبعة النازلة إلا إذا علموا أن هؤلاء القراء السبعة قد اختاروا القراءة بها، على حين أن بين العهدين بضعة قرون! وعلى حين أن هؤلاء القراء وسواهم إنما أخذوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن طريق أصحابه، ومن أخذ عنهم إلى أن وصلوا إليهم، فهذه الشبهة تستلزم الدور الباطل فهي باطلة[12].
ومن خلال ما ذكرناه يتيبن أن نزول القرآن على الأحرف السبعة هو من شرع الله، وأن هذه الأحرف كلها من عند الله، وليست من تأليف البشر، وليست بسبب اختلاف لهجات القراء الذين كانوا من قبائل مختلفة كما زعموا، وذلك لتواتر الأحاديث وثبوتها واجتماع الأمة على الأخذ بها والعمل عليها.
ثانيا. لم يكن خلو المصاحف من الشكل والإعجام أو اختلاف اللهجات سببا في تنوع القراءات واختلافها:
أما زعمهم أن خلو المصاحف من الشكل والإعجام، كان سببا في تنوع القراءات واختلافها، فهذا مردود، إذ لو كان صحيحا لكان القاريء الذي يقرأ الكلمة وفق رسم معين، يلتزمه في أمثاله ونظائره حيث وقع في القرآن الكريم، والحاصل غير ذلك، فهناك كلمات ترد وفق رسم ما في سياق، ثم تأتي برسم آخر في سياق آخر في نفس القراءة, ولو لم تتعلق القراءة بالوحي لما اختلف الرسم، وإليك مثالا واحدا، قوله تعالى في فاتحة الكتاب: )مالك يوم الدين (4)( (الفاتحة)، وقوله سبحانه )قل اللهم مالك الملك( (آل عمران: 26) وقوله تعالى في سورة الناس )ملك الناس (2)( (الناس)، فلو تأملت المواضع الثلاثة في المصحف لوجدت الكلمة فيها كلها هكذا "ملك" بالميم واللام والكاف فقط، ولكن حفصا يقرأ عن عاصم في الفاتحة "مالك" بالألف بعد الميم، وكذلك يقرأ آية آل عمران، أما في سورة الناس فيقرأ "ملك" من دون الألف، ولو كان حفص يقرأ وفق رسم المصحف لقرأ في المواضع الثلاثة "ملك"، ولكنه يقرأ بالرواية المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك قد تختلف القراءات أحيانا لغة ونحوا، وهكذا يبدو للناس في ظاهر الأمر، ولكن الاختلاف في الحقيقة راجع إلى التلقي والرواية لا إلى القاعدة اللغوية أو النحوية.
وهذا مثال واحد: قال الله تعالى: )وكلا وعد الله الحسنى( (الحديد: ١٠)، جاءت هذه الآية في موضعين[13]، ويقرأ القراء جميعا "كلا" بالنصب في الآيتين، لكن ابن عامر يقرأ آية النساء بالنصب كسائر القراء، أما آية سورة الحديد فيقرأها وحده "وكل" بالرفع، وللنحويين في توجيه الرفع والنصب كلام.
فلو كان ابن عامر يقرأ وفق القاعدة النحوية لقرأ الآيتين بالرفع، ولكنه قرأ بالرواية التي تلقاها هو بالتواتر عن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة بالنصب، ومرة بالرفع، مع أن تركيب الآية واحد في الموضعين.
ومن هذين المثالين يتبين أن القراء يختلفون ويتفقون بحسب الرواية والتلقي، وليس بحسب رسم المصحف أو الوجه النحوي أو اللغوي، صحيح أن هذين في الاعتبار، ولكن بعد ثبوت الرواية بالتواتر، والسند الصحيح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وموافقة الرسم العثماني، وأن يكون للقراء وجه صحيح من العربية[14].
أما القول بأن القراءات نشأت بسبب لهجات القبائل المختلفة، وأنها مجرد لهجات استحدثها القراء بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا مردود يبطله ما روي عن اختلاف عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم في قراءة سورة الفرقان والذي سقناه في الوجه الأول من رواية البخاري؛ إذ إن كلا منهما قرأ سورة الفرقان بحرفين مختلفين، وكانا جميعا بني عم قرشيين من قريش البطاح، من قبيلة واحدة جاران ساكنان في مدينة واحدة، وهي مكة، لغتهما واحدة، وهما عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قريط بن رزاح ابن عدي بن كعب، وهشام بن حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن كلاب بن مرة ابن كعب، ويجتمعان جميعا في كعب بن لؤي، وبين كل منهما وبين كعب بن لؤي ثمانية آباء فقط.
فظهر بذلك كذب من ادعى أن اختلاف الأحرف، إنما كان لاختلاف لغات قبائل العرب، ولا يبقى إلا أن يسلم هؤلاء بأن هذه القراءات وحي من عند الله، قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن بها جميعا، وسمعها الصحابة من فم النبي - صلى الله عليه وسلم - ونقلها التابعون، ثم خلفهم من بعدهم حتى أتقنها القراء، وليست من وضع أحد[15].
ثالثا. الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف:
ذكرنا أن الأحرف السبعة وحي من عند الله تعالى أنزلها على عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فما الحكمة منها؟!
إن الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف تتلخص في عدة أمور منها:
1. تيسير القراءة والحفظ على قوم أميين:
لقد كانت الجزيرة العربية متعددة اللهجات؛ إذ كان لكل قبيلة لهجة مغايرة، وظهرت لهجات عربية ضالة لا يمكن أن تلتقي على أصول واحدة إلا مع استثناءات كثيرة تفوق الحصر وتخرج عن المنهج المطرد.
لذلك لم يكن من السهل أن تجمع هذه الجموع الغفيرة على لهجة واحدة منذ البداية، لاسيما وأنه لا عهد لهم بحفظ الشرائع، فضلا عن أن يكون ذلك مما ألفوه، فكان لابد أن يكون القرآن على أكثر من حرف حتى يستطيع الجميع القراءة به، وهذه الحكمة نصت عليها الأحاديث الكثيرة، فعن حذيفة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لقيت جبريل - عليه السلام - عند أحجار المراء، فقلت: يا جبريل إني أرسلت إلى أمة أمية، الرجل، والمرأة، والغلام، والجارية، والشيخ الفاني الذي لا يقرأ كتابا قط. قال: إن القرآن نزل على سبعة أحرف»([16]).
وعندما «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عند غدير بني غفار وأتاه جبريل - عليه السلام - فقال له: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف، فقال: أسأل الله معافاته، ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك»... وظل - صلى الله عليه وسلم - يطلب التخفيف من الله تعالى حتى قال له جبريل: «إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا عليه، فقد أصابوا»[17].
وهذان الحديثان فيهما دلالة صريحة على أن السبب في طلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك من الله - عز وجل - هو التيسير على الأمة الإسلامية.
قال الشيخ عبد الفتاح القاضي: «إن العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، ألسنتهم مختلفة، ولهجاتهم متباينة، ويتعذر على الواحد منهم أن ينتقل من لهجته التي درج عليها، ومرن لسانه على التخاطب بها، فصارت هذه اللهجة طبيعة من طبائعه، وسجية من سجاياه، واختلطت بلحمه ودمه، بحيث لا يمكنه التغاضي عنها، ولا العدول إلى غيرها، ولو بطريق التعليم والعلاج، خصوصا الشيخ الكبير والمرأة العجوز والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط.
فلو كلفهم الله تعالى مخالفة لهجاتهم والعدول عنها لشق ذلك عليهم، ولكان ذلك من قبيل التكليف بما لا يدخل تحت الطاقة، فاقتضت رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن يخفف عليها وأن ييسر لها حفظ كتابها وتلاوة دستورها كما يسر لها أمر دينها»[18]، وكان هذا التيسير عن طريق قراءة القرآن على أكثر من حرف كما بينا.
2. إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب:
لقد تعددت مناحي التأليف الصوتي للقرآن تعددا يكافيء الفروع اللسانية التي عليها فطرة اللغة عند العرب، حتى يستطيع كل عربي أن يوقع بأحرفه وكلماته على لحنه الفطري ولهجة قومه مع بقاء الإعجاز الذي تحدى به الرسول العرب، ومع اليأس من معارضته لا يكون إعجازا للسان دون آخر، وإنما يكون إعجازا للفطرة اللغوية نفسها عند العرب.
3. إعجاز القرآن في معانيه:
إن تقلب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات يتهيأ معه استنباط الأحكام التي تجعل القرآن ملائما لكل عصر، ولهذا احتج الفقهاء في الاستنباط والاجتهاد بقراءات الأحرف السبعة[19].
4. جمع الأمة الإسلامية الجديدة على لسان واحد يوحد بينها:
وهو لسان قريش الذي نزل به القرآن الكريم، والذي انتظم كثيرا من مختارات ألسنة القبائل العربية التي كانت تختلف إلى مكة في موسم الحج وأسواق العرب المشهورة.
فكان القرشيون يستملحون ما شاءوا، ويصطفون ما راق لهم من ألفاظ الوفود العربية القادمة إليهم من كل صوب وحدب، ثم يصقلونه ويهذبونه ويدخلونه في دائرة لغتهم المرنة التي أذعن جميع العرب لها بالزعامة، وعقدوا لها راية الإمامة. وعلى هذه السياسة الرشيدة نزل القرآن على سبعة أحرف، يصطفي ما يشاء من لغات القبائل العربية؛ على نمط سياسة القرشيين بل أوفق. من هنا صح أن يقال: إنه نزل بلغة قريش؛ لأن لغات العرب جمعاء تمثلت في لسان القرشيين بهذا المعنى، وكانت هذه حكمة إلهية سامية، فإن وحدة اللسان العام من أهم العوامل في وحدة الأمة، خصوصا أول عهدها بالتوثب والنهوض[20].
5. الحروف السبعة دليل على أن القرآن كلام الله:
إن هذه الاختلافات في القراءة على كثرتها لا تؤدي إلى تناقض في المقروء، ولا إلى تهافت وتخاذل، بل القرآن كله على تنوع قراءاته، يصدق بعضه بعضا، ويبين بعضه بعضا، ويشهد بعضه لبعض، وعلى نمط واحد في علو الأسلوب والتعبير، وهدف واحد من سمو الهداية والتعليم، وذلك من غير شك، يفيد تعدد الإعجاز بتعدد القراءات والحروف.
ومعنى هذا أن القرآن يعجز إذا قريء بهذه القراءة، ويعجز أيضا إذا قريء بهذه القراءة الثانية، ويعجز أيضا إذا قريء بهذه القراءة الثالثة، وهلم جرا، ومن هنا تتعدد المعجزات بتعدد تلك الوجوه والحروف.
وبعد هذه الحكم الجليلة التي سقناها يتبين أن هذه الأحرف السبعة وحي من عند الله أنزلها على رسوله بهذه الطريقة حتى يتأكد إعجاز هذا القرآن لكل من يقرؤه، ويتأكد أنه من كلام الله حقا.
رابعا. الاختلاف الذي تثبته تلك الأحاديث غير الاختلاف الذي ينفيه القرآن:
إن الاختلاف الذي تثبته تلك الأحاديث غير الاختلاف الذي ينفيه القرآن عن القرآن، وهذا كاف في دفع التعارض، فكلاهما صادق، وبيان ذلك: أن الأحاديث الشريفة تثبت الاختلاف بمعنى التنوع في طرق أداء القرآن والنطق بألفاظه في دائرة محدودة لا تعدو سبعة أحرف، وبشرط التلقي فيها كلها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أما القرآن فينفي الاختلاف الذي بمعنى التناقض والتدافع بين معاني القرآن وتعاليمه، مع ثبوت التنوع في وجوه التلفظ والأداء السابق، ومعنى ذلك أن نزول القرآن على سبعة أحرف لا يلزم منه تناقض، ولا تخاذل ولا تضاد، ولا تدافع بين مدلولات القرآن ومعانيه، وتعاليمه ومراميه، بعضها مع بعض، بل القرآن كله سلسلة واحدة متصلة الحلقات، محكمة السور والآيات، متآخذة المبادئ والغايات، مهما تعددت طرق قراءته، ومهما تنوعت فنون أدائه[21].
ولابن الجزري كلام نفيس في ذلك؛ إذ ذكر أن هذه الأحرف السبعة تشتمل على عدة معان:
· أحدها: ما اختلف لفظه واتفق معناه سواء كان الاختلاف اختلاف كل أو جزء، نحو كلمة «أرشدنا، واهدنا» وكلمة «العهن والصوف» وكلمة «هزوا وهزا وهزؤا».
· الثاني: ما اختلف لفظه ومعناه؛ نحو، «قال رب، وقل رب، ولنبوئنهم ولنثوينهم، ويخدعون ويخادعون، وكذبوا وكذبوا».
· الثالث: ما اتحد لفظه ومعناه مما يتنوع صفة النطق به كالمدات، وتخفيف الهمزات، والإظهار، والإدغام، والروم، والإشمام، وترقيق الراءات، وتفخيم اللامات، ونحو ذلك، وهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ أو المعنى؛ لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا. وهو الذي أشار إليه أبو عمرو بن الحاجب بقوله: والسبعة متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمز ونحوه[22].
وذكر الزرقاني أمثلة على ذلك فقال: إن قوله تعالى: )وظنوا أنهم قد كذبوا( (يوسف:110) قريء بالتشديد والتخفيف في لفظ: «كذبوا» المبني للمجهول، فأما وجه التشديد، فالمعنى: وتيقن الرسل أن قومهم قد كذبوهم، وأما وجه التخفيف، فالمعنى: وتوهم المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم أي كذبوا عليهم فيما أخبروهم به فالظن في الأولى يقين، والضمائر الثلاثة للرسل، والظن في القراءة الثانية شك والضمائر الثلاثة للمرسل إليهم.
ومن هذا القبيل قوله تعالى: )وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال (46)( (إبراهيم). بفتح اللام الأولى ورفع الأخرى في كلمة: «لتزول» وبكسر الأولى وفتح الثانية فيها أيضا. فأما وجه فتح الأولى ورفع الثانية من «لتزول» فهو أن تكون كلمة «إن» مخففة من الثقيلة أي وإن مكرهم كامل الشدة تقتلع بسببه الجبال الراسيات من مواضعها. وفي القراءة الثانية «إن» نافية أي ما كان مكرهم - وإن تعاظم وتفاقم - ليزول منه أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - ودين الإسلام، ففي الأولى تكون الجبال حقيقة، وفي الثانية تكون مجازا[23].
ثم يقول الإمام ابن الجزري معلقا: فليس في شيء من القرآن تناف ولا تضاد ولا تناقض، وكل ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فقد وجب قبوله ولم يسع أحدا من الأمة رده ولزم الإيمان به، وأنه كله منزل من عند الله؛ إذ كل قراءة منها مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، يجب الإيمان بها كلها واتباع ما تضمنه علما وعملا، ولا يجوز ترك موجب إحداهما لأجل الأخرى ظنا أن هذا تعارض[24].
وقد أكد الإمام القرطبي في تفسيره أنه لا تعارض ولا تناقض بين نزول القرآن على سبعة أحرف وبين قوله تعالى )ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا (82)( (النساء)، فقال: "قوله تعالى: «اختلافا» أي تفاوتا وتناقضا، وهذا ما قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد، ولا يدخل في هذا اختلاف ألفاظ القراءات، وألفاظ الأمثال، والدلالات، ومقادير السور والآيات، وإنما أراد اختلاف التناقض والتفاوت"[25].
وخلاصة القول أن الاختلاف الناشئ عن الأحرف السبعة هو اختلاف في طرق الأداء في دائرة محددة لا تعارض بين معانيها ولا تضارب بين أحكامها، ولذلك فلا تعارض بين نصوص السنة النبوية وبين القرآن الكريم فيما يتعلق بهذا الأمر خاصة وغيره بصفة عامة.
الخلاصة:
· إن أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف أحاديث صحيحة رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما، وكذلك أصحاب السنن والمسانيد، وبوبوا عليها أبوابا تنص على نزول القرآن على سبعة أحرف.
· الأحرف السبعة هي سبع لغات من لغات العرب، حيث تختلف لغات العرب في التعبير عن معنى من المعاني فيأتي القرآن منزلا بألفاظ على قدر هذه اللغات لهذا المعنى الواحد، وليعلم الجميع أن الأحرف السبعة ليست هي القراءات السبع المعروفة بيننا، وإنما القراءات جزء منها.
· لو كان تعدد القراءات بسبب خلو المصاحف من الشكل والإعجام في البداية لكان القارئ الذي يقرأ الكلمة وفق رسم معين يلتزمه في أمثاله ونظائره في القرآن كله، والحاصل غير ذلك، فهناك كلمات ترد وفق رسم ما في سياق، ثم تأتي برسم آخر في سياق آخر في نفس القراءة، ولو لم تتعلق القراءة بالوحي لما اختلف الرسم، فكلمة «مالك» كلها في المصحف ترسم هكذا «ملك» لكن حفصا ينطقها في مواضع «ملك» وفي مواضع أخرى «مالك» فلماذا لم يلتزم بالرسم الموجود في كل الحالات؟! إن عدم التزامه بنطق واحد دليل على التزامه بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
· أما القول بأن القراءات القرآنية وقعت بسبب لهجات القراء الذين كانوا من قبائل مختلفة فهو لا يصح؛ إذ إن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم من قبيلة واحدة وهي قبيلة قريش، ومع ذلك اختلفا في القراءة واحتكما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الاثنين على قراءتهما؛ فدل ذلك على بطلان أدلتهم، ولم يبق إلا أنها وحي من الله تعالى.
· إن نزول القرآن على سبعة أحرف كان لحكم جليلة أرادها الله - عز وجل - وهذه الحكم تدل دلالة قاطعة على أن هذه الأحرف وحي من عند الله، ومنها: التيسير على الأمة؛ إذ كان العرب مختلفي اللهجات واللغات ومن الصعب جمعهم على حرف واحد؛ لذلك كانت الأحرف السبعة حتى يتيسر للكل قراءة القرآن دون صعوبة.
· من الحكم التي نزل القرآن على سبعة أحرف لأجلها بيان إعجاز القرآن للفطرة اللغوية؛ إذ قد تعدد التأليف الصوتي للقرآن ليكافئ الفروع اللسانية التي عليها فطرة اللغة عند العرب وكي يستطيع كل عربي أن يوقع بأحرفه وكلماته على لحنه الفطري.
· تقلب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات يتهيأ معه استنباط الأحكام التي تجعل القرآن ملائما لكل عصر.
· جمع الأمة الإسلامية الجديدة على لسان واحد هو لسان قريش الذي جمع مختارات ألسنة القبائل العربية، كذلك القرآن اصطفى ما شاء من لغات القبائل وخرج بهذه الحروف.
· إن القرآن يعجز إذا قرئ بهذه القراءة، ويعجز إذا قرئ بالثانية، وكذلك الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، ومن هنا تتعدد المعجزات بتعدد تلك الحروف، فدل ذلك على أن هذه الأحرف من عند الله تعالى.
· ليس ثمة تعارض بين الأحاديث التي فيها «نزول القرآن على سبعة أحرف» وبين القرآن الكريم؛ لأن الاختلاف الذي في الأحاديث إنما هو في تعدد وتنوع طرق أداء القرآن مما لا يقتضي تعارضا في المعنى أو الحكم، أما الاختلاف الذي ينفيه القرآن عن نفسه فهو الاختلاف في المعنى وتناقضه، وهذا ما تنفيه السنة النبوية الشريفة أيضا وتدفعه بل وتثبت أن القرآن الكريم يصدق بعضه بعضا، فلا تعارض إذن بين السنة النبوية وبين القرآن الكريم، فكلاهما حق يؤيد بعضه بعضا.
(*) النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، تحقيق: علي محمد بن الضباع، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، 1952هـ. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الرياض، ط1، 1417هـ/ 1992م. دراسات في علوم القرآن، د. محمد بكر إسماعيل، دار المنار، القاهرة، ط2، 1419هـ/ 1999م . السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام، د. عماد السيد الشربيني، دار اليقين، مصر، ط1، 1423هـ/ 2002م.
[1]. مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون، دار القلم، بيروت، ط6، 1406هـ/ 1986م، ص437.
[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل القرآن، باب: أنزل القرآن على سبعة أحرف، (8/ 639)، رقم (4991). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه، (4/ 1403)، رقم (1871).
[3]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: فضائل القرآن، باب: أنزل القرآن على سبعة أحرف، (8/ 640)، رقم (4992). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: بيان أن القرآن على سبعة أحرف، (4/ 1403)، رقم (1868).
[4]. أضاة بني غفار: بفتح الهمزة في أضاة وبكسر العين في غفار: مستنقع الماء كالغدير وكان بموضع من المدينة المنورة ينسب إلى بني غفار، لأنهم نزلوا عنده ]انظر: لسان العرب، مادة «أضأ»[.
[5]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناها، (4/ 1404)، رقم (1875).
[6]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، هامش (4/ 1405).
[7]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الرياض، ط1، 1417هـ/ 1992م، (1/ 333) بتصرف.
[8]. دراسات حول القرآن والسنة، د. شعبان محمد إسماعيل، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص20: 28 بتصرف.
[9]. دراسات حول القرآن والسنة، د. شعبان محمد إسماعيل، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، ص28.
[10]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (8/ 640).
[11]. السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام، د. عماد السيد الشربيني، دار اليقين، مصر، ط1، 1423هـ/ 2002م، (2/ 198).
[12]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الرياض، ط1، 1417هـ/ 1992م، (1/ 162).
[13] . جزء من الآية (95) من سورة النساء، وجزء من الآية (10) من سورة الحديد.
[14] . السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام، د. عماد السيد الشربيني، دار اليقين، مصر، ط1، 1423هـ/ 2002م، (2/ 194).
[15]. السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام، د. عماد السيد الشربيني، دار اليقين، مصر، ط1، 1423هـ/ 2002م، (2/ 196).
[16]. صحيح لغيره: أخرجه أحمد في المسند، باقي مسند الأنصار، حديث حذيفة بن اليمان، رقم (23446). وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: صحيح لغيره، إسناده حسن.
[17]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: بيان أن القرآن نزل على سبعة أحرف، (4/ 1404 )، رقم (1875).
[18]. الوافي في شرح الشاطبية، عبد الفتاح القاضي، دار السلام، القاهرة، ط1، 1413هـ / 2003م، ص7.
[19]. مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مكتبة وهبة، القاهرة، ط13، 1425هـ/ 2004م، ص160، 161.
[20]. الأحرف السبعة وارتباطها بالقراءات، فتحي بن الطيب خماسي، دار المعرفة، دمشق، ط1، 1415هـ/ 1995م، ص88.
[21]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الرياض، ط1، 1417هـ/ 1992م، (1/ 157).
[22]. النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، تحقيق: علي محمد بن الضباع، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، 1952هـ، (1/ 29، 30).
[23]. مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الرياض، ط1، 1417هـ/ 1992م، (1/ 158).
[24]. النشر في القراءات العشر، ابن الجزري، تحقيق: علي محمد بن الضباع، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، 1952هـ، (1/ 37) بتصرف.
[25]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1405هـ/ 1985م، (5/ 290).
موقع بيان الإسلام ..